أ. إيمان شمس الدين(*)
تمهيدٌ
قد تكون الضوابط القانونية تنظم عمل الأفراد في مؤسَّسات الدولة، إلا أن حديثنا عن القوانين ضابطةً لعلاقات الإنسان مع المحيط الإنساني، وهي ضوابط أخلاقية وقِيَمية. ولكلٍّ ساحته الفكرية نظرياً، ومن ثم ساحته في الضبط اجتماعياً، رغم التداخل الظاهري بين القيمة والأخلاق. وهناك سعيٌ حقيقي بين المفكِّرين والفلاسفة، ومحاولاتٌ تهدف إلى طرح مشروعٍ يمكن من خلاله إعادة الألفة والوئام بين مختلف الأديان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. ومن هؤلاء: المفكِّر الديني السويسري المعاصر هانز كونج(1928م)([2])، وهو أحد أهمّ الشخصيّات التي اشتغلت على مشروع «السلام الأدياني العالمي»، حيث اعتبر أن مشروعه في المسؤولية والأخلاق العالمية هو حصيلة عمره، وأن هدفه من البحث الديني كلّه كان تحقيق صلحٍ ديني عالمي، وهو يقول بصراحةٍ: «لا صلح بين الأمم دون الصلح بين الأديان، ولا صلح بين الأديان دون الحوار بينها، ولا حوار بينها دون وجود معايير أخلاقية عالمية (أي متعالية عن دينٍ خاص)، ولا بقاء للكرة الأرضية دون هذه المنظومة الأخلاقية الكونية([3]).
إلاّ أن الشهيد والفيلسوف الشيخ مرتضى مطهَّري (1919م ـ 1979م)([4]) قارب الموضوع من زاويةٍ مختلفة في أفكاره، تحت عنوان: «المفهوم التوحيدي للعالم»، من خلال تأسيسه لمعيار تقييم للتصوُّر الذي يستطيع أن يكون قاعدةً للأيديولوجيا حين يتّصف بالاستحكام وسِعَة التفكير الفلسفي وقدسية المبادئ الدينية.
فهو& أسّس لقاعدةٍ معيارية؛ حتى يضمن جودة التصوُّر للكون والعالم، وهي:
1ـ أن يكون قابلاً للإثبات والاستدلال، أي أن يكون ـ بعبارةٍ أخرى ـ مؤيَّداً بالعقل والمنطق، وبذلك يوفِّر الأرضية العقلية لتقبُّله، ويزيل الإبهام والغموض عن طريق العمل.
2ـ أن يمنح الحياة معنىً، وأن يزيل من الأذهان أفكار عبثية الحياة، ويزيل الإبهام والغموض عن طريق العمل أيضاً.
3ـ أن يبعث في النفوس الاندفاع والشوق والهدفية؛ لتكون له قدرة الجَذْب ومنح الطاقة والحرارة.
4ـ قدرته على إعطاء طابع التقديس للأهداف الإنسانية والاجتماعية؛ ليبعث في نفوس معتنقيه الاستعداد والتضحية وتجاوز الذات، وبذلك يوفِّر عنصر «ضمان التنفيذ» للمدرسة الفكرية القائمة على ذلك التصوُّر.
5ـ قدرته على خلق روح الالتزام والإحساس بالمسؤولية في ضمير الأفراد أمام أنفسهم ومجتمعهم.
واعتبر أن التصوُّر التوحيدي يتوفَّر على جميع الخصائص اللازمة للتصوُّر المطلوب، بل هو التصوُّر الوحيد ـ وفق منظور الشهيد ـ القادر على جمع كلّ هذه الخصائص.
ويوضِّح أن التصوُّر التوحيدي يعني فهم العالم على أنه خُلق نتيجةً لمشيئة، وأن نظام الوجود يقوم على أساس الخير والرحمة، وعلى أساس بلوغ الموجودات كمالَها المطلوب، وهو يعني أن العالم ذو قطبٍ واحد، ومحورٍ واحد، وأن مبدأه ومرجعه واحد: «إنا لله وإنا إليه راجعون». فموجوداتُ هذا العالم ـ وفق هذا التصوُّر ـ تتّجه في اتجاهٍ واحد، ونحو مركز تكاملٍ واحد، وفق نظام منسجم، وليست الخليقة موجوداً عبثياً خاوياً بدون هدف، والعالم يسير وفق مجموعة نُظُم لا تتخلَّف في «السنن الإلهية». والإنسان يتمتّع بين الموجودات بكرامةٍ خاصة، ورسالةٍ خاصة، ويتحمل مسؤولية تربية نفسه، وإصلاح مجتمعه([5]). وهو هنا استلهم الفكرة من الآية: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نَشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 14).
وبين كونج ـ الذي يذهب إلى «السلام الأدياني العالمي» ـ ومطهَّري ـ الذي يذهب إلى «المفهوم التوحيدي للعالم» ـ فارقٌ مهمّ، وهو السعة التي ستحقِّقها كلّ نظرةٍ. فبينما يؤسِّس كونج لأخلاق عالمية كونية، كنوعٍ من الضوابط التي تقلِّل مساحات الاختلاف بين الناس، وخاصّة الأديان السماوية؛ فإن الشهيد مطهَّري يوحِّد الكون في نظرته، ويجعله تحت مظلّة قطبٍ واحد، هو الله. وهنا الفرق يكمن في المرجعية المعيارية لكلّ وجهة نظرٍ في التأسيس للمنظومة الأخلاقية، التي من خلالها يمكن توحيد العالم وتحقيق السلام. وهذا الفارق الجوهري هو فارقٌ ظهر بشكلٍ جليّ في أزمة الوباء العالمي «COVID19»، الذي تجلَّت خلاله نظرية نسبية الأخلاق في العالم الغربي، والتي شكّلت لديهم مأزقاً حقيقياً أخلاقياً، كشف الخَلَل المعرفي المصدري والمعياري في تشخيص الضوابط القِيَمية والأخلاقية والمعيارية.
وخلال هذا البحث سنتناول، بقدرٍ من الإمكان، رؤية الشهيد مطهَّري وفلسفته الأخلاقية حول الذات والألم والسعادة، والتي تنطلق من تأسيسه الفلسفي في المفهوم التوحيدي للعالم، وتعتبر مصداقاً جليّاً من مصاديق هذه الرؤية؛ إذ يمكن أن تنطبق عليها ضوابط التصوُّر الذي انطلق منها الشهيد مطهَّري في مفهومه التوحيدي للعالم؛ لأن كثيراً من المدارس الفلسفية الأخلاقية كانت ترى أن الإنسان العاقل لا يتلف عمره في البحث عن الفعل الأخلاقي، فثمّ سذاجة متناهية، وإنما هو يحرص على اللذات والمصالح وأنواع السعادة، ويؤكِّد على أنه لا يوجد في العالم سوى اللذة والمنفعة والسعادة.
ونحن هنا لا ندَّعي أنها قراءاتٌ حَتْمية نهائية؛ لأنه إلى الآن ومنذ آلاف السنين المتصرِّمة، لم تتَّفق آراء فلاسفة العالم على تشخيص ماهية الفعل الأخلاقي، وعلى كون الفعل الفلاني فعلاً أخلاقياً أو لا، واختلفت المدارس اختلافاً كبيراً، أغلبه قائم على مصدرية تشخيص معيار تحديد الفعل الأخلاقي من عدمه.
ثبات الأخلاق
يمكن بيان الخلود في الأخلاق، التي نسمّيها اصطلاحاً «الحقيقة»، بأن قولنا: (هذه معاملة حَسَنة) يعني أنها حَسَنة في عينها، وهكذا لو وُصفت بالقُبْح. أي إن كلَّ فعلٍ حَسَنٌ في عينه، أو قبيحٌ في عينه، ويمكن القول بأن بعض الأفعال ليس حَسَناً في عينه، ولا قبيحاً في عينه.
ومعنى ذلك أن الحُسْن والقُبْح عينيّان، والصفة العينية لا تتخلَّف ولا تختلف، وسيبقى الحَسَن حَسَناً والقبيح قبيحاً ما دام العالم. وحكم العقل بإنجاز الحَسَن واجتناب القبيح يستند عادةً إلى ذاتية الحُسْن والقُبْح في الأشياء([6]).
وسبق التذكير أن الحُسْن والقُبْح مختلفان عند الأمم والأقوام، ولكنْ كيف عالج الشهيد مرتضى مطهَّري إشكالية هذا الاختلاف، الذي يؤدّي إلى النسبية؟
يرى الشهيد مطهَّري ـ بخلاف أستاذه السيّد الطباطبائي (1904م ـ 1981م)([7])، الذي قال: إن جهازَ الإنسان الحسِّي مطابقٌ لجهازه الطبيعي التكويني ـ أن الاستخدام أصلٌ عامٌّ وضروريٌّ، فمثلما تسرع الطبيعة إلى جهة كمال الفرد ومصلحته تسرع إلى كمال النوع ومصلحته، فليس كمال الفرد بمعزلٍ عن كمال النوع، وإنما هو مرتبطٌ به ارتباطاً وثيقاً. ولهذا تحثّ الطبيعة الجميع على حبّ أشياء يتحقّق بها كمال النوع. وهذه المحبوبات متشابهةٌ، دائمة، كلية، مطلقة، وهي معيار المحاسن والمساوئ([8]).
ثمّ يطرح تساؤلاً فيقول: «ما هو جذر الحُسْن والقُبْح الكلِّيين؟ وما هو مبنى كونهما ذاتيين، وليس عينيين، وفق رأينا؟ كيف يوجَّه الحُسْن والقُبْح بعدما قلنا في النهاية: إنهما رابطةٌ بين الإنسان والشيء؟
ويجيب الشهيد بأن هناك ثلاثة توجيهات:
الأوّل: هو أن للإنسان أهدافاً لسدّ حاجته الذاتية، فإذا جاع وُجد له هدفٌ هو أن يُطْعَم، وأمثال ذلك.
الثاني: للإنسان أهدافٌ أخرى، وهي الأهداف النوعية، فهو يحبّ الشيء لا من أجل نفسه، وإنما من أجل الآخرين.
الثالث: نتيجة للأوّل والثاني يكون العمل اعتيادياً ومبتذلاً إذا عاد على عامله، ويكون متعالياً وكريماً إذا عاد على الآخرين. فالغيرية ملاك الرفعة، والذاتية ملاك الضعة. فمعيار الأخلاقية هو العمومية، ومعيار غير الأخلاقية هو الخصوصية. فالعمومية تضفي على الفعل قيمةً، مع أنه لا يختلف عن الفعل الذاتي.
فصحيحٌ أن الحَسَن هو ما أحبّ، ولكني أحبّ حيناً لنفسي؛ وحيناً للآخرين وغيري، وما أحبّه لغيري يخرج عن البعضية (النسبيّة) إلى الكلِّية قَهْراً، ويصير عامّاً دائماً أخلاقياً؛ لأنه ينبع من حبّ الخير للآخرين. وهذا أصلٌ كلّي دائم([9]).
ثمّ يطرح سؤالاً مداراً للبحث، وهو: هل الأصول الأخلاقية ثابتةٌ أو لا؟
يقول: نحن لدينا أمور يحكم عليها الجميع حكماً واحداً، وكلهم يرَوْنها ذات قيمة، كالإحسان للمحسن، وعمل الخير للآخرين، والثبات على المبدأ. وينقل لنا التاريخ قصصاً كثيرةً من هذا القبيل. مدح الناس عبر أجيال وأجيال بنفس المستوى.
وفق ذلك فالصدق حَسَنٌ بما هو صدقٌ، ولكنه حَسَنٌ لخدمته للآخرين. فملاك حُسْنه الأصلي هو هذه الخدمة العامّة، فلو ترتَّب عليه ضَرَرٌ للآخرين كان قبيحاً. وهذا يعني أن الأخلاق اجتماعية الطابع. ونصل هنا، وفق هذا التوجيه، إلى أصلٍ أخلاقي كلّي خالد، تتغيَّر مصاديقه وهو ثابتٌ، والفرقُ كبيرٌ بين تغيُّر الأصل وتغيُّر مصاديقه، أي فرق بين النظرية الأخلاقية ككلّيٍّ وبين الفعل الأخلاقي كمصداق لذلك الكلِّي الثابت. وخدمة الآخرين هنا لا تعني فرداً بذاته، الخدمة كمعيارٍ هنا هي خدمة النوع الإنساني، أي العمل الذي يعود على الناس بالخير، لا الذي يعود على هذا أو ذاك بالضرّ أو النفع.
وهذا يعود إلى مفهوم النفس كتوسعةٍ له، فالعمل عندما يكون أخلاقياً يجتاز حدود النفس إلى الناس عامّة، وإذا اجتاز دائرة الناس إلى دائرة أوسع هي الله فيكون أخلاقياً بشكلٍ أسمى وأرفع. فكلما كسر العمل طوق النفس، ومضى إلى دائرة أوسع، كان أخلاقياً([10]).
ويجيب حول إشكالية عدم الانسجام بين جهاز الإدراك وجهاز الطبيعة الفردية بأن طبيعة الإنسان الفردية تتحرّك إلى جهةٍ، وطبيعته الإدراكية تتحرك إلى جهةٍ أخرى، وتسعى إلى الكمال النوعي من غير عبءٍ بالكمال، وجهاز الإدراك الذي هو في خدمة الجهاز الطبيعي، ويجب أيضاً أن يكون كذلك، هو في خدمة النوع، من دون ارتباط بالفرد ومصالحه.
ويعتبر الشهيد مطهَّري أن خدمة النوع ليست جزءاً من طبيعة الفرد، لكنّ الفرد يحسّ بلذّةٍ حين يحسن إلى الآخرين، وليست هذه اللذّة سدىً؛ لأنه لا يمكن الالتذاذ إذا لم تبلغ الطبيعة الفردية الكمال. ويقول: إن الإنسان إذا أدرك اللذة فليس لأن الطبيعة ذات جريان وإحساس، وإنما لأن هذه الطبيعة تنشد الكمال، وإذ تبلغه فإن علم الشيء علماً حضورياً كان باعثاً على الإحساس باللذّة. وهذا يعني عبور الطبيعة من القوّة إلى الكمال، وإن علم الشيء علماً حضورياً هو عين اللذّة، يعني نيل اللذّة هو الكمال، وذلك عند اقتران هذا النيل بالإدراك، ولا يمكن للإنسان أن يلتذّ دون أن تبلغ الطبيعة الكمال([11]).
وحول الأنا الكلِّية يقول: للإنسان كمالاتٌ بحَسَب الأنا الملكوتية، وهي كمالاتٌ واقعية، لا إنشائية؛ لأن الإنسان ليس بدناً فقط، وإنما هو جسمٌ وروح. والعمل المتناسب وكمال الإنسان المعنوي الروحي عملٌ علوي قيِّم، والعمل الذي لا يتلاءم وعلوّ الروح عملٌ اعتياديّ، ويُعَدّ تافهاً. ويتساءل: هنا البحث عن أيّ (أنا) نحبّها، التحتي أم العلوي؟
فإذا كان المحبوب هو الأنا الفوقي كان الحبّ أخلاقياً وذا قيمةٍ. وإحساس الإنسان بالأخلاق ناشئٌ من هنا. ورؤية الإنسان جنبةً من وجوده ساميةً، والأعمال المرتبطة بها رفيعةً، ليس اعتباراً؛ بل لأنه يرى تلك الجنبة في وجوده أكمل وأقوى من غيرها.
وكلّ الكمالات ترجع إلى هذا الوجود، وكلّ المناقص ترجع إلى عدمه. ولذا رُدّ الصدّ والصواب والإحسان والرحمة والخير وأمثالهما إلى الأنا الأعلى في الإنسان.
فالإنسان يحسّ بالسموّ بحكم ما لديه من شرفٍ وكرامةٍ ذاتيين، وهما جنبة ملكوتيه ونفحة إلهية من دون انتباهٍ. فالناس خُلقوا متشابهين في الكمال، وإنهم متشابهين في الكمال الصعودي والمعنوي، على الرغم من اختلافهم في الأجسام والأماكن، وتغيُّرهم في الحاجات البدنية، ولا بُدَّ أن تكون المحبوبات والطيبات والمساوي والمنكرات واحدةً دائمة وكلية. ومن هذا الأصل المبين لجميع المحاسن والمساوي، وأنها ناشئةٌ من ارتباط الشيء بكماله، نستكشف أن هذه المحاسن والمساوي مشتركةٌ كلية ودائمة([12]).
مفهوم الأخلاق
فعلٌ وسلوكٌ يشكِّل حركة الإنسان الاجتماعية والعلائقية، ويعمد لحفظ قِيَمه الذاتية والاجتماعية. ويميِّز الشهيد مرتضى مطهري بين الأفعال الأخلاقية والأفعال العادية الطبيعية بأن الفعل الأخلاقي قابلٌ للثناء والمدح، ويضفي الناس قيمةً على مثل هذا الفعل، لكنّ هذه القيمة ليست من نوع القيمة التي يقيم بها عمل أحد العمال؛ لأن العامل يوجد قيمةً مادّية، فيستحق مبلغاً من المال أو شيئاً من السلع في مقابل عمله، بينما الفعل الأخلاقي يتميَّز بقيمةٍ تفوق القِيَم، بحيث لا يمكن تقويمها بالمال، ولا بالسلع المادية، وتنفرد الأفعال الأخلاقية بقيمةٍ ثمينة، وهي قيمةٌ لا يستوعبها الذهن البشري، ولما كان نوع القيمة متفاوتاً فنحن مهما رفعنا مستوى المعيار والمقياس فإننا لا نستطيع أن نقيس القِيَم الأخلاقية بالمعايير المادية([13]).
الأخلاق في الفكر الإسلاميّ
البنية التنظيمية للإسلام متكاملةٌ ومتراصّة ومتّصلة، بحيث لا يمكن تفكيك بنيان منها أو فصله؛ للتداخل الوظيفي بين بناها الرئيسية المؤسّسة لها. وهي، حسب بعض التصنيفات، تتشكَّل من: العقيدة؛ والفقه؛ والأخلاق. ووفق تصنيفات أخرى من: القانون؛ والآداب؛ والقِيَم.
هذه البنى التأسيسية تتوازى طولياً وتتداخل أفقياً، بحيث يؤثِّر بعضها في الآخر بشكلٍ تبادلي، يعتمد على الوعاء القابل، ولو رجح أحدها على الآخر أو غيّب أحدها لحساب الآخر سيظهر الخَلَل الوظيفي على الإنسان، وتبدأ تظهر الانحرافات في الفهم والسلوك.
وهذا التقسيم قديمٌ ومتَّفق عليه؛ كونه يعود إلى تقسيم مدركات العقل إلى: نظريّ؛ وعمليّ. فالعقل النظري يتعلَّق بما هو كائنٌ (العقيدة)، والعقل العملي أي بما ينبغي أن يكون (فقهٌ وأخلاق). الفقه يتعلَّق بمفردات الأفعال، والأخلاق تتعلَّق بكلِّياتها (العادات والمَلَكات).
تأتي أهمِّية الأخلاق في هذه المنظومة كونها تشكِّل الضابطة في بُعْدَيْن، هما:
1ـ البُعْد الفردي، حيث تضبط جوانحياً أعماق الإنسان، وتربطها بقِيَم السماء وأخلاق الله تعالى. هذا الانضباط النفسي هو النواة التي تنطلق منها الضوابط في بُعْدها الآخر. البعد الفردي يقتصر على ساحة الكمال الفردي الإنساني؛ فالانضباط الأنفسي هو انطلاقٌ نحو الانضباط الاجتماعي الخارجي.
2ـ البُعْد الاجتماعي: هنا هي ساحة التفاعل الإنساني في السَّيْر نحو كلٍّ من الكمال والتكامل الإنساني. ومحورية الأخلاق هنا تأتي كضابطةٍ تمنع وقوع الفساد الاجتماعي، وتدفع باتجاه التطوُّر والتنمية البشرية على كافّة الأصعدة.
كيف يمكن أن تشكِّل الأخلاق ضابطةً فردية واجتماعية في ظلّ وجود الأنا والذات والنفس؟
عالج الشهيد مرتضى مطهَّري هذه الإشكالية حينما تناول موضوع الذات والسعادة واللذّة والألم.
حبّ الذات: اللذّة، السعادة، والألم
أهمِّية هذا التأسيس، الذي يكمن في سِمَةٍ عامّة عند كلّ البشر، وفي فطرتهم، وهي: «حبّ الذات»، أنه يعتبر المحرِّك الرئيس والباعث الأساس للدافع والإرادة، بل المؤثِّر الأول في السلوك الإنساني.
أـ تعريف الذات
هو تكوينٌ معرفي منظّم ومتعلّم للمدركات الشعورية والتصوُّرات والتقييمات الخاصة بالذات، يبلوره الفرد، ويعتبره تعريفاً نفسيّاً لذاته. ويتكوَّن مفهوم الذات من أفكار الفرد الذاتية المنسّقة، ومحدّدة الأبعاد عن العناصر المختلفة لكينونته الداخلية والخارجية. وتشمل هذه العناصر المدركات والتصوُّرات التي تحدِّد خصائص الذات، كما تنعكس إجرائياً في وصف الفرد لذاته كما يتصوَّرها هو: «مفهوم الذات المدرك»؛ والمدركات والتصوُّرات التي تحدِّد الصورة التي يعتقد أن الآخرين في المجتمع يتصوّرونها، والتي يتمثَّلها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين: «مفهوم الذات الاجتماعي»؛ والمدركات والتصوُّرات التي تحدِّد الصورة المثالية للشخص الذي يودّ أن يكون: «مفهوم الذات المثالي»([14]).
ويقول تعريفٌ آخر: هي الصورة التي يعرف الإنسان نفسه بها. هي الإطار الذي يستطيع الإنسان أن يطبع نفسه بها، بحيث يكون ملمّاً بما في نفسه. وهذه المعلومات التي يتوصّل إليها الإنسان عن نفسه تعتبر أشياء تعلَّمها عن نفسه، ولهذا السبب استطاع أن يصوِّر نفسه بأسلوبٍ يستطيع من خلاله معرفة الكثير عن حقيقته([15]).
ب ـ وظيفة الذات
وظيفة مفهوم الذات وظيفةٌ دافعية، وكذلك وظيفة تكامل وتنظيم وبلورة عالم الخبرة المتغيِّر، الذي يوجد الفرد في وسطه. ولذا فإنه ينظم ويحدِّد السلوك، وينمو تكوينياً كنتاجٍ للتفاعل الاجتماعيّ، جَنْباً إلى جَنْبٍ مع الدافع الداخلي لتأكيد الذات. وبالرغم من أنه ثابتٌ تقريباً، إلاّ أنه يمكن تعديله تحت ظروف معينة([16]).
فمفهوم الذات أهمّ من الذات الحقيقية في تقرير الذات، وكلّ فردٍ يتأثَّر بالوراثة والبيئة الجغرافية والمادية والاجتماعية والسلوكية، ويتأثَّر بالآخرين المهمّين في حياة الفرد، ويتأثَّر بالنضج والتعلّم، ويتأثَّر بالحاجات وبالموجّهات([17]). ويطرح الشهيد مرتضى مطهَّري السؤال قائلاً: لماذا نصحونا بمعرفة الذات؟ وإلى أيّ شيءٍ نصل من خلال معرفة الذات؟ وبعبارةٍ أخرى: إن معرفة الذات تكون مقدّمةً لأي شيء؟([18]).
ويجيب الشهيد مطهَّري: إنهم أوصونا بذلك؛ لهدفين:
أحدهما: هو أننا إذا عرفنا ذواتنا فسوف ندرك أهمّ مسألة يواجهها الإنسان في حياته، وتعتبر السرّ الأساس للعالم، وهو معرفة الله.
ثانيهما: هو أننا نعرف ذواتنا؛ لكي نعرف ماذا ينبغي لنا أن نفعل في الحياة والعالم؟ وكيف نتصرّف في مجال الأخلاق والعمل؟ ولو لم نعرف ذواتنا فسوف لن نعرف كيف يجب علينا أن نصوغ أخلاقنا وسلوكنا، أي كيف يجب أن نكون؟ وذلك لأن الأخلاق ـ من حيث إنها مجموعةٌ من المَلَكات ـ تعود إلى أننا كيف يجب أن نكون ونتصرّف؟([19])، وهي ما يقودنا تلقائيّاً إلى مفهوم السلوك.
ج ـ السلوك
هو نشاطٌ موجّه نحو هدفٍ من جانب الفرد؛ لتحقيق وإشباع حاجاته كما يخبرها في المجال الظاهري كما يدركه([20]).
فحبُّ الإنسان لذاته، أي حبّه للذة والسعادة، ونفوره من الألم والشقاء، غريزةٌ عامّة وقديمة في كلّ البشر؛ «فالواقع الحقيقي الطبيعي الذي يكمن وراء الحياة الإنسانية كلها، ويوجِّهها بأصابعه، هو حبّ الذات، الذي نعبِّر عنه بحبّ اللذّة وبغض الألم، والمرتبط بطبيعة الحال بالضمير. ولا يمكن تكليف الإنسان أن يتحمل مختاراً مرارة الألم، دون شيءٍ من اللذة، في سبيل أن يلتذّ الآخرون وينعموا، إلاّ إذا سلبَتْ منه إنسانيته، وأُعطي طبيعةً جديدة، لا تتعشَّق اللذّة ولا تكره الألم…»([21]).
يطرح الشهيد مرتضى مطهَّري بحوث علم النفس المتعلِّقة بضمائر الناس. وما يهمنا هنا هو المبحث الخاصّ بالوجدان الأخلاقي حيث يتساءل الشهيد& قائلاً: هل الإنسان قد خُلق فاعلاً للخير بحَسَب فطرته؟ أي هل منح وجداناً يدعوه إلى فعل الخير ويأمره بالإحسان؟([22]).
نظريّة «كانْت» حول الوجدان، عرضٌ ونقاش
يناقش الشهيد مطهَّري في هذا الصدد نظرية «كانْت» حول الوجدان، حيث يعتقد «كانْت» بوجود حقائق تسبق التجربة.
فالموضوع المطروح للبحث هو: هل أن جميع محتويات ذهن الإنسان وجميع ذخائره الفكرية والوجدانية مأخوذةٌ من أحاسيسه وتجاربه، بحيث لم تكن موجودة عنده من بداية خلقته، وقد حصل عليها عن طريق الحواسّ، أم أن هناك مجموعةً من الأحكام كانت مرافقةً لذهن الإنسان منذ البداية، وهي مغروسةٌ في أعماقه؟([23]).
وفي عرضه للإجابة يشرح الشهيد& أن هناك رأيين حول هذا الموضوع:
أحدهما: إن ذهن الإنسان كمخزن كان فارغاً في بداية الأمر، ثمّ أُلقيت في هذا المخزن أشياء عن طريق الحواسّ، وهو لا يحتوي شيئاً قد جاءه عن غير هذا الطريق.
والآخر: إن ما هو مخزونٌ في ذهن الإنسان ينقسم إلى قسمين: أحدهما: يضمّ ما جاءه عن طريق هذه الحواسّ الظاهرية؛ والثاني: يشمل ما كان موجوداً في الذهن قبل الإحساس.
وقد اختار «كانْت» ـ حَسْب الشهيد مطهَّري ـ الرأي الثاني، فهو يعتقد بوجود الحقائق السابقة للتجربة([24]).
وناقش الشهيد مطهَّري آراء «كانْت». فـ «كانْت» يقول: إن الوجدان أو العقل العملي يتضمّن مجموعةً من الأحكام القبلية، أي التي لم يحصل عليها الإنسان من طريق الحسّ والتجربة، وإنما هي جزءٌ من فطرته وكيانه. ويطرح مثالاً حول الصدق، قائلاً: الأمر بأننا يجب أن نكون صادقين، وأن لا نكون كاذبين، هو أمرٌ موجود في ضمير الإنسان قبل أن تكون له تجربةٌ في مجال الصدق والكذب، وهو أمرٌ فطري لا علاقة له بالحسّ والتجربة، وهو أمرٌ مطبق لا يتوقَّف على نتائج الأعمال، معتبراً أن الوجدان الأخلاقي لا يعير بالاً لأيّ نتائج مترتِّبة على الكذب والصدق، ولكنّ العقل هو الذي يهتمّ بالمصلحة، فهو يأمر بالشيء حينما يدور حول محور المصلحة، وبمجرد أن تنتفي المصلحة فإن العقل يكفّ عن حكمه وأمره.
وقد ناقش الشهيد السعيد، في نقده لهذه النظرية، قائلاً: في هذه النظرية احتُقرَت الفلسفة ـ حَسْب اصطلاح الفلاسفة المسلمين ـ والعقل المَحْض ـ حَسْب اصطلاح «كانْت» نفسه ـ احتقاراً شديداً. وما يقوله «كانْت»: «نحن لا نستطيع أن نثبت أيّ مسألةٍ من هذه المسائل عن طريق العقل النظري» هو خطأٌ قطعاً، فنحن نستطيع أن نثبت عن طريق العقل النظري ـ ومن دون أن نلجأ إلى إنكار طريق الوجدان والعقل العملي ـ حرّية الإنسان واختياره، وبقاء النفس وخلودها، ووجود الله تعالى، فنفس الأوامر الأخلاقية ـ المستلهمة من الوجدان ـ يستطيع العقل النظريّ إدراكها النظريّ وإصدارها، وعلى أقلّ التقادير بعنوان كونه مؤيِّداً للوجدان([25]).
أثر حبّ الذات على الكيان الداخليّ للإنسان
لغريزة حبّ الذات آثارٌ هامّة جدّاً في تشكيل الكيان الداخلي للإنسان، وخاصّةً في مجاله الإدراكي الذهني، وما يتشكّل من تصوُّرات وتصديقات، تنتظم منها مجموعةُ أحكامٍ تنعكس بعد ذلك على مجموعة الاعتقادات التي يعتقدها، وعلى تشكيل عواطفه، وعلى ماهية سلوكه الفردي والاجتماعي. «فالقانون الذاتي لحبّ الذات هو أنه مقتضٍ أو علّةٌ تامّة لجَلْب الخير إلى النفس، ودفع الشرّ عنها، والاعتقاد بكلّ ما هو محبوبٌ لديها، والتفكير بكلّ ما هو راجحٌ في نظرها، وإبعاد كلّ ما هو مكروهٌ عنها إبعاداً لا شعورياً تلقائياً…
ومن آثار حبّ الذات على الشخصية الإنسانية، وعلى التفكير الإنساني بالخصوص، هو أنه يسلخ موضوعيّته في النظر بمقدارٍ ما. وهذا المقدار في بعض حدوده ضروريٌّ، لا يمكن للإنسان ويستحيل أن ينفكّ عنه. فهو دائماً يعيش في إطار ذاته، ويعيش في حلقةٍ مفرغة من تفكيراته الذاتية وتأمُّلاته الباطنية، بما يوحيه إليه سائر إحساساته، التي على رأسها حبّ الذات، ويتدخّل كلّ ذلك في تفكيراته العلمية وتأمُّلاته النظرية، مما يؤثِّر قطعاً فيها، ولا يمكن أن يتخلّى عنها»([26]).
أثر حبّ الذات في المجتمع
حبّ الإنسان لذاته يخلق لديه الدافع للتفاعل الاجتماعي، والتأثير في محيطه، إلاّ أنه يتفاعل على قاعدة التماثل يفيد الانضمام، أي ينجذب؛ نتيجة حبِّه لذاته، إلى كلّ مَنْ يتوافق معه في الميول والرغبات والأهداف والأفكار، ويتنافر مع كلّ مَنْ يخالفه؛ لأن حبّ الذات تختلف ترجمته بين الناس، وتختلف رؤاه وتفسيراته ومحيطه وساحات تطبيقاته، بل تختلف أيضاً دوافعه ومسارات الكمال فيه، وهذا الاختلاف سببٌ لتشكُّل الجماعات، أو ما يسمِّيه علم الاجتماع بـ: (الشعور بـ «نحن»).
«ويتخذ الـ «نحن» كياناً مستقلاًّ عن كيانات أفراده، وتتلبّسه صفات وخصائص لا يتّصف بها آحاد أفراده. ولأهمية هذه الخصائص نشأ علم نفس الجماعة، أو الجمهور أو القطيع. ومن أبرز مَنْ كتب في هذا المجال: غوستاف لوبون في كتابه (روح الجماعات) أو (سيكولوجية الجماهير)؛ وسيغموند فرويد في (علم نفس الجماهير)»([27]).
فتشكُّل الجماعة أو الـ «نحن» يأتي انعكاساً لحبّ الذات على الجماعة، التي تتشكَّل من أفرادٍ تشابَهَتْ أهدافهم وميولهم وأفهامهم ورغباتهم حول «حبّ الذات»، وقد تمثِّل الـ « نحن « تعصُّباً للجماعة، وتحزُّباً لأفكارها وأهدافها.
فنتيجة هذا الاختلاف في إدراك غريزة حبّ الذات وفهمها، والتي يؤثِّر فيها أيضاً وفي تشكيلات مجال إدراك الفرد حولها الأسرةُ والمجتمعُ، فإن هذا الاختلاف يؤدّي تلقائيّاً إلى اختلاف الأهداف والغايات والآليات، بل والمرجعيّات المعرفية المعيارية، ومنظومة القِيَم والمبادئ؛ لأنها كلّها تأتي تحت عنوان اللذّة والسعادة والألم، وتشكيل الأفكار حول هذه المفاهيم.
يؤدّي اختلاف المرجعيات المعيارية إلى اختلاف القوانين الناظمة في المجتمعات، بل يؤدّي إلى اختلاف المَثَل الأعلى، وآليات التغيير الاجتماعي، والأفكار المؤسِّسة لنظريات التغيير. وهذا الاختلاف ناتجٌ من الأساس من غريزة حبّ الذات، ومجالات تطبيقها وتجلِّيها، وامتدادات مفاهيم اللذّة والسعادة والألم.
بل إن منشأ أيّ تغييرٍ اجتماعي هو حبّ الذات، الذي من مقوِّماته السعي إلى الكمال والسعادة والشعور باللذّة، والابتعاد عن كلّ المنغِّصات. فما أن يتولَّد شعورٌ جَمْعيّ بالألم، وتتراكم تلك المشاعر الاجتماعية، وخاصّة عند تراكم الشعور بالظلم والغبن وسلب الحقوق، الذي هو مدعاةٌ للعقوق، حتى يؤدّي حبّ الذات إلى خلق الدافع نحو التغيير للحصول على السعادة. ونتيجة تشكُّل الجماعات على أساس المشتركات المنطلقة من حبّ الذات، ومجالات تحقيقه وأهدافه وآلياته، تختلف آليات التغيير ومقوّماته، إلاّ أنها تتَّفق في الشكل العامّ، وهو السعي نحو الكمال، والتخلُّص من مشاعر الألم، ومن كلّ المنغِّصات التي تعيق تحقيق السعادة، وتغيير الواقع إلى واقعٍ أكمل وأرقى.
ويعتمد شعور الحاجة للتغيير وانبعاث إرادة الفرد أو الجماعة للتغيير على مدى إدراك ووَعْي هذا الفرد والمجتمع لحاجة التغيير؛ فالإدراك مظلّةٌ مهمّة للأفكار الباعثة للحركة، والوَعْي مظلّةٌ أعمق، باعثة للدافع وإرادة الحركة، بل الاختيار بين مجموعة خيارات، وإدراك ووَعْي وجود إشكاليات، بل وفهم اللذّة والألم والسعادة ومصاديقها الخارجية المادية والمعنوية.
لكنّ هذه الدافعية والإرادة الناشئة من حبّ الذات في السعي نحو التغيير الاجتماعيّ ليست خارجةً عن قوانين التاريخ وسُنَنه، بل كما أن للطبيعة قوانينها، وللكون كذلك قوانينه، يفهمها الإنسان، ثمّ يستطيع التحكم بها إلى درجةٍ معينة، كذلك للتاريخ قوانينه وسُنَنه في مجال التغيير الاجتماعي، إذا أدركها الإنسان يمكنه بعد ذلك استخدامها في تحقيق غايته في التغيير والترقّي. إلاّ أن اختلاف الغايات والإدراكات والأفهام للكمال والترقّي هو الذي يؤدّي إما للتكامل أو للتسافل، وإلى انقلابات متجدّدة تعيد المسار الطبيعي للمجتمع وفق سُنَن التاريخ، التي لا يمكن تحدِّيها إلاّ لفتراتٍ قصيرة، ثم تنقلب لتعود إلى مسارها الطبيعي نحو الكمال، ووفق تحقُّق شروطها التي تحقِّق النتيجة المتَّصلة بها.
مقاربةٌ نقديّة لرأي «كانْت» حول اللذّة والألم والسعادة
وفي موضوع اللذّة والألم والسعادة يناقش الشهيد مطهَّري الموضوع، طارحاً نظرية «كانْت» حول عذاب الضمير، إذ يقول «كانْت»: ليس في الدنيا مَنْ قام بفعلٍ غير أخلاقي ولم يشعر بمرارة الندم عليه. فالإنسان حينما يرتكب خطأً أو رذيلةً أخلاقية فهو في أثناء هذا الفعل يعيش بحرارة الموقف، فهو لا يشعر بأثر هذا الفعل إلاّ بعد تجاوز الفعل واستعادة حالته الطبيعية، فإنه عندئذٍ يشعر بالآلام، فهو يحبّ أن ينفصل عن ذاته، ويوبِّخ نفسه، وينحو باللائمة عليها. وهذا هو عذاب الضمير، الذي يُعَدّ من الحقائق المسلّمة…
وعلى العكس من هذا، أكثر أهل الصلاح والتقوى والأخلاق، والذين ينصتون دائما إلى نداءات ضمائرهم، لا يحبّون الهروب من ذواتهم، بل يحبّون أن يتفرَّغوا ويتأمَّلوا ذواتهم؛ لأن عالمهم الباطني أسلم في الواقع من العالم الخارجي.
والسبب في أن الإنسان لا يستطيع الانفراد بذاته هو أنه فقد ذاته الواقعية، فهو لا يستطيع الخلوة بضميره؛ لأنه ضميره يوبِّخه ويؤنِّبه. ويواصل «كانْت» قائلاً: لو لم تكن مثل هذه السلطة في أعماق الإنسان فإنه لا توجد فيها مثل هذه المرارة وهذا الندم وهذا العذاب الروحي، ولأمسى الإنسان راضياً عن أفعاله، أو على أقل تقديرٍ لم يشعر بهذه الآلام، لكنّ الإنسان يحسّ دائماً بوَخْز هذه الآلام؛ وذلك لأن هذه القوة سابقةٌ للتجربة، وهي مطلقةٌ ـ ليست مشروطةً بالمصلحة، كأحكام العقل ـ، وعامّةٌ تصدق في جميع الموارد بشكلٍ واحد، فهي صادقةٌ عليَّ بمقدار صدقها عليك، وهي صادقةٌ عليك بمقدار صدقها على الآخرين.
ويعتبر «كانْت» أن الوجدان الأخلاقي يدعو إلى الكمال، لا إلى السعادة. وهو يفرِّق بين الكمال والسعادة، فيقول: في العالم كلِّه لا يوجد إلاّ خيرٌ واحد، وهو الإرادة الخيّرة، أي الطاعة المطلقة لأوامر الضمير، سواء كانت فيها لذّةٌ وفائدة للإنسان أم لم تكن، وسواء أنتجَتْ راحةً أم عذاباً. فالضمير لا علاقة له بالسعادة؛ لأن السعادة هي اللذة في خاتمة المطاف، غاية الأمر أنه ليست كلُّ لذّةٍ سعادةً، فاللذّة التي يعقبها ألمٌ ليست سعادةً، والسعادةُ هي اللذّة الخالصة التي لا يشوبها أيّ ألمٍ أو عذابٍ، روحي أو جسمي، دنيوي أو آخروي… فالسعادة عند «كانْت» مبنيّةٌ على الالتذاذ، والوجدان غير مرتبطٍ بالسعادة، وإنما هو مرتبطٌ بالكمال([28]).
وفي مناقشته لرأي «كانْت» حول اللذّة والألم والسعادة يقول الشهيد مرتضى مطهَّري: إن موضوع الكمال والسعادة مطروحٌ للبحث في الفلسفة الإسلامية، وتناوله ابن سينا في «الإشارات»، وغيره في كتب أخرى. ويعتقد الفلاسفة المسلمون أنه لا يمكن فصل السعادة عن الكمال، ولا فصل الكمال عن السعادة؛ وذلك لأن كل كمال هو لونٌ من السعادة. أمّا «كانْت» فهو يعترف بأن فصل التكليف عن الجمال وفصل الأخلاق عن السعادة هو أمرٌ صعب، لكنه مع ذلك يُقْدِم على الفصل بينهما.
وجميع فلاسفة الإسلام يؤكِّدون على التلازم بين الأخلاق والسعادة، بل يعدّون مفهوم السعادة رُكْناً للأخلاق، كالفارابي مثلاً، الذي ألّف عدّة كتب في الأخلاق، فهو ممَّنْ توسَّع في دراسة السعادة، ورأى أن الأخلاق والسعادة توأمان، فالكمال لا ينفكّ عن السعادة، وإنما كلّ كمال هو بنفسه لونٌ من ألوان السعادة، غاية الأمر أن السعادة ليست محصورةً في اللذات الحسِّية. والعجيب أن «كانْت» يحصر السعادة في هذا النطاق الضيِّق. ويسأل الشهيد مطهَّري «كانْت»: إنك تقول: عندما يخالف الإنسان ضميره فإنه يشعر بمرارةٍ شديدة في وجدانه، وهذا صحيحٌ، لكننا نسألك إذا كان الإنسان يشعر بالمرارة عندما يخالف ضميره فكيف لا يشعر باللذّة والسعادة عندما يطيعه، غاية الأمر أنها سعادةٌ ولذّةٌ في مستوى أرفع وأعمق وألطف وأبقى؟!([29]).
ويُفنِّد الشهيد مطهَّري رأي «كانْت» قائلاً: حَسْب رأي «كانْت» يشعر الإنسان بالمرارة أيضاً عندما يطيع أوامر ضميره؛ لأنه يقول بالتفكيك بين هذه الطاعة والسعادة. وهذا أمرٌ يتعذَّر علينا تصديقه، فمن المستحيل أن نشعر بالعذاب عندما نطيع أوامره، ونشعر بالعذاب عندما نخالفها.
إذن لمّا كان الإنسان يشعر بالعذاب عندما يخالف أوامر ضميره فمن المؤكَّد أنه سوف يشعر بلونٍ خاصّ من اللذّة والسرور عندما يطيعها، وهي لذّةٌ وسعادة يصعب وصفها…
وقد أشار ابن سينا في كتابه «الإشارات والتنبيهات» إلى أنه من الخطأ حَصْر اللذّة في ألوان اللذّة الحسِّية، واستعرض عدداً من اللذّات المعنوية. واليوم قد أثبت علم النفس الحديث أن لذّات الإنسان ليست منحصرةً في اللذّة الحسِّية، فاللذّة الحسِّية عضوية ومتعلقة بمحرّك خارجي…، إلا أن هناك مجموعةً من اللذّات التي لا ترتبط بالجسم، كلذّة الإحساس بالبطولة عند الإنسان البطل، فهو يحسّ باللذّة عندما يشعر أن يده أصبحت فوق الأيدي، ويلتذّ الإنسان أيضاً بالشعور بأنه قد أمسى محبوباً عند الناس، ويلتذّ العالِم عندما يكتشف حقيقةً علميّة، وأيّ واحدةٍ من هذه اللذات ليس لها عاملٌ حسّي ومادّي([30]).
ويعتبر الشهيد مرتضى مطهَّري أن اللذّة تحصل دائماً عند الوصول، والألم يحدث عن عدم الوصول إلى كمال يتعين على الإنسان أن يصل إليه. وبناءً على هذا يصبح الفصل بين الكمال واللذّة أمراً غير صحيح؛ فكلُّ كمالٍ يستتبع لذّةً، شئنا أم أبَيْنا، وإنْ كان طالب الكمال حينما يبحث عن الكمال غيرَ مهتمٍّ بالبحث عن اللذّة، وإنما يطلب الكمال لذاته، إلاّ أن الوصول إلى الكمال هو بنفسه يحقِّق اللذة للإنسان([31]).
ولكنْ ما هو دَوْر حبّ الذات حينما تتزاحم المصالح والأصلح في المجتمعات، ويتطلَّب هذا التزاحم ترجيحاً للأصلح؟ فكيف يلعب حبّ الذات، الذي يختلف باختلاف بيئات الأفراد وبنيتها الفكرية، دَوْراً في ترجيح الأصلح؟
حبّ الذات والتزاحم
«والمقتضي المثير لحبّ الذات على إصدار الأمر للذات بفعل شيءٍ معين قد يكون تكوينياً، كما في الخوف والمرض والجوع؛ وقد يكون تشريعياً، كما في القوانين الوضعية والشرائع السماوية… وإن التزاحم كما يقع بين المقتضيين التكوينيين، كما في حالة شرب الدواء للمريض، قد يقع أيضاً بين مقتضٍ تكويني ومقتضٍ تشريعي، وذلك موجودٌ دائماً، فإن أيّ قَيْدٍ ديني أو اجتماعي أو قانوني يكون ضدّ المقتضي الطبيعي التكويني للحرّية، والذي يميل إليه الفرد بطَبْعه. كما قد يقع التزاحم بين مقتضيين تشريعين، وهذا الغالب إذا كان التشريعان من سنخين مختلفين، كما لو وقع التزاحم في حياة الإنسان بين مادّةٍ قانونية تقتضي إطاعتها عملاً من الأعمال وبين تعليمٍ ديني يخالفه، أو بين قانونٍ وتقليدٍ اجتماعي، أو تقليدٍ اجتماعي وتعليمٍ ديني.
وحينئذٍ ينظر الفرد إلى مصلحته في ذلك؛ فيرجِّح المتديِّن دينه على كلّ الاعتبارات، ويرى أن إرغامه على غير ذلك مخالفٌ لمقتضيات حبّ ذاته، فينفر منه ويثور عليه؛ ويتبع الرجل القانوني مقتضيات القانون؛ والاجتماعي مقتضيات التقاليد السائدة، وإنْ كان اتباعهما لذلك مخالفاً لتعاليم وقوانين أخرى.
أما التزاحم بين تعليمين من قانونٍ واحد فهو يقع نادراً، إلاّ أنه حينئذٍ يجب اتباع المتأخِّر منهما؛ باعتبار نَسْخَه للأوّل، أو الأهمّ منهما في نظر المشرِّع…
وهذا التزاحم الموجود بين مقتضيات القوانين وبين المقتضيات الطبيعية ملحوظٌ لكل قانونٍ يوضع، سواء من قِبَل البشر أو من قِبَل خالقهم؛ وذلك لأن الطبيعة الأوّلية العميقة للإنسان؛ بمقتضى حبّه لذاته، تقتضي الحرّية وحبّ الانطلاق، ولا تقتضي التقيُّد بالقانون، بل تقتضي أن يسعى الإنسان لكماله بالنحو الذي يشاء، غير مقيَّد بنظامٍ ولا قانونٍ ولا تقليدٍ ولا أخلاق. إلاّ أنه بعد أن تقيَّد، وبعد أن تنظَّم في المجتمع؛ حبّاً لذاته وتوخِّياً لمصلحته؛ ولأنه يرى أن هذا التقيُّد يوصل إلى الكمال أسرع من تلك الحرّية السائبة ـ لأنه يرى أن القوانين والنُّظُم بصرف وجودها شيءٌ ضروري للوصول إلى الكمال، وأن وجودها على كلّ حالٍ موافقٌ لحبّ ذاته ـ، إذن فهو عندما يرى قانوناً من القوانين موافقاً لمصلحته، وماشياً بالطريق نحو الكمال، فهو حينئذٍ يندفع معه اندفاعاً تلقائياً، ويطيعه إطاعةً عمياء، ويتكيَّف لمقتضيات أوامره ونواهيه، غير متوقِّعٍ ثواباً أو خائفٍ عقاباً، وإنما هو يطيعه لأجل الوصول إلى النتيجة التي يحسبها أو يراها موافقةً لكماله، ولمصلحة نفسه وحبّ ذاته.
أما إذا لم يتعقَّل الفرد ـ والناس في الغالب لا يتعقَّلون ذلك ـ أن النظام المعين الفلاني في مصلحتهم، وأن اتباعه موافقٌ للوصول إلى كمالهم، وأنه أهلٌ لتقييد الحرّية الطبيعية المحبوبة لهم، فإنهم يحتاجون بذلك إلى وضع العقاب والثواب على اتباع هذه القوانين وعلى عصيانها؛ لكي تكون لهم مثيراً تكوينياً وحافزاً قوياً إلى إطاعتها وعدم عصيانها؛ وذلك أن كلّ فردٍ يواجه التزاحم الموجود بين الشرّ الذي سوف يصيبه من اتباع القانون ـ أو خسارة المصلحة التي سوف يقع فيها ـ والذي سوف يصيبه من عدم إطاعته وهو العقاب، فيوازن بينهما في ذهنه، فيرى حَتْماً أن الشرّ الذي يصيبه من عدم إطاعة القانون أكبر من الشرّ والعقاب الذي يصيبه عند عصيانه، وعند ذلك يرى أن من حبّ ذاته أن يمتثل القانون.
من هنا نرى أن الشخص الذي يستطيع إخفاء فعله عن القانون، والهرب من العقاب ومن يد القضاء، يقدم نحو الجريمة إقداماً؛ لأنه يرى أن عصيان القانون لن يلحق به شرّاً، وأن القيام بالجريمة في مصلحته، وموافقٌ لحبّ ذاته، حَسْب نظره القاصر.
وكذلك بالنسبة إلى وضع الثواب على القوانين، فإنها أيضاً مثيراتٌ ومقتضياتٌ ثانوية لطاعتها، فإن الفرد أيضاً يوازن بذهنه بين المصلحة التي سوف تناله عند طاعة القانون ـ وهو الثواب ـ وبين المصالح التي سوف تناله عند عدم طاعته ـ وهي الحرّية الطبيعية ـ وعند المشي على هُداه واختياره، فهو يرى حَتْماً أن المصلحة التي ضمنها له القانون أكبر وأكثر، وأن ثوابه أجزل وأعظم، وعليه يتوجَّه إلى هذا الثواب، فيطيع القانون على هذا الأساس…»([32]).
ويناقش الشهيد مطهَّري موضوع أساس التقيُّد بالفضائل الأخلاقية عند الإنسان عند مواجهته لمصالحه الشخصية، فيغدو مؤمناً معتقداً، ويتنازل عن مصالحه الشخصية من أجل الحقّ والصدق والعدالة. وعلى أيّ أساسٍ نبني الأخلاق حتى تجاهد الذات، وتكون في نفس الوقت منطقيّةً، وتدعمها خلفيّة، ولها رصيدٌ، لا أنها فارغة من غير محتوى؟
وقبل إجابته عن هذا السؤال، يعرض الشهيد مرتضى مطهَّري لونين من الأخلاق؛ حيث ينقسم الذين يقترحون الأخلاق إلى طائفتين:
الأولى: تقيم أخلاقها على أساس حبّ الذات وعبادتها وتقويتها، وعلى التنازع في البقاء والدفاع عن الذات. فالذات هي أساس أخلاقهم، ومثالها: الأخلاق التي يقترحها «نيتشه»؛ وكذا الأخلاق الماركسية، فهي لا تتعدّى المصالح الشخصية.
الثانية: وهي تشمل غير أولئك، فهم يدعون إلى الفضائل الأخلاقية، كالعدالة والصدق والاستقامة والأمانة، وفي كلّ واحدٍ من هذه الأمور يوجد لونٌ من ألوان الجهاد ضدّ الذات. فهم لا يضحّون بالأخلاق حتى لو تضرَّرَتْ مصالحهم([33]).
والفعل الأخلاقي عادةً يرتبط بموضوع الذات المتعلِّقة بالألم والسعادة، حيث يبحث الإنسان دَوْماً عن السعادة، ويبتعد عن الألم. وتبقى الإشكالية تتعلَّق بأساس التقيُّد بالفضائل الأخلاقية، أي هي إشكاليّةٌ معيارية، وبنيوية. وهنا يبدأ الشهيد مطهَّري بالإجابة عن سؤاله السابق حول كيفية جعل الإنسان مقيّداً بالفضائل الأخلاقية عند مواجهته لمصالحه الشخصية. ولكنْ سنعرِّج قليلاً على وجهة نظر حول مفهوم السعادة.
مفهوم السعادة الحقيقيّ
يكشف البروفِسور في علم النفس مارتن سليغمان(1942م)([34])، من خلال نتاجه مع فريقه البحثيّ حول السعادة، عن 3 أنواع من الحياة «السعيدة»:
1ـ الحياة الممتعة pleasant life: هذا النوع هو المليء بالأحداث والخصائص المُمتعة (الشهرة، المال، الحفلات، السهرات، النُّزُهات…، إلخ). ومشكلة هذا النوع أنّ السعادة فيه ليست مُستدامةً، وأنّ الشخص يعتاد عليها، فيحتاج إلى جرعاتٍ أكبر مع الوقت.
فمثلاً: هذا النوع من السعادة، الذي تروِّج له الحكومات من خلال الإعلام، يغرق الشعوب في رفاهيةٍ مصطنعة، تبعده عن مفهوم الرفاهية الحقيقي، لذلك ينشغل الفرد والمجتمع في العمل بكافّة أشكاله، وجمع المال بكافّة السُّبُل؛ لتحقيق مفهوم الحياة الممتعة. وهنا لا يسعى الفرد، ولا النُّخَب، وفق هذا الفهم للحياة لرفع ظلمٍ، ولا استبدادٍ، ولا تحقيق عدالةٍ؛ لأن الهدف هنا ذاتيّ أنوي مادّي، غيرُ ناظرٍ إلى الأهداف بعيدة المدى، بل إلى أهدافٍ قريبة المدى ذاتية ضيِّقة الأفق والحدود.
2ـ الحياة الجيّدة good life: هذا النوع هو الغنيّ بالأنشطة التي تستحوذ على كامل تركيز الشخص، فيتوقّف الزمن لديه عندما يبدأ فيها (كالأشخاص المهووسين بالبرمجة أو الكتابة أو القراءة أو الرسم…، إلخ)
وهنا تكمن فرديّة في بُعْدٍ فردي معنوي، يحقِّق لذّةً معنوية ذاتية، لكنها تعطيلية تخديرية، قد توقعه في وَهْم الإنجاز، ووَهْم الهدفية، ووَهْم تحقيق الذات. هو وَهْمٌ لأنه لا يحقِّق تغييراً واقعياً للواقع المحيط الاجتماعي والفردي، لا على مستوى الوطن، ولا مستوى الشعب. لا يرفع فساداً ولا استبداداً ولا ظلماً.
٣ـ الحياة الغنيّة بالمعنى meaningful life: هذا النوع يعتمد على أن يُسخِّر نقاط القوّة لديه في سبيل قضيّةٍ أو هدفٍ أكبر منه.
وهنا يستخدم البُعْد المادّي والمعنوي باتِّزانٍ في سبيل القضايا الكبرى، كتحقيق العدالة والاستقلال الحقيقي والحرّية من كلّ أنواع العبوديات، ورفع الظلم ومحاربة كلّ أنواع الفساد. هذه القضايا التي تتجاوز ذاته ومحيطه إلى محيطٍ أكبر. فهو يتحرَّك حراكاً تغييرياً مادّياً ومعنوياً، من ذاته إلى محيطه الاجتماعي، ثمّ محيطه العالمي.
يُشير د. سليغمان إلى أنّ الحياة قد تكون غنيّةً بالأنواع الثلاث من التجارب، بنسب متفاوتة، ولكنْ كلما ازدادت تجارب النوع الثالث ازداد منسوب «الرضا عن الحياة» (life satisfaction).
ومن هذه النقطة يمكن الانطلاق مع الشهيد مرتضى مطهَّري للإجابة عن سؤال آليّة ضبط الأخلاق الإنسانية ومواجهة الذات.
أساس التقيُّد بالفضائل الأخلاقيّة
يعتبر الشهيد مرتضى مطهَّري أن للأخلاق أساساً ومرتكزاً؛ حيث تشكِّل معرفة الله الأساس للدين، وكذا معرفة الله تشكِّل الحجر الأساس للإنسانية، ويعتبر أنه لا معنى للإنسانية ولا للأخلاق من دون معرفة الله تعالى، أي لا معنى لأيّ شيءٍ معنويّ إذا لم يرتبط برأس المعنويّات ومنبعها([35]).
ولكنّ الإشكالية التي تطرح اليوم، كما طُرحَتْ سابقاً في عصر الشهيد مرتضى مطهَّري، هي: إن أدلّ دليلٍ على إمكان الشيء وقوعه، فكيف لا يوجد انضباطٌ ولا أخلاقٌ في المجتمع الذي لا يعرف الله، ولا يتقيَّد بالدين، بينما نشهد بأنفسنا أنه في المجتمعات الغربية كثيرٌ من أفراد هذه المجتمعات، إنْ لم يكن جلُّهم، منضبطون ومنظَّمون، ويتمتَّعون بالأخلاق، ولا يتجاوزون حدودهم، ولا حقوقهم، ولا يتعدّون على حقوق الآخرين؟
يقسِّم الشهيد مرتضى مطهَّري في معرض إجابته عن هذا التساؤل وهذه الإشكالية الذات وعبادة الذات إلى أقسام:
1ـ الذات الشخصيّة
الإنسان التابع والعابد لذاته تارةً يتبع ذاته الشخصية، فهو لا يرى إلاّ ذاته ونفسه، فهو مركزُ الدائرة، ومحيطُها لا يتجاوز مَنْ يدور حول وجودهم الشخصي وبيئتهم الخاصة. فقد رسموا دائرةً هم في داخلها، وغيرهم يقع خارجها؛ لأنهم يريدون كلّ شيء لأنفسهم. وهذا هو النوع الضعيف من عبادة الذات.
2ـ الذات العائليّة
ولكنْ في بعض الأحيان تتَّسع دائرة عبادة الذات قليلاً، حيث يشكِّل هذا الفرد العابد لذاته أسرةً، فيكون رجلاً عادلاً في إطار عائلته، ويضحّي لأجلهم، ويؤثرهم على نفسه، فهو يعيش بصفاءٍ مع أسرته، لكنّه بمجرّد أن يخرج عن بيئته العائلية فإن كلّ شيء يريده لعائلته. ولأن جميع الصفات الرذيلة ناشئةٌ من عبادة الذات فإن مَنْ يعبد ذاته عندما يخرج عن إطار عائلته إلى بيئةٍ أكبر يشتدّ حرصه، ويكثر نشاطه، فيمارس كثيراً من الرذائل الأخلاقية؛ لأجل جلب المنفعة لعائلته. وهنا الأصل في ذلك هو عبادة الذات، لكنْ هنا الذات باتَتْ أكبر، وإن تغيَّر المجال، لكنّ الأصل هو عبادة الذات.
3ـ الذات الوطنيّة أو القوميّة
وتتَّسع الذات لتشمل ما هو أكبر من العُصْبَة أو العائلة، لتصبح الذات الوطنية أو القومية، فيكون الشخص بالنسبة إلى شعبه وأمّته أميناً نزيهاً صادقاً، فلا يكذب ولا يخون، فهو لا يرتكب السيِّئات الأخلاقية مع ذاته، إلاّ أن ذاته هنا قد أصبحَتْ أكبر وأوسع، وهو من أجل شعبه وأمّته يرتكب أبشع السيِّئات الأخلاقية مع غيرها، وعلى نطاقٍ أعمّ وأشمل، فجميع الفضائل الأخلاقية، من صدقٍ واستقامة وسلام وعدالة وحبّ وحمايةٍ للضعيف، إنْ كانت تنتهي لمصالح شعوبهم فهي صحيحةٌ، وإلاّ فهي غيرُ صحيحةٍ([36]).
يتساءل الشهيد مرتضى مطهَّري بعد هذا العرض قائلاً: إذن ماذا نفعل لكي تغدو أخلاق الناس أخلاقاً إنسانية؟ وماذا نفعل لكي نقضي على «الذاتية»؟
يقول: من الجدير بالذكر أن الإسلام لا يهدف إلى القضاء على «الذاتية»، وإنما يريد أن يضفي سعةً على الذات والشخصية، بحيث تصبح الشخصية الإنسانية متَّحدةً مع شخصية كلّ العالم. هكذا يرفع الشخصية الإنسانية ويجعلها رقيقةً، لطيفةً…
ويستطيع الإنسان أن يجاهد ضدّ هذه «الذاتية» بأحد لونين، وفق مطهَّري:
الأوّل: أن يقوم بإضعاف هذه «الذاتية» والقضاء عليها. وهذا خطأٌ من وجهة نظر الإسلام.
الثاني: أن يقوم بتوسيع حدود «الذات» لتشمل جميع الناس، بل جميع موجودات العالم، بمعنى أن تلك «الذات» تصبح دائرةً تتَّسع وتتَّسع باستمرارٍ لتضمّ داخل حدودها كلّ شيءٍ، ولا يبقى أيُّ شيءٍ خارج حدودها. وهذا الجهاد ليس سلبيّاً، ولهذا يوصي الإسلام بالجهاد ضدّ الذات، وهو في نفس الوقت يوجب المحافظة على حقوق الذات وحدودها، ويوجب الدفاع عنها، لكنّ المحافظة على الذات مطلوبةٌ إذا لم تُفْضِ إلى الرذائل الأخلاقية. فالإسلام يهدف لتوسعة الذات، وتوسعة البيئة الأخلاقية، بحيث لا تعترف بحدودٍ حتّى بين المسلمين وغيرهم([37]).
ويأتي السؤال أيضاً هنا: ما هي ضابطة الالتزام بالأخلاق؟ وعلى أيّ أساسٍ يتمّ بناء هذه المنظومة الأخلاقية؟
الضبط الاجتماعيّ والقانون الأخلاقيّ
ينظر إلى القانون على أنه مجموعة قواعد، فيعرف القانون على أنه «مجموعة قواعد عامّة مجرّدة ملزمة، تنظِّم العلاقات بين الأشخاص في المجتمع». فالقاعدة القانونية تختصّ بأنها عامّة ومجرّدة (تنطبق على الجميع) وملزمة. فموضوع القانون هو الإنسان وسلوكه الاجتماعي وأفعاله وردود أفعاله، وهدفه نَظْم هذا السلوك بمجموعةٍ من القوانين الملزمة؛ لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي.
ولا يمكن للقانون أن يحدث الأثر المرجوّ منه، ويحقِّق الهدف المرجوّ منه، إلا في حال جرى تطبيقه وفق مبدأ المساواة على الجميع دون فرقٍ، وإلاّ بات القانون لا يساوي الحبر الذي كُتب به. فالقانون يرسم الحدود، ويضبط السلوك الخارجي، ولكنّه يحتاج عوامل أخرى؛ كي يحقِّق هدف الاستقرار الاجتماعي المستديم.
وجوهر هذه الاستدامة في الاستقرار الاجتماعي هو إحراز القانون للعدالة الاجتماعية، والعدالة قيمةٌ غائية، لا تعتمد في تحقيقها فقط على القانون والانضباط الاجتماعي، بل تحتاج بشكلٍ كبير للانضباط القيمي والمعياري والأخلاقي على مستوى الفرد (الذات)، وهو ما قد يمكن تحقيقه من خلال بوّابة التقوى، والتي تلعب دَوْراً هامّاً في الحياة الدنيا، وضبطها وتحقيق العدالة، واستدامة الاستقرار الاجتماعي.
وللقانون، ولتطبيقه على الجميع دون فَرْقٍ، دَوْرٌ كبيرٌ في تحقيق الضبط الاجتماعي تشريعياً، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي مصادر التقنين؟ وهل للقانون دَوْرٌ في الضبط الأخلاقي؟
مصادر التقنين
كي يحرز القانون هدفه في الضبط وتحقيق العدل لا بُدَّ له من مرجعيّةٍ خبيرة ومحيطةٍ بالإنسان وعلاقته بالطبيعة والإنسان الآخر، وكيفية نظم هذه العلاقات بما يدفع باتجاه التطوُّر والتقدُّم والتنمية المستديمة، ويزيل كلّ العوائق النفسية والاجتماعية.
والمصدر في التقنين يجب أن يتَّصف بالإحاطة والشمولية والتجرُّد والموضوعية؛ حتى يستطيع سنّ قوانين تحقِّق الهدف من التقنين، ويضبط السلوك الفردي والاجتماعي بما يحفظ النوع الإنساني، ويحقِّق العدل.
فنحن هنا أمام مرجعيتين:
1ـ المرجعية الإلهيّة، المحيطة الشاملة الخبيرة غير المحدودة، وهنا نعني من حيث الضوابط والقوانين العامّة، دون إنكارٍ لدَوْر العقل الذي منحه الله للإنسان في التفصيل، وتشخيص الأصلح؛ لتحقيق تلك الغايات، وتطبيق تلك الحدود العامة.
2ـ المرجعية البشريّة المحدودة، والتي يلعب فيها كلٌّ من: العقل البشري المحدود؛ والذات، دَوْراً كبيراً في تشخيص القانون.
وتتمثَّل المرجعية الإلهيّة بالقرآن الكريم والسُّنّة المعتبرة والحديث المُحَقَّق، بحيث يشكِّل القرآن المرجعية المعرفية المعصومة لباقي المصادر، ويلعب العقل دَوْراً هامّاً ومحوريّاً في الوصول إلى حكم الله.
وأما المرجعية البشرية فتتّكئ على التجربة، منطلقةً من نجاحها في التجارب الطبيعية، مع عدم التفاتها للاختلاف العميق والواقعي بين التجربة الطبيعية والتجربة الاجتماعية والبشرية، وأهمّها: مجال التطبيق، ومدّة ظهور النتائج والآثار المترتِّبة على التجربة.
ويعتبر الشهيد مرتضى مطهَّري أن ذات الله هي أساس الفضائل الخُلُقية، ويتساءل: أيمكننا أن نجد للأخلاق منطقاً استدلاليّاً بعيداً عن طريق معرفة الله؟
ويجيب بالنفي، معتبراً أن الخلفية والرصيد لجميع هذه المفاهيم هي معرفة الله، وأن فقد الإيمان يجعل الأخلاق كقطعة نقودٍ لا رصيد لها. ويستدلّ على ذلك بالثورة الفرنسية التي أعلن بعدها الفرنسيون الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، إلاّ أنهم في الحربين العالميتين الأولى والثانية وخلال حرب الاستعمار الفرنسي للشعب المسلم في الجزائر غاب هذا الإعلان، وغابَتْ حقوق الإنسان. فيقول هنا:
إن «الذات» في الدين لا تعرف الحدود، أي إن الفضائل الأخلاقية لا حدود لها، والأخلاق الدينية الحقيقية لا تفرق بين المتديِّن([38]) وغيره، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهُا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيِراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ (النساء: 135).
فالشهادة يجب أن تؤدّى لله، وإنْ كانت في ضَرَر الشاهد أو أبوَيْه أو الأقربين. هذا هو موقف الدين. فأساس الفضائل الأخلاقية هو الله، والتقيُّد بها من أجل الله تعالى. وهنا يطبِّق تصوُّره التوحيدي للعالم، في مصداقه الأخلاقي والقِيَمي الرفيع، حينما يعتبر أن ذات الله هي أساس الفضائل الخُلُقية.
المرجعية الإلهيّة تنظِّم القوانين وفق أسس ثابتة؛ وأخرى متغيِّرة وفق الزمان والمكان. وتكون فيها الثوابت مرجعيّةً لتلك المتغيِّرات، بحيث تشكِّل قواعد كلِّيةً صالحةً لكلّ زمانٍ ومكانٍ، وتكون المتغيِّرات في مصاديق تحقيق تلك الكلِّيات الثابتة؛ أو إنْ كانت كلِّياتٍ ثابتةً مع تفاصيلها فإن المحرِّك العمليّ هنا قواعدُ كلِّيةٌ مَرِنةٌ منتَزَعةٌ من الشريعة، تعمل كمفصلٍ مَرِنٍ يجعل من هذه الثوابت صالحةً لكل زمانٍ ومكانٍ، كقاعدة «لا ضَرَر ولا ضِرار»، على سبيل المثال لا الحَصْر.
وهذا لا يعني إلغاء دَوْر العقل، ومنع الاستفادة من التجارب البشرية الاجتماعية، فالنبيّ| أمضى حلف الفضول، الذي تأسَّس قبل الإسلام؛ لكونه يلتقي في مقاصده الاجتماعية وحراكه مع قِيَم الإسلام الرفيعة، فالإنسان مفطورٌ على حبّ الخير.
إذن معيار الاستفادة من تجارب الآخرين البشرية الاجتماعية وما يتعلَّق بالتقنين هو عدم تعارضها مع القواعد الكلِّية للشريعة، ومع مقاصد الإسلام العليا، وتحقيقها لجوهرة القِيَم «العدالة»، وعدم امتهانها لكرامة الإنسان ودَوْره الاستخلافي على الأرض.
فالعقل أحد مصادر التشريع من جهةٍ، وأحد مصادر المعرفة من جهةٍ أخرى، وهو قادرٌ على كشف الواقع، والانتزاع من جزئياتٍ مستقرأة قوانين كلِّيةً قادرةً على نظم الواقع الإنساني اجتماعيّاً، ويكون الوَحْي (النصّ) حارساً يمنع خروج العقل عن جادّة التفكير المنطقي، ويمدّه بالموادّ الخام في حال عجز عن الحصول عليها مستقلاًّ؛ لمعرفة واقع الأمر.
فما نعيشه اليوم من تجربةٍ للمرجعيات البشرية في سنّ القوانين الناظمة والضابطة للحياة الاجتماعية والمنظومة الأخلاقية أكبر دليلٍ على عدم قدرتها منفردةً في تشخيص الواقع ومعالجته؛ للقصور الذي يظهر في تلك القوانين والمنظومة الأخلاقية بعد مرور زمنٍ طويل على تطبيقها، وظهور جوانب القصور فيها؛ لعدم تحقيقها للانضباط والاستقرار المستديم، وعدم إرسائها للعدالة الاجتماعية؛ لخَلَلٍ إما في التطبيق على الجميع؛ أو لخَلَلٍ في تشخيص الواقع الذي على ضوئه سُنّ القانون والقِيَم الأخلاقية.
فقد يلتزم الأغلب بالقانون والقِيَم الأخلاقية؛ بدافع حماية النفس من العقاب أو التعدّي عليها لانتهاك القانون، أو دَفْعاً لاستقرار المجتمع، لكنْ قد يمتلك بعض الأشخاص من النفوذ المالي والسلطوي ما يمكِّنهم من تجاوز القوانين الناظمة والقِيَم الأخلاقيّة دون رقيبٍ أو حسيبٍ، وبذلك لا يكون القانون بذاته مالكاً صفة الإلزام، ولا يتمّ تطبيقه على الجميع؛ لموانع خارجية، غالبها تأتي من تلك الجهة، إما الواضعة للقانون أو المنفِّذة له؛ كون الأساس الأخلاقي الحاكم على مسار التطبيق هو الأساس المنفعي.
فطالما تتطلَّب المنفعة تجاوز القانون وعدم تطبيقه فلن يطبَّق؛ لتحقيق هذه المنفعة، وخاصّةً عند اجتماع السلطة والنفوذ مع المنفعة والمصلحة الشخصية، المنطلقة من حبّ الذات، فإن ذلك مع توفُّره لن يلزم صاحبه بتطبيق القانون.
وما يكسب القانون إلزاميته هو الإنسان ذاته، وما يملكه من أبعاد قِيَمية ومعايير ضابطة، ترتبط إما بتماهيه مع فطرته وما جُبل عليه من الخير؛ أو ما يملكه من ضميرٍ أخلاقي، أو لارتباط هذا العنصر البشريّ بالسماء وإحرازه لمقوِّمات التقوى المرسِّخة للانضباط الذاتي. والضمير الأخلاقي حينما يتحوَّل إلى ثقافةٍ اجتماعية، بحيث يصبح ارتكاب القبيح أو المخالفة القانونية أمراً مستَنْكَراً اجتماعيّاً، فإن هذا الاستنكار الجماعي للقبيح وللمخالفة يشكِّل بذاته ضابطةً للفرد وللمجتمع، تمنعه ـ حتّى مع عدم وجود رقيبٍ ـ من ارتكاب القبيح أو مخالفة القانون؛ تحسُّباً لاستنكار المجتمع، ولعَزْله اجتماعيّاً، ولحوق العار الاجتماعي به؛ نتيجة هذا الانتهاك المخالف للضمير الأخلاقي الاجتماعي.
يقدِّم الشهيد مرتضى مطهَّري تصوُّره عن العالم وفق صورته التوحيديّة له؛ إذ يرجع البشر كلّهم إلى قطبٍ واحد، هو مصدرٌ أصيل للتقنين الأخلاقي من جهةٍ، وسببٌ رئيس للانضباط الأخلاقي، بل هو الأصل في قاعدة الإلزام في تطبيق القانون، وخاصّة الأخلاقي منه، وهو الله. فهو يقدِّم هذا التصوُّر التوحيدي للعالم، ويؤسِّس لهذه الفكرة المهمّة منهجيّاً في فلسفة الأخلاق، ومصداقاً رصيناً للتصوُّر التوحيدي للعالم.
الهوامش
(*) كاتبةٌ وباحثةٌ في الفكر الدينيّ والسياسيّ. من الكويت.
([1]) ورقة مشاركة في مؤتمر الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري.
([2]) عالمٌ سويسري، يشغل منصب أستاذ علم اللاهوت المسكوني في جامعة توبنغن، وقد عين مستشاراً لاهوتياً للمجمع الفاتيكاني الثاني، وهو مؤلِّف كتاب «ما بين الأشياء»، و«لاهوت الألفية الثالثة»، و«المسيحية وأديان العالم»، و«المسؤولية العالمية: اليهودية، المسيحية، الإسلام».
([3]) الشيخ حيدر حب الله، هانز كونج ومشروع الأخلاق العالمية، موقع نصوص معاصرة:
([4]) عالمُ دينٍ، وفيلسوفٌ إسلاميّ، ومفكِّر شيعيّ، إيرانيّ. العضو المؤسِّس في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، ومن المنظِّرين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو أحد أبرز تلامذة المفسِّر والفيلسوف الكبير محمد حسين الطباطبائي، والسيد روح الله الخميني.
([5]) الشهيد مرتضى مطهري، المفهوم التوحيدي للعالم: 12 ـ 14، دار التيار الجديد.
([6]) سلسة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهَّري، الفكر الإسلامي وعلوم القرآن الكريم: ٣7٦، دار الإرشاد، بيروت، ط1، 14٣0هـ ـ 2009م.
([7]) السيد محمد حسين الطباطبائي من أبرز فلاسفة وعرفاء ومفكِّري الشيعة في القرن العشرين، اشتهر بتفسيره المعروف بـ (الميزان في تفسير القرآن)، وكان من أساتذة الشهيد مرتضى مطهَّري.
([8]) سلسة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، الفكر الإسلامي وعلوم القرآن الكريم: ٣90.
([9]) المصدر السابق: 392 ـ ٣9٣.
([10]) المصدر السابق: 394 ـ ٣9٥.
([11]) المصدر السابق: 394 ـ ٣9٦.
([12]) المصدر السابق: 400 ـ 401.
([13]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: 5 ـ ٦، دار الإرشاد، ط1، 14٣2هـ ـ 2011م.
([14]) حامد عبد السلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي: 8٣، عالم الكتب، ط1، 1982م.
([15]) محمود عبد الله صالح، أساسيات في الإرشاد التربوي: 18٣، دار المريخ للنشر، الرياض ـ السعودية، ط1، 1985م.
([16]) حامد عبد السلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي: 82.
([18]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: 101.
([19]) المصدر السابق: 101 ـ 102.
([20]) حامد عبد السلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي: 84.
([21]) محمد باقر الصدر، فلسفتنا: ٣2، ٣٣، دار التعارف للمطبوعات، ط2، 1998م.
([22]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: ٣0.
([24]) المصدر السابق: 31 ـ ٣2.
([26]) السيد محمد الصدر، حبّ الذات وتأثيره في السلوك الإنساني: 48 ـ 49، ٥9، مؤسّسة المنتظر لإحياء تراث آل الصدر، مطبعة وفا، ط1، 201٣م.
([28]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: 33 ـ ٣4.
([29]) المصدر السابق: 34 ـ 35، 40.
([32]) السيد محمد الصدر، حبّ الذات وتأثيره في السلوك الإنساني: 91 ـ 94.
([33]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: 1٥0 ـ 151.
([34]) عالمُ نفسٍ ومعلِّمٌ أمريكي. له العديد من النظريّات والمؤلَّفات في مجال المساعدة الذاتية المتعلِّقة بعلم النفس الإيجابي والرفاه داخل المجتمع العلمي.
([35]) سلسلة تراث وآثار الشهيد مرتضى مطهري، سلوك وأخلاق الإسلام: 1٥4.
([36]) المصدر السابق: 155 ـ 1٥٦.