في محاولة لتحليل أحوالنا الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية ، كثيرا ما نستحضر عنوانا جماليا في لغته ومتهافت في اصطلاحاته،إنه "الثقافة" أحد العناوين المتداولة في المجتمعات الإنسانية بحسب المرجعيات الفكرية والإيديولوجية المجهرية، حيث المجتمعات العربية الإسلامية تجتر هذا المفهوم على ألسنة السياسيين والمثقفين وعلماء الدين والإعلاميين وعامة الناس، بينما أزمة التنمية في الوطن العربي و الإسلامي تزداد تعقيدا …
الواقع يوحي لنا بأن الثقافة في العالم العربي تعاني من أزمات متنوعة، وذلك بدليل تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كل عام و آخر تقرير هذه السنة (2009) خصص لتحديات أمن الإنسان في البلدان العربية..
أشار هذا التقرير بمحاوره السبعة الرئيسة إلى مأزق الإجابة عن الأسئلة الإنسانية الكلية والجزئية في واقعنا العربي، ولعل ذلك المأزق في بعض تفسيراته يعبر عن مشكلة الثقافة في حياتنا ( التكوين، المخزون، الدور، العلاقات، التطلع…وغيره).
ثمة صورة كلية سائدة في مجتمعاتنا عن الثقافة، تستند إلى قطيعة بين الواقع و التطلع، مما جعل مفهوم الثقافة أحد العناوين القابعة في النظريات و التجريد …
ومن اللافت للنظر أن السؤال الثقافي الكلي في واقعنا العربي، لا يزال حبيس القوالب الإيديولوجية مما أفشل مشاريع العدالة و المساواة و الحوار والتعايش، الثقافة في حياتنا مشكلتها أنها ضحية الصدام الإيديولوجي…
و بالرجوع لعلاقة الثقافة بأمن الإنسان في الوطن العربي، سنجد أنها متوقفة على مدى وعي الإنسان العربي للمفهوم الوظيفي للثقافة الذي من شأنه تحريك القيم الإنسانية في حياته..
بصراحة: هذا الطرح يدفعنا عنوة نحو مساءلة الجهات المعنية بالثقافة في بلداننا عن التوظيف الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي للثقافة العربية الإسلامية البراقة التي تواجه الآخر المستبد ثقافيا و تمتاز بالفكر الأنسني بشقه الإسلامي المميز لها عن غيرها، وما الذي قدمته الثقافة لمشاريع التنمية والإصلاح في أوطاننا؟
إن الكثير بيننا يكذب على نفسه و إنساننا خلف ستار الثقافة، مما شكل مفارقة رهيبة بين المفهوم والوظيفة في عنوان الثقافة عربيا، فأي مشكل أو أزمة أو عطل يحدث على مستويات الإجتماع والاقتصاد و السياسة يحرك فينا الاستيراد بأشكاله المفرطة ، وعليه كل شيء عندنا مستورد، اللهم إلا السلاسل المكونة لهويتنا و التي بدأت تتعرض للتحطيم في ظل العولمة… !!
و من الجدير بالذكر أن الواقع الثقافي عندنا لا يزال نشط في استخدام الثقافة بشكلها التقليدي، دون أدنى تفكير بصياغة مفهوم جديد للثقافة يتلاءم و التحديات الضاغطة على أمن الإنسان العربي…
نسبة من هذا الطرح حاول مؤخرا الأستاذ زكي الميلاد في كتابه "نحن و الثقافة" إثارتها و التأسيس لها من خلال تجاوز العائق الابستمولوجي المربك للمثقف في علاقاته بالبيئات التقليدية…
تتلخص هذه الرؤية في أن الثقافة لا تؤدي وظيفتها في أي مجتمع إلا إذا كانت منبثقة من مورثات هويته، حيث هذا مشروط بتحرير مفهوم الثقافة من الأدلجة ومحاولة التوفيق بين علاقة العلم و الثقافة ببعضهما، للخروج من نفق التنظير و التجريد إلى آفاق العمل و الممارسة وتحقيق أمن إنساننا العربي ضمن الإطار المعرفي الإسلامي الإنساني…