أحدث المقالات

دراسة في النظريات والأصول

د. محمد رسول آهنكران(*)

أ. مصطفى مسعوديان(**)

مقدمة

يعتبر وجود النظام الجزائي أمراً ضرورياً في كل مجتمع؛ لمواجهة الظاهرة الإجرامية ومنع حدوثها.

وفي هذا الإطار وضعت الشريعة المقدَّسة في الإسلام السياسات الجزائية الخاصة للمجتمع البشري. ومن جملة هذه السياسات إجراء العقوبات الحدّيّة؛ لمواجهة بعض الجرائم، مثل: الزنا، اللواط، السرقة، والمحاربة، و…

والحدّ في اللغة هو «نهاية كلّ شيء، والفصل بين الشيئين، وجمعه الحدود»([1]). ولا يبعد هذا المعنى عن المعنى الاصطلاحي، وهو الجزاء الشرعي المعين.

ومن هنا قيل في تعريف الحدّ: الحد عقوبة مُقدَّرة شرعاً لجريمة معينة([2]).

يتبيّن من خلال الأدلة التي سوف نذكرها فيما بعد أن الله سبحانه وتعالى قد فوّض النبي الأكرم| والأئمة المعصومين^ ولاية إجراء هذه الحدود. إلا أن من جملة الأسئلة المطروحة في المحافل العلمية الفقهية: هل يمكن إجراء هذه الحدود لمواجهة هذه الجرائم في عصر الغيبة أم لا؟ وبعبارة أخرى: السؤال الأساسي الذي نبحث عن إجابة علمية له هو: هل يجوز إجراء الحدود في زمن غيبة الإمام المعصوم أم لا؟ وإذا كان جائزاً فمَنْ هو الشخص المكلَّف بإجراء هذه الحدود؟

ويمكن تقسيم مجمل الآراء التي ذكرها الفقهاء في هذا المجال ـ طبقاً للمباني المختلفة ـ إلى ثلاثة: ذهبت مجموعة من الفقهاء إلى جواز إجراء الحدود؛ في حين قال آخرون بالتعطيل؛ أما الطائفة الثالثة فقالت بالتوقف في الحكم. وسوف نقوم بطرح الرأي الصحيح في هذه المسألة من خلال دراسة الآراء المذكورة، والمباني، مع الأخذ بنظر الاعتبار التغيُّرات الحادث في النظام الجزائي.

أدلة القائلين بجواز إقامة الحدود

تمسَّك هؤلاء الفقهاء غالباً بمبنيين: عقلي؛ ونقلي؛ لإثبات مدّعاهم، وهما:

أـ الأدلة العقلية

من أهم الأهداف التي يتوخّاها الإسلام في إقامة الحدود وتشريع العقوبات الجزائية هو الحيلولة دون وقوع الفساد والفسوق والفجور، وانتشارها في المجتمع.

وقد التفت هؤلاء إلى هدف الشارع المقدَّس والحكمة من التشريع، وأن تقييد إجراء الحدود بزمن خاصّ ـ أي زمان حضور الإمام المعصوم مثلاً ـ ينافي ذلك الهدف، فالحكمة التي اقتضت تشريع الحدود تقتضي إجراء الحدود في زمن غيبة الإمام المعصوم× أيضاً.

وفي هذا السياق يقول صاحب الجواهر: «…وبأنَّ تعطيل الحدود يفضي إلى ارتكاب المحارم، وانتشار المفاسد، وذلك مطلوب الترك في نظر الشارع؛ وبأن المقتضى لإقامة الحد قائم في صورتي حضور الإمام وغيبته، وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه قطعاً، فتكون عائدة إلى مستحقّه أو إلى نوع من المكلَّفين، وعلى التقديرين لابدّ من إقامته مطلقاً…»([3]).

ومن الفقهاء الذي ذكروا هذا المبنى؛ لإثبات جواز إقامة الحدود في عصر الغيبة: العلامة الحلي([4])، فخر المحققين([5])، الشهيد الثاني([6])، السيد الخوئي([7]).

ب ـ الأدلة النقلية

1ـ إطلاق الأدلة

إنّ القائلين بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة يعتقدون أن الأوامر الشرعية الواردة في الآيات والروايات مطلقة، ولم تقيَّد بأيّ قيد ـ أعمّ من أن يكون القيد زمانياً أو مكانياً ـ، ولذلك فلا يمكن أن يُقال؛ إن إجراء هذه الأوامر مختصة بمكان خاص أو زمان خاص، كزمان حضور الإمام المعصوم مثلاً. ومن هنا قال السيد الخوئي: «إنّ أدلة الحدود ـ كتاباً وسنة ـ مطلقة، وغير مقيدة بزمان دون زمان؛ لقوله سبحانه: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ (النور: 2)، وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ (المائدة: 38). وهذه الأدلة تدل على أنه لابدّ من إقامة الحدود، ولكنها لا تذكر شخصية المتصدّي لإقامتها…»([8]).

ومن الفقهاء الآخرين الذين استندوا إلى إطلاق الأدلة لجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة يمكن أن نذكر صاحب الجواهر([9])، والفيض الكاشاني([10]).

يتبادر إلى الذهن لأول وهلة؛ من خلال ملاحظة بعض الكلمات: (فاجلدوا) و(فاقطعوا)، أنّ وظيفة إجراء الحدود يقع على عاتق جميع المسلمين.

ولكن الظاهر إنّ إطلاق هذه الآيات مقيَّد ببعض الأدلة في مقام إجراء الحدود. ومن هنا فلا يصحّ التمسُّك بالإطلاق، فنقول: بما أن العبارة (فاقطعوا) أو (فاجلدوا) مطلقٌ فإن تنفيذ وإجراء الحدود يقع على عاتق جميع المسلمين؛ لأن العمل بالإطلاق إنّما يصحّ فيما إذا لم يرِدْ دليل على التقييد. وقد قُيّدت هذه الأدلة ببعض الروايات، مثل: رواية حفص بن غياث، قال: سألتُ أبا عبدالله× قلتُ: مَنْ يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟ فقال: إقامة الحدود إلى مَنْ إليه الحكم([11]). ومن هنا فإن عموم المسلمين لا يستطيعون إقامة الحدود الشرعية طبقاً لهذه الرواية، بل يختص بمَنْ كان الحكم بيده فقط. ومن جهة أخرى إذا كان جميع المسلمين مكلَّفين بإجراء الحدود فإنّ هذا يؤدي إلى اختلال النظام، وشيوع الهرج والمرج في المجتمع.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو: مَنْ هم هؤلاء الأشخاص الذين أشارت إليهم العبارة «من إليه الحكم». ومع ملاحظة بعض الأدلة، من قبيل الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء: 59)، والآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55)، تثبت حاكمية وولاية النبي الأكرم| والأئمة المعصومين^ في إجراء الأحكام الإلهية، وخصوصاً الحدود الشرعية. وقد نصّب الأئمة^ بعض الأفراد في مناطق مختلفة؛ للقضاء وإجراء الحدود الشرعية. وفي الحقيقة فإن المقصود من العبارة السابقة «من إليه الحكم» في الرواية المذكورة هم المنصَّبون من قبل الأئمة^ خاصة. ولكن السؤال المهمّ المطروح هنا هو: مَنْ هو المقصود بالعبارة: «من إليه الحكم»؟ وبعبارة أخرى: مَنْ هو المكلّف بإجراء الأحكام الإلهية في عصر غيبة الإمام المعصوم^، ومن جملتها الحدود الشرعية؟ يمكن القول إجمالاً: إنّ المكلَّف بهذه الوظيف هو الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء، عند القائلين بجواز إقامة الحدود. ومن هذا المنطق لا يوجد لدينا دليلٌ لتعطيل إجراء الحدود الإلهية بسبب الغيبة. ومن هنا فإن المقصود بالعبارة: «من إليه الحكم» في رواية حفص هو الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء، وذلك في زمان الغيبة.

2ـ الروايات

وردت روايات متعدِّدة من قبل المعصومين^ في باب (الحدود)، إلا أن الروايات التي استدلّ بها القائلون لإثبات جواز إقامة الحدود قليلة. وقبل التعرض لتلك الروايات من الضروري أن نذكر أنّ هدف الفقهاء من الاستدلال بهذه الروايات هو الإجابة عن سؤال تعرضنا له سابقاً، وهو: مَنْ هو المكلف بإجراء الحدود الشرعية في زمن غيبة الإمام المعصوم×؟ فالقائلون بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة من قبل الفقيه الجامع لشرائط الفتوى يستندون إلى هذه الروايات. ومن جملة هؤلاء الفقهاء: الشيخ المفيد([12])، والعلامة الحلي([13])، وكاشف الغطاء([14])، والشهيد الأول([15]).

ومن هذه الروايات:

أـ مقبولة عمر بن حنظلة

«محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داوود بن الحسين، عن عُمر بن حنظلة، قال: سألت أباعبدالله× عن رجلين من أصحابنا، بينهما مُنازعة في دَيْن أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلُّ ذلك؟ قال: مَنْ تحاكم إليهم في حقٍّ أو باطل فإنما تحاكم إلى طاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سُحتاً، وإن كا حقّاً ثابتاً له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾ (النساء: 60)، قلتُ: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران إلى مَنْ كان منكم، ممَّنْ قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً؛ فإني قد جعلته عليكم حاكماً…» ([16]).

دلالة الحديث

بقرينة كلمة (الطاغوت)، الذي مُنع المسلمون من الرجوع إليه، نصَّب الإمام× الفقهاء بدلاً عنهم. فالأعمال الحكومية التي كان يقوم بها الطاغوت لابدّ أن تُجرى عن طريق الفقهاء العدول، وموضوع القضاء وإجراء الأحكام الإلهية إما أن يتصدوا لها مباشرة أو بواسطة قضاة منصوبين من قبلهم. والشاهد الآخر هي الجملة التي ذكرها الإمام كتعليل لإرجاع الناس إلى الفقهاء، فعلى الرغم من أن السائل قد سأل عن التنازع في مسألة الدين أو الميراث، إلا أنّ الإمام قال: فإني قد جعلته عليكم حاكماً… ومن البديهي إنَّ كلمة (الحاكم) استُعملت هنا بمعنى (القاضي)، وأنّ أحد شؤون القاضي هو إجراء الأحكام الصادرة([17]).

ب ـ رواية إسحاق بن يعقوب

«عن محمد بن عصام، عن محمد بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان#: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله…»([18]).

دلالة الحديث

يرى الشيخ الأنصاري أنَّ المقصود من كلمة «الحوادث» في هذه الرواية هو (مطلق الأمور التي لابدّ من الرجوع فيها عُرفاً أو عقلاً أو شرعاً إلى الرئيس)([19]). ولذلك فإنها تشمل بيان الأحكام الشرعية، والتحقيق في الشكاوى، والتصدي للأمور الاجتماعية.

وكذلك يحتمل احتمالاً كبيراً أنّ المراد بـ (الحوادث) في هذه الرواية هي المسائل الشرعية، والمشاكل التي تحصل للناس، ولذلك سوف يختصّ إرجاع الأمر إلى الفقهاء عن طريق الإمام بالمسائل والمشاكل الشرعية، طبقاً لهذا الاحتمال. أما أمور التصدي للأحكام الإلهية الولائية فلم تفوَّض إلى الفقهاء من قبل الإمام×.

وقد ردَّ الشيخ الأنصاري هذا الاحتمال، معتقداً أنّ المقصود من الحوادث في هذه الرواية هو إرجاع الناس إلى رواة الحديث في الأمور الاجتماعية والحكومية، لا المسائل الشرعية في الحلال والحرام؛ أولاً: لأنّ الإمام× أرجع الناس إلى الفقهاء في أصل الحوادث، لا في حكمها، فإذا كان الإمام قد قال: يرجع الناس إلى الفقهاء في (أحكام الحوادث) يمكن حينئذ أن نقول: إنّ الفقهاء حجّة وخليفة إمام الزمان# في بيان الحلال والحرام، لا في الأمور السياسية والاجتماعية، ولكن الناس قد أرجعوا في نفس الحوادث في هذه العبارة. ثانياً: لأنّه يستفاد من جملة: (فإنهم حجتي عليكم) أنّ عمل الفقهاء المنصوبين من قبل الإمام المعصوم× هي مسألة الإمامة وأمور الاجتماع؛ لأنه إذا كان الفقهاء منصوبين لبيان الأحكام الإلهية فقط لكان المناسب التعبير بـ (فإنّهم حُجج الله)، لا (حُجّتي)، فكما أن الإمام× حجّة الله؛ باعتباره مُبيِّناً للأحكام الإلهية، فالفقهاء هم حجج الله أيضاً من هذه الجهة، لا حجّة إمام الزمان، وحينئذ يكونون حجة إمام الزمان، ولابدّ أنّ يتصدى لقضايا المجتمع إذا كان حاضراً، وبما أنه غائب فقد حوّل تلك الأمور إلى الفقهاء في مسائل الحلال والحرام.

وبيان الأحكام من المسائل الشائعة بين المسلمين، ومن المؤكّد أنّ مثل هذه المسائل الواضحة لا يمكن أن تخفى على شخص مثل: إسحق بن يعقوب، بحيث تستوجب منه أن يسأل الإمام إلى مَنْ يرجع المسلمون في مسائلهم الشرعية.

إلا أن الرجوع في الأمور الاجتماعية والمصالح العامة لا تحظى بذلك الوضوح؛ لأنها ربما أوكلت إلى شخص أو أشخاص، كما هو الحال في زمان الغيبة الصغرى. ومن هنا فإن كلّ سؤال في هذا المجال كان في محله، والإمام في معرض الإجابة قد حول الأمور العامة للمسلمين إلى الفقهاء أيضاً([20]).

ج­­­ـ رواية حفص بن غياث

«عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله×: مَنْ يقيم الحدود، السلطان أو القاضي؟ فقال: إقامة الحدود إلى مَنْ إليه الحكم»([21]).

استنبط السيد الخوئي ـ كغيره من الفقهاء ـ جواز إقامة الحدود في عصر الغيبة بالاستفادة من هذه الرواية. يقول&: فإنها بضميمة ما دلّ على أنّ مَنْ إليه الحكم في زمان الغيبة هم الفقهاء دلّت على أنّ إقامة الحدود إليهم ووظيفتهم([22]).

مناقشة مستندات القائلين بالجواز

أُشكل على بعض رواة مقبولة عمر بن حنظلة من جهة السند. فعلى سبيل المثال: ضعّف الشيخ الطوسي في (رجاله) ما يرويه محمد بن عيسى الوارد في سلسلة أسناد هذه الرواية([23]). إلا أنَّ ضعف هذه الرواية قد جُبر بعمل صحابة الأئمة^([24]). ومن هنا أصبحت موضع قبول الأصحاب، فاشتهرت بهذا الاسم (مقبولة). ومن هنا يمكن الاستدلال بهذه الرواية للقول بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة.

أما (التوقيع الشريف) فقد شكّك أحد الفقهاء المعاصرين في دلالته قائلاً: وأما التوقيع فلعدم معلومّية المراد من الحوادث؛ لاحتمال كون اللام للعهد في كلام السائل، وهو إشارة إلى نفس الحوادث المذكورة في الرسالة، ولعدم علمنا بهذه الحوادث فإنّ التمسك بهذه الرواية لإثبات المدَّعى غير مفيد([25]). ونرى أنّ هذا الاحتمال غير وارد؛ لأنّ المقصود من (الحوادث الواقعة) هي الوقائع الاجتماعية التي تحصل للناس والمسلمين.

ومن جهة أخرى فإن السائل لم يسأل الإمام في حادثة خاصة، بل عن مطلق الحوادث، فإجابة الإمام بالرجوع إلى رواة أحاديثنا (الفقهاء) بصورة عامّة([26]). ومن هنا فالألف واللام الموجودة في (الحوادث الواقعة) هي للاستغراق، وشاملة لجميع الحوادث والمشاكل الاجتماعية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنَّ هذه الرواية تدلّ ـ وبصورة واضحة ـ على جواز إقامة الحدود من قبل الفقيه الجامع للشرائط.

يرى السيد أحمد الخوانساري أنّ رواية حفص بن غياث تواجه إشكالاً دلالياً؛ لأن الوارد في الرواية المذكورة هو الإجابة عن سؤال يقول: مَنْ هو الذي يقيم الحدود، السلطان أم القاضي؟ فجاء الردّ: إقامة الحدود إلى مَنْ إليه الحكم. من هنا لا يمكن أنّ نستنتج فيها أنّ القاضي يجوز له إقامة الحدود؛ لأنّ القاضي له الحكم من طرف المعصوم، ولا يقال: إليه الحكم([27]).

والمقصود من الإشكال الوارد على دلالة هذا الحديث ليس واضحاً. والظاهر أنّ المقصود من (إليه الحكم)، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأدلّة المذكورة في عصر الغيبة، هو الفقيه الجامع للشرائط، والمفوّض لإدارة المجتمع الإسلامي. والفقيه في زمن غيبة الإمام المعصوم له جميع وظائف النبي| والأئمة^، إلا إذا دلّ دليل خاص على استثناء بعض الشؤون التي تختص بالنبي أو الإمام؛ لأن الفقيه هو النائب العامّ للمعصوم، ولازم ذلك أنّ له حقّ التدخل في جميع ما ينوب به، وبما أنّ أحد شؤون الحكومة، بل من أهمها، إجراء الأحكام الإلهية في المجتمع فالفقيه الجامع للشرائط موظَّف بإجراء الأحكام والحدود الشرعية.

ومع ضمّ هذه الرواية إلى الروايات الأخرى التي تدلّ على أن إجراء الأحكام الإلهية في زمن الغيبة هي بيد الفقهاء يمكن أن نستنتج أنّ الفقيه الجامع للشرائط يمكنه إقامة الحدود الشرعية في زمن الغيبة.

أدلّة القائلين بتعطيل الحدود

إلى هنا تناولنا بحث ودراسة المجموعة الأولى القائلة بجواز إجراء الحدود في عصر الغيبة، ومبانيهم العقلية والنقلية. إلاّ أنّ هناك طائفة أخرى من الفقهاء لم تُجِزْ إجراء الحدود الإلهية في عصر غيبة الإمام المعصوم؛ لأن ذلك يختصّ بالإمام المعصوم. ومن جملة هؤلاء الفقهاء: ابن إدريس في كتاب (السرائر)، حيث يقول: «وأما إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها، إلا لسلطان الزمان المنصوب من قبل الله تعالى، أو مَنْ نصَّبه الإمام لإقامتها…»([28]).

ومن الفقهاء المتقدمين الذين ذهبوا إلى هذا الرأي أيضاًَ ابن زهرة([29])، والمحقق الحلّي في كتاب (الشرائع)، الذي قال بأنه لا يجوز إقامة الحدود في زمن حضور الإمام إلا له، أو للشخص المنصّب من قبله، وفي تتمة الحديث نسب القول بجواز إقامة الحدود في زمن الغيبة إلى جماعة، دون ذكر الاسم، قائلاً: وقيل: يجوز للفقهاء العارفين إقامة الحدود في حال الغيبة([30]). ومن خلال التعبير (قيل)، وعدم ذكر القائل، إضافة إلى مخالفته أو على الأقلّ ترديده، يتّضح أنه يرى أنّ القول بالجواز شاذٌّ ونادر.

ومن الفقهاء الآخرين الذين ذهبوا إلى أن إقامة الحدود مختصّ بالإمام المعصوم، والقائلين بتعطيل الحدود في زمن الغيبة، السيد أحمد الخوانساري، حيث يقول في كتاب (جامع المدارك)، وهو شرح موجز على كتاب (المختصر النافع)، للمحقق الحلّي: «وقد يؤيَّد ما ذُكر بأنّ تعطيل الحدود يفضي إلى ارتكاب المحارم، وانتشار المفاسد، وذلك مبغوض في نظر الشارع، وبأن المقتضي لإقامة الحدّ قائم في صورتي حضور الإمام× وغيبته، وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه قطعاً، فتكون عائدة إلى مستحقّه أو إلى النوع من المكلَّفين، وعلى التقديرين لابدّ من إقامته مطلقاً. ويمكن أن يقال: لازم ما ذُكر وجوب إقامة الحدود في كلّ عصر من دون حاجة إلى نصب المعصوم، فقبل صدور المقبولة والمشهورة وصدور التوقيع الشريف كانت إقامة الحدود لازمةً، من دون حاجة إلى الإذن، بل اللازم تصدّي عدول المؤمنين، بل فسّاقهم، مع عدم التمكّن للمجتهدين، كما يقال في حفظ مال القصّر والغيّب. وهذا كما ترى، فلا يبعد أن يكون هذا الأمر أيضاً من الأمور المخصوصة بالمعصومين صلوات الله عليهم، أو المنصوبين بالخصوص من قبلهم، كالجهاد مع الكفّار، غير المجوَّز لغيرهم وغير المنصوبين من قبلهم»([31]).

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه على فرض القول بالتعطيل لابدّ من تبديل الحد بالتعزير، بمعنى أن الحكومة تراعي مسألة الزمان والمكان والشخص، فتقوم بتعزير المذنب([32]).

المناقشة

تمسَّك القائلون بتعطيل الحدود بالإجماع. فقد ذهب السيد أحمد الخوانساري إلى أنّ القول بتعطيل الحدود هو قول المشهور، بل إنه اعتبر أنّ هذا القول هو قول مشهور الفقهاء. بل قال: إن بعض الفقهاء قد ادّعى الإجماع في هذه المسألة. والظاهر أن المراد هو ابن إدريس وابن زهرة([33]). وقد ظهر في ذكر الفقهاء القائلين بالجواز أنّ مشهور الفقهاء قد ذهبوا إلى جواز إقامة الحدود، لا تعطيلها، وهذا ما ذكره صاحب الجواهر قائلاً: إنّ كلام ابن زهرة وابن إدريس لا يظهر منه عدم الجواز، بل إنّ قولهم موافق للإجماع على جواز إقامة الحدود([34]).

والذي نراه أنه لا يمكن استنباط اختصاص إجراء الحدود بالإمام من ظاهر كلام ابن زهرة؛ لسببين:

1ـ إنّ إجراء الحدود في رأي الفقهاء هو وظيفة الإمام المعصوم أو الشخص المنصّب من قبله. وكما ثبت سابقاً فإن الفقهاء الجامعين للشرائط في زمن الغيبة هم نوّاب الأئمة المعصومين^، ومأذونون من قبلهم في إجراء الأحكام الإلهية. ومن هنا فلا يفهم من كلام هؤلاء الفقهاء هذا عدم الاختصاص فقط، بل إنّ كلامهم يؤيد القول بجواز إقامة الحدود عن طريقهم؛ باعتبارهم نواب الإمام المعصوم، في عصر الغيبة أيضاً.

2ـ ذهب ابن إدريس ـ وبصورة واضحة ـ إلى أن وظيفة الحكم والقضاء بين الناس في زمن الغيبة هي بيد الفقيه الجامع للشرائط([35]). ومن البديهي أنّ مَنْ يقبل بمنصب القضاء والإفتاء في زمن الغيبة سوف يقبل بمنصب الإجراء والتنفيذ أيضاً؛ لتلازم القضاء مع الإجراء؛ لأن القضاء وحكم القاضي كفتوى المجتهد، ليس من جهة بيان الحكم فقط، بل إنّ حكم القاضي يراد منه فصل الاختلاف، وهذا لا يتيسر بدون القوة الإجرائية والتنفيذية.

أما المحقق الحلّي فعلى الرغم من أنه عبّر بـ (قيل) عن جواز إقامة الحدود عن طريق الفقهاء في كتاب (الشرائع)، إلا أنّ رأيه في تفويض أمر الحكم والقضاء للفقهاء جامعي الـشرائط يمكن أن نستنتج منه أنّ المحقِّق يقبل بإجراء الحدود من قبل الفقهاء في عصر الغيبة إلى حدٍّ ما؛ للسبب الذي ذكرناه سابقاً، وهو أنّ مَنْ يقبل بمنصب الفتوى والقضاء للفقيه في زمن الغيبة عليه أن يُسلِّم بمنصب التنفيذ للفقيه أيضاً؛ وذلك من باب تلازم مسألة القضاء مع التنفيذ؛ لأن القضاء بدون تنفيذ لا ثمرة له. ومن هنا فالحقّ أن نقول: إنّه من القائلين بجواز إقامة الحدود من قبل الفقيه الجامع للشرائط.

أما ما ذهب إليه السيد الخوانساري فلا يخلو من نقد؛ لأنه وإن كانت أدلة إقامة الحدود مطلقة، ولم تقيّد بزمن خاص، ولكن كما قلنا سابقاً فإن عامة المسلمين لا يمكن أن يكونوا مكلَّفين بإقامة الحدود؛ لأن مثل هذه الأمور تؤدي إلى اختلال النظام، وشيوع الهرج والمرج.

ومن هذا المنطلق فإنّ إطلاق أدلة الحدود مقيَّد بوجود المنفّذ الصالح، وهو ـ كما قلنا ـ الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة.

ومن هنا لا يمكن القول: إنّ أدلة الحدود غير ناظرة لشخصية القائمين بالتنفيذ؛ باعتبارها أدلّة مطلقة.

أما القول بتبديل الحدود بالتعزير ـ على فرض القول بتعطيل الحدود ـ فلا يخلو من إشكال أيضاً؛ لأن هذه الطائفة من الفقهاء ترى أنّ الحدود مختصّة بالإمام فقط، أما إقامة التعزيرات فإنها فاقدة لهذا الشرط. ثم إنّ إقامة الحدود والتعزيرات ليس بينهما تفاوت من حيث المنفِّذ والقائم بالإجراء. ومن هذا المنطلق فإذا قلنا: إنّ الفقهاء لا يمكنهم إجراء الحدود في عصر الغيبة فلا بدّ أن نقول: إنه لا يمكنهم إجراء التعزيرات أيضاً. والحقيقة أنّ سلب صلاحية الفقيه في إجراء الحدود سوف يكون في نهاية الأمر سلباً لصلاحيته في إجراء التعزير أيضاً.

اتجاه التوقف في المسألة

اختار بعض الفقهاء القول بالتوقف في مسألة جواز أو عدم جواز إقامة الحدود في عصر الغيبة. ومن هؤلاء: العلامة الحلّي في كتاب (منتهى المطلب)، فقد قال: ضمن نقل رواية حفص بن غياث عن الإمام الصادق×: جزم الشيخ الطوسي والمفيد في العمل بهذه الرواية، فحكما بإقامة الحدود، ثم قال: «وعندي في ذلك التوقف»([36]).

قال المقدَّس الأردبيلي في بيان وجه توقُّف العلاّمة: ربما يكون وجه التوقُّف هو عدم صحة الرواية، أو ربما يكون المراد من عبارة: «من إليه الحكم» في الرواية هو الإمام المعصوم، أو أنّ الحديث صدر عن الإمام× تقيةً([37]).

ومن الفقهاء المعاصرين يمكن ذكر الميرزا القمي، الذي توقف في جواز إجراء الحدود عن طريق المجتهد في زمن الغيبة، وجوّز التعزير فقط([38]).

إنّ الظاهر أن العلامة الحلّي قد بيَّن رأيه القطعي في هذه المسألة في سائر آثاره، ومنها: قواعد الأحكام([39])، ومختلف الشيعة([40]). وبما أنه قد اختار القول بجواز إقامة الحدود في عصر الغيبة عن طريق الفقهاء في هذين الكتابين لابدّ أن نعدّه من الذاهبين إلى جواز إقامة الحدود. ويفهم من رأي الميرزا القمي أنّ الحدود يختصّ إجراؤها بالإمام المعصوم فقط، أما التعزيرات فهي فاقدة لمثل هذا الشرط، مع أن الشيخ الطوسي يقول: «التعزير إلى الإمام بلا خلاف»([41]).

ومن هذا المنطلق فإن نفي صلاحية الفقيه في إجراء الحدود سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى نفي صلاحيته في إجراء التعزيرات أيضاً، مع أن الاختلاف بين الحدّ والتعزير أنَّ الأول له حدٌّ وميزان معين من قبل الشارع، أما الثاني فموكولٌ إلى اختيار الحاكم الإسلامي. وطبقاً لرأي مشهور الفقهاء فإن كلّ ما له جزاء معين فهو حدٌّ، وكل جزاء ليس له تعيين من قبل الشارع فهو تعزير([42]).

ومن هنا ـ وكما يقول صاحب الجواهر ـ لا وجه للتوقُّف في مسألة إقامة الحدود مع وجود الأدلة العقلية والنقلية([43]).

إلى هنا يتضح أنّ الحكم الأولي في هذا الموضوع هو جواز إجراء الحدود في زمان الغيبة عن طريق الفقيه الجامع للشرائط، أما إذا أدّت إقامة الحدود بكيفية خاصة في برهة زمانية معينة إلى نفور الناس من الإسلام وأحكامه، وتضعيف أساس الدين، فالظاهر أن الحاكم الإسلامي يمكنه حينئذ أن يعطِّل إجراء تلك الحدود بصورة مؤقَّتة، ريثما تتهيأ الأفكار العامة لقبولها ومعرفة علّة وضعها. وقد وردت رواية عن الإمام علي× في هذا المجال، حيث قال: «لا أقيم على رجلٍ حدّاً بأرض العدو حتى يخرج منها؛ مخافة أن تحمله الحميّة فيلحق بالعدوّ»([44]). ويُفهم من هذه الرواية أنه إذا تعارض إجراء الحدود مع المصالح العليا للإسلام فلابدّ من ترجيح الأهم، وهو حفظ مصالح الإسلام، على المهمّ، وهو إقامة الحد. يقول الفاضل المقداد في كتاب (كنز العرفان)، في ذيل الآية: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور: 2): إن العلة في تقييد (الطائفة) بالمؤمنين أنه ربما يكون مشاهدة إجراء الحدّ من قبل الكفّار مانعاً لهم من الإسلام. ومن هنا عُدََّ إقامة الحدّ بأرض العدو غير مرغوب فيه([45]).

ومن المؤكَّد أنّ التعطيل المؤقَّت للحدّ لا يعني رفع القانون والأحكام الإلهية، بل هو توقُّف في كيفية إجرائه، وأنّ الحاكم لابدّ أن يستبدل الحدّ بعقوبة أخرى.

ويمكن الإشارة إلى أن من الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا إلى هذا الرأي: الشيخ منتظري([46])، والشيخ صانعي([47]).

النتيجة

من خلال دراسة ومناقشة الآراء المختلفة للفقهاء في مسألة إجراء الحدود في عصر الغيبة يمكن الخروج بالنتائج التالية:

1ـ إنّ الحكم الأولي في هذا الموضوع هو جواز إقامة الحدود في عصر الغيبة من قبل الفقيه الجامع لشرائط الفتوى.

2ـ لا يحظى القول بتعطيل الحدود في عصر الغيبة، وإبداله بالتعزير، بأيّ مبنى منطقي أو علمي، بل هو مخالف للأدلة والموازين الفقهية والحقوقية.

3ـ لا وجه للتوقُّف في حكم إقامة الحدود في عصر الغيبة مع وجود الأدلة العقلية والنقلية في هذه المسألة.

4ـ إذا أدّت إقامة الحدود في برهة زمانية وبكيفية خاصة إلى نفور الناس من الإسلام وأحكامه، ومن ثم تضعيف أساس الدين، فيمكن حينئذٍ للحاكم الشرعي أن يعطّل ذلك الحدّ مؤقَّتاً، من باب العنوان الثانوي، إلى أن يحين الوقت المناسب، من خلال تهيئة أفكار الناس لقبول مثل هذه الأحكام.

الهوامش

________________________

(*) عضو الهيئة العلمية في جامعة طهران (پرديس قم).

(**) طالب دراسات الماجستير في قسم فقه المباني الحقوقية الإسلامية في جامعة طهران (پرديس قم).

([1]) فرهنگ معين: 213.

([2]) التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 7.

([3]) جواهر الكلام 12: 396.

([4]) منتهى المطلب: 463.

([5]) إيضاح الفوائد: 297.

([6]) أحمد العاملي، زين الدين بن علي (الشهيد الثاني): 107.

([7]) الخوئي، مباني تكملة المنهاج: 273.

([8]) المصدر نفسه.

([9]) جواهر الكلام 21: 396.

([10]) مفاتيح الشرائع: 150.

([11]) وسائل الشيعة 18: 238.

([12]) المفيد، المقنعة: 810.

([13]) الحلي، مختلف الشيعة 4: 464.

([14]) كشف الغطاء: 420.

([15]) اللمعة الدمشقية: 75.

([16]) الكافي: 54.

([17]) حبيب الله طاهري، تحقيقي پيرامون ولايت فقيه: 210.

([18]) وسائل الشيعة 18: 238.

([19]) الأنصاري، المكاسب: 555.

([20]) المصدر السابق: 556.

([21]) وسائل الشيعة 18: 338.

([22]) الخوئي، مباني تكملة المنهاج: 275.

([23]) رجال الطوسي: 585.

([24]) الخميني، ولاية الفقيه: 48.

([25]) الخوانساري، جامع المدارك 5: 59.

([26]) الخميني، كتاب البيع: 68.

([27]) الخوانساري، المصدر نفسه.

([28]) ابن إدريس الحلّي، السرائر: 24.

([29]) ابن زهرة، غنية النـزوع: 622.

([30]) المحقق الحلّي، شرائع الإسلام 1: 392.

([31]) جامع المدارك 5: 412.

([32]) المحقق الداماد، قواعد الفقه (القسم الجزائي): 296.

([33]) جامع المدارك 5: 411.

([34]) جواهر الكلام 21: 393.

([35]) السرائر 2: 25.

([36]) الحلّي، قواعد الأحكام: 994.

([37]) المحقق الأردبيلي، جمع الفائدة والبرهان: 28.

([38]) الميرزا القمي، جامع الشتات: 764.

([39]) قواعد الأحكام: 525.

([40]) مختلف الشيعة: 463.

([41]) الطوسي، الخلاف 5: 497.

([42]) جواهر الكلام 21: 254 ـ 255.

([43]) جواهر الكلام 21: 393.

([44]) وسائل الشيعة 18: 318.

([45]) الفاضل المقداد، كنـز العرفان: 342.

([46]) منتظري، مجازاتهاى إسلامي وحقوق بشر (العقوبات الإسلامية وحقوق الإنسان): 103.

([47]) صانعي، مجمع المسائل: 81.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً