أحدث المقالات

الأخوة في الله

بقلم: الشيخ محمد حسن الحبيب

كثيرا ما ناقش العلماء والمفكرون مسألة الأصل الذي يتقدم على غيره بحيث يسخر ذلك الغير إلى ما يصب في صالح الأصل ويبعد عنه كل ما يلحق الأذى والضرر.

وبعبارة أخرى: هل أن الأصل هو الإنسان بلحاظ إنسانيته، أم الفكر والقيم والتشريعات والمبادئ مع لحاظ مصدرها؟

وبغض النظر عن الآراء والنظريات في هذه المسألة.. وبغض النظر أيضا عما يتبعها من انعكاسات على الواقع.. فإن من يتأمل النصوص الدينية يصل إلى نتيجة أن الأصل هو الإنسان وما عداه إنما جاء لكي يحافظ عليه ويأخذه إلى الطريق القويم، ويبعد عنه شر نفسه وشرور الآخرين.

فالمبادئ والقيم والقوانين والتشريعات السماوية كلها إنما جاءت لكي تركز إنسانية الإنسان وتحمله إلى كل ما ينسجم مع نفسه ومع محيطه، وتبعده عن الذل والخضوع والخنوع والعبودية إلا لله الواحد القهار.

وما إرسال الرسل وبعث الأنبياء وتنزيل الكتب من الله إلا من أجل مصلحة الإنسان.

قَالَ تَعَالَى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ البقرة213

والخطابات في النصوص الدينية الموجهة إلى الإنسان كثيرة جدا، وهي تحمل تشريعات وقيم وتوجيه للإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي.

وهنا ينبغي أن نتساءل عن الصيغة والنمط الذي ينبغي أن يسود في العلاقة بين الإنسان والإنسان؟

يجيب على هذا التساؤل الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه) ﴿وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ﴾. وبهذه الكلمة الموجزة نخلص إلى مفهومين أساسيين تبتني عليها العلاقة بين الإنسان والإنسان، الأخوة والنظير

 

الأخوة

يطلق الأخ ويراد منه المشترك مع الآخر في الأبوين أو في أحدهما أبا أو أما، وربما أطلق على المشتركين في الرضاعة.

وبذلك يظهر أن الأخوة في الأصل هي الأخوة النسبية أو الرضاعية، وقد فصل الدين الإسلامي الحنيف محددات وضوابط العلاقة في الأخوة النسبية وكذلك الرضاعية، وحق كل واحد على الآخر.

وقد أضاف الإسلام لمفهوم الأخوة بعدا جديدا وواسعا أعني به الأخوة في العقيدة والمبدأ… فكما أن المساهمين في التجارة يطلق كل واحد على الآخر لفظ الشريك، والمشتركين في التخصص كالطب والهندسة والتعليم وغيرها لفظ الزميل، كذلك من يشترك في العقيدة والمبدأ أطلق عليه الإسلام لفظ الأخ مما أضاف لهذا المفهوم اتساعا يشمل الملايين من بني البشر ومعنى يتجاوز النسب بل يتقدم عليه في بعض الأحيان.

والتوسعة في المفهوم اقترنت بالحقوق والواجبات المتبادلة على غرار الأخوة النسبية والرضاعية وإن اختلفت في تفاصيلها.

قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ الحجرات10

 

ومحورية هذه الأخوة والأساس فيها هو حبل الله المتين.

قَالَ تَعَالَى ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ آل عمران103

وقد سيج هذا المفهوم بسياج الإيمان والتقوى كي لا تتسلل العصبيات والقوميات والأعراق فتهدد التآخي في العقيدة داخل المجتمع الإسلامي.

قَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ الحجرات13

وقد ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال ﴿جَلَسَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) يَنْتَسِبُونَ وَيَفْتَخِرُونَ وَفِيهِمْ سَلْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ عُمَرُ مَا نَسَبُكَ أَنْتَ يَا سَلْمَانُ وَمَا أَصْلُكَ؟ فَقَالَ أَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كُنْتُ ضَالاً فَهَدَانِيَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَكُنْتُ عَائِلاً فَأَغْنَانِيَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَكُنْتُ مَمْلُوكاً فَأَعْتَقَنِيَ اللَّهُ بِمُحَمَّدٍ (ص) فَهَذَا حَسَبِي وَنَسَبِي يَا عُمَرُ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَذَكَرَ لَهُ سَلْمَانُ مَا قَالَ عُمَرُ وَمَا أَجَابَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ حَسَبَ الْمَرْءِ دِينُهُ وَمُرُوَّتَهُ خُلُقُهُ وَأَصْلَهُ عَقْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى سَلْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ يَا سَلْمَانُ إِنَّهُ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ عَلَيْكَ فَضْلٌ إِلا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ كُنْتَ أَتْقَى مِنْهُ فَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُ﴾. (1)

 

وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال، قال رسول الله (ص) ﴿مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَعْرَابِ الْجَاهِلِيَّة﴾.(2)

وقال الإمام الصادق (ع) ﴿مَنْ تَعَصَّبَ عَصَبَهُ اللَّهُ بِعِصَابَة مِنْ نَار﴾.(3)

 

المؤاخاة

لم يكتفي النبي (ص) بالتوجيه النظري نحو الأخوة الإيمانية بل جسدها عمليا من خلال ما اصطلح عليه بالمؤاخاة والتي تكررت مرارا كان آخرها في غدير خم حسب ما ورد عن بعض المحققين.

وقد تعامل المسلمون مع "المهرجانات التي عقدت للمؤاخاة" باهتمام بالغ ونقلوه إلى من بعدهم بحيث لم يعد بالإمكان الإنكار أو التشكيك في أصل تحقّق المؤاخاة، حتى أن العلامة الأميني قال: حديث المؤاخاة الثابت بين المسلمين على بكرة أبيهم.‏ (4)

ومن الواضح أن تكرار المؤاخاة من النبي (ص) في أكثر من محفل يراد منه الارتقاء بمستوى العلاقات الإنسانية من مستويات متدنية محاطة بالأنانية والأطماع والمصالح الدنيوية، إلى مستوى عال بعلو العقيدة وقيم الدين الإسلامي الحنيف.

ونظرا لارتباط الأخوة بالاعتصام بحبل الله المتين حيث كان النبي (ص) المجسد له في حياته كان لا بد من اغتنام هذه المناسبة لتبيين الذي يلي الأمر من بعده فآخى بين أصحابه الأنصار والمهاجرين إلا عليا (ع) أخره لنفسه (ص) لمزيد من التبيان لفضله والإشهار لما ينبغي أن يكون فيه. وهذا مروي في كتب المسلمين جميعا.

منها:

ما روي في كنز الفوائد مسندا إلى الإمام الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قَالَ ﴿آخَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ وَتَرَكْتَنِي فَرْداً لاَ أَخَ لِي؟ فَقَالَ: إِنَّمَا اخْتَرْتُكَ لِنَفْسِي أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. فَقُمْتُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْجَدَلِ وَالسُّرُورِ فَأَنْشَأْتُ أَقُولُ أَقِيكَ بِنَفْسِي إِلَى آخِرِ الأَبْيَاتِ﴾.‏(5)

والأبيات هي

أَقِيكَ بِنَفْسِي أَيُّهَا الْمُصْطَفَى الَّذِي        هَدَانَا بِهِ الرَّحْمَنُ مِنْ عَمَهِ الْجَهْلِ‏

وَأَفْدِيكَ حَوْبَائِي وَ مَا قَدْرُ مُهْجَتِي        لِمَنْ أَنْتَمِي مِنْهُ إِلَى الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ‏

وَمَنْ ضَمَّنِي مُذْ كُنْتُ طِفْلًا وَ يَافِعاً       وَأَنْعَشَنِي بِالْبِرِّ وَ الْعَلِّ وَ النَّهَلِ‏

وَمَنْ جَدُّهُ جَدِّي وَ مَنْ عَمُّهُ عَمِّي        وَ مَنْ أَهْلُهُ أُمِّي وَ مَنْ بِنْتُهُ أَهْلِي‏

وَمَنْ حِينَ آخَى بَيْنَ مَنْ كَانَ حَاضِراً    دَعَانِي وَ آخَانِي وَ بَيَّنَ مِنْ فَضْلِي‏

لَكَ الْفَضْلُ إِنِّي مَا حَيِيتُ لَشَاكِرٌ                 لإِتْمَامِ مَا أَولَيْتَ يَا خَاتَمَ الرُّسُل‏

 

 قراءة في المفهوم  

أولاً التساوي بين الأخوة

الأخوّة هي اشتراك شخصين في أبٍ وأمّ أو في أحدهما وتساويهما في الأصل المشترك من حيث الارتباط وما يترتب عليه من حقوق وواجبات مشتركة تأخذ شكلا من أشكال المساواة في الجملة.

فحق التعليم مثلا يتساوى فيه جميع أبناء الأسرة أخوة وأخوات، وكذلك المأكل والملبس وما إلى ذلك، وحينما يشاهد فردا من أبناء الأسرة جاهلا أو فقيرا أو منتقصا من جهة من الجهات دون أخوته فإن إحساسا ينتاب المشاهد بأن المحروم قد انتهك حقه ولحقه الظلم من قبل رب الأسرة، بينما إذا كان الجميع متساوون في الانتقاص فإن هذا الإحساس يقل بمراتب كثيرة وذلك لاحتمال انعدام القدرة لدى رب الأسرة.

هذا في الأخوة النسبية … أما الأخوة في العقيدة فهي الأخرى تستبطن هذا المعنى، من حيث التراحم والتواد والتكافل، وقد حثت الشريعة الإسلامية على ذلك، بل شرعت مجموعة من النظم والأحكام التي تأخذ منحى الوجوب والإلزام كالزكاة، أو منحى الحرمة والمنع كالغيبة والنميمة والبهتان.

وقد حث الإسلام على اعتماد قاعدة "حب لأخيك كما تحب لنفسك" والتعامل معها كمعيار لما ينبغي وما لا ينبغي فعله تجاه الأخوان.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) ﴿لاَ يَسْتَكْمِلُ الْمَرْءُ الإِيمَانَ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ﴾.‏(6)

وَقَالَ الإمَامُ الْبَاقِر ﴿أَحْبِبْ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ وَأَحْبِبْ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ إِذَا احْتَجْتَ فَسَلْهُ وَإِذَا سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ وَلاَ تَدَّخِرْ عَنْهُ خَيْراً فَإِنَّهُ لاَ يَدَّخِرُهُ عَنْكَ كُنْ لَهُ ظَهْراً فَإِنَّهُ لَكَ ظَهْرٌ إِنْ غَابَ فَاحْفَظْهُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ شَهِدَ فَزُرْهُ وَأَجِلَّهُ وَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ عَاتِباً فَلاَ تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسُلَّ سَخِيمَتَهُ وَمَا فِي نَفْسِهِ وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ وَإِنِ ابْتُلِيَ فَاعْضُدْهُ وَتَمَحَّلْ لَهُ﴾.‏(7)

ولك أخي المؤمن، وأختي المؤمنة أن تتأمل وتفكر في ما تحب لنفسك، وسعيك الحثيث لتحقيقه لكي يكون المعيار في العطاء للإخوان، وحينها لا حسد ولا غيبة ولا نميمة ولا خديعة ولا سرقة ولا… ولا…، بل على العكس تماما العطاء والحفظ والنصرة والنصيحة و… و….

 

ثانيًا:  ديمومة الأخوة

هل اخترت أخاك النسبي؟ وهل يمكن لك أن تنهي هذه العلاقة؟ كلا.. لست أنت من يختار وليس لك أنت تنهي العلاقة بينك وبين الأخ النسبي.

 

والأخ في العقيدة يختف عن النسبي اختلافا طفيفا، فأنت من يختار الدخول في العقيدة ومن آثار ذلك الدخول روابط الأخوة بينك وبين المعتنقين لها ولا يمكن لك بحال إنهائها بأي صورة من الصور، فهي ليست شراكة ينتهي بانتهاء أسبابها أو بفسخ أطرافها، وليست رابطة عمل ينتج زمالة فيختار الإنسان التخلي عنها متى وكيف ما أراد.

وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) ﴿النَّاسُ إِخْوَانٌ فَمَنْ كَانَتْ إِخْوَتُهُ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ فَهِيَ عَدَاوَةٌ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾﴾.‏(8)

لذا يمكن القول أن رباط الأخوة في العقيدة والمبدأ من أقوى الروابط وأمتنها وأدومها، وهي لا تنقطع حتى بالموت.

قَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ الحشر10

 

ثالثا: التضامن الأخوي

يواجه أيا منا مصاعب ومتحديات شتى في الحياة لذا فإنه بحاجة دوما إلى من يقف إلى جانبه يعينه على تخطي الصعوبات وحل المشكلات.

وهذا المعنى هو أحد المعاني السامية التي أرادها الدين الإسلامي الحنيف من الأخوة، فمثلا

أمر بالتناصح والتواصي بالحق والصبر والمرحمة.

قَالَ تَعَالَى ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ العصر3

قَالَ تَعَالَى ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ البلد17 وفي هذا الأمر جعل للمؤمن نوع سلطنة على أخيه المؤمن فيما يختص بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قَالَ تَعَالَى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة71

أمر بالتعاون في عملية البناء والتنمية على مستوى الفرد والمجتمع والأمة وحل المشكلات، وجعل من عنوان "البر والتقوى" إطارا يندرج تحته كل خير لكافة مناحي الحياة.

قَالَ تَعَالَى ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ المائدة2

أمر بالمناصرة بين الأخوان، وعد كل واحد منهم وليا للآخر أي ناصرا ومعينا له.

قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ الأنفال72

ولكي يكون هذا المفهوم خاليا من شوائب الجاهلية وعصبيات بني البشر أوضح أن نصرة الأخ لأخيه إذا كان ظالما إنما يكون بمنعه عن الظلم والتعدي على حقوق الآخرين.

قال رسول الله (ص) ﴿انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ﴾.‏(9)

وروي عن علي عن رسول الله (ص) أنه قال ﴿لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ ثَلَاثُونَ حَقّاً لاَ بَرَاءَةَ لَهُ مِنْهَا إِلا بِالأَدَاءِ أَوِ الْعَفْوِ… وَيَنْصُرُهُ ظَالِماً وَمَظْلُوماً فَأَمَّا نُصْرَتُهُ ظَالِماً فَيَرُدُّهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَأَمَّا نُصْرَتُهُ مَظْلُوماً فَيُعِينُهُ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ﴾.‏(10)

وقد يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك بكثير فحين يتقاتل الأخوة وينشب بينهما النزاع يتوجب على البقية الإصلاح بينهما فإن بغى أحدهما على الآخر فعلى البقية أن ينحازوا إلى المظلوم ضد الباغي.

قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات9

 

نقلاً عن موقع أقلام الثقافية

الهوامش

* محاضرة ألقيت بمحفل نسائي نظمه مركز البيت السعيد بصفوى ليلة الاثنين 23 ذي الحجة 1429هـ.

(1)العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏67، ص 290.‏

(2)الكليني، الكافي، ج2، ص 308.‏

(3)الكليني، الكافي، ج2، ص 308.‏

(4) الأمينيّ (ت: 1392 هـ): الغدير، منشورات: دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان، ط. الثالثة 1387هـ،ج 3، ص 174.‏

(5) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏38، ص 338‏ .

(6) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏69، ص 258‏ .

(7) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏71، ص222‏ .

(8) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏71، ص 165‏ .

(9) صحيح البخاري، نقلا عن موقع http://hadith.al-islam.com .

(10)العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏71، ص 236‏ .

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً