أحدث المقالات
 

تمهيد

لقد كان المرحوم آية الله عبد الحسين شرف الدين رجل العلم والحوار والعمل والتحرُّق لأمته وعقيدته. نذر حياته للجهاد العلمي والعملي، ولاقى الأمرّين في سبيل ذلك، إلاّ أن الله تعالى جزاه خيراً في هذه الدار، بأن جعله منار العارفين السالكين إلى الله، ومعلّم الدعاة أساليب الدعوة الحقة. ورائداً من رواد الوحدة الإسلامية العظام. نسأل الله – جلّ وعلا – له الثواب الجزيل في الآخرة.

فقد اتسعت أبعاد شخصيته لمختلف الجوانب، ونحن اخترنا منها بحكم عملنا وتوجهنا الأصيل، سعيه لتحقيق الوحدة الإسلامية؛ وهي خصيصة هذه الأُمّة، ومن دونها لا تستطيع أن تعلن نفسها أمّة جامعة لكل الخصائص التي وصفها بها القرآن الكريم والسنة الشريفة.

وجهود المرحوم العلاّمة في هذا السبيل متنوعة أيضاً، ما جعلنا نركِّز على كتابه القيم "الفصول المهمة في تأليف الأُمّة" بالخصوص، واكتشاف الخطوط العريضة التي سلكها؛ لنستهدي بذلك في مسعانا المبارك إن شاء الله تعالى.

وباستعراضنا لهذا الكتاب والمنهج المتبع فيه، تبدو لنا الخطوط الآتية:

أولاً: التركيز على أهمية الوحدة الإسلامية في التصور الإسلامي، ومدى اقتضاء الظروف لها، والآثار السلبية للتمزق والتناحر.

ثانياً: السعي إلى تعيين الخط الرئيس الفاصل للإيمان عن الكفر، والنجاة من الضياع.

ثالثاً: إشاعة الثقة والتآلف بين جماهير المسلمين.

رابعاً: كشف العناصر الممزِّقة باعتبارها العقبة الكؤود في سبيل تحقق هذه الخصيصة القرآنية للأُمّة.

وفي ما يأتي نستعرض هذه الخطوط بشيء من التفصيل.
الخط الأول: أهمية الوحدة وأخطار التمزُّق

يؤكد شرف الدين أن النهضة الإسلامية، وتنمية العالم الإسلامي وتقدمه حتى في المجال المدني، وخلاصه من نير العبودية، وإقامة نظام العدالة، لا تتمّ إلاّ من خلال الوحدة.

ومن دونها تعود الأُمّة أذل الأُمم داراً، وأجدبها قراراً، نـزهةً للطامع، وهدفاً للسهام، وقبسة العجلان، وحلقة ضيق، وعرصة موت، وحومة بلاء، لا تأوي إلى جناح دعوة، ولا تعتصم بظل منعة (المقدمة).

وفي الفصل الأول: يذكر نبذة مما جاء في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من الترغيب في الوحدة والتآلف، وتحقيق الأُخوَّة الإسلامية والولاية المشتركة، والرحمة المتبادلة والاعتصام بحبل الله، والبعد عن التخلُّق بأخلاق الأُمم المتفرقة الغارقة في العذاب الأليم.

ومما تؤكده النصوص الشريفة: – الإيمان رهن بالتحاب، والحب للأخ المسلم ما يحب لنفسه، وذمة المسلمين واحدة، ولزوم نفي كل ما يؤدي للتباعد، ولزوم تعميم الالتزام بحقوق المسلم، وضرورة التواصل بمختلف الأساليب، والتآلف من صفات المؤمنين، وأولياء الله هم المتحابون وهم جيران الله في داره، إلى غير ذلك مما لا مزيد عليه.

الخط الثاني: تعيين الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، وبين النجاة والهلاك

 وقد ركز على هذا الحدّ في فصول:

الفصل الثاني: حيث أكّد إجماع أهل السنة على أن الإسلام، والإيمان، عبارة عن: الشهادتين، والتصديق بالبعث، والصلوات الخمس إلى القبلة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، والزكاة والخمس المفروضين. وأيَّد ذلك بروايات من صحيح البخاري وصحيح مسلم ومصادر الشيعة.

والفصل الثالث: حيث ذكر نبذة من أحاديث الصحاح الدالَّة على أن من تشهّد الشهادتين حُقن ماله وعرضه ودمه، وذلك من صحيح البخاري وصحيح مسلم، ومنها الحديث: "إن رجلاً قام فقال: يا رسول الله! اتق الله. فقال2: ويلك! ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. فقال خالد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال2: لا، لعله أن يكون يصلي".

والفصل الخامس: ركّز فيه على نجاة أهل التوحيد، ذاكراً نصوصاً من الصحاح تؤكد ذلك، وحاول الإجابة عن إشكال تعذيب الموحدين العاصين، بأنهم يعذَّبون من دون خلود في النار، وأشار إلى أحاديث كثيرة في هذا الباب من الفريقين، بل إن بعض الأحاديث تكتفي بالموت عالماً بالتوحيد لدخول الجنة.

والفصل السادس: ركّز فيه على فتاوى كثير من العلماء على نجاة من نطق بالشهادتين، ومنهم: شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، وابن العربي، والفاضل الرشيد، والعارف الشعراني، وابن تيمية. وابن حزم وغيرهم بما يحقق الإجماع، وبهذا يتوضح المعيار تماماً.

ملاحظة مهمة:

يشير المؤلف إلى أن الشيعة يضيفون عنصر الولاء لأهل البيت F بمقتضى النصوص الكثيرة لديهم (ص. 54 و53)، ولكن عدم الولاء لا يخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلاّ إذا كان بمنطق العناد، فإن العناد لله ورسوله هو معيار التكفير (ص. 68). أما من لم تقنعه الأدلة بالولاء على المستوى الذي يفهمه الشيعة، فإنه باق في دائرة الإيمان وله الحقوق نفسها التي قال بها الإسلام للمسلم، وهذا الرأي هو الرأي السائد لدى العلماء، وما تثبته النصوص عن أهل البيت F بلا ريب. أما على مستوى الحب والاحترام فهو من أوضح الواضحات بحيث لا ينكره إلاّ معاند.

لذا يهتز المرحوم شرف الدين عندما يواجه كلاماً غريباً مجافياً للحق، وكاشفاً عن العناد من أمثال قول ابن خلدون: "ونحن نعدّ هذا الكاتب في زمرة المؤلِّفي، وليس من علماء الدِّين الذين يعتدّ برأيهم، كما ذكر ذلك بعض العلماء"؛ حيث ذكر في مقدمته المشهورة أنه "وشذ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به، وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح".

وهو يعلق عليه بقوله: "ولا غرو أن قام المسلم عند سماع هذه الكلمة وقعد. بل، لا عجب أن مات أسفاً على الإسلام وأهله. إذ بلغ الأمر هذه الغاية" (ص. 255).

الخط الثالث: إعادة الثقة المتبادلة والتآلف بين السنَّة والشِّيعة

 وينتظم في محاور:

المحور الأول: الابتعاد عن لغة التجريح والنقد اللاذع، والاحترام للرأي الآخر بشكل لافت للنظر.

فهو إذا ذكر أهل السنة ذكرهم بلفظ "إخواننا" (ص. 23)، وإذا نقل حديثاً عن البخاري قال – مثلاً – : "قلت: أعظم بهذا الحديث" (ص. 35)، وإذا ذكر الصحابة ترضى عنهم وأجلّهم، وإذا ذكر أم المؤمنين عائشة قال عنها: "إنها أنقى جيباً، وأطهر ثوباً وأعلى نفساً، وأغلى غرضاً وأمنع صوناً، وأرفع جناباً، وأعز حذراً، وأسمى مقاماً من أن يجوز عليها غير النـزاهة أو يمكن في حقها إلاّ العفة والصيانة" (ص. 210)، وغير ذلك من الشواهد.

المحور الثاني: السنة والشيعة والمعايير المذكورة.

بعد أن تحدث عن معايير الإيمان والنجاة، راح يطبقها على السنة والشيعة في فصل كامل، هو الفصل الرابع الذي عنونه بـ"السنة كالشيعة يجمعهم الإسلام"، ويجعل ذلك في "غاية الوضوح في مذهبنا" (ص. 41)، ناقلاً الروايات عن الإمام الصادق B والإمام الباقر B، حيث في الصحيح عنه قوله: "والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان".

المحور الثالث: بشارات السنة للشيعة.

ويزيد في هذا المحور، فيتحدث عن إنصاف السنة للشيعة وبشاراتهم لهم، تأكيداً على عرى المحبة، وبعثاً للثقة المتبادلة، حيث ينقل بعض الروايات التي أوردها بعض الحفاظ من أهل السنة، وهي تؤكد على عليّ B وشيعته، واصفة إيّاهم بالراضين والمرضيين والغر المحجلين والشهداء، ويعلق في نهاية الفصل بقوله:

"فعسى أن يعرف الشيعي بعد هذا أن أهل السنة قد أنصفوا واعترفوا، وعسى أن يعرف السني أن لا وجه بعد هذه المبشرات لشيء من الضغائن أو الهناة. والسلام على من اتّبع السنن وجانب الفتن ورحمة الله وبركاته" (ص. 81).

المحور الرابع: فتح باب التأويل يمنع الكثير من الأحكام الجارحة.

وهذا باب مهم يركز عليه كثيراً؛ ليفسر الكثير من المبهمات في أذهان الطرفين على أساس أن تلك التصرفات إنما تعبر عن اجتهادات أو تصورات قد تكون صحيحة أو خاطئة، ولكنها لا تفتح باب الاتهام بالانحراف والكفر والفسق. وهو يؤكد أن فتح هذا الباب يهدف إلى إعذار المتأولين (ص. 85)، ويذكر أمثلة متنوعة تشمل ما يأتي:

– سعد بن عبادة، ويعد من أفضل المسلمين، رغم أنه تأول وتخلّف عن بيعة الخليفتين أبي بكر وعمر، وخرج مغاضباً إلى الشام.

– حباب بن المنذر الأنصاري البدري الأُحُدي، وقد تخلّف عن البيعة.

كثير من الصحابة أيضاً تأولوا وتخلَّفوا عنها.

– خالد بن الوليد حينما قتل مالك بن نويرة، وطالب عمر بمجازاته. فقال عنه الخليفة أبو بكر: تأوَّل فأخطأ.

وعلَّق المرحوم شرف الدين هنا قائلاً: "وليت شعري متى كان التأويل في الفروع نكراً؟ أم كيف لا يكون عند الله عذراً؟ وقد تأول السلف كثيراً من ظواهر الأدلة" (ص. 95).

ثم ذكر بعض الأمثلة كطلاق الثلاث، ومتعة الحج، ومتعة النساء، وأذان الصبح، وإسقاط "حيّ على خير العمل"، وصلاة التراويح، وإسقاط سهم المؤلَّفة قلوبهم، وآية الخمس، وحديث الغدير، وغير ذلك. وقد أطال في هذا الموضوع، وربما نسي أصل ما دعاه لطرحه، ودخل في مناقشات تاريخية وعقديَّة أبعدته عن أصل مشروعه، وكأنه أراد أن يقول: إن بعض هذه التأوُّلات مما لا يصح ولا يسمح به المنطق والشرع.

وكأنه لاحظ ذلك، وأكد أنه لو أراد أن يفيض في الأمر ويستوفي حق الموضوع لخرج عن خطة الكتاب (ص. 168). وعاد ليؤكد على معذرة المتأوِّلين، ونجاتهم يوم الدين، وليتابع التمثيل بما جرى أيام الخليفة الثالث عثمان من تأوُّلات كثيرة منه ومن مخالفيه أيضاً، ومع ذلك بقي الجميع على العدالة، وهكذا ما جرى من بعضهم أيام خلافة الإمام عليّB.

ويستمر مفيضاً في كثير من المخالفات التي حُملت على التأوُّل خصوصاً في عهد معاوية. وكأني به يريد أن يقول في النهاية – وإن لم يصرح بذلك في هذا الفصل، لكنه أشار إليه في مواضع أخرى (ص. 208 مثلاً) – : إننا يجب أن نتعامل مع الآخرين من المسلمين بالمنطق نفسه، ونعذرهم إذا ما قاموا بأي عمل نراه واضح الخطأ. فلعلهم تأولوا واجتهدوا وأخطأوا، وبالتالي نبقي باب الرحمة مفتوحاً على مصراعيه، ولا ندخل في عمليات تكفير وتفسيق وتبديع، وربما أراد أن يقول هنا: إن السب الذي يبدو من بعض القليل من المسلمين، رغم أنه مرفوض، لكنه لا يؤدي إلى الكفر الصريح، وفتاوى تستبيح الدماء والأعراض والأموال.

وقد أشار في موضع آخر إلى الموضوع مذكراً أن الشيعة يتبرأون من ذلك (أي السبّ) (ص. 212)، وأردف ذلك بتأكيده على أنه حتى لو كان، فإنه لا يؤدي إلى الكفر، مؤكداً ذلك بالدليل القاطع من العقل والنقل وأقوال الفقهاء الكثيرين في هذه المسألة.

المحور الخامس: توضيح الأمر ودفع الشُّبه المثارة لدى كل طرف ضـــد الآخر.

 ومن الشُّبه المثارة التي ردّها بالتفصيل:

1 – ما ذكرناه من مسألة السبّ.

2 – مسألة المتعة (ص. 99)، وقد أفاض في بيان أصل مشروعيتها إجماعاً في بدء أمرها، ثم جاء الاختلاف في دوام حلها واستمرار إباحتها، وناقش دعوى النسخ، وأكد أن التحريم جاء في عهد الخليفة الثاني عمر، وأن بعض الصحابة كعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود وغيرهم لم يقبلوا ذلك.

3 – مسألة الموقف من السيدة عائشة والصحابة، فأكد احترام الشيعة للسيدة عائشة أم المؤمنين وإيمانهم بطهارتها، وإن اختلفوا معها في بعض تصرفاتها، كخروجها على ولي الأمر الشرعي. وكذلك الأمر بالنسبة للصحابة الكرام، مع المناقشة وعدم قبول بعض تصرفاتهم، وذكر الأمر بالتفصيل في (ص. 263)، حيث أكد أن "الكاملية" – وهي فرقة مغالية – تتحامل على الصحابة، أما الإمامية فهم من جهة يقتدون حتى في تشيعهم بكبار الصحابة، وذكر منهم الكثيرين، ورتبهم حسب الحروف الأبجدية.

ومن جهة أخرى، فهم يتولون الآخرين الذين اختاروا مسيراً معيناً لمصلحة رأوها، واختلفوا مع آخرين؛ لأنهم لم يرتضوا ما صدر عنهم. ونقل هنا من الصحاح بض الروايات التي تذكر أن بعضاً منهم أحدثوا بعده2.

4 – بعض الأقوال المغالية، وقد ردّ عليها بأن هناك الكثير من الفرق المغالية تنتسب إلى التشيع، كالأغاخانية والكيسانية والناووسية والخطابية والفطحية والواقفية، فربما وجدت أقوال من هؤلاء ثم نسبت إلى الإمامية (ص. 225).

5 – بعض المنقولات التاريخية عن الشيعة، وهم منها براء من قبيل: 1 – تجويز نكاح تسع نسوة! 2 – تحريم الكرنب! 3 – تحريم لحوم الإبل! 4 – عدم إيجاب العدة على النساء. وغير ذلك.

فينبغي ألا ننسب إلى مذهب أقوالاً إلاّ إذا استقيت من الكتب الأصلية له.

الخط الرابع: التركيز على العناصر الممزِّقة ومناقشتها

 ويتجلى ذلك في قيامه بالبحث عن أسباب الفرقة والتباعد، بهدف تشخيص الداء لوصف الدواء الناجع، كما يعبر (ص. 249)، ويراها كما يأتي:

أ – الأُمور التي ينفر منها الشيعي، وأهمها أمران:
الأول: ما يسمعه من تكفير وتحقير وتزوير.

الثاني: إعراض الإخوة – كما يعبر – من أهل السنة عن مذهب أهل البيت، وعدم الاحتجاج بحديثهم، رغم الاحتجاج بدعاة الخوارج والمرجئة والمشبهة والقدرية، وذكر هنا عدم رواية البخاري عن أئمة أهل البيت F، وعبارة ابن خلدون المار ذكرها.

وهنا دعا جميع المسلمين لأن يدخلوا مدينة العلم النبوي من بابها، بعد أن أسفر الصبح عن توثق الروابط بين الطائفتين والحمد لله رب العالمين (ص. 261).

أما ما ينفّر السنة من الشيعة، فقد أشار إلى أنه ذكر بعضه في ثنايا الكتاب، وأكد على عدم صحَّته.

ب – وركز على فتاوى التكفير الصادرة من بعضهم كالشيخ نوح الحنفي وغيره، وناقش الأدلة التي سيقت تسويغاً لها دليلاً دليلاً، واعترض على خصوص تعبير الشيخ الحنفي عن الشيعة بأنهم كفرة بغاة فجرة، وأن من توقف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم!! وحكم بوجوب قتلهم تابوا أم لم يتوبوا واسترقاق نسائهم وذراريهم (ص. 196).

والحقيقة هي أن كل منصف عاقل يستسخف بهذه الفتاوى. وأطنب السيد في مناقشة حججه وأدلته.

ج – ثم تحدث عن دور الكذابين المفرقين من بعض الكتّاب، حيث نسبوا للشيعة أموراً كثيرة يبرأون منها. وذلك إما إرضاء للسلطات الحاكمة (ص. 223) على مرّ التاريخ، أو إبعاداً للأُمّة عن سماع أقوالهم وتنفيرها منهم، أو لالتباس الأمر على هؤلاء الكتّاب؛ لرؤيتهم أقوالاً لغلاة ينتسبون للشيعة فنسبوها للتشيع، والتشيع الإمامي نفسه يتبرأ من الغلاة، وهذا ما أشرنا إليه سابقاً.

وختاماً نقول

إننا حاولنا أن ننقل بأمانة ما ذكره العلاّمة شرف الدين، وربما جمعنا أطراف بعض الأفكار لبيان تجلّي هذه الخطوط في هذا الكتاب القيِّم، ولم نتعرض لأفكاره في كتبه القيِّمة الأُخرى؛ لأن ذلك يتطلب جهداً أكبر ووقتا أوسع لم نكن نمتلكه.

والأمر الذي لا غبار عليه أنه B كان يتشوق من جهة إلى وحدة هذه الأُمة، وانفتاح بعضها على بعضها الآخر، كما كان من جهة أخرى ملتزماً بمذهبه تمام الالتزام، منافحاً مدافعاً مثبتاً له بقوة.

ونحن إذ ندعو للوحدة الإسلامية، لا نرمي إلى أن يتنازل أي فرد أو مذهب عن آرائه التي توصل إليها باقتناع واستدلال، لمجرد إرضاء الطرف الآخر. نعم، يمكن تأجيل بعض الخلافات النظرية أو عدم التركيز على بعضها الآخر؛ لأنها قد لا تترك كبير أثر على الواقع القائم. وهذا ما أشار إليه في جوابه عن الاتهام الموجه للشيعة، بأنهم يرفضون خلافة الشيخين، فقال: إنَّه لا يمكن إنكار واقع تاريخي "ولا ينكر استخلاف الشيخين – رضي الله عنهما – ذو شعور، ولا يرتاب فيه ذو وجدان، وقد امتدت إمارتهما من سنة 11 إلى سنة 23 وفتحت بها الفتوحات، وضرب الدين بجرانه. على أن خلافتهما من الشؤون السياسية التي خرجت بانقضائها وتصرمها عن محل الابتلاء، فأي وجه لتنافر المسلمين اليوم بسببها، وأي ثمرة عملية تترتب فعلاً على الاعتقاد بها.

فهلموا يا قومنا للنظر في سياستنا الحاضرة… وأي وجه لتكفير المسلمين بإنكار سياسة خالية وخلافة ماضية؟ وقد أجمع أهل القبلة على أنها ليست من أصول الدين، وتصافقوا على أنها ليست مما بني الإسلام عليه" (ص.207).

وهي دعوة طرحها الإمام البروجردي S وبعض العلماء الآخرين كالمرحوم شمس الدين في ميثاقه الوحدوي (مجلَّة رسالة التَّقريب 21/177).

وعلى أي حال، فباب البحث الأكاديمي العلمي مفتوح في المجال العقدي، وكذلك في مجال التقويم التاريخي، شريطة اتّباع منهج الحوار القرآني. ولكن هذا لا يعني أن ننقل هذا إلى نـزاع عملي نُهينا عنه بشدة، وأن يتحامل بعضنا على بعضنا الآخر، وأن نمزق صفنا الواحد، خصوصاً بعد أن تجمع علينا الأعداء من كل جانب، ووحدوا خططهم، رغم اختلافاتهم في ما بينهم. ولنعتبر بقوله تعالى: >وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ< [الأنفال/73].

 

*     *     *

 

مقوّمات الحوار الناجح ، قراءة في تجربة المراجعات
(*) الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً