أحدث المقالات




الديانة الهندوسية: طقوس وشعائر ومعتقدات تضرب في أعماق التاريخ البشري

سارة فوزي إبراهيم

تعد الديانة الهندوسية من أقدم الديانات التي تمارس على وجه الأرض في الوقت الحاضر. ومن اللافت أن هذه الديانة تتعدد بها الآلهة وتتخصص وظائفهم بما يعيد للأذهان ما ساد في المعتقدات اليونانية بتخصص آلهة الإغريق وتراتب مراكزهم ومهماتهم – كإله البحر والحب والحرب وسواهم. وبالمثل يؤمن أتباع هذه الديانة بالعديد من الآلهة، أهمها الإله شيفا ( Shiva) المدمر والإله فيشنا ( Vishnu) الحافظ وغيرها العديد. ويؤمن أتباع هذه الديانة بأن الإله فيشنا يشكل على شكل بقرة، وهو إله الحب والمقاتل والحاكم ولهذا يحرم على الهندوس ذبح البقر وأكل لحومها. ومن الخرافات التي تحيط بهذه الديانة والتي تشكل معتقدات أساسية أن الإله (Shiva) عاد يوما لبيته فوجد غريبا في البيت فقطع رأسه وعندها تيقن أنه ابنه فقام بقطع رأس فيل ووضعه فوق جثة ابنه (Ganesha) الذي قطع رأسه – ولهذا يظهر الإله (Ganesha) بشكل إنسان ورأس فيل. وبرغم تعدد الآلهة في هذه الديانة إلا أنها جميعاً تنحدر من إله واحد هو ( براهمان) أو (Brahman) الإله الأعظم – حسب معتقدات أصحاب هذه الديانة.

ووفقا للكتاب المقدس (Rig Veda) الذي يضم تعاليم الديانة الهندوسية فقد تم تقسيم المجتمع الهندوسي إلى أربعة أقسام، وهو ما أثر جذريا في حياة أتباع هذه الديانة. فحسب معتقداتهم أن الإله براهمان (Brahman) عند بدء الخلق قد خلق أول إنسان وأسماه بيروشاه (Perusha) ومن ثم ضحّى به ومن أعضائه خلق باقي المجتمعات أو الطبقات. فمن فمه كانت الطبقة الأولى البيضاء وهم رجال الدين، والطبقة الثانية الحمراء من الذراع وهم الطبقة الحاكمة، أما الطبقة الثالثة الصفراء فهي من الأرجل وهم الاقتصاديون ورجال الأعمال وأصحاب المزارع، والطبقة الأخيرة هي الطبقة السوداء وهم الطبقة العاملة الكادحة. وهنالك طبقة لا تندرج في كتبهم المقدسة وهم من يدبغون الجلود ومن يدفنون الموتى من البشر والحيوانات. وقد حاول (ماهاتما غاندي)، وهو من أتباع هذه الديانة، أثناء حكمه للهند أن يرفع من شأن هذه الطبقة بتسميتهم أبناء الآلهة، حيث أنهم كانوا منبوذين عن باقي طبقات المجتمع حتى عام 1950. في الوقت الحاضر لا تتواجد هذه التفرقة الطبقيّة إلا في الأرياف حيث يمارس أهلها العنصرية الطبقية بشكل كبير، ولا يسمح لأي طبقة أن تختلط بأي طبقة أُخرى خصوصا فيما يخص مسائل الزواج.

ويؤمن الهندوس برجوع الروح بعد موت الجسد لتبعث من جديد في جسد آخر مرات عديدة تصل لمئات الملايين. وهدف كل هندوسي أن يصل إلى مرحلة موكشا ( Moksha)، وهي خلاص الروح من إعادة بعثها من جسد إلى آخر. وللوصول إلى هذه المرحلة يجب على الهندوسي أن يعيش حياة مليئة بالأعمال الخيّرة وأن يتخلص من الأنانية، كما يجب عليه أن يفصل نفسه عن رغباته. إن هذه العملية بالنسبة إليهم كاستخلاص الذهب من المعادن الشائبة. وعند قدرة النفس على التخلص من الرغبات والأنانية ونزعتها لحب الخير فإنها تصبح طاهرة وقادرة عند موت الجسد أن تتحد مع الإله براهمان (Brahman) التي هي منه أصلا ولا تعود لتبعث في جسد آخر.

أما بالنسبة للعبادة، فقد يتعبد الهندوس في المعبد أو المنزل، حيث أن كل منزل هندوسي، حتى لو كان فقيرا معدما، يوجد به مكان خاص للعبادة حيث يضعون الآلهة ومستلزمات العبادة. وتتم العبادة بتلفظ الأحرف المقدسة (آ- أو- م) (A U M) مع الهمهمة مرارا وتكرارا، أو بقراءة عدد من الأبيات الشعرية المكتوبة بالكتاب المقدس. كما أنهم يستخدمون أطباقا خاصة مزينة يضعون بها البودرة الملونة الخاصة للعبادة والأزهار والبخور، ويوضع هذا الطبق أمام الآلهة. أما العبادة داخل المنزل فإن ربة البيت الأم هي المسؤولة عنها حيث تفيق صباحا باكرا وتستحم وهي تتلفظ بأسماء الآلهة ثم تلبس ملابس نظيفة جميلة وتقوم بتزيين الآلهة بالركن الخاص بالمنزل، وتقدم لها الأزهار والفاكهة والبخور. ويتبع أفراد العائلة نفس خطى الأم ثم يجتمعون أمام الآلهة ويتلفظون الأحرف المقدسة وأسماء الآلهة ويقرأون بعض أشعار الكتاب المقدس. كما تقوم الأم بإنارة ضوء مغمور بالزيت وتضعه أمام الآلهة ثم يقوم أفراد العائلة بتمرير أيديهم فوق بخار الضوء ليستمدوا الطاقة والقوة من الآلهة ليومهم هذا.

يحتفل الهندوس ضمن طقوس معينة فيما يخص إنجاب الطفل حتى يكبر ويموت. ويجب إتمام المراسيم بدقة وخشوع لضمان إبقاء روح الخير داخل الجسد. فهم يحتفلون عند حمل الأم للجنين وعند بلوغه سبعة أشهر في بطنها ثم يأتي أهم احتفال بعد ولادة الطفل مباشرة حيث يتم تغسيله ويُرسم على لسانه الأحرف المقدسة ( آ- أو- م) ( A U M) بقلم من الذهب مغموس بالعسل ويتم وضع علامة على جبين الطفل مع إخفاء اسمه لمدة أحد عشر أو إثني عشر يوما حتى لا يتمكن الشيطان من وصوله، ثم يتم الاحتفال به في اليوم الثاني عشر على يد الكاهن حيث يربط على يد الطفل وشاح دلالة على حمايته من الشيطان، ويتم حلق شعر الصبي ويوزن بمقداره ذهبا، ويوزع بهذا المقدار طعاما للفقراء. أما طقوس الموت، فيقوم الابن الأكبر بقيادة جثمان الميت إلى المحرقة حيث تحرق الجثة المزينة بالورود. إن الهندوس يفضلون أن يتم حرقهم في النهر المقدس (The River Ganges) حيث تتحد الروح مع الإله براهمان (Brahman) وتنتهي حركه البعث لهذه الروح.

أما الأعياد الدينية الهندوسية فتأتي وفقا للسنة الهندوسية وعادة ما ترتبط بالمراسم الزراعية أو الأساطير، أشهرها عيد ديوالي (Diwali) ونافاراتي (Navaratri) وهولي (Holi) حيث تمتزج العبادة بالمرح، فيلقي الهندوس الماء الملون بالأحمر والبودرة بجميع ألوانها على بعضهم البعض. ويؤمن الهندوس أن الديانة واللغة والعادات والتقاليد والثقافة مترابطة مع بعضها البعض بشكل وثيق ومهم، فغياب إحداها يعني انقراض البقية واحدها تلو الآخر، ولهذا تجدهم يتكلمون لغتهم ويمارسون طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم في أي مكان في العالم حفاظا على دينهم ووجودهم – بما يشكل مظهرا من أبرز التمظهرات الإثنية في العالم قاطبة!

ويبلغ تعداد الهندوس في العالم أكثر من 900 مليون أغلب تواجدهم في الهند وسيريلانكا وفيجي وبالي. وهنالك أكثر من 800 ألف هندوسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر من مليون ومئتي ألف هندوسي في المملكة المتحدة وحدها!

باحثة في تاريخ الألسنيات والأنثروبولوجيا مقيمة في لندن

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً