أحدث المقالات

القسم الثاني ـ

 

السيد محمد حسين رباني(*)

ترجمة: نظيرة غلاب

 

4ـ أيام النحس ــــــ

إن الاعتقاد بأن بعض الأيام تحمل النحس والتعاسة يدفع إلى البحث عمّا يرفع ذلك ويذهب به، من أعمال خرافية تعبر في عمقها عن عدم التوازن العقلي، وسطحية التفكير.

لا توجد أية مرجعية دينية أو عقلية تجعل الأيام تختلف عن بعضها البعض؛ فهذه تحمل النحس؛ وتلك تحمل حسن الحظ والسعادة. فالأيام من حيث تكوينها هي قطع من الزمان تسير وفق نظام كوني ثابت، تتأثر بدوران الأرض حول الشمس والقمر والنظام الفلكي. ولكن حين يغيب التفكير العقلاني، وتحضر الخرافات، يصبح الإنسان مجرد صورة لا تحمل البعد الحقيقي للإنسان، الذي إنما مُيِّز عن باقي الكائنات بعقله، فكيف يستعدي الأيام؟! ومن أي منطلق يعتبر هذه نحساً وتلك سعداً؟! الدين بريء مطلقاً من مثل هذه الترّهات والخزعبلات. ولا أثر أو مستند ديني يصحِّح القول: إن الدين اعتبر بعض الأيام نحساً يجب الكفاف عن الأعمال فيها. وكم من أعمال تعد مصيرية في حياة بعض الأفراد تم تأخيرها لأن أصحابها يعتقدون بنحس بعض الأيام، فمرت تلك الأيام، وخسروا فرص عمرهم، وعمل أولئك هو يبور.

إن وقوع بعض الأحداث المؤلمة في بعض الأيام، أو وقوع بعض التغيرات الجيولوجية، كالزلازل والأعاصير وما شابه، لا يعني أن تلك الأيام طعمت بالنحس، فأصبحت شؤماً. إنها ثقافة ترثها الأجيال عن بعضها البعض وكأنها تعليمات إلهية، وهي اعتقاد كفر، حيث تجعل للأيام استقلالاً في الفعل، ولا فعل إلا فعل الله. كما أن وقوع حدث سعيد في يوم من الأيام لا يجعل من ذلك اليوم يوم السعادة وحسن الحظ؛ فإن الشؤم والنحس والسعادة إنما هي أمور اعتبارية، والدليل على ذلك هو أن ما يعتبره قوم نحساً ليس كذلك عند قوم آخرين.

وقد تعاطى الإسلام مع مثل هذه الاعتقادات، حيث تحدث عن وقوع النحس لأقوام في بعض الأيام، التي قد يعتقد البعض أنها تحمل في ذاتها نحساً أو سعداً، وهو فهم خاطئ، ولم تشِرْ إليه الآيات أو الأحاديث مطلقاً:

1ـ في آيتين من القرآن كان الحديث حول نحس وشؤم وقع في بعض الأيام:

أـ ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ﴾ (فصلت: 15 ـ 16).

ب ـ ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾.

وقد كان الحديث في الآيتين حول قوم عاد، الذين كذبوا بآيات الله، وعصوا الرسول، وجحدوا بالحق لما جاءهم، وتمادوا في طغيانهم وكفرهم، فأرسل الله عليهم العذاب، سوَّد أيامهم، جعلها أيام شؤم ونحس عليهم، فقد أرسل عليهم ريح العذاب، فاقتلعت جذورهم، وأحرقتهم شرّ حرقة. فهم حين تمادوا في الذنب والمعصية جاءهم النحس والشؤم، انقلب اليوم عليهم، واختلط النظام الفلكي عليهم، لم تطلع عليهم الشمس، بل طلع عليهم العذاب، وكان كل شيء في الزمان مورد عذاب، لم يكن ذاك يوم اثنين أو ثلاثاء أو أربعاء، فالنحس ليس يوماً بعينه، بل النحس كان عصيانهم وغلوهم في الكفر وتكذيب الرسل، وكل ذلك كان سبباً في اجتثاث نسلهم، وقلع شجرتهم من الأرض. والآيتين درس هامٌّ في أن الأيام لا تحمل في ذاتها نحساً وسعداً، فكل يوم عصي فيه الله يمكن أن يتحول نحساً وشؤماً على العاصين، ويصبح يوم عذابهم، العذاب الإلهي.

وقد كتب الشهيد مطهري في ذيل الآيتين: «إن كلمة النحس بمعنى الشؤم. وقد اجتهد المفسِّرون في شرح مفردة النحس الواردة في الآيتين، وحول معنى نحوسة بعض الأيام؟

ومن الواضح أن خطاب القرآن لا يعني أن يوماً بعينه كان نحساً، فأنزل فيه العذاب. ولم يرِدْ أن يوم الثالث عشر من صفر مثلاً يوم أنزل فيه العذاب على ذلك القوم، فالثالث عشر من صفر يعود كل سنة. بالإضافة إلى أن الآية تتساءل: ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾، مما يعني أن الشؤم والنحس كان بعلّة وسبب كفرهم وتكذيبهم بالآيات، وعدم اعترافهم بالحق وقد اتضحت لهم الآيات، وليس للأيام في ذاتها نحسٌ وشؤمٌ، إنما هي أعمال الناس ومعاصيهم هي التي جعلت ذاك اليوم نحساً عليهم»([1]).

2ـ لم يتوانَ الأئمة المعصومون^ في محاربة الاعتقادات الخرافية، وإرشاد الناس إلى بطلانها ومخالفتها للعقل والواقع. ولو أن أتباعهم عملوا بأقوالهم وإرشاداتهم لكانوا من الخلَّص، ولكان تغيير حال المسلمين اليوم من اليسر والسهولة بمكان:

أـ لانتشار الاعتقاد بأن آخر أربعاء من كل شهر هو يوم نحس وشؤم كتب الراوي (أحمد الدقاق البغدادي) إلى الإمام الهادي× رسالة يسأله فيها عن عدة أمور: «كتبت إلى أبي الحسن الثاني في أسئلة عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور..، فكتب: مَنْ خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة وقي من كل آفة، وعوفي من كل عاهة بها»([2]).

ب ـ لربما يتعرض الإنسان إلى آفات متعددة في يوم من الأيام، فتجده يصبّ كامل غضبه على ذلك اليوم، ويرميه بالشتم واللعن. وإن المسلم العاقل ليتعلم أشياء كثيرة من أقوال المعصومين، فيصحِّح أفكاره واعتقاداته، ويتخلص من الجهل والغباء الذي يدفعه إلى الكفر من دون أن يشعر. قال الحسن بن مسعود([3]): دخلت على أبي الحسن علي بن محمد× وقد نكبت (نكيت) إصبعي، وتلقّاني راكب وصدم كتفي، ودخلت في زحمة فخرقوا عليّ بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرّك من يوم، فما أشأمك! فقال× لي: يا حسن، هذا وأنت تغشانا، ترمي بذنبك مَنْ لا ذنب له! فقال الحسن: فأثاب إليّ عقلي، وتبيَّنت خطئي، فقلت: يا مولاي، أستغفر الله، فقال×: يا حسن، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها؟! قال الحسن: أنا أستغفر الله أبداً، وهي توبتي يا بن رسول الله، قال×: والله ما ينفعكم، ولكنّ الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذم ّ عليها فيه. أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب، والمجازي بالأعمال، عاجلاً وآجلاً، قلت: بلى يا مولاي، قال×: لا تعُدْ، ولا تجعل للأيام صنعاً في حكم الله، قال الحسن: بلى يا مولاي»([4]).

فلا دخل للأيام بالعقاب أو المجازاة، حتى تحمل ما لا طاقة لها به. إنما الإنسان يلقى جزاء عمله. وعدّ أحد الأيام يوم نحس إنما ينم عن خفة العقل وسذاجة التفكير.

 

5 ـ التنجيم ــــــ

يعتبر التنجيم من المعارف الدخيلة على المجتمع الإسلامي. ورغم غرابته وبُعْد منشئه إلا أن شريحة واسعة استقبلته بكل حفاوة، وخصصت له حيزاً مهماً في حياتها، مع علمها بمخالفته الصريحة لأسس الاعتقاد السليم. ولعل هؤلاء الذين توالَوْا على كرسي الخلافة أكثر الطبقات تمسكاً بالتنجيم وما تقوله الكواكب؛ وذلك بغرض الاطلاع على أمورهم، وكيف يديرون حياتهم السياسية، ويحافظون على كراسيهم ممَّن يتربصون بهم الدوائر، حتى أنهم لا يخرجون إلى غزواتهم إلا بعد أن تؤيدهم الكواكب، وتباركهم النجوم. وقد كتب الشهيد مطهري قائلاً: «لقد دخلت كتب اليونان والهند والفرس بلاد المسلمين، وتمت ترجمة محتوياتها. وأكثر شيء أثار إعجاب الخلفاء كان التنجيم ومعرفة الكواكب، حيث خصصوا لها اهتمامهم الخاص. ولعل انشغالهم بمصيرهم الدنيوي وطموحهم السياسي الجامح كان الدافع الأصيل وراء ذلك الاهتمام. فمنذ ذلك الوقت أصبح التنجيم ينتشر بين الناس بمختلف الطبقات ومختلف الاتجاهات، حيث أصبح من الأمور المعمول بها في الأوساط الدينية والمذهبية، حيث تغلغل إلى الأوساط الدينية عن طريق اليهود والهنود، الذين لهم علاقة بالتنجيم والكواكب أكثر من غيرهم»([5]).

لقد كان العرب في الجاهلية يعتقدون بالنجوم، ولكن ببعثة النبي الأكرم| بَيَّن لهم عدم وجود أية علاقة بين مصيرهم ومستقبلهم وبين النجوم وحركاتها. وقد تابع الإمام علي× النبي في خطواته في محاربة هذه الأفكار الخرافية. وكما أشار الشهيد مطهري فإنه بسبب اطلاع المسلمين على معارف اليونان عن طريق ترجمة كتبهم ازدهر التنجيم، وعرف رواجاً كبيراً، إلى درجة أن الناس؛ ولأجل إضفاء صبغة دينية على النجوم والتنجيم، ذهبوا إلى وضع أحاديث نسبوها تعسفاً وظلماً إلى المعصومين^.

لقد كانت أحاديث النبي الأكرم واضحة في التحذير من التنجيم والاعتقاد به، فقد روي عنه أنه قال: «أخاف على أمتي من بعدي خصلتين: تكذيباً بالقدر؛ وتصديقاً بالنجوم»([6]).

وتبعه في ذلك التحذير الإمام علي×، حيث عمل طوال إمامته، وفترة إمامته السياسية، على نهي الناس عن الاعتقاد بالتنجيم، واعتبره من الكذب والقول على الله بما لم يعلمه، وبيَّن للناس في كل المواقع أن لا تأثير للنجوم على حياة الناس، ولا دخل لها في السلم أو الحرب. وقد عاتب بالشدة من اعتبر نفسه ذا معرفة بالنجوم حين اقترح عليه أن لا يخرج في حرب النهروان، فقال له الإمام علي×: «…أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي مَنْ سار فيها صرف عنه السوء، وتخوِّف من الساعة التي مَنْ سار فيها حاق به الضّر؟ فمَنْ صدَّق بهذا فقد كذَّب بالقرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه. وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه؛ لأنك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمن الضر. ثم أقبل× على الناس، فقال: أيها الناس، إياكم وتعلُّم النجوم، إلا ما يُهتدى به في برٍّ أو بحر؛ فإنها تدعو إلى الكهانة، والمنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار. سيروا على اسم الله»([7]).

وعلى عكس ما تكهَّن به المنجِّم الذي نهى عن الخروج في قتال الخوارج فقد نصر الإمام وجيشه، ولم يلحق بهم أي نحس أو شؤم، فصدق قول المعصوم، وخسر هنالك المنجِّمون.

وبعد فترة الإمام علي× عمد الحكام ومَنْ والاهم إلى وضع الأحاديث التي يدعون فيها أن التنجيم من العلوم التي لا تتعارض والدين، محاولين جذب الناس إليها، وردع كل اعتراض أو احتجاج محتمل. وهذا ما يشير إليه العلامة مطهري بقوله: «لأنهم لم يجدوا عند الناس تجاوباً في ما يخص علم التنجيم وتصديق المنجمين عمدوا إلى الكذب على رسول الله| والمعصومين^، غير أنه في الروايات المعتبرة عندنا لا يوجد أي شيء يؤيد القول بالتنجيم، أو يشير إلى صدقه والعمل به. وكلُّ ما هنالك من الروايات التي تدافع عن التنجيم وعلم الكواكب من نتاج القرن السادس والسابع أو أقرب من ذلك. وهي في جملتها روايات تفتقد لسند، لم يشخص رواتها مَنْ هم، ومن أين هم، كل ما يذكر أنه جاء في الكتاب الفلاني، ونقلها العالم الفلاني. كل ذلك لا علاقة له بالإسلام. والقرآن قال مقالته الفصل في التنجيم، وهو ما عبَّر عنه النبي بلسانه حين قال: كذب المنجِّمون ولو صدقوا»([8]).

إن قول العلامة مطهري أعطى في الحقيقة ميزاناً علمياً لطلبة العلوم الشرعية وعلماء الدين بأن الروايات حين تتحدث عن التنجيم وعلم الكواكب لابد من أخذها مأخذ البحث والتحقيق وفق الميزان العلمي المعمول به في علم الحديث والدراية.

وقد مثلت الرواية المروية عن الإمام الصادق في ردّه على عبد الملك بن أعين ـ أخو الصحابي الجليل زرارة بن أعين ـ، وقد كان منجِّماً، ويعتقد بالنجوم والكواكب، أفضل جواب على خرافة التنجيم: «محمد بن علي الحسين بإسناده عن عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله×: إني قد ابتُليت بهذا العلم، فأريد الحاجة، فأنظر إلى الطالع، وإذا رأيت طالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضي؟ قلت: نعم، قال: أحرق كتبك»([9]).

هذه الرواية ترشد أتباع أهل البيت^ وكل عاقل إلى أن الوحيد الذي يجب قياس الأعمال عليه هو القرآن، فهو الذي يبيِّن الحلال الذي يجب إطاعة الله فيه، ويبين الحرام الذي يجب الابتعاد عنه وعدم قربه، والنجوم والكواكب والمجرات لا تحلِّل ولا تحرم، و كل اعتقاد بقدرتها على جلب الخير أو دفع الضر، أو مجرد الاعتقاد بأن الاستعانة بها لا حرج فيها، هو اعتقاد بالكهنة واعتقاد بالسحر، وكل هؤلاء في النار.

 

6 ـ تصديق الكهنة ـــــــ

يعود تاريخ الكهانة إلى عصور ما قبل الإسلام، حيث كان الاعتقاد بالكهنة جزءاً من الدين لدى أقوام الجاهلية، وكانوا يرونه واحداً من العلوم التي يجب تعلمها، والإيمان بمصداقيتها، فقد كانوا يطلعون على أمورهم وأمر بيئتهم من خلال الكهنة وعلماء الكهانة، الذين كانوا يدعون الاتصال بالغيب عن طريق الجن والشياطين، الذين كانوا يمدّونهم بالغيب.

وقد جاء في دائرة المعارف الفارسية: «الكهانة من العلوم الوهمية التي اهتمت بها الأقوام البدائية، والتي كانوا يبغون بها الاطلاع على وقائع المستقبل، وسيلتها في ذلك الارتباط بأرواح ما ورائية، من الشياطين والجن. وقد كان للعرب ما قبل الإسلام اطلاع واسع على الكهانة… وقد أشار إلى هذا العرب في قصصهم ما قبل الإسلام. وبمجيء الإسلام سقط الاعتقاد والإيمان بالكهنة، فهي تنافي عقيدة التوحيد. وقد حارب النبي الأكرم تلك الاعتقادات المنحرفة، وبيَّن أن كل من صدَّق وآمن بقول الكهنة فقد كفر بما أنزل على محمد. وفي مرحلة ما بعد التنزيل رأى المسلمون أن الكهنة قد انقطعت عنها قوتها، وذهب ماء وجهها»([10]).

أما عن تاريخ الكهنة، وكيف أنهم أصبحوا ملاذ الناس في الاطلاع على المخبأ لهم، وما يتمنون معرفته عن أيامهم وأحوالهم، فقد كتبت دائرة المعارف الفارسية: «الكاهن في بعض الأديان غير السماوية هو الواسطة بين الآلهة أو أحد الآلهة وبين الناس. وهذا القرب هو الذي جعل تلك الآلهة تكشف للكهنة عن الغيب، الذي يوصلونه بدورهم إلى باقي الناس. ولذلك فالكهنة كانوا مَنْ يستقبل القرابين والهدايا التي يقدمها الناس لآلهتهم، حيث هم بلغة العصر الممثلِّون الشرعيون للآلهة في الأرض. وأشير للكاهن في اللغة العبرية بـ «كوهن»، وهو يفترق عن مصطلح «كاهن» في اللغة العربية، فالكاهن هو المنتخب في الأوساط الاجتماعية، ومن لديه الخبرة التامة بكيفية تأدية القرابين وتقديمها، وبواسطته تعرف إرادة الله. وفي العصور ما قبل التاريخ كان الكهنة يتكلمون بكلام الآلهة، ويحكون إرادتهم للناس عن طريق الإلهام، ليصبحوا بعد ذلك، وبعد أن أصبحت لديهم معرفة بالشرائع والأديان والأحاديث، قادرين على كشف مشيئة الله واستنباطها. وفي العصر البدائي، حيث تشكل النوع الأول من المجتمع، والذي كان يقوم على العائلة، انتقلت الكهانة لتصبح أحد اختصاصات ربّ العائلة. وبعد أن تحول المجتمع إلى مجتمع يحكمه الملك انتقلت سلطة الكهنة إليه، لتنفصل وظيفة الكاهن ووظيفة الملك عن بعضهما البعض فيما بعد، ويصبح انتخاب الكهنة من اختصاصات الملك، حيث ينظر في انتخابه إلى مجموعة من الأمور تجمع بين أوصاف خاصة في أبدان الكهنة، حيث يستوعب من خلالها قدرة الأفراد المنتخبين على الاتصال بالآلهة.

وقد كان الكاهن في الأديان القديمة مكلَّفاً بعقد المراسيم الدينية التي تقيمها المعابد، حيث تقدم القرابين والهدايا وفق شعائر خاصة. كما كانوا يقضون في أحوال الهدايا ومَنْ يقدمونها. فقد كان الكهنة هم حفظة سر الآلهة، والممثِّلون لهم في إيفاد إرادتهم إلى عبادهم، حيث كانوا يلهمون الغيب، ويصرحون في الأعمال وفق ما يحدسونه من الفأل، الذي كان وسيلتهم الكبرى في حلّ الخلافات بين الناس. ومع مرور الزمن انتقل اختصاص الكهنة إلى تعليم الناس دينهم والأخلاق، وحل النزاعات بين الناس في ما يخص الأمور الدينية والأخلاقية. وقد اعتبر دين البرهمائية الهندي واحداً من الأديان التي تألق فيها دور الكاهن ليصل إلى حد الكمال، أما بالنسبة إلى مصر القديمة فقد كان للكهنة القول الفصل، وكان الملك رئيس الكهنة في اليونان، وإمبراطورية الرومان. وفي مرحلة الوثنية كان الكهنة من نوع آخر، ومن طبقة مخصوصة، وكان كل واحد يستطيع أن يكون كاهناً، لكنها في الواقع كانت من مهن الأشراف، وكان كل كاهن يخدم واحداً من الآلهة، ولا يحق له التواجد في معبدين حيث إلهان مختلفان. لم يكن الكاهن يشغل منصب أستاذ الأخلاق أو القاضي، بل كانت الدولة تنظر في أمور الكهنة، أما في عقيدة أتباع بودا، أو في عقيدة دين الإسلام، فلا وظيفة للكاهن، ولا وجود له.

في اليهودية علا شأن الكاهن، ليصبح من سنخ علو شأن قوم اليهود، فهم شعب الله المختار، كما يعتقدون ويتوهمون. وفي زمن النبي موسى× انتقل مقام الكهنة إلى نسل هارون×، ولم يكونوا منظمين تحت لواء خاص، إلى أن عادوا من الأسر، حيث قام كاهن ببناء معبدهم، وجعل حق التصرف فيه لأبناء هارون، وأما الكهنة من أبناء لاوي فقد كانوا في الدرجة الثانية. وقد توسعت صلاحيات الكاهن في الديانة اليهودية، فبعد أن كان المتحدث عن الغيب أصبح المعلِّم والمفسِّر للتوراة، وهم الممثِّل والحافظ لمقدسات اليهود، وطاعتهم واجبة؛ لأنها تعني طاعة الله. ولكونه ذا علم فهو يرشد الناس إلى الشريعة وفق فهمه لها. الأنبياء كانت لهم نفس الوظيفة، الفرق الوحيد هو أنهم يكلَّمون ويلهمون مباشرة التعاليم السماوية من الله المتعال. ولم يكن هناك أي اختلاف بين وظائف الكهنة ووظائف الأنبياء، حيث قد تجتمع الكهنة والنبوة في شخص واحد، كما كان الحال بالنسبة للنبيين سموائيل وإرميا. ولتخصصهم في الشريعة فكثيراً ما كانوا يشغلون منصب الحكم والقضاء.

في المسيحية كان القسيسون هم كهنة الديانة. وأما لدى العرب فيما قبل الإسلام فالكاهن هو الذي يخبر عن الغيب. كان يستلهم إلهاماته من جلسات الخلوة أو من الأحلام وما يراه في المنام. وكان القوم يعتقدون أن كل كاهن له شيطانه الخاص، أو جني يوحي إليه، وكانوا يسمون ذلك الشيطان أو الجني بأسماء، كالصاحب، والتابع، والولي ومولاه. وكان الكهنة يعربون عمّا ألهم إليهم من الغيبيات في جمل قصيرة، وبأسلوب السجع. وكثيراً ما كانوا يحيطون كلامهم بالغموض والإبهام، حتّى تتعدد تفاسيره وفق الحاجة. ولم يكن مقام الكاهن في الجاهلية مقتصراً على الإخبار عن الغيب، بل كان الناس يستشيرونهم في كل أمورهم، شخصية أو عامة، حيث كانت آراؤهم مورد القبول والرضا عند الجميع. لكن مع ظهور الإسلام حرّر الإنسان من العديد من الخرافات، وكانت الكهانة من جملة الاعتقادات التي اعتبرها الإسلام كفراً»([11]).

عرف الكاهن عند العرب باسم العرّاف. وقد وردت روايات متعددة عن النبي الأكرم| ينهى فيها عن تصديق العرّافين والذهاب إليهم: «نهى عن إتيان العراف»([12]). وكذا نهى المعصومون عن التكهن، وإتيان الكهنة والعرافين، فعن الإمام الصادق × أنه قال: «من تَكَهَّن أو تُكُهِّن له فقد برئ من دين محمد|».

وذكر محمد بن إدريس الحلي&(598هـ) في القسم الأخير لكتاب السرائر، من كتاب مشيخة الحسن بن محبوب: «الهيثم بن واقد الجزري قال: قلت لأبي عبد الله×: إن عندنا بالجزيرة رجلاً ربما أخبر مَنْ يأتيه يسأله عن الشيء يسرق أو شبه ذلك، أفنسأله؟ قال: فقال: قال رسول الله|: من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدِّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب»([13]).

لقد استحوذ الكهنة على عقول الناس، فكانوا يكشفون السارق والمجرم، ويقرؤون وجوه الناس، فيتعرفون على خباياهم النفسية، وغيرها من المهارات التي إنما توصلوا إليها بدهائهم وكثرة التجربة. وكانوا لا يقرّون بأن ما يعرفونه إنما وسيلته الذكاء والدهاء، بل يردِّدون دائماً أن الجنّ يمدّهم بكل ذلك من وراء حجاب. كتب العلامة مطهري في تفسيره لسورة الجن، تحت عنوان «الكهنوتية والارتباط بالجنّ»، انطلاقاً من الآية الشريفة ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ﴾ (الجن: 8): «تشير الآية الشريفة إلى الكهنة والارتباط بينهم وبين الجنّ، وأن الجن يمدّون أتباعهم من الكهنة بالمعلومات والأخبار، فقد كان ـ حسب الآية ـ رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ومعصية.

لقد ربط العرب في الجاهلية بين الكهنة وبين الجن، وكان الناس كثيراً ما يعيذون أنفسهم بكبار الجن ورؤسائهم.

مَنْ يكون رئيس الجن حتى يعوِّذ الإنسان نفسه به، ويطلب حمايته؟ بل مَنْ يكون الإنسان نفسه حتى يعمل البعض على الاحتماء بأناس آخرين؟

إنما مَنْ يجب الاحتماء به هو الله الواحد، ووحده الذي يجب أن نعوذ أنفسنا به، من الجنّ والإنس، ومن كلّ شر وسوء. وماذا يعني أن نعيش حياتنا تحت رعايتهم المزعومة؟

﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾: هذه العبارة تحمل معنيين مختلفين: أولهما: إن رجال الإنس الذين يعوذون برجال من الجن إنما كانوا في عسر ومشقة من فعلهم ذاك؛ لأنهم؛ لكي يعقدوا ذلك النوع من الارتباط، مجبرون على فعل المزيد من المحرَّمات، وارتكاب المزيد من المعاصي. والعكس كذلك صحيح، فهؤلاء الجن الذين يتم الارتباط بهم يرتكبون المحرمات، ويخرجون عن طاعة الله؛ للاستجابة لطلبات هؤلاء الإنس، حيث كانوا يقومون بأعمال كلها ذنب وكفر. فكلا الطرفين في إرهاق من الآخر»([14]).

وكتب كذلك يفسِّر كيف كانت الجن في إرهاق، وذلك في تعرضه لتفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء…﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ…: «إن الجن؛ ونتيجة لعنصره الخاص، يستطيع طيّ المسافات، رغم أنه من جهة العلم وقدرات الروح أضعف من الإنسان، لكنه ولخصائصه الجسمية فهو أقوى من الإنسان وأكثر قدرة. والقرآن يبين أن الجن يصعد إلى السماء الدنيا، حيث الملائكة، من جهة كون القرآن عبر عن ملكوت الملائكة بالسماء، فكانوا يسترقون السمع، ويسرقون بعض الأخبار الغيبية التي تتداولها الملائكة فيما بينهم، كلٌ حسب اختصاصاته.

وبعد بعثة النبي الأعظم| رأى الجن أن تلك السماء لم تعُدْ كما كانت من قبل مفتوحة، بحيث كانوا يتسللون فيسرقون بعض الأخبار، ولكنها أصبحت مملوءة بحرس، بحيث إذا اقتربوا منها رُمُوا بالشهب، والتي هي كناية عن نوع من الطاقة التي كانت تحرق الجن، وترديه قتيلاً، فقالت الجن: إننا رأينا الوضع قد تغيَّر، فلا نستطيع القرب من السماء، ولا نعرف هل هو شرٌّ أريد بأهل الأرض أم أراد بهم ربهم خيراً؟ لا نعرف منشأ هذا التغيير هل هو خير أم شر؟ ولكنه كان خيراً بأهل الأرض، فقد كانت الآيات تنزل تترى، ولم يستطع أحدٌ من الجن أن يقرب الوحي، ولو استطاعوا لعملوا على تحريفه، بطلب من الكفار والحاقدين: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء… وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ… فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً([15]).

السؤال الذي يطرح: هل يوجد هذا النوع من الارتباط بين الإنس والجن؟ يعني في زماننا، الذي هو زمان ما بعد البعثة المباركة للإسلام، وبعد أن حدث ذاك التغيير في السماء، حيث السماء في وجههم مغلقة، وأصبح الجن غير قادر على الصعود إليها واستراق السمع، فهل الارتباط من ذاك النوع يمكن أن يحصل؟ وهل يمكن رغم كل ذلك أن يأتي الجن بخبر من السماء، فيطلع بعض الناس عليه؟

فمع نزول الوحي (القرآن) لم يعد الناس تائهين بين هذه الطريق أو تلك. لقد اتضح الطريق، وأصبح الناس يستنشقون عبق الوحي، وقد أغلقت السماء حتى يتوجه الناس إلى القرآن، ويسعون إلى فهمه؛ لاستشراف خير الحياة الدنيا والآخرة منه وفيه.

لقد تحدث القرآن نفسه كيف كان رجال من الإنس يقيمون علاقة برجال من الجن، وكيف كان الآخرون يصعدون إلى السماء، ويسترقون السمع، ليطلعوا أصحابهم من الإنس على بعض الأسرار. لكن نزول القرآن أغلق هذا الباب، ولم يعد بمقدور الجن الصعود إلى ملكوت الملائكة، وحرموا من استراق السمع والاطلاع على بعض الغيبيات. فلم يُعدْ للجنّ ما يخبر الإنس به. وهذا الوضع بدأ مع بعثة الإسلام، وسيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، فلا دليل لمَنْ يدعون من الكهنة والعرافين أن ما عندهم إنما أوصلته الجن إليهم. لذا أصبح الارتباط بالجن بنظر الفقهاء حرام. ولعل هذا ما جعل بعض المختصّين يقولون: إن الارتباط بالجن في ظل ظروف ما بعد البعثة إنما يجلب الإرهاق النفسي والتعب الروحي، ويجعل الجن يتلاعب بروح وعقل الآدمي، حتّى يخرجه عن الصواب. وفي هذا الصدد كتب الشهيد مطهري يقول: «…إن مَنْ لهم معرفة بالجانب النفسي للإنسان يؤكدون أن الارتباط بالجن يفسد النفس ويضعف الروح، ولا تمنع تلك العلاقة الإنسان من الوصول إلى الكمال والرشد فحسب، بل تفسدها أيما فساد. فإذا كانت معاشرة الأشرار تؤثِّر على النفس سلباً فكيف بمعاشرة الجن؟! فهي تذهب العقل، وتلزم النفس بالكثير من الكدورات والرذائل، فتنحط النفس، وتؤول إلى الحضيض»([16]).

لكن القرآن لم يمنع الارتباط بالجن مطلقاً. فإذا كان الارتباط بحيث يعود بالنفع المعنوي على الطرف المقابل فلا مانع من هذا الارتباط، ولكن في حدود الانتفاع فقط. فقد حكى القرآن قصة النبي الأكرم| والجنّ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ (الأحقاف: 29)، و﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾ (الجن: 1). فالآيتان تتحدثان عن وقوع ارتباط، ولكن هل الارتباط كان مقصوداً أو أن الآيتين لا تشيران إلى وقوع أيّ ارتباط؟

الملاحظ أن هذه الآيات تحدثت عن استماع الجن للنبي الأكرم| وهو يتلو القرآن، ولم تشِرْ إلى أيّ نوع من الارتباط أو العلاقة. و هذا ما أشار إليه العلامة مطهري فقال: «انطلاقاً من هذه الآيات أصبح واضحاً أمامنا أسلوب التعامل مع الجن، من حيث إن القرآن قد تحدث عنهم، وذكر أنهم من ضمن المخلوقات التي تعيش معنا في عالم الوجود، إلا أنه لا يجب السعي وراء علاقة معه، فحتى حين أتوا واستمعوا إلى القرآن لم يكن ذلك من خلال ارتباط مباشر بشخص النبي الأكرم|. كما أن النبي لم يعقد أي اتصال أو علاقة مباشرة معهم بعد ذلك. وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى لم يشأ أن تكون هناك أية علاقة بين النبي الأكرم| وبين ذاك النفر من الجن، أو أن يكون بينهم أي أخذ وردّ في الكلام. ولا يجب الفهم من هذا أن الارتباط بالجن غير ممكن، ولكن الذي يجب فهمه هو أن الله المتعالي لم يُرِدْ هذا النوع من العلاقات. فقد استمعوا للقرآن، وقد كان النبي يتلوه كما كان شأنه دائماً وطوال حياته الشريفة، ومر ذاك النفر من الجن فسمعوا النبي|، وبعد أن أتم النبي تلاوته رحل الجن، وذهبوا إلى قومهم ينذرونهم ويبشرونهم بالقرآن والدين الجديد. ولهذا نجد القرآن قد استعمل ﴿قُلْ أُوحِيَ﴾. لقد أوحى الله إلى نبيه ما جرى، ولم يقل: «إنهم أتوا عندي، وقالوا:…»، بل إنهم أتوا، ثم ذهبوا. لقد انتهى حضورهم، وبعد ذلك أوحي إلى النبي بما كان»([17]).

وخلاصة القول: إن على المسلمين والمؤمنين بالقرآن، والسالكين طريقهم على نهج الرسول الأعظم| والأئمة الأطهار^، أن يكونوا حذرين إزاء كل الدعوات التي يطلقها مَنْ يقولون: إن لهم علاقة بالجن. فمثل هذه العلاقات حرام، ولا تستطيع أن تغيِّر من حال أصحابها شيئاً، بل تزيدهم رهقاً وحقارة. وإن تغيير الحال، والإتيان بالرزق، ودفع الضرر، واستشراف المستقبل، بيد الله، وقد عيَّن الله ورسوله والأئمة^ سبل الحصول على كل ذلك، من خلال الارتباط بالله، وإخلاص العبودية له، أما الجن والشياطين فإنما الشيطان عدو للإنسان فاتَّخذوه عدواً.

7ـ تصديق القافة ـــــــ

كانت العرب في عصر الجاهلية إذا وقع عندهم شك في نسب المولود الجديد أو الراشد لا يترددون في عرض مشكلتهم على القائف والقافة، وكان ما حكم به قول فصل لا رجعة عنه. وقد تم تعريف القائف والقيافة في كتب اللغة العربية. فالطريحي يقول: إن القائف: «هو الذي يعرف الآثار، ويلحق الولد بالوالد، والأخ بأخيه»([18]).

وكتب الشيخ الأنصاري: «القائف ـ كما عن الصحاح والقاموس والمصباح ـ هو الذي يعرف الآثار. وعن النهاية ومجمع البحرين زيادة أنه يعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه. وفي جامع المقاصد والمسالك ـ كما عن إيضاح النافع والميسية ـ هي (أي القيافة) إلحاق الناس بعضهم ببعض([19]).

و في لغات دهخدا الفارسية: «علم القيافة… هو العلم الذي يعتمد على النظر إلى الوجه وهيئة الشخص، وبعد ذلك ينظر إلى نحو أخلاقه، ليتم نسبته إلى أبيه أو عمه أو أخيه وقبيلته. ويعرف أيضاً بعلم الفراسة([20]).

وعلم القيافة نوعان: الأول: يكون بتتبع الأثر وهو ما يعرف عند العرب بالعيافة؛ والثاني: يكون بالنظر في البشرة وكيفيات الوجه وهيئة البدن، وهو ما يعرف بالقيافة. فإذا أطلقت القيافة أريد بها الثاني، دون الأول، استغراقاً.

فعلم القيافة هو العلم الذي يستدل بهيئة أعضاء البدن بالنسبة لشخصين ليعرف مدى علاقة النسب بينهما وقرابتهما، كما ينظرون إلى سائر أحوال الشخص ليتعرفوا على نسبه.

وقد اختصت بعلم القيافة قبيلة بني مدلج العربية. ولا توجد لهذا العلم قواعد علمية وطرق للتعلم؛ لأن هذا العلم إنما يقوم على الحدس والتخمين، وليس على قواعد برهانية. كما أنه لا يوجد أي كتاب اهتم بهذا العلم، ولم تُدوَّن طرقه المعرفية، بل لا يتمّ تعليمه أو تعلمه»([21]).

هل تعامل الإسلام مع القيافة واعتبرها علماً؟ هل قبل الإسلام بعلم القيافة في حل الاختلافات التي تقع في مسألة النسب، أو أنه ـ كما بالنسبة لباقي السلوكيات التي كان العمل بها في ما قبل الإسلام ـ انتقدها وأعلن موقفاً حاسماً منها؟

لعل الإسلام كان دقيقاً في معرفة الأنساب، وكانت طرقه تختلف كلياً عن تلك التي اعتمدها علم القيافة. و التعرُّف عليها مدرج ضمن كتب الفقه. فالشيخ الأنصاري كتب في الموضوع قائلاً: «القيافة: وهو حرام في الجملة. نسبه في الحدائق إلى الأصحاب، وفي الكفاية: لا أعرف له خلافاً. وعن المنتهى الإجماع…. والظاهر أنه مراد الكل، وإلا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي أو الظني بنسب شخص لا دليل على تحريمه. ولذا نهي في بعض الأخبار عن إتيان القائف، والأخذ بقوله. ففي المحكي عن الخصال: ما أحب أن تأتيهم([22]). وعن مجمع البحرين أن في الحديث: لا تأخذ بقول القائف»([23]).

بعد أن بين الشيخ الأنصاري أن العلماء لا يقولون بحرمة القيافة مطلقاً، وإنما تصبح حراماً إذا ترتبت عليها أحكام التحليل والتحريم، راح يدرج أقوال علماء السنة في القيافة، ويرد عليهم وفق مدرسة أهل البيت^: «نسب بعض السنة([24]) أن رسول الله| قضى بقول القافة. وقد أُنكر ذلك عليهم في أخبارنا، كما يشهد به ما في الكافي عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: والله، لقد نصر الله أبا الحسن الرضا×، فقال الحسن: إي والله، جعلت فداك، لقد بغى عليه إخوته، فقال علي بن جعفر: إي والله، ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك، كيف صنعتم فإني لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته، ونحن أيضاً: ما كان فينا إمام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا×: هو ابني، قالوا: فإن رسول الله| قضى بالقافة، فبيننا وبينك القافة… قال: ابعثوا أنتم إليهم، فأما أنا فلا، ولا تعلموهم فيما دعوتموهم إليه، ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤوا أقعدونا في البستان، واصطف عمومته وإخوته وأخواته، وأخذوا الرضا×، وألبسوه جبة من صوف وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل البستان كأنَّك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر×، فقالوا: ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له هاهنا أبٌ، ولكن هذا عمّه، وهذه عمّته، وإن يكن له هاهنا أبٌ فهو صاحب البستان، قال: قدماه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن× قالوا: هذا أبوه. قال علي بن جعفر: فقمتُ، فمصصتُ ريق أبي جعفر×، ثم قلت له: أشهد أنك إمامي…»([25]).

لقد أورد الشيخ الأنصاري هذه الرواية ليردّ على أهل السنة الذين ادعوا أن النبي| كان قد قضى بالقافة. فقد تبيَّن أن الإمام لم يكن ليطرح القافة لحل الخلاف المدعى عليه، وإنما طرحها غيره، ولم يكن ليستقبلهم في بيته، أو ليقبل قولهم، ولكن ترك الأمر لمن أنكر أن الجواد× ابنه والإمام من بعده. وبالإضافة إلى ما بينته الرواية فإن سندها ضعيفٌ، ضعَّفه معجم رجال الحديث، بل ليس هذا كلّ ما في الأمر فإن حبك أحداث القصة في هذه الرواية تنمّ عن سوء النظم، والاختلاط في طرح النقاط.

كان هذا موقف العلماء من القافة، وأنها حرام بظاهر الروايات، إلا أن للشيخ يوسف البحراني رأي آخر، فهو لم يرَ أن ظاهر الروايات ينم على حرمة القافة. فمثلاً: بالنسبة إلى الرواية التي رواها أبو بصير عن الإمام الصادق×: «مَنْ تَكَهَّن أو تُكُهِّن له فقد برئ من دين محمد|»، ليسأله بعد ذلك عن القيافة، فيجيب الإمام: «ما أحب أن تأتيهم».

يرى الشيح البحراني أنها ليست ظاهرة في الحرمة: «إن الحديث المذكور لا ظهور له في التحريم، كما علَّله الأصحاب». أما عن الرواية التي نقلها الكافي عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي، والتي تدور حول علي بن جعفر، والتي سقناها قبلُ، فهو يرى أن ظاهر هذا الخبر جوازها، والاعتماد عليها؛ لأمرين:

أما الأول فلأنهم لما دعوه إلى حكم القافة أجابهم إلى ذلك، ولو كان ذلك محرَّماً لا يجوز الاعتماد عليه لما أجابهم، بل منعهم، وقال: إنه محرم غير مشروع، ولا يجوز الاعتماد عليه في نفي ولا إثبات.

وأما الثاني فإنهم نقلوا أن رسول الله| قضى بالقافة، وظاهره أنه× أقر بالحديث، حيث لم يكذِّبه.

وأما قوله×: ابعثوا أنتم إليهم، وأما أنا فلا، فالظاهر أن المراد منه دفع التهمة عنه× بأنه ربما يكون إعلامه لهم بذلك قرينة لهم على إلحاقه به، كما يشعر به قوله: ولا تعلموهم لما دعوتموهم، لا أن المراد منه ما يتوهم من أنه لما لم يكن مشروعاً لم يرضَ× بأن يكون هو الداعي لهم. وبالجملة فإن ظاهر الخبر هو ما ذكرناه من جواز ذلك، وصحة الاعتماد عليه.

اللهم إلا أن يقال: إنه لما كان× يعلم أن القافة يلحقونه به، ويندفع بهم شبهة أعمامه وإخوته من إنكار كونه ابنه، رضي بذلك.

وفيه ما فيه؛ فإنه بالدلالة على ما ندعيه أنسب، وإلى ما ذكرناه أقرب، من أن القافة لا يقولون إلا حقّاً، ولا يحكمون إلا صدقاً.

و بالجملة فالدليل من الأخبار على التحريم غير ظاهر. وليس إلا ما يُدَّعى من الإجماع.

نعم، يمكن أن يقال: إن الحكم بإلحاق شخص بآخر، الموجب لترتب أحكام كثيرة، مثل: حل النظر، والميراث، وتحريم المناكحة، ونحو ذلك، يحتاج إلى دليل شرعي قاطع، والخبر المذكور لا دلالة فيه على وجوه توجب ذلك مطلقاً، والله أعلم»([26]).

مما سبق يتبين أن علم القيافة أو الفراسة ليس من العلوم التي اعترف بها الإسلام، أو سكت عنها. ونحن نلاحظ أن فقهاءنا اليوم يقرون بنتائج التحاليل المخبرية التي يجريها الأطباء والمختصون، والتي يتم بها إلحاق الأشخاص بآبائهم وأمهاتهم، من خلال تحليل الجينات، وقبلوا بها من منطلق العلمية، ولكن حين كانت هذه العلوم غير مطمأنّ إلى نتائجها، وكانت لا تزال مجرد تجربة، كان موقف العلماء عدم الاطمئنان، وبالتالي عدم الاعتبار، والاستناد إليها كان محط نقاش، بحيث لم يقبل بها الكثير من العلماء، وردّوها ردّاً علمياً.

 

8ـ ذبيحة الجن أو الوشم بالدم ـــــــ

لقد ساد في العصر الجاهلي عادات ومعتقدات لا تمت إلى العقلنة بصلة. وإنما تبين في حقيقتها بساطة التفكير وسذاجة الأسس التي أقيمت عليها، وخصوصاً أنها كانت تقوم على طلب الحماية والعون من مخلوقات ما ورائية، أو من مرئية مادية، ممّا جعل الإسلام يقف منها موقفاً صريحاً، حيث قام بردّها، واعتبر الاعتقاد والإيمان بها وبآثارها خروجاً عن الدين، وكفراً بالله، وجعل الشريك له في الألوهية.

وكان من بين تلك العادات ما عرف بذبيحة الجن. فقد كان عرب الجاهلية إذا تم لهم حادث سعيد، كأن يشتروا بيتاً أو يجروا عيناً…، ولدفع العين عن كل ذلك، كانوا يقدِّمون قرباناً، فيذبحون كبشاً ونحوه، ويقدمونها قرباناً إلى الجنّ، التي تتولى حمايتهم من العين، ومن كلّ مكروه. لكن رسول الإسلام| قد نهى نهياً شديداً عن مثل هذه الاعتقادات: «نهى عن ذبائح الجن، وهو أن يشتري الرجل الدار أو يستخرج العين وما أشبه ذلك، فيذبح له ذبيحة؛ للطيرة، مخافة إن لم يفعل أن يصيبه شيء من الجن، فأبطل ذلك النبي، ونهى عنه»([27]).

خمدت هذه العادات لفترة من الزمن، وسرعان ما أُعيد إحياؤها لظروف سياسية ونحوها، فأخذت تظهر بين المسلمين في أماكن شتى وفي عدة مناسبات. فعند تزويج الولد أو البنت واتخاذ الصهر يقوم الأهل بذبح ما تيسر لهم. وكلما كانت الذبيحة عظيمة كانت أقدر على دفع البلاء وإبعاد الشرور. وحين يأتي مولود جديد للعائلة تذبح له الذبائح، ولابد من سفك الدم لمقدمه، ومقدم المسافر والغائب…

فإذا كان القصد من هذه الذبائح هو إشراك الفقراء والمحتاجين في الأفراح، والتوسعة عليهم، أي من باب الصدقة، فإنها عمل محمود، يستحقّ أن يُشاد به، ويُدعى إلى الإكثار منه؛ لأنه وجهٌ من التكافل الذي أمر به الإسلام. لكنْ نرى أن أغلب مَنْ يقومون بهذه الأعمال يعمدون إلى وضع بعض العلامات التي يرسمونها بدم تلك القرابين. فحتى العقيقة، التي هي من السنن التي أكّد عليها النبي الأكرم| والأئمة الأطهار^، أصبح البعض يأخذون دم الذبيحة، ويلطخون به رأس المولود، وهو عمل يحمل في كل إيحاءاته الشرك. وقد نهى النبي| عن هذه الخرافات، وقال: إنها كفر. وكذلك قال الأئمة المعصومون^، حيث اعتبروها خروجاً عن عقيدة التوحيد، وإقراراً بالشرك. ومن الروايات التي أتى فيها النهي عن ذبيحة الجن، ووضع العلامات بالدم:

1ـ عن معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق× أنه قال: «عقت فاطمة عن ابنيها، وحلقت رأسيهما في اليوم السابع، وتصدقت بوزن الشعر ورقاً. وقال: كان ناس يلطخون رأس الصبي في دم العقيقة، وكان أبي يقول: ذلك شرك»([28]).

2ـ عن عاصم الكوزي يقول: إنه سأل الإمام الصادق×: «أيؤخذ الدم فيلطخ به رأس الصبي؟ فقال: ذاك شرك، فقلت: سبحان الله، شرك؟! فقال: لو لم يكن شركاً فإنه كان يعمل في الجاهلية ونهي عنه في الإسلام»([29]).

 

9ـ تغطية الطفل بملابس حديديةـــــــ

العجيب أن الإنسان كلما ابتعد عن تعلم الدين من مصادره الأساسية، واكتفى بتقليد الآباء والأفراد، من دون إعمال الفكر والعقل، كلما كانت نفسه أكثر طاعة لوساوس الشيطان، وأكثر قدرة على خلق معتقدات خرافية تجره إلى أسفل السافلين، وتبعده عن الفطرة السليمة التي يؤيدها العقل السليم، ويباركها. فالإسلام إنما جاء ليحرر النفوس والعقول من أغلال الجاهلية، التي لا تكمن فقط في عبادة اللات والعزى، وإنما كل السلوكيات التي تحمل في ذاتها عبودية لما سوى الله، واعتقاداً بما سوى قدرته وقوته، هي من صنع الجاهلية. فالجاهلية لا ترتبط بعصر أو بمكان أو بقوم، إنما هي مرتبطة بالأفكار والسلوكيات.

لقد نهى الإسلام عن الاعتقاد بأن إلباس المولود والصبي لباساً من حديد، أو وضع شيء من الحديد معه، قادر على أن يحميه من السوء، ويجعل الشر مستبعداً عنه. فكلُّها أفكار لا واقعية لها، ولا يحكمها منطق العقل، ولا الفطرة السليمة. وفي رواية عن الإمام الصادق×، عن أبيه الإمام محمد الباقر×: «إن علياً× رأى صبياً تحت رأسه موسى من حديد، فأخذها، وفومن بها (رمى بها بعيداً)، وكان يكره أن يلبس الصبي شيئاً من الحديد»([30]).

 

10ـ وضع شيء من الحديد مع الميت ـــــــ

عندما يفسح المجال للأفكار الخرافية؛ لتكون المرجع لكل أعمالنا وخطواتنا، فإنها لن تتوقف في خرافة أو اثنين، بل ستشدّ بالإنسان الرحال إلى سفر لن يكون قصيراً أبداً، يطلع عليه كل يوم بلون من الخرافات، لتمسي عليه بأخرى، وليجد في نفسه مسوغات القبول والرضا.

فالإنسان الذي يجعل الخرافة مشرعاً له في حياته لا يتعب نفسه أبداً في عرض معتقداته وأفكاره على كتاب الله وسنة نبيه| وسيرة الأئمة الأطهار، وهو يكون في غفلة تصحبه إلى القبر، حيث يتحسَّس الحسرة والندامة، ولا ندامة بعدها.

لقد كثرت الخرافات والتي لو أعمل القليل من العقل فيها لتبينت تفاهتها، فما الجدوى من وضع الحديد تحت الميت أو مع الميت؟ كيف له أن يحفظ باقي أفراد العائلة من الموت، والموت كتابٌ مفروضٌ؟ وكيف له أن يؤثِّر على حساب الميت بعد أن انقضى عمله من الدنيا، وأصبح في دار الحساب؟ وقد قال المحقق الحلي في «شرائع الإسلام»: ويكره أن يطرح على بطنه حديد»([31]). بل لقد ادعى فقهاء الشيعة الإجماع على حرمتها. وقد نسب الشيخ المفيد هذا الفعل إلى العامة، وأنها جزء من معتقداتهم([32]).

كل ما أدرجناه من الخرافات في هذه المقالة مجرد نموذج، وإلا فإنها من الكثرة التي يعجز أيّ مكتوب عن حصرها وعدّها.

والملاحظ في كل تداعيات الخرافات أن سببها الأول والأخير الابتعاد عن المنبع الأصيل للإسلام، واتّباع الهوى، وقد ضل من اتبع هواه ضلالاً بعيداً. فالإسلام إنما جاء لهداية الناس، وتحريرهم من الإصر الذي يكبل عقولهم وقلوبهم. فالمطلوب من الإنسان أن يسلك مدارج الكمال الذي يرفع من قدر النفس الإنسانية، ويلحقها بمراتب العلو، بينما الخرافات تعمل على الإطاحة بالنفس الإنسانية، والسقوط بها نحو الحضيض والسفلية، لتركن إلى المادة، وتبقى بعيدة عن معشوقها الأبدي: العتق؛ والحرية، ولا حرية إلا في ظل الاعتقاد بقدرة الله وقوته، وأنه الوحيد الذي يدفع الضر ويجلب الخير، أما ما دونه فهو فقير في أن يدفع الضر عن نفسه، وفاقد الشيء لا يعطيه.

الهوامش:

(*) باحث وأستاذ في الحوزة العلمية.

([1]) مطهري، معرفة القرآن 25: 409.

([2]) مجموعة آثار الشهيد مطهري 25: 409.

([3]) أشار مصحح كتاب تحف العقول في هامش الصفحة فقال: «لم نظفر في أحد المعاجم بمن سمي بهذا الاسم من أصحاب أبي الحسن العسكري×. ولعله الحسن بن سعيد الأهوازي، من أصحاب الرضا× والجواد× وأبي الحسن العسكري×، وهو الذي أوصل علي بن مهزيار وإسحاق بن إبراهيم الحضني إلى الرضا×، حتى جرت الخدمة على يديهما. كان ثقة، هو وأخوه الحسين، وله كتب. أصله كوفي، وانتقل مع أخيه إلى الأهواز، وكانا أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه والآثار والمناقب (تحف العقول: 482، الهامش).

([4]) ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول: 482 ـ 483، تصحيح وتعليق: علي أكبر غفاري، انتشارات إسلامي المرتبطة بجامعة مدرسين، قم.

([5]) مجموعة آثار الشهيد مطهري 25: 407.

([6]) الجامع الصغير: 13.

([7]) صبحي الصالح، نهج البلاغة، الخطبة رقم 79، ترجمة: د. سيد جعفر شهيدي.

([8]) مجموعة آثار الشهيد مطهري 25: 408.

([9]) وسائل الشيعة 8: 269، دار إحياء التراث.

([10]) غلام حسين مصاحب، دائرة المعارف الفارسية 2: 2328.

([11]) المصدر نفسه: 2168 ـ 2169.

([12]) الصدوق، من لا يحضره الفقيه 4: 3، دار التعارف، بيروت.

([13]) السرائر 3: 593، انتشارات إسلامي.

([14]) مطهري، معرفة القرآن (فارسي) 9: 198، صدرا.

([15]) المصدر نفسه: 200 ـ 201.

([16]) المصدر نفسه: 404.

([17]) معرفة القرآن 9: 205.

([18]) الطريحي، مجمع البحرين، مادة قوف.

([19]) الأنصاري، المكاسب المحرمة 4: 119 ـ 150، تحقيق وتعليق: السيد محمد كلانتر.

([20]) انظر: غياث اللغات.

([21]) قاموس لغات دهخدا 12: 17832، تحت نظر: السيد جعفر شهيدي، مؤسسة قاموس لغات دهخدا.

([22]) وسائل الشيعة 2: 108، باب 26 من أبواب ما يكتسب به، ح2، ومتن الحديث كالتالي: «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله× قال: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد|، قال: قلتُ: فالقيافة؟ قال: ما أحب أن تأتيهم، وقلّما يقولون شيئاً إلا كان قريباً مما يقولون، وقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس».

([23]) المكاسب 4: 149 ـ 151. وكان متن الحديث الذي استشهد به الطريحي في مجمع البحرين: «عن أبي جعفر×: كان أميرالمؤمنين× يقول: لا تأخذ بقول عراف، ولا قائف، ولا لص، ولا أقبل شهادة فاسق، إلا عن نفسه».

([24]) صحيح البخاري 8: كتاب الفرائض، باب القائف. ومتن الحديث هو: «عن عائشة قالت: إن رسول الله| دخل على مسرور تبرق أسارير وجه، فقال: ألم ترَ أن مجززاً نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض».

أما لماذا كان النبي الأكرم| مسروراً؟ فلكون الناس كانوا يشكون في نسب أسامة لزيد؛ لأن أسامة كان أبيض البشرة، بينما زيد أسمر، ولما أتى القافة، وألحقوا أسامة بزيد، كان ذلك مبعث سرور النبي|. وهذا كلام لا يمكن قبوله من عدة وجوه: إن النبي الأكرم| لم يشك قطعاً في نسب زيد لأسامة، والشك في مقام النبوة غير وارد على الإطلاق، فمن منطلق النبوة لم يكن النبي| في حاجة لحكم القافة، وهذا الكلام لو صدر من حديث معرفة بالإسلام لكان له وجه من التسامح».

([25]) المكاسب 4: 151 ـ 156.

([26]) يوسف البحراني، الحدائق الناضرة 11: 508، انتشارات إسلامي جامعة مدرسين، قم.

([27]) وسائل الشيعة 11: 507.

([28]) الكليني، الكافي 6: 33، ح2، دار التعارف، بيروت.

([29]) المصدر نفسه.

([30]) قرب الإسناد: 66، وسائل الشيعة 24: 430، مؤسسة آل البيت^.

([31]) الخلاف 1: 691.

([32]) الوجيز: 72.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً