أحدث المقالات




قاسم قصير
 
 

تجاوز المرجع السيد محمد حسين فضل الله الوعكة الصحية التي ألمّت به قبل نحو شهرين، وعاد إلى مواصلة مسيرته السياسية والفكرية ضمن الحدود التي تسمح بها أوضاعه المرجعية والذاتية، وعاد «السيد» لصدم الساحة الإسلامية الفكرية من خلال سلسلة الفتاوى والمواقف التي يطلقها في اطار تجديد الفكر والفقه الاسلاميين، وكذلك عبر متابعته الحثيثة للأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة والعالم، سواء من خلال لقاءاته مع الوفود الزائرة، أو الاطلاع على مختلف التطورات واصدار الموقف الإسلامي فيها.

ومن خلال المشاركة في بعض اللقاءات التي عقدها «السيد» مع وفود عربية وإسلامية وإعلامية، يمكن وضع بعض الملامح لرؤيته السياسية والإسلامية في هذه المرحلة.

فـ «السيد» لا يرى احتمال حصول حرب في المنطقة في الأفق المنظور، لأن الأميركيين والاسرائيليين غير قادرين على شنّ حرب على قوى المقاومة من حركات أو دول، وهو يعتبر أن الأوضاع تمر حالياً في مرحلة جمود في ظل فشل عملية التسوية وعدم قدرة الأطراف الأساسية على حسم الصراع. وأما على صعيد الوضع اللبناني، فهو لا يزال غارقاً في التفاصيل الانتخابية البلدية والاختيارية والسجالات السقيمة من دون التوصل الى قرار واضح بقيام الدولة، ولبنان كـ«المركب الذي يسبح في الماء دون أي تقدم» حسبما يقول «السيد».

فماذا في تفاصيل الاهتمامات الفكرية والسياسية للسيد فضل الله؟ وكيف ينظر الى مستقبل الواقع الإسلامي في المرحلة المقبلة؟

 
الرؤية الفكرية

على صعيد الرؤية الفكرية للمرجع السيد محمد حسين فضل الله، فإنها تتلخص بضرورة اعتماد «منطق صدم الواقع» والانطلاق نحو أفق التجديد الفكري والفقهي.

فـ«السيد» يعتبر أن الواقع الإسلامي يحتاج اليوم اكثر مما مضى الى «اسلوب الصدمات» من اجل مراجعة كل الأفكار والموروثات السابقة التي عرقلت التقدم الإسلامي، وأن مسألة الوحدة الإسلامية تتقدم على ما عداها من أولويات مع الاهتمام بالوحدة الوطنية والحوار الإسلامي – المسيحي. لكن على الاسلاميين (حسب السيد) «ان يعملوا من اجل القيام بمشاريع وحدوية حقيقية، سواء على الصعد الفكرية او السياسية او الاقتصادية، لانه لم يعد من الجائز الاستمرار بمنطق التفرقة والخلاف». وفي هذا الإطار عمد «السيد» مؤخراً الى اصدار سلسلة دراسات فقهية وفكرية حول بعض القضايا الأساسية، ومنها «مسألة الولاية التكوينية» (التي يؤمن بها فريق من الشيعة وهي تخالف المنطق الإسلامي حسبما يقول السيد).

كما رعى «السيد» اطلاق مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر التي عمدت خلال السنتين الماضيتين الى اقامة سلسلة من المؤتمرات الفكرية عن «الوحدة الإسلامية» و«عاشوراء» و«الأزمة المالية العالمية» و«علاقة الفلك والفقه» وذلك في اطار تجديد الفكر الإسلامي وتقديم رؤى جديدة في علاقة الفقه بالواقع. ويحرص «السيد» على متابعة كل التفاصيل على صعيد المؤتمرات التي تعقد وأهم ما تتوصل اليه من توصيات ونتائج من أجل تطبيقها وتحويلها الي مشاريع عمل وعدم الاكتفاء باصدارها ضمن كتب أو بحوث فكرية، فالهم الأساسي عند «السيد» تطوير وتجديد الواقع الاسلامي نحو الأفضل.

 
الأوضاع السياسية

لكن كيف ينظر «السيد» الى التطورات السياسية في لبنان والمنطقة؟

بداية، يرى «السيد» ان لا حرب في المنطقة في الأفق المنظور، لأن الأميركيين والاسرائيليين غير قادرين على شنّ حرب على ايران أو سوريا أو حزب الله أو حماس، وان أي حرب ستندلع ستؤدي الى اشعال المنطقة، وهذا ليس لمصلحة الاميركيين حالياً لأنهم مشغولون بأفغانستان والعراق وعملية التسوية، والحرب ستؤدي الى افشال مشاريعهم.

وبالنسبة الى الوضع العراقي، يدعو «السيد» إلى مراقبة التطورات السياسية والأمنية في العراق بعد الانتخابات ومدى قدرة المسؤولين العراقيين على التوصل الى تسوية سياسية تسمح باستقرار الأوضاع، مع ان «السيد» يؤكد أن الحرب المذهبية في العراق قد تراجعت وأن ما يجري هو صراع سياسي على المواقع والمناصب، ويؤكد «السيد» ضرورة اشراك جميع المكونات السياسية الأساسية في أية حكومة مقبلة.

وفي ما يتعلق بالوضع اللبناني، يتحدث «السيد» بمرارة عن لبنان بسبب الجمود الذي يعانيه البلد وانشغال المسؤولين فيه بالقضايا التفصيلية بدل العمل من أجل بناء الدولة ومواجهة المشكلات الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية.

أما الهم الأساسي الذي يركّز عليه سماحته، فيتعلق بالواقع الإسلامي والوحدة الاسلامية. فـ«السيد» يرى ان على الإسلاميين والحركات الاسلامية العمل من اجل تجاوز الخلافات والتعاون في ما بينهم لإقامة مشاريع وحدوية مشتركة وعدم الغرق في الخلافات السياسية، ويدعو «السيد» كذلك الى دعم المشروعات العملية لتوحيد الأمة كالمشروع الذي ترعاه بعض الجهات الاقتصادية لإزالة «التأشيرات» بين الدول العربية والإسلامية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه الدول على غرار ما يجري بين تركيا وسوريا والأردن ولبنان وايران والعراق.

والاهتمام بالجانب الإسلامي لا يمنع «السيد» من تأكيد استمرار «الحوار الاسلامي – المسيحي» وادانة كل اشكال العنف والإرهاب التي تستهدف المدنيين في أي بلد، فالسيد يرى ان على الاسلاميين تقديم افضل نموذج للعمل الاسلامي، سواء على المستوى السياسي او الجهادي او الحركي، وهذه مهمة كل الحركات والقوى الإسلامية، سواء في لبنان او المنطقة.




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً