أحدث المقالات
 
تمضي الأمّةُ قُدُماً في اجتثاثِ ما سُمِّيَ «إسرائيل»، وتضييق الحصار على أميركا في المنطقة لِتثبيتِ تراخي قبضتِها، تمهيداً لطَردِها كما طَردتْ -بالأمس- بريطانيا، والغزاةَ الصّليبيّين.

تواصلُ الأمّةُ بخطًى ثابتةٍ عمليّةَ دفن «سايكس – بيكو» و«وعْد بلفور». ﴿..أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ﴾؟ هود:81.

ولَّى زمنُ قيادة «غلوب باشا» للمجاهدين. انكشفَ زَيفُ الحكّام النّواطير، وزيفُ الإستراتيجيّة العربيّة الواحدة. ثبتَ للقَاصي قبلَ الدّاني أنّ العينَ تقتلعُ حاملَ المِخرَز، وأنّ الدّمَ ينتصرُ على السّيف.

ما بين (فجر5) في العدِّ التّنازليّ، وبين طلوع الفَجر، وتنفُّسِ الصّبح وإشراقةِ الشّمس إلّا غمضةُ عينٍ في عمر الشّعوب.

الأمّةُ بخير. في دروب ﴿..جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ﴾ النصر:1. عليها أن تحذرَ من خطرَين: الغزو الثّقافيّ الجديد، و«خوارج العصر»، «المارقين من الدِّين كما يمرقُ السَّهمُ من الرّمية» كما عبّرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله.

***
 

منذ اجتياح «الحلفاء» معاقلَ الأمّة، وقبلَ تمزيق الوطن، تبدّى بجلاء أنّ العملَ الأمنيَّ قد مهّدَ للغزو الثّقافيّ، وأنّ الغزو الثّقافيّ من العمل العسكريّ، كالقصفِ الجوّي، والمدفعيّ بالنّسبة إلى تقدُّمِ الجيوش والاحتلال، وإحكامِ السّيطرة.

والسؤال: أيّ ضراوةِ غزوٍ ثقافيّ ستعتمدُه أميركا في هذه المرحلة، وهي تملكُ من حصيلةِ عملها الأمنيّ المتمادي خبرةً بهذه المنطقة، ربّما لا تُدانيها خبرةٌ على الإطلاق. كما أنّها تدركُ أنّ جهودَها العسكريّة هباء، أي أنّ عليها أن تعوِّضَ بالغزو الثقافيّ الجديد عن العملِ العسكريّ.

بِيُسرٍ، يُمكن الجزمُ بأنّ الثورةَ المضادّةَ التي بدأَها الغزو الثّقافيُّ الجديد، مُركَّبَة. شديدةُ التّعقيد، بالغةُ التّمويه.

بيُسرٍ كذلك، يُمكن الجزمُ بأنّ الأمّة أقدرُ منها بالأمس على اكتشافِ تعقيداتِ هذه الثّورة المضادّة.

ينتجُ من اليُسرَين، أوّلاً: أنّ جوهرَ الصّراع في هذه المرحلة -كغيرها- ثقافيٌّ بامتياز. وثانياً: أنّ خياراتِ أميركا في غزوها الثّقافيِّ الجديد متحرّكةٌ كألوانِ «الحرباء».

***

على مستوى الأهداف: ما أمكنَ رصدُه حتّى الآن أنّ الغزو الثّقافيّ الجديد يستهدفُ أُسسَ قوّة الأمّة التي تُمكِّنها من مواصلة الجهاد ضدَّ أعدائها. هذه الأُسُس هي:

1- حبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله

2- حبّ أهل البيت عليهم السلام

3- حبّ الإمام الحسين عليه السلام ونهج الجهاد والمقاومة.

4- مبدأ أنّ تحريرَ فلسطين هو أولويّةُ الأمّة والأحرار في العالم.

5- «خطّ» الإمام الخميني الفكري ونهجه، واستهداف شخص الإمام الخامنئي في هذا السّياق.

6- تعاطف الأمّة مع المقاومين واحتضانها لهم، وتمدّدهم المعنويّ العالميّ.

 

وفي مجال الأساليب: ما أمكنَ رصدُه حتّى الآن من ألوان «حرباء» الغزو الثّقافي الجديد، هو التالي:

1- اعتماد ثلاثة خطوط في الإساءة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله: * الأول: التّأليف، والرّسوم والأفلام المسيئة، وحرق نُسَخٍ من القرآن الكريم. * الثاني: مواصلة اعتماد الوهّابيّة «السّعوديّة». * الثالث: تقوية الوهّابيّة المقنَّعة لِتنشطَ باسمِ محاربة الغُلوّ، والعقلانيّة، والوسطيّة المدّعاتَين. وفي هذا السّياق تندرجُ مفرداتُ محاربةِ «التّوسّل»، والكثير من الأدعية و«الزّيارات»، ورواياتِ الثّوابِ الكثير على عملٍ قليل، وكلّ ما لا ينسجمُ مع «روح العصر»! وصولاً إلى محاربة كلِّ المغيّبات التي لم ترِد في القرآن الكريم، أمّا ما وردَ فيه فَلِأَنّ مواجهتَه تكشفُ أصحابَها؛ لذلك كان السّكوتُ عنه «ينسجمُ مع روح العصر».

2- إطلاق الوحش التّكفيري من القُمقم، وأَمْر الحكّامِ الدُّمى بتمويلِ التّكفيريّين لتخدمَ أعمالُهم عدّةَ أهدافٍ استعماريّةٍ في آنٍ واحد: الإساءة إلى الرّسول صلّى الله عليه وآله من خلال الصّورة المتخلِّفة التي يقدّمها التّكفيريّون عن الإسلام، ومحاربة حبّ أهل البيت، وكربلاء الإمام الحسين، بالتّركيز على آلِ أبي سفيان، خلافاً للسُّنّة والشّيعة. ومحاربة خطّ الإمام الخميني، والإمام الخامنئي، واستدراج المقاومين إلى صراعاتٍ هامشيّةٍ شَرِسَة.

3- النّفخ في مفهوم «الوطن» و«المواطنة» لفصلِ كلِّ قُطْرٍ عن غيره وعن «فلسطين» بالخصوص. ما صدرَ في تونس قبلَ محاولةِ التّراجعِ عنه، وفي مصر، خطيرٌ جدّاً. أن تكونَ الأولويّةُ لوطنٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ ما على حساب فلسطين، يعني التّخلّي عن القضيّة المركزيّة الأولى للأمّة.

ما يجري في لبنان من المطالبة بنزعِ سلاح المقاومة بحجّةِ حماية الوطن، برهانٌ قاطعٌ على أنّ روحَ «الرّبيع العربيّ» إسرائيليّة!! الآن حَصْحَصَ الحقُّ وثبتَ أنّ لبنان بلد العجائب!

4- تضاعفت مخاطرُ مناهجِ التّربية والتّعليم. عدم إقامة الصّلاة في أكثر المدارس الإسلاميّة حتّى الآن علامةٌ سلبيّةٌ فارقة.

5- هدْم الأُسرَة تحت شعار نشر التّحرُّر والديمقراطيّة. قبل سنين أصدرتْ مؤسّسة «راند» التي تَرْأَسُها زوجةُ الدّبلوماسيّ الأميركي «زَلْماي خليل زاده» دراسةً باسم «الإسلام الدّيمقراطيّ». تنتشرُ كالفِطر مراكزُ «الإرشاد الأُسَريّ» التي تتلخّصُ مهمّتُها باستبدالِ ثقافة الأُسْرة المسلمة بالثّقافة الغربيّة.

6- بُرقع «التّخصّص» في مجالات العلوم الإنسانيّة، والأبرز: علم الإدارة، وعلم النَّفْس، ولدى مراجعة أشهرِ كُتُبٍ يتمُّ اعتمادُها في مجال علم الإدارة (العادة السّابعة، والعادة الثّامنة لستيفن كوفي) تجدها متمحّضةً في «إدارة الذّات» أو «قيادة الذّات» وهي من علم النّفس. الهدف منه حُسن إدراة النّفس.

والسؤال المحيّر: إنْ لم يأخذ المسلمُ بناءَ الأُسرة، و«علم النّفس» و«قيادة الذّات» من الإسلام فماذا يأخذُ منه؟!

سؤالٌ، برسمِ «الشّريعتيّين الجُدُد»، الذين يقاربون المفاهيمَ الإسلاميّةَ بغيرِ منهجِ الإستنباطِ التّخصّصيّ، فيُعزِّزون -عن حُسْن نيّة- «لبس الفَرْوِ مقلوباً» كما يريدُ الغزو الثّقافيّ الجديد!

 
 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً