أحدث المقالات




لشهيد الصدر في تفسيره الموضوعي يوحد بين التجربة البشرية والقرآن الكريم

طهران ـ ايكنا: أكد "الشيخ ياسر قطيش" بان يسمى الشهيد السيد محمد باقرالصدر منهجه الموضوعي في تفسير القرآن الكريم بالمنهج التوحيدي، باعتبارأنه يوحد بين التجربة البشرية والقرآن الكريم لا بمعنى أنه يحمل التجربةالبشرية على القرآن، بل بمعنى أنه يوحد بينهما في سياق واحد لكي يستخرجنتيجة هذا السياق، المفهوم القرآني الذي يمكن أن يحدد موقف الإسلام تجاههذه التجربة أو المقولة الفكرية.

وتطرق "الشيخ ياسر قطيش " الباحث اللبناني والمدرس في الحوزة العلمية فيقم المقدسة، والعضو في لجنة المناهج و البحوث في جامعة آل‌البيتالعالمية(ع)، والعضو في هيئة تحرير مجلة «أصول» خلال حوار خاص مع وكالةالأنباء القرآنية العالمية(IQNA) إلي تطور أساليب تفسير القرآن الكريم منبداية النزول الى عصرنا الحاضر وتاريخ التفسير الموضوعي ورؤية آية اللهالعظمي الشهيد السيد محمد باقر الصدر بالنسبة إلي التفسير الموضوعي للقرآنالكريم ودليل رغبته إلي هذا النوع من التفسير، إليكم القسم الأول من نصهذا الحوار:

من فضلك تقضل بنبذة عن تطور أساليب تفسير قرآن الكريم من بداية النزول حتی الآن؟

لا بأس قبل الدخول في بيان تطور أساليب التفسير بأن نلقي الضوء على أمرين: أـ معنى التفسير، ب ـ الفرق بين المنهج والاتجاه التفسيري، أما الأمرالأول فينظر إليه من الناحية اللغوية تارة ومن الناحية الاصطلاحية أخرى،التفسير لغة: ذكر ابنا فارس ومنظور( في مقاييس اللغة ولسان العرب) بأنلفظة التفسير في الأصل تدل على بيان الشيء وإيضاحه، ومن ذلك الفسر الذي هوكشف المغطى والتفسير مثله، واستفسرت أي فسره لي وذهب "الزركشي" في البرهانإلى أن التفسير بمعنى كشف المغلق من المراد بلفظه وإطلاق للمحتبس عنالفهم، إذن التفسير ـ لغة ـ بمعنى الكشف والبيان والإيضاح.

التفسير اصطلاحاً: وردت لمعنى التفسير في الاصطلاح عدة أقوال: أـ إنه كشفمعاني القرآن وبيان مراده كما عن السيوطي في الإتقان، ب ـ هو الكلام فيأسباب نزول الآية وشأنها وقصتها كما يراه الإمام البغوي في معالم التنزيل،ج ـ وقد عرفه الزركشي بأنه العلم الذي يعرف به فهم كتاب الله المنزل علىنبيه الكريم(ص) وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه واستمداد ذلك من علماللغة والنحو والصرف وعلم البلاغة وأصول الفقه والقراءات ويحتاج أيضاًلمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، د ـ وعرفه العلامة الطباطبائي(قده) في مقدمة الميزان بأنه بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدهاومداليلها.

من الملاحظ ورود كلمة(التأويل) إلى جنب كلمة(التفسير) في مجمل بحوث القرآنالكريم وآراء المفسرين والدارسين، واختلف في المراد من كلمة(التأويل) فيكلمات المتأخرين، بينما أراد القدامى منها معنيين: أحدهما: أنه مرادفللتفسير، فكل تفسير تأويل وبالعكس فالنسبة بينهما التساوي، ثانيها: أنالمراد بالتأويل نفس المراد بالكلام فإن كان الكلام طلباً فتأويله نفسالفعل المطلوب، وإن كان خبراً فتأويله نفس الشيء المخبر به.

أما عند المتأخرين فقد اختلفت كلماتهم في تفسيره على أقوال، إلا أنالاتجاه العام لديهم يميل إلى كون المراد بالتأويل معنى مخالفاً للتفسير،فالتأويل صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به،أو هو صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتمله الآية غيرمخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط..

الشهيد الصدر(قده) يرى أن المقصود بالتأويل معنى مغاير للتفسير- كما عليهالمتأخرون – غير أنه(قده) يعطيه معنى آخر يتناسب والآيات القرآنية وهو أنيكون المراد بتأويل الشيء هو ما يؤول وينتهي إليه في الخارج والحقيقة، كماتدل عليه مادة الكلمة نفسها.

أما الأمر الثاني فقد يقع الخلط بين كلمة(المنهج) وكلمة(الاتجاه) فيُعتقدبأنهما بمعنى واحد، وهذا مجرد توهم غير صحيح؛ فالمقصود بالمناهج التفسيريةوإن عرف بتعاريف عدة – مجموعة من الأفكار التي يصوغها المفسر لكتاب اللهتعالى ويُعنى بتطبيقها، كما ويلتزم بإبرازها في تفسيره كي تكون قواعديستند إليها المفسر فيما يتبناه من اختيارات وما يقتنع به من ترجيحاتلآراء من سبقه من المفسرين، فهو الأداة والوسيلة التي يعتمدها لبيان معانيالآيات والكشف عن مداليلها.

بينما الاتجاه يراد به تأثير الاعتقادات الدينية، الكلامية، الاتجاهاتالعصرية وأساليب كتابة التفسير والتي تتكون على أساس عقائد واحتياجات وذوقوتخصص المفسر. أو فقل: هو مجموعة الخصائص أو السمات العامة التي تميز بهامفسرو القرآن عن بعضهم أو هي السبل التي يسلكها المفسرون لغرض الوصول إلىتفسير كتاب الله المجيد، إذن الاتجاه لا يرادف المنهج، بل بينهما فرق،فالبحث عن المناهج بحث عن الطريقة والأسلوب، والبحث في الاتجاهات بحث عنالأغراض والأهداف التي يتوخاها المفسر، نعود إلى أصل الكلام، وهو تطورأساليب التفسير، فنقول:من المعلوم أن القرآن نزل بأروع البيان وأجزل خطاب،وقد حظي بفهم إجمالي من معاصري الوحي خلافاً لدعوى "ابن خلدون" في تاريخه،إلا أن ثمة مسائل في القرآن الكريم يستعصي على الذهن الاعتيادي فهمهاوتحديد مدلولها والمقصود منها، ولذا فهي تحتاج إلى التفسير والبيان وكشفالقناع عنها.

وصرح الشيخ ياسر قطيش: من هنا مارس رسول الله(ص) مهمة التفسير لكتاب اللهالمنزل عليه منذ نزوله؛ حيث كان(ص) مأموراً بالتبليغ والدعوة وتبيين مرادالله في كتابه العزيز، فقام(ص) بتبيين مجمله وتوضيح المبهم فيه مع تخصيصهلعامه وتقييده لمطلقه، فضلاً عن إجابته لمن سأله من الصحابة الذين يلجأونإليه(ص) ليوضح لهم ما يغمض عليهم من الكتاب.

على هذا فالنبي الأكرم(ص) – بلا خلاف بين المفسرين – هو المفسر الأوللكتاب الله تعالى من خلال اعتماده على القرآن نفسه( تفسير القرآنبالقرآن)؛ إذ القرآن يفسر بعضه بعضاً، ومن خلال ما أوحي إليه وألهم به،ومن هنا نشأت طريقة تفسير القرآن بالقرآن. وهذه هي المرحلة الأولى منالتفسير لكتاب الله العزيز وبعد انتقال النبي الأكرم(ص) إلى الرفيقالأعلى، انتهت المرحلة الأولى لتفسير القرآن الكريم، وبدأت المرحلةالثانية التي حملتها طلائع المفسرين من الصحابة، حيث كانوا قد حفظوا عنالرسول(ص) ما كانوا يسمعونه منه من تفسير آيات الكتاب المجيد، وما أوضحهلهم من بيان المجمل وتمييز المقيد من المطلق، وما ذكره لهم من تفسير بعضلآياته ومعاني كلماته، كما أنه في هذه المرحلة بدأ اعتماد الاستنباطوالاجتهاد كمصدر لتفسير القرآن؛ وذلك فيما لم يجدوا له نصاً من الكتابالعزيز أو من السنة المطهرة، وساعدهم على ذلك معاصرتهم للنبي(ص) ومشاهدتهمالتنزيل واطلاعهم على قرائن الأحوال ومعرفتهم بأسباب النزول، فضلاً عنإتقانهم أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن، ويمكن عدّ تفسيرهم هذامن التفسير المأثور على وجه من الوجوه.

ولمّا انتهت المرحلة الثانية بانتهاء عصر الصحابة بدأت مرحلة جديدة منمراحل التفسير بالمأثور، وذلك في أواخر عصر الدولة الأموية( 41 – 132هـ) وأوائل عهد الدولة العباسية( 132 – 656هـ) وقد حمل لواء التفسير في هذهالمرحلة العلماء من التابعين الذين تتلمذوا على الصحابة وتلقوا منهم وفيهذه المرحلة تولدت الحاجة الماسة إلى تفسير الشيء الكثير من القرآن الكريمأكثر من قبل وذلك لبعدهم عن عصر النبي(ص) واختلاط العرب بأقوام أخر بعضهادخل الإسلام حديثاّ.

قد برزت في هذه المرحلة ثلاث مدارس تفسيرية هي: المدرسة المكية والمدرسةالكوفية ومدرسة المدينة المنورة. وكان قوامها ثلاثة من أئمة أهل البيت(ع) هم علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق( عليهم صلوات الله أجمعين)، أما المدرسة المكية فكان محورها ابن عباس(ره) وكان الصحابي "عبد الله بن مسعود" قوام المدرسة الكوفية. وفي هذا العصرابتدأ تدوين التفسير والتصنيف فيه وذلك من خلال جمع ما أثر من التفسير عنرسول الله(ص)، وعن صحابته وعن التابعين بدون تفرقة بين المدارس الثلاث.

وقد تميزت مدرستا الحجاز بلزوم التفسير بالمأثور ، كما تميزت مدرسة العراقبالتفسير المعقول، وهذان الاتجاهان ما زالا إلى يومنا هذا ولم يقف تطورالتفسير ومناهجه عند ذلك بل برزت مناهج جديدة لم تكن معروفة فيما سبق،وساهم في هذا التطور والتنوع الثقافات والأفكار والتطورات العلميةالحديثة، ومن هنا نرى تعدد المناهج التفسيرية التفسير الفلسفة والتفسيرالعرفاني الصوفي والتفسير العلمي وما الى ذلك من مناهج متعددة، نعم تميزعصرنا بولادة منهج جديد لم يكن معروفاً بالشكل الذي طرح في عصرنا على يدالسيد محمد باقر الصدر(قده) ألا وهو التفسير الموضوعي التوحيدي، في مقابلالتفسير التجزيئي. وهو تفسير له أسسه ومقوماته، عرضها السيد الصدر فيكتابه القيم(المدرسة القرآنية).

ما هو التفسير الموضوعیو ماهی معطياته؟

إن التفسير الموضوعي مصطلح معاصر لم تمض على استخدامه في الساحة الإسلاميةوالعربية إلا بضع عقود من الزمن وهو منهج جديد في التفسير أو البحثالقرآني يقوم على أساس محاولة استكشاف النظرية القرآنية في جميع المجالاتالعقيدية والفكرية والثقافية والتشريعية والسلوكية من خلال عرضها فيمواضعها المختلفة من القرآن الكريم لحداثته تنوعت من حوله التعاريف فقدعرفه بعضهم من خلال اللغة فيما تدل عليه مفردتا التفسير الموضوعي.

عرفه باحث أخر بأنه علم يتناول القضايا حسب المقصد القرآني من سورة أوأكثر يشمل مصطلح القضية عند الباحث الموضوع القرآني وغير القرآني و فيمنتصف الثمانينيات صدر في القاهرة كتاب عن التفسير الموضوعي للقصص القرآنيعرض فيه الدارس التعريف التالي (أن يأخذ الباحث الآيات التي تتصل بموضوعواحد ويشيّد منها بناء واحد متماسك متناسق فان أعوزه كمنال ذلك الموضوعإلى حديث يستكمل البناء الصرح بما جاءت به السنة الشريفة وعرفه "احمدرحماني" أستاذ الدراسات القرآنية بالمعهد الوطني في الجزائر إلى أنالتفسير الموضوعي هو منهج مستحدث في تفسير القران يوظّف لسبر أغوارالموضوع من خلال القران كله أو سوره منه للخروج بتصوّر حوله أو نظرية فيه.

أما السيد محمد باقر الحكيم(قده) فقد عرّف التفسير الموضوعي بأنه ما يقومعلى أساس دراسة موضوعات معينه تعرّض لها القرآن الكريم في مواضع متعددة أوفي موضع واحد وذلك من أجل تحديد النظرية القرآنية بملامحها وحدودها فيالموضوع المعين وقريب من هذا التعريف ما ذكره الأستاذ "محمد حسين عليالصغير" في دراساته القرآنية وعرفه أحد الباحثين الإيرانيين أنه مسعى بشريلفهم موقف القران بصيغه منهجيه منظمه على أن يأتي ذلك الفهم في نطاق جمعللآيات مبتنٍ على نظرية إزاء مسائل وموضوعات عملية ونظريه حيّة منبثقة منمعارف بشرية وأوضاع الحياة العامة مما يرتقب أن يكون فيه للقرآن كلمةالفصل المبين.

أما الشهيد الصدر(قدس سره) فقد ذكر ثلاثة معان لمصطلح الموضوعية: أولاً: (الموضوعية) في مقابل (الذاتية) و(التحيز)، والموضوعية بهذا المعنى عبارةعن الأمانة والاستقامة في البحث والتمسك بالأساليب العلمية المعتمدة علىالحقائق الواقعية في نفس الأمر والواقع، دون أن يتأثر الباحث بأحاسيسهومتبنياته الذاتية ولا أن يكون متحيزاً في الأحكام والنتائج التي يتوصلإليها ثانياً: (الموضوعية) بمعنى أن يبدأ في البحث من (الموضوع)، الذي هو (الواقع الخارجي)، ويعود إلى (القرآن الكريم). لمعرفة الموقف تجاه الموضوعالخارجي.

فيركز المفسر ـ في منهج التفسير الموضوعي ـ نظره على موضوع من موضوعاتالحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعب ما أثارته تجارب الفكرالإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل، وما قدمه الفكر الإنساني من حلول وماطرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثم يأخذ النص القرآني،ويبدأ معه حواراً، فالمفسر يسأل والقرآن يجيب، وهو يستهدف من ذلك أن يكتشفموقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح.

وقد يسمى هذا المنهج أيضا بالمنهج (التوحيدي) باعتبار أنه يوحد بين (التجربة البشرية) و(القرآن الكريم) لا بمعنى أنه يحمل التجربة البشريةعلى القرآن، بل بمعنى أنه يوحد بينهما في سياق واحد لكي يستخرج نتيجة هذاالسياق المفهوم القرآني الذي يمكن أن يحدد موقف الإسلام تجاه هذه التجربةأو المقولة الفكرية.

ثالثاً: وقد يراد من الموضوعية ما ينسب إلى الموضوع، حيث يختار المفسرموضوعا معينا ثم يجمع الآيات التي تشترك في ذلك الموضوع فيفسرها. ويحاولاستخلاص نظرية قرآنية منها فيما يخص ذلك الموضوع ويمكن أن يسمى مثل هذاالمنهج منهجا توحيديا أيضاً باعتبار أنه يوحد بين هذه الآيات ضمن مركّبنظري واحد والمقصود من المنهج الموضوعي في التفسير هو المعنى الثاني، كماهو واضح من كلماته(قده).

ممكن تتكلموا حول شخصية شهيد الصدر القرآنية؟

السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) لم يصنف كتاباً خاصاً في تفسيرالقرآن الكريم إلاّ أنه له وقفات ونظرات متعددة وخاصة في مناهج التفسير،وفي كثير من موضوعات علوم القرآن، فضلاً عن رؤيته في أهمية علوم معرفةعلوم القرآن في فهم النص القرآني وموقف ذلك النص من قضايا الحياة والكون،وقد استوعبت دراساته القرآنية نحو(300) آية، بين تفسير تام، أو كشف عنجانب منها، أو استشهاد على تفسير آية أخرى، أو تحديد مفهوم قرآني يكشف عنمعناها… وهذا القدر من العرض لآيات الكتاب الكريم كافٍ لتكوين فكرة عنممارسة الشهيد السعيد(قده) للتفسير، كما أنها تفتح مجالاً لدراسة الشهيدالصدر كمفسر للقرآن.

وأما منهجه في التفسير فهو لم يرفض مناهج التفسير ولكنه لاحظ عليها عدةملاحظات كحالة التناثر والتراكم العددي بعيداً عن كشف أوجه الارتباطوالعضوية وبعيداً عن تحديد الموقف القرآني لكل مجال من مجالات الحياة،فانطلق في منهج موضوعي يبدأه من واقع الحياة من خلال طرح موضوع منالموضوعات بين يدي القرآن الكريم واستكشاف موقف النص القرآني تجاه ذلكالموضوع المطروح… فاتبع منهج التفسير الموضوعي، ورجحه على غيره منالمناهج.

كان ينظر الشهيد الصدر فی أسلوب التفسير الموضوعی واستعراض المسائل علیالقرآن حلاً للمسائل المعاصرة، هل كان الشهيد موفقاً فی هذا الطريق؟ ما هورأيكم حول هذا الموضوع؟

أراد الشهيد الصدر من خلال التفسير الموضوعي أن يدفع بالمثقف أو المفكر أوطالب العلم المسلم إلى التفكير في قضايا العصر ومشكلاته، بحيث يجعل منهؤلاء عنصراً فاعلاً في استقراء المعطيات الجديدة والمتجددة باستمرارللقرآن الكريم؛ لأن القران الكريم هو كلام الله المتجدد، الأمر الذي يحتمعلينا أن نكون على معرفة بما يتجدد من قضايا الفكر والوجود والاجتماعالإنساني، لنسأل القرآن عنها، وبذلك يكون قد تدرج الباحث المسلم للقيامبطرح مشكلات العصر على القرآن الكريم وبالتالي سوف يرى الفكر الإسلاميالحديث نفسه مضطراً إلى تقديم قراءته الخاصة للقرآن الكريم وتفسيره منخلال المعطيات العصرية، هذا ما أراده السيد الصدر(قده).

ومن خلال الاطلاع على الدراسات التطبيقية التي مارسها الشهيد الصدركـ"السنن التاريخية في القرآن الكريم" و" عناصر المجتمع في القرآن الكريم" و"خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء"، ومن خلال المعالجات لقضايا عصريةومشكلات متعددة معرفية وغيرها التي قام بها عدد من المتأثرين بفكر الشهيدالصدر والمؤمنين بمنهجه الموضوعي التفسيري نستطيع القول بأن السيد الصدرقد وفق في هذا الطريق والمنهج، وإن شاء الله تعالى سوف تتجلى بشكل أوضحالآثار الايجابية للمنهج الموضوعي في التفسير في المستقبل.

ماهو دليل رغبة آية الله الصدر فی طرح التفسير الموضوعی و إعراضه عنالأسلوب التقليدی أو (التفسير الترتيبی) الذی يبحث فی النص و يشرحالمفردات وأحكام القرآن؟

إن السيد الشهيد (قدس سره) في أبحاثه القرآنية ثلاثة مرجحات للمنهجالموضوعي على منهج التفسير التجزيئي، وهي: 1 ـ إن التفسير الموضوعي يمثلحالة من التفاعل مع الواقع الخارجي إذ أن المفسر يبدأ من واقع الحياة،يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أوالكونية، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع منمشاكل، وما قدمه من حلول، ثم يأخذ النص القرآني ليطرح بين يدي النصموضوعاً جاهزاً مشرباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية.. وهويستهدف من ذلك أن يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح. وهذهالخصيصة غير موجودة في منهج التفسير التجزيئي.

وأضاف أخيراً: التفسير الموضوعي لا يكتفي بإبراز المدلولات التفصيليةللآيات القرآنية كما هو الحال في التفسير التجزيئي، بل يحاول أن يستحصلأوجه الارتباط بين هذه المدلولات التفصيلية ويحاول أن يصل إلى مركب نظريقرآني. 3 ـ حالة التناثر ونزعة الاتجاه التجزيئي في النظر التفسيري أدىإلى ظهور التناقضات المذهبية العديدة في الحياة الإسلامية، إذ كان يكفي أنيجد هذا المفسر أو ذاك آية تبرر مذهبه لكي يعلن عنه يجمع حوله الأنصاروالأشياع، كما وقع في كثير من المسائل الكلامية كمسألة الجبر والتفويضوالاختيار مثلاً، بينما كان بالإمكان تفادي كثير من هذه التناقضات لو أنالمفسر التجزيئي خطا خطوة أخرى ولم يقتصر على هذا التجمع العددي كما ترىذلك في الاتجاه الموضوعي فهذه هي المرجحات الثلاث للتفسير الموضوعي علىالتفسير التجزيئي، كما يراها السيد الشهيد الصدر (قدس سره)، والتي تعددمبررات موضوعية معرفية فرضت نفسها في مجال تفسير القرآن الكريم الذي يتميزبحركيته ومواكبته لتطور البشرية بجميع أبعادها وحيثياتها.

 

برأيكم ماذا كان يريد الشهيد الصدر من خلال طرح التفسير الموضوعی، وما هیتأثيراته علی نمو وتطوير المفاهيم القرآنية وأيضا تطبيق التعاليم القرآنيةفی المجتمع؟

استطاع الشهيد الصدر من خلال طرحه التفسير الموضوعي وتطبيقه على الحركةالمعرفية والدينية أن يغير نظرة الباحثين في مجال القرآن وعلومه، وأن يفتحأمامهم باباً جديداً على المفاهيم القرآنية ينسجم مع الهدف من القرآننفسه، بحيث تتحقق المرجعية المركزية للقرآن الكريم، وتتجلى التعاليمالإلهية في كل ما يرتبط بهذا الوجود الذي هو صنيع الباري تعالى، فقد هناكأبحاثاً قرآنية حديثة، قام بها باحثون ومفكرون في نطاق القرآن وعلومه،تبرز هذه المرجعية، وتعطى الدور الفعال للقرآن وتبين النظرة القرآنية لمايحيط بالبشرية من مفاهيم معرفية متعددة الأطراف والجهات.

ولو ألقينا نظرة إلى المجال التطبيقي للمنهج الموضوعي في مؤلفات السيدالصدر(قده) للمسنا ما للمنهج الموضوعي من أثر فعال على مستوى المعرفي بشكلعام وعلى مستوى المفاهيم القرآنية بشكل خاص، فقد استطاع(قده) – مثلاً – أنيضيف بعداً معرفياً في دراسة التاريخ – بالإضافة إلى العقل والتجربة وهوالوحي والنص الديني، وقد طرح من خلال دراسته لعناصر المجتمع أهم ظاهرةاجتماعية وهي "توازن المجتمعات وعدمها" حيث ربط بينها وبين العلاقةالرباعية(علاقة الاستخلاف والاستئمان) والثلاثية(علاقة الاستبدادوالسيادة) من خلال التفسير القرآني للظاهرة.

إذن، فالشهيد الصدر(قده) استطاع أن يقدم تفسيراً متميزاً عن التفسيراتالتي يقدمها المؤرخون ودارسو التاريخ الإنساني، وتفسيراً متميزاً عنالتفسيرات التي يقدمها علماء الاجتماع من خلال ما تمتع به من قدرة تحليليةفائقة في استنطاق الآيات القرآنية والربط بينها ربطاً موضوعياً لأنه كانيتكئ على البعد الإلهي في تحديد الظاهرة القرآنية ومناقشتها، جاعلاً النصالقرآني هو المحور الذي تدور عليه عملية استكشاف النظرية القرآنية في أيمجال من المجالات وهذا جزء يسير من التأثير الذي تركه الشهيد الصدر(قده) من خلال منهجه الموضوعي الجديد في المجالات المتعددة.

لماذا اختار الشهيد الصدر أسلوب التفسير الموضوعی للقرآن الكريم و هل هذاالأسلوب يعطی مجالاً لتدخل التجارب البشرية فی نص التفسير؟

ذكرنا فيما تقدم المبررات الموضوعية التي جعلت الشهيد الصدر(رضوان اللهعليه) ينتهج التفسير الموضوعي – بل المنهج الموضوعي – في عملية البحثوالدراسة القرآنية، فإن تلك المبررات – مضافاً إلى ما ذكره السيد الصدر فيكتابه القيم"المدرسة القرآنية" – تستبطن الغاية والغرض ووجه الحاجة إلىالتفسير الموضوعي؛ حيث عد التفسير ضرورياً بضرورة حاجة المسلمين الحاضرةإلى تحصيل نظريات الإسلام في مختلف جوانب الحياة الأخرى ومهماً بأهميةالتفاعل القائم بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي، حيث وجدالإنسان المسلم نفسه أمام نظريات كثيرة ولابد للإسلام من أن يحدد مواقفهإزاء هذه النظريات والأفكار سلباً وإيجاباً، وهذا يتحقق من خلال استنطاقالقرآن الكريم الذي انزل وفيه تبيان كل شيء، والذي يتضمن موقف" السماء ممايجري على الأرض" فما يجري على الأرض وفي واقع الحياة هو الأساس الذي ينطلقمنه مَن يريد معرفة موقف الإسلام إزاء تلك الأفكار والنظريات، وهذا يحتمعلى الباحث أن لا يغفل التجارب البشرية وما توصل إليه الإنسان وما صارإليه العالم اليوم من تطورات وتغيرات على المستوى العلمي والمعرفيوالتكنولوجي.

وهذا لا يعني –كما هو واضح – أننا نخضع الآيات القرآنية للتجربة البشريةوللتطور العلمي، بل غاية ما في الأمر أن تلك التجارب البشرية وذلك التقدموالتطور العلمي يساهم وبشكل أساسي في تكوين النظرية القرآنية وتحديد موقفالإسلام مما يطرح من مشاكل وأفكار ونظريات ويتضح هذا جلياً من خلال ماذكره السيد الصدر نفسه في محاضراته القرآنية حيث قال ما نصه: إن [المفسرالتوحيدي والموضوعي] لا يبدأ عمله من النص بل من واقع الحياة يركز نظرهعلى موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعبما أثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه الفكرالإنساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط‍ فراغ ثميأخذ النص القرآني، لا ليتخذ من نفسه بالنسبة إلى النص دور المستمعوالمسجل فحسب، بل ليطرح بين يدي النص موضوعا جاهزا مشرباً بعدد كبير منالأفكار والمواقف البشرية ويبدأ مع النص القرآني حواراً سؤال وجواب،المفسر يسأل والقرآن يجيب، المفسر على ضوء الحصيلة التي استطاع أن يجمعهامن خلال التجارب البشرية الناقصة من خلال أعمال الخطأ والصواب التي مارسهاالمفكرون على الأرض لابد وان يكون قد جمع حصيلة ترتبط بذلك الموضوع ثمينفصل عن هذه الحصيلة ليأتي ويجلس بين يدي القرآن الكريم لا يجلس ساكتاًليستمع فقط بل يجلس محاوراً، يجلس سائلاً ومستفهماً ومتدبراً فيبدأ معالنص القرآني حواراً حول هذا الموضوع، وهو يستهدف من ذلك أن يكتشف موقفالقرآن الكريم من الموضوع المطروح والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها منالنص، من خلال مقارنة هذا النص بما استوعبه الباحث عن الموضوع من أفكارواتجاهات.

ومن هنا كانت نتائج التفسير الموضوعي نتائج مرتبطة دائما بتيار التجربةالبشرية لأنها تمثل المعالم والاتجاهات القرآنية لتحديد النظرية الإسلاميةبشأن موضوع من مواضيع الحياة، ومن هنا أيضاً كانت عملية التفسير الموضوعيعملية حوار مع القرآن الكريم واستنطاق له، وليست مجرد استجابة سلبية بلاستجابة فعالة وتوظيفا هادفا للنص القرآني في سبيل الكشفعن حقيقة منحقائق الحياة الكبرى.

ماهی المبررات الموضوعية التی جعلت الشهيد الصدر ينتهج التفسير الموضوعیبل ـ المنهج الموضوعی – فی عملية البحث والدراسة القرآنية؟

بالرغم من أن التفسير الموضوعي إزدهر في القرن الرابع عشر الهجري، وتعالىصيته في هذه البرهة من الزمن، فإنه يمكن العثور على بواكيره الأولى،وجذوره التأسيسية في تفسير المعصومين(ع)؛ فإن مجموعة من الباحثينالقرآنيين استفادوا من مفهوم كلمة"المثاني" في قوله تعالى"الله نزل أحسنالحديث كتاباً متشابهاً مثاني" أنها صفة للقرآن، وذلك يعني أن بعض آياتالقرآن ناظر إلى بعضها الآخر، وهذا بدوره يشكل سنداً قرآنياً للتفسيرالموضوعي يتمثل أساسه بالجمع بين الآيات واستلهام النتيجة من ذلك. والقرآنيفسر بعضه بعضاً وينطق بعضه ببعض، كما ورد في الحديث.

وقد أكد الشهيد الصدر(قده) ذلك في المدرسة القرآنية حيث قال:"لقد كانالنبي(ص) يستفيد من المنهج الموضوعي تطبيقياً في تفسير الآيات، فيستخدممعنى بعض الآيات في بيان معنى بعضها الآخر" وقد استفاد أمير المؤمنينعلي(ع) من منهجية التفسير الموضوعي أيضاً لإثبات الواقعة الخارجية التيتقول بإمكان أن يولد الطفل لستة أشهر من خلال ترتيب الآيات بعضها إلى جواربعض.

ثمة من يعتقد، في هذا المجال، أن "عمرو بن بحر الجاحظ" (ت: 552هـ) هو أولمن استخدم هذا النهج في تفسير القرآن ومارسه عملياً من خلال عناوين، مثل: العذاب في القرآن، والملائكة في القرآن، وغير ذلك، كما أن هناك من يعتقدبأن أول من مارس التفسير الموضوعي هو "قتادة بن دعامة"(ت: 118هـ)، إلا أنهيمكن التأمل في ذلك؛ فإن التفسير الموضوعي بمعناه المصطلح والذي شيدأركانه السيد الصدر(قده) ليس هو عملية تجميع للآيات القرآنية التي تصب فيموضوع واحد بل الدراسة الموضوعية هي التي تطرح موضوعاً من موضوعات الحياةالعقائدية أو الاجتماعية أو الكونية وتتجه إلى درسه وتقييمه من زاويةقرآنية للخروج بنظرية قرآنية بصدده. قال الشهيد الصدر: وأما ما ظهر علىالصعيد القرآني من دراسات تسمى بالتفسير الموضوعي أحيانا من قبيل دراساتبعض المفسرين حول موضوعات معينة تتعلق بالقرآن الكريم كأسباب النزول أوالقراءات أو الناسخ والمنسوخ أو مجازات القرآن فليست من التفسير التوحيديوالموضوعي بالمعنى الذي نريده فإن هذه الدراسات ليست في الحقيقة إلاّتجميعا عدديا لقضايا من التفسير التجزيئي لوحظ فيما بينها شي من التشابهوفي كلمة أخرى ليست كل عملية تجميع أو عزل دراسة موضوعية.

برأيكم هل كان الشهيد موفقا فی تطبيق الأسلوب الموضوعی الواقعی فی مجال العلوم الإسلامية فی تفسير القرآن؟

إن المتابع للإرث المعرفي الذي تركه الشهيد الصدر(قده) يلمس مدى ما للمنهجالموضوعي من أثر، فالشهيد الصدر نفسه كما نقل عنه أحد تلامذته دعا إلىتطبيق المنهج الموضوعي الشمولي في جميع حقول المعرفة الدينية، الفلسفيةوالاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتاريخية وغيرها وليس في خصوصالتفسير فقط. وقد ذكرنا فيما سبق بعض الموارد التطبيقية للمنهج الموضوعيالتوحيدي، وفي الواقع قد أبدع الشهيد الصدر(قده) فيما عالجه من القضاياالمتعددة والتي استطاع أن يستنطق الآيات القرآنية فيما يتعلق بتلك القضاياوقدم النظرية القرآنية المناسبة والواضحة الجلية. والمطلع على نتاجاتالسيد الصدر يلمس حقيقة موفقية المنهج التوحيدي والموضوعي في مجال العلومالإسلامية ككل.

هل استطاع السيد الصدر الأول أن يقدم رؤية واضحة وشاملة للإسلام وللقرآن فيما يرتبط بدراسة السنن الإلهية والتاريخية؟

إن الإجابة التفصيلية على هذا السؤال تستدعي استعراض ما طرحه الشهيدالصدر(قده) في هذا البحث القيم إلا أن ذلك أمر يحتاج إلى مناسبة أخرى يكونالحديث فيها حول ما قدمه(قده) من معلومات قيمة ودقيقة وعميقة، ومن هنا سوفأشير باختصار إلى الجواب، فنقول: المستفاد من دراسة السنن التاريخية فيالقرآن أن السنن التي تحكم التاريخ ليست سنناً وقوانين قهرية وإجبارية، بلهي سنن اختيارية تمثل نتائج طبيعية لمعطيات الإرادة الإنسانية، والنشاطالسلوكي الذي يمارسه الإنسان في حركته الفردية أو الجماعية، ومن هنا يمكنتغيير مسار هذه السنن من خلال تغيير السلوك الإنساني.

ويعتبر القرآن الكريم أول كتاب أكد على مفهوم السنن الإلهية؛ وذلك لأنللمجتمع قوانين تحكمه، كما أن للفرد قوانين تحكمه أيضاً، ولا يمكن للفردالعادي أن يكتشف السنة الإلهية بمعزل عن الله سبحانه وتعالى؛ ويعود سببذلك إلى أن القوانين التي يتم بها تدبير المجتمعات وتسييرها ما هي إلاقوانين إلهية لا تختلف ولا تتخلف وهذا الفتح القرآني الجليل – حسب مايعتقد السيد الصدر – هو الذي مهد إلى تنبه الفكر البشري بعد ذلك بقرون إلىأن جرت محاولات لفهم التاريخ فهماً علمياً بعد نزول القرآن بثمانية قرونبدأت هذه المحاولات على أيدي المسلمين أنفسهم، كمحاولات ابن خلدون وغيره،ثم جاء من بعدهم الأوروبيون ودرسوا السنن التاريخية وتوغلوا فيها أكثر منما قام به المسلمون ونتج عن ذلك أبحاث قيمة وثمينة.

والشهيد الصدر بدوره قام بدراسة هذه السنن بأسلوب قلّ نظيره، وبعمق غيرملموس في عصره، استطاع من خلاله أن يدلل على الدين سنة تاريخية، وهو قانونداخل في تصميم تركيب الإنسان وفطرته والسنن الإلهية – عنده(قده) – عبارةعن خضوع التاريخ بكل حوادثه وظواهره لنظام السببية ووفق هذه السنن يرىالشهيد الصدر أهمية الدور البشري في صناعة التاريخ، فالإنسان هو الذي يصنعالتاريخ، وليس التاريخ هو الذي يصنع الإنسان كما ترى المدرسة الوضعية،فالمجتمعات الإنسانية ليست مستقلة أو منفصلة عن التاريخ، بل هي تعيش فيالطبية وفي المجتمع وترتبط بشروط مادية ومعنوية.

ومن خلال هذه الدراسة وهذه الرؤية الدقيقة والعميقة يكون الشهيد الصدر قداستطاع أن يقدم رؤية واضحة وشاملة للإسلام وللقرآن فيما يرتبط بدراسةالسنن الإلهية والتاريخية.

برأيكم كيف استطاع الشهيد أن يتبع خطوات هادئة وهادفة فی تسليط الضوء علیالجانب الحركی فی الكتاب العزيز وتتبع ذلك موضوعياً فی صرح بناء المجتمع؟

في الحقيقة يرجع ذلك إلى الرؤية العميقة والدقيقة للمنهج المتبع لفهمالقرآن الكريم بعد الإيمان أنه كتاب تغيير وكتاب أنزل لإخراج البشرية منعالم الظلمات إلى عالم النور، بعد الإيمان بحركية الكتاب بجميع مفاهيمهوحقائقه، المنهج الذي يبقي للقرآن قدرته على القيمومة دائماً، قدرته علىالعطاء المستجد دائماً، قدرته على الإبداع، والمنهج الذي يبرز ذلك كله هومنهج التفسير الموضوعي لأننا نستنطق القرآن وان في القرآن علم ما كان وعلمما يأتي لان في القرآن دواء دائنا، لان في القرآن نظم ما بيننا، ولان فيالقرآن ما يمكن أن نستشف منه مواقف السماء تجاه تجربة الأرض. هنا يلتحمالقرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة، لان التفسير بناء على هذاالمنهج يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن لا انه يبدأ من القرآن وينتهيبالقرآن وينتهي بالقرآن فتكون عملية منعزلة عن الواقع منفصلة عن تراثالتجربة البشرية بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن بوصفهالقيم والمصدر الذي يحدد على ضوئه الاتجاهات الربانية بالنسبة إلى ذلكالواقع.

بالرغم من أن السيد الشهيد الصدر لم يوفق إلا بإلقاء 14 درساً فی الجانبالقرآنی والتفسير بشكل موضوعی .. ما مدی تأثيره علی المجتمع على الصعيدينالأكاديمی والدينی حتى قام من بعده من يتبنی فكرة التفسير الموضوعی؟

إن المتأمل في المنهج الجديد الذي (أسس له) الشهيد الصدر(قده) ليس منهجاًمستقلاً عن دراسة الشريعة الإسلامية، بل هو جزء من منهج جديد في دراسةالشريعة بكل أبعادها؛ حيث يدعو إلى تكوين فهم عام للشريعة ككل، والى تخطيعملية فهم الأحكام مفردة ومتفرقة، فالتشريع الإسلامي يقوم على أساس موحدكما قال(قده) في إقتصادنا – ورصيد مشترك من المفاهيم، وينبع من نظرياتالإسلام وعمومياته في شؤون الحياة.

منهج يأخذ بالباحث إلى العمق – متجاوزاً السطحية – والشمولية في كلالتفصيلات والتفريعات – متجاوزاً الفردية والجزئية أيضاً -، منهج يدعو إلىاكتشاف النظرية الإسلامية إزاء أي واحد من جوانب الحياة ومشكلاتها، فهوالمنهج الذي ينتقل من فقه الأحكام وفقه النص إلى فقه النظرية. والمنهجالتوحيدي الموضوعي في التفسير هو تطبيق لذلك المنهج الجديد على تفسيرالقرآن، فلا بد من أن ينتقل من تفسير المفردة إلى اكتشاف النظريةالقرآنية، فيكون التفسير حينئذٍ عملية حوار مع القرآن واستنطاق له، وليسمجرد استجابة سلبية – تقف عند حدود الاستماع إلى النص المفرد – بل استجابةفعالة وتوظيف هادف للنص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياةالكبرى – على تعبيرات السيد الصدر -، وهذا هو المنهج الذي يتطلع إليه كلباحث في الشؤون الدينية والمعرفة الإسلامية ويتطلع إليه كل مفكر وكل ناظروكل من يرى أن القرآن الكريم هو كتاب حياة أنزل هدى للناس وللبشرية جمعاء،ومن هنا نرى مدى الأثر الذي تركه هذا المنهج الجديد في نفوس الباحثينوالمفكرين وطلاب المعرفة.

ما هی إبداعات السيد الشهيد الصدر فی مجال التفسير الموضوعی وما هیالأقوال التی تشيد بالسيد الشهيد من متخصصين علوم القرآن؟

قدم السيد الصدر(قده) عدة أبحاث مهمة في مجال التفسير الموضوعي مثل:"السننالتاريخية في القرآن الكريم" و" عناصر المجتمع في القرآن الكريم" و" خلافةالإنسان وشهادة الأنبياء"… منطلقاً من رؤيته الخاصة للمنهج الموضوعي فيالتفسير، خلافاً لبعض المحاولات التي عُدت من التفسير الموضوعي والتيرفضها الشهيد الصدر والذي يعتقد أن وظيفته دائماً في كل مرحلة وفي كل عصرأن يحمل المقولات التي تعلمها في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القرآنالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ليحكم على هذهالحصيلة بما يمكن لهذا المفسر أن يفهمه أن يستشفه أن يتبينه من خلالمجموعة آياته الشريفة، فإن هذه الرؤية وهذا التصور في حدّ ذاته إبداعمضافاً إلى ما قدمه على مستوى المناهج والعلوم القرآنية – على مستوىالدراسات القرآنية والتفسيرية.

وقد أشاد جمع من الأعلام والباحثين بالمنهج والتفسير التوحيدي الموضوعيالذي طرحه الشهيد الصدر(قده) وثمّنوا جهوده وأبحاثه وإبداعاته في مجالالدراسات القرآنية – بل في جميع العلوم والبحوث التي خاض غمارها – فقداعتبر الدكتور "لبيب بيضون" – في كتابه التفسير التجزيئي‏ والتفسيرالتوحيدي‏ (الموضوعي) للقرآن الكريم‏(غير منشور)- محاولة الشهيد الصدرتجربة غير مسبوقة، كما اعترف الدكتور "زيّاد خليل محمّد الدغامين"– فيكتابه منهجيّة البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم- بجودته.

وممّن توقّف عند هذه المحاولة: الدكتور "أحمد رحماني" في كتابه "مصادرالتفسير الموضوعي" الذي استعرض تطبيق الشهيد الصدر لمنهجه على موضوع السننالتاريخيّة، ثمّ خلص إلى التقييم التالي: «هذه الدراسة التي قام بها محمّدباقر الصدر في كتابه مقدّمات في التفسير الموضوعي تعدّ من أنضج التجاربالتفسيريّة في مجالها، خاصّةً في مجال السنن التاريخيّة، وهي في الواقععبارة عن محاضرات ألقيت على طلبة كليّة الشريعة، ولكن ما يميّزها ـ بعدالعمق ـ هو طبيعة الموضوع الذي درس والطريقة المتّبعة في إنجاز هذهالدراسة؛ فقد كان باقر الصدر فيها قادراً على التحليل العلمي المنظّم، وقدساعده على ذلك قدرته على فهم أعماق النصوص ومحاولة سبر أغزار الآياتالقرآنيّة. وربّما كان القسم النظري الذي خصّص له المحاضرتين الأولىوالثانية ليبيّن فيه تصوّره لمفهوم التفسير الموضوعي ومنهجه أحدَ العواملالأساسيّة التي ساعدت على إنجاز العمل التطبيقي بصورته الفذّة التي تجلّتفي دراسة السنن الكونيّة.

وأما الدكتور "عبد الجليل عبد الرحيم"، فقد ذكر في كتابه "التفسيرالموضوعي للقرآن في كفّتي الميزان" أنّ "أمر الشهادة بالحقّ يقتضينا أننقرّر أنّ محاولته في التفسير الموضوعي كانت من أوّل المحاولات في هذاالمجال، وقدّم من الدراسات التطبيقيّة بحثاً في السنن التاريخيّة فيالقرآن الكريم، ما يجعله رائداً لكلّ من جاء بعده، متقدّماً عليهم بجودةالبذل والعطاء".

واعتبر الباحث الأردني "الأستاذ حسن العمري" في كتابه "إسلاميّة المعرفةعند السيّد محمّد باقر الصدر" أن ما قام به الشهيد الصدر(قده) "نقلةنوعيّة في مسار تطوّر حركة التفسير لقرآني في التاريخ الإسلامي" وغيرهمكثير ممن أشاد بالخطوات الجريئة والمحاولات التي قام بها الشهيدالصدر(قده) لكسر الجمود والركود العلمي المعرفي في مجال الدارسات القرآنيةوغيرها.

 
 
 




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً