أحدث المقالات

مدخل

تعرّضنا في بحث سابق([1]) عن علامات بلوغ الذكر عند الفريقين، وذكرنا أقوالهم وأدلتهم، وانتهينا إلى أن بلوغ الذكر يكون بأحد أمرين: إما بالاحتلام والإنزال أو بإتمام ثلاث عشرة سنة والدخول في أربع عشرة سنة قمرية، وأثبتنا أن ما هو المشهور بين علماء الإمامية من تحقّق البلوغ بالإنبات أو بإتمام خمس عشرة غير صحيح، وإليك الآن بحث علامات بلوغ الأنثى، راجين من المولى العزيز الحكيم أن يوفقنا لإكماله وأن يسدّدنا للصواب.

علامات البلوغ عند أهل السنّة

قالت الحنفية: يعرف بلوغ الأنثى بالحيض والحبل بإكمال خمس عشرة سنة، وقال أبو حنيفة: بل بإكمال سبع عشرة سنة. وقالت المالكية: يعرف بلوغها بالحيض والحبل وإنبات شعر العانة الخشن والإنزال وبإتمام اثني عشرة سنة، وقيل: بالدخول فيها([2]). وقالت الشافعية: يعرف بلوغ الأنثى بالإمناء والحيض وإتمام خمس عشرة سنة والإنبات. وقالت الحنابلة: يحصل بلوغها بالإنزال وبنبات شعر العانة وبالحيض والحمل وبإكمال خمس عشرة سنة([3]).

أقول: أما تحقق البلوغ بالإمناء والحيض فمما لا إشكال فيه ولا شبهة؛ للآيات والروايات الآتية، وأما تحققه بالإنبات وإكمال خمس عشرة سنة فلقضيتي: ابن عمر وعطية القرظي، وقد أبطلنا الاستدلال بهما في البحث السابق عن بلوغ الذكر فلا نعيد([4]). كما أبطلنا دليل القائل بإكمال ثماني عشرة سنة.

 

علامات البلوغ في المذهب الإمامي

المعروف المشهور بين فقهاء الإمامية أن بلوغ المرأة يكون بأحد أمور: إما بالإنزال وإما بالحيض أو بالنبات وإما بإكمال تسع سنين، وإليك آراء القدماء منهم التي احتجّ بها بعض المتأخرين:

أقوال العلماء

1ـ الشيخ الصدوق (381هـ): قال في كتابه المقنع: وروي عن أبي عبد الله × أنه قال: >على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت الصيام والخمار، إلا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليها خمار، إلا أن تحب أن تختمر، وعليها الصيام<([5]).

وقال ـ بعد أن أورد الروايات في الحدّ الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصوم، منها الرواية المتقدمة ـ قال: وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني، يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وإلى الاحتلام، وكذلك المرأة إلى الحيض ووجوب عليهما بعد الاحتلام والحيض، وما قبل ذلك تأديب([6]).

وظاهره في كلا الكتابين ـ المعبّرَين عن فتواه ـ عدم العبرة في وجوب الصوم والحجاب إلا بالحيض دون العلامات الأخرى، لكن هذا لا يعني أنه ـ الصدوق ـ لا يرى بلوغ الجارية تسع سنين بلوغاً مطلقاً، وإنما ذلك خاص بالصوم أو بمطلق العبادات، وأما في غيرها فإنّه يبتنى روايات التسع في انقطاع يتم الجارية وجواز الدخول بها وإقامة الحد عليها أو لها ([7])، فظاهره التفصيل بين آثار البلوغ الشرعية، ولذلك أورد في كتاب الحج من الفقيه([8]) رواية إسحاق بن عمار في أن الحج يجب على الجارية إذا طمثت، وروى في باب أدب المرأة في الصلاة رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال: نعم، قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تحدّه([9])، وخلاصة الكلام أن ظاهر الصدوق أنه أبقى كل رواية في موردها ولم يعمّمها إلى غيره، خلافاً لما هو المعروف من وحدة معنى البلوغ وآثاره ولوازمه الشرعية.

2 ـ الشيخ المفيد (413هـ)، ولم أجد له ـ حسب تتبعي ـ رأياً متكاملاً في مسألة البلوغ، إلا أنه يظهر منه إناطته وجوب الصوم على المرأة بالحيض، حيث حكم في باب حكم من بلغ في شهر رمضان بأن الجارية إذا بلغت في شهر رمضان المحيض أثناء الشهر استقبلته ولم تقض ما فاتها من الصوم([10])، ولو كان يرى وجوب الصوم بالسنّ لبيّنه لا محالة، لأنه ـ وهو تسع سنوات ـ متقدّم على الحيض كما سيأتي توضيحه، كما أنه يرى سنّ الحيض([11]) وجواز الدخول بالجارية([12]) تسع سنوات، فيظهر من الشيخ المفيد كشيخه الصدوق التفريق بين آثار البلوغ، فلا تغفل عن ذلك.

3 ـ السيد المرتضى (436هـ)، ذكر ما ذكره أستاذه المفيد في مسألة الصوم في رسالته، فالكلام عين الكلام([13]).

4 ـ الشيخ الطوسي (460هـ)، وقد تعددت آراؤه في مسألة بلوغ النساء، ففي الخلاف([14]) ادعى الإجماع ودلالة الأخبار على بلوغها بتسع سنين، وفي كتاب حجر المبسوط ([15]) أفتى بتحقق البلوغ في النساء بخروج المني والحيض والحمل والإنبات والسنّ وهو (تسع) سنين، وروي ـ حسب قوله ـ عشر سنين، لكننا نراه يخالف هذا الرأي في صوم المبسوط ([16]) فيقول: وأما البلوغ فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، وحدّه هو الاحتلام في الرجال والحيض في النساء أو الإنبات أو الإشعار أو يكمل له خمس عشرة سنة والمرأة تبلغ (عشر) سنين، ولكنه يخالف ذلك كلّه ويتفرد برأي آخر لم يذهب إليه غير أهل السنّة وهو بلوغ المرأة بخمس عشرة سنة، فهذا كلامه في حدود المبسوط ([17]): متى بلغ الغلام أو الجارية (خمس عشرة) سنة فقد بلغ سواء أنزل أو لم ينزل.. وأما الإنبات فهو أن ينبت الغلام أو الجارية الشعر الخشن حول الفرج… ثم قال: هذا ما يشترك فيه الجارية والغلام، وأما ما يختصّ به الجارية فالحيض فمتى حاضت فقد بلغت، وإن حملت لم يكن الحمل بلوغاً لكنه دلالة على البلوغ؛ فإن الحمل لا يكون إلا عن إنزال الماء الدافق وهو بلوغ.

فهذه هي فتاوى الطوسي في مسألة بلوغ المرأة؛ فتارة يراه في تسع سنين كما في الخلاف وموضع من المبسوط والنهاية ([18])، وأخرى في عشر سنين، وثالثة في خمس عشرة سنة.

5 ـ ابن حمزة الطوسي (560هـ)، قال في كتاب خمس الوسيلة([19]): >وبلوغ الرجل يحصل بأحد ثلاثة أشياء: الاحتلام والإنبات وتمام خمس عشرة سنة، وبلوغ المرأة بأحد شيئين: الحيض، وتمام (عشر) سنين، والحبل علامة البلوغ<. نعم تراجع عنه وقال بالتسع في كتاب النكاح.

6 ـ القاضي ابن البراج (481هـ)([20]) قال: >وحدّ بلوغ المرأة تسع سنين<.

7 ـ ابن زهرة الحلبي (585)([21]) قال: >البلوغ يكون بأحد خمسة أشياء: السنّ وظهور المني والحيض والحمل والإنبات، الدليل إجماع الطائفة وحدّ السن في الغلام خمس عشرة سنة، وفي الجارية تسع سنين بدليل الإجماع المشار إليه<.

8 ـ ابن إدريس الحلي (596هـ)([22]) قال: >وامرأة تعرف بلوغها من خمس طرائق: إما الاحتلام، أو الإنبات أو بلوغ تسع سنين، وذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب الصوم: عشر سنين، وفي نهايته تسع سنين، وهو الصحيح الظاهر في المذهب؛ لأنه لا خلاف بينهم أن حدّ بلوغ المرأة تسع سنين.. والحيض والحمل<.

9ـ المحقق الحلي (677هـ)([23])، وذكر ما يقرب من كلام ابن إدريس.

10 ـ يحيى بن سعيد الحلي (689) قال([24]): >وبلوغ المرأة والرجل بالاحتلام وإنبات العانة، وتختصّ المرأة بالحيض وبلوغ (عشر) سنين، والرجل بخمس عشرة سنة<.

12 ـ العلامة الحلي (726) قال في القواعد([25]): >ويلزمان (الصبي والصبية) به قهراً عند البلوغ، وهو يحصل بالاحتلام أو الإنبات أو بلوغ الصبي خمس عشرة سنة والأنثى تسعاً<.

كانت هذه آراء وأقوال علمائنا السابقين الذين يعتنى بأقوالهم وفتاواهم، ولا داعي لذكر أقوال من بعدهم ونقل عباراتهم، خصوصاً بعد أن اشتهرت الفتوى بين المتأخرين بتحقق بلوغ الأنثى بالإنزال أو الحيض أو الإنبات أو تسع سنين، فلنبحث عن أدلة هذه العلامات.

علامات البلوغ في الأنثى

العلامة الأولى: الإنزال

ولا ريب في كون الاحتلام ـ بل مطلق الإنزال ـ سبباً تاماً لبلوغ المرأة، كما اتفقت عليه فتاوى الأصحاب التي قد ذكرنا بعضها. ويدل عليه إطلاق الآيات التي رتبت أحكام البالغين على الاحتلام، مثل قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ } (النساء: 6)، وقوله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(النور: 6)، ويدلّ عليه أيضاً إطلاق النبوي ـ بناء على صحّته ـ رفع القلم عن ثلاثة: >عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه< ([26])، كما يدل عليه أيضاً إطلاق أو عموم روايات أخرى.

العلامة الثانية: الحيض

وقد اتفقت كلمات السنّة والشيعة على أن الحيض بلوغ، وأنه سبب من أسبابه، كما هو واضح من فتاواهم وكلماتهم المتقدمة وغيرها، نعم خالف المحقق الحلي في الشرائع ([27]) فقال: >أما الحمل والحيض فليسا بلوغاً في حق النساء، بل قد يكونان دليلاً على سبق البلوغ<، وهو ـ كما ترى ـ قول مخالف لسائر الأقوال التي ذكرناها، والتي هي ظاهرة بل بعضها صريح في كون الحيض بلوغاً بنفسه لا أنه دليل وكاشف عن سبق البلوغ بغيره، فلاحظ؛ فمن العجيب دعوى صاحب الجواهر([28]) عدم خلاف معتدّ به على عدم كون الحيض بلوغاً للنساء! بل نجد العكس هو الموجود في كلمات الأصحاب؛ فقد ادعى كثير الإجماع على كون الحيض بلوغاً، وقد تقدّم بعضه؛ ولذلك قال في المسالك([29]): >لا خلاف في كونهما (الحيض والحمل) دليلين على سبق البلوغ، كما لا خلاف في كونهما بلوغاً في نفسهما، ثم قال: إذا تقرّر ذلك، فقول المصنف: >بل قد يكونان دليلاً< ليس لتردّده في دلالتهما لأنها إجماعية، خصوصاً السنّ، فدلالتهما على البلوغ بحيث يتوقف علمه عليهما نادر فناسبه التقليل..<.

وعلى كل حال، فيدل على كون الحيض بلوغاً من طرق أهل السنّة عدة أخبار ـ ليست حجة عندنا ـ كقوله |: >لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار<([30])، وقوله  >إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا<، وأشار إلى الوجه والكفين([31]). وأما من طريق أصحابنا، فقد استفاضت النصوص الدالة على علامية الحيض للبلوغ، وهي كما يلي:

1 ـ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال: >لا يصلح بجارية إذا حاضت إلا أن تختمر إلا أن لا تجده<([32]).

2 ـ الصحيح القوي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم (ع) عن الجارية التي لم تدرك، متى ينبغي لها أن تغطي رأسها للصلاة ممن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال: >لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة<([33]). ورواه الصدوق في العلل([34])، ومن الواضح أن حرمة الصلاة عليها كناية عن الحيض.

وقد دلت الصحيحتان على تعليق وجوب الخمار والحجاب عن الأجنبي وفي الصلاة على الحيض، بينما دلّت الأخيرة على عدم وجوب الصلاة عليها قبل الحيض، لأنه لا صلاة واجبة إلا مع الساتر كما هو واضح، فعدم وجوب الستر على الجارية قبل الحيض في الصلاة لازمه عدم وجوب الصلاة عليها؛ إذ لا يحتمل فقهياً وجوبها عليها من دون حجاب وساتر.

3 ـ ما رواه الصدوق([35]) بإسناده عن يونس بن يعقوب، أنه >سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال: نعم. قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للمرأة إذا حاضت إلا الخمار، إلا أن لا تجده<. وظاهره الكلام في الصلاة ووجوب الستر على المرأة فيها إذا حاضت، نعم في طريق الصدوق إلى يونس، الحكم بن مسكين الذي لم يوثق في الرجال عدا وروده في كامل الزيارات الذي ليس له اعتبار على الصحيح، إلا أن هناك قرائن وشواهد على وثاقة الرجل وعدالته، من قبيل كونه ذا كتاب وأصل، ورواية الأجلاء عنه، واستشهاد العمل برواياته، مما يكشف عن حُسن ظاهر حاله الذي هو من الأمارات المعتبرة عندنا على وثاقة الراوي، وتفصيل الكلام موكول إلى علم الرجال.

4 ـ رواية أبي البختري([36]) ـ التي وردت في قرب الإسناد ـ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (ع) قال: >إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلا بخمار<. وتقريب الدلالة فيها كسابقتها، إلا أنها ضعيفة بأبي البختري.

5 ـ ما رواه الشيخ الطوسي([37]) منفرداً عن أبي بصير عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: >على الصبي إذا احتلم الصيام، وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلا أن تكون مملوكة؛ فإنه ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر، وعليها الصيام<.

ونلاحظ أنّ هذه الرواية أناطت الصوم أيضاً بالحيض، ويستفاد من مفهوم الشرط فيها عدم وجوب الصوم عليها قبل الحيض، نعم يمكن المناقشة في سندها من جهة القاسم بن محمد وهو الجوهري، وعلي بن أبي حمزة البطائني الواقفي، وفي كليهما كلام معروف في علم الرجال.

6 ـ ما رواه الصدوق([38]) مرسلاً قال: وفي خبر آخر: >على الصبي إذا احتلم الصيام وعلى المرأة إذا حاضت الصيام<. ويحتمل قوياً أن تكون هذه الرواية نفس سابقتها، والإرسال يسقطها عن الحجية.

7 ـ ما رواه الصدوق([39]) في الصحيح عن إسحاق بن عمار قال: >سألت أبا الحسن(ع) عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت<.

8 ـ ما رواه الشيخ والكليني([40]) بإسنادهما عن شهاب عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال: >سألته عن ابن عشر سنين، يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت<، وليس في هذه الرواية من يطعن عليه سوى سهل بن زياد الآدمي. إلا أن الصحيحة السابقة عليها كافية في اعتبار الحيض بلوغاً لوجوب الحج، فلا حجّ قبل الطمث والحيض، على ما هو ظاهر الرواية الأولى.

9 ـ ما رواه المشايخ([41]) الثلاثة في الموثق بأسانيدهم عن أبي مريم قال: >سألت أبا عبد الله (ع) في آخر ما لقيته، عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بإمرأة أيّ شيء يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحدّ، ويقام على المرأة الحد، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها قال: تضرب الجارية دون الحد ويقام على الرجل الحد<. وهذا بناء على أن المراد بقوله: (لم تبلغ) لم تبلغ مبلغ النساء من المحيض، لا المعنى المصطلح للبلوغ.

10 ـ ما رواه أبو بصير([42]) في الصحيح قال: >وسألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة؟ قال: لا يجلد إلا أن تكون أدركت أو قاربت<.

وهذه الرواية رواها الكليني([43]) بسند فيه سهل بن زياد وهو ضعيف، وبسند آخر([44]) فيه إرسال وهو مضعّف له، كما رواها الشيخ بإسناده عن سهل، لكن رواها الصدوق في العلل بسند صحيح لا طعن فيه([45]).

هذا من حيث السند، وأما من حيث الدلالة، فقوله: إلا أن تكون أدركت، يعني بالإدراك إدراك ما تدركه النساء وهو الحيض، فإن هذا هو المناسب والظاهر من إدراك النساء، فليس المراد به البلوغ الاصطلاحي بالاحتلام أو الإنبات أو التسع سنوات، وهذا يعني أن بلوغ المرأة بالحيض، فإذا بلغت المحيض جلد قاذفها وإلا فلا.

12 ـ ما رواه الكليني([46]) في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)، في الرجل يقذف الصبية؟ قال: >لا، حتى تبلغ<. وتقريب دلالتها كالسابق. بل الظاهر أن هذه الرواية عين الرواية السابقة؛ لأن أسانيدها جميعاً تنتهي إلى عاصم بن حميد عن أبي بصير، فالظاهر أنّهما واحدة مصدرها كتاب عاصم المشهور المعتمد لدى الأصحاب.

13 ـ ما رواه الكليني([47]) بإسناده المعروف عن السكوني عن أبي عبد الله(ع) قال: >أتي علي(ع) بجارية لم تحض قد سرقت، فضربها أسواطاً ولم يقطعها<. وهي رواية ضعيفة بالحسين بن يزيد النوفلي بطريق الكليني، لكنها موثقة بإسناد الشيخ الطوسي([48])؛ لأنه رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، فالحديث من كتاب السكوني المعروف.

والرواية ظاهرة في موضوعية الحيض لقطع اليد، فوصف الجارية بأنها لم تحض تعليلٌ لعدم القطع، فيكون الحيض علّةً للقطع، وهو معنى البلوغ به، أي بالحيض.

14 ـ خبر عمار الساباطي([49]) في الموثق عن أبي عبد الله (ع) قال: >سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك<.

فمن الناحية السندية الخبر معتبر ـ وسيأتي تفصيل الكلام فيه ـ وقد دلّ على أن الحيض موضوع لتوجّه التكاليف الإلزامية عليها، سواء كانت تكاليف عبادية أم توصلية، فهي جميعاً لا تتوجه إلى البنت ما لم تحض أو تكمل ثلاث عشرة سنة.

هذه بعض روايات البلوغ بالمحيض، وهناك روايات أخرى تأتي الإشارة إليها في العلامة الخامسة، وقد ثبتث بها علامية الحيض للبلوغ، بل قد يقال: إنها تدلّ على عدم مسبّبية الإنزال لبلوغ المرأة، باعتبار أن بعضها ـ كالأخير ـ ذكرت الغلام بالاحتلام، وبلوغ المرأة بالحيض، والتفصيل قاطع للشركة، لكنه يندفع بأن عدم الإشارة لاحتلامها إنما هو لأجل قلّة وندرة بلوغها بالاحتلام قياساً للرجل، وإنما العادة جرت على بلوغها بالحيض فاقتصرت الروايات عليه.

العلامة الثالثة: الحمل

وقد ذكره بعضهم دليلاً على سبق البلوغ بالحيض أو الإنزال، ولا بأس به بناء على ما هو المعروف من تكوّن الولد من اختلاط ماء الرجل والمرأة، وقضاء العادة بتقدّم الحيض على الحمل،فالحمل ليس بلوغاً بنفسه؛ لعدم الدليل، بل علامة على سبقه بالإنزال أو الحيض([50]).

العلامة الرابعة : الإنبات

وقد استدلّ على كونه سبباً أو دليلاً على البلوغ في الإناث بالإجماع([51]) والروايات:

أ ـ أما الإجماع، فهو ممنوع صغرى وكبرى، فقد مرّت عليك كلمات أصحابنا القدماء وعرفت أنّ بعضهم لم يعتبر الإنبات بلوغاً في الإناث فراجع، وعلى فرض تحققه فهو مدركيٌّ لا محالة، ومدركه معلومٌ لدينا محرز عندنا، كما يتضح لمن راجع عبارات الأصحاب، فلا يكون حجةً.

ب ـ وأما الروايات، فهي ما ذكرناه في بحثنا عن بلوغ الذكر، ونشير إليها هنا باختصار:

1 ـ رواية أبي البختري، عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) أنه قال : >عرضهم رسول الله(ص) يومئذٍٍ ـ يعني قريظة ـ على العانات؛ فمن وجد أنبت قتله، ومن لم يجد أنبت ألحقه بالذراري< ([52])، وهي ضعيفة سنداً بأبي البختري وهب بن وهب، ودلالةً أيضاً.

2 ـ رواية حمران ـ التي تقدّمت في بحثنا السابق ـ والتي ذكرت علامات بلوغ الذكر بالاحتلام والنبات وبلوغ خمس عشرة سنة، ثم ذكرت: إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم… ([53]). وهي ضعيفة سنداً بعبد العزيز العبدي فقد ضعّفه النجاشي، ودلالةً بأن الإمام (ع) إنما ذكر الإنبات علامة لبلوغ الذكر، وأما الأنثى فقد ذكر لها علامة أخرى وهي بلوغ تسع سنين، بل إنها على العكس أدلّ؛ لأن التفصيل قاطع للشركة، فظاهرها أن الإنبات ليس علامةً لبلوغ الأنثى لقوله (ع): >إن الجارية ليست مثل الغلام<.

3 ـ رواية يزيد الكناسي([54])، وهي في ضعف السند والدلالة كسابقتها؛ لأنهما متشابهتان في المدلول، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ينفع المقام في العلامة التالية.

وبهذا اتضح أنه لا دليل على كون الإنبات علامة على بلوغ المرأة كالرجل عندنا، بل إن روايات البلوغ بالحيض تدلّ بالإطلاق المقامي على نفي هذه العلامة؛ لأنها في مقام بيان موجبات البلوغ وأسبابه فلاحظ.

العلامة الخامسة: إكمال تسع سنين

وهي من أشهر علامات بلوغ النساء في عصرنا لدى الفقهاء والمقلّدين، بل نجد أن بعضهم أهمل سائر العلامات واقتصر على هذه العلامة لسبقها على غيرها دائماً، فلابد من البحث فيها بشيء من التفصيل والتدقيق، وليعلم أنّ القائلين بعلامة تسع سنين يرونها سبباً تاماً للبلوغ لا أنها كاشفة عن سبق البلوغ بغيرها.

وإليك أدلة البلوغ بتسع سنين:

الدليل الأول: الإجماع

وقد ادّعاه غير واحد من الأعلام، كما تقدم في كلمات بعضهم عند عرضنا لآراء الإمامية.

ويرد عليه: أولاً: بعدم تحقق الإجماع على القول ببلوغها بتسع سنين، كيف، وقد نقلنا لك فتاوى الأصحاب، أفلم ترَ مخالفة الصدوق والمفيد والمرتضى؟ ألم يمرّ عليك تعدّد أقوال شيخ الطائفة الطوسي؟ فتارةً قال بتسع سنين، وادعى عليه الإجماع! وأخرى قال بعشر سنين، وثالثة بخمس عشرة سنة، مع أنه أول من ادّعى الإجماع على التسع في الخلاف، وأخذ به من جاء بعده، أوليس أفتى ابن حمزة الطوسي وابن سعيد الحلي ببلوغها بتمام عشر سنين؟ فبعد هذا الخلاف كيف يمكن دعوى الإجماع على البلوغ بالتسع؟ بل حتى الشهرة غير معلومة لدى القدماء، وإنما حصلت الشهرة والإجماع بعد العلامة الحلي في القرن الثامن الهجري حتى استقرّت عليه فتاوى المتأخرين، وصار مَن يناقش فيه كأنه يناقش في ضروريات المذهب!

ثانياً: هب أنّ الإجماع قد تحقّق لكنه ليس بحجة، لأنه معلوم المدرك والمستند، فقد استندوا إلى الروايات والأخبار الظاهرة في بلوغها التسع سنوات، كما استدل بعض المتأخرين عن الشيخ بالإجماع الذي ادّعاه الشيخ وخالفه بنفسه، فهو إجماع مدركي، ولا أقلّ من احتماله، والحجة حينئذٍ مدركه إن تمّ لا الإجماع نفسه كما هو محقق في علم أصول الفقه.

الدليل الثاني: الروايات

وهي عدة مجموعات:

المجموعة الأولى: روايات البلوغ والمؤاخذة في تسع سنين

1 ـ خبر حمران بن أعين عن أبي جعفر(ع) في حديث: >قال: إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع لها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها< ([55]).

ويلاحظ على هذا الخبر: أولاً: إنه ضعيف سنداً بعبد العزيز العبدي الذي ضعّفه النجاشي صريحاً([56])، فلا عبرة برواية الحسن بن محبوب عنه، حتى بناء على أنه لا يروي إلا عن ثقة، وبحمزة بن حمران، فإنه لم يوثق في الرجال.

وثانياً: إنه ضعيف دلالة، فإن قوله(ع): إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين، إن أخذناه بظاهره ـ كما هو اللازم ـ فمعناه أنه يشترط في بلوغها ـ غير التسع سنين ـ الزواج والدخول، وهو أمر لم يفت به أحد ولا يحتمله أيّ فقيه، ولا يثبت به رأي المشهور من البلوغ بمجرد إتمام تسع سنين سواء تزوجت أم لا، دخل بها أم لا، وإن صرفناه ـ قوله المذكور ـ عن ظاهره وقلنا: إن المراد بزواجها والدخول بها وصولُها إلى مرتبة من الكمال البدني بحيث يمكن فيها ذلك وإن لم يتحقق خارجاً، فلا يثبت حينئذٍ رأي المشهور أيضاً، إذ حينئذٍ لا يكون للتسع سنين خصوصية وسببية للبلوغ، بل لابد من الانتظار لوصولها إلى تلك المرتبة ـ وهي مرتبة إمكان الحيض فعلاً ـ كأن تبلغ سنّ الثانية عشر أو الثالثة عشر في عصرنا ومناطقنا، مع أنّ المفروض الأخذ بظاهر الحديث؛ لظهور العناوين في الموضوعية، وإذا لم يمكن ذلك فلا يعيّن المصير إلى الكناية أو المجاز، بل يبقى الحديث مجملاً ويردّ علمه إلى أهله.

ثم إن الرواية لم تتطرّق لوجوب العبادات عليها بالتسع، وإنما ذكرت غيرها.

2 ـ خبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر (ع) قال: >الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوّجت، وأقيمت عليها الحدود التامة لها وعليها< ([57])، وقد رواها الكليني([58]) والطوسي([59]).

ويلاحظ عليه: أولاً: بضعف سنده؛ فإن يزيد الكناسي لم يوثق لا بتوثيق خاص ولا عام، واحتمال اتحاده مع يزيد أبي خالد القماط الثقة فاسد جداً؛ لأن الرواة عن الكناسي هم: أبو أيوب الخزاز وجميل بن صالح وعلي بن رئاب وهشام بن سالم([60])، وليس أحد من هؤلاء روى عن القماط، كما أن الكناسي لم يرو إلا عن الإمام الباقر(ع) إلا رواية عن الإمام الصادق (ع)، والحال أن القماط روى كثيراً عن الصادق كما روى عن آخرين، وليس له عن الباقر إلا روايتان، فاختلاف الراوي والمروي عنه يكشف بوضوح عن تعدّد الرجلين، ولذلك أفرد البرقي كلاً منهما في رجاله.

ثانياً: إن المتتبع يجد أن هذا الخبر هو نفس الخبر الذي رواه الشيخ([61]) في موضع آخر بصورة أكثر تفصيلاً وبالسند نفسه، لكنه فيه: قلت: >أفتقام عليها الحدود وتؤخذ بها وهي في تلك الحال وإنما لها تسع سنين ولم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: نعم، إذا دخلت على زوجها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها، وأقيمت الحدود التامة عليها ولها..<، وبما أن كلتا النسختين والنقلين محتمل في نفسه فيرد عليه الإشكال الثاني على الرواية السابقة بناء على هذا النقل؛ لأنه أيضاً قيّد التسع بالزواج والدخول.

3 ـ مرسلة الصدوق([62]) قال: وقال أبو عبد الله(ع): >إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع اليها مالها وجاز أمرها في مالها، وأقيمت الحدود التامة لها وعليها<، وهي ضعيفة بالإرسال، وبالوثوق بأنّ سند الصدوق لها هو عينه أحد السندين السابقين الضعيفين، وإن رواها هو عن الصادق(ع). وما قيل من أنّ الصدوق إذا أرسل الرواية بنحو (قال الصادق، أو قال النبي،لا بنحو روي عنه) دلّ على صحتها وحجيّتها عنده وعندنا، قولٌ غير صحيح، كما أثبتناه في محلّه، فلا فرق بين مرسلات الصدوق في الضعف والوهن.

4 ـ رواية الشيخ الطوسي([63]) بإسناده إلى سليمان بن حفص المروزي، عن الرجل(ع) قال: >إذا تمّ للغلام ثمان سنين فجائز أمره، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تمّ للجارية تسع سنين فذلك<. وهي ضعيفة سنداً بسليمان بن حفص فإنه لم يوثق، وإن ورد في كامل الزيارات، لما حقّقناه في محلّه من عدم وثاقة جميع رواته، سيما وأن هذه الرواية من كتاب نوادر الحكمة عن محمد بن عيسى اليقطيني الذي ضعفه القميون والشيخ الطوسي ـ وإن كان ثقة عندنا ـ فهي رواية تفرد بها نوادر الحكمة والشيخ، فالاعتماد عليها في غاية الإشكال، هذا من حيث السند، وأما من حيث الدلالة فيضعّفها أنها اعتبرت بلوغ الغلام بثمان سنين، وهو مقطوع البطلان، فلابد من توجيهها بتوجيه آخر، كأن يراد بها استحباب الفرائض عليه ويراد من الحدود التعزيرات، وحينئذٍ فبقرينة السياق يحمل بلوغ الجارية فيها على هذا المعنى أيضاً.

5 ـ مرسلة ابن أبي عمير([64]) عن رجل، عن أبي عبد الله(ع) قال: >قلت: الجارية ابنة كم لا تستصبى؟ أبنت ست أو سبع؟ فقال: لا، إبنة تسع لا تستصبى، وأجمعوا كلهم على أن ابنة تسع لا تستصبى إلا أن يكون في عقلها ضعف، وإلا فإذا بلغت تسعاً فقد بلغت<، والمراد بقوله: (لا تستصبى) إما لا تعدّ صبية بل تعدّ بالغةً، وإما أنها لا تخدع في النكاح والعقد. والرواية تفرّد بنقلها الكليني في الكافي([65]) في باب الأبكار، ونقلها صاحب الوسائل في باب عدم جواز التمتع بالبنت قبل البلوغ بغير ولي، والظاهر أنها من كتب محمد بن أبي عمير.

ويرد عليها: أولاً: إنها ضعيفة بالإرسال، فمرسلات ابن أبي عمير كمرسلات غيره ليست حجةً على التحقيق.

ثانياً: إنه لم يظهر من السؤال والجواب أنه سؤال عن بلوغ الجارية شرعاً ليكون الجواب بالتسع دليلاً على البلوغ به، بل الظاهر أن السؤال عن جواز النكاح على الجارية الصغيرة وهي غير مخدوعة بحيث لا يكون لها حقّ الفسخ بعد ذلك، أي أنّ السؤال عن رشد الجارية عقلاً بحيث لا تكون مخدوعةً، فأجاب الإمام بأنها إذا بلغت تسع سنين فلا تكون كذلك إلا أن يكون في عقلها ضعف، مما يعني أنّ السن المذكور ليس له خصوصية، بل الموضوع هو الرشد العقلي والفكري، وإنما السنّ طريقٌ لذلك، فلابد من مراعاة الكمال العقلي ـ كمراعاة الكمال البدني في الدخول بها ـ للعقد عليها، ويشهد ما قلناه قوله(ع): >إلا أن يكون في عقلها ضعف<، وقوله: >وأجمعوا كلّهم على أن ابنة تسع لا تستصبى<، فإن المراد من الإجماع هو إجماع عامة الناس ورأيهم وتصوّرهم للموضوع، وهو البلوغ الفكري بتسع سنين، لا إجماع الفقهاء فإنه خلاف الواقع كما مرّ عليك؛ حيث إن عامة الفقهاء ذهبوا إلى أن البلوغ بالحيض أو بخمس عشرة سنة أو أكثر، فتبين أن المراد بقوله: >وإلا فإذا بلغت تسعاً فقد بلغت<، إنما يراد به ذلك، لا البلوغ الاصطلاحي بحيث تترتب عليه آثاره الفقهية كلها. ومثل هذه الرواية الروايةُ التالية:

6 ـ عن محمد بن هاشم عن أبي الحسن الأول (ع) قال: >إذا تزوّجت البكر بنت تسع سنين فليست مخدوعة< ([66]).

وهي رواية رواها الشيخ بإسناده عن الصفار منفرداً، وهي ضعيفة بعدّة مجاهيل، ومعارضة بروايته الأخرى عن محمد بن مسلم، قال: >سألته عن الجارية يتمتع منها الرجل؟ قال: نعم، إلا أن تكون صبية تخدع، قال: قلت: أصلحك الله، وكم الحدّ الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: بنت عشر سنين»([67])، وهي أيضاً ضعيفة بإبراهيم بن محرز الخثعمي لجهالته.

وبالجملة السؤال والجواب في هذه الروايات إنما هو عن البلوغ العرفي للصبية من حيث الرشد العقلي والذهني، وأنه في أي سنّ يتحقق ذلك، فأجاب الإمام ـ حسب الرواية ـ بالتسع أو العشر، وهذا أمر يختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان، والمهم تحقق الرشد العقلي الذي به لا تكون الصبية مخدوعة، وإنما السنّ مأخوذٌ على نحو الطريقية والكاشفية عن ذلك.

7 ـ مرسلة ابن أبي عمير الأخرى، والتي رواها الصدوق في الخصال عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله(ع) قال: >حدّ بلوغ المرأة تسع سنين< ([68]).

ويلاحظ عليها: أولاً: ضعفها بالإرسال، وإن كان المرسل ابن أبي عمير.

إن قلت: إن ابن أبي عمير أرسلها عن (غير واحد)، وهو ظاهر في ثلاثة فما فوق، ومن المستبعد جداً أن يكونوا غير موثقين كلّهم، ولا أقلّ من وثاقة واحد منهم، فتكون الرواية موثوقة الصدور وإن كانت مرسلة.

قلت: إننا تارة نبني على أنّ ابن أبي عمير لا يروي ولا يرسل أو فقط لا يرسل إلا عن ثقة، وأخرى لا نبني على ذلك، فإن بنينا على الأول فالرواية معتبرة كالمسندة عن الثقة، بلا فرق بين أن يكون الإرسال عن واحد أو عن رجل مثلاً، وأما إذا بنينا على أن ابن أبي عمير كغيره من الرواة قد يروي ويرسل عن الثقة وقد يروي ويرسل عن الضعيف ـ وقد روى عن الضعاف أمثال أبي البختري ويونس بن ظبيان ومحمد بن سنان وغيرهم ـ فلا ينفع ذلك الوجه لإثبات حجية الرواية، وذلك لأمرين:

أحدهما أن مقولة أنّ التعبير بـ (غير واحد) ظاهر في ثلاثة فما فوق غير واضحة عندنا، فإنّ ظاهره اللغوي والبدوي هو شموله للاثنين أيضاً، فمن أين استظهر دلالته على الثلاثة فما فوق وعدم دلالته على الاثنين؟ وأي قرينة تثبت ذلك؟ ويشهد لما قلناه ما رواه الكليني([69]) بإسناده عن حنان بن سدير قال: >دخلنا على أبي عبد الله× ومعنا فرقد الحجام فقال له: جعلت فداك إني أعمل عملاً وقد سألت عنه (غير واحد ولا اثنين) فزعموا أنه عمل مكروه…<، ولذلك لو روى شخص عن (غير واحد) ثم قال: قصدت رجلين فقط لم يكن كاذباً عند الناس، مما يعني شموله للاثنين فما فوق، خصوصاً أننا تتبّعنا روايات محمد بن أبي عمير فوجدنا رواياته المسندة عن ثلاثة فما فوق قليلة جداً مع أن مراسيله عن (غير واحد) كثيرة، مما يعني شمول ذلك التعبير للاثنين أيضاً، وعليه فيضعف الوثوق والاطمئنان بمرسلاته عن (غير واحد) إلا مع القرائن الأخرى.

وثانيهما أن محمد بن أبي عمير روى عما يقارب الأربعمائة شخص وراوٍ، ونصف هؤلاء تقريباً لم يوثقوا في الرجال ولم تثبت وثاقتهم، بل منهم من ضعّفه الرجاليون، وحينئذٍ فمن أين لنا الوثوق بأن واحداً من (الثلاثة) ثقة حتماً؟ أو لا يمكن أن يكونوا كلّهم ممّن لم يوثقوا ولم يعلم حالهم؟ ودعوى أن ثلاثة أشخاص إذا رووا روايةً يبعد احتمال كذبهم أو خطئهم واشتباههم جميعاً فيها؛ فنطمئن بصدق الرواية وصدورها، دعوى بلا دليل؛ لأن المفروض عدم العلم بحالهم من حيث الوثاقة والضبط والأمانة.

نعم قد تكون هناك قرائن خارجية تعيّن بعض الرواة أو تبين حاله فيتولّد لنا الاطمئنان بالصدور، لكنها منتفية في هذه الرواية، سوى أن الراوي فيها هو ابن أبي عمير، وهو مع جلالته وعظمته في الطائفة قد روى عن الضعاف وعن مجهولي الحال.

وإذا أضفنا إلى ذلك احتمال أن تكون هذه المرسلة هي عين مرسلته السابقه؛ نظراً لوحدة السند إلا في المرسل عنه، وتقارب ذيل السابقة مع متن هذه، لزم منه تردّد المرسل عنه بين (رجل) وبين (غير واحد)، الأمر الذي يسقط الاستدلال والاستفادة من الإرسال بـ (غير واحد)، خصوصاً وأنّ هذه المرسلة قد انفرد بها الصدوق في كتابه الخصال، فلم يذكرها في كتب فتاواه كما لم يذكرها غيره، مما يوجب الوهن في الرواية، خصوصاً عند من يرى أنّ موضوع حجية خبر الواحد هو الوثوق بالصدور لا مجرد وثاقة الراوي.

ثانياً: إن المستدل استظهر من المرسلة أنها بصدد بيان البلوغ الاصطلاحي لدى الفقهاء، بمعنى بيان الحدّ الذي تكلّف فيه الصبية بالتكاليف الإلزامية، لكن هناك احتمال آخر في الرواية وهو أنها بصدد بيان حدّ البلوغ التكويني والطبيعي للمرأة، وهو تسع سنين آنذاك، أي أنه قبل تسع سنين لا تكون امرأةً لأنها لا تحيض، وبهذا تكون هذه الرواية مطابقة لمضامين الروايات التي دلّت على أن الجارية قبل تسع سنين لا تحيض([70])، فلا يجوز الدخول بها ولا عدّة عليها. وبعبارة أخرى: إن الرواية بصدد بيان الحد الأدنى من حيث السن للبلوغ بالحيض، وأنه قبل تسع سنين لا تبلغ بالحيض، وإنما البلوغ بعدها.

8 ـ رواية عبد الله بن سنان([71]) التي رواها الكليني والطوسي، ففي رواية الكليني جاء عن أبي عبد الله× قال: >إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين<.

ويلاحظ عليها: أولاً: إنها ضعيفة سنداً بآدم بياع اللؤلؤ وهو آدم بن المتوكل, فإنه وإن وثّق في النسخة الموجودة من رجال النجاشي، لكن الظاهر خلوّ نسختي العلامة وابن داوود من التوثيق، فلا يمكن الاعتماد على النسخ المطبوعة([72]).

ثانياً: إنها تدلّ على أنّ الحيض هو الأصل والموضوع للمؤاخذة لا التسع سنين، خلافاً لما هو مطلوب المستدل، وعليه فلابد من ملاحظة الحيض لا السنّ، فلو لم تحض في سن التاسعة فلا تكون بالغة، واحتمال أن المراد إمكان الحيض يدفعه ظهور اللفظ في الفعلية، مع أنه حنيئذٍ لابد من ملاحظة الإمكان وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان.

محاولة للدفاع عن ضعف سند المجموعة الأولى

هذه هي روايات البلوغ بتسع سنين، وقد عرفت أنها جميعاً ضعيفة سنداً بل ودلالة، فلم يتم منها شيء، لكن قد يقال ـ كما قالوا ـ: إن عمل المشهور بهذه الروايات يجبر ضعفها ويجعلها موثوقة الصدور فتكون معتبرة، لكن يرد على هذه الدعوى:

أولاً: قد حقّقنا في محله مفصّلاً أنّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السند كما لا يجبر ضعف الدلالة بالاتفاق.

ثانياً: إن المعتبر هو عمل مشهور القدماء، وقد عرفت أن المشهور بينهم ليس ذلك، فقد خالف الصدوق والمفيد والمرتضى في الصوم، وتعدّدت آراء الطوسي كابن حمزة الطوسي، فيستكشف من ذلك أنّ المسألة لم تكن واضحة بحيث لا مجال للخلاف فيها.

ثالثاً: لم يعلم استناد المشهور إلى هذه الروايات، فهذه مرسلة ابن أبي عمير الثانية لم يستدلّ بها أحد، بل لم يذكرها غير الصدوق في كتاب الخصال؛ فكيف يمكن جبر ضعفها بدعوى عمل المشهور بها؟!

 

الجواب العام على روايات البلوغ بالتسع

ولنا ـ مضافاً إلى كل ما تقدم ـ جواب عام على روايات البلوغ بتسع سنين وحاصله: إن المجمع عليه بينهم ـ تبعاً لبعض الروايات ـ أن المرأة لا تحيض قبل تسع سنين حتى أنه لو خرج منها دم فهو ليس من الحيض شرعاً، وإنما الحيض بالتسع فما بعد، كما أنّ مقارنة الحيض لتسع سنين قليل ونادر، ولذلك قال الشافعي في كتابه الأم([73]): وأعجل مَن سمعت به من النساء حضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين.

وبناء على ذلك نقول: إنّ روايات البلوغ بالحيض بنفسها تنافي وتعارض روايات البلوغ بتسع سنين، إذ لو كان البلوغ بالتسع لصرّحت الروايات الواردة في البلوغ بأنها تبلغ في تسع سنين، وللصلاة والصوم والحج.. بالحيض؛ لأنّ السن المذكور متقدم دائماً أو غالباً على الحيض، فلماذا علّقت الروايات البلوغ بالحيض؟ كما هو مضمون الروايات الكثيرة المتقدمة الدالة على البلوغ بالحيض، فروايات البلوغ بالحيض بنفسها دليل واضح على البلوغ بالحيض وعدم حصوله بتسع سنين وإلا لذكرته واقتصرت عليه، كما هي الحال في فتاوى بعض المعاصرين([74]).

وبتقريب آخر: بناء على ما ذكرناه من تقدّم التسع على الحيض، تقع معارضة بين طائفتي الروايات؛ روايات البلوغ بتسع سنين ـ على فرض صحتها وتماميتها سنداً ودلالة ـ وروايات البلوغ بالحيض؛ لأن جعل البلوغ بالسنّ المذكور يعني لغوية جعله بالحيض لتأخره عنه، كما أنّ جعله بالحيض يعني عدم العبرة بالسنّ وعدم كونه سبباً للبلوغ وإلا لكان الجعل المذكور لغواً أيضاً؛ لتقدّم السنّ المذكور على الحيض.

وفي مقام حلّ هذا التعارض هناك عدة وجوه محتملة ابتداءً:

الوجه الأول: الجمع بين الطائفتين بلزوم اجتماع الحيض مع إتمام المرأة تسع سنين، فمتى حاضت ولها تسع سنين فقد بلغت وإلا فلا، وهذا يعني جعل كلاً من الحيض والسنّ جزء علةٍ للبلوغ .

وهذا الوجه ضعيف جداً، أما أولاً: فلأنّ هذه المسألة تكون حينئذٍ من فروع البحث المعروف في الأصول، وهو تعدّد الشرط واتحاد الجزاء في جملتين شرطيتين، وقد حقق هناك أن التقييد يكون بـ (أو) لا بالواو، فبيّنت عليّة كل شرط بشكل مستقل، وتفصيله موكول إلى محلّه.

وأما ثانياً: فلأجل ندرة اقتران الحيض مع بلوغ التسع سنين، فلا يصحّ حمل كل هذه الروايات من الطائفتين على هذا الفرض النادر.

وأما ثالثاً: فلأنه غير محتمل فقهياً في نفسه، ولم يفت به أحد من فقهاء الفريقين.

الوجه الثاني: حمل روايات البلوغ بالحيض على إمكان الحيض واستعداد المرأة له، لا تحقّقه فعلاً وخارجاً، وبما أنّ الحيض ممكن في تسع سنين، فيؤخذ بكلتا الطائفتين من الروايات.

وهذا الوجه أيضاً ضعيف وذلك لأمور: الأول: إنه خلاف ظهور روايات الحيض في فعليته وحصوله خارجاً. الثاني: إباء بعض روايات البلوغ بالحيض عن هذا الحمل، وصراحتها في أنّ حصول الحيض خارجاً هو ملاك البلوغ، مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة عن أبي إبراهيم (ع) قال: >سألت أبا إبراهيم (ع): عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة: قال: لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة< ([75]). فإن حرمة الصلاة عليها إنما تكون بحصول الحيض منها خارجاً لا إمكاناً كما هو واضح، ومثلها روايات وجوب الحج عليها بالحيض، فإنها ذكرت احتلام الغلام مع حيض الجارية، بل وغيرها من الروايات المتقدمة الآبية على الحمل على الحيض الإمكاني والتقديري.

الوجه الثالث: تقييد مفهوم كل من الشرطيتين المستفادتين من الروايات بـ (أو)، والشرطيتان هما: (إذا بلغت تسع سنين فقد بلغت) و (إذا حاضت فقد بلغت)، وينتج منه حكم الشارع بالبلوغ إما بتسع سنين وإما بالحيض، كما هو ظاهر فتاوى السابقين، فأيهما تحقّق فقد حصل البلوغ، ويكون كلّ منهما سبباً تاماً للبلوغ.

لكن يرد عليه ما تقدم من استحالة هذا الجمع في المقام، لأن المفروض أنّ الحيض إما متأخر عن التسع ـ كما هو الغالب ـ وإمّا مقارن، وفي كلا التقديرين تستحيل علامية الحيض؛ لأنّها تكون لغواً، مع جعل السنّ علامة، وتوهم أنّ الحيض يكون علامةً لمجهولة السنّ، فاسد جداً؛ لأنه مع الجهل بالسنّ لا يعلم بحصول الحيض شرعاً، فما قبل التسع ليس حيضاً حتى إذا جهل تاريخه بالنسبة لعمر المرأة، وبعبارة أخرى: إن التمسك بروايات الحيض في مجهولة السنّ تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير صحيح.

الوجه الرابع: إن روايات البلوغ بالتسع مشهورة عند الأصحاب وعليها العمل في الفتاوى، فتقدّم على روايات البلوغ بالحيض لأنها شاذة فتطرح.

ويلاحظ عليه أولاً: إنه خلاف ما اشتهر بينهم من عدم صحّة الترجيح بالشهرة بين المتعارضين. وثانياً: إنه يتم إذا لم يكن في البين جمعٌ عرفي، وسيأتيك بيانه. وثالثاً: إن روايات البلوغ بالحيض أيضاً مشهورة، وقد وردت في أهم الكتب والأصول الحديثية عند الشيعة، وأفتى بمضمون بعضها القدماء، بل إنها أشهر وأكثر من روايات التسع من حيث مصادرها والرواة لها، فكيف يدّعى أنها شاذة؟

الوجه الخامس: حمل روايات البلوغ بالحيض على التقية لموافقتها أهل السنّة.

وهذا الوجه بعيد غايته؛ لأن تلك الروايات كثيرة لا يحتمل فيها التقية، مع أنّ بعضها ورد من دون أن يطرح سؤال على الإمام فيضطرّ للجواب بالتقية، وبعضها نقل واقعة قد حدثت في زمن أمير المؤمنين(ع)، مضافاً إلى أن بعضها ورد في موارد خاصة كالخمار في الصلاة وعن المحارم وكالحج والصوم، وليس لها معارض في موردها، وإنما المعارضة ـ إن تمّت ـ بلسان عام يمكن تخصيصه أو تقييده بها، فإن الحمل على التقية فرع عدم إمكان الجمع العرفي واستقرار التعارض بين الطائفتين.

الوجه السادس: الحكم بتساقط كلا الطائفتين والرجوع إلى الأصل العملي.

وهذا الوجه ـ مع عدم صحّته ـ لازمه خلاف مذهب المشهور؛ لأنّ المتيقن بلوغ المرأة بالحيض، وقبله ليس لنا يقين بالبلوغ، فيمكن إجراء الاستصحاب أو أصالة البراءة حتى تبلغ، فما لم تطمث لا تعدّ بالغة شرعاً، حتى تصل إلى سنّ نتيقن ببلوغها فيه شرعاً.

الوجه السابع: حمل روايات البلوغ بالتسع على الطريقية والمشيرية إلى حصول الحيض، بمعنى أنّ السنّ ليس له خصوصية وعلّية للبلوغ، وإنما ذكر في بعض الروايات لأجل حصول الحيض في ذلك السن أحياناً، فأريد منه الحيض الذي يتحقق به البلوغ، أو قل: إن المراد السنّ التقريبي لا الدقّي الحقيقي، ويؤيد هذا الوجه ـ بل يدل عليه بناء على وثاقة آدم بياع اللؤلؤ كما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رواية عبد الله بن سنان المتقدمة عن أبي عبد الله(ع) قال: >إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجاربة تسع سنين فكذلك، وذلك أنها تحيض لتسع سنين»([76]).

الوجه الثامن: حمل روايات البلوغ بالسنّ على استحباب الأعمال عليها دون اللزوم والوجوب، وحمل المؤاخذة الواردة في بعضها على المؤاخذة التعزيرية والتأديبية، وما شابه ذلك مما يعدّ أقل كلفة لغير البالغ، ومما يقرب هذا الوجه أنه جمع عرفي بالنظر إلى ظهور وصراحة روايات البلوغ بالحيض في عدم المؤاخذة وعدم تكليفها بالخمار والصلاة والحج وغيرها قبله، وبعبارة أخرى: إنّ روايات الحيض نصّ في عدم البلوغ قبل الحيض وروايات التسع ظاهرة فيه وفي المؤاخذة والإلزام؛ فيحمل الظاهر على النص الصريح، ويستفاد الاستحباب وشبهه، كما قلنا ذلك في رواية بلوغ الصبي بثمان سنين المتقدّمة.

ولو قطعنا النظر عن كل ما تقدم، وعن إيقاع المعارضة بين روايات البلوغ بالحيض وروايات البلوغ بالتسع، لكن لا ينبغي الغفلة عن معارضة روايات التسع لموثقة عمار الساباطي ـ المتقدمة والآتية ـ والتي حدّدت البلوغ بثلاث عشرة سنة، وبعد عدم وجود مرجح لإحداهما ـ بناء على تمامية روايات التسع ـ على الأخرى، يتساقطان، وتكون روايات البلوغ بالحيض سالمة عن المعارض فيؤخذ بها.

وهكذا يتبين من جميع ما فصلناه وقدمناه لك، عدم تمامية أخبار البلوغ بالتسع (المجموعة الأولى)، وثبت أنّ الصحيح هو علامية الحيض على بلوغ المرأة من دون معارض.

المجموعة الثانية: روايات عدم جواز الدخول قبل سنّ التسع

وهي روايات عدم جواز الدخول بالزوجة قبل تسع سنين، وأنه لو دخل بها قبل ذلك فعيبت أو أفضاها فهو ضامن، وهي روايات كثيرة أفتى بمضمونها الأصحاب، واستدل بها بعض المتأخرين([77]) على بلوغ المرأة بتسع سنين مطلقاً، باعتبار دلالتها على جواز الدخول بعد التسع مما يعني بلوغها فيه، وإليك بعض تلك الأخبار:

1 ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: قال: >إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين< ([78]).

2 ـ صحيحته الثانية عن أبي عبد الله (ع) قال: >من وطىء امرأته قبل تسع سنين فأصابها فعيبت فهو ضامن< ([79]).

3 ـ صحيحة زرارة ـ بناء على وثاقة موسى بن بكر كما هو الحقّ ـ عن أبي جعفر(ع) قال: >لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين<، وفي رواية الخصال: وقال ـ يعني زرارة ـ: >أنا سمعته يقول: تسع أو عشر< ([80])، وقد رواها المشايخ الثلاثة في كتب الحديث.

4 ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: >لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر< ([81]). رواها الكليني والطوسي، لكن في السند سهل بن زياد.

5 ـ صحيحة حمران عن أبي عبد الله (ع) قال: >سئل عن رجل تزوج جارية بكراً لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فافتضّها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شيء عليه< ([82]).

ونلاحظ على هذه الروايات:

أولاً: إنها متعارضة فيما بينها، فبعضها حكمت بتسع سنين وبعضها بتسع أو عشر، وبعضها ـ وهي رواية غياث بن إبراهيم([83]) ـ بعشر سنين، ومع هذا التعارض كيف يصحّ الحكم بجواز الدخول بعد تسع سنين سواء كان لها قابلية الزواج أم لا؟

ثانياً: قد عرفت الترديد بين التسع والعشر في صحيحة زرارة ورواية أبي بصير، وصرّحت الأولى بأن الترديد من الإمام نفسه، ونعلم جيداً أنّ الترديد بين الأقل والأكثر في الأحكام غير معقول إذا أريد به الترديد الحقيقي، بأن يحكم بعدم جواز الدخول قبل تسع سنين أو عشر سنين، وجوازه بعدهما؛ وذلك لتحقق موضوع الحكم دائماً بوجود الأقل فيلغو الأكثر كما هو واضح، فيتضح من جميع هذه المقدمات أن الترديد ليس حقيقياً بل ليس العدد والسنّ إلا للإشارة إلى موضوع آخر، وهو بلوغ المرأة مرحلةً من الرشد الجسمي بحيث يمكن فيها الحيض، كما تتحلّى بالرشد البدني بحيث لا تصاب بأذى ـ كالإفضاء ـ إذا دخل بها، وهذا يعني أن التسع أو العشر ليس لها موضوعية في جواز الدخول وعدمه، بل هما طريقان للبلوغ البدني، ونرى أنّ هذا هو الجمع المعقول للروايات المتعارضة، وأنه التفسير المقبول للترديد في بعضها.

ثالثاً: وهو أهم هذه الملاحظات، وحاصله: سلمنا أنّ هذه الطائفة من الروايات قد حكمت بعدم جواز الدخول قبل تسع سنين وجوازه بعدها مطلقاً، لكنه لا ربط له بتاتاً بالبلوغ المبحوث عنه، فإنّ ما نبحث عنه هو زمان تكلّف البنت بالتكاليف الإلزامية ونفوذ أمرها في المعاملات، وجريان الأحكام الجزائية عليها، وبعبارة أخرى: متى تكون كسائر المكلّفين البالغين في الأحكام؟ فالبحث عن المكلّف فيما نحن فيه، بينما البحث في روايات المجموعة الثانية عن موضوع التكليف لتكليف آخر متعلّق بالزوج، ولا ربط بين الأمرين، فلو قلنا بأنه يجوز للزوج أن يدخل بالمرأة بعد تسع سنين ـ كما هو مضمون بعض هذه الروايات ـ فهذا لا يعني أنه حينئذٍ تكون مكلّفةً بالصلاة والصوم والحج وتجري عليها ولها الأحكام الجزائية.. بل يصحّ ويمكن ـ عقلاً وعرفاً وفتوى ـ أن يكون الموضوع لهذه التكاليف الحيض وتحقّق الطمث خارجاً لا إمكاناً، ويكون موضوع جواز الدخول بالمرأة إتمام تسع سنين، وأنه لو دخل بها قبلها فأفضاها كان ضامناً.. ولذلك لو حكم الشارع ـ كما هو كذلك ـ بأنه تجب صلاة الميت على الطفل إذا تمّ له ست سنين فلا يعني أنه يبلغ ويكلَّف بذلك، ولو حكم الشارع ـ كما أفتى به بعضهم ـ بوجوب الستر على المرأة عن الطفل إذا كان مميزاً ولم يبلغ الحلم فلا يلزم منه بلوغه بالتمييز بل حكموا ببلوغه بالاحتلام أو إكمال خمس عشرة سنة والإنبات.

ومما يقرّب لك ما نقول ـ مضافاً إلى ذلك ـ أمور:

الأول: إنّ أهل السنّة قد أفتوا ببلوغ المرأة بالحيض أو بإكمال خمس عشرة سنة أو بأكثر منها، لكنهم أفتوا بعدم جواز الدخول بها قبل تسع سنين وجوازه بعدها([84]).

الثاني: ما تقدّم عن فتاوى فقهائنا القدماء؛ حيث فرقوا بين سنّ جواز الدخول بالمرأة، وبين الموضوع الذي يتحقّق به البلوغ فيجب عليها الصوم وغيره.

الثالث: إنّ فقهاءنا ـ مع حكمهم بأنّ بلوغ الغلام يتحقّق بالاحتلام أو الإنبات أو إتمام خمس عشرة سنة ـ حكموا بجواز صدقته ووقفه وعتقه بل حتى طلاقه إذا أكمل عشر سنين، تبعاً للروايات الواردة فيها، فلا ضيرَ إذاً في التفكيك بين موارد البلوغ وآثاره، مع أنّ موردنا ليس من باب التفكيك وإنما اختلاف الموضوع كما قدّمنا.

فاتضح أنّ المجموعة الثانية من الروايات أجنبية عما نحن فيه.

المجموعة الثالثة: أخبار العِدّة

وهي الروايات التي تتحدّث عن عدة المرأة إذا كانت لا تحيض، وليست في سنّ الحيض، وهي ـ كما في بعض الروايات ـ التي لم تكمل تسع سنين، فتذكر لها أحكاماً خاصة تختلف عن أحكام المرأة التي تحيض، فيستكشف منها بلوغ المرأة بالتسع، وإليك بعض هذه الروايات:

1 ـ صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله(ع) قال: >سألته عن التي قد يئست من المحيض والتي لا يحيض مثلها، قال: ليس عليها عدة< ([85]).

2 ـ مرسلة جميل بن دراج التي نقلها المشايخ الثلاثة عن أحدهما: >في الرجل يطلّق الصبية التي لم تبلغ ولا يحمل مثلها، وقد كان دخل بها، والمرأة التي قد يئست من المحيض وارتفع حيضها فلا يلد مثلها، قال: ليس عليهما عدّة وإن دخل بهما<([86]).

3 ـ رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال أبو عبد الله(ع): >ثلاث يتزوّجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: قلت: وما حدّها؟ قال: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت: وما حدّها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة<([87]).

والجواب عن هذه المجموعة واضح ـ بعد الإحاطة بما ذكرناه في المجموعة الثانية ـ إذ يرد عليها:

أولاً: إنّ الروايات الصحيحة منها لم تحدّد السنّ الذي لا تحيض فيه المرأة، وإنما اعتبرت موضوع عدم العدة هو المرأة التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، وهذا يشمل ما بعد التاسعة إذا كانت كذلك، وأما رواية عبد الرحمن بن الحجاج فهي ضعيفة بسهل بن زياد، بإسناد الكليني([88]).

ثانياً: لا ربط ولا ملازمة بين عدم العدة لمن لم تكمل التسع وبين عدم تحقق البلوغ الشرعي بالتسع وتحققه بعده بالحيض وغيره، كما أوضحناه في روايات المجموعة الثانية، كيف ولازمه أن غير المدخول بها أيضاً لا تكون بالغة، لأنه لا عدة لها حسب هذه الروايات! فلا ينبغي الاعتذار بكلمة (تسع سنين) في هاتين الطائفتين وربطها بالبلوغ الشرعي، بل المفهوم من هذه الروايات أن علة عدم العدة هو عدم احتمال الحمل في هذه الطوائف من النساء، فمتى لم تحتمل الحبل فلا عدة عليها، فتدبر.

نتيجة البحث في روايات البلوغ بالتسع سنين

اتضح ـ إلى الآن ـ أنه لم يتم الدليل ـ من الإجماع والروايات ـ على بلوغ الأنثى بتسع سنين، كما تبين أن بلوغها يكون بالاحتلام أو الحيض بلا إشكال ولا شبهة، لكن هل هناك سنّ محدّد لبلوغها وتكليفها غير ما ذكره المشهور؟ هذا سنبيّنه لك قريباً إن شاء الله تعالى.

نظرية بلوغ الأنثى بعشر سنين، وقفة نقديّة

تقدم سابقاً ـ ضمن عرضنا لكلمات العلماء السابقين ـ أن الشيخ الطوسي ذهب في أحد أقواله وابن حمزة في أحد قوليه، وابن سعيد الحلي، ذهبوا إلى أن بلوغ النساء يتحقق بعشر سنين، خلافاً لرأي المشهور من تحقّقه بالتسع، فما هو مستند ومدرك هذا القول؟

والجواب: إننا لم نجد مستنداً مقبولاً لهذا القول سوى ما أرسله الشيخ نفسه في المبسوط من قوله: وروي عشر سنين([89])، لكنّ إرساله يمنعنا من قبوله والاحتجاج به، نعم تقدّم في روايات المجموعة الأولى خبر محمد بن مسلم في أنّ الجارية لا تخدع إذا بلغت عشر سنين، لكن سبق أنه أجنبي عما نحن فيه، ونحوه خبر غياث بن إبراهيم([90]) في أنّ الجارية لا توطأ لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيبت ضمن.

فتبين أنّ هذا القول أيضاً غير صحيح.

كما أن رأي الشيخ الآخر في المبسوط من بلوغها بخمس عشرة سنة غير صحيح أيضاً، فلم يذهب إليه ـ فيما نعلم ـ أحد من علمائنا، وليس له مستند سوى تعميم ما ورد في الغلام والصبي للجارية والصبية، لكنه غير صحيح؛ لأن ما ورد في ذلك من طريقنا قد ميَّز بين بلوغهما، فذكر لبلوغ كلّ منهما علامة غير الأخرى فلاحظ.

النظرية المختارة في سنّ بلوغ المرأة، إتمام ثلاث عشرة سنة

وبعد أن بيّنا الإشكالات والملاحظات على القول ببلوغ المرأة بتسع سنين وعشر سنين بما لا يمكن الاعتماد على كلا القولين، نرى أن سنّ بلوغها هو إتمام ثلاث عشرة سنة قمرية، كما قلنا في سنّ بلوغ الذكر، إلا أن تحتلم أو تطمث قبل ذلك فتبلغ بذلك.

والمستند لهذا الرأي عبارة عمّا يلي:

الدليل الأول: قد أبطلنا القول ببلوغها بتسع سنين وعشر سنين، وأثبتنا بلوغها بالحيض والاحتلام، فإذا لم تحض ولم تحتلم، فلا شك في بلوغها بإتمام ثلاث عشرة سنة، وذلك أننا أثبتنا في بحثنا السابق عن بلوغ الذكر أنّ الصحيح بلوغه بالاحتلام أو إتمام ثلاث عشرة سنة، ولا نحتمل ـ فقهياً ـ أن يكون سنّ بلوغ الأنثى أطول من سنّ بلوغ الذكر؛ إذ لم يذهب أحد من فقهاء الفريقين إلى ذلك، بل المشهور بين أصحابنا أنّ سن بلوغها أقصر من سنّ بلوغه بست سنين، بل يمكن أن يدعى أنّ أخبار بلوغ الذكر بثلاث عشرة سنة شاملة للأنثى أيضاً، إما لإطلاقها اللفظي، أو لقاعدة الاشتراك بين الرجال والنساء في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، والمفروض عدمه فيما نحن فيه، ويمكن أن يؤيد ما قلناه بأنّ حيضهنّ يحصل غالباً بين سنّ الحادية عشر والثالثة عشر، وهذا يناسب جعل سنّ الثالثة عشر بلوغاً لهنّ من حيث السن.

الدليل الثاني: موثقة عمار الساباطي التي رواها الشيخ في التهذيب([91]) والاستبصار([92]), عن أبي عبد الله (ع) قال: >سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم<.

وإسناد الشيخ إلى ابن محبوب صحيح في الفهرست، والرواة من الحسن إلى عمار وإن كانوا من الفطحية لكنهم ثقات، قد نصّوا على وثاقتهم، خصوصاً عمار الساباطي ـ الذي يظهر أن الرواية من كتابه ـ فقد وثقه المفيد والشيخ والنجاشي، بل نسبوا قبول رواياته إلى الطائفة، وقال الشيخ عن كتابه: إنه كتاب كبير جيد معتمد([93])، فمن الغريب أن يستشكل في قبول رواياته والاعتماد عليها، أو يقال: إن رواياته مضطربة المتون والألفاظ غريبة المعنى و..([94])؛ إذ كيف خفي ذلك على فطاحل علمائنا الرجاليين؟! فلم نجد من وصفه بذلك حتى ابن الغضائري المعروف بقدحه للرجال، كما وصفوا بعض الرواة بالتخليط والاضطراب، نعم لا شك في اضطراب بعض رواياته وانفراده ببعض الأحاديث، لكن ذلك مطّرد بين الرواة، فكم من رواية لأجلاء الرواة قد ردّها العلماء لاضطرابها أو لمخالفتها للمشهور أو الكتاب والسنّة؟ وقد تتبعت له روايات كثيرة فوجدتها سالمة عن العيوب والإشكال موافقة للقواعد والأصول، فلا إشكال في وثاقة الرجل بل وقبول رواياته وكتابه، فهذه الرواية لا إشكال في حجيتها من حيث هي، كما أنّ دلالتها على البلوغ بالحيض أو إكمال ثلاث عشرة سنة تامة لا خدشة فيها.

نعم أشكل على الرواية المذكورة بإشكالات أخرى ينبغي الجواب عنها:

الإشكال الأول: إن صدر الموثقة في بلوغ الغلام في ثلاث عشرة سنة مخالف لفتوى العلماء ببلوغه بخمس عشرة سنة، فتسقط الرواية عن الحجية؛ لأنها تضمّنت أمراً غير صحيح.

وجوابه: أولاً: إنّ تضمّن الرواية لأمر غير صحيح لا يسقطها عن الحجية كما حقّق في محلّه.

ثانياً: قد أثبتنا أنّ الصحيح هو خلاف المشهور، وأنّ بلوغ الصبي إنما هو بالاحتلام أو إتمام ثلاث عشرة سنة، فما تضمّنته الموثقة هو الصحيح، بل إن ذلك من أمارات قوة هذه الرواية وصحّتها لا العكس.

الإشكال الثاني: إنّ ذيلها الوارد في بلوغ الأنثى قد أعرض عنه الأصحاب، فتسقط عن الحجية؛ لأنه لم يفت أحد من فقهائنا ببلوغ المرأة في ثلاث عشرة سنة، ويعني ذلك أنهم قد عثروا على خلل في الرواية فأعرضوا عنها.

ويلاحظ عليه: أولاً: إننا لا نقبل بكبرى انكسار الرواية الصحيحة بإعراض المشهور، كما هو مبنى السيد الخوئي.

ثانياً: إن الإعراض إنما يؤثر في ضعف الرواية إذا لم نعلم وجهه ولم نحدس بسببه، وفي ما نحن فيه نرى أن إعراض المشهور إنما هو لترجيحهم لروايات البلوغ بالتسع وأخذهم بها، فالإعراض منطلقٌ من قاعدة وأصل اجتهادي ليس حجة علينا، نعم لو لم يكن للموثقة معارض ولو موهوم، لكان للإعراض تأثيره في تضعيف الرواية، لكن ليس الأمر كذلك، بل لعل إعراضهم لأجل وروده في كتب الفطحية، فرجّحوا ما رواه الإمامية عليهم، وهذا أيضاً ليس حجة علينا، خصوصاً بعد عدم تمامية روايات أصحابنا سنداً ودلالة، فكيف يصحّ رفض هذه الرواية؟! على أنه يظهر من الطوسي في الاستبصار قبوله بمضمون هذه الرواية وعمله بها.

نتيجة البحث في بلوغ الأنثى

ثبت بما قدّمناه بالتفصيل أن بلوغ المرأة إنما هو بالاحتلام أو الحيض أو إتمام ثلاث عشرة سنة قمرية، كما أثبتا سابقاً أن بلوغ الذكر بالاحتلام أو إتمام ثلاث عشرة سنة، فلا فرق بين الذكر والأنثى في البلوغ بالسنّ، ولو وسوس فقيه في جميع ما بيناه فلا شك في لزوم الاحتياط بأن تقوم بالعبادات بعد تسع سنين، لكن لا يجوز أمرها في المعاملات والمعاوضات ولا يقام عليها الحدّ قبل الحيض أو إتمام ثلاث عشرة سنة، فالاحتياط يختلف باختلاف موارده، فتدبّر.

الهوامش

(*) باحث في الفقه الإسلامي، من العراق.

([1]) راجع: مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 5: 204.

([2]) راجع: أبو البركات، الشرح الكبير 3: 293.

([3]) الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 2: 352.

([4]) مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد 5: 204.

([5]) الصدوق، المقنع: 196؛ ومن لا يحضره الفقيه 2: 122.

([6]) من لا يحضر الفقيه 2: 122.

([7]) المصدر نفسه 4: 221.

([8]) المصدر نفسه 2: 435.

([9]) المصدر نفسه 1: 372.

([10]) المفيد، المقنعة: 353.

([11]) المصدر نفسه: 533.

([12]) المصدر نفسه: 747.

([13]) رسائل المرتضى 3: 57.

([14]) الطوسي، الخلاف 3: 283.

([15]) الطوسي، المبسوط 2: 282 ــ 284.

([16]) المصدر نفسه 1: 266.

([17]) المصدر نفسه 8: 21.

([18]) الطوسي، النهاية: 212.

([19]) ابن حمزة، الوسيلة: 137.

([20]) ابن البراج، المهذب 2: 119.

([21]) ابن زهرة، غنية النـزوع: 251.

([22]) الحلي، السرائر 1: 367.

([23]) الحلي، شرائع الإسلام 1: 174.

([24]) المصدر نفسه: 153.

([25]) العلامة الحلي، قواعد الأحكام 1: 383.

([26]) سنن البيهقي 6: 57.

([27]) شرائع الإسلام 2: 352.

([28]) جواهر الكلام 26: 42.

([29]) مسالك الأفهام 4: 145.

([30]) مسند أحمد 6: 259.

([31]) سنن أبي داود 2: 27، 4104.

([32]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 20: 228.

([33]) المصدر نفسه 20: 228.

([34]) الصدوق، علل الشرائع 2: 287.

([35]) وسائل الشيعة 4: 405؛ ومن لا يحضره الفقيه 1: 373.

([36]) وسائل الشيعة 4: 408.

([37]) المصدر نفسه: 410؛ والتهذيب 4: 281؛ ورواه في المقنع مرسلاً: 169.

([38]) من لا يحضره الفقيه 2: 122.

([39]) وسائل الشيعة 11: 44.

([40]) المصدر نفسه 11: 45.

([41]) المصدر نفسه 28: 82.

([42]) المصدر نفسه: 185.

([43]) الكافي 7: 205 ـ 209.

([44]) تهذيب الأحكام 10: 65.

([45]) علل الشرائع 2: 253.

([46]) وسائل الشيعة 28: 186.

([47]) المصدر نفسه: 295.

([48]) تهذيب الأحكام 10: 121.

([49]) وسائل الشيعة 1: 45.

([50]) راجع: جواهر الكلام 26: 45.

([51]) المصدر نفسه: 7.

([52]) وسائل الشيعة 1: 44.

([53]) المصدر نفسه: 43.

([54]) تهذيب الأحكام 7: 383.

([55]) وسائل الشيعة 1: 43.

([56]) رجال النجاشي: 244.

([57]) وسائل الشيعة 1: 43، و28: 20.

([58]) الكافي 7: 198.

([59]) تهذيب الأحكام 10: 38.

([60]) في معجم رجال الخوئي أن الحسن بن محبوب روى عن الكناسي أيضاً، لكنه غير صحيح، فإن الحسن بن محبوب روى 15 رواية عن الكناسي بواسطة هؤلاء الرواة، ففي السند سقط لا محالة.

([61]) تهذيب الأحكام 7: 382.

([62]) وسائل الشيعة 19: 367.

([63]) المصدر نفسه 28: 279؛ وتهذيب الأحكام 10: 120.

([64]) وسائل الشيعة 21: 36.

([65]) الكافي 5: 463.

([66]) وسائل الشيعة 21: 36.

([67]) المصدر نفسه.

([68]) المصدر نفسه 20: 104؛ والصدوق، الخصال: 421.

([69]) الكافي 5: 115 ــ 116.

([70]) وسائل الشيعة 22: 183.

([71]) المصدر نفسه 19: 365.

([72]) راجع: التستري، قاموس الرجال 1: 89 ــ 90.

([73]) الشافعي، كتاب الأم 5: 229.

([74]) السيستاني، منهاج الصالحين 2: 297.

([75]) وسائل الشيعة 20: 228.

([76]) المصدر نفسه 19: 356.

([77]) جواهر الكلام 34: 39.

([78]) وسائل الشيعة 20: 101.

([79]) المصدر نفسه: 103.

([80]) المصدر نفسه: 101 ـ 102.

([81]) المصدر نفسه.

([82]) المصدر نفسه: 103.

([83]) المصدر نفسه: 103.

([84]) البهوتي، كشاف القناع 5: 210.

([85]) وسائل الشيعة 22: 187.

([86]) المصدر نفسه.

([87]) المصدر نفسه: 179.

([88]) نعم، أورد الطوسي في التهذيب 7: 496، والحر العاملي في وسائل الشيعة 22: 183، الرواية بطريق آخر، وهو بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال (ظاهراً) عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، وهذا السند لا شائبة فيه، سوى الإشكال على إسناد الشيخ إلى علي بن الحسن، فإن فيه علي بن محمد القرشي، ولم يوثق، نعم هناك بعض الطرق والمحاولات لتصحيح هذا السند؛ فإن تمّت فالرواية موثقة، وإلا فلا، هذا بناء على عدم وقوع التصحيف في علي بن فضال، وإلا ـ كما يحتمل كونه محمد بن الحسن الصفار ـ فلا إشكال في الرواية، كما أن بين طريقي الرواية اختلافاً فلا تغفل.

([89]) المبسوط 2: 282 ـ 284.

([90]) وسائل الشيعة 20: 103.

([91]) تهذيب الأحكام 2: 380.

([92]) الطوسي، الاستبصار 1: 408.

([93]) راجع معجم رجال الحديث.

([94]) راجع: قاموس الرجال 8: 16، فقد أورد رواياته التي ادّعى أنها غريبة غير صحيحة، لكن ذلك لا يجدي في قدح المترجم له، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً