أحدث المقالات

الدائرة والنطاق

الشيخ محمد إحساني فر لنكرودي(*)

ترجمة: حسن علي مطر

المدخل

اختلف العلماء في بيان سعة حجية الروايات التفسيرية، وذلك على النحو التالي:

أـ إن بعض العلماء، من خلال تحديد دائرة حجية الخبر وحصرها بالأخبار الموثوقة، لم يثبتوا الحجية لخبر الثقة إلاّ في الموارد الموجبة للوثوق. ومن هنا فإن هؤلاء لا يرَوْن الحجية للخبر غير الموثوق، حتّى في المسائل التعبّدية.

وأما الذين يقبلون أدلة التعبّد بخبر الثقة، حتّى إذا لم يوجب الوثوق الوجداني بمفاده ـ إلاّ إذا تنزّل إلى حدود التهمة ـ، فقد اختلفوا فيما بينهم بشأن سعة دائرة الحجية، وذلك على النحو التالي:

ب ـ منهم مَنْ يرى أن القضايا غير التعبدية ـ الأعمّ من التفسيرية والكلامية وغيرهما ـ لا يمكن إثباتها إلاّ بمستند قطعي مفيد للعلم التامّ والجازم.

ج ـ هناك مَنْ يذهب إلى الاعتقاد بأن سيرة العقلاء وغيرها من أدلة التعبّد بخبر الثقة وأمثاله تمنح الاعتبار للروايات في المسائل التفسيرية، كما تمنحها للمسائل الفقهية التعبّدية([1]).

د ـ وهناك مَنْ ذهب ـ على أساس نظرة التوسعة التعبّدية لسيرة العقلاء في حجية الخبر ـ إلى اتباع المبنى مورد التحقيق في هذه المقالة، وقال بأن حجية خبر الثقة تخصّ المجالات التعبّدية، من قبيل: الفقه؛ لأن المسائل غير التعبّدية ـ الأعمّ من التفسيرية والكلامية وغيرهما ـ لا يمكن إثباتها إلاّ بالدليل المفيد للوثوق والاعتماد الوجداني. وإن هذا الوثوق الوجداني لا يحصل إلاّ بالأدلة الموجبة للقطع والاطمئنان أو الوثوق النوعي، وليس بالخبر الذي تعبّدتنا به أدلة التوسعة التعبّدية. وعليه فإن الخبر الموجب للوثوق تثبت له الحجية في مجال الفقه، وفي مجال التفسير، وما إلى ذلك أيضاً. وبطبيعة الحال يمكن لحصول الوثوق بالصدور، أو إحراز عدم القرينة على إرادة المعنى المخالف للظاهر ـ الذي يمثِّل الشرط في حجية الظهور ـ، في مختلف المسائل غير التعبدية، أن يكون مختلفاً، تبعاً لحجم أهمّيته وخطورته، بحيث قد لا يحصل الوثوق في بعض الموارد إلاّ بالخبر والدليل القطعي أو الذي يورث الاطمئنان والاعتماد، كما هو الحال في أغلب الموارد، حيث يحصل الوثوق والاعتماد الوجداني بخبر الثقة أو الموثق، بل وحتّى بالخبر الحَسَن أحياناً، وبالتالي يصدق مفهوم الكشف والتفسير، بمعنى أنه يحصل مقدارٌ من الوضوح والانكشاف، الذي يصدق عليه مسمّى الكشف والتفسير والدلالة. وبعبارةٍ أخرى: إن هذه النظرية تفصِّل بين الخبر موثوق الصدور وخبر الثقة في الحجية؛ لأنها تثبت الحجية للخبر مورد الوثوق دائماً، سواء في المسائل التفسيرية وغير التفسيرية، كما هو الحال بالنسبة إلى المسائل الفقهية، وأما إذا لم يكن خبر الثقة موثوق الصدور فلا تثبت له الحجية إلاّ في المسائل التعبّدية، أي الفقهية، ولا تشمل ما هو أبعد من حدود الاعتبار والتعبّد؛ لأن خبر الثقة إذا كان مفيداً لظنٍّ أدنى من المقدار الموجب للوثوق والاعتماد الوجداني فإن مفهوم التفسير ـ الذي هو لازمٌ لحصول مسمّى الكشف والانكشاف الوجداني ـ لن يكون متحقِّقاً([2]). أجل، يمكن الالتزام بواسطة هذا المستند بالحكم التعبّدي في الآيات الفقهية، والتعبّد بمفادها في مقام العمل.

وحيث يعود الاختلاف بين أوجه النظر في سعة دائرة حجية الأحاديث التفسيرية بشكلٍ رئيس إلى اختلاف آرائهم في مباني حجية الحديث، وحجم اهتمامهم وتدقيقهم في ماهية ومفهوم التفسير، نعقد هذا البحث لبيان حدود ومساحة حجية الروايات التفسيرية، والإجابة عن النقاط المبهمة أو المثيرة للاختلاف، ضمن الفصول الأربعة التالية:

الفصل الأول: ماهية التفسير وملاكات الحجية في مجال التفسير.

الفصل الثاني: دائرة حجية الأحاديث التفسيرية.

الفصل الثالث: حجية الأحاديث التفسيرية عند التعارض مع الكتاب والسنّة.

الفصل الرابع: موضع الأحاديث غير المعتبرة من التفسير.

ماهية التفسير وملاكات الحجية في مجال التفسير

تعريف الحجية

الحجية لغةً

الحجية مشتقة من مادة «حجّ»، بمعنى «قصد». و«الحجة» بمعنى الدليل المبيّن لـ «المحجّة»، بمعنى القصد الصحيح والمستقيم، أو الوجه والدليل الذي يقصد لإيضاح الحقيقة والمطلوب. وقد تطلق «الحجة» أحياناً من باب التوسعة على كلّ دليل صائب وخاطئ يتمّ توظيفه والاستدلال به في إثبات أمرٍ ما([3]). وعليه فإن الحجّة في اللغة عبارة عن: كلّ ما يمكن التمسّك به من أجل إثبات أمر، سواء لمجرّد الاقتناع أو لمجرّد إسكات الخصم.

الحجية الأصولية

الحجية الأصولية تعني الدليل الذي يمكن الاعتماد عليه حتّى إذا لم يستوجب الإحراز الوجداني (القطعي والاطمئناني) بمضمونه، ولكنّ الشارع يراه كافياً لإثبات التكليف والحكم الشرعي العملي، وحيث يكون الحكم الواقعي مغايراً لمفاد ذلك الدليل يعذر المكلَّف. وبحَسَب المصطلح فإنّ الحجية الأصولية([4]) دليلٌ يشتمل على خصوصيتين، وهما:

أـ المنجِّزية وإثبات التكليف عند المطابقة مع الواقع.

ب ـ المعذِّرية وعدم مؤاخذة المكلَّف عند عدم المطابقة مع الواقع([5]).

تعريف التفسير وماهية الحجّة التفسيرية

تعريف التفسير

التفسير لغةً مشتقّ من مادّة «فسر»، بمعنى البيان وكشف الطبقة الخارجية عن صفحة الشيء المغطّى([6]). ورغم أن «فسر» و«تفسير» بمعنى واحد، بَيْدَ أن هيئة باب التفعيل تدلّ على التكثير والمبالغة في معنى الثلاثي المجرّد([7]). وقد تمّ تعريف التفسير في مصطلح المفسّرين وعلماء الدين بعبارات وألفاظ متقاربة أو متشابهة، وهو عبارة عن: «كشف وبيان مراد المتكلِّم من الألفاظ والعبارات المشكلة»([8]).

من الطبيعي أن هذا الكشف والتبيين والعناوين المرادفة له فرع حصول انكشاف المدلول والمراد للمفسِّر نفسه، بمعنى أنه يجب حصول المسمّى العرفي للوضوح والانكشاف والدلالة على المعنى لكي يتمّ كشفه، أو تصدق عليه عناوين مرادفة أخرى، من قبيل: الإيضاح والدلالة والبيان والتبيين.

ماهية الحجية في التفسير

إن المراد من «الحجية» في التفسير هو المعنى اللغوي لها، والذي يشمل الحجة الوجدانية والأصولية؛ لأن الأدلة التي يسوقها المفسِّر لإثبات مسائله ـ الأعمّ من الحجية الوجدانية والحجية الأصولية ـ تشتمل على المنجزية والمعذرية؛ كي يتمكن من فهم مفاد ومداليل الآيات برؤيةٍ واقعية، وأن ينقلها إلى الآخرين كما فهمها، ويتمكن أيضاً من إحراز الوظائف العملية والتعبّدية الكامنة في دائرة الآيات الفقهية، بمعنى أن يضمن الحجية في الجهات التفسيرية، وفي الجهات التعبّدية أيضاً.

القطع أو الاعتبار القطعي ملاك الحجية المعتبرة في التفسير

بالنظر إلى حرمة التفسير بالرأي([9]) فإن الإذعان بأيّ حكمٍ أو مسألة تفسيرية يجب إما أن تستند إلى حجة وجدانية، من قبيل: العلم والاطمئنان، أو إلى دليل قطعي قد اكتسب الحجية والاعتبار. وعليه فإن المستند التفسيري ـ سواء أكان مأخوذاً من دلالة ذات الآيات أو من السنّة أو من خلال المزج بينهما ـ إذا لم يكن قطعياً يجب أن يكون دليل اعتباره قطعياً([10]). ولا يمكن إثباتُ المعنى بأقلّ من ذلك، ونسبتُه إلى كتاب الله تحت عنوان التفسير أو التأويل.

مباني حجية خبر الواحد

المباني الأربعة في حجية خبر الواحد

إن لمباني الحجية دوراً حاسماً في تحديد دائرة حجية الروايات التفسيرية.

وإن المباني المطروحة في هذا الشأن عبارةٌ عن:

أـ حكم العقل بضرورة العمل بالخبر، مع وجود العلم الإجمالي بالتكاليف الشرعية، وانسداد باب العلم التفصيلي بالتكاليف المذكورة.

ب ـ حجية الخبر من باب التعبّد الشرعي المحض.

ج ـ حجية الخبر من باب السيرة العقلائية.

د ـ حجية الخبر من باب التوسعة التعبّدية في سيرة العقلاء في حجية الخبر.

وفي ما يلي نبيِّن القيمة العملية لهذه المباني، باختصارٍ:

أـ الانسداد والضرورة العقلية: على الرغم من ذهاب بعض الأصوليين المتأخِّرين إلى القول بالانسداد، وقالوا ـ على هذا الأساس ـ بحجية مطلق الظنّ([11])، إلاّ أن التحقيق العميق والمناقشات المتينة للشيخ الأنصاري& في إبطال هذه النظرية([12]) جعل من القول بالانسداد الكبير نظريةً متروكة، لا يمكن العثور عليها إلاّ في متاحف النصوص الأصولية المتقدِّمة([13]).

ب ـ الحجية التعبّدية المحضة: يبدو من ظاهر كلام بعض العلماء ـ ولا سيَّما الأخباريين المتأخِّرين منهم ـ، والذين يكتفون في حجية الخبر بالاستدلال بالنصوص فقط، ثبوت الحجية للحديث من طريق التعبّد([14]).

وإن ضعف هذا الكلام أوضح من أن نحتاج معه إلى بيان المزيد من البحث التفصيلي في هذه العجالة؛ إذ إن الأمر الذي قامت عليه سيرة العقلاء، وساعدت عليه رؤية الشريعة، من الطبيعي أن يتمّ فيه الاكتفاء بمجرّد الإمضاء المقرون بالإصلاح والتتميم.

ج ـ حجية الخبر من باب السيرة: إن جريان سيرة العقلاء([15]) في الاعتماد على خبر الواحد يُعَدّ من البديهيات. والملاك في اعتبار الخبر في هذه السيرة هو حصول الوثوق والاعتماد العقلائي بصدق مفاد الخبر([16])، وما لم يتحقق مثل هذا الاعتماد لا يُعَدّ الخبر معتبراً. وعلى هذا الأساس فإن اعتبار الخبر ـ نفياً وإثباتاً ـ رهنٌ بتحقُّق الوثوق والاعتماد، سواء أكان المخبر موضع ثقة أم لا. وعلى الرغم من التأكيد على اعتبار الأخبار العقلائية، نرى أن مساحة اعتبار الخبر في عرف العقلاء ينطوي على بعض العيوب، التي يمكن التغلُّب عليها من خلال توسيع دائرة السيرة تعبّداً([17]).

د ـ الحجية من باب التوسعة التعبّدية في سيرة العقلاء: سوف نأتي على بيان هذه النظرية في الأبحاث القادمة إنْ شاء الله([18]).

الأحاديث المعتمدة في الشريعة

يتمّ الاعتماد في مجال الشريعة إجمالاً على طائفتين من الأخبار والروايات، وهما:

أـ الروايات المشتملة على الحجية الوجدانية (القطعية أو الاطمئنانية).

ب ـ الروايات المشتملة على الحجية الاعتبارية أو الوضعية. كما تنقسم الروايات المشتملة على الحجية الاعتبارية بدورها إلى قسمين، وهما:

1ـ الروايات غير الوجدانية المشتملة على وثوقٍ نوعي في سيرة العقلاء.

2ـ الروايات التي تشملها التوسعة التعبّدية في سيرة العقلاء، أي الروايات التي تعتبر في العرف العام لدى العقلاء حجّة.

أما توضيح البحث فيمكن بيانه على النحو التالي:

الروايات المعتمدة في سيرة العقلاء

لا يتمّ الاعتماد في سيرة العقلاء على كلّ خبر، بل إن الاكتفاء به والتعويل عليه رهنٌ بتحقُّق الوثوق والاعتماد عليه. ويتمّ ربط مستوى الوثوق اللازم دائماً بمقدار أهمية المورد وما يحيط به من المخاطر والتضحيات المحتملة. وعليه فإن نوعية الناس في العرف العامّ تعتمد إجمالاً على نوعين من الأخبار، وهما:

أـ الأخبار المشتملة على الحجية الوجدانية.

ب ـ الأخبار المفيدة للوثوق النوعي.

نعم، قد يتشدد الناس أو يتسامحون أحياناً بشكلٍ خاصّ في عرفهم، وفي حدود تواضعاتهم الخاصّة، في ما يتعلق بقبول الخبر، كما يفعل ذلك المتشرِّعون في عرفهم الخاص تجاه طيفٍ من الأخبار التالية:

ج ـ الأحاديث المشمولة للتوسعة التعبّدية في السيرة.

أـ الروايات المشتملة على الحجية الوجدانية([19])

وتنقسم هذه الروايات إلى قسمين:

1ـ الروايات المفيدة للعلم: حيث إنهم في بعض الأمور الاستثنائية والهامّة والخطيرة لا يعتمدون، ولا يرتِّبون الآثار، إلاّ على الخبر المفيد للعلم والقطع واليقين، أي الاعتقاد الجازم والتامّ([20]).

2ـ الحديث المفيد للاطمئنان الشخصي: إنهم في الأمور الهامة ـ التي يكون مقدار أهميتها دون المرتبة العالية ـ، بالإضافة إلى العلم، يرتِّبون الأثر على الاطمئنان الشخصي أيضاً. إلاّ أن هذا الاطمئنان الشخصي ـ بطبيعة الحال ـ إذا لم يكن قابلاً للانتقال إلى الآخرين، ولم يحْظَ بقبول الآخرين، لا يُعَدّ حجة من الناحية الأصولية، وإنما سيقف عند حدود القبول الشخصي فقط([21]). وإن تحقُّق الاطمئنان الشخصي يتوقّف دائماً على أمور من قبيل: مقدار المصلحة، وأهمّية العمل، وقوّة احتمال الخلاف، وحجم الضرر الاحتمالي المترتّب على ذلك([22]).

ب ـ الروايات المفيدة للوثوق النوعي

يتمّ الاستناد في عُرْف العقلاء بالنسبة إلى عمدة الأمور الخارجة عن المسؤولية الشخصية البحتة ـ حيث يرَوْن أنفسهم مسؤولين تجاه إقناع الآخرين ـ بشكلٍ عامّ على الخبر المفيد للوثوق والاعتماد بالنسبة إلى النوع المتعارف من الناس([23]).

إن نقطة استناد العقلاء هنا تكمن في الوثوق بالخبر. ويعدّون وثاقة المخبر إحدى طرق تحقُّق الوثوق بالخبر أيضاً. وبطبيعة الحال فإن تحقُّق الاعتماد والوثوق العقلائي في مختلف الموارد ليس على وتيرةٍ واحدة، إلاّ أنهم بشكلٍ عام يعتمدون على الأخبار التالية:

1ـ روايات الصادقين والصالحين، وهو الأمر الذي ينطبق في دائرة البحث الروائي على الحديث الصحيح.

2ـ روايات الموثوق بصدقهم، رغم اختلاف نحلتهم الفكرية عن نحلتنا. وهذا القسم ينطبق في دائرة البحث الروائي على الحديث الموثَّق.

3ـ الخبر الحَسَن، أي خبر الشخص الذي يعتبر من وجهة نظر العرف العام شخصاً صالحاً.

4ـ الروايات الضعيفة التي يتمّ الاعتماد عليها من حيث وجود القرائن والشواهد؛ فإن عرف العقلاء في تعاطيه مع الأخبار الضعيفة لا يلجأ إلى التجاهل أو الإنكار رأساً، وإنما يعمل على التحقيق والفحص، وربما وجد في الأثناء شاهداً في تأييده وتصحيح الاستناد إليه وترتيب الأثر عليه، ويتمّ التعبير عن مثل هذا الخبر في الأصول بـ «الحجّة بالتبيُّن»([24]).

ج ـ الروايات المشمولة للتوسعة التعبّدية في السيرة

بالإضافة إلى أنواع الأخبار التي تقع مورداً للوثوق النوعي في السيرة، لو أن شخصاً تشدَّد أو تساهل بشكلٍ خاص في اعتبار إحراز الخبر والاعتماد عليه في الأمور المتعلّقة بحدود مسؤولياته واختياراته الشخصية فإن العقل وعرف العقلاء سوف يحترم هذا الاعتبار في الدائرة والحدود المذكورة، ويطلب من أفراده رعاية ذلك، ويروى ذلك الخبر قابلاً للاحتجاج له وعليه. ومن هنا فإن نوع الناس يحترمون الشرائط المعيّنة من قِبَل الحكام وأصحاب العمل وغيرهم في دائرة صلاحيّاتهم.

وحيث تعاني سيرة العقلاء من النقص في الاعتماد على الأخبار المعتبرة في العُرْف العام؛ من أجل ضمان المطالب على أساس مبادئها الاعتبارية العامة، وضمان جميع المصالح المنشودة في مجال الشريعة، فإن الشارع المقدَّس لم يكتَفِ بمجرّد إمضاء هذه السيرة فقط، وإنما بالإضافة إلى ذلك عمد ـ بالنظر إلى خصائص دائرة الشرع ـ إلى توسيع وتكميل حدود اعتبار الخبر، فحكم مثلاً بـ:

أـ الترجيح عند تعارض الخبرين([25])، حتى بمرجِّحٍ لا يفيد الوثوق بصدور أحد الطرفين، بمعنى أنه لا يفيد الوثوق بعدم صدور الطرف المقابل.

ب ـ التخيير([26]) بين الخبرين المتعادلين، في غير موارد التخيير بين أحكام السنن.

ج ـ اعتبار خبر الثقة مع تنافيه مع المعارض غير المعتبر الذي يزيل الوثوق بصدور خبر الثقة أيضاً.

إن اعتبار هذه الأخبار غير معمول به في دائرة الحجية العقلائية، ولا شَكَّ في أن الحكومة وحدها هي التي تمنح الاعتبار لهذه الأخبار من باب التوسعة التعبّدية لدائرة الحجية([27]).

ومن الجدير بالذكر أن موضوع التوسعة التعبّدية للخبر لا يخصّ الأخبار المتعارضة فقط، بل يشمل كلّ خبرٍ ينتفي الوثوق بصدوره لأيّ سببٍ من الأسباب([28])، ولكنه يُعَدّ معتبراً في الشرع.

دائرة حجية الأحاديث التفسيرية

دور اختلاف مباني الحجية في دائرة الحجية

إن اختلاف الآراء حول دائرة حجية الخبر يعود بشكلٍ رئيس إلى الاختلاف في مباني حجية الخبر، ومقدار الأهمّية والدقّة في مفهوم وماهية التفسير؛ وذلك للأسباب التالية:

أـ طبقاً لمباني الانسداد والضرورة العقلية في حجية الخبر لن تكون للأحاديث التفسيرية غير الوجدانية حجية في التفسير، وإنما هي تنجّز الحيثية التعبدية والفقهية لآيات القرآن في حدود ودائرة الضرورة فقط؛ إذ إن التفسير ـ كما تقدَّم ـ علم له حيثية واقعية ومعرفية. ومن هنا فإن الدليل الذي لا يملك مسمّى الكشف الوجداني أو العرفي المقرّر في الشرع لا يمكن من خلاله تحصيل مراد المتكلِّم ودلالته على ذلك بوضوحٍ، وإذا نال الاعتبار من باب الضرورة العقلية وجب الاكتفاء بحدود الضرورة في التمسُّك به.

ب ـ طبقاً لمبنى التعبّد المحض تكون دائرة الحجية تابعةً لنوعية التعبّد بالخبر، الذي يتضح من خلال التأمّل في بيان مقتضيات المباني الأخرى. وضعف هذا الوجه لا يجيز الوقوف عنده أكثر من ذلك([29]).

ج ـ طبقاً لسيرة العقلاء تعتبر جميع الأحاديث ذات الاعتبار والحجية العقلائية ـ سواء في الحيثية التفسيرية (أي الحيثية العلمية للتفسير) أو في الحيثية التعبّدية والعملية ـ معتبرةً([30]). وبالالتفات إلى مفهوم وماهية التفسير لا يجدر التفصيل في دائرة حجية الخبر بين المسائل الفقهية والتفسيرية. وبطبيعة الحال لا بُدَّ من الالتفات إلى أن الكثير من الأصوليين لا يلتفتون بشكلٍ تفصيلي إلى نظرية التوسعة التعبّدية لسيرة العقلاء في حجية الخبر. ومن هنا فإنهم في حجية الخبر يتمسّكون بدليل السيرة، ولكنهم من الناحية العملية يعملون في الفقه بخبر الثقة في ما يتجاوز الحجية العقلائية، بمعنى أنهم يعملون حتّى بالخبر الموثوق الصدور أيضاً. إن هؤلاء إذا كانوا يلتفتون بشكلٍ تفصيلي إلى حاقّ مبناهم العملي وجب عليهم التمسُّك بمقتضى المبنى التعبّدي للتوسعة.

د ـ مبنى التوسعة التعبّدية: لقد تمّ بيان هذا المبنى ومقتضاه في دائرة حجية الخبر في الأبحاث المتقدّمة. إن حجية الخبر على هذا المبنى تقوم على عنصرين، وهما:

1ـ التفصيل بين الأخبار العقلائية (أي موثوقة الصدور) ـ التي تثبت لها الحجية في المسائل العلمية وفي المسائل العملية البحتة أيضاً ـ، وأخبار التوسعة التعبّدية التي لا تثبت لها الحجية إلاّ في المسائل العملية فقط.

2ـ القول بعدم تكافؤ القضايا عند الحاجة إلى قوّة السند والدلالة. إن تحقُّق الوثوق بالصدور أو تحقُّق شرط حجية الظهور في جميع القضايا الكلامية ليس على وتيرةٍ واحدة، بل هو تابعٌ لمقدار الأهمّية ودرجة الخطورة.

النظريات الجديرة بالطرح في دائرة الحجية

وعمدة هذه النظريات عبارةٌ عن:

أـ حجية الأحاديث الموثوقة في المسائل العلمية والعملية.

ب ـ حجية الأحاديث المعتبرة ـ الأعمّ من الخبر الموثوق وخبر الثقة ـ في المسائل العلمية والعملية.

ج ـ نظرية التفصيل بين المسائل العلمية، من قبيل: الكلامية والتفسيرية، التي تحتاج إلى دليلٍ علمي، وبين المسائل العملية والتعبّدية، التي يكفي فيها الخبر المشمول بأدلة التعبّد بحجية الخبر.

د ـ نظرية التفصيل بين الأخبار العقلائية (وشمول الحجية لها) وبين الأخبار المشمولة للتوسعة التعبّدية (واختصاصها بالمسائل العملية).

وهذه المقالة تسعى إلى التحقيق في هذه النظرية، وإثباتها.

نقد النظريات الثلاث الأولى

نظرية حجية الأحاديث الموثوقة في المسائل العلمية والعملية

إن القائلين بهذا الرأي يستندون إلى النصوص التي تنهى عن اتباع الظنّ، ويرَوْن العلم وحده هو الجدير بالاتباع، فلا اعتبار للخبر الذي لا يوجد علمٌ بصدوره، رغم أن ظاهر مرادهم من العلم هو الأعمّ من العلم الحقيقي والعلم العرفي، بمعنى الوثوق. والنتيجة هي أن هؤلاء ما لم يعلموا بصدور خبر الثقة لا يعتبرونه في المقولات العلمية والعملية والتعبّدية حجة. ومن هنا فإنهم لا يرَوْن الخبر المفيد لأقلّ من العلم في التفسير والأحكام التعبّدية المستندة إلى الأحاديث التفسيرية وما إلى ذلك معتبراً.

وهذه هي النظرية المعروفة للسيد المرتضى وأتباعه.

والجواب عنها سيتّضح بأدنى تأمّلٍ في نقد النظرية التالية.

نظرية شمول أدلة التعبد بحجية الخبر للمسائل العلمية والعملية

إن القائلين بهذه النظرية يرَوْن حجية الأحاديث المعتبرة ـ الأعمّ من خبر الثقة والخبر الموثوق ـ في المسائل العلمية والعملية، ويعتقدون أن سيرة العقلاء في حجية الخبر لا تميِّز بين الحيثية العلمية والحيثية العملية، وإن إمضاء هذه السيرة من قبل الشارع المطهَّر يوجب إطلاق اعتبار الأخبار المعتبرة، دون فرق بين المسائل العلمية والمسائل العملية([31]).

والإشكال الرئيس الذي يَرِدُ على هذه النظرية هو أنها تقصر دائرة حجية الأخبار على الأخبار المعتبرة في سيرة العقلاء، ولا تذعن لتعبّدٍ شرعي يتجاوزها، وتقصر عن الالتفات إلى اختلاف مباني حجية الأخبار العقلائية عن الأخبار المشمولة للتوسعة التعبّدية، بمعنى أنها تغفل عن ضرورة الفصل بين الأخبار العقلائية المعتبرة والأخبار المعتبرة المشمولة للتوسعة التعبّدية([32]).

وكما سبق أن أشرنا فإنّ أغلب أنصار هذه النظرية إنما يتمسَّكون بهذا الرأي على المستوى النظري فقط، وإلاّ فإنهم على المستوى العملي يمنحون الاعتبار لحجية الأخبار في دائرةٍ تفوق حدود السيرة، ومن خلال الاستناد إلى الوجدان العلمي الارتكازي يعملون في موارد من قبيل: مقام التعارض بين الأخبار على ترجيح الطرف الراجح، ويعملون به، دون أن يكون لهم أدنى توقُّفٍ على مقتضى السيرة في مقدار الرجحان، وإحراز الوثوق بصدوره، المستلزم للوثوق بعدم صدور أخبار الطرف المقابل. إن هؤلاء لو التفتوا بشكلٍ تفصيلي إلى حاقّ مبناهم العملي لوجب عليهم التمسُّك بمقتضى المبنى التعبّدي للتوسعة([33]).

وفي الوقت نفسه فقد أدّى عدم الفصل بين طائفتين من الأخبار العقلائية المعتبرة والأخبار المشمولة للتوسعة التعبّدية إلى تطرُّف القائلين بالنظرية التالية.

نظرية التفصيل بين المسائل العلمية والمسائل العملية

يذهب أصحاب هذه النظرية إلى الاعتقاد بأن المسائل المرتبطة بمجال الكلام والمعارف والأمور الملحقة بها تحتاج إلى قطعٍ جازم، خلافاً للمسائل التعبّدية الفقهية، التي يكفي فيها مجرّد الدليل التعبّدي المعتبر. ومن هنا فإنهم إنما يعتبرون الأحاديث المعتبرة غير المفيدة للقطع حجّةً في الدائرة الفقهية للآيات فقط، دون الدائرة العلمية ـ التفسيرية([34]).

وفي هذه النظرية، بالإضافة إلى عدم الفصل بين طائفتين من الأخبار العقلائية والأخبار المشمولة للتوسعة التعبّدية، قد تمّ إغفال ثلاثة أمور أخرى، وهي:

أـ إن عُرْف العقلاء إنما يعتبر الأخبار العقلائية معتبرةً من باب الكشف والطريقية، لا من باب تعيين الوظيفة العملية. ومن هنا فإن هذا العرف يراعي مقداراً من الإحراز الضروري لتحقيق صدق مسمّى الكشف، ويرى ذلك متوفّراً من وجهة نظره. وعلى الرغم من أن الأخبار العقلائية في الغالب لا تفيد كشفاً تاماً وقطعياً، بَيْدَ أن تشكيكية مفهوم الكشف والانكشاف قد أدّى بعرف العقلاء إلى الاكتفاء بهذا المقدار من الكشف في إحراز مفاد ومدلول الكلام، واعتبار احتمال الخلاف غير جديرٍ بالاهتمام. وإن الشارع بدوره من خلال تقرير هذه السيرة قد صحَّح مثل هذا الكشف في التفسير الصحيح وتجنّب التفسير بالرأي.

ب ـ ليس هناك دليلٌ عقلي أو تعبّدي يدلّ على أن كلّ مسألةٍ كلامية تحتاج إلى اعتقادٍ جازم، ولا ماهية مفاهيم من قبيل: المعرفة، والإيمان، والاعتقاد، والتصديق، تقتضي القطع الجازم في جميع المسائل الكلامية وما شاكلها([35]).

ج ـ أجل، إن تحقُّق الوثوق بالصدور، أو تحقُّق شرط حجية الظهور، لا يكون في جميع المسائل الكلامية على وتيرةٍ واحدة، بل هو تابعٌ لمقدار أهمّيتها وخطورتها. من هنا لا يحصل وثوقٌ بالصدور، أو الوثوق بانتفاء القرينة على إرادة المعنى المخالف للظاهر ـ الذي يمثِّل شرطاً في حجية الظهور ـ، في بعض المسائل بأقلّ من المستند المفيد للقطع الجازم([36]).

تحقيق نظرية التفصيل بين الأخبار العقلائية وأخبار التوسعة التعبّدية

حيث تقدَّم توضيح هذه النظرية، سنكتفي هنا بذكر خلاصةٍ لها.

تقوم هذه النظرية على عنصرين:

أـ التفصيل بين الأخبار العقلائية (أي موثوقة الصدور) ـ والتي تكون حجةً في القضايا العملية والقضايا العلمية على السواء ـ وأخبار التوسعة التعبّدية، التي لا تكون حجةً إلاّ في القضايا العملية التعبّدية فقط([37]).

ب ـ عدم تجانس القضايا في الحاجة إلى قوّة السند والدلالة. وعلى الرغم من أننا في حجية الأخبار العقلائية لا نقول بالتفصيل بين الجهات العلمية والعملية، إلاّ أن تحقق الوثوق بالصدور، أو الوثوق بانتفاء القرينة على إرادة المعنى المخالف للظاهر ـ الذي يمثِّل شرطاً في حجية الظهور ـ، لا يكون في جميع القضايا الكلامية على وتيرةٍ واحدة، بل هو تابعٌ لأهمّيتها وخطورتها. من هنا قد لا يتحقّق الوثوق بالصدور، أو الوثوق بشرط حجية الظهور في بعض الموارد بأقلّ من المستند المفيد للقطع الجازم أو المورث للاطمئنان. وعليه فإن القول بـ «عدم تجانس القضايا…» لا يعطي تفصيلاً في دائرة حجية الأخبار العقلائية، إلاّ أن عدم التجانس هذا يفيد من الناحية العملية نوعاً من «النتيجة التفصيلية».

إن عدم صورية القول بنتيجة التفصيل، وإنْ كان يمثِّل اعتقاداً واجباً، وبحاجة إلى الجزم واليقين، حتّى في المعارف الهامة ذات الدور المكثّف في السجايا والأفعال الدينية، بَيْدَ أن الأدلة العقلية والنقلية الكافية والمفيدة للجزم والاطمئنان لا تغنينا عن القول بالنتيجة التفصيلية، إلاّ أن أصل «عدم تجانس القضايا في الحاجة إلى قوّة السند والدلالة» يبقى في سائر المراتب المرتبطة بالأخبار العقلائية على حاله. ومن هنا فإن نظرية «نتيجة التفصيل» ليست مجرّد نظرية محضة، وفاقدة للموضوعية، في الأحاديث التفسيرية.

دائرة حجية الأحاديث العقلائية المعتبرة

اتّضح حتّى الآن أن سيرة العقلاء، والعرف العامّ لدى العقلاء، يتمّ الاعتماد فيه على الأخبار التالية:

1ـ الخبر الموجِب للعلم.

2ـ الخبر الموجِب للاطمئنان الشخصي.

3ـ الخبر المفيد للوثوق النوعي.

تقدَّم الوجه في حجية الأخبار المفيدة للعلم والاطمئنان الشخصي في جميع قضايا وموارد تحقُّق العلم والاطمئنان. كما أن الحديث موثوق الصدور، وهو المفيد للوثوق النوعي ـ والذي يشمل أكثر الأحاديث ذات الاعتبار العقلائي ـ يعتبر حجةً في التفسير، دون أن يكون هناك فرقٌ في ذلك بين الحيثية التفسيرية للآيات ـ وهي حيثية واقعية وعلمية ـ وبين الحيثية العملية التعبّدية لها؛ إذ لا تمايز في عرف العقلاء في الاعتماد على خبر الواحد بين الأخبار ذات الثقل العلمي والأخبار ذات الثقل العملي، بمعنى أن العقلاء يرتِّبون الآثار في كشف الحقائق وإدراك الأمور المرتبطة بدائرة الوجود والعدم، كما يرتِّبون الآثار في مقام العمل والالتزام بالشؤون المرتبطة بالواجبات وعدم الواجبات أيضاً.

وبملاحظة تقرير سيرة العقلاء في حجية خبر الواحد في مجال الدين يتمّ اعتبار جميع هذه الأنواع في التفسير أيضاً. ولا فرق في صحّة التمسُّك بها في التفسير بين الحيثية الفقهية والتعبّدية للآيات والحيثية التفسيرية وكشف مفاد مدلولها([38]).

دائرة حجية أحاديث التوسعة التعبّدية

إن الأحاديث المشمولة للتوسعة التعبّدية، بمعنى خبر الثقة والأنواع الملحقة به ـ مما لم يتحقَّق الوثوق بصدوره ـ، لا يكون إحراز وتحقُّق الوثوق التعبّدي بصدور الخبر فيها قد بلغ حدّاً يصدق معه المسمّى العرفي للكشف والانكشاف والدلالة. وعليه لن يصدق عنوان التفسير ـ الذي هو كشف وبيان ودلالة الآية ـ على مثل هذه المستندات. ولكنْ؛ بسبب اعتبار هذه الأحاديث في الفقه وموارد تعبُّد الشرع المقدَّس، ستكون قابلةً للاستناد في الحيثية العملية المرتبطة بآيات القرآن أيضاً. إن هذا النوع من الروايات لن يكون معتبراً حتّى في حيثية تفسير الآيات الفقهية، وإنما يُعَدّ في الحيثية الفقهية والتعبّدية للآيات الفقهية فقط.

سرّ التفصيل بين الأخبار العقلائية والتوسعة التعبّدية

رغم أن كلا هذين القسمين من الأخبار (العقلائية؛ والتوسعة التعبّدية) يحتاج في الحجية إلى ضمان الاعتبار من قبل الشرع المقدَّس، إلاّ أن سرّ التفصيل في حجية الأحاديث المعتبرة يكمن في النقاط الثلاث التالية:

أـ تعريف التفسير وماهيته الثبوتية والواقعية.

ب ـ وجود الحدّ الأدنى من مسمّى الكشف والانكشاف والدلالة في الأخبار العقلائية المعتبرة.

ج ـ عدم وجود هذا المقدار من الإحراز والانكشاف الوجداني في أحاديث التوسعة التعبّدية.

إن التفسير هو كشف المراد من الألفاظ والعبارات المشكلة([39])، وإن كشف المفسِّر لمراد القرآن فرع وضوحه وظهوره وبيانه للمفسِّر نفسه. وإن الأخبار العقلائية المعتبرة تنطوي على مقدار من الانكشاف والوضوح والظهور، بحيث يصدق عليها المسمّى العرفي للكشف والانكشاف والدلالة والتفسير، خلافاً لأحاديث التوسعة التعبّدية، التي لا تصل قوّة الاحتمال فيها؛ بسبب عدم الوثوق بصدورها، إلى الحدّ الذي يصدق معه المسمّى العرفي لكشف وانكشاف ودلالة الآيات في مورد التفسير([40])، وعليه لا نحصل على الماهية التكوينية للتفسير، وهي كشف وبيان ودلالة هذا النوع من الآيات بمثل هذه المستندات؛ فإنّ أدلة التعبّد بالخبر تمنح الاعتبار للحيثيات القابلة للتعبّد، لا أن يتمّ ضمان نواقصها التكوينية بالتعبّد الشرعي أيضاً. ومن هنا لن تكون قابلة للاستناد إلاّ في الحيثية العملية والتعبّدية من الآيات؛ إذ تدخل الحيثية الفقهية والعملية في الآيات ضمن حدود الاعتبار التعبّدي لهذه الأحاديث.

وبعبارةٍ أخرى: إن القضايا التفسيرية على نوعين:

أـ القضايا التفسيرية ذات الحيثية الثبوتية والموضوعية، من قبيل: الآيات ذات المضمون العقائدي والمعرفي والتاريخي والطبّي وما إلى ذلك.

ب ـ القضايا التفسيرية ذات الحيثية الإثباتية والتعبّدية، من قبيل: الحيثية العملية المرتبطة بالآيات الفقهية.

وفي الحيثية الأولى ـ وهي حيثية تفسيرية بالمعنى الدقيق للكلمة ـ يجب أن يكون مستند التفسير مقروناً بالعلم والقطع؛ ليتمّ إحراز دلالته بشكلٍ وجداني، أو أن يكون مستنداً إلى دليلٍ يصدق عليه من الناحية العرفية مسمّى الكشف والبيان والتفسير، بمعنى أن يكون انكشاف مضمون الآية في ضوئه بالمقدار الذي يصحّ معه عرفاً إطلاق البيان والدلالة، ويصدق عليه تعريف التفسير المتقدّم، وهو: «كشف المراد عن اللفظ». إن الحديث التفسيري الذي يكون في دلالته، وفي الوثوق بصدوره، على مرتبة يعتمد عليه في عرف العقلاء ينطوي على الحدّ اللازم من الوضوح والكشف والانكشاف؛ لأنهم يعدّون الخبر معتبراً من باب الكشف والطريقية، وليس من باب تحديد الوظيفة العملية([41]). ومن هنا فإنهم يراعون مقداراً من الإحراز ـ اللازم لصدق مسمّى الكشف ـ، ويعتبر متوفِّراً من وجهة نظرهم([42]).

مقدار قوّة السند والدلالة في الأخبار العقلائية والتعبّدية

إن ملاك الاعتماد على صدور الخبر جديرٌ بالتأمل من ناحيتين:

1ـ الاعتماد على الخبر العقلائي: إن الميزان في الاعتماد على الخبر ـ طبقاً لسيرة العقلاء ـ يقوم على الوثوق بصدور الخبر، كما أن الميزان في عدم الاعتماد على الخبر العقلائي هو عدم الوثوق بصدور الخبر، دون القطع أو الوثوق أو حتّى الشكّ بخلافه؛ إذ عندما يكون مدار الحجية العقلائية في باب الخبر هو الوثوق بالصدور فإن حجية الخبر، نفياً وإثباتاً، وبَدْواً واستمراراً، تدور حول محور الوثوق بالصدور.

كما يقول المحقِّق النائيني في هذا الشأن: «فالميزان في الموهنية هو ارتفاع الوثوق بالصدور، كما أن الميزان في الجابرية هو وجوده»([43]).

بَيْدَ أن السيد الخوئي يقول في ذلك: «يعتبر في الخبر الموثوق به… أن يكون جامعاً لشرائط الحجية، ومنها: أن لا يكون الخبر مقطوع الكذب؛ فإن مقطوع الكذب لا يعقل أن يشمله دليل الحجية والتعبّد…؛ لأن الراوي مهما بلغت به الوثاقة فإن خبره غير مأمون من مخالفة الواقع… فلا بُدَّ من التشبُّث بدليل الحجية في رفع هذا الاحتمال، وفرضه كالمعدوم. وأما القطع بالخلاف، وبعدم مطابقة الخبر للواقع، فلا يعقل التعبّد بعدمه؛ لأن كاشفية القطع ذاتية، وحجيته ثابتة بحكم العقل الضروري. وإذن فلا بُدَّ من اختصاص دليل الحجية بغير الخبر الذي يقطع بكذبه وبمخالفته للواقع»([44]).

إن هذا الكلام لا يخلو من المسامحة في التعبير؛ لأنه يكتفي في مقام بيان شرائط الحجية في الخبر بذكر القطع بالخلاف فقط، ولا يذكر سائر مراتب فقدان الوثوق بصدور الخبر.

2ـ ملاك الاعتماد على خبر التوسعة التعبّدية: إن هذا المقدار من نظرية التوسعة التعبدية لا يعني عدم القطع بالخلاف، بل عدم تحقُّق التهمة، بمعنى وجود مسمّى الإحراز من باب الوثوق النوعي بنوع الخبر.

ملاكات وشرائط الحجية في دلالة الخبر

 إن المستند التفسيري، بالإضافة إلى الاشتمال على المقدار الموجب للوثوق بقوّة السند، يحتاج إلى دلالةٍ بمقدارٍ قابل للاعتماد. وإن هذه الدلالة إما بالنصّ والصراحة؛ وإما بالظهور. إن دلالة الخبر إنما تكون قابلة للاعتماد إذا تمّ إحراز شرائط حجية دلالة كلٍّ من: النصّ؛ والظواهر.

إن شرائط دلالة الخبر عبارةٌ عن:

1ـ عدم مخالفة نصوص وظواهر الحديث لليقينيات: إذا كانت أمورٌ من قبيل: الأوليات والبديهيات والمشاهدات والفطريات والمتواترات والحقائق الوحيانية، أو كلّ أمرٍ موجب للقطع الجازم، تخالف مضمون حديثٍ، بحيث لم يمكن الجمع بينهما بالجمع الدلالي، ستسقط عن مقام الاعتبار([45]).

2ـ إحراز عدم إرادة معنى الخلاف: في الدلالة القائمة على الظهور لا يكون احتمال الخلاف منتفياً بالوجدان، ولكنْ لو أمكن إحراز عدم احتمال الخلاف بطريقةٍ من الطرق فإن الدلالة الظهورية ستكون حجةً. وعلى هذا الأساس فإن المستند التفسيري، بالإضافة إلى السند المعتبر، يحتاج إلى دلالةٍ بمقدارٍ قابلٍ للوثوق، وحيث لا ينتفي في الظواهر احتمال إرادة المعنى المخالف للظاهر من قبل المتكلِّم فإن حجية هذه الظواهر ستكون مشروطةً بالبحث عن الاحتمالات المنافية للظهور؛ كي يتمّ إحراز تطابق المدلول التصوُّري مع المدلول التصديقي، وتطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدّية.

إن الخصائص والشرائط الحاكمة على الكتاب والسنّة، وبعض النصوص الأخرى([46])، تقتضي على الدوام ملاحظة القرائن المتصلة وغير المتصلة، وهذا يحتاج إلى البحث والتحقيق([47]).

إن الفحص عن المخصِّص وغيره من القرائن المنفصلة يجب أن يكون بمقدارٍ يورث الاطمئنان الشخصي أو الوثوق النوعي بعدم وجود هذه القرائن. ومن الطبيعي أن يكون تحقُّق الاطمئنان والوثوق في الموضوعات والموارد المختلفة تابعاً لمقدار القوّة التي يتطلّبها كلّ موردٍ بما يتناسب مع خصوصيات الموارد.

3ـ عدم الفصل بين الحجية والتفسير: إذا كان في الآية ـ المشتملة على أيّ مسألة اعتقادية هامة أو غير اعتقادية ـ ظهورٌ ودلالة من داخلها أو من حديث أو من خلال ضمّهما إلى بعضهما، ولم نعثر على قرائن على الخلاف، أمكن لنا القول: إن لهذه الآية مثل هذه الدلالة والظهور. بَيْدَ أن احتمال الخلاف لا يكون منتفياً. ولكنْ بعد تحقُّق شرائط الحجية من الاطمئنان الشخصي أو النوعي بانتفاء احتمال الخلاف لا يمكن القول بانكشاف مراد المتكلِّم. وبالتالي لا يمكن القول: إن تفسير هذه الآية كالتالي؛ لأن صدق وصحّة إطلاق «التفسير» رهنٌ بصدق تعريفه، الذي هو وضوح وانكشاف مراد الله سبحانه وتعالى.

عدم التفصيل بين القضايا الكلامية وغير الكلامية

في ذات الوقت الذي يتمّ فيه التأكيد على عدم التناغم بين مختلف القضايا في اقتضاء قوّة السند والدلالة، لا بُدَّ من التذكير بأن المراد من هذا الكلام ليس هو أن جميع المسائل الكلامية والأمور الملحقة بها تحتاج إلى دليلٍ قطعي، بل حتّى في الأمور الاعتقادية يجب أن يكون مستندنا التفسيري مشتملاً على مقدارٍ من قوّة السند والدلالة، بحيث يتحقَّق الاعتقاد به. وكما مرّ توضيحه فإن تحقُّق العقد القلبي بكلّ أمرٍ لا يحتاج إلى علمٍ جازم، بل هو تابعٌ لمقدار أهمّيته. ومن هنا يكون الاعتقاد قابلاً للتقسيم إلى: اعتقاد جازم؛ واعتقاد غير جازم([48]). وعلى هذا الأساس ففي أكثر المسائل الاعتقادية يمكن الاعتقاد من خلال الأدلة والمستندات الموجبة للاطمئنان أو الوثوق العادي العقلائي الذي يحصل به المسمّى العرفي للوضوح والانكشاف ـ وهو الذي عليه مدار صدق التفسير ـ أيضاً. إن شرط حجية الظهور ـ وهو الفحص عن القرائن الدالة على إرادة المعنى المخالف للظاهر ـ يكون في العادة متناسباً مع أهمّية المورد أيضاً، وهو يتحقَّق بتحقُّق هذا الوثوق والاطمئنان. وعلى فرض التنزُّل عن الكلام السابق يمكن القول: إن الاعتقاد لا يساوق التفسير، وإننا في الحدّ الأدنى الأدنى لا نقبل الحاجة إلى العلم الجازم في خصوص التفسير؛ إذ بغضّ النظر عن إمكان وصحة أو عدم صحة الاعتقاد بمسألةٍ كلما حصلنا على وضوحٍ وظهور ودلالة تحقّق المسمّى العرفي من وضوح وانكشاف مراد المتكلِّم، وتحقق شرط حجية هذا الظهور أيضاً، لا ننتظر إحراز إمكان أو صحة الاعتقاد بتلك المسألة، في صحّة إطلاق اسم التفسير عليه.

وعلى هذا الأساس فإن دعوى حاجة التفسير في القضايا الكلامية إلى أدلة تفيد العلم والقطع كلامٌ مطلق لا يستند إلى دليلٍ، وإن الأدلة التي يذكرونها له أخصّ من المدَّعى.

وقال الشيخ عبد الله جوادي الآملي، في النقطة الخامسة من مبحث (دور الروايات في فهم القرآن): «إن الروايات… على قسمين؛ فمنها ما يرتبط بآيات الأحكام، ومنها ما يرتبط بآيات المعارف… وفي المعارف… لا تكون ظواهر هذه الآيات حجةً. إن الرواية… إنما تكون حجةً إذا توفّرت على ثلاثة شروط، وهي:

أـ أن تكون قطعية السند…

ب ـ أن تكون جهة صدور الرواية لبيان المعارف الواقعية، لا أن تكون ناتجةً عن التقية وأمثالها.

ج ـ أن تكون دلالتها بالنصّ، وليس بمجرّد الظاهر.

فإذا كانت الرواية غير مفيدة للجزم في هذه الشروط الثلاثة، في مثل اللوح والقلم… وأمثال ذلك، ممّا لا يكون الاعتقاد به شرطاً في تحقُّق الإيمان، يمكن التعويل عليه بوصفه احتمالاً ظنّياً، ويمكن إسناده بهذا المعيار إلى صاحب الشريعة. ولكنْ لا يمكن القول بأن هذا هو رأي الإسلام في هذه المسألة على نحو القطع واليقين؛ لأن أدلة حجية خبر الواحد ترتبط بالأحكام العملية التي يمكن الاعتماد عليها في الظنّ المعتبر»([49]).

مما تقدَّم يتّضح وجه التأمُّل في عبارته الأخيرة، أي القول باختصاص «أدلة حجية خبر الواحد بالأحكام العملية»؛ لأن من أهمّ هذه الأدلة هي السيرة، حيث إن عرف العقلاء لا يميِّز في الحجية بين الأحكام العملية وغير العملية، والشارع أيَّد هذه السيرة أيضاً. والاعتقاد بدوره أعمّ من الجزم. نعم، إن تحقُّق الجزم بالمسائل الاعتقادية يحتاج إلى دليلٍ مفيد للقطع، وهذا لا يختصّ بالآيات المعرفية، بل إن الجزم برأي الإسلام وبحكم الله تعالى بشأن الحكم الشرعي في المسائل الفقهية يحتاج إلى دليلٍ وافٍ بالقطع الجازم، وما أن يحصل من حجيتنا العقلائية المسمّى العرفي للوضوح والانكشاف والدلالة ـ الموجبة لصحّة إطلاق التفسير ـ، و«بهذا المعيار يمكن إسناده إلى صاحب الشريعة»، يكون ذلك كافياً للحجية في التفسير، رغم أن الاعتقاد الجازم بمضمونه، أو القول: «إن رأي الإسلام في هذا الشأن هو هذا الأمر على نحو القطع واليقين»، يحتاج إلى مستندٍ يفيد الجزم.

حاجة القضايا التاريخية إلى الوثوق النوعي

قد يذهب التصوُّر ببعضٍ إلى القول بأن المؤرخين في الاعتماد على القضايا التاريخية لا يشترطون الإسناد وسائر الشرائط المعتبرة في الفقه والكلام، وأنهم يعتمدون في الأبحاث التاريخية على الأخبار المرسلة، بشرط عدم ظهور قرائن على خلافها. ولكنْ، دون أن نعمل على نفي أو إثبات هذه النسبة إلى عرف المؤرخين، لو سلَّمنا وجود مثل هذه السيرة في عرف أصحاب التاريخ يجب القول: إن هذه السيرة فاقدةٌ لشرائط الحجية في علم التفسير وسائر الوجوه التي تمسّ الحاجة إليها في الشريعة؛ لأن اعتبار هذه السيرة بحاجةٍ إلى إثبات استمرارها بشكلٍ ملموس، والاهتمام بها في عصر المعصومين^؛ كي يكون سكوتهم وتأييدهم لها دليلاً على تقريرهم وإمضائهم لمثل هذه السيرة، ولا شَكَّ في أن فقدان مثل هذا الشرط يساوي عدم اعتبار العرف المذكور.

والنتيجة هي أننا في القضايا التاريخية في القرآن نحتاج أيضاً إلى الخبر المشتمل على شرائط الاعتبار العقلائي، بمعنى أن يكون مورداً للوثوق. أجل، إن تحقق الوثوق بالقضايا التاريخية أسهل من القضايا الاعتقادية والأمور الهامّة من هذا القبيل.

حجية الأحاديث التفسيرية في التعارض مع الكتاب والسنّة

القواعد العامة في تعارض الحديث مع الكتاب والسنّة

بالنظر إلى موقع الكتاب والسنّة، ونسبتهما إلى بعضهما، وخصائص كلّ واحدٍ منهما، هناك قواعد عامّة حاكمة على التعارض فيما بينهما، وهي:

1ـ كلّ حديث يصدق عليه عنوان المخالفة للقرآن فهو ساقطٌ عن الاعتبار.

2ـ بالالتفات إلى أدلّة اعتبار ظواهر ونصوص الكتاب والسنّة، كلما حصل التنافي بين القرآن والحديث، بحيث أمكن الجمع بينهما، تمّ الجمع بينهما، كما في التعارض البدوي بين الروايتين.

3ـ لو استحال الجمع العرفي في التعارض لا يمكن توفير مستند للتفسير من خلال الجمع العرفي. نعم، لو كان قابلاً للجمع العرفي فإنه ينظر باللحاظ الثبوتي للتفسير، ولكنْ لا يطلق عليه اسم التفسير؛ لعدم صدق كشف المراد عليه.

4ـ إن عصمة المعصومين^، وتبعيتهم الكاملة لحكم الله تعالى في القرآن الكريم وغيره، يجعل مخالفة الخبر القطعي الصدور للقرآن أمراً غير معقول.

حالات وأحكام التعارض

يمكن تصوُّر التعارض بين نصّ أو ظاهر حديث قطعيّ الصدور أو غير قطعي الصدور مع نصّ أو ظاهر القرآن على ثمانية أنحاء، وهي:

أـ تعارض نصّ الحديث القطعي مع النصّ القرآني: بالنظر إلى عصمة المعصومين^ عن مخالفة القرآن يستحيل وقوع هذه الصورة.

ب ـ تعارض نصّ الحديث غير القطعي مع النصّ القرآني: إن الحديث المخالف للقرآن باطلٌ، ويعتبر ساقطاً عن الاعتبار.

ج ـ تعارض نصّ الحديث القطعي مع الظاهر القرآني: في الظواهر القرآنية يتمّ التصرّف في مفاد الآية، ويتم بذلك حملها على الحديث، بمعنى أن يتمّ تأويل الآية بحيث يمكن جمعها من الناحية العرفية مع نصّ الحديث؛ إذ لا يمكن التصرُّف في دلالة هذا الحدث، كما لا يمكن الخَدْش في سنده أيضاً، في حين أن حجية ظاهر الآية مشروطٌ بالفحص وإحراز عدم القرينة على الخلاف، ومع وجود مثل هذا الحديث يكون شرط حجية ظاهر الآية مفقوداً.

د ـ تعارض نصّ الحديث غير القطعي مع الظاهر القرآني: يتمّ الجمع بين مفاد هذا الحديث ومفاد الآية من الناحية العرفية، ويتمّ تفسير الآية على هذا الأساس، سواء بحمل ظاهر الآية على مفاد الحديث أو حمل الآية على تعدُّد المعنى، والقول بأن الحديث متكفّل ببيان واحد من تلك المعاني، أو بحمل الحديث على التأويل والتفسير بالبطون، أو بجمعٍ آخر من هذا القبيل.

هذا إذا أمكن الجمع العرفي بين مفاد الأحاديث ومفاد الآيات، وإلاّ سقط الخبر عن الاعتبار؛ بوصفه مخالفاً للكتاب.

أجل، لو لم يمكن الجمع التبرعي أيضاً كان الحديث قابلاً للطرح والإنكار، ثبوتاً وإثباتاً؛ ولكنْ لو أمكن الجمع التبرّعي ـ وإنْ كان مستبعداً ـ سقط الحديث في مقام الإثبات عن الحجية، ولكنّه في مقام الإثبات لا يسوغ ـ بلحاظ احتمال صدوره وإنْ على ضعفٍ ـ ردّه وإنكاره، بل قد لا يجوز في بعض الأحيان؛ إذ لا نقطع في الجمع التبرّعي بعدم صدور وعدم إرادة ذلك المعنى التأويلي البعيد.

هـ ـ تعارض ظاهر الحديث القطعي مع النصّ القرآني: إن ظاهر الحديث ـ بالنحو الذي أشرنا إليه في المورد السابق ـ يمكن جمعه مع مفاد النصّ القرآني؛ إذ مع القطع بصدور الحديث فإن كلّ وجهٍ من وجوه الجمع الأقرب الذي يمكن جمعه إلى جانب مفاد الآية سيكون عرفياً. نعم، إذا كانت هناك وجوهٌ محتملة في مقام الجمع، ولم يتعيَّن رجحان أحدها، فإنها في مقام الإثبات ستسقط عن الحجية؛ بلحاظ الإجمال بالعرض، ولكنْ لا يجوز ردّها وإنكارها في مقام الثبوت.

و ـ تعارض ظاهر الحديث غير القطعي مع النصّ القرآني: إن الحديث غير القطعي يكون في مثل هذه الموارد ـ من ناحية الاعتبار العقلائي ـ بحكم قطعي الصدور. وعليه فإن الحديث ـ بالتفصيل المذكور في الموارد المتقدّمة ـ يحمل على المعنى الموافق للقرآن.

ز ـ تعارض ظاهر الحديث القطعي مع النصّ القرآني: تحمل الظواهر على النصوص.

ح ـ تعارض ظاهر الحديث غير القطعي مع الظاهر القرآني: عند إمكان الجمع العرفي يكون الحديث موثوق الصدور وغير القطعي بحكم قطعيّ الصدور. وعليه يكون ظاهر كلا الدليلين حجةً، ويمكن الجمع بينهما؛ إذ ما لم يتمّ إحراز وجود ما يمنع من حجيّة ظهورهما سيكون ظهورهما حجةً. ومع إمكان الجمع بينهما لا يكون هناك ما يمنع من حجية هذا الظهور، وسيمكن الجمع بينهما، كما يمكن الجمع بين الحديثين.

قد يتصوَّر بعضهم أن الذي يحصل هنا هو حمل ظاهر القرآن على ظاهر الحديث؛ لأن الحديث من الناحية الشأنية حاكمٌ، أي ناظر ومفسِّر للآية، وإن ظهور الدليل الحاكم أقوى دائماً من ظهور الدليل المقابل؛ وذلك بسبب اتخاذ مقام المفسّر والنظر إليه.

بَيْدَ أن الأمر ليس كذلك؛ لأن الحديث إذا كان له شأن المفسِّر والناظر للآية يجب أن يكون مبيِّناً لها، ولازم ذلك إمكان الجمع العرفي. وعليه لا يمكن أن يكون لمثل هذا الحديث شأن المفسِّر والناظر، بل سيكون في مقام الإثبات ـ بوصفه حديثاً مخالفاً للكتاب ـ ساقطاً عن الاعتبار. وأما حكم مقام الثبوت فيتَّضح مما تقدَّم.

حالات وأحكام تعارض الحديث التفسيري مع السنّة

كلّ ما ذكر في حالات وأحكام تعارض الحديث مع القرآن يجري في تعارض الحديث التفسيري مع السنّة، أي مع الأحاديث الثابتة عن المعصومين^ أيضاً.

موقع الأحاديث غير المعتبرة في التفسير

أنواع الأحاديث غير المعتبرة

أـ الضعف الاصطلاحي: إذا كان هناك في سلسلة الحديث والسند راوٍ واحد لا يتّصف بالوثاقة أو حُسْن الحال عُدَّ سند الحديث ـ بحَسَب المصطلح ـ ضعيفاً، سواء أكان هذا الراوي مجهولاً ولم يَرِدْ له ذكر في كتب الرجال، أو ورد ذكر اسمه دون مدحٍ أو قدح، أو تمّ التصريح بكونه «مجهولاً»، أو وردت بشأنه الألفاظ والعبارات الدالة على تضعيفه والطعن فيه.

ب ـ الأحاديث التي تمّ الإعراض عنها: الأحاديث ذات السند الصحيح أو التي هي في حكم الصحيحة، ولكنْ أعرض مشهور الأصحاب عن العمل بها والاعتماد عليها.

ج ـ الأحاديث المخالفة للكتاب: الحديث الذي يتعارض مع القرآن الكريم، بحيث لا يمكن الجمع بينهما، يسقط عن الاعتبار، إلاّ أنه إذا أمكن الجمع العرفي بينهما ـ وإنْ على نحوٍ مستبعد ـ لا نجيز ردّ ذلك الحديث وإنكاره، بل ربما دافعنا عنه في مقام الثبوت، ولكننا لن نقيم له وزناً في مقام الإثبات.

د ـ الأحاديث المخالفة للسنّة: كلما كان الحديث متعارضاً مع السنة القطعية ـ بمعنى أنه كان متعارضاً مع الأحاديث الثابت صدورها عن المعصومين^ ـ كان ساقطاً عن الاعتبار، وإنْ كان صحيح السند بحَسَب المصطلح. وهكذا إذا تعارض حديث مع الأحاديث الأخرى، وكانت شرائط وشؤون التعارض بحيث تسقط ذلك الحديث عن درجة الاعتبار، حتّى إذا كان الحديث المعارض الآخر من اليقينيات والمسلمات في السنّة، أو حتّى إذا لم يكن اعتباره ثابتاً أيضاً.

هـ ـ الحديث المخالف لليقينيات: الأعمّ من الأوّليات والبديهيات والمشاهدات والفطريات والمتواترات، بل كلّ حديث تمّ القطع الجازم بعدم صدوره وعدم صحّة مضمونه سوف يسقط عن الاعتبار عند القاطع بمثل هذا النوع من القطع([50]).

إن الأحاديث غير المعتبرة على قسمين:

1ـ الأحاديث التي يتم القطع بعدم صدورها أو عدم صحّة مضمونها. وإن هذه المجموعة من الأحاديث يجوز إنكارها. وما دام هذا القطع باقياً لن تترتَّب فائدة عليها([51]). رغم أنه يجدر بالشخص ـ بالالتفات إلى وجود الجهل المركَّب في الكثير من موارد القطع ـ أن يتجنَّب ردّ وإنكار الأحاديث ما لم تكن هناك ضرورةٌ وحاجة إلى ذلك الردّ والإنكار([52]).

2ـ الأحاديث التي لا يقطع بعدم صدورها وعدم صحّة مفادها، ولكنّها تفتقر إلى الاعتبار. وفي ذلك لا بُدَّ من الالتفات إلى الأمرين التاليين:

أوّلاً: إن الحديث الضعيف مهما كان راويه من أشهر الوضّاعين لا يساوي الحديث المختَلَق، ومن هنا ما لم يتمّ الاطمئنان إلى كونه مختَلَقاً لا يجوز إنكاره.

وثانياً: إن هذه المجموعة من الأحاديث على الرغم من ضعف سندها قد تكون لها بعض الفوائد التي نشير إليها على النحو التالي:

الفوائد المحتملة للأحاديث التفسيرية غير المعتبرة([53])

إن من الفوارق الرئيسة بين الروايات التفسيرية وسائر أنواع الروايات الأخرى أن سائر الروايات الأخرى يجب أن تحتوي على دلالةٍ كافية على مفادها، خلافاً للروايات التفسيرية التي تشتمل على نافذةٍ لدلالة الآيات، إلى جانب النافذة الدلالية للألفاظ، ولا سيَّما بالالتفات إلى أن المستفاد من الآيات والروايات الخاصّة بشأن رسول الله| وأهل البيت^ أنه تبيان لكتابٍ هو في حدّ ذاته كما وصف نفسه: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89)، بمعنى أن شأنهم هو «تبيين» الكتاب للأمّة، بحيث يتمكّن كلّ واحد من أفراد هذه الأمة من الاستفادة منه بمقدار سعته وظرفيته، أي إنهم يعلِّمونهم السَّيْر في أودية التفسير، لا أنهم يعملون على قيادتهم في طرق التفسير.

وعليه فإن الأصل في الحديث التفسيري أن يتمّ تفسير الآيات في ضوء بيان المعصومين^، بحيث تنجلي معاني تلك الآيات للمخاطبين.

ومن هنا فإن موافقة وعدم موافقة الحديث للآية، والتناسب المفهومي، وارتباط المفسِّر والمفسَّر بهذين الأمرين، ولا سيَّما بالنسبة إلى الطلاب والمبتدئين الراغبين في التعرُّف على الأساليب التفسيرية لأهل البيت^، من أوضح القرائن الموجبة لتقوية أو ضعف دلالة الحديث.

إن هذه الخصوصية تجعل الاستفادة من الأحاديث التفسيرية، وتمييز الغثّ من السمين ـ من بعض الجهات([54]) ـ، أسهل بالقياس إلى سائر أنواع الحديث الأخرى.

ومن خلال هذه الرؤية نشير إلى بعض الفوائد المترتِّبة على الأحاديث التفسيرية غير المعتبرة:

أـ الاستناد إلى الأحاديث الضعيفة بعد التبيُّن: ومن بينها ملاحظة موافقة ذلك الحديث للكتاب والسنّة القطعية، أو تعاضد مضمونه مع الأحاديث الأخرى المتناغمة معه، ولا سيَّما إذا بلغت في المجموع حدّ الاستفاضة.

ب ـ كشف الحقائق التي يكون تصوُّرها موجباً لتصديقها: قد يكون تصوّر الحديث ـ الموجب لكشف الحقائق ـ مصحوباً بتصديقه، بَيْدَ أن الناس أنفسهم يعجزون في الغالب عن إدراك تلك الحقائق([55]). فعلى سبيل المثال: قد تستند الآية في دلالتها على المعنى إلى بعض القرائن التي كانت متوفِّرة أثناء النزول، ثم خفيت هذه القرائن عن الأجيال اللاحقة، وإن إدراكنا وعثورنا على تلك القرينة يكشف لنا المعنى المذكور، بحيث يكفي أن يخطر في الذهن على مستوى التصوُّر للتصديق به.

ج ـ البارقة الأولى للاكتشافات القيِّمة: قد يكون الحديث بارقة لبداية كشوف قيّمة؛ إذ من الممكن أن تكون الأحاديث التي لم يثبت اعتبارها، ولا سيَّما الضعاف القوية ـ التي لا يكون احتمال صدورها عن المعصوم× ضعيفاً جدّاً ـ، مشتملةً على حقائق علمية. إن النظرة الثبوتية إلى القيمة الاحتمالية المترتِّبة على مفاد هذه الأحاديث، ومتابعة هذه الاحتمالات أو أخذها بنظر الاعتبار، قد يؤدّي على المدى الطويل إلى الكشف عن حقائق قيِّمة للغاية.

د ـ ربّ حامل فقهٍ إلى مَنْ هو أفقه منه: قد يكون الحديث الصحيح أو غير الصحيح مشتملاً على مضمون شاذّ، أو يحتوي على مشكلة دلالية، ولا نستطيع العمل بمضمونه والاستفادة منه في مقام الإثبات، ولكنْ يجدر بنا أن نحتمل أن سموّ ورفعة مفاد الحديث بحيث تجعله مشكلاً ويفوق المستوى الفكري لعامّة الباحثين، ولكنْ يبقى هناك أملٌ أن يقع هذا الحديث في الحاضر أو المستقبل بأيدي أشخاص يتمكَّنون من فكّ شيفرته، وبلوغ أعماقه وصحّة معناه.

هـ ـ التطبيق في قسم الأحكام غير الإلزامية: ومن بين فوائدها تطبيقها في قسم الآيات الفقهية المتضمِّنة للأحكام غير الإلزامية([56]).

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعد في كلِّية علوم الحديث، ومدير قسم التفسير في مؤسَّسة علوم ومعارف الحديث.

([1]) سواء أكان القائلون بهذه النظرية يعتقدون في القضايا الكلامية بلزوم القطع أم لا.

([2]) وهكذا لو أن خبر الثقة في مورد لم يوجب حتّى الظن، بل أقصى ما يمكنه هو الوصول إلى الشكّ والتهمة، لن يحصل حتّى مسمّى الإحراز، ولو من باب الوثوق النوعي بنوع الخبر، ولن يكون مشمولاً لأدلة الحجية التعبّدية لخبر الثقة أيضاً.

([3]) قيل في تعريف الحجية:

(كل قصد حج… ثمّ اختصّ بهذا الاسم القصد إلى البيت الحرام للنسك… وممكن أن يكون الحجة مشتقة من هذا؛ لأنها تقصد، أو بها يقصد الحقّ المطلوب، يقال: حاججت فلاناً فحججته، أي غلبته، وذلك الظفر يكون عند الخصومة). انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 250.

(الحجّ: القصد أو السير إلى البيت خاصة… وإنما سمّيت (الحجة) حجةً؛ لأنها تحج، أي تقصد؛ لأن القصد لها وإليها، وكذلك محجة الطريق هي المقصد والمسلك). انظر: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، تهذيب اللغة 1: 744.

(أصل الحج: القصد للزيارة… والحجة: الدلالة المبيّنة للمحجّة، أي: القصد المستقيم، والذي يقتضي صحّة أحد النقيضين…). انظر: الراغب الإصفهاني، المفردات: 107.

([4]) انظر: مصباح الأصول (تقريرات: محمد سرور واعظ الحسيني البهسودي) 2: 38، مكتبة الداوري، قم، 1412هـ؛ السيد منير السيد عدنان القطيفي، الرافد في علم الأصول: 118، مطبعة مهر، ط1، قم، 1414هـ؛ السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 2: 53، دار الكتاب اللبناني، ط2، 1406هـ؛ السيد محسن الحكيم، حقائق الأصول 2: 179، بصيرتي، قم، 1408هـ.

([5]) من الجدير بالذكر أن أهم المسائل الشرعية، بل الكثير من الأحكام الشرعية ممّا هي دون ذلك، قد وصلت إلى الأمة بالأدلة القطعية أو المورثة للاطمئنان؛ لضمان رسوخ البنية العامة للشريعة، ولكنْ مع ذلك هناك الكثير من الأمور والأحكام التي تمّ الاكتفاء في إثباتها بالأدلة العقلائية المعتبرة، أو التعبّدية، أو الالتزام الإجمالي.

([6]) الفَسْر: الإبانة وكشف المغطّى، كما قاله ابن الأعرابيّ؛ أو كشف المعنى المعقول، كما في البصائر، كالتفسير… قال ابن القطّاع: (والتشديد أعمّ). انظر: محمد بن محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(1205هـ)، تاج العروس من جواهر القاموس 7: 249، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، ط1، بيروت، 1414هـ؛ ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 5: 55، تصحيح: أمين محمد عبد الوهّاب ومحمد صادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1416هـ؛ الصاحب بن عبّاد(326 ـ 385هـ)، المحيط في اللغة 8: 311، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب، ط1، بيروت، 1414هـ؛ الراغب الإصفهاني(502هـ)، المفردات في غريب القرآن: 380، نشر الكتاب، ط2، قم، 1404هـ؛ محمد هادي معرفت، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب 1: 13، جامعة العلوم الإسلامية، مشهد، 1425هـ، نقلاً عن: الراغب الإصفهاني، التفسير (المقدّمة): 47.

([7]) وليس ذلك لمجرّد دلالة كثرة المباني على كثرة المعاني، بل إن باب التفعيل في الأساس قد وضع لهذا المعنى. انظر: أبو بشر عمرو سيبويه، الكتاب 2: 282 ـ 283، 293، نشر أدب الحوزة، ط1، قم، 1404هـ؛ محمد الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 2: 351؛ 15: 728؛ علي بن إسماعيل النحوي(458هـ)، المخصص 4، السفر 14: 73، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: 359، دار الهجرة، ط1، قم، 1405هـ؛ أبو الفتح عثمان بن جنّي(392هـ)، الخصائص 1: 223، تحقيق: محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، ط1، القاهرة، 1374هـ؛ أبو الفتح عثمان بن جنّي، المحتسب في تبيين وجوه شواذّ القراءات 1: 81 ـ 82، 194، القاهرة، 1386هـ؛ الشيخ الرضي الإسترآبادي، المعروف بنجم الأئمة، شرح شافية ابن الحاجب 1: 92 ـ 93، 99، 167، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ.

([8]) انظر: أمين الدين الطبرسي، وابن الأعرابي، والراغب، و…: (التفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل). انظر: أمين الدين أبو الفضل الطبرسي(560هـ)، مجمع البيان لعلوم القرآن 1: 13 (الفن الثالث من المقدّمة)، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ؛ انظر: ابن منظور الأفريقي، لسان العرب 5: 55؛ محمد هادي معرفت، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب 1: 13، نقلاً عن: الراغب الإصفهاني، التفسير (المقدّمة): 47.

(كشف المراد عن اللفظ المشكل والتركيب المغلق). انظر: محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور(880هـ)، حاشية عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية 4: 104، تحقيق: مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء، ط1، قم، 1403هـ.

(كشف المبهم ورفع القناع). انظر: الملا صالح المازندراني(1081هـ)، شرح أصول الكافي 2: 125، مع تعليقة: الميرزا أبو الحسن الشعراني.

(كشف الغطاء ودفع الإبهام). انظر: الفروق اللغوية: 123.

(كشف المراد عن اللفظ المشكل وردّ أحد الاحتمالين إلى ما يطابق الظاهر). انظر: أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 149، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث العربي، 1376هـ.

(التفسير: كشف القناع. ثمّ لو سلّم كون مطلق حمل اللفظ على معناه تفسيراً لكن الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار العقلي الظنّي الراجع إلى الاستحسان، فلا يشمل حمل ظواهر الكتاب على معانيها اللغوية والعرفية). انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري(1281هـ)، فرائد الأصول 1: 142، دار الاعتصام، ط1، قم، 1416هـ.

([9]) بالالتفات إلى تعريف التفسير يأتي إطلاق هذا العنوان على التفسير بالرأي من باب المجاز والتسامح.

([10]) انظر: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 397، مؤسسة إحياء آثار السيد الخوئي، قم: (التفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز، فلا يجوز الاعتماد فيه على الظنون والاستحسان، ولا على شيءٍ لم يثبت أنه حجّةٌ من طريق العقل، أو من طريق الشرع… ولا بُدَّ للمفسِّر من أن يتبع الظواهر التي يفهمها العربي الصحيح، أو يتبع ما حكم به العقل الفطري الصحيح، فإنه حجّةٌ من الداخل… أو يتبع ما ثبت عن المعصوم×).

([11]) انظر: الحسن بن زين الدين العاملي(1011هـ)، معالم الدين وملاذ المجتهدين: 192، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم؛ الميرزا أبو القاسم القمي(1231هـ)، قوانين الأصول: 440، الطبعة الحجرية.

([12]) انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 1: 386، 426.

([13]) وبطبيعة الحال فإن الشيخ الأنصاري في هذا المسعى إنما أبطل مجرّد نظرية الانسداد الكبير فقط، والتي أدت إلى القول بحجية مطلق الظنّ، وأما القول بالانسداد الصغير فلا يزال هناك مَنْ يدافع عنه، وعليه يجب إما إثبات بطلانه، أو العمل على معالجة تبعات الالتزام به. (انظر: محمد إحساني لنكرودي، نظريه توسعه تعبّدي سيره عقلا در حجيت خبر واحد، فصلية علوم حديث، العدد 42).

([14]) انظر: المولى محمد أمين الإسترآبادي(1033هـ)، الفوائد المدنية: 106، تحقيق: رحمة الله رحمتي آراكي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1424هـ؛ محمد فاضل موحدي لنكراني، مدخل التفسير: 176، دفتر تبليغات إسلامي، قم، 1412هـ.

([15]) انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 1: 246؛ الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول: 303، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم، 1412هـ؛ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 298 ـ 402.

([16]) انظر: الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الأفكار (تقريرات درس الآغا ضياء الدين العراقي) 2: 135، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

([17]) سنأتي في الأبحاث القادمة على شرح نظرية التوسعة التعبّدية، بَيْدَ أننا ذكرنا تحقيق هذا المبنى في مقالةٍ أخرى لنا، تحت عنوان: (نظرية التوسعة التعبّدية لسيرة العقلاء في حجية الخبر).

([18]) انظر للمزيد من التحقيق: محمد إحساني لنكرودي، نظريه توسعه تعبّدي سيره عقلا در حجيت خبر واحد: 101 ـ 102 (مصدر فارسي).

([19]) حيث تحظى الروايات المشتملة على الحجية الوجدانية بالاعتماد في سيرة العقلاء، فقد أدرجناها ضمن (طيف الأحاديث العقلائية)، إلاّ أن هذا القسم لا يحتاج إلى ضمان اعتبار من سيرة العقلاء؛ لأن حجيته ضرورية وعقلية.

([20]) في دلالة هذا النوع من الروايات على الظهور يشترط في حجية ظواهر هذه الروايات الفحص عن القرائن على إرادة المعنى المخالف للظاهر، وإحراز تلك القرائن. وحدُّ هذا الفحص هو حصول الاطمئنان والوثوق بعدم وجود القرائن على الخلاف. وإن تحقُّق هذا الاطمئنان في خصوص هذه الموارد يتوقَّف من الناحية العملية على حصول الجزم بعدم وجود تلك القرائن المشار إليها. (انظر: المقالة نفسها، بحث ميزان قوّت سند ودلالت در أخبار عقلائي وتعبّدي) (مصدر فارسي).

([21]) وذلك لأن حجية الروايات المفيدة للقطع والاطمئنان وجدانية، وليست أصولية، بمعنى أنه عند تخلف القطع والاطمئنان عن الواقع لا يكون ذات القطع والاطمئنان عذراً له، ولن يكونا معذرين بحَسَب المصطلح، وبطبيعة الحال إذا لم يكن مقصراً في الخطأ الحاصل في مبادئ تحقق اليقين والاطمئنان لن يتوجَّه إلى شخصه غير الآفات والمسؤوليات التكوينية والوضعية، ولن يكون بعد ذلك مستحقّاً للعقاب والمؤاخذة. ويمكن تبرير معذرية المستضعفين من الناحية الفكرية على هذا الأساس أيضاً.

([22]) بالإضافة إلى الظهور العرفي، وشمول روايات التشجيع على العلم بالنسبة إلى الاطمئنان، هناك بعض الروايات الخاصة التي تدلّ أيضاً على اعتبار الاطمئنان عند الشارع المقدَّس أيضاً. (انظر: أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي(381هـ)، قرب الإسناد: 135، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط1، قم، 1413هـ؛ الحُرّ العاملي(1104هـ)، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 27: 127، ح23502، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط2، قم، 1416هـ.

([23]) تنقسم الأمارة المفيدة للوثوق النوعي أحياناً إلى: أـ الوثوق النوعي بشخص الخبر؛ ب ـ الوثوق النوعي بنوع الخبر. والمراد من الوثوق النوعي في طيف الروايات العقلائية هو ذات القسم (أ)؛ خلافاً لطيف الروايات المشمولة للتوسعة التعبّدية الذي يمكنه أن يكون من القسم (ب). (انظر: محمد إحساني لنكرودي، نظريه توسعه تعبدي سيره عقلا در حجيت خبر واحد: 101 ـ 102 (مصدر فارسي)).

([24]) انظر: الميرزا أبو القاسم القمي، قوانين الأصول: 434؛ السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 2: 136.

([25]) في غير موارد الدوران بين المحذورين.

([26]) المراد من ذلك هو التخيير الفقهي الظاهري أو التخيير الأصولي، بناءً على القول به. (انظر: وسائل الشيعة 27: 108، ح33338).

([27]) إن الذي ذكرناه في هذه المقالة هو إجمال المطلب، وإن موضع بيان حدود وشرائط دائرة التوسعة التعبدية هو علم الأصول، كما أن بيان الأدلة الإثباتية على أصل نظرية التوسعة التعبّدية قد بحثناه في مقالةٍ مستقلّة لنا. (انظر: محمد إحساني لنكرودي، نظريه توسعه تعبدي سيره عقلا در حجيت خبر واحد (مصدر فارسي)).

([28]) إلا الخبر الذي بلغ حدّ التهمة، وفقد مسمّى الإحراز، ولو من باب الوثوق النوعي بالخبر.

([29]) انظر: محمد فاضل موحدي لنكراني، مدخل التفسير: 175 ـ 176.

([30]) انظر: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 398 ـ 402؛ محمد فاضل موحدي لنكراني، مدخل التفسير: 174 ـ 175.

([31]) انظر: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 398 ـ 402؛ محمد فاضل موحدي لنكراني، مدخل التفسير: 174 ـ 175.

([32]) سنلاحظ قريباً كلام الخوئي وفاضل اللنكراني في الميل إلى هذه النظرية.

([33]) يضاف إلى ذلك أن عدم الالتفات التفصيلي إلى التوسعة التعبّدية يؤدّي بهم إلى الخلط العلمي والعملي، فإنهم إذا كانوا في بعض الموارد يعملون على أساس وجدانهم الارتكازي بمقتضى نظرية التوسعة التعبدية، إلاّ أنهم في الموارد الأخرى؛ حيث لا يلتفتون إلى وجود مثل هذه التوسعة في الشرع المقدَّس، يحصرون أنفسهم ضمن حدود مقتضيات السيرة، ويحرمون أنفسهم من سعة الشريعة التعبدية ولوازمها.

([34]) انظر: عبد الله جوادي الآملي، قرآن در قرآن (القرآن في القرآن) 1: 392، تنظيم وتحقيق: محمد محرابي، مركز نشر إسراء، قم، 1378هـ.ش؛ عبد الله جوادي الآملي، تسنيم در تفسير قرآن كريم 1: 156 ـ 159، تنظيم وتقويم: علي إسلامي، مركز نشر إسراء، ط2، قم، 1379هـ.ش.

([35]) كما سيأتي توضيحه في بحث (عدم التفصيل بين المسائل الكلامية وغير الكلامية).

([36]) سيأتي توضيحه في بيان معنى (نتيجة التفصيل) في البحث اللاحق، وفي بيان (عدم تناغم القضايا في قوّة السند والدلالة).

([37]) كما سيأتي توضيح ذلك في بحث (حدود حجية روايات التوسعة التعبّدية).

([38]) انظر: محمد فاضل موحدي لنكراني، مدخل التفسير: 174 ـ 175.

([39]) (التفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز). السيد أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 379.

(التفسير هو كشف المراد عن اللفظ المشكل). الطبرسي، مجمع البيان 1: 13، الفنّ الثالث من المقدّمة. وانظر أيضاً: ابن منظور الإفريقي، لسان العرب 5: 55؛ هذه المقالة، مبحث (تعريف التفسير وماهية الحجة التفسيرية).

([40]) إذ يقوم الافتراض في هذا النوع من الأخبار على عدم حصول الوثوق النوعي بصدورها، وإلا فإنها ستُعَدّ ـ مثل الأحاديث موثوقة الصدور ـ من الأخبار العقلائية المعتبرة أيضاً.

([41]) بل يعدّون اتضاح الوظيفة العملية نتيجة لوضوح وانكشاف مراد المتكلِّم.

([42]) إن الحاجة إلى تقرير اعتبار العقلاء من قبل الشارع المقدَّس ـ رغم توفُّر مسمّى الكشف والدلالة والتفسير ـ تأتي من جهة أن الانكشاف مفهومٌ ذو مراتب تشكيكية، وأن أغلب الأخبار المعتمدة عرفاً لا تفيد الكشف والانكشاف التام. وحيث يكتفي عرف العقلاء في توافقه الارتكازي بهذا المقدار من الكشف فإن إمضاء هذه السيرة من قبل الشارع المقدَّس يعني في الحقيقة تأييد هذا المقدار من الانكشاف من قبل الله تعالى، وتجويز الاعتماد عليه في تفسير الآيات، والخروج من محذور التفسير بالرأي.

([43]) السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، أجود التقريرات (تقريرات دروس المحقِّق النائيني) 2: 161، مطبعة العرفان، صيدا، 1352هـ.

([44]) السيد أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 399.

([45]) انظر: المصدر نفسه.

([46]) من قبيل: قانون المكاتبات، وسائر النصوص من هذا القبيل.

([47]) إن هذا الفحص عن احتمال الخلاف يقتصر في المحاورات العرفية على ملاحظة القرائن المتصلة الحالية والمقالية. ومن هنا فإن الظواهر الحاصلة من المحاورات العرفية لا تحتاج إلى تفسيرٍ؛ إذ بعد وضوح الكلام في المعنى الظاهر والقابل للأخذ لا يبقى هناك من نقابٍ وغشاوة على وجه الكلام؛ كي يكون بحاجة إلى إماطة وتفسير. نعم، إذا كانت هناك في المحاورة العرفية قرينةٌ منفصلة على المعنى المخالف للظاهر فإن اعتبار ظهور الكلام المذكور سيكون ساقطاً.

([48]) يقول ابن ميثم البحراني: (اليقين في عرف العلماء هو اعتقاد أن الشيء كذا، مع اعتقاد أنه لا يمكن أن لا يكون كذا، وهو أخصّ من العلم، الذى هو أخصّ من الاعتقاد الجازم المطابق، الذي هو أخصّ من الاعتقاد المطابق، الذي هو أخصّ من مطلق الاعتقاد). ابن ميثم البحراني، شرح مئة كلمة: 53؛ وانظر أيضاً: الحدائق الناضرة 9: 160.

([49]) انظر: عبد الله جوادي الآملي، قرآن در قرآن 1: 392؛ وانظر أيضاً: عبد الله جوادي الآملي، تسنيم در تفسير قرآن كريم 1: 156 ـ 159 (مصدران فارسيان).

([50]) انظر: أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 399.

([51]) باستثناء بعض الفوائد التعليمية، من قبيل: إظهار أنواع الأحاديث المختلقة، والتعريف بها، وفضح الوضّاعين، وما إلى ذلك.

([52]) من ذلك: ما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين× قوله: «فإن أكثر الحقّ في ما تنكرون». نهج البلاغة، الخطبة رقم 87؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة 27: 160، ح33482.

([53]) لقد بحثنا في الفوائد الإثباتية والثبوتية المترتبة على الأحاديث الضعيفة في مقالةٍ أخرى. (انظر: دو رويكرد ثبوتي وإثباتي در نقد حديث (مصدر فارسي))، وأما هنا فنكتفي بمجرّد الإشارة إلى الفوائد المذكورة في مجال التفسير.

([54]) وبطبيعة الحال فإن الوصول إلى الأساليب التفسيرية لأهل البيت^ عملية في غاية الصعوبة والتعقيد، وتحتاج إلى سنواتٍ طويلة من المعايشة في ضوئها، بحيث إن الغوص في محيط الأحاديث التفسيرية يُعَدّ في حدِّ ذاته من السهل الممتنع.

([55]) انظر: ابن شهرآشوب(588هـ)، مناقب آل أبي طالب 3: 526، تحقيق: جماعة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 10: 292، ح1؛ 50: 311، ح6: (لأنه رجلٌ يفهم إذا سمع).

([56]) انظر: (نظرية التوسعه التعبّدية لسيرة العقلاء في حجية الخبر)، بحث (التسامح في أدلة السنن) و(أحاديث مَنْ بلغ).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً