أحدث المقالات

ـ القسم الأوّل ـ

 

أ. مشتاق اللواتي(*)

 

مقدّمة

من المعروف أن فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي هو علاّمة بارز، وداعية كبير، ومن رموز الفكر الإسلاميّ المشهورة في هذا العصر، ويحظى باحترام وتقدير من المسلمين من مختلف المذاهب. ويوصف منهجه بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، أو الجمع بين السلفية والتجديد، وبين فقه النظر وفقه الأثر. ويرفع شعار الوسطية والاعتدال، ويعتبرهما من خصائص الإسلام. ويتميَّز القرضاوي بوفرة الإنتاج الفكريّ وتنوّعه، حيث يتناول مختلف المجالات الفكريّة والفقهيّة والدعوية. وهذه الورقة تلقي ضوء على جانب من أعمال الدكتور القرضاوي، وبالتحديد خطاب التقريب والحوار من جهة، وخطاب التبديع والتضليل تجاه المسلمين من مختلف المدارس والمذاهب الإسلاميّة من جهة أخرى. ونظراً لكثرة إنتاجه وتنوّعه فإنّ الورقة سوف تقتصر على تقديم نماذج معيَّنة من خطابه على هذه المحاور؛ بقصد إلقاء الضوء على جانب من اهتمامات القرضاوي في هذا الشأن، تاركةً الاستقراء الواسع لدراسات وبحوث أخرى.

 

حداثة اهتمامه بقضيّة التقارب المذهبيّ

إن الناظر في الأعمال الفكريّة والفقهيّة للشيخ القرضاوي يجد أنه على الرغم من خلفياته الحركية الإخوانية، وانسجام مرتكزاته الفكريّة مع قضايا الانفتاح والحوار مع الآخر، أيّا كان، فإنّ اهتمامه بقضيّة الحوار الإسلاميّ ـ الإسلاميّ، فضلاً عن قضيّة التقارب بين المذاهب الإسلاميّة، قد جاء متأخِّراً نسبيّاً عن غيره، كذلك الحال بالنسبة لانفتاحه على فقه المذاهب الإسلاميّة المتنوّعة في بحوثه.

فمثلاً: في كتابه «الحلال والحرام في الإسلام»، وهو من أبرز، ولعلّه أقدم، ما عبَّر فيه عن منهجه في التوازن والتيسير والاعتدال، وقد كتبه بطلبٍ من الإدارة العامّة للثقافة في الأزهر الشريف، صرَّح في مقدّمة الطبعة الأولى، التي كتبها سنة 1960م، بأنّه لم يحاول أن يقيِّد نفسه بمذهب فقهيّ من المذاهب السائدة في العالم الإسلاميّ؛ لأنّ الحقّ لا يشتمل عليه مذهب واحد([1])، ومع ذلك فقد جاء الكتاب خالياً من أيّ رأي أو استشهاد بأيّ مصدر للمسلمين الإماميّة أو الزيديّة أو الإباضيّة.

وليس معنى ذلك أنّ القرضاوي كان يقف في الاتجاه المعاكس لهذا المشروع، أو كان يعمل ضدّه، بل إن تبنّيه الفعلي لهذه القضيّة يعتبر حديثاً. ولعل الإشارة الوحيدة إلى بعض آراء المذاهب الفقهيّة غير السنّيّة ظهرت في كتابه المعروف «فقه الزكاة» في سنة 1969م، حيث أشار فيه إلى آراء كلٍّ من: الفقه الإماميّ، والفقه الزيدي، والفقه الإباضي، في موارد عدّة. وجاء في مقدّمة الطبعة الأولى للكتاب: «وفي المقارنة داخل المذاهب الإسلاميّة لم أقتصر على المذاهب الأربعة المتبوعة؛ فإنّ ذلك يكون ظلماً كبيراً لسائر المذاهب والأقوال في الفقه الإسلاميّ، فهناك مذاهب لفقهاء الصحابة والتابعين، ولا يجوز شرعاً، ولا عقلاً، إهمالها…»، ثم قال: «بل لم أقتصر على المذاهب السنّيّة، فرجعت إلى فقه الزيدية والإماميّة؛ لعلميّ أنّ الخلاف بيننا في الفروع قليل ميسور…»([2]). ويبدو ـ حسب متابعة متواضعة ـ أنّه الكتاب الوحيد، أو هو من كتبه النادرة، التي ذكر فيها آراء المذاهب غير السنّيّة. على أننا لا نميل إلى الجزم في هذه الورقة؛ لأنها لم تستقصِ كلّ نتاجه الفكريّ، ولم تستقرئ جميع أعماله الفكريّة والفقهيّة.

ومن الشواهد على تأخُّر تبنّيه لقضيّة الحوار والانفتاح بين مذاهب المسلمين، وتطوير العلاقات بين أتباع هذه المذاهب؛ لما ينعكس بالخير على الأمة كلّها، أنّ كتابه الذي كتبه عن الاجتهاد في الشريعة، والذي كان في الأصل ورقة قدّمها إلى ملتقى الفكر الإسلاميّ في الجزائر سنة 1983م، لم يتطرَّق فيه إلى آراء مختلف المذاهب الإسلاميّة([3]).

كما قدم في ندوة الصحوة الإسلاميّة وهموم الوطن العربيّ، التي عقدت في عمان في المملكة الأردنية سنة 1987م، ورقة موسَّعة بعنوان: الإطار العامّ للصحوة الإسلاميّة، تحدث فيها عن خصائصها وأبعادها وهمومها ومستقبلها ومجمل الأمور المرتبطة بها. وقد حدَّد همومها في التالي: همّ التخلُّف، الظلم الاجتماعيّ، الاستبداد السياسيّ، التغريب والتبعية، التخاذل أمام إسرائيل، التفرّق والتمزّق، التحلّل والتسيب([4]). ولم يُشِرْ فيها من قريبٍ أو بعيد ـ رغم مناسبة السياق والموضوع ـ إلى همّ نبذ الفرقة والتعصب والتضليل والتشريك والتكفير بين المسلمين، الأمر الذي يمزق شمل الأمة، ويضعفها أمام أعدائها، ويزيد من تخلّفها وتأخّرها. ولم يتطرَّق فيها إلى التدابير المطلوبة لتعميق مفاهيم احترام التنوع المذهبيّ، وتقبل ثقافة الحوار بين المسلمين. بل إنّ المتابع لما سطَّره في مذكراته وبعض كتاباته عن نشاطاته أثناء أسفاره إلى مختلف البلدان يجد أنه نادراً ما يشير إلى لقاءاته بفقهاء ومفكّري المذاهب المتنوّعة، ومن تلكم النوادر عند زيارته للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة سنة 1998م، أو ما كان يحدث في بعض المجامع الفقهيّة والمنتديات الفكريّة من لقاءات وما شابه.

وكيف كان فإن المتابع لجملة من أعمال الشيخ القرضاوي في هذا المجال يجد أن اتّجاهه نحو التبنّي الفعلي لقضيّة الحوار الإسلاميّ الإسلاميّ، وفي برامج التقارب المذهبيّ، ظهر بشكل فاعل للعيان بعد أحداث سبتمبر المريعة سنة 2001م. ولكن تجدر الإشارة أنه شارك قبل ذلك في ندوة الرباط التي انعقدت في سنة 1996م، والتي قدَّم فيها ورقة عن مبادئ التقريب، اعتبر فيها وحدة الأمة فريضة، ودعا إلى الاشتغال بالهموم الكبرى والتعاون في المتَّفق عليه. كما نقد فيها حديث الفرقة الناجية، سنداً ومتناً. وقال: إن أعداء الأمة قديماً وحديثاً يكيدون لها حتّى يفرِّقوا شملها الملتئم، ويمزقوا وحدتها الجامعة… ومن ذلك: صبّ النار على الخلافات المذهبيّة، وقذف الوقود لها، حتى تظلّ متأجّجة، ولا سيما بين الشيعة والسنّة([5]). وفي ذات الوقت شارك بفاعليّة في مؤتمرات الحوار الإسلاميّ المسيحيّ، كما في مؤتمر الحوار الإسلاميّ المسيحيّ في روما سنة 2001م، وفي مؤتمر حوار الأديان في القاهرة سنة 2001م. وقد أكَّد القرضاوي نفسه هذه الحقيقة في بحثه عن مبادئ للتقريب بين المذاهب، حيث ذكر فيه أنّه بعد المشاركة في مؤتمرات الحوار الإسلاميّ المسيحيّ تعالت أصوات في العالم الإسلاميّ مطالبة؛ من باب أولى، بالتحاور بين المسلمين، وبالذات بين الفئتين الكبيرتين: الشيعة؛ والسنّة؛ بغية التقريب بينهما، بالحقّ لا بالباطل([6]). وبالفعل عقدت بعد هذه الفترة عدة مؤتمرات للتقريب، في عدد من الدول العربيّة، وشارك القرضاوي فيها بفاعليّة، فقد اشترك في مؤتمر التقريب في البحرين سنة 2003م، وقدم فيه بحثاً بعنوان «مبادئ الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة» والذي طبع في عام 2006م في كتاب مستقلّ. ولعلّه أوّل كتاب ينشر له في هذا الموضوع. كما اشترك في مؤتمر التقريب في سورية سنة 2005م، وكذا في مؤتمر التقريب في الدوحة سنة 2007م. ويذكر أنه لم يحضر أيّاً من مؤتمرات التقريب والوحدة التي عقدت في طهران، ولكنّه زار الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في سنة 1998م، ويظهر أنها هي الزيارة اليتيمة لها.

وعلى أيّة حال لعلّ مردّ هذا التأخّر النسبيّ في اهتمام القرضاوي بقضيّة الحوار والتقارب بين المذاهب الإسلاميّة إلى «فقه الأولويات والموازنات» عنده، والذي قد يستدعي تقديم بعض الشؤون العامّة، وهموم بعض الدوائر والانتماءات العقدية، وإعطائها الأولوية على سواها. ومن جهة أخرى من الطبيعيّ أن يستأثر المشهد الثقافيّ المصري بجانب كبير من اهتماماته؛ كونه مصريّ الأصل والنشأة والتربية والتكوين. كما أن الحراك الفكريّ الذي ـ كانت ولا تزال ـ تشهده مصر والسجال الإعلاميّ والسياسيّ الذي يدور فيها بين مختلف الاتّجاهات الفكريّة والدينيّة والسياسيّة، بالإضافة إلى مكانتها الرياديّة، كلّ ذلك ينعكس على العالم العربيّ. وإلى جانب هذين العاملين هناك عاملٌ آخر مهمٌّ للغاية، فإنه بعد أحداث سبتمبر تزايدت الانتقادات الشديدة في الداخل والخارج على أساليب التوجيه الدينيّ ومناهج التربية الدينيّة المتشدّدة عند المسلمين، ولا سيما عند بعض الفئات، وحمّلتها مسؤوليّة شيوع التطرُّف في بعض الأوساط المسلمة. وتعالت الدعوات إلى ضرورة تجنُّب ثقافة الكراهية والإقصاء والتكفير والتفسيق للآخر، وإحلال ثقافة الحوار والتقارب محلها. وهذا ما فتح المجال واسعاً نحو تبنّي بعض الدول العربيّة والمسلمة، بما فيها بعض الدول الخليجية، وبعض المؤسسات، وبعض الشخصيات، قضيّة التقارب والحوار بين المسلمين.

 

الحوار والتقريب مع الديانات

بالنسبة لاتجاهات الدكتور القرضاوي نحو الحوار مع الآخر يلاحظ الدارس لفكره أنّ اهتمامه بالحوار مع الاتّجاهات الدينيّة والفكريّة والسياسيّة الأخرى قد سبق اهتمامه بالحوار والتقارب المذهبيّ بين المسلمين. وعلى سبيل المثال: في كتابه «أولويات الحركة الإسلاميّة ومستقبلها»، الذي كتبه في 1990م، والذي كان في الأصل ورقة قدَّمها إلى أحد المؤتمرات في الجزائر حول مستقبل الحركة الإسلاميّة، دعا الإسلاميّين إلى الانفتاح وعدم الانغلاق، وإلى الحوار مع العقلاء من العلمانيين والمسيحيّين والمستشرقين والغرب والحكّام، ودعاهم إلى تفادي الصدام مع المؤسسة الدينيّة الرسمية وعلمائها، كما دعا إلى السعي إلى استقلالها أسوةً بالمؤسسة الدينيّة عند المسلمين الشيعة. ولكنّه لم يُشِرْ فيه إلى مسألة الحوار أو التقارب أو الانفتاح بين المسلمين من أتباع المذاهب والاتّجاهات والطرق المتعددة([7]).

وبالرغم من أن القرضاوي قد استقرّ في منطقة الخليج العربيّة، وتحديداً بالدوحة في قطر، بعد مغادرته جمهوريّة مصر العربيّة سنة 1961م، فلا شكّ في أنه اطَّلع وتابع بعض النتاجات الفكريّة والفقهيّة التبديعية والتكفيرية التي تصدرها بعض المراكز والمؤسَّسات الدعوية الرسمية وشبه الرسمية المتشدّدة حيال بعض المذاهب، بل وتوزعها في بعض المواسم الإسلاميّة الكبرى، الأمر الذي يترك انعكاسات سلبيّة على علاقات المسلمين ببعضهم، ويضعف من تماسك نسيجهم الوطني. ومن الطبيعيّ أنه كان يتابع أخبار التوترات التي كانت تحدث في باكستان في مناسبة عاشوراء بين بعض أتباع المذاهب منذ الستينات الميلاديّة([8]). ومن المؤكَّد أنّه تابع عن قرب ما قامت به جماعة جهيمان السلفية في البيت الحرام، ودرس أسبابه وعوامله الراجعة إلى التربية المتشدّدة والمناهج المتطرّفة، كما نبَّه إليه الشيخ الغزالي. ومع ذلك لم يسبق للشيخ القرضاوي ـ في حدود متابعتنا ـ أن نشر بحثاً أو ألَّف كتاباً، طوال تلك الفترة، حول طبيعة العلاقة المفترضة بين المسلمين من مختلف المذاهب الإسلاميّة، أو تناول قضيّة الحقوق الوطنية للأقلّيات المذهبيّة المسلمة ـ بصرف النظر عن مذاهبها ـ في بعض الدول العربيّة والإسلاميّة، أو كتب بحثاً دعا فيه إلى أهمّيّة مراجعة مناهج التعليم الدينيّ وأساليبه، وذلك على العكس تماماً من بعض الرموز الفكريّة المعروفة، كالشيخ محمد الغزالي، والسيد محمد حسين فضل الله، وغيرهما. نعم، ورد عنوان كتاب «كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف؟» ضمن قائمة كتبه في موقعه، ولكن لم يُشَرْ إلى تاريخه، ولم يتمّ عرض الكتاب حتّى يتسنّى الاطلاع على مضمونه. في الوقت الذي نجد أن الشيخ القرضاوي كتب أكثر من مقالة أو بحث حول الموقف من المسيحيّين أو أهل الكتاب. بل إن اهتمامه بهذه القضيّة قديمٌ، فقد خصَّص في كتابه «الحلال والحرام» فصلاً للحديث عنه تحت عنوان: «علاقة المسلم بغير المسلم»، وفصَّل فيه القول حول موالاة غير المسلمين، واستعانة المسلم بغير المسلم. وأكَّد فيه على معاملة البرّ والمودّة وحسن العشرة معهم، وأنّ آيات المنع من اتخاذهم أولياء خاصّة في قوم معادين للإسلام([9]). وصدر له كتاب في سنة 2001م بعنوان: «غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ»، أكد فيه أن الموقف الإسلاميّ في التعامل معهم يقوم على الأسس الأربعة، وهي: التسامح؛ والعدالة؛ والبرّ؛ والرحمة. وقد لوحظ أنّه تجنَّب في هذا الكتاب إطلاق وصف الكفر أو الشرك على أهل الكتاب، وتحدَّث عنهم بلغة هادئة([10]). ولكنّه أصدر فتوى مؤرَّخة في 26/12/2004م بعنوان: «موقفنا العقدي من اليهود والنصارى»، قرَّر فيها أنّ كفرهم من الواضحات، المجمع عليها في الأمّة كلّها، وذكر فيها بأنه يقصد الحكم بكفرهم في الدنيا؛ لأنّ الناس ينقسمون فيها إلى: مسلم؛ وكافر، وذكر أقسام الكفّار، كأهل الكتاب؛ والمشركين؛ والجاحدين؛ والدهريين؛ والمحاربين؛ والمسالمين؛ وغيرهم. أمّا في الآخرة فالأمر موكول إلى الله تعالى. وقد نشرت في موقع إسلام أون لاين، وفي موقعه الشخصي([11]). كما أفتى بتاريخ 19/5/2008م بجواز بناء دور العبادة لغير المسلمين من المواطنين المسيحيّين وغيرهم في بلاد المسلمين، وقال: «لا حرج فيه إذا كان لهم حاجة حقيقيّة فيها، بأن تكاثر عددهم، واضطروا إلى مكان للتعبُّد، وأذن لهم وليّ الامر الشرعيّ بذلك، وهو من لوازم إقرارهم على دينهم. وكذلك للذين دخلوا دار الإسلام بأمان أو بتأشيرة دخول وإقامة للعمل من غير المواطنين، في حدود الحاجة؛ معاملةً بالمثل، أو كما يسمحون هم للمسلمين في ديارهم بإنشاء المساجد؛ لإقامة الصلوات». ومن الواضح أن هذه الفتوى تشمل أتباع مختلف الأديان، حتّى غير السماويّة.

وسئل عن التقريب بين الأديان فاجاب عنه بتاريخ 8/3/2011م، كما هو منشور في موقعه، فقسَّم مفهوم التقارب معهم إلى: مفهوم مرفوض؛ وآخر مقبول.

أما المفهوم المرفوض للتقريب بين الأديان، فهو الذي يقصد به إذابة الفوارق الجوهرية بين الأديان المختلفة بعضها عن بعض، كما بين (التوحيد) في الإسلام (والتثليث) في النصرانية، وما بين (التنزيه) في العقيدة الإسلاميّة (والتشبيه) في العقيدة اليهوديّة. كما أكَّد على رفض التنازل عن الأمور الجوهرية في العبادات والتشريع.

وأمّا المفهوم المقبول للتقارب بينها، خصوصاً السماويّة منها، فيُراد به التقريب في ضوء مجموعة من الحقائق، هي: الحوار بالحسنى، والتركيز على القواسم المشتركة، الوقوف معاً في مواجهة أعداء الإيمان الدينيّ وأهل الإلحاد، الوقوف معاً لنصرة قضايا العدل وتأييد المظلومين والمستضعفين في العالم، وإشاعة روح السماحة والرحمة والرفق في التعامل بين أهل الأديان، لا روح التعصُّب والقسوة والعنف([12]).

 

مواجهة التطرُّف الدينيّ

ولقد أبدى الشيخ القرضاوي عنايةً خاصّة بظاهرة التطرف الدينيّ، التي تبلورت لدى بعض الجماعات الدينيّة في ظروف السجون والمعتقلات في مصر، منذ الستينات من القرن الماضي، حيث تبنَّت بعض الجماعات الدينيّة ثقافة التكفير والتجهيل للمجتمع، وأخذت هذه الظاهرة في التطوُّر والانتشار في السبعينات، بحيث انتهى الأمر ببعض الجماعات إلى اغتيال الشيخ محمد الذهبي، وزير الأوقاف المصريّ الأسبق. وهنا تصدّى القرضاوي لهذه الظاهرة، فألَّف عدداً من الكتب في تحليلها ومعالجتها، منها كتيبٌ بعنوان: «ظاهرة الغلو في التكفير»، تطرَّق فيه إلى جذور هذه الظاهرة وأسبابها، وفنَّد حجج التكفيرين، مسشهداً بالأحاديث الصحيحة، وبأقوال وفتاوى كبار فقهاء المذاهب السنّيّة. وتطرَّق فيه إلى مَنْ يستحقّ التكفير، وهم الشيوعيون، الذين يعادون الدين؛ والحكّام العلمانيّون، الذين يرفضون جهرة شرع الله؛ وأصحاب النحل التي مرقت من الإسلام مروقاً ظاهراً، مثل: الدروز؛ والنصيرية؛ والإسماعيلية؛ وأمثالهم من الفرق الباطنية([13]).

لكنْ يلاحظ أنه لم ينبِّه فيه إلى ما دأبت عليه بعض المؤسَّسات الدعوية والإعلاميّة والتعليميّة من نشر ثقافة التكفير والتضليل في بعض المجتمعات العربيّة، ولم يحذِّر من تأثير المناهج التعليميّة المتشدِّدة ودورها في إنتاج التطرُّف. وأخيراً لم يَفُتْ الشيخ القرضاوي في مذكَّراته أن يخصِّص وقفة مع سيد قطب، ينبِّه فيها إلى الفكر التكفيري ـ حسب رأيه ـ لدى سيد قطب، وأنّه كان يكفِّر مسلمي اليوم في بعض كتبه، كتفسيره المعروف «في ظلال القرآن»، وكتابه «معالم في الطريق»، ويحذر الشباب والمثقَّفين منه، ممّا أثار موجة من الردود النقديّة ضده من الإخوان وغيرهم، مثل: الاستاذ جمال سلطان، وأحمد عبد المجيد، والعالم الأزهري يحيى هاشم فرغلي، الذي مدح القرضاوي مناقشته، مع ما فيها من تمحُّل ـ حسب تعبيره ـ. وهذا ما جعله يدافع عن رأيه، ويناقش بعض تلكم النقود، ويصف بعض منتقديه بأن بضاعتهم في العلم الشرعيّ مزجاة([14]). ولكن اللافت للنظر أن القرضاوي لم يعنَ كثيراً بمناقشة ونقد الاتجاهات السلفية المتطرِّفة، التي تتساهل في رمي بعض المسلمين من مختلف المذاهب بالكفر والشرك أو بالبدعة والضلالة؛ لأبسط الأسباب. وعلى العموم فإنّه بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، وبروز ظاهرة التدين والالتزام الدينيّ الواسع في العام العربيّ والإسلاميّ، ومع تشكُّل ما عُرِف بتيّار الصحوة الإسلاميّة، اتَّجه القرضاوي إلى رعاية هذا التيّار وترشيده، فخصَّص عدداً من الكتب لمعالجة أوضاع الصحوة، وبحث المشكلات التي أفرزتها، والتحديات التي تواجهها، ومنها: «الصحوة بين الجمود والتطرُّف»؛ و«الصحوة بين الاختلاف المشروع والتفرُّق المذموم»؛ وغيرهما.

وقد أرجع التطرُّف في الكتاب الأوّل إلى عدّة أسباب، منها: الاتجاه نحو التمسُّك بحرفية النصوص، والانشغال بالأمور الجزئيّة، والإسراف في التحريم، واتباع المتشابهات، والتباس المفاهيم([15]). ويلاحظ أنه أغفل الإشارة إلى منابع الفكر التكفيري الذي تتبنّاه الاتّجاهات السلفيّة المتطرّفة، والتي تسلَّلت إلى بعض تلكم الجماعات في غفلة من مؤسَّسات الاعتدال الإسلاميّ. ورغم أن هذه البحوث كانت موجَّهة أساساً إلى الجماعات الدينيّة المتطرِّفة في مصر، وإلى تيّارات الصحوة من المسلمين السنّة في العالم العربيّ، فإنّها تناولت بعض القضايا المشتركة التي تهمّ جميع المسلمين. فإلى جانب تطرُّق مؤلِّفها لمخاطر التكفير، وتحذيره منه، ومن الغلوّ وآثاره وآفاته، تناول في كتابه «الصحوة بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم» قضيّة في غاية الأهمّيّة، وهي الموقف من حديث افتراق الأمّة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النار إلاّ واحدة. هذا الحديث، الذي كثيراً ما يتكئ عليه التكفيريّون، ويتَّخذونه حجّة في ما يطلقونه من أحكام تكفيرية ضدّ مَنْ يخالفهم في الاجتهاد أو الموقف الفكريّ والعقدي. وقد تناول طرقه بالبحث والنقد، وناقش الذين قوّوه بكثرة طرقه، مؤكِّداً أنّه إنّما يؤخذ بهذا في ما لا معارض له، ولا إشكال عليه. وذكر آراء العلماء في تضعيفه، وطعنهم بالذات على عبارة: «كلّهم في النار إلاّ واحدة». وقد أعاد التأكيد عليه في كتابه «تاريخنا المفترى عليه»، فنقل عن العلامة ابن الوزير، ناصر السنّة، قوله: «وإيّاك والاغترار بـ «كلّها هالكة إلاّ واحدة»؛ فإنها زيادة فاسدة غير صحيحة القاعدة، ولا يؤمن أن تكون من دسيس الملاحدة». وعن ابن حزم: «إنها موضوعة، لا موقوفة، ولا مرفوعة». وأشار إلى ما ذكره الشوكاني عن ابن كثير: «أمّا زيادة كلّها في النار إلاّ واحدة، فقد ضعفها جماعة من المحدِّثين، بل قال ابن حزم: إنّها موضوعة»([16]).

وفي سياقٍ متَّصل تحدَّث الشيخ القرضاوي في مذكَّراته عن احتلال المسجد الحرام من قبل جماعة جهيمان سنة 1400هـ، فقال: «وأذكر أنّا استقبلنا شيخنا الكبير محمد الغزالي، وقد قدم من مكّة المكرَّمة حزيناً أشد الحزن على ما حدث في المسجد الحرام، وكان يقول: هذه ثمرة زرعٍ ظلّ يغذّى وينمّى لعدّة عقود من المشايخ الغائبين عن العالم، حتى ظهرت نتائجه اليوم». والواقع لقد وضع الغزالي يده على الجرح، وشخَّص الداء الذي يمكن أن يستنبط منه الدواء، لمَنْ يستمع القول فيتَّبع أحسنه. وتابع القرضاوي حديثه عن المجموعة قائلاً: هؤلاء عرفوا أنهم جماعة سلفية سعودية خالصة من أقحاح السلفيّين([17]).

 

قراءةٌ سلفية للتاريخ العربيّ الإسلاميّ

تجدر الإشارة إلى أنّ الدكتور القرضاوي، بالرغم من تأخُّر انخراطه في قضايا التقارب والتعارف بين المذاهب المسلمة، لم ينشغل في أغلب بحوثه ودراساته بالخلافات التاريخيّة والعقدية التي وقعت بين المسلمين.

غير أنه في كتابه «تاريخنا المفترى عليه»، الذي صدر عام 2005م، انحاز إلى القراءة السلفية للتاريخ العربيّ الإسلاميّ، حيث وقف موقف المدافع القوي عن بعض الحكام الأمويّين والعبّاسيّين، وأضفى عليهم صفة الصلاح والتديُّن، كما امتدح الدولة الأمويّة والعبّاسيّة بشكلٍ عامّ؛ باعتبارهما تمثِّلان مرحلة مهمة من التاريخ الإسلاميّ، ونموذجاً تطبيقياً للتأسيس الحضاريّ والازدهار العلميّ. وفي المقابل تبنّى الموقف السلفيّ من الفاطميين، الذين أسماهم بالعبيديّين، بخلاف ما حقَّقه بعض المؤرِّخين، كالمقريزي، وابن خلدون. ووصفهم بالجملة ودون تمييز، بخلاف الواقع التاريخيّ، بأنهم عاثوا فساداً في كلّ شيء. بينما اعتبر أنّ صلاح الدين قد أحيا السنّة([18]). وانتقد المؤرِّخين والمحدِّثين، كالطبري، وابن عبد البرّ صاحب الاستيعاب، لما روَوه دون تمحيص أو تدقيق، ولا سيما في ما شجر بين الصحابة. وتطرَّق إلى آراء أئمّة الجرح في أبي مخنف، وكونه شيعيّاً محترقاً، وفي سيف بن عمر بأنّه وضّاع ومتَّهم بالزندقة، ولكنّه أشار إلى حكاية مؤامرة اليهوديّ عبد الله بن سبأ ضد الإسلام والمسلمين وكأنّها من المسلَّمات، متغاضياً بأنّها من مرويّات سيف بن عمر([19])! ووجَّه نقداً بالغاً لبعض العلماء والمفكِّرين الذين تعرَّضوا بالنقد لممارسات بني أمية وبني العباس في الحكم والسلطة، مثل: العلاّمة أبي الأعلى المودودي، والشيخ محمد الغزالي، والأستاذ سيد قطب، والشيخ أبي الحسن الندوي، وغيرهم. كما انتقد بعض الباحثين والكتّاب المعروفين، مثل: عباس العقاد، وطه حسين، وعبد الرحمن الشرقاوي؛ لتحاملهم على بني أمية، حسب رأيه([20])، وفي نفس الوقت اعتبر دفاع الأستاذ شاكر عنهم مبالغاً فيه، وأخذ على الكاتب عويس تمحُّله الدفاع عن بيعة يزيد بن معاوية. كما خطّأ فيه موقف القاضي القرطبي في العواصم والقواصم، الذي دافع فيه عن يزيد ورجاله، الذين قتلوا سبط رسول الله| الحسين بن عليّ، ولكنه في نفس الوقت استشهد بما أورده البخاريّ عن النبيّ|: «أول جيش يغزون من أمتي مدينة قيصر مغفورٌ لهم»، معتبراً إيّاه منقبة ليزيد بن معاوية؛ لأنّه قاد هذا الجيش، وأغفل ما ذهب إليه بعض كبار المؤرِّخين، مثل: ابن الأثير في الكامل، من أنّ الذي قاد هذا الجيش هو سفيان بن عوف، وأن معاوية أمر ولده يزيد ليلتحق به، ولكنه تثاقل واعتلّ، فتركه. وحول مناقشات شرّاح الحديث بعدم لزوم شموله ليزيد بن معاوية لمجرد وجوده فيه قال: لا يهمّنا التحقيق في أمر يزيد، ولكن الذي يهمّنا هو أن هذا الجيش المغفور له في الجملة كان في عهد بني أمية([21]). ومن جهة أخرى وافق الحسن البصري في ما كان ينقم على معاوية من قتاله عليّاً، وقتله الصحابي حجر بن عديّ، واستلحاقه زياد بن أبيه، ومبايعته ليزيد ابنه([22])، ومع ذلك أظهر ميلاً إلى ضمّ فترة معاوية إلى الخلافة الراشدة، وردّ على الشيخ الألباني، الذي تمسَّك في رفضه ذلك بحديث سفينة، الذي يقرِّر أن الخلافة ثلاثون عاماً، ثم يكون بعد ذلك الملك، وقال القرضاوي: إن القصد من إيراد الحديث إدخال عليّ، لا إخراج مَنْ عداه من الخلافة الراشدة([23]). يذكر أن القرضاوي يعتبر شيخ السلفية المعروف، الشيخ ابن تيمية، من أحبّ العلماء إلى نفسه، بل لعلّه أحبّهم إلى قلبه، وأقربهم إلى عقله، ولكنه مع ذلك لم يتقيَّد باجتهاداته، بل خالفه في بعضها، كما في مسألة التأويل والمجاز، وفي نفس الوقت يوافقه بعدم الخوض في تأويل ما يتعلَّق بعالَم الغيب وأحوال الآخرة([24]).

 

مبادئ وأسس عامّة للحوار والتقريب

قُدَّمت في مؤتمر التقريب الذي انعقد في البحرين سنة 2003م بحوث رائدة، تضمَّنت أسساً ومبادئ مهمّة لا غنى لمسيرة التقريب عنها. فقد قدَّم الشيخ القرضاوي بحثاً بعنوان: «مبادئ الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة»، ضمَّنه عشرة مبادئ للتقريب، وهي: حسن الفهم ومعرفة الآخر من مصادره، وحسن الظنّ، والتركيز على نقاط الاتفاق، والتحاور في المختلف فيه، وتجنُّب الاستفزاز، واجتناب التكفير، والبعد عن شطط الغلاة، والمصارحة بالحكمة، والحذر من دسائس الأعداء، وضرورة التلاحم وقت الشدّة. ويظهر أن أصل البحث هو نفسه الذي قدَّمه في ندوة المغرب سنة 1996م، ثمّ طوره ووسَّعه حتّى نشر في كتاب سنة 2006م. وللإنصاف فقد تحدَّث فيه بكثير من الصراحة، وقدم رؤية متقدّمة للحوار والتقارب، وإنْ تضمَّن بعض النظرات التي لا نوافقه عليها حيال بعض المذاهب. وممّا ذكره حول مبدأ حسن الظنّ أنه لا يصحّ حمل كلّ فعل أو تصرّف صالح يصدر من الشيعة على أنه من باب التقية؛ لأنّه ضرب من سوء الظن. وعند حديثه عن مبدأ البعد عن شطط الغلاة أشار إلى أنّ هناك متخصصين في تكفير الشيعة، وربما أضافوا إليهم بعض الطوائف الأخرى، وذكر أدلّة التكفيريين، ومنها: أن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن، وينكرون كون السنّة مصدراً ثانياً للتشريع، ويسبّون الصحابة، ويدَّعون العصمة لأئمتهم، ويدّعون أنهم يعلمون الغيب، ويستغيثون بهم، وغيرها، وردَّ عليها، معترفاً بأن عند الشيعة أخطاء يجب إزالتها وتعديلها، ولكنه ذكر بأن القرآن عندهم هو المحفوظ بين الدفّتين، المستنبط منه الأحكام، المقرَّر عندهم في المناهج، وأن مصحف إيران هو مصحف مصر والسعودية، أمّا دعوى التحريف أو نقصه فهو قولٌ ردّه المحقِّقون من علمائهم؛ وإنهم لا يعترفون فعلاً بمصادرنا، ولكنْ ما ثبت عندنا ثبت عندهم بطرق أخرى مع اختلاف يسير؛ وأمّا سبّ الصحابة فهذا ما ننكره عليهم، وإن كان المعتدلون والمحقِّقون من علمائهم ضدّه، ولا يستحقون التكفير؛ لما لهم فيه من شبهة تأويل؛ وأمّا دعوى العصمة فنحن نخطّئهم فيها بلا شكّ، ولكن لا نرى فيه كفراً بواحاً؛ وأما ما وقع فيه الشيعة من شرك العوامّ فهو موجودٌ عند أهل السنّة أيضاً بدرجات متفاوتة، ولكن علماء الشيعة لا ينكرونه، بعكس علماء السنّة. وحذَّر من دسائس الأعداء الذين يريدون تمزيق شمل الأمة، فيقولون: مسلم وقبطي أو سنّيّ وشيعيّ، فإذا لم يجدوا شيئاً من ذلك، قالوا: قومي وإسلاميّ، أو يميني ويساري، وثوري وليبرالي، ودعا إلى الاستيقاظ من النوم، والمراجعة والتقويم، ودعا فيه إلى إصلاح أوضاع الأقليات المسلمة عموماً في مختلف البلدان([25]).

كما طرح الشيخ محمد علي التسخيري مجموعةً من الأسس في بحثه بعنوان: «أسس التقريب وقيمه، ودور العلماء فيه»، توافق أكثرها مع مبادئ الشيخ القرضاوي، ولكنّه طرح أسساً لم ترِدْ في مبادئه، منها: تجنُّب التكفير والتفسيق والاتهام بالابتداع، وإحلال الخطأ والصواب محلّها، وعدم المؤاخذة بلوازم الرأي، وتجنُّب الإساءة لمقدّسات الآخرين، والحرّيّة في اختيار المذهب، مع التأكيد على حقّ الجميع في توضيح آرائه دون تهويل أو تجريح للآخرين، وفتح باب البحث المنطقيّ السليم فيها([26]).

أما الشيخ محمد مهدي شمس الدين فقد قدَّم بحثاً بعنوان: «نحو ميثاق تأسيسي لهيئة قضايا الوحدة والتقريب»([27]). ومن أهمّ توصياته: تجنُّب التبشير المذهبيّ، مؤكِّداً أن الانتقال من مذهب إلى آخر على صعيد فرديّ هو شأن شخصي، يجب احترامه؛ ودعا كلّيات الشريعة للعناية بالتدريس الجادّ لكلّ المذاهب على قاعدة أصول الفقه المقارن؛ ونوَّه إلى وجود علماء في الفريقين لا يتمتَّعون بالورع والكفاءة، يصدرون فتاوى ضدّ أتباع المذاهب الأخرى، ودعاهم إلى الكفّ عن ذلك؛ وأوصى بتصحيح وضع السنّة المطهَّرة، بالعودة إلى مصدرها الطبيعيّ بعد النبي|، وهو أئمّة أهل البيت^، مع عدم إهمال مصدر الصحابة، مؤكِّداً على كلمة مرجع المسلمين الإماميّة الكبير السيّد البروجردي، بعدم وجود داعٍ للخوض في قضيّة الخلافة من المنظور التاريخيّ؛ لأنه مثار الاختلاف من دون ضرورة، مع التأكيد على مرجعيّة أهل البيت^ لحلّ المشاكل الدينيّة وفي الأحكام، طبقاً لحديث الثقلين.

والجدير بالذكر أن الجميع أكَّدوا على احترام التمذهب، وأنّ التقريب لا يعني تنازل فريق عن مذهبه ومعتقداته لصالح فريق آخر.

 

الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين

وتوَّج الشيخ القرضاوي جهوده الداعية إلى إيجاد كيان لعلماء المسلمين، يتعاونون فيه لنصرة القضايا الإسلاميّة الكبرى في العالم. وقد تمّ الإعلان عنه في أول مؤتمر تأسيسيّ له عُقد في لندن بتاريخ 11/7/2004م، بعد أن تمَّت الموافقة على نظامه الأساسيّ سنة 2002م. وقد اختير الشيخ القرضاوي رئيساً للاتّحاد، كما اختير كلٌّ من الشيخ محمد علي التسخيري من المسلمين الإماميّة، والشيخ أحمد الخليلي من المسلمين الإباضية، بالإضافة إلى الشيخ بن بيه من المسلمين السنّة، نوّاباً للرئيس.

و لقد اشترك في تأسيسه ومباركة قيامه علماء المذاهب المتعدّدة. حيث تولّى نيابة الرئيس بالفعل علماء من المسلمين الإماميّة والإباضية. وكان العلاّمة الكبير السيّد محمد حسين فضل الله& داعماً قوياً لجهود إنشاء الاتحاد، وعضواً مؤسِّساً من أعضائه، ومارس دائماً دور الناصح الشفيق، والأخ المخلص، لقيادة الاتحاد وأعضائه، حسب ما ورد في البيان الذي أصدره الاتحاد بتاريخ 5/7/2010م، بمناسبة وفاة السيّد فضل الله، ونشر في موقع الاتّحاد([28]).

لا يجوز تكفير المسلم

وانسجاماً مع نفس النهج الرافض لتكفير المسلمين من مختلف المذاهب أجاب الشيخ القرضاوي على سؤال وجَّهته مؤسَّسة آل البيت للفكر الإسلاميّ في الأردن إلى عددٍ من علماء المسلمين من المذاهب المتعدّدة، ومنهم: القرضاوي، مفاده: هل يجوز تكفير أصحاب المذاهب لمجرد مخالفتهم في المذهب؟ وأجاب عليه القرضاوي بتاريخ 12/5/2005م، كما هو منشور في موقعه. وممّا جاء في جوابه: «مَنْ شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، خالصاً من قلبه، فقد أصبح مسلماً، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، ونجا بذلك من الخلود في النار. وذكر جملةً من الروايات الدالّة على ذلك، ثم قال: كلّ هذه الاحاديث، وجميعها صحيحة، تدلّ بوضوح على أن مدخل الاسلام هو الكلمة أو الشهادة، وأنّ المرء إنْ مات عليها صادقاً مخلصاً، ولم يقلها نفاقاً، كانت سبب نجاته من النار، ودخوله الجنة على ما كان من عمل، إذا صحَّت عقيدته أنجته من الخلود في النار، وإنْ كان له من السيئات ما له. ولا عبرة بالتسميات التي تسمّى بها الناس، أو يسمي بها بعضهم بعضاً، كقولهم: هذا سلفيّ، وهذا صوفيّ، وهذا سنّيّ، وهذا شيعيّ، وهذا أشعريّ، وهذا معتزليّ، وهذا ظاهريّ، وهذا مقاصديّ؛ لأنّ المدار على المسمَّيات والمضامين، لا على الأسماء والعناوين». وأضاف: «وأصحاب المذاهب المعروفة في العالم الإسلاميّ، التي تتبعها جماهير من المسلمين، كلّهم داخلون في الإسلام الذي ذكرناه»([29]).

هذه خلاصة سريعة عن جهود الدكتور القرضاوي حول الحوار مع الآخر، ونبذة عن خطابه حول التقارب والتحاور، ونبذ التكفير بين مذاهب المسلمين.

 

مفارقات اتّحاد علماء المسلمين

لقد استبشر المؤمنون بالتقارب والتعاون والتعارف بين مذاهب المسلمين عند قيام اتّحاد العلماء، الذي سبق الحديث عن جانب من خلفيّات تأسيسه.

ولكنّ المتابع لأهداف الاتحاد، ولخلفيات إنشائه التي أعلن عنها، ولهيئته الرئاسية، ولمواقف بعض قادته المؤسِّسين، وكذا لبرامجه التي يغلب عليها الطابع الأحادي المذهبيّ، يجد أن هناك نوعاً من عدم التجانس بينها. فتركيبته الرئاسية توحي برسالة التقارب والتفاهم ـ على أقلّ تقدير ـ في القضايا الكبرى وفي القواسم المشتركة، ولكنْ في المقابل إنّ بروز بعض التصريحات الإعلاميّة والمواقف السجالية التي صدرت من بعض مشايخه، والتي اعتبرت بمثابة «سبقات اللسان وزلاّت القلم»، تكشف عن أن هذه التركيبة الرئاسية لا تعدو أن تكون أحد التعبيرات الشكلية التي اعتاد أن يشاهدها الإنسان العربيّ المسلم.

 

شهاداتٌ وتقييمات من الداخل

وأخيراً فإن ما كتبه الأستاذ فتحي عبد الستّار، عضو الاتحاد، في مقالٍ بعنوان: «هوامش على دفتر اتحاد علماء المسلمين»، والذي نشر في موقع إسلام أون لاين بتاريخ 4/7/2010م، يعتبر بمثابة شهادة من الداخل. ومع الأخذ في الاعتبار المبدأ القائل: «ما كل ما يُعلَم يُقال» فإنه قد يعني بأنّ ما خفي كان أعظم، خصوصاً وأن عبد الستّار تحدَّث عمّا جرى في اجتماع الجمعية العامّة وما تلاها ـ حسب تعبيره ـ، ولم يتحدَّث عن أسس اختيار المسؤولين في بقيّة الأجهزة الإدارية والمكاتب والفروع والنشاطات والبرامج. وما يهمّنا في المقام من شهادة عبد الستّار حول العلاقات بين مشايخ الاتحاد: «بدا في هذه الجمعية وما تلاها أنّ الهوة ما زالت عميقة بين علماء السنّة وعلماء الشيعة، الذين جمعهم الاتحاد تحت مظلّته، حيث ظهر في بعض كلمات المتحدِّثين من علماء السنّة عدم فهم فلسفة الاتّحاد من خلال حديثهم عن الشيعة، والذي وصفته أطراف شيعيّة بأنّه مسيء. وظهر ذلك جليّاً في التصريحات المنشورة والمنسوبة إلى آية الله التسخيري، الذي علَّل استقالته من منصب نائب رئيس الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين بوجود «ضغوط من الأعضاء السلفيّين والتكفيريّين في الاتحاد على الدكتور القرضاوي رئيس الاتحاد، وضعف القرضاوي تجاه هذه الضغوط»، على حدّ قوله.

وأضاف عبد الستار: «وكان الدكتور القرضاوي قد أعلن استقالة التسخيري وهو جالس إلى جواره على المنصّة، معلِّلاً هذه الاستقالة بإيثار التسخيري الراحة؛ بسبب متاعبه الصحيّة، ثم اختار القرضاوي آية الله واعظ زاده الخراساني عوضاً عن التسخيري». وقال عن الأخير في عبارة لها دلالاتٌ عدّة كرَّرها مرتين: «إنّه قريبٌ إلى أهل السنّة».

كما أن نتيجة انتخابات مجلس الأمناء لم تظهر نجاح الاسم الشيعيّ الوحيد الذي كان عليها، والذي كان قد وُضع بترشيح من القرضاوي أيضاً، ولكنْ من المتوقَّع أن هذا سيجبر الدكتور القرضاوي على تعيين أسماء شيعيّة ضمن مَنْ يحقّ له تعيينهم.

ويُظهر هذا عدم التجانس السنّيّ الشيعيّ داخل الاتحاد، ورفض بعض الأطراف السنّيّة لهذا الوجود الشيعيّ، واقتصار الأمر على المجاملات اللفظيّة، ووصل الأمر ببعض الأعضاء إلى التفكير في إنشاء رابطة خاصّة بعلماء السنّة تحت مظلّة الاتحاد، إلاّ أنّ هذا يحظى بتحفُّظ شديد من قبل البعض، وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي نفسه([30]).

وكتب الأستاذ راشد الغنوشي مقاله المنشور في الجزيرة نت بتاريخ 22/7/2010م، بعنوان: «ما الجديد في المؤتمر الثالث للاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين؟». وعلى الرغم من طابع الاختزال الذي اتَّسمت به مقالته، إلاّ أنّه تطرَّق إلى بعض الأجواء السلبيّة التي تسود أروقة الاتحاد، وتلامس تركيبته ونشاطاته. فتحت عنوان: «خلافات على السطح» قال: «ظهرت على السطح خلال الدورة الماضية للاتحاد خلافات بين رئيسه الشيخ القرضاوي والأمين العامّ الدكتور سليم العوّا، على خلفية الموقف من إيران والتشيُّع، واعتراض الشيخ الشديد على ما تنهض به إيران وبعض دوائر التشيُّع من جهود حثيثة لاختراق المجتمعات السنّيّة، وهو تقديرٌ لم يوافق عليه الأستاذ العوّا، فعارضه بما آل ـ مع خلافات أخرى ـ بالعلاقة إلى قدرٍ من التأزُّم، قاد إلى استعفاء العوّا من منصبه أميناً عامّاً، غير أن مساعي صلحيّة أفضت إلى عودة المياه إلى مجاريها، وكأن الأزمة رحلت إلى محطة المؤتمر القادم».

وفي المؤتمر الثالث للاتّحاد الذي عقد في إسطنبول في شهر يوليو 2010م، والذي فاق أعضاؤه الأربعمائة عضو، برزت نفس المشكلة، التي يبدو أنها تمحورت هذه المرة حول التمثيل الشيعيّ في تركيبة الرئاسة. وَلْنَدَعْ الغنوشي يحدّثنا عنها، ولو بلغته المقتضبة جدّاً: «كان للتمثيل الشيعيّ انعكاسات على المؤتمر الثالث، سواءٌ بما وجَّهه بعض المؤتمرين من انتقادات شديدة للأمين العامّ أو ما تردَّد من اتّهام الشيخ التسخيري نائب الرئيس بمواقف طائفية، دفعت رئيس الاتحاد إلى ترشيح مرجع شيعيّ غيره بديلاً هو آية الله واعظ زاده رئيس هيئة التقريب»([31]).

إن شهادة السيّد عبد الستّار والأستاذ الغنوشي السابقتين تكشفان النقاب عن أن الاتّحاد الذي أنشئ ليكون بمثابة مظلّة لعلماء المسلمين؛ لتوحيد الجهود والمواقف حيال قضايا الأمة الكبرى، وللتبصير بمواقع الخطر، ودرء رياح الفتن، وتجميع قوى الأمة من كلّ المذاهب والاتجاهات؛ لتضييق نقاط الافتراق وتوسيع نقاط الاتفاق، والتركيز على القواسم المشتركة، والتعاون في موارد الاتفاق، والعذر في موارد الاختلاف، حسب ما جاء في البند الخامس والسادس من أهداف الاتحاد([32])، إن هذا الاتّحاد نفسه لم يسلم من اختراق المتشدِّدين السلفيّين له، وفرض شكل من أشكال التأثير على سياساته ومتبنّياته وقراراته، والتي انتهت إلى استبعاد بعض الرموز المؤسِّسة الفاعلة عن مواقع القرار. فمع التمثيل المحدود والشكلي لبعض أتباع المذاهب المسلمة تمارس ضغوطٌ، وتجري محاولات وتفاهمات معيَّنة؛ لإبعادهم عن بعض التشكيلات الإدارية للاتّحاد، بل ان رئيس الاتحاد حين يختار نائباً جديداً له، بعد استقالة الشيخ التسخيري، ولكي يقنع الأعضاء به، يبرِّر اختياره على أسس مذهبيّة منحازة، بدلاً من أن يتمّ اختياره وجميع المسؤولين في الاتّحاد على أسس موضوعيّة وفكريّة، كالجدارة والأهلية. ويبدو من الملابسات التي ذكرت أن الشيخ التسخيري والدكتور سليم العوّا اضطرا إلى الاستقالة أو الاستعفاء من مواقعهما، إنْ لم يكونا قد دُفعا دفعاً إليها.

 

الخطاب الإقصائي والتبديعي

لقد سبقت الإشارة إلى منهج الشيخ القرضاوي الذي يوصف بالوسطية والاعتدال ونبذ التطرُّف والغلوّ والتشدُّد والتكفير. وفي ضوئه من المفترض أن ينأى القرضاوي بنهجه وخطابه عن اتهام الاتجاهات الأخرى بالابتداع والضلالة، ورميها بالهلاك الأخرويّ؛ لمجرَّد الاختلاف مع فريقه في الرأي والتأويل في بعض القضايا الفكريّة العقدية والفقهيّة؛ لأن طبيعة التبديع والتضليل هي نفس طبيعة التطرُّف والتكفير، والفارق المنهجيّ بينهما في الدرجة، لا في النوع، كما يقول المناطقة. ولكنْ بالنظر إلى بعض الأعمال الفكريّة للقرضاوي، وإلى جانب من خطابه، نجد أنّه وقع في هذه المفارقة لأكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة، ممّا يعني أن مواقفه تتَّسم بالتأرجح بين الرؤية التقليديّة الموروثة لمؤرِّخي ومتكلِّمي الفرق والمقالات وبين نهج الاعتدال والانفتاح والحوار مع الآخر.

وفي ما يلي نشير إلى نماذج من خطاب التبديع والتضليل والإقصاء للآخر في فكره وخطابه.

ففي استفتاء أو سؤال وُجِّه إليه حول ما إذا كانت البدع أشدّ خطراً من المعاصي، وعن أنواع البدع وعلاقتها بالذنوب؟ ردّ عليه، بتاريخ 14/3/2004م، بجواب منشور في موقع إسلام أون لاين، في قسم (فاسألوا أهل الذكر)، قال فيه: «أما عن أنواع البدعة ـ كما هو معلومٌ ـ بدعتان، أو نوعان: بدعة قوليّة أو اعتقاديّة، أو بتعبير عصرنا: فكريّة، تمثِّل انحرافاً في الاعتقاد أو الفكر أو المنهج السويّ الذي جاء به القرآن والسنّة، واستقر عليه سلف الأمّة وخير قرونها، وهي شرّ النوعين وأخطرها، وذلك مثل: بدع الفرق الإسلاميّة المنحرفة عن السنّة والجماعة، مثل: الخوارج، والشيعة، خصوصاً الغلاة منهم، والجبريّة، والقدريّة، والمرجئة، وغيرهم، على تفاوت بينهم في مدى القرب أو البعد عن حقيقة الإسلام ونهجه القويم في العقيدة والسلوك… ثم أشار إلى اتجاهات فكريّة منحرفة أخرى، كالعلمانية، والصوفية، القائلين بالحلول ووحدة الوجود، وحدَّدهما، كما عليه الحلاّج وابن عربي، وذكر أمثلة من آرائهم. وأضاف: والنوع الثاني هو البدعة العمليّة، كأن يخترع عبادة من عنده لم يشرِّعها الله، ولا رسوله، أو يضيف إلى العبادة المشروعة ما ليس منها، مثل: (صلاة الرغائب)، التي ابتدعها بعض الناس في أوّل شهر رجب،… أو الإمساك عن الطعام والشراب قبل الفجر بثلث ساعة أو عشر دقائق أو نحو ذلك؛ احتياطاً، أو الإمساك عن المبادرة إلى الإفطار بعد المغرب؛ مبالغةً في الاحتياط»([33]).

 

حول بدعيّة صلاة الرغائب وتأجيل الفطور

تجدر الإشارة إلى أن صلاة الرغائب، وعلى الرغم من منع كثير من العلماء منها، أوردها إمام الحرمين المحدِّث المعروف رزين بن معاوية العبدري الأندلسي(535هـ) في كتابه التجريد للصحّاح الستّة، وكذا الشيخ أبو حامد الغزالي(505هـ) في إحياء علوم الدين. ودافع عنها علاّمة الحديث المعروف ابن الصلاح(643هـ)، ورد على إشكالات الفريق المخالِف. وممّا قاله في هذا الصدد: لا يلزم من ضعف الحديث بطلان صلاة الرغائب والمنع منها؛ لأنها داخلة تحت مطلق الأمر الوارد في الكتاب والسنّة بمطلق الصلاة. كما استدلّ عليها بالخصوص بما رواه الترمذي من حديث عائشة، ولم يضعِّفه، أنّ النبيّ| قال: مَنْ صلّى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة. فهو يتناول صلاة الرغائب من جهة اثنتي عشرة ركعة داخلة في العشرين. وانتهى ابن الصلاح بعد ردّ مختلف الإشكالات إلى القول: «فقد وضح ممّا بيّنّاه وأصَّلناه أنّ صلاة الرغائب غير ملتحقة بالبدع المنكرة»([34]). ويذكر في هذا السياق أن فقهاء المسلمين الإماميّة لم يصحِّحوا روايات صلاة الرغائب، ولكنَّهم لم يرَوْا بأساً لمَنْ أراد أن يصلّيها، استناداً إلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن، أو برجاء نيل الثواب الوارد فيها.

أمّا مسألة تأجيل الفطور فإنّ الفقيه المقاصدي العلاّمة الشاطبي قال في الموافقات، في مسألة «بيان الصحابي حجّة»، وضمن حديثه عن حجّيّة ما جاء عنهم في تقييد المطلقات وتخصيص العمومات: «مثاله: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر». فهذا التعجيل يحتمل أن يقصد به إيقاعه قبل الصلاة ويحتمل غير ذلك، فكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان يصلِّيان المغرب قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة؛ بياناً أنّ هذا التعجيل لا يلزم أن يكون قبل الصلاة، بل إذا كان بعد الصلاة فهو تعجيلٌ أيضاً…»([35]).

وبناءً عليه كنّا نتمنّى على الشيخ القرضاوي، رئيس اتّحاد العلماء، أن يتَّسع صدره لتقبُّل الاجتهادات الفقهيّة المتنوِّعة، دون إصدار أحكام البدعة على جماهير واسعة من المسلمين. وأيّا كان فقد صرَّح القرضاوي في هذه الفتوى بابتداع الخوارج والشيعة عموماً وبالجملة، والغلاة منهم خصوصاً، ولم يتَّضح قصده من الغلاة في هذا المورد. ولم يستثنِ فريقاً من الخوارج والشيعة من حكم البدعة العقديّة، التي هي أشرّ الأنواع وأخطرها، وخصّ من الصوفية مَنْ يقول بالحلول ووحدة الوجود. واللافت للنظر هنا هو أنّ توقيت هذه الفتوى جاء متزامناً مع الفترة التي أعلن فيها عن تأسيس اتّحاد علماء المسلمين، وتحديداً قبله بأربعة أشهر تقريباً!

 

التحذير من نشر التشيع، ووصف قائد المقاومة بالمتعصِّب

نقلت صحيفة «المصري اليوم» في عددها الصادر بتاريخ 2/9/2006م أن الشيخ القرضاوي قال خلال مشاركته في الندوة التي عقدتها نقابة الصحفيّين المصريين الخميس 31/8/2006م: «إن الشيعة أخذوا من التصوُّف قنطرة للتشيُّع، وإنّهم اخترقوا مصر في السنوات الأخيرة»، وأضاف: «إن الشيعة يحاولون نشر مذهبهم في مصر؛ لأنها تحب آل لبيت، وبها مقام الحسين والسيدة زينب»، وقال: «أدعو إلى التقريب بين المذاهب، وأؤيِّد حزب الله في مقاومته، ولكنْ لا أقبل أن يخترقوا بلادنا، محذِّراً من وقوع مذابح مثلما يحدث في العراق»، وقال: «إنّ حسن نصر الله لا يختلف عن الشيعة المتعصِّبين، فهو متمسِّك بشيعيّته ومبادئه، ويقول: يا عليّ، ولا يمكن أن ننكر هذا، ولكنّه أفضل من غيره من القاعدين والمتخاذلين». وتحدّث عن لقائه كبار المسؤولين في إيران، مشيراً إلى أنّه طلب منهم ضرورة الكفّ عن الكلام بأنّ القرآن ناقص، فأغلبهم يؤمنون بأنّ القرآن كلام الله، ولكن يقولون: هذا ليس القرآن كلّه، وقالوا: إنّ مصحف فاطمة كان ضعف هذا المصحف. وقال: «طالبتهم بالتوقُّف عن سبّ الصحابة، فهم يتقرَّبون إلى الله بسبّهم ولعنهم». ويلاحظ هنا أنّ الشيخ القرضاوي استخدم ذات الخطاب الذي يستخدمه متطرِّفو السلفية ضدّ المسلمين الإماميّة! كما أنه أورد معلومات غير دقيقة حول عقيدتهم في القرآن الكريم، وحول مصحف فاطمة÷، وبعض أفكارهم العقدية([36]).

وهكذا أغفل القرضاوي كلّ ما كتبه محقِّقو ومفكِّرو الإماميّة حول هذه المسائل، والتي سبق أن أشار بنفسه إليها في مبادئ الحوار والتقريب.

ويذكر في هذا المضمار أن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن كان قد صرَّح قبل ذلك بفترة، وتحديداً في 9/12/2004م، لصحيفة الواشنطن بوست، بأنّ إيران تعمل على تشكيل هلال شيعيّ في المنطقة!

وإثر الانتقادات والاعتراضات التي وُجِّهت إلى الدكتور القرضاوي، وإلى اتّحاد العلماء؛ كونه رئيسه، أصدر الأمين العامّ للاتحاد الدكتور محمد سليم العوّا، بتاريخ 4/9/2006م، بياناً توضيحياً، حاول فيه تبرير كلماته، والاعتذار عنها، بقوله: «إنّ ما نقل عن الدكتورالقرضاوي في شأن العلاقة مع إخواننا الشيعة لم يكن كلاماً في أصل محاضرته، وإنّما كان جواباً عن أسئلة وُجِّهت إليه، يحكمه بالضرورة سياق السؤال، وكيفية صياغته»، وأضاف: «إذا كان لفظ التعصُّب قد جرى على لسان فضيلته في هذا السياق فإن حقيقة المقصود به هو التمسُّك بالمذهب والآراء التي يعبِّر عنها أو يتبنّاها علماء الشيعة الإماميّة، وهو أمرٌ محمودٌ لا عيب فيه، ولا مأخذ عليه، ولم يكن ذكر التعصُّب إلاّ سبق لسان، مقصوداً به معنى التمسُّك المحمود بالمبدأ جملةً وتفصيلاً». وليس غرض هذه المقالة مناقشة تلكم التفسيرات المتكلَّفة الواضحة، أو كشف ثغراتها، التي تفصح عن مدى الإحراج الذي سبَّبته هذه التعبيرات والأوصاف لبعض رفاقه ومساعديه([37]).

ومرّة أخرى يلاحظ أنها صدرت في توقيت في غاية الحراجة والحساسية، حيث صدرت تحديداً بعد مرور أسبوعين على توقُّف حرب تموز (بدأت الحرب في 12/7/2006م، و استمرت 34 يوماً، حيث توقَّفت بتاريخ 15/8/2006م)، والتي سجَّلت فيها المقاومة الإسلاميّة صموداً أسطوريّاً وانتصاراً تاريخيّاً على الصهاينة، بحيث غدا سماحة السيّد حسن نصر الله بحقٍّ قائداً وبطلاً عربيّاً وإسلاميّاً، وصار مهوى أفئدة الجماهير العربيّة والإسلاميّة، وأعجب بقيادته ووعيه وصموده كثيرٌ من أحرار العالم.

في الواقع إنّ توقيت تصريحات الشيخ القرضاوي، وتركيزه فيها على بعض الأوتار الخلافية العقديّة، وبصورة لا تخلو من تهكُّم وإثارة وتنفير وتشويه واستعداء، كما أن إطلاق وصف المتعصِّب على قائد المقاومة الإسلاميّة سماحة السيّد نصر الله في هذه المرحلة الدقيقة، أثار كثيراً من الدهشة والاستغراب، وكثيراً من علامات الاستفهام حول دوافعه وغاياته ومراميه! ومع التنزُّل بقبول تفسير الدكتور سليم العوّا لوصف التعصب فمن العجب أن يضيق صدر رئيس اتّحاد العلماء ذرعاً من تمسُّك قائد المقاومة السيّد نصر الله بقناعاته العقدية؟!

 

مؤتمر الدوحة للتقريب

وفي مؤتمر الدوحة للتقريب، الذي عقد في 20 ـ 22/1/2007م، وحسب ما جاء في موقع الدكتور القرضاوي، بتاريخ 23/1/2007م، فإنّ القرضاوي كرَّر بعض ما قاله في ندوة الصحفيّين المصريين حول مسألة الصحابة، وشدَّد على وضع حدٍّ لعمليّات التبشير الشيعيّ في بعض المجتمعات السنّيّة، معلناً عدم موافقته على ما يقوله الشيخ التسخيري بأنّه تبشير فرديّ، وذكر أنّ التبشير الشيعيّ مبرمَج، وتُرصد له ميزانيات، وله برامجه. وحسب شهادة المفكِّر الفلسطيني المعروف منير شفيق، كما أوردته الجزيرة نت، بتاريخ 21/1/2007م، في تقريرها عن الجلسة الافتتاحية: إن ما دعا إليه القرضاوي من مكاشفة مطلوبٌ من حيث المبدأ، ولكنّه، أي القرضاوي، أَكْثَرَ من الأمثلة على الطرف الشيعيّ دون السنّيّ، ربما ذلك لضيق الوقت!! وفي لفتة ذكية تستشرف الحقائق المخفيّة نبَّه المفكِّر شفيق إلى أن المكاشفة يجب أن تكون ضمن ثوابت الأمة، وإذا تمادى طرفٌ يواجَه ضمن ثوابت الأمة، وقواعد اللقاء والوحدة، لا بتحويله إلى عدوّ، مؤكِّداً أنّ العدوّ هي أمريكا وإسرائيل([38]).

 

لقاؤه التلفزيوني مع الشيخ رفسنجاني

وهذا اللقاء، الذي أجرته الجزيرة بتاريخ 15/2/2007م، وكما ورد في موقع اتّحاد العلماء، كان مختصّاً بمعالجة مظاهر الفتنة بين الفريقين في ضوء ما يجري في العراق بعد احتلاله. وقد تطرَّق الحديث فيه إلى نشر التشيُّع، والتقيّة، والموقف من الصحابة، والتقاتل في العراق. كما أشار القرضاوي إلى وضع السنّة في إيران، وأنّهم ليس من بينهم وزيرٌ واحدٌ في الحكومة الإيرانيّة. ودعا إلى التوقُّف عن التكفير من الجانبين، وقال: نحن نرفض التكفير، وشدَّد على أن الفتاوى التي تصدر من الجانب السنّيّ قليلة جدّاً، مؤكِّداً على أهمّيّة عدم طرح الخلافات للجماهير، وإنّما تتمّ بين العلماء، بعيداً عن الإثارة والغوغائية.

وكنّا نتمنّى لو أن الشيخ القرضاوي وبقية المشايخ والمفكّرين، أيّاً كانت مذاهبهم، قد التزموا بذلك، ولجنَّبوا الأمّة المسلمة هذه السجالات الطائفية، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تتطلّب التلاحم والانتباه لمكائد الأعداء([39]).

 

ذروة الخطاب التبديعي ضدّ المسلم الآخر

لقد أفصح الشيخ القرضاوي عن نظراته تجاه المسلمين الإماميّة في اللقاء الصحفي مع صحيفة المصري اليوم، والذي أجرته معه في مصر الصحفية رانيا بدوي، بتاريخ 9/9/2008م. وقد لوحظ أنّ الشيخ القرضاوي في هذا اللقاء استدعى عدداً من المفردات والأحكام الموروثة التي يستخدمها المتطرِّفون، وطبقاً لنفس المنهجيّة، مع تفاوت في الدرجة. وبذلك فقد أثار سجالاً إعلاميّاً كان المسلمون في غنى عنه.

وفي ما يلي نشير إلى نماذج مهمّة من أحكامه التبديعية:

ففي معرض ردّه على سؤالٍ حول أيّهما الأخطر: المدّ الوهابي؛ أو المدّ الشيعيّ؟ قال القرضاوي: «في السنوات الأخيرة اشتغل الفكر الوهابيّ بقوّة، وكان له دعاة وداعمون، والعيب فيه هو التعصُّب ضدّ الأفكار الأخرى، وهو قائمٌ على المذهب الحنبلي…». وقال عن الشيعة: «أما الشيعة فهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون، وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السنّيّ، وهم مهيَّؤون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات، وكوادر مدرَّبة على التبشير بالمنهج الشيعيّ في البلاد السنّيّة…».

وردّاً على سؤال حول طبيعة الخلاف بين السنّة والشيعة؟ قال: «الخلاف في الفروع ليس مهمّاً، ولكن الخلافات في العقيدة هي المهمّة، فكثيرٌ منهم يقول: إن القرآن الموجود هو كلام الله، ولكن ينقصه بعض الأشياء، مثل: سورة الولاية! نحن نقول: إن السنّة سنّة محمد، أمّا هم فلديهم سنّة المعصومين محمّد والأئمّة الأحد عشر، ويعتبرون سنّتهم سنّة محمّد، نحن نقول: أبو بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، وهم يقولون: لعنهم الله!». وهكذا صار يستخدم خطاباً يستبطن استعداء الجماهير المسلمة، وتحريضها ضد المسلمين الإماميّة، مع أنه منذ وقت قريب دعا إلى قصر طرح المسائل الخلافية بين العلماء المختصّين!

والملاحظ هنا أن الصحفية التي أجرت المقابلة مع القرضاوي حاولت أن تلفت نظره إلى ما يستشعره ويرصده المثقَّفون من وجود مدٍّ وهّابي في مصر أيضاً، وقد اعترف القرضاوي بذلك، وأكَّد أن الفكر الوهّابي نشط في الفترة الأخيرة، واشتغل بقوّة، وشكَّل دعاة داعمين، واعترف بتعصُّبه ضدّ الآخرين، واكتفى بهذا المقدار للحديث عنه، مركِّزاً حديثه عن الخطر الشيعيّ المحدق بمصر([40])!!

وفي لقاءٍ آخر أجرته معه نفس الصحفية رانيا، بتاريخ 12/10/2008م، وقد نشر اللقاء في موقع القرضاوي في اليوم التالي، وفي سؤالٍ حول تفسيره لنقد أصدقائه له؟ اعتبرهم في جوابه مفتونين بثورة إيران ومنجزاتها، وأنهم قرأوا الدين في ضوء السياسة، ثم قال: «ومن العَجَب أنّ المفتون يقع في الخطأ، ويرى غيره هو المخطئ، كما رأينا أهل الأهواء من الخوارج والمعتزلة والمرجئة والشيعة يرَوْن أنّ أهل السنّة هم المبطلون، وأنّهم على الحق الكامل»([41]).

ويلاحظ هنا استخدامه على مخالفيه من المسلمين أوصاف: المبتدع، الغزو، التبشير، أهل الأهواء، التعصُّب. بل يلاحظ عليه أنه أطلق على بعض مساعديه وزملائه من المفكّرين الذين اختلفوا معه وصف (المفتونين).

ونسب إلى كثير من المسلمين الإماميّة تصوُّرات مغلوطة مشوَّهة، مثل: نقصان القرآن الكريم، وسورة الولاية المزعومة، كما نسب إليهم بعض الملازمات غير الدقيقة حول السنّة النبويّة المطهَّرة، وعرض موقفهم من الصحابة بطريقة لا تخلو من الإثارة، متغاضياً آراء بعض مراجع المسلمين الإماميّة المعاصرين في ضرورة احترام الصحابة، وتناول تاريخهم بطريقة موضوعيّة وعلميّة.

وبشكلٍ عامّ قدم الشيخ القرضاوي عن المسلمين الإماميّة صورةً تؤدي ـ على أقل تقدير ـ إلى النفور والكراهية، وتمهِّد للنهج التكفيري، أو تعزِّزه على أقلّ التقادير.

 

ـ يتبع ـ

الهوامش:

(*) كاتبٌ عربيّ.

([1]) يوسف القرضاوي، الحلال والحرام في الإسلام، تعليق: حسن محمد تقي الجواهري، دار التعارف، سنة 1993، بيروت.

([2]) القرضاوي، فقه الزكاة، ج1، المقدّمة الأولى، سنة 1969م، موقع القرضاوي، الشبكة المعلوماتية.

([3]) يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلاميّة، سنة 1983م، موقع القرضاوي، الشبكة المعلوماتية.

([4]) سعد الدين إبراهيم، الصحوة الإسلاميّة في الوطن العربيّ، ورقة الإطار العام للصحوة الإسلاميّة، ليوسف القرضاوي: 65 ـ 100، منتدى الفكر العربيّ، سنة 1987م.

([5]) القرضاوي، مبادئ أساسيّة فكريّة وعمليّة في التقريب بين المذاهب، مجلة رسالة التقريب، العدد 13 ـ 14: 140، مجمع التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، طهران.

([6]) القرضاوي، مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، أون إسلام نت، مدارك؛ وكذلك موقع التنوع الإسلاميّ، نقلاً عن إسلام أون لاين.

([7]) القرضاوي، أولويّات الحركة الإسلاميّة، سنة 1990 موقع القرضاوي، الشبكة المعلوماتية.

([8]) إبراهيم الحيدري، تراجيديا كربلاء، سوسيولوجيا الخطاب الشيعيّ: 161، دار الساقي، لندن، سنة 1999.

([9]) القرضاوي، الحلال والحرام: 636، 638.

([10]) القرضاوي، غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ، سنة 2001م، موقع القرضاوي، الشبكة المعلوماتية.

([11]) القرضاوي، موقفنا العقدي من اليهود والنصارى، بتاريخ: 26/12/2004م، موقع القرضاوي.

([12]) القرضاوي، فتوى بجواز بناء دور العبادة لغير المسلمين، بتاريخ: 19/5/2008م؛ المفهوم والمرفوض للتقريب بين الأديان، بتاريخ: 8/3/2011م، موقع القرضاوي.

([13]) القرضاوي، ظاهرة الغلوّ في التكفير: 27، مكتبة المنارة الإسلاميّة، سنة 1985م، الكويت.

([14]) القرضاوي، كلمة أخيرة حول سيد قطب، بتاريخ: 18/9/2004م، موقع القرضاوي.

([15]) القرضاوي، الصحوة بين الجمود والتطرف: 63 ـ 88، سلسلة كتاب الأمة، سنة 1402هـ، الدوحة.

([16]) القرضاوي، تاريخنا المفترى عليه: 274، دار الشروق، سنة 2006م، القاهرة؛ وكذا مبادئ أساسيّة فكريّة وعمليّة في التقريب بين المذاهب، مجلة التقريب؛ وكذا الصحوة بين الاختلاف المشروع والتفرّق المذموم.

([17]) القرضاوي، ابن القرية والكتاب، الحلقة 12، موقع القرضاوي، الشبكة المعلوماتية.

([18]) القرضاوي، تاريخنا المفترى عليه: 24 ـ 25.

([19]) المصدر السابق: 212، 233 ـ 234.

([20]) المصدر السابق: 46، 83، 97.

([21]) المصدر السابق: 81، 85، 292.

([22]) المصدر السابق: 93.

([23]) المصدر السابق: 100.

([24]) القرضاوي، كيف نتعامل مع السنة النبويّة: 190، دار الشروق، 2002م، القاهرة.

([25]) القرضاوي، مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، الجزيرة نت، عرض وصفي أبو زيد، بتاريخ: 12/11/2006م.

([26]) محمد علي التسخيري، أسس التقريب وقيمه ودور العلماء فيه، مؤتمر التقريب بين المذاهب بالبحرين، سنة 2003م.

([27]) محمد مهدي شمس الدين، نحو ميثاق تأسيسي لهيئة قضايا الوحدة والتقريب، مؤتمر التقريب بالبحرين.

([28]) الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين، بيان بتاريخ: 5/7/2010م، بمناسبة وفاة السيّد محمد حسين فضل الله.

([29]) القرضاوي، جواب على سؤال حول تكفير المسلم، بتاريخ: 5/6/2007م، موقع القرضاوي.

([30]) فتحي عبد الستار، هوامش على دفتر اتحاد علماء المسلمين، إسلام أون لاين، بتاريخ: 4/7/2010م.

([31]) راشد الغنوشي، ما الجديد في المؤتمر الثالث لاتحاد علماء المسلمين؟، الجزيرة نت، بتاريخ: 22/7/2010م.

([32]) أهداف الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين، الصادر بتاريخ: 9/9/2006م.

([33]) القرضاوي، جوابه عن سؤال حول البدع والمعاصي وأنواع البدع، إسلام أون لاين، بتاريخ: 14/3/2004م.

([34]) العزّ بن عبد السلام وابن الصلاح، مساجلة علميّة بين الإماميّن الجليلين.. حول صلاة الرغائب المبتدعة، تحقيق الألباني والشاويش: 16، 17، 26، المكتب الإسلاميّ.

([35]) أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات 3: 301، دار المعرفة، سنة 1999م، بيروت.

([36]) صحيفة المصري اليوم، الصادرة بتاريخ: 2/9/2006م، القاهرة.

([37]) بيان الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين محمد سليم العوا، بتاريخ: 4/9/2006م.

([38]) موقع القرضاوي، بتاريخ: 23/1/2007م؛ والجزيرة نت، تقرير عن الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الدوحة بتاريخ: 21/1/2007م.

([39]) لقاء تلفزيوني من فضائية الجزيرة مع يوسف القرضاوي وهاشمي رفسنجاني، بتاريخ: 14/2/2007م.

([40]) المصري اليوم، بتاريخ: 9/9/2008م، القاهرة.

([41]) المصري اليوم، بتاريخ: 12/10/2008م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً