أحدث المقالات

      كلما تأملت الواقع العراقي الذي يعيشه أهلنا في العراق أتألم من أعماق قلبي … وكلما سافرت إلى بلد يعيش أهله في وئام وسلام ورفاهية, أقارن بينه وبين أبناء شعبي فيستولي عليّ الحزن وأحبس دمعتي بين أجفاني, وأتساءل لماذا أصبح وضعنا هكذا؟ وما هي أسباب هذا البؤس والشقاء؟

      وحينما أدقق النظر باحثاً عن الأسباب التي مزّقت العراق أجد أن من أهمها الطائفية والعنصرية, فما عاد كثير من العراقيين يشعرون بأنهم عراقيون, بل أن بعضهم يشعر بأن هويته قومية فيرى أنه عربي أو كردي أو غير ذلك, والبعض الآخر يرى أن انتماءه إلى طائفته أقوى من انتمائه إلى وطنه, فيشعر أنه شيعي أو سني أو مسيحي أو غير ذلك. وهذه مصيبة كبيرة تهدد هذا الوطن الجميل الذي احتضن عشرات الحضارات وسكنت على ترابه عشرات الشعوب وعاشت فيما بينها طيلة هذا الفترة الطويلة مؤتلفة متآخية حتى كان العراقيون  – بسبب هذا التآخي – سباقون إلى الاختراعات وتقنين الشرائع ووضع المسلات القانونية, ولعل مسلة حمورابي وأمجاد السومريين في اختراعهم للكتابة وغيرها أقوى شاهد على ما أدّعي.

      تذكر (الموسوعة العربية العالمية) تحت عنوان (عراق) ما نصه:

      ((كان العراق بحق مهدًا لحضارة عريقة، ففيه بدأت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الزراعة وتدجين الحيوان في حدود الألف السابع قبل الميلاد، ونشأت المدن والمراكز الحضارية على شواطئ النهرين العظيمين دجلة والفرات وفيه كانت إحدى أقدم محاولات الإنسان في الكتابة والتدوين، كما ازدهرت فيه نتيجة لذلك التربية والتعليم، والقوانين وتدوين الطب والكيمياء والرياضيات والفلك والفن والأدب والتجارة والصناعة وغيرها. وغدت تلك المحاولات المبكرة الأساس المتين الذي قامت عليه الحضارة العراقية القديمة فيما بعد.))

      إذن لماذا نسي العراقيون كل هذا التاريخ والمجد, وانشغلوا بمسائل طائفية ترتبط بخلافات وحروب قديمة وقعت في صدر الإسلام؟ أي قبل ألف وأربعمائة سنة تقريباً؟.

      لو سلَّمنا جدلاً بأن هناك خلاف بين الإمام علي والخلفاء في زمنه, أو ما نقطع به من خلاف بينه وبين معاوية, فالواجب علينا هو نأخذ العبرة من تاريخنا, وننظر ونتأمل كيف أن هذه الخلافات مزقت الأمة الإسلامية في ذلك العصر, وبالتالي فينبغي أن لا نكررها وأن نتحد ولا نسمح لأيّ خلاف أن يدخل بين صفوفنا. هذا هو المنطق السليم. ولكن ماذا فعلنا نحن؟ جئنا بعد ألف وأربعمائة سنة وانقسمنا إلى قسمين: قسم مع علي وقسم مع الخلفاء!!! وصرنا نحقد على بعضنا البعض, ومزقنا وطننا الجميل, واختلفنا لأن اختلافاً وقع قبل ألف وأربعائة سنة, وتحاربنا في بعض الحالات لأن علياً ومعاوية تحاربا, فهل هذا تصرف يقوم به عاقل؟! أو يُقدم عليه رجل حكيم؟!

      إن ما جرى على الأمم الأخرى وما حصل لها من تجارب يمكن أن نستفيد منه نحن, لأننا لسنا بدعاً من الشعوب, ولا نختلف عنهم في طينتنا ودمنا, فهناك حالات في العالم تشبّه الحالة العراقية, أمريكا على سبيل المثال, أمة تشكلت من عشرات القوميات من أوروبا ومن الأفارقة السود وغيرهم, وحينما كانوا منشغلين بالفتن الداخلية والطائفية لم يكن لهم شأن بين الدول, كانوا أمة فقيرة وذليلة, يوماً يستعبدها الأسبان, ويوماً تستعمرها بريطانيا, بريطانيا التي أذلتهم وفرضت عليهم اللغة التي يتكلمون بها اليوم, إذ الأمريكان اليوم يتكلمون الانجليزية كما نعرف, وهي لغة دخيلة عليهم فرضها الانجليز عليهم حينما استعمروها, ولكن متى صارت أمريكا أقوى دولة في العالم؟ ومتى سيطرت على الأرض, وصارت بريطانيا اليوم تابعاً لأمريكا؟

      الجواب: عندما شعر أهلها بأنهم أمريكيون فقط, وشعروا بأن هويتهم هي بلد اسمه (أمريكا) وعندما توّحدوا, أنت تعرف يا قارئي العزيز أن اسم أمريكا هو:
United states of America
      وتعني (الولايات المتحدة الأمريكية), ارتدي نظارتك ودقق النظر في الكلمة الوسطى, ستجد أنها (المتحدة) وهو ما نفتقده للأسف الشديد. إن الأمريكيين يطلقون على أنفسهم اسم:
Nation
      ومعناها: الأمة, إنهم يرون أنفسهم أمة, وهو تعبير يتسامى على الأديان والطوائف والأعراق.

      خلاصة ما أريد قوله وما أدعو إليه هو أننا إذا أردنا أن نضع حداً لمشاكلنا وأن نوقف هذا الجنون الذي يجري في بلادنا, فلابدّ أن نشعر بأننا عراقيون أولاً وقبل كل شيء, وبأن العراق هو هويتنا, نضع مصلحته فوق مصلحة أيّ شيء آخر, يجب أن يشعر الشيعي بأن السني العراقي أقرب إليه من الشيعي غير العراقي, ويجب أن يشعر السني العراقي بأن الشيعي العراقي أقرب إليه من السني غير العراقي, وكذلك الأمر بالنسبة إلى العربي والكردي, لأننا أبناء وطن واحد, ومصيرنا واحد, وإذا رأينا سياسياً يحرّك الوتر الطائفي فيجب أن لا ننجر ورائه بل يجب أن نضع عشرات بل مئات من علامات الاستفهام حول هذا السياسي, وبعد البحث والتدقيق سنجد أنه يطبق مشروعاً أجنبياً تمَّ تحضيره في خارج العراق, وأنه عميل خاسئ لهذه الدولة أو تلك.

      وإذا رأينا رجل الدين يحرك الشيعة ضد السنة, أو يحرض السنة ضد الشيعة فيجب أن نحتمل احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن يكون هذا (الملا) مغفلاً وغبياً, وهذا لا يستحق أن نطيل الكلام حوله. وإما أن يكون كصاحبه السياسي, مدفوعاً من هنا وهناك, ليقوم بتمزيق العراق وتفريق أبناء شعبه, لأن الدين صار يستخدم كذلك ورقة للعب بين الدول التي لها أطماع وأوهام في العراق.

      كنت جالساً في جلسة أغلبها من رجال الدين, وكانوا يتحدثون عن (صدام حسين) وكان أحدهم يكرر الحديث بأن صدام حسين كان سنياً. فتكلمت أنا وقلت: إن تكرار الحديث عن أن (صدام حسين كان سنياً) لا ينفع العراقيين اليوم في شيء, هذا أولاً, وثانياً إن في هذا الكلام استفزازاً لأهل الطائفية السنية بلا داعي, وثالثاً: إن هذا الكلام غير دقيق أصلاً, فمن قال بأن صدام حسين قتل الشيعة لأنه سني؟ صدام حسين قتل كثيراً من أهل السنة أيضاً, قتل كثيراً من أبناء عشائر الجبور وعشائر الدليم عندما حاولوا الانقلاب عليه, وهم من أهل السنة أيضاً, وصدام حسين أباد الأكراد بالأسلحة الكيماوية, والأكراد كانوا من أهل السنة أيضاً, وحتى بعد أن انتهى صدام من قتل معارضيه من أهل السنة, بدأ بتحطيمهم إعلامياً ونفسياً فكانت مخابراته تبث النكات والطرائف المضحكة على أهالي الدليم وعلى الأكراد تصفهم تارة بالغباء وأخرى بالتخلف, كل ذلك في خطة مدروسة للقضاء عليهم معنوياً, وتحطيم نفسيتهم, ولازال البعض إلى الآن يردد هذه النكات والطرائف لبساطة في تفكيره.

     إذن صدام حسين لم ينطلق من منطلقات سنة وشيعة, بل أن صدام حسين كان ديكتاتوراً لا يهمه إلا نظامه وكرسيه, يصفّي كل من وقف بوجهه سنياً كان أو شيعياً, عربياً كان أو كردياً.

فقلت لرجال الدين الجالسين في تلك الجلسة: إنكم بهذا الكلام وأمثاله تؤججون حرباً أهلية وطائفية بين أهل السنة والشيعة, لها أول وليس لها آخر, فأجابني أحدهم قائلاً: (وليكن, يتحاربون مدة وتنتهي كما حصل في لبنان) فتعجبت من هذا الجواب وغادرت الجلسة وأنا أسأل نفسي: متى ينتبه العراقيون إلى هذه المؤامرات؟

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً