أحدث المقالات

أ. شروق فقيه(*)

د. الشيخ محسن ملك أفضلي الأردكاني(**)

مقدّمةٌ

تُعَدّ قضية المهر قضيّةً مهمّةً ودقيقةً في الشريعة الإسلامية، وحذا حَذْوها القانون المدني الإيراني، حيث أُدرجت أحكامه ضمن المواد القانونية طبقاً لأحكام الشارع المقدَّس؛ لأنّ المهر بحَسَب الآيات والروايات له فلسفةٌ خاصّة، وأقسامٌ، وأحكامٌ، وآثارٌ، سوف نتعرَّف عليها في هذا المقال. وممّا يُؤسَف له أنّ غلاء المهر ـ الذي تمّ إنشاؤه للمساعدة في تأسيس وتقوية الرابطة الزوجية، والذي هو المهر الخفيف، بحَسَب تأكيد الروايات، وإعلان الشارع رفضه للمهور الغالية، حيث ورد أنهم «تَذَاكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ× فَقَالَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ؛ فِي الْمَرْأَةِ والدَّابَّةِ والدَّارِ. فَأَمَّا شُؤْمُ الْمَرْأَةِ فَكَثْرَةُ مَهْرِهَا وعُقْمُ رَحِمِهَا»([1]) ـ، وعلى الرغم من إعلان الشريعة رفضها للمغالاة بالمهور، وتأكيدها على كراهة ذلك، قد صار اليوم إحدى المشاكل الرئيسة في المجتمع الإسلامي بشكلٍ عامّ، وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية بصورةٍ خاصّة، حيث يجري استغلاله بطريقةٍ غير لائقة من قِبَل بعض العوائل، من خلال التطبيق غير الصحيح للآيات القرآنية وروايات أهل البيت^ من جهةٍ، والقانون المدني الإيراني من جهةٍ أخرى، لذلك تلجأ أغلب العوائل إلى طلب مهورٍ غالية؛ من أجل تحقيق أهدافٍ مالية تحت عنوان: (أخذ ضمانة من الرجل)؛ بحجّة استمرارية الزواج وعدم اللجوء إلى الطلاق من أدنى مشكلةٍ، بحَسَب تفكيرهم، بحيث تحوَّلت هذه الظاهرة إلى عُرْفٍ آخذ في التجذُّر، بدون أيّ محاربةٍ له. ولذلك؛ من أجل الحدّ من هذه الظاهرة السيِّئة، فإن السؤال المطروح في هذا المقال: ما هو موقف الشريعة الإسلاميّة والقانون المدني الإيراني من مسألة تحديد نصاب المهر؟

هدف المقال

يعتبر المهر، الذي تمّ تشريعه للمساعدة في تأسيس وتقوية الرابطة الزوجية من جهةٍ؛ وإعطاء المرأة أهمّيةً كبيرة من جهةٍ أخرى، أضحى اليوم إحدى المشاكل الرئيسة؛ بسبب إطلاقه من قِبَل الشريعة والقانون المدني الإيراني، وعدم تقييده بمقدارٍ معين، وقد تمَّ استغلال ذلك من قِبَل العوائل؛ بهدف تحقيق مقاصد مالية من الزوج، مما خلّف آثاراً سلبية جسيمة على الأفراد والمجتمع. وبدل أن يكون الزواج عاملاً مهمّاً في تكوين الأسرة تحوَّل؛ بفعل استخدام المرأة حقَّها في طلب مهرٍ مرتفع، إلى كابوسٍ يعيشه الزوج، وبالتالي انهيار العلاقة الزوجية، وتفكُّك الأسرة؛ لأنه ـ وللأسف ـ بُنيَتْ على أسسٍ مادّية، كالبيع والشراء، رغم أن ملاك الزواج هو تكوين علاقةٍ مبنيّة على المودّة والرحمة، كما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى. لذلك كان الهدف من كتابة هذه المقالة تسليط الضوء على معالجة المشكلة المستفحلة في المجتمع الإسلامي، من خلال الحديث حول فلسفة تشريع المهر، وحقيقته، وأحكامه، وشرائطه، والأضرار التي تنجم عن إطلاقه وعدم تقييده، والحديث حول إمكانية تحديده من قِبَل الوليّ الفقيه المعنيّ بالحفاظ على أغراض الشريعة والمجتمع الإسلامي.

المهر لغةً واصطلاحاً

أما في اللغة فالميم والهاء والراء أصلان؛ يدلّ أحدهما على أجرٍ في شيءٍ خاصّ؛ والآخر: شيءٌ من الحيوان. فالأوّل المهر: مهر المرأة أجرها([2])، وقيل: المهر: الصداق([3]).

وأما اصطلاحاً فالمَهْر بفتح الميم: صداق المرأة، والجمع مهور، ويُقال: مهرت المرأة مهراً ـ من باب نفع ونصر ـ أي: أعطيتها المهر، وأمهرتها بالألف: زوّجتها من رجلٍ على مهرٍ([4]). وعرّف أيضاً أنه ما وجب للمرأة بنكاحٍ أو وطءٍ أو تفويت بضعٍ. وذكروا في تسمية المهر صداقاً لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح، الذي هو الأصل في إيجاب المهر([5]).

تعريف المهر في القانون المدني الإيراني

لم يذكر القانون المدني الإيراني تعريفاً خاصّاً للمهر، إلاّ أنّ المادّة 1078 تنصّ على أنّ: «كلّ ما له ماليّة، ويكون قابلاً للتملُّك، يمكن جعله مَهْراً».

التحديد لغةً واصطلاحاً

في اللغة أصل المادّة من «الحَدّ والحُدُود». والحاء والدال أصلان: الأوّل: المنع؛ والثاني: طرف الشيء، فيكون الحدّ: الحاجز بين الشيئين، ويُقال: فلانٌ محدودٌ إذا كان ممنوعاً([6])، أو المنع والفصل بين الشيئين؛ لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدّى أحدهما على الآخر، وجمعه حدود. وفصل ما بين كلّ شيئين: حدّ بينهما. ومنتهى كلّ شيء([7]).

وأما في الاصطلاح فهو ما يمنع المحدود من العَوْد إلى ما كان ارتكبه. وحدود الشرع: موانع وزواجر عن ارتكاب أسبابها، وما لا يجوز فيه الزيادة ولا النقصان. وحدود الله تعالى: محارمه، كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾ (البقرة: 187)([8]).

القانون لغةً واصطلاحاً

أما في اللغة فالقانون في الأصل كلمةٌ فارسية، جمع قوانين، ومعناه الأصل([9]).

واصطلاحاً هو كلِّيٌّ منطبقٌ على جميع جزئيّاته التي يتعرّف أحكامها منه([10]).

تسمياتٌ أخرى للمهر

وقد أُطلق على المهر تسمياتٌ متعدِّدة، نذكر منها:

1ـ الصداق: أي صداق المرأة، سُمِّي بذلك لقوّته، وأنه حقٌّ يلزم. ويقال: صَدَاقٌ وَصُدْقَةٌ وَصَدُقَةٌ. قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4). وَقُرِئَتْ: «صَدَقَاتِهِنَّ». وَ[مِنَ] الْبَابِ الصَّدَقَةُ: مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ([11]).

2ـ النِّحْلة: وأصلها النحل. ومن إحدى دلالتها العطاء، يُقال: نحلته كذا أي أعطيته. ويقولون: النحل: أن تعطي شيئاً بلا استعواضٍ. ونحلت المرأة مهرها نحلةً، أي عن طيب نفسٍ، من غير مطالبةٍ([12]).

3ـ الأَجْر: قد سمّى الله تعالى المَهْر أَجْراً، كما ورد في قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (النساء: 24).

والتعبيرُ بكلمة «ما» في بداية الآية ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ﴾، المستعمل في غير العقلاء، إشارةٌ الى تعميم مفهوم الانتفاع والاستمتاع بأيّ نحوٍ، وبأيّ عضوٍ، وبأيّ خصوصيّةٍ تتعلَّق بهنّ، ولا اختصاص بالانتفاع والالتذاذ من مجموع وجودهنّ. وأيضاً فيه تجليلٌ وتعظيمٌ لمقام المرأة؛ فإنّ المرأة من حيث هي ليست مخصوصةً بالاستمتاع والانتفاع والالتذاذ: ﴿ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً﴾ (الروم: 21)، وأمّا مُتْعَةُ النكاح على شرائط مقرَّرة، وحفظ الصلاح للرجل والمرأة، ورعاية عواقب الأمور، من التوليد وهتك الحرمة والابتلاءات الناشئة من هذا العمل([13]).

فلسفة المهر

اتَّفق علماء وفقهاء ومتكلِّمو مدرسة أهل البيت^ بالإجماع على أنّ الأحكام الشرعية، سواء كانت تكليفية أو وضعية، قد شرّعت على ضوء فلسفةٍ خاصة بها، وهو جَعْل الحكم على أساس ملاكاتٍ معينة، يوجد حكمة وعلّة من وراء تشريعها، باعتبار أفعال الله معلّلة بالأغراض والأهداف، وهذه الملاكات تكون بدَوْرها خاضعة للمصالح والمفاسد الواقعية، التي تعود على الفرد والمجتمع دنيويّاً وأخرويّاً. وبناءً عليه فإنه من المهمّ الحديث عن فلسفة تشريع المهر، وغايته، والحكمة منه، وعلّته. وقبل الخَوْض به لا بأس بتوضيح معنى الاستعمال الاصطلاحي لمفردات المطلب، كاصطلاح (فلسفة الحكم)، (مقصد الشريعة)، (الحكمة)، (العلّة)، على ما ذهب إليه الفقهاء في استعمالاتهم، بما يلي:

 

فلسفة الحكم

تعني لفظة «الفلسفة» عندما ترد دون إضافةٍ: «معرفة الوجود». وإذا أُضيفَتْ إلى لفظةٍ أخرى، كما لو ألحقَتْ بها كلمةٌ أخرى، فإنّها تكتسب معنىً آخر، يتناسب مع ما يعكسه المركَّب الجديد([14]).

 المرادُ من فلسفة الحكم أو الحكمة الهدفُ والغرضُ من الحكم الشرعيّ، باعتبار جميع أفعال الله معلَّلةً بالأهداف والأغراض، كما أجمع فقهاء الإمامية، والدليلُ على ذلك وصفُ الله تعالى نفسه في آيات قرآنية كثيرة أنّه «حكيمٌ»، وأنّ جميع أفعال الله حكيمةٌ وبعيدةٌ عن اللَّغْو والعَبَث، كما في قوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾ (المؤمنون: 115)، وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً﴾ (آل عمران: 19)([15]).

الحكمة

وأما الحكمة فقد أُخذ في تعريفها معنيان:

1ـ ما عليه أكثر العلماء، وهو: ما قصد إليه الشارع من جلب نفعٍ أو دفع ضررٍ.

2ـ ما عليه بعضٌ، وهو: المناسب أو التناسب([16]).

وعليه، يكون معنى الاصطلاحين: (حكمة الحكم) و(فلسفته) واحداً، وهو: الأمر الذي له مدخليّة مباشرة في تشريع الحكم، من غير إناطته بها ـ أي من غير إناطة وجود الحكم وعدمه بالحكمة ـ، وبعبارةٍ أخرى: هي المصلحة المقصودة للشارع من تشريع الحكم، مع عدم كونها علّةً تامّةً في إيجاد الحكم أو عدمه، بمعنى أنّه قد تتوفَّر الحكمة من دون أن يتواجد الحكم، أو يتواجد الحكم ولا تكون الحكمة، كالمشقّة في السفر؛ إذ اعتبروها الحكمة في قصر الصلاة، لكنْ لا أحد يدَّعي بأنها تشكِّل العلّة التامّة للقَصْر، ومن هنا فإنْ أُصيب المرء بتعبٍ ومشقّةٍ من غير سفرٍ فحكمه التمام، ولا يقصر صلاته، وفي المقابل إذا سافر من غير مشقّةٍ فحكمه القَصْر، دون التمام؛ وذلك لأن المصلحة المقصودة من التشريع، كالمشقّة في المثال السابق، ليست علّةً في جعل الحكم([17]).

 

العلّة

يُستَخْدَم لفظ العلّة في موارد متعدِّدة لجهةٍ ما، كالفعل الذي يترتَّب عليه نفعٌ أو ضررٌ، أو ما يترتَّب على الحكم من مصلحةٍ أو مفسدة، إلاّ أنّ الفقهاء استخدموا لفظ العلّة بمعناه الخاصّ، وهو الوصف الظاهر المنضبط المترتِّب على تشريع الحكم، كالإسكار الناجم عن الخمر، المستفاد من ظاهر النصّ، والذي على أساسه شُرِّع الحكم، وكذلك لوجود المصلحة في تركه([18]).

الاختلاف بين الحكمة والعلّة

الحكمة هي المصلحة بعينها، والمصلحة هي المقصودة للشارع من تشريع الحكم، وإنْ لم يصرِّح بها، أو صرَّح لكنْ من غير ذكر الحكم الذي يدور مدارها؛ في حين أنّ العلة هي الوصف الذي أُنيط به الحكم، بوجوده يوجد وبعدمه ينعدم، فهي مظنّةٌ لتحقيق المصلحة المقصودة للشارع، وليست هي المصلحة بعينها([19]).

مقصد الشريعة

هو اصطلاحٌ مركَّب، ذكروا له ثلاثة استعمالات، تَبَعاً لما أُريد منه من مفهوم الشريعة، لذا سيتمّ ذكر الاستعمال الذي يتناسب مع البحث.

المرادُ من مقصد الشريعة أهدافُ الله تعالى من تشريع المقرَّرات الاعتباريّة والعمليّة في دين الإسلام، ومن البديهي أن يكون المراد من «الشريعة» في هذا الاستعمال هو «أحكام الإسلام»([20]).

بعدما اتَّضح معنى حكمة تشريع الحكم والمقصد منه وعلّته يأتي الحديث عن فلسفة وحكمة تشريع المهر. والآيات القرآنية التي تحدَّثَتْ عن المهر لم تصرِّح عن علّة تشريعه، على غرار بعض الآيات الأخرى التي تحدَّثت عن علل الأحكام. نعم، لقد صرَّحَتْ الروايات عن علّة وجوبه على الرجال، والسبب الموجب لاستحقاق المرأة كامل المهر هو الدخول؛ باعتبار أن المرأة تملك تمام المهر بالعقد، ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول. ولكنْ نستشفّ من الروايات خصوصيّةً ما لإبراز الحكم، إلاّ أن المقصد الحقيقي خافٍ ومُبْهَمٌ، في حين أن العلماء ذكروا في فلسفة تشريع المهر عدّة أمور، اعتبروها جزءاً من الهدف والغاية من تشريع المهر، وهي:

1ـ المهر مقابل الاستمتاع: كما ذهب الفقهاء([21])، وتبعاً لما ورد في روايات أهل البيت^: «إنّما يشتريها بأغلى الثمن»([22]).

والمستفاد من كلمات الفقهاء أنّ المقصود من ملكية الزوج لبضع الزوجة هو حقّ الاستمتاع به.

وذكر الشيخ الطوسي هذه المسألة فقال: «إذا تزوَّج الرجل امرأةً بمهرٍ معلوم ملكَتْ المهر عليه بالعقد، وملك هو البضع في الوقت الذي ملكَتْ عليه المهر؛ لأنّه عقد معاوضةٍ، فملك كلّ واحدٍ منهما على صاحبه في الوقت الذي ملك صاحبه عليه. وإنْ خالعها بعد هذا بعوضٍ، وبذلَتْه له، ملك العوض الذي عقد الخلع به، وزال ملكه عن بضعها في الوقت الذي ملك العوض عليها، ولا يقال: زال بضعها إليها فملكته؛ لأنّها لا تملك بضعها، فإنّ البضع عبارةٌ عن الاستمتاع…»([23]).

2ـ المهر هديّةٌ: من جملة ما ذهب إليه العلماء في فلسفة تشريع المهر أنه هبةٌ شُرِّعَتْ من أجل تقوية عُرى الألفة وأواصر المحبّة بين الزوج والزوجة، وأن يبقى الحبّ والوداد مستقرّاً ومستمرّاً إلى الأبد. وتشريع المهر بهذه الكيفية ينسجم مع‌ قانون الفطرة والطبيعة؛ فإنّ الحبّ والوداد بحَسَب هذا القانون هو أن يبدأ من الرجل، لا من المرأة، وأمّا حبّها له فهو ردُّ فعلٍ لحبِّه، واستجابةٌ له. ويدلّ على كون المهر هبةً وهديّةً قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً([24]). ولقد تقدَّم تعريف النِّحْلة، أي عطاء بلا مقابل، أي بمعنى الهديّة أو الهبة.

3ـ المهر عاملٌ وقائي إزاء الطلاق: المهر غير النقدي عاملٌ وقائي إزاء الطلاق. ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل الشارع المقدَّس لا يعين له حدّاً، ولم يقُلْ بنوعٍ معين، بدءاً بالأمور التي تقتصر على الجانب المعنوي، مثل: «تعليم القرآن»، وانتهاءً بالمهور المادّية الغالية؛ حَسْب اختلاف الشرائط، وتفاوت الأفراد([25]).

4ـ المهر وثيقة تأمين مقابل الطلاق: لقد قيل في فلسفة المهر: بما أن الطلاق حقٌّ إيقاعي للرجل، فيستطيع أن يطلِّق زوجته متى أراد هذا الفعل، ففي المقابل شرَّع الله تعالى المهر؛ ليكون وثيقةً ماليّة للمرأة، تضمن استمراريّة حياتها بعد الطلاق، ريثما ترتِّب أمورها.

إلاَّ أن هذا الرأي مردودٌ عليه: إنه لو كان من جملة أهداف تشريع المهر أن يكون ضمانةً مالية للمرأة إذن لماذا حثَّتْ الشريعة على تقليل المهور؟! ولماذا جعل الرسول| مهر زوجاته وابنته الزهراء÷ متواضعاً؟! ولماذا شجَّع النساء على إبراء الزوج من المهر؟! ولماذا قال الله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾؟!([26]).

فلسفة المهر في القانون الإيراني

إنّ الحديث عن فلسفة المهر في القانون الإيراني هي مثل فلسفة تشريع بقية المواد القانونية الأخرى، والتي تكون خاضعةً للفقه الإمامي، فتكون العلّة الرئيسة لتشريع المواد القانونية هو تنظيم علاقات الناس في الدولة الإسلامية([27]). وبالتالي يمكن أن نفهم أنّ فلسفة تشريع قانونٍ حقوقيّ يتعلَّق بالمهر هو من أجل تنظيم حياة الأسرة الإيرانية، وحمايتها، والحفاظ على حقوق المرأة.

حقيقة المهر في الفقه الإمامي

ذكر العلماء بعض الأمور حول المهر، يمكن أن تعتبر من مقوِّماته وحقيقته، وهي:

 كلّ ما يصحّ أن يملكه‌ المسلم، عَيْناً كان أو منفعةً، لعقارٍ أو حيوانٍ أو إنسانٍ، عبدٍ أو حُرٍّ، ولو الزوج نفسه؛ للأصل، والمعتبرة المستفيضة في تحديد الصداق بما تراضيا عليه، وأن المنساق منها ذلك بالنسبة إلى الكثرة والقلّة، فقد ورد في صحيح الكناني: «سألتُه عن المهر، ما هو؟ فقال: ما تراضى عليه الناس»([28])؛ وصحيح زرارة، عن أبي جعفر×: «الصداق كلّ شي‌ءٍ يتراضى عليه الناس، قلَّ أو كثر»([29])؛ ‌وصحيح فضيل، عنه× أيضاً: «الصداق ما تراضى عليه الناس، من قليلٍ أو كثير، فهو الصداق»([30])([31]).

كلّ ما يملكه المسلم يصحّ جعله مهراً؛ عَيْناً كان أو دَيْناً أو منفعةً لعينٍ مملوكةٍ، من دارٍ أو عقارٍ أو حيوانٍ. ويصحّ جعله من منفعة الحُرّ، كتعليم صنعة ونحوه من كلّ عملٍ محلَّلٍ، بل الظاهر صحّة جعله حقّاً ماليّاً قابلاً للنقل والانتقال، كحقّ التحجير ونحوه. ولا يتقدَّر بقَدْرٍ، بل ما تراضى‌ عليه الزوجان، كثيراً كان أو قليلاً، ما لم يخرج بسبب القلّة عن الماليّة. نعم، يستحبّ في جانب الكثرة أن لا يزيد على‌ مهر السُّنَّة، وهو خمسمائة درهم([32]).

ومن متفرِّعات حقيقته:

1ـ بالنسبة إلى العقد الدائم: ذكر العلماء في ما يرتبط بحقيقة المهر بأنّه ليس شرطاً في صحّة عقد النكاح الدائم، وإنما يعتبر من التوابع؛ لأنه ليس ركناً في العقد؛ لأنّ عقد النكاح لا يخلو منه في الواقع؛ لأنّ النكاح إذا كان مع الدخول لا يخلو من مهرٍ ـ وإنْ كان مهر المِثْل ـ؛ بالإجماع، وبصريح النصوص؛ فإنّ هبة النفس من ناحية المرأة ـ أي العقد بدون مهرٍ مطلقاً ـ باطلٌ بالإجماع، وقد صرَّحوا بأنّ ذلك من خصائص النبيّ|، وقد ورد في آية الأحزاب: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ…﴾ (الأحزاب: 33)([33]).

2ـ بالنسبة إلى العقد المؤقَّت: يعتبر المهر شرطاً فيه خاصّةً، فلو أخلَّ به بطل العقد. ويشترط الملكية والعلم بقَدْره، كَيْلاً أو وَزْناً أو مشاهدةً أو وصفاً. ولا حَدَّ له قلّةً وكثرةً. ويجب دفعه بالعقد، فإنْ دخل استقرّ إنْ وَفَتْ بالمدّة؛ وإنْ أخلَّتْ ببعضها وضع منه بنسبتها. ولو وهبها المدّة قبل الدخول لزمه النصف([34]).

حقيقة المهر في القانون الإيراني

 إن حقيقة المهر في القانون الإيراني تكون تَبَعاً للفقه الإمامي، لذلك ينصّ القانون المدني، في مادّته 1078، على أنّ «كلّ ما له ماليّة، ويكون قابلاً للتملُّك، يمكن جعله مهراً».

 بناءً على تلك المادّة المطبَّقة في القانون المدني الإيراني يمكن القول: إنّ المهر؛ تَبَعاً لعقد النكاح، يجب أن يكون له ماليّةٌ، وبالتالي يصبح ملكاً للمرأة، أو حقّاً من حقوقها، أمّا الأشياء الفاقدة لوصف المالية فلا تصلح أن تكون مهراً.

شرائط المهر في الفقه الإمامي

1ـ يشترط في المهر أن يكون ممّا يملكه المتعاقدان، فلا يصحّ العقد للمسلم على الخمر والخنزير. ويشترط كونه مملوكاً للعاقد، فلو عقد لنفسه على مال الغير لم يصحّ؛ لامتناع أن يملك البضع بمال غيره، ولا أثر لرضا المالك بعد العقد.

2ـ يشترط العلم بقَدْره، بالكَيْل أو الوَزْن في المكيل أو الموزون، وبالمشاهدة فيهما وفي غيرهما([35]).

3ـ يشترط تعيين المهر، فإنْ أبهم ثبت مهر المِثْل مع الدخول، والمتعة مع الطلاق قبله. ويكفي في المهر مشاهدته إنْ كان حاضراً([36]).

شرائط المهر في القانون الإيراني

ينصّ القانون الإيراني على أن المهر لا يعتبر أساساً ومقوِّماً لعقد الزواج، إلاّ أنه يعتبر من متفرِّعاته، وله شرائطه الخاصة به، ولا بُدَّ من مراعاتها حين إجراء عقد الزواج، وهي:

1ـ يشترط في المهر أن يكون له ماليّة، وقابلا للتملُّك [المادّة 1078].

2ـ يجب تعيين المهر ورفع الجهالة بحيث يكون معلوماً عند الطرفين المتعاقدين [المادة 1079].

أحكام المهر في الفقه الإمامي

لقد ذكر العلماء أحكاماً متعلِّقة بالمهر، وهي:

1ـ تمليك المهر: تملك المرأة المهر بالعقد([37])؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ﴾ (النساء: 4). وينتصف بالطلاق؛ بالنّص والوفاق، والأول متواترٌ معتضدٌ بنصّ الكتاب: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾.

2ـ استقرار المهر: يستقرّ المهر بأحد أمور أربعة: بالدخول، وهو الوطء قُبُلاً أو دُبُراً([38])؛ وبردّة الزوج عن فطرةٍ؛ وبموت الزوج([39])؛ وبموت الزوجة؛ لصحيحة زُرَارَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ولَمْ يَدْخُلْ بِهَا؟ قَالَ: إِنْ هَلَكَتْ أَوْ هَلَكَ أَوْ طَلَّقَهَا فَلَهَا النِّصْفُ، وعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَمَلاً، ولَهَا الْمِيرَاثُ»([40]). ولا يسقط معه ولو لم يقبض. ولا يستقرّ بمجرّد الخَلْوة على الأشهر؛ للأصل؛ وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾. والنصوص المعتبرة به مستفيضةٌ، منها: خبر يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، فَأَغْلَقَ بَاباً، وأَرْخَى سِتْراً، ولَمَسَ وقَبَّلَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَيُوجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ؟ قَالَ: لا يُوجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ إِلاَّ الْوِقَاعُ»([41])([42]).

3ـ ضمان المهر: فهو مضمونٌ في يد الزوج، فلو تلف رجعَتْ عليه بقيمته([43]).

أـ أحكام المهر قبل الدخول

 ذكر الفقهاء جملةً من الأحكام المتعلِّقة بالمهر قبل الدخول، وهي:

1ـ إذا تزوّج الرجل المرأة، ولم يسمِّ لها مهراً، وقدَّم إليها شيئاً قبل الدخول، كان ذلك مهرُها، ما لم يشترط قبل الدخول أنّ المهر غيرُه؛ بكونه بعض المهر أو مبايناً له([44]).

2ـ إذا طلَّق قبل الدخول رجع بالنصف إنْ كان أقبضها؛ أو طالبت بالنصف إذا لم يكن أقبضها. ولا يستعيد الزوج ما تجدَّد من النماء بين العقد والطلاق، متصلاً كان، كاللبن، أو منفصلاً، كالولد([45]).

3ـ لو كان النماء موجوداً وقت العقد رجع بنصفه، كالحمل. ولو كان تعليم صنعةٍ أو علمٍ، فعلَّمها، رجع بنصف أجرته. ولو أبرأَتْه من الصداق رجع بنصفه([46]).

ب ـ اختلاف الزوجين في المهر

لو اختلف الزوجان في أصل المهر، بأن ادَّعته المرأة، وأنكره الزوج، فالقول قول الزوج بيمينه، إنْ كان الاختلاف قبل‌ الدخول؛ وكذا لو كان بعد الدخول. ولو ادّعى أحد الزوجين التفويض، والآخر التسمية، فالأظهر أنّ القول قول مدَّعي التفويض([47]). ولو اختلفا في المقدار فإنّ القول قول منكر الزيادة مطلقاً([48]). وكذا لو خلا بها فادَّعَتْ المواقعة، وأنكرها الزوج، كان القول قوله بيمينه.

ج ـ حقّ المنع من التمكين قبل قبض المهر

للمرأة أن تمنع من تسليم نفسها إلى الزوج حتى تقبض مهرها([49]).

أحكام المهر في القانون الإيراني

الأوّل: تعيين المهر منوطٌ بتراضي الطرفين [المادّة 1080].

الثاني: تمليك المهر: وتبعاً للفقه الإمامي أدرج في القانون المدني مادّة تنصّ على أنّ المرأة تملك المهر بالعقد، وهذا التملك لا يستقرّ إلاّ بعد الدخول [المادّة 1082]. وبموجب [المادّة 2] للتعديل في اللوائح التنفيذيّة للقانون الإيراني ألحقت بـ [المادّة 1082] مواد حقوقية متفرّعة عليها، لم يتعرّض لها الفقه الإمامي، فهي حقوقٌ مدنية موضوعة من قِبَل المشرِّعين القانونين في إيران، تمّت الموافقة عليها سنة 1377هـ.ش. وبطبيعة الحال فإن هذه المواد المنصوص عليها لا تتنافى مع أحكام الشريعة؛ باعتبار أن القانون المعتمد في إيران هو القانون الإسلامي وفق المذهب الشيعي الاثني عشري. وهذه المواد التي أُلحقت بالمادة 1082 هي:

1ـ إذا كان المهر مما تتفاوت قيمته مع تغيُّر الزمان، وبناءً على طلب أحد الزوجين، فإن هذه المادّة تنصّ على أن احتساب قيمة المهر عند دفعه تكون مطابقةً لسنة وقوع العقد [المادّة 1].

 ملحوظة: في حال توافق الزوجان على خلاف هذه المادّة فإنّ الحكم القانوني الوضعي يطبّق على طبق ما توافق عليه الزوجان.

2ـ وطريقة احتساب المهر اذا كان مما تتغيَّر قيمته مع الزمان تكون كالتالي: إنّ مؤشر السعر المتوسط في سنة العقد يقسّم على الرقم القياسي لقيمة المهر في سنة العقد، مضروباً على المهر المنصوص عليه في العقد [المادّة 2].

3ـ إذا كان الزوج متوفّىً يُخْرَج المهر من تَرِكَته، وتحسب قيمة المهر طبق القيمة الفعليّة لسنة موت الزوج [المادّة 3].

4ـ بموجب [المادّة 4] يكلَّف البنك المركزي الإيراني بالقيام بالأمور التالية:

أـ إعداد مؤشِّرات أسعار السنوات السابقة، وتقديمها للقضاء، قبل تنفيذ الحكم القانوني.

ب ـ يجب سنويّاً تهيئة الأرقام القياسية للأسعار المتعلِّقة في كلّ سنةٍ، ويتمّ إعلانها للقوّة القضائية، بمدّةٍ أقصاها نهاية شهر خرداد (حزيران).

5ـ تلزم المحاكم والدوائر الإدارية لتسجيل العقارات والأملاك حَسْب مقدار المهر، ويطبق وفق المادّة 2، كما تقدَّم، أما بالنسبة الى تغيير المؤشِّر القياسي لقيمة المهر فيطبق الحكم الوضعي الذي نصَّتْ عليه المادّة 4 [المادّة 5].

6ـ تنصّ هذه المادّة انه بإمكان الزوج دفع جزءٍ من المهر إلى مدّةٍ معيَّنة أو تقسيطه على دفعاتٍ [المادّة 1083].

7ـ إذا كان المهر عَيْناً معينة ومعلومة، إلاّ أنه حدث فيه عَيْبٌ قبل العقد أو بعده، أو تلف، فيكون الزوج ضامناً له [المادّة 1084].

8ـ إذا كان المهر حالاًّ يحقّ للمرأة ان تمتنع عن القيام بواجباتها تجاه زوجها إلى أن تستلم المهر، وهذا الامتناع لا يسقط حقَّها في النفقة [المادّة 1085].

9ـ إذا مكَّنَتْ الزوجة نفسها باختيارها قبل استلام المهر فلا يعود لها حقُّ الاستفادة من المادّة 1085، إلاّ أنه لا يسقط حقُّها في المطالبة بالمهر [المادّة 1086].

3ـ تعيين المهر منوطٌ بتراضي الطرفين [المادّة 1080].

مقدار المهر في الفقه الإمامي، بين الإطلاق والتقييد

اتفق الفقهاء أنه لا حَدَّ لأكثر المهر، وإنْ اختلفوا في تحديده من ناحية القلّة. إلاّ أنه يظهر من رسالة المهر، للشيخ المفيد، أن هناك اختلافاً في تحديد المهر كثرةً أيضاً؛ فقد صرّح الشيخ المفيد أنّ هناك مَنْ قال بتحديد المهر في عقد الزواج الدائم، فكتب رسالته هذه للردّ عليه؛ كما أنه يظهر من السيد المرتضى، بل هو صريح كلامه([50])، أن المهر يتحدَّد من ناحية الكثرة، وأنه لا يتجاوز مهر السنّة، وهو 500 درهم جياداً، فما زاد على ذلك رُدَّ إلى هذه السنّة.

ومن هنا لا بُدَّ من البحث في مسألة تحديد المهور، قلّةً وكثرةً:

أـ مقدار المهر من حيث القلّة

أما من حيث الكمّية فلم يحدِّد الإسلام للمهر حدّاً معيَّناً من حيث الكثرة والقلّة، بل المدار فيه هو رضا الزوجين، فمتى تراضيا على شي‌ءٍ ـ مهما كان ـ فهو المهر.

وقد جاءت هذه الحقيقة على لسان أئمّة أهل البيت^، بقولهم: إنّ المهر ما تراضى عليه الناس.

 وهذا النصّ مطلقٌ في ظاهر لفظه، يشمل جميع أنواع النكاح، الدائم منه والمنقطع ـ الذي يُسمّى بالمتعة ـ([51])، يكفي فيه ما تراضى به الناس، كما ورد في الروايات عن أئمّة أهل البيت^ بأنّ المهر عبارةٌ عمّا تراضى عليه الناس([52]). فهذه الأخبار تنطق بأن كلّ ما تراضى عليه الزوجان، من قليلٍ أو كثيرٍ، فهو المهر؛ لأن كمّية المهر تتعلَّق برضاهما، كائناً ما كان؛ ولأن الله تعالى فرض الصداق ولم يحدّ فيه حدّاً بقليلٍ ولا كثير، فما وقع عليه رضاهما فإن ذلك يُسمّى مهراً.

والدليلُ الآخر على أن ليس للمهر حدٌّ يعقد عليه النكاح ـ إذا جاوزوا ذلك الحدّ لا ينعقد النكاح، أو إذا عُقد النكاح على شي‌ءٍ دون بلوغ ذلك الحدّ فلا ينعقد النكاح والمهر بخلاف السنّة ـ إلاّ برضا الزوجين، هو أن الرجل إذا تزوَّج امرأةً، ولم يفرض لها مهراً، فطلَّقها أو مات عنها قبل أن يدخل بها، فلا مهر لها، وهي امرأته، ترثه ويرثها إنْ ماتت هي، كما في الحديث عن الصادق×([53])، فلو كان للمهر حدٌّ معروف لوجب على هذا الذي لم يفرض المهر عند عقدة النكاح توفير المهر المتعارف بين الناس، وإنْ لم يسمِّه عند النكاح، كما يلزم المتمتِّعين شروط المتعة إذا نسُوا ذكر بعضها عند عقد النكاح؛ لأن شروط المتعة معروفةٌ متعارفة بيننا. وهذا دليلٌ واضح.

وأما الحديث الذي رُوي عن الصادق× أنه قال: «مَا زَوَّجَ رَسُولُ اللهِ| سَائِرَ بَنَاتِهِ، ولاَ تَزَوَّجَ شَيْئاً مِنْ نِسَائِهِ، عَلَى أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أوقِيَّةً ونَشٍّ. الأوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ، والنَّشُّ عِشْرُونَ دِرْهَماً»([54])، فكان ذلك خمسمائة درهم، فلا ينقض ما ذكرناه؛ لأن رسول الله| فعله استحباباً، بل تواضعاً لله تعالى، ورحمةً على أمّته؛ ليؤجر المقتدي به([55]).

فتبين أنه لا خلاف عند فقهاء الإمامية في عدم تحديد المهر من حيث القلّة. نعم، وقع الخلاف عند المذاهب الإسلامية الأخرى؛ فمنهم: مَنْ ذهب إلى تحديده؛ ومَنْ اختلف في تحديده اختلف في مقداره.

ب ـ تحديد المهر من حيث الكثرة، الأقوال والأدلة

أوّلاً: الأقوال

1ـ لا حدّ للمهر

ذهب مشهور فقهاء الإمامية إلى أنّ المهر لا يتحدَّد من حيث الكثرة، فيجوز العقد على أكثر من مهر السنّة، أضعافاً مضاعفة.

2ـ مهر السنّة

 وفي مقابل المشهور ذهب بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ المفيد والسيد المرتضى إلى أنّ المهر يتحدَّد كثرةً بمهر السنّة، ولا يجوز تجاوزه. وأمّا ما ورد مطلقاً فقد خصّه المعاصر للشيخ المفيد بالنكاح المنقطع، وأمّا في العقد الدائم فالمهر ليس مطلقاً من حيث الكثرة، وإنما هو مقيَّد بمهر السنّة.

ثانياً: الأدلّة

1ـ أدلّة غير المشهور

ويمكن أن يستدلّ لقول غير المشهور على هذا التفصيل بما ورد في رواية محمد بن مسلم قال: «سألتُ أبا عبد الله×: كم المهر ـ يعني في المتعة ـ؟ فقال: ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل»([56]).

فظاهر هذا الحديث أنّه خاصٌّ بالمتعة؛ لقوله: «يعني في المتعة»؛ ولذكره‌ الأجل، الذي لا يكون مع النكاح الدائم.

فدلّ على أن كفاية ما يقع عليه التراضي في المهر خاصٌّ بعقد المتعة، وبهذا الحديث تقيَّد الروايات المطلقة الواردة في الباب([57]).

وأمّا السيد المرتضى فقد استدلّ على أن المهر ليس مطلقاً من ناحية الكثرة، بل هو مقيَّدٌ بمهر السنّة، بما يلي:

أوّلاً: إجماع الطائفة([58]).

ثانياً: خبر المفضَّل بن عمر قال: دخلتُ على أبي عبد الله^ فقلتُ له: «أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه، قال: فقال: السنّة المحمّدية خمسمائة درهم، فمَنْ زاد على ذلك رُدّ إلى السنّة، ولا شيء عليه أكثر من الخمسمائة درهم»([59]).

ثالثاً: إن القول «مهر» يتبعه أحكامٌ شرعية، وقد أُجْمِع على أن الأحكام الشرعية تتبع ما قيل به (مهر السنّة) إذا وقع العقد عليه، وما زاد عليه (على مهر السنّة) لا إجماع على أنه يكون مهراً، ولا دليل شرعياً، فيجب نفي الزيادة([60]).

 

2ـ أدلّة المشهور

وأمّا المشهور فقد استدلّوا على إطلاق المهر من ناحية الكثرة بما يلي:

أوّلاً: قوله تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ (النساء: 20)، وعموم قوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ (البقرة: 237)، وقوله: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4).

ثانياً: ما ورد في صحيحة الوشّاء، عن الرضا×، قال: سمعتُه يقول: «لو أن رجلاً تزوّج امرأةً، وجعل مهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف، كان المهر جائزاً، والذي جعله لأبيها كان فاسداً»([61]).

ثالثاً: إنّ المهر نوعُ معاوضةٍ، فكانت تابعةً لاختيار المتعاوضين في القَدْر، كالمعاوضات الباقية([62]).

3ـ مناقشة أدلّة غير المشهور

ونوقشت أدلّة المانعين في مسألة الإطلاق في المهر من حيث الكثرة بما يلي:

ـ أمّا دليل المعاصر للشيخ المفيد فإنّ التقييد بالمتعة بقوله: «يعني في المتعة» إنّما جاء في سؤال الراوي، ولازم ذلك أن يكون إنّما خصّ سؤاله عن المهر في عقد المتعة؟ فلذا أجابه الإمام× بذكر الأَجَل([63]).

ـ وأمّا بالنسبة إلى السيد المرتضى فيمكن مناقشة استدلاله بما يلي:

 أمّا بالنسبة للإجماع المدَّعى فهو محتملُ المَدْرَكيّة، إنْ لم يكن معلوم المَدْرَكيّة.

وأمّا رواية المفضَّل فهي أوّلاً: ضعيفةٌ ـ على المشهور ـ بسهل بن زياد؛ وثانياً: لو سلَّمنا بتمامية سندها فإنها معارَضةٌ بما دلّ على عدم تقييد المهر بمهر السنّة، وأنه على ما تراضى عليه الزوجان؛ وبما أن هذا التعارض ليس مستقرّاً فيمكن حمل رواية المفضَّل على الاستحباب؛ وعلى فرض استقرار التعارض فالمرجع بعد التساقط قوله تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطاراً﴾، وهو يقتضي عدم التحديد.

وأمّا ما استدلّ به ثالثاً فبمنع عدم الإجماع عليه. وعلى فرض عدم الإجماع لا يلزم من نفي الإجماع نفي باقي الأدلّة([64]).

 

تحديد المهر كثرةً من سنخ الأحكام الولائيّة

ما تقدَّم من عرض الأدلة ومناقشتها هو وفق ما تقتضيه الصناعة العلمية الفقهية، إلاّ أنه يمكن أن يقال بأن ما ورد من أخبارٍ في تحديد المهر من ناحية الكثرة بمهر السنّة، وهو (500 درهم)، وأنّ ما زاد عنها فيردّ إليها، يمكن أن يحمل على كونه حكماً ولائيّاً من قِبَل الإمام×؛ نظراً لما تقتضيه بعض الظروف والملابسات القاضية بوضع حدٍّ للمهر.

ولمزيد توضيحٍ لهذه الفكرة نقول:

1ـ إنّ عدم تحديد المهر من حيث الكثرة، وترك ذلك إلى العُرْف، خلَّف آثاراً سلبيّةً على نفس النكاح الذي حثَّتْ عليه الشريعة المقدَّسة ـ بل يعتبر واجباً في كثيرٍ من الحالات ـ، وبسبب غلاء المهور عزف كثيرٌ من الشباب عن الزواج، ورجَّحوا العزوبية، التي تخلِّف نتائج سيّئة جدّاً على الفرد والأسرة، بل المجتمع الإسلامي بأَسْره.

2ـ إن عدم قدرة الأزواج على دفع المهور أدّى إلى:

أـ ازدياد عدد نزلاء السجون، وترك الأسرة بلا وليٍّ يقوم بحمايتها، وإيجاد حالةٍ نفسيّةٍ سيّئة عند الأطفال؛ بسبب وجود الأب في السجن.

ب ـ ازدياد معدّل الطلاق، الذي ينتج عنه أطفالٌ حيارى بلا والدين، وبالتالي حلول أحد الأقرباء محلّ الأب أو الأمّ؛ للقيام بمهمّة حضانتهم ورعايتهم، والتي ينتج عنها آثارٌ وخيمة على الفرد والمجتمع.

3ـ إن المهر، الذي تمّ إنشاؤه للمساعدة في تأسيس وتقوية الرابطة الزوجية، صار اليوم إحدى المشاكل الرئيسة في المجتمع، واستخدمه بعض الاستغلاليين بطريقةٍ غير لائقة؛ من أجل تحقيق أهداف مالية؛ وذلك عبر التطبيق غير الصحيح لبعض الآيات والروايات والموادّ الحقوقية للقانون المدني الإيراني.

4ـ بسبب ابتعاد المجتمع الإسلامي عمّا ورد في الروايات حول التأكيد على المهر القليل؛ لما له من آثار إيجابية على الزوجين، وبناءً على ما هو الملموس واقعاً من الآثار السلبية التي يشعر بها كلّ شابٍّ وفتاة، وكلّ زوجٍ وزوجةٍ، سوف تحلّ الرهبانية والعزوبية وغيرها من الانحرافات مكان الزواج وتكوين الأسرة، الذي حثَّتْ عليه الشريعة عبر عددٍ كبير من الروايات المذكورة في الكتب الحديثية. وهذا سوف يؤدّي ـ إنْ لم يتمّ تحديد المهر ووَضْع حدٍّ لغلاء المهور ـ إلى حمل هذا الكمّ الكبير من الروايات على الفرد النادر، وهذا مستَهْجَنٌ عُرْفاً، ويقبح حمل هذه الروايات عليه.

وبما أنه لا يمكن العمل بهذه الروايات في ظلّ المهر غير المقيّد إذن لا بُدَّ من حلٍّ لهذه المعضلة التي تهدِّد أغراض الشارع، بحيث تكون المحافظة على الروايات الدالّة على أن المهر مطلقٌ وغيرُ مقيَّد ناقضةً لغرض الشارع، ومضيِّعةً لمقصده وهدفه من تشريع الزواج، وهنا يجب على الحاكم (أو الوليّ الفقيه) أن يتدخَّل من باب ولايته، ولو من خلال العنوان الثانوي، فيحدِّد مقدار المهر من ناحية الكثرة، بحيث لا يتنافى مع مقصدية الحفاظ على كرامة المرأة، ولا يؤدّي إلى تعجيز الزوج. وحمل الروايات الدالة على التحديد على كونها ضَرْباً من الحكم الولائي هو نوعٌ من الجَمْع بين الروايات، بناءً على نظرية الجَمْع الاستنباطي، أو كما يمكن أن يعبَّر عنه بالجَمْع الضوابطي والقواعدي.

والنتيجة من كلّ ما ذُكر هي أن المصلحة العامة والحفاظ على النظام الإنساني ـ وعلى الأقلّ في ظلّ الظروف الاقتصادية الخاصّة ـ يحتِّم وضع حدٍّ لمهر الزواج من ناحية الكثرة.

إطلاق المهر وقاعدة نفي العُسْر والحَرَج

والكلام يدور حول العُسْر والحَرَج من حيث تأثيره على المجتمع.

وبحَسَب الفرض فإن الحَرَج المسبَّب عن ارتفاع المهور لا يخفى على أحدٍ.

والمراد من العُسْر والحَرَج هنا كلّ أقسامه، بما في ذلك الحَرَج النفسي والعُسْر البدني. وبيان ذلك:

أوّلاً: العُسْر البدني أو المالي: هو ما كان تأثيره واقعاً على البدن، في الحال أو المال، كالدخول في الأعمال الشاقّة ذات التأثير المباشر على القوّة البدنية الظاهرة، كالدوام على العمل بلا راحةٍ، مما يسبِّب تأثيرا سلبيّاً على بدن الإنسان.

ثانياً: الحَرَج النفسي أو المعنوي: هو ما كان تأثيره واقعاً على النفس، كمَنْ يقوم بعملٍ فيندم على ارتكابه، فإن هذه الأمور تحدث قلقاً وألماً في النفس.

وكلّ ما تقدَّم من العُسْر والحَرَج، على المستوى الشخصي أو النوعي، وعلى المستوى البدني والنفسي والمالي، فهو منفيٌّ بالآية والرواية. إذن، بما أنّ المهر غير المقيد والمطلق من حيث الكثرة يلزم منه ما ذُكر من العُسْر والحَرَج، ومن الواضح أن العُسْر والحَرَج لم يأتيا من أصل المهر، وإنما جاءا من ناحية إطلاقه وعدم تحديده، فلا بُدَّ من تحديده ورفع إطلاقه؛ إذ هو ما يلزم منه الحَرَج، فبتقييده ووضع حدٍّ له يُنْفَى العُسْر والحَرَج، ويبقى أصل فرض المهر على حاله. وبما أن الروايات قد ندبَتْ إلى جعله وتحديده بمهر السنّة فمن المناسب ان يجعل المهر من حيث الكثرة بنحوٍ لا يتجاوز مهر السنّة. وهذا المقدار بحَسَب ما هو المشاهَد والمعاصَر يناسب أغلب الرجال، ولا يوقعهم في عَجْزٍ بدني أو نفسي أو مالي، كما أنه لا ينافي المحافظة على كرامة المرأة؛ فهذه مهور زوجات النبيّ| وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء÷ كانت بهذا المقدار.

إطلاق المهر وقاعدة لا ضَرَر

والمراد بالضَّرَر المبحوث عنه هنا الضَّرَر الناجم عن إطلاق المهر من حيث الكثرة، الذي يسبِّب خسارةً مالية وجسدية، وضَرَراً معنوياً للأزواج بصورةٍ خاصّة، وللأُسَر بصورةٍ عامّة. وهذه الأضرار تكمن في ما يلي:

 ـ على مستوى الخسارة المالية: إن إلزام الرجال متوسِّطي الحال والفقراء المقبلين على الزواج بأن يتعهَّدوا بدفع مهرٍ خياليّ وتعجيزيّ ـ هو من شأن الأثرياء فقط ـ يسبِّب للزوج خسارةً ماليّةً جسيمةً.

 ـ على مستوى الضَّرَر الجَسَدي: يضطر الزوج أن يقضي كلّ عمره وهو يعمل ليلاً ونهاراً من أجل تأمين مهر زوجته؛ كي تبرأ ذمّته.

 ـ على مستوى الضَّرَر النفسي: من خلال منع الاستقرار والتوازن؛ بسبب القلق الشديد، والخوف من دخول السجن؛ جرّاء المطالبة بالمهر، والهاجس من المساس بشرف وكرامة أو سمعة الزوج.

وبالنظر إلى العرض المتقدِّم للضَّرَر، المتعدِّد ومحقَّق الوقوع، الناجم عن إطلاق المهر وعدم تقييده، فهو ضَرَرٌ معتدٌّ، شرعاً وعقلائياً، وإن قاعدة لا ضَرَر تنفي إطلاق المهر وعدم تحديده بحدٍّ مقبول.

 

إطلاق المهر واختلال النظام

إن إطلاق المهر وعدم تقييده بحدٍّ معيّن كان عاملاً في إيجاد اختلال في النظام الاجتماعي والأُسَري والمالي. وتوضيح ذلك بما يلي:

ـ على المستوى الاجتماعي: إن فئةً كبيرة من الشباب أعرضَتْ عن الزواج بسبب عدم القدرة على تأمين المهر، وتعتبر هذه الظاهرة خطيرةً جدّاً، وتوجب اختلالاً في النظام الاجتماعي.

ـ على المستوى الأُسَري: إن الزوجة، التي خلقها الله لتكون سَكَناً ومودّةً ورحمةً، تحوّلَتْ إلى عنصرٍ استغلاليّ، تتاجر بمهرها، الذي شُرِّع بالأساس لحفظ كرامتها، تضحّي بزوجها وأطفالها من أجل الحصول على المال، وبالتالي صارت الزوجةُ مصدر تهديدٍ وخوف، لا سَكَناً ومودّةً، كما أرادها الله.

ـ على المستوى المالي: إن غلاء المهور بهذا الشكل يسهم بشكلٍ كبير في عدم التنمية الاقتصادية في نفس البلد التي تعارف فيها ارتفاع المهور؛ فإنّ سعي الأزواج إلى تجميع المال من أجل تأمين مهر الزوجة يسبِّب تكديس كمّيةٍ كبيرةٍ من الأموال، وعدم استثمارها، مما يؤثِّر سَلْباً على العامل الاقتصادي للدولة الإسلامية.

إنّ السكوت عن هذه الظواهر الخطيرة يوجب اختلالاً في النظام، وهو غير جائزٍ شرعاً؛ لقبح التكاليف الموجبة لاختلال النظام؛ لأن المقصد الأسمى والأقصى للشارع المقدَّس من تكاليفه ليس إلاّ حفظ النظام.

تحديد المهر في القانون المدني الإيراني

إن تحديد مقدار المهر في القانون المدني الإيراني يكون تبعاً للفقه الإمامي، وبما أنّ رأي مشهور الفقهاء هو إطلاق المهر وعدم تقييده، وبما أن تحديد مقداره مرتبطٌ بالطرفين، كذلك فإن المادّة 1080 تنصّ على أنّ تحديد المهر منوطٌ بتراضي الطرفين. ومن هنا لم يذكر القانون المدني الإيراني مادّةً تنصّ على مقدارٍ معين، ولذلك نجد جرأةً منقطعة النظير في إيران على طلب المهر الخيالي والتعجيزي في أغلب الحالات.

 

تشريع قيمةٍ معيَّنة للمهر

ففي ظل التقلُّبات والانعطافات لقانون حماية الأسرة، وبعد مضيّ سنواتٍ قليلة على الموافقة النهائية على قرار البرلمان حول مشروعية تحديد المهر، ينصّ قانون الإحالة الحكومي على ما يلي:

ـ يجب على الحكومة العمل برويّةٍ، من خلال المؤسَّسات الثقافية، لتعزيز ثقافة الزواج، ومراعاة المهور العُرْفية. ويعلن مقدار المهر حَسْب الوضع الاقتصادي العام كلّ ثلاث سنوات من قِبَل رئيس القضاء. إذا كان المهر وقت العقد متعارفاً عليه ومقبولاً، وامتنع الزوج عن دفعه، عندئذٍ يخضع لقانون العقوبة؛ أما إذا كان المهر أغلى قيمةً من المقدار المتعارف عليه في سنة العقد فإن الزوج يبرأ من الدفع، ولا يخضع للعقوبة.

وللأسف فإن هذه المادة التي تحدِّد سقفاً معيَّناً للمهر أُلغيَتْ من قِبَل الهيئة الحقوقية والقضائية. وفي المقابل قام المسؤولون بخطوةٍ معاكسة، وهي إلحاق مذكرةٍ إيضاحيّة بـ (المادّة 1082)؛ من أجل الحدّ من تدنّي المهر، وبالتالي ترك تحديد سقف مفتوح للمهر، حيث يمكن أن يعتبر هذا نوعاً من التشجيع على رفعه([65]).

ومع ذلك ـ وفي محاولةٍ لوضع حدٍّ لهذه المعضلة التي تسبَّبت بوضع الأزواج في السجن، وزيادة معدَّل الطلاق ـ لجأ المشرِّعون، من خلال تناول المادّة 34 من قانون حماية الأسرة مسألة تحديد المهر بقيمةٍ معيَّنة، إلى تأكيد أن ما يزيد عن تلك القيمة غير معتَرَفٍ به من قِبَل القانون، ومعدَّل قيمة المهر ما يعادل 110 عملات معدنية. وبموجب المادّة 2 من قانون تنفيذ الأحكام المالية تكون العقوبة بالسجن للزوج في حال لم يلتزم بدفع المهر ذي المقدار المذكور، أمّا إذا تجاوز المهر هذا المقدار فيبرأ الزوج من الدفع.

وقد تعرَّض هذا التشريع الحقوقي لجملةٍ من الانتقادات، حيث قالوا في هذا المجال: إنّ تحديد المهر من قِبَل الحقوقيين قد يحلّ المشكلة في دائرةٍ ضيّقةٍ جدّاً، لذلك فالسجون الإيرانية ما زالت مليئةً بالأزواج الذين لم يتمكَّنوا من دفع المهر، ومع إقرار مثل هكذا قانون ما زال باب السجن مفتوحاً أمام الكثير من الرجال؛ لأن 110 قطع معدنية ـ ذهبية كما هو المتعارف ـ ليس بالمبلغ القليل بالنسبة إلى أفراد المجتمع الإيراني.

وإنّ مسألة حبس الرجال بهذه الطريقة يعتبر شَكْلاً من أشكال الضغط من أجل النساء، مشيراً إلى أن الذين أصدروا هذا القانون كان بإمكانهم البحث عن حلٍّ أفضل، واقتراح نوعٍ جديد من العقد المالي بين الزوج والزوجة. وعلى سبيل المثال: لو ناقشوا مسألة مهر السنّة، الذي حثَّتْ عليه الروايات([66]).

وفي هذا الصدد، وبناءً على الموافقة على هذا القانون، سيتمّ إلغاء تحديد المهور المرتفعة إلى حدٍّ ما، إلاّ أنه في الأساس لم يكن المهر المرتفع قادراً على ضمان استمرار الحياة الزوجية، ولم يسبِّب سوى المتاعب للرجال؛ لأنه من الناحية العملية لم تحقِّق المرأة شيئاً على المستوى الأُسَري، وإنما سمح لها بأن تفكِّك الأسرة، وجعل الزوج أسيراً لها؛ لأنه مرغمٌ على تأمين قطعةٍ أو قطعتين من السكك الذهبية في الشهر، وهذا ما يتعارض مع المادّة 1104، التي تنصّ على أنّه من واجب الزوجين تشييد أركان الأسرة، وأنّ من واجب الأزواج أن يساعدوا بعضهم البعض في بناء أسس الأسرة وتربية أطفالهم. وأين هذا التشييد في ظلّ إرهاق الزوج بأن يكون خالص تعبه لزوجته؟! ويمكن القول أيضاً: إن ارتفاع المهور بهذا الشكل يسبِّب بعدم إمكانية تطبيق المادّة 1105، التي تنصّ بأن إدارة البيت من شؤون الزوج؛ لأنّ خوف الزوج من مطالبة زوجته بالمهر تجعله أسيراً أو عبداً لزوجته، ممّا يضعف دَوْره كمسؤولٍ عن الأسرة.

نتائج البحث

1ـ إنّ فلسفة المهر هو أنه حكمٌ مجعول على أساس ملاكاتٍ معيَّنة، توجد حكمةٌ وعلّةٌ من وراء تشريعها؛ باعتبار أفعال الله معلّلةً بالأغراض والأهداف، وهذه الملاكات تكون بدَوْرها خاضعةً للمصالح والمفاسد الواقعية، التي تعود على الفرد والمجتمع، دنيويّاً وأخرويّاً.

2ـ إنّ الحديث عن فلسفة المهر في القانون الإيراني هي مثل فلسفة تشريع بقيّة المواد القانونية الأخرى، والتي تكون خاضعةً للفقه الإمامي.

3ـ إن حقيقة المهر في الفقه الإمامي، كما ذكرها الفقهاء، هي كلّ ما يصح أن يملكه‌ المسلم، عَيْناً كان أو منفعةً لعقارٍ أو حيوانٍ أو إنسانٍ، عبدٍ أو حُرٍّ، ولو الزوج نفسه.

4ـ إن حقيقة المهر في القانون الإيراني تكون تَبَعاً للفقه الإمامي، لذلك ينصّ القانون المدني، في مادّته 1078، على أنّ «كلّ ما له ماليّة، ويكون قابلاً للتملُّك، يمكن جعله مهراً».

5ـ من شرائط المهر في الفقه الإمامي أن يكون ممّا يملكه المتعاقدان، والعلم بقَدْره، والتعيين، والمتعة مع الطلاق قبله. ويكفي في المهر مشاهدته إنْ كان حاضراً.

6ـ يشترط في المهر في القانون الإيراني أن يكون له مالية، وقابلاً للتملُّك، وتعيينه ورفع الجهالة، بحيث يكون معلوماً عند الطرفين المتعاقدين.

7ـ من أحكام المهر في الفقه الإمامي: تمليك المرأة المهر بالعقد. ويستقرّ بالدخول؛ وبردّة الزوج عن فطرةٍ؛ وبموت الزوج أو الزوجة. وغير ذلك من الأحكام المتفرِّعة عنها.

8ـ أحكام المهر في القانون المدني الإيراني هي نفس ما ذُكر من الأحكام في الفقه الإمامي. وقد أُضيف إليها قوانين متفرّعة عنها، كالحديث عن تفاوت قيمة المهر، واحتسابها، وغير ذلك.

9ـ تمّ الحديث حول مقدار المهر بين الإطلاق والتقييد في الفقه الإمامي، وخلص القول إلى أنّ رأي مشهور فقهاء الإمامية هو إطلاق المهر وعدم تقييده.

10ـ بناءً على نظرية الجَمْع الاستنباطي أو الجَمْع القواعدي أو الضوابطي، الذي يعتمد منهج خاصّاً في الجمع بين الروايات المتعارضة، يمكن حمل الروايات المحدِّدة للمهر من حيث الكثرة بمهر السنّة على كونه حكماً ولائيّاً صدر من الإمام من جهة كونه حاكماً ووليّاً.

11ـ كذلك إن الإصل في تشريع المهر في القانون الإيراني هو الإطلاق وعدم التقييد، إلاّ أنه تمّ في السنوات الأخيرة تشريع موادّ تنصّ على وضع مقدارٍ محدَّد للمهر، وهو 110 قطع معدنية.

الهوامش

(*) أستاذةٌ وباحثةٌ في الحوزة العلميّة في قم. من لبنان.

(**) أستاذٌ مساعِدٌ، وعضو الهيئة العلميّة، في جامعة المصطفى| العالميّة. من إيران.

([1]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 568، ح51، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط4، 1407هـ.

([2]) أحمد بن فارس القزويني، مقاييس اللغة 5: 281، دار الفكر، بيروت، 1399هـ ـ 1979م.

([3]) محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط 1: 478، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1426هـ ـ 2005م.

([4]) انظر: فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 3: 485، انتشارات مرتضوي، طهران، ط3، 1375هـ.ش. وانظر: أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري، المصباح المنير 1: 300، المكتبة العصريّة، بيروت، ط2، 1418هـ.

([5]) محمود عبد الرحمان عبد المنعم، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 3: 370، دار الفضيلة، القاهرة.

([6]) أحمد بن فارس القزويني، مقاييس اللغة 2: 3.

([7]) المبارك بن محمد (ابن الأثير)، النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 352، المكتبة العلمية، 1399هـ ـ 1979م؛ محمد بن مكرم (ابن منظور)، لسان العرب 3: 140، دار صادر، ط3، 1414هـ.

([8]) محمود عبد الرحمان عبد المنعم، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1: 553، 554.

([9]) ابن منظور، لسان العرب 13: 350.

([10]) علي بن محمد الجرجاني، التعريفات: 171، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1403هـ ـ 1983م.

([11]) أحمد بن فارس القزويني، مقاييس اللغة 3: 339.

([12]) المصدر السابق 5: 402.

([13]) حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن 11: 17، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ط1، 1368هـ.ش.

([14]) مجلّة المستقبلية، الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية، العدد 3.

([15]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، موسوعة الفقه الاسلامي المقارن 1: 369، قم.

([16]) عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي، مباحث العلّة في القياس، نقلاً عن: اللامشي، النسخة الخطية: 105، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط2، 1421هـ ـ 2000م.

([17]) محمد علي أيازي، مقاصد الحكام الشرعية وغاياتها 1: 57، 58، سلسلة إصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي (العدد 40)، بيروت، ط1، 2009م.

([18]) المصدر السابق 1: 53.

([19]) عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي، مباحث العلّة في القياس: 106.

([20]) أبو القاسم علي دوست، الفقه والمصلحة 1: 61، دار المعارف الحكمية، بيروت، ط1، 1438هـ ـ 2017م.

([21]) انظر محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 31: 18، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط7، 1362هـ.ش؛ العلاّمة الحلي، مختلف الشيعة 7: 212، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1418هـ؛ المقدَّس الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 12: 501، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم؛ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح) 1: 215، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، 1386هـ.ش.

([22]) محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 20: 87، 88، ح1، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، 1414هـ.

([23]) محمد بن الحسن الطوسيّ، المبسوط في فقه الإمامية 4: 310، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، طهران، ط3، 1378هـ.ش.

([24]) انظر: مرتضى مطهَّري، نظام حقوق المرأة في الإسلام: 177، معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي، طهران، ط3، 1407هـ.

([25]) ناصر مكارم الشيرازي، الزواج المثالي 1: 30، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، قم، ط1، 1430هـ.

([26]) انظر: مرتضى مطهَّري، نظام حقوق المرأة في الإسلام: 180، 181.

([27]) انظر: «تاريخچه تدوين قانون مدني». مؤرشفة من الأصلي في 22 مايو 2008م، وتمّ استرجاعه في 22 أبريل 2009م.

([28]) محمد بن الحسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 21: 229، ح1.

([29]) المصدر نفسه.

([30]) المصدر نفسه.

([31]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 31: 3.

([32]) روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة 2: 282، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران.

([33]) ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة في شرح تحرير الوسيلة 3: 128، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، ط1، 1386هـ.ش.

([34]) محمد بن يوسف الحلّي، إيضاح الفوائد 3: 127، مؤسّسة إسماعيليان، قم، ط1، 1387ش.

([35]) عليّ بن الحسين (المحقِّق الكركي)، جامع المقاصد في شرح القواعد 13: 20، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط2، 1414هـ.

([36]) محمد بن الحسن بن يوسف بن مطهَّر الحلّي (فخر المحقّقين)، إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد 2: 32، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، مشهد، ط1.

([37]) محمد ابن أحمد بن إدريس الحلّي، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 2: 585، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1410هـ.

([38]) زين الدين بن علي (الشهيد الثاني)، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3: 272، مجمع الفكر، قم، ط13، 1437هـ؛ الفاضل المقداد السيوري الحلّي، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع 3: 226، منشورات مکتبة السيد المرعشي النجفي، قم، ط1، 1404هـ؛ محمد بن الحسن الفاضل الأصفهاني، كشف اللثام 2: 86، منشورات مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1405هـ.

([39]) علم الهدى الشريف المرتضى، الناصريات (الجوامع الفقهية): 335، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، 1417هـ ـ 1997م.

([40]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 6: 118، ح2.

([41]) المصدر السابق 6: 109، ح5.

([42]) انظر: محمد بن الحسن الفاضل الأصفهاني، كشف اللثام 2: 86.

([43]) فخر المحقّقين، إيضاح الفوائد في شرح مشكلات القواعد 2: 32.

([44]) محمد بن محمد المفيد، المقنعة: 109، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، ط1، 1413هـ؛ محمد بن الحسن الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتاوي: 470، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1400هـ.

([45]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة 7: 369، ح1494، دار الكتب العلمية، طهران، ط4، 1365هـ.ش.

([46]) محمد بن الحسن الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 4: 308.

([47]) محمد علي العاملي، نهاية المرام في مجمع تتميم الفائدة والبرهان 1: 410، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1413هـ.

([48]) زين الدين بن علي (الشهيد الثاني)، مسالك الأفهام 8: 291، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

([49]) المصدر السابق 8: 273، 291، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1415هـ.

([50]) السيد المرتضى، الانتصار: 292، مسألة 164.

([51]) جعفر السبحاني، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغرّاء 2: 171، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1416هـ.

([52]) الشيخ المفيد، رسالة في المهر: 4، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، قم، ط1، 1413هـ.

([53]) النعمان المغربي، دعائم الإسلام 2: 224، ح837.

([54]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 5: 375، ح5.

([55]) محمد بن محمد المفيد، رسالة في المهر: 26.

([56]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 7: 260، ح52.

([57]) انظر: محمد بن محمد المفيد، رسالة في المهر: 5، 6.

([58]) السيد المرتضى، الانتصار: 292.

([59]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 7: 261، ح27.

([60]) السيد المرتضى، الانتصار: 292.

([61]) محمد بن الحسن الطوسي، تهذيب الأحكام 7: 261، ح28.

([62]) الحسن بن يوسف المطهَّر الحلّي، مختلف الشيعة 7: 130، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1418هـ.

([63]) انظر: محمد بن محمد المفيد، رسالة في المهر: 6.

([64]) الحسن بن يوسف المطهَّر الحلّي، مختلف الشيعة 7: 130.

([65]) انظر: القانون المدني مع الإصلاحات الأخيرة، تمَّت المصادقة عليه بتاريخ: 18 مايو 1380، في نشر المصنَّفات وتنفيذ القوانين بشكلٍ عام.

([66]) انظر: https://www.isna.ir/news.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً