أحدث المقالات

كتاب (طبّ الأئمّة) المنسوب إلى آل بسطام

د. حسن الأنصاري(*)

ترجمة: وسيم حيدر

تمهيد ــــــ

بحثنا هنا يختصّ بكتاب «طبّ الأئمّة»، المعروف والمنسوب إلى ابنَيْ بسطام. وادّعاؤنا يقوم على أن هذا الكتاب ينتمي إلى تيار الغلاة من الشيعة. وفي الوقت نفسه أشَرْتُ إلى أن هذا الكتاب كان مجهولاً بالنسبة إلى قدامى المحدِّثين من الإمامية، أو كانوا يتجاهلونه في الحدّ الأدنى، حيث لم يهتمّ القدماء من المحدِّثين الإمامية بروايات وأسانيد هذا الكتاب، بل حتّى الأسانيد الحديثية الموجودة في هذا الكتاب هي في الغالب أسانيد مضطربة ومجهولة، إذا لم نقل إنّ آثار الوضع بادية عليها.

وبطبيعة الحال إن هذا لا يعني أن جميع رجال الحديث في هذا الكتاب مجاهيل، أو أن جميع الروايات فيه موضوعة؛ إلاّ أن وجود أسماء المشاهير من المحدِّثين ورواة الإمامية في هذا الكتاب لا يعني أن الأسانيد التي اشتملت على هذه الأسماء أصيلةً؛ فقد كان التقليد السائد في الأسانيد الموضوعة، التي يُعمل على صياغتها لمختلف النصوص ومختلف الدوافع، يقوم على أن يتمّ الإعداد لتلك الأسانيد التي يجب أن تشتمل على الأسماء المشهورة، وإضافتها إلى الأسماء المجهولة؛ كي لا يتمّ التعرّف على تطرّق الوضع إليها بسهولةٍ. بَيْدَ أن علماء الحديث البارزين من الإمامية كانوا يعرفون الطرق المشهورة جيِّداً، وكانوا يتعرَّفون إليها بسهولة. وعليه لم تكن نسبة النصوص الحديثية إلى الأسانيد المشهورة عملاً ميسوراً؛ إلاّ أن الإسناد إذا كان متضمِّناً للأسماء المشهورة وغير المشهورة معاً فإن هذا سوف يوحي بأن مصدر تلك النصوص والأسانيد يعود إلى الكتب التي يمكن للمحدِّثين أن لا يعرفوها، ولذلك سيكون احتمال تلقّي هذه الأسانيد الملفَّقة بالقبول أكثر؛ وذلك لإمكان أن يبرِّر علماء الرجال والمحدِّثين سبب عدم معرفتهم بها إلى أنها تعود إلى كتبٍ لم يتعرَّفوا على أصولها.

وأمّا في ما يتعلَّق بكتاب طبّ الأئمة فقد ذُكر أن المؤلِّفين المنتحلين لهذا الكتاب لم يكونوا معروفين بالنسبة إلى علماء الرجال. فمثلاً: إن النجاشي الذي يذكر هذين الكاتبين والراويين لم يكن مصدره إليهما غير النصّ الموجود لهذا الكتاب، ولم يكن لديه معرفةٌ مستقلّة بهذين الكاتبين المختلقين. وعليه فإن شهادة النجاشي إنما تثبت أن هذا الكتاب ـ إذا كانت نسخته الراهنة هي نفسها التي ذكرها النجاشي ـ معروفة في زمانه، أو في زمان مصدره.

وحيث لم نعثر على نقلٍ قديم لهذا الكتاب في المصادر المتقدِّمة يمكن للتشكيك أن يفرض نفسه بقوّةٍ، حتّى بالنسبة إلى النصّ الراهن، والقول بعدم وجود أيّ نسبة بينه وبين الكتاب الذي ذكره النجاشي.

وفي ما يلي نقدِّم خلاصةً على النحو التالي:

ذكر النجاشي في كتاب الرجال([1]) الحسين بن بسطام، مستفيداً من كلام ابن عيّاش الجوهري، مسمِّياً إيّاه بـ «الحسين بن بسطام بن سابور الزيّات». وأضاف قائلاً: إنّ له ولأخيه أبي عتاب كتاباً في الطبّ أيضاً (والحقيقة أنّه ـ بالإضافة إلى الطبّ ـ هناك ذكر للتعويذات وأمثال ذلك).

ويظهر من عبارة النجاشي بوضوحٍ أن عمدة ما ذكره على هامش اسم الحسين بن بسطام مأخوذٌ عن ابن عيّاش الجوهري. وبعد ذلك يذكر النجاشي سند ابن عياش إلى أبي عتاب وحسين ـ مؤلّفَيْ كتاب الطبّ ـ بواسطتين. ولا يأتي على ذكر أن كتاب الطبّ هذا منقولٌ عن الأئمّة.

وإليك نصّ عبارة النجاشي: «الحسين بن بسطام. وقال أبو عبد الله بن عيّاش: هو الحسين بن بسطام بن سابور الزيّات. له ولأخيه أبي عتاب كتاب جمعاه في الطبّ، كثير الفوائد والمنافع، على طريق (طريقة) الطبّ في الأطعمة ومنافعها والرقى والعوذ. قال ابن عيّاش: أخبرنا الشريف أبو الحسين صالح بن الحسين النوفلي قال: حدَّثنا أبي، قال: حدَّثنا أبو عتاب والحسين جميعاً، به»([2]).

وقد ذكر النجاشي هذا الكتاب في موضعٍ آخر، وذلك في هامش اسم أخي الحسين، الذي يعبّر عنه بـ (عبد الله): «عبد الله بن بسطام، أبو عتاب، أخو الحسين بن بسطام المتقدِّم ذكره في باب الحسين، الذي له ولأخيه كتاب الطبّ. وهو عبد الله بن بسطام بن سابور الزيّات»([3]).

وبطبيعة الحال فإن النجاشي في بيان سيرة الثاني لم يأتِ على ذكر العياشي، ولم يقدِّم سَنَداً إلى الكتاب، بَيْدَ أن من الواضح أنه في هذين الموردين قد أحال إلى المورد الأوّل. وقد وردت كنية الحسين في كتاب طبّ الأئمة بـ «أبي عبد الله»([4]).

ولا بُدَّ هنا من التذكير بمسألة تتعلّق بنَسَب هذين الأخوين، وهو أنه يحتمل قوياً أن هذه النسبة التي نقلها النجاشي عن ابن عيّاش ليس لها من أساس سوى ادّعاء ابن عياش نفسه، ولا تستند إلى الحقيقة والواقع.

فحتّى في كتاب طبّ الأئمة الموجود بين أيدينا لم يذكر مثل هذا الادّعاء بشأن نَسَب المؤلِّفين، وإنّما تمّ الاكتفاء بالقول: إنهما من أبناء بسطام.

ويحتمل أن بيان هذا الادّعاء إنما نشأ من تصوّر أن مؤلِّفي هذا النصّ هما من أبناء أبي الحسين بسطام بن سابور الزيّات الواسطي، الذي هو من الرواة الشيعة، وقد روى هو وإخوته (زكريّا وزياد وحفص) عن الإمام جعفر الصادق وموسى بن جعفر’([5]). وبطبيعة الحال فقد ورد الحديث في رجال النجاشي وفهرست الطوسي عن بسطام بن سابور آخر، دون إعطاء مزيدٍ من التوضيح بشأن نسبه ولقبه([6]).

ونحن لا نعتزم هنا الدخول في هذه الموارد، وإنما نؤكِّد على أنه في مقام بيان سيرة بسطام بن سابور الواسطي لا يذكر النجاشي ـ رغم أنّه يروي عن إخوة بسطام بوصفهم من الرواة ـ أدنى إشارة إلى أبناء بسطام، في حين أن القاعدة تقتضي أن يذكر أسماءهم هناك أيضاً (كما جرت العادة من النجاشي في غير هذا الموضع).

وبالإضافة إلى ذلك لم تُرْوَ في نصّ كتاب طبّ الأئمّة رواية من قبل هذين الرجلين عن أبيهما أو أعمامهما؛ ليكون ذلك دليلاً على أنهما كانا ينتسبان إلى هذه الأسرة الواسطية. كما يمكن لهذا أن يساعد على ردّ هذا الادّعاء القائل بأنهما من أبناء بسطام بن سابور الزيّات.

ومن جهةٍ أخرى، على الرغم من اشتمال أسانيد كتاب طبّ الأئمة على الكثير من الاضطراب لا يمكن نسبتها بأجمعها إلى مؤلّفَيْه المنتحلين، إلاّ أن روايتهما في هذا الكتاب عن أشخاص من أمثال: أحمد البرقي([7]) يثبت عدم إمكان اعتبارهما من أبناء بسطام بن سابور الزيات، الذي هو في عداد القدماء من أصحاب الإمام موسى بن جعفر.

وعليه ليس هناك من دليلٍ متقن على قبول ادّعاء ابن عياش، بل نشاهد الدليل هنا قائماً على خلاف ذلك أيضاً.

وبالالتفات إلى أن هذين الكاتبين المنتحلين لكتاب طبّ الأئمة لم يذكرا في أيّ مصدر آخر غير رجال النجاشي، وربما اعتمد النجاشي في نقله على ابن عيّاش الجوهري، يمكن بطبيعة الحال القول باحتمال أن النجاشي إنّما تعرّف على هذا الكتاب من خلال تعريف ابن عيّاش له، وربما لم يكن النجاشي قد رأى هذا الكتاب أصلاً.

ولو أخذنا الوضع المضطرب لابن عياش الجوهري من ناحية الانتماء المذهبي والثقافي، واستذكرنا شهادة النجاشي عنه بهذا الشأن([8])، ففي هذه الحالة؛ وبالالتفات إلى روايات وأسانيد كتاب طبّ الأئمة، ونقله عنهما ما لم يَرِدْ في أيّ كتاب روائي آخر، يمكن لما ذكر أن يكون شاهداً على هذه الحقيقة، وهي أنه ربما كان نصّ هذا الكتاب قد وضع في المحافل الخاصّة، وقد تمّ تعريفه بعد ذلك إلى المحدِّثين في بغداد من خلال ابن عيّاش.

إن الروايات الأولى التي عثرت عليها من كتاب طبّ الأئمة في المصادر القديمة قد وردت في كتاب مكارم الأخلاق، للشيخ الطبرسي، وهو يعود بطبيعة الحال إلى ما بعد قرنين من رجال النجاشي. بَيْدَ أن الطبرسي لا يأتي على ذكر مؤلِّف الكتاب([9]).

ويجدر بنا أن نضيف هنا هذه النقطة، وهي أننا إذا أخذنا بنظر الاعتبار تأخُّر النسخ المخطوطة لكتاب طبّ الأئمة، والتي لم يتمّ التعرّف عليها إلاّ في عصر العلاّمة المجلسي([10]) ومعاصريه([11])، وكان لها نفوذٌ وتأثير واسع في كتب العامّة (سواء بشكل مباشر أو من خلال مكارم الأخلاق، للطبرسي)، فإن هذا الكتاب لم يصل إلينا بشهادة السماع والقراءة، ولا يَرِدُ في بداية الكتاب ذكر لراوي النصّ، ولكنْ يتّضح من نصّ الكتاب جليّاً أن راويه كان هو المؤلِّف له، حيث عمد إلى جمع روايات هذين الأخوين في كتابٍ واحد.

وعليه إذا ثبت وجود هذين الراويين من الناحية التاريخية ففي هذه الصورة يجب القول: إن كتبهم في طبّ الأئمة قد تعرَّضت لتغيير من قبل الراوي عنهما، وقدّم صورة مركبة جديدة على أساس كتب هذين المؤلّفين؛ بَيْدَ أن الاحتمال الأشدّ هو أن الجامع لهذا النصّ إنما هو في الواقع مؤلِّفه، وأمّا هذين الراويين فهما مجرّد شخصين وهميين قد اختلقهما اختلاقاً.

فهل يمكن لنا أن نفهم من إسناد النجاشي هذه النتيجة القائلة بأن كاتب أو راوي النسخة الراهنة لكتاب طبّ الأئمة هو حسين النوفلي؟ لا يمكن البتّ من هذه الناحية. إلاّ أن شهادة العلامة المجلسي في بحار الأنوار بشأن مجهولية المؤلّفين المنتحلين لهذا الكتاب تحظى بأهمّيةٍ قصوى([12]).

أما الآن، فمع غضّ النظر عن الوجود الخارجي لأخوين ينتسبان إلى آل بسطام أو عدم وجودهما يفرض السؤال التالي نفسه: ما هو التيّار والاتّجاه الذي أفرز هذا الكتاب؟

هناك رواياتٌ كثيرة في كتاب ابني بسطام عن المفضَّل الجعفي، ومحمد بن سنان، ويونس بن ظبيان، وغيرهم من الرواة الذين نعلم اهتمام الغُلاة برواياتهم. وإن البعض الآخر من الرواة في أسانيد الكتاب إنما هم موضع استناد محافل الغلاة بشكلٍ واضح. وإنّ منهم مَنْ لا نشاهد له أَثَراً في الكتب الرجالية، ويحتمل أن يكونوا قد تسلَّلوا من كتب الغلاة، والتي تمّ حذفها من التراث الشيعي اللاحق، أو أنها كانت من موارد اختلاق ذلك التيّار من الأساس، ولذلك تمّ تجاهلها من قبل علماء الرجال والحديث في كلٍّ من قم وبغداد.

ويظهر من بعض مواضع الكتاب أن آل بسطام قد جاؤوا من قزوين، أو كانت لهم صلةٌ بهذه المدينة بنحوٍ من الأنحاء. وفي ما يلي نستعرض بعض أسانيد هذا الكتاب:

1ـ طبّ الأئمة: 15: «حدَّثنا أبو عتاب والحسين ابنا بسطام قالا: حدَّثنا محمد بن خلف بقزوين ـ وكان من جملة علماء آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ـ قال: حدَّثنا الحسن بن عليّ الوشّا، عن عبد الله بن سنان، عن أخيه محمد، عن جعفر الصادق×، عن…».

لم يتّضح لنا من هو شيخ هذين المؤلّفين، أي محمد بن خلف، الذي اعتبراه من قزوين.

وقد ورد ذكرٌ في المصادر لشخص اسمه عبد الله بن محمد بن خلف، حيث نرى بينه وبين محمد بن خلف صلة خاصّة؛ فقد جاء في علل الشرائع، لابن بابويه، قوله: «أخبرني عليّ بن حاتم قال: حدَّثنا محمد بن جعفر الرزّاز، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمد بن خلف، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن محمد بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله× عن أكل البصل والكراث؟ فقال: لا بأس بأكله مطبوخاً وغير مطبوخ، ولكنْ إنْ أكل منه ما له أذىً فلا يخرج إلى المسجد؛ كراهية أذاه على مَنْ يجالس»([13]).

إن هذه الرواية ذات المضمون الطبّي قد رُويت عن الوشّاء، وترى فيها رواية عليّ بن حاتم القزويني. ولا يبعد أن يكون المراد من عبد الله بن محمد بن خلف في هذه الرواية هو أبو عبد الله محمد بن خلف. وفي هذه الحالة يكون قد وقع تحريف في اسمه، حيث نرى أن كلَيْهما قد روى عن الوشّاء أيضاً.

ومن ناحية أخرى ذكر اسم عبد الله بن محمد بن خلف في سندٍ آخر بوصفه شيخاً للعيّاشي. وقد نقلت عنه رواية يلوح منها الانحياز إلى الغُلاة، والثناء على المفضَّل بن عمر بوضوحٍ، حيث يقول: «محمد بن مسعود، قال: حدَّثني عبد الله بن محمد بن خلف، قال: حدَّثنا عليّ بن حسان الواسطي، قال: حدَّثني موسى بن بكر، قال: سمعت أبا الحسن× يقول، لما أتاه موت المفضّل بن عمر، قال: رحمه الله، كان الوالد بعد الوالد…»([14]).

ولكنْ من ناحيةٍ أخرى لا شَكَّ في أن المراد من عبد الله بن محمد بن خلف في رواية الكشّي ـ وربما في مورد رواية علل الشرائع ـ هو عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، والذي نعلم أنه كان من رواة الحسن بن عليّ الوشاء، وكان العياشي يروي عنه([15]). ومن المعقول جدّاً أن يتمّ تصحيف خالد إلى خلف. وعليه ليس هناك من علاقة بين محمد بن خلف وعبد الله بن محمد بن خلف.

والمسألة الملفتة في سند طبّ الأئمة هي أن عبد الله بن سنان يروي فيه عن محمد بن سنان، والأغرب من ذلك أنهم افترضوا أنّهما أخوان، وهو من الأخطاء التي تُرى في نصوص الغلاة الأخرى أيضاً.

أما المثال الآخر في كتاب طبّ الأئمة، فهو: «حدَّثنا أبو عبد الله الحسين بن بسطام، قال: حدَّثنا محمد بن خلف، قال: حدَّثنا الحسن بن عليّ، قال: حدَّثنا عبد الله بن سنان، عن أخيه محمد بن سنان، قال: حدَّثنا المفضَّل بن عمر، قال: سمعتُ الصادق× يحدِّث عن…»([16]).

ونرى مثل هذا المورد في دلائل الأئمّة، وهو: «وحدَّثنا أبو الفضل، قال: حدَّثنا محمد بن الحسن الكوفي، عن محمد بن عبد الله الفارسي، عن يحيى بن ميمون الخراساني، عن عبد الله بن سنان، عن أخيه محمد بن سنان الزاهري، عن سيِّدنا الصادق جعفر بن محمد×، عن أبيه، عن جدِّه الحسين، وعن عمِّه الحسن…»([17]).

2ـ طبّ الأئمة: 20: «محمد بن جعفر البرسي، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى الأرمني، قال: حدَّثنا محمد بن سنان السناني، عن يونس بن ظبيان، عن المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله الصادق×، عن أبيه ذي الثَّفنات، عن أبيه، عن أمير المؤمنين^…».

إن طريق محمد بن جعفر (بن عليّ) البرسي عن محمد بن يحيى الأرمني، الذي يتكرَّر في هذا الكتاب بكثرةٍ، طريق غير معروف. وإن محمد بن جعفر البرسي من رواة التيّار الغالي، وهو الذي روي عنه حديث الغُلاة المعروف بـ «خبر الخَيْط»([18]). وقد ورد اسمه في الهداية الكبرى بالخصيبي، وذلك على النحو التالي: «وعنه قال: حدَّثني محمد بن عليّ القمّي، قال: حدَّثني محمد بن أحمد بن عيسى، عن محمد بن جعفر البرسي، قال: حدَّثني إبراهيم بن محمد الموصلي، عن أبيه، عن حنان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أمير المؤمنين، وأفضَتْ الخلافة إلى بني أميّة، سفكوا…»([19]).

كما أن محمد بن يحيى الأرمني غير معروف في مصادر الحديث عند الإمامية. بَيْدَ أنه عُدَّ من «الأبواب»، طبقاً لروايةٍ في كتاب طبّ الأئمة، وهو مفهومٌ يستدعي بوضوحٍ حضوره في أدبيّات النصيريّة والغُلاة: «محمد بن جعفر بن عليّ البرسي، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى الأرمني ـ وكان باباً للمفضَّل بن عمر، وكان المفضَّل باباً لأبي عبد الله الصادق× ـ قال محمد بن يحيى الأرمني: حدَّثني محمد بن سنان السناني الزاهري أبو عبد الله، قال: حدَّثني المفضَّل بن عمر، قال: حدَّثني الصادق جعفر بن محمد’ قال: هذا…»([20]).

وطبقاً لهذه الرواية الواردة في كتاب طبّ الأئمة ـ والتي تتعرَّض لمفهوم «الباب»، وبابيّة المفضَّل بن عمر أيضاً، وتثبت أن هذا الكتاب يعود إلى تراث الغلاة من الشيعة ـ يعتبر محمد بن يحيى الأرمني باباً للمفضَّل بن عمر، ونعلم أن النصيريّة يقولون بوجود طبقاتٍ فيما بينهم. والملفت أنه في نقل العلامة المجلسي عن طبّ الأئمة ورد التعبير عن محمد بن يحيى بـ (محمد بن يحيى البابي): «الطبّ: عن محمد بن جعفر بن علي البرسي، عن محمد بن يحيى البابي ـ وكان باباً للمفضَّل بن عمر، وكان المفضَّل باباً لأبي عبد الله الصادق× ـ قال محمد بن يحيى الأرمني: حدَّثني محمد…»([21]).

3ـ طبّ الأئمة: 29: «محمد بن عبد الله بن مهران الكوفي، قال: حدَّثنا أيّوب، عن عمر (عمرو) بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر× قال: جاء رجلٌ من خراسان…».

إن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي، الذي تمَّ تحريفه هنا إلى الكوفي، من مشاهير غلاة الشيعة، وكان موضع اهتمام تيّار النصيريّة والمخمسية، وأتباع أبي الخطّاب والخطّابيين بشكلٍ خاص([22]).

4ـ طبّ الأئمة: 124: «أبو عتاب عبد الله بن بسطام، قال: حدَّثني إبراهيم بن النضر، من ولد ميثم التمّار، بقزوين، ونحن مرابطون، عن الأئمّة، أنّهم وضعوا هذا الدواء لأوليائهم…».

إن هذه الرواية التي تظهر حضور آل بسطام في قزوين تتضمَّن نقطة ملفتة للانتباه، وهي أن ابن عتاب يقول: كنّا بقزوين في حالة «رباط». ونعلم أن قزوين في القرون الثلاثة الأولى كانت تعتبر أرض رباط؛ بسبب استمرار المواجهة مع الدَّيْلم في شمال إيران. بَيْدَ أن تواجد شخصيّة شيعيّة في حالة مرابطة في قزوين بحاجةٍ إلى دراسة وتحقيق.

5ـ طبّ الأئمة: 138: «محمد بن جعفر البرسي، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى الأرمني، قال: حدَّثنا محمد بن سنان الزاهري، عن المفضَّل بن عمر الجعفي، عن أبي الظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد الباقر، عن أبيه…».

إن المسألة التي يتعيّن علينا هنا الانتباه لها أوّلاً هي وصف محمد بن سنان بـ «الزاهري»، حيث نشاهد تكرارها في طبّ الأئمة مراراً في ما يتعلق بتراث الغُلاة (كما في المورد المتقدِّم)([23]). وقد جرى وصف محمد بن سنان بـ «الزاهري» في كتب الغلاة([24]). وهذه المسألة في حدِّ ذاتها تثبت أن نصّ كتاب طبّ الأئمّة مرتبطٌ بمحافل الغلاة من الشيعة.

المسألة الثانية، وهي في غاية الأهمّية: رواية المفضَّل الجعفي في هذا السند عن أبي الظبيان. والمراد منه أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب المقلاص الأسدي، زعيم الغلاة الخطّابية والمخمّسية([25]). إن رواية حديث بأسانيد نصيرية وغالية، وخاصّة في التراث الروائي للمفضَّل الجعفي، عن أبي الخطّاب، يثبت انتماء كتاب طبّ الأئمّة إلى التراث الفكري والمذهبي للغلاة([26]).

كما نشاهد في النصّ بعض المسائل التي تؤكِّد هذا الأمر، من قبيل: وضع الشيعة المستضعفين في مواجهة الشيعة المستبصرين([27]).

وبذلك يحتمل قويّاً أن يكون كتاب ابنَيْ بسطام عائداً إلى تراث مخمّسية الغلاة، وهم الذين انبثقت عنهم فرقة النصيرية أيضاً.

وفي ما يتعلق بحقبتهم الزمنية ـ إذا ثبت وجودهم من الناحية التاريخية ـ يبدو أن بالإمكان إرجاعهم إلى مرحلة الغيبة الصغرى.

وقد احتمل السيد الدكتور حسين المدرِّسي، في هامش البحث عن أسرة آل بسطام الحاكمة([28])، أن لا ربط لابني بسطام بتلك الأسرة.

وحيث إن عدداً من أفراد هذه الأسرة يبدو عليهم الانتماء إلى الغلاة ربما كان ما ذكرناه في هذه المقالة مُجْدِياً لإثبات هذا الاحتمال.

الهوامش

(*) باحثٌ معروف، متخصِّصٌ في علم الكلام والفلسفة الإسلاميّة. ومن الشخصيات البارزة في مجال نقد النُّسَخ والمخطوطات والكتب القديمة. أحد أساتذة جامعة برلين في ألمانيا، وعضو الملتقى الدوليّ حول تاريخ العلوم والفلسفة في باريس.

([1]) انظر: رجال النجاشي: 39 ـ 79.

([2]) رجال النجاشي: 39.

([3]) رجال النجاشي: 218.

([4]) انظر: طبّ الأئمّة: 16.

([5]) من باب المثال، انظر: رجال النجاشي: 110،280؛ الطوسي، الفهرست: 98، 132.

([6]) انظر: رجال النجاشي: 111، 283؛ وانظر أيضاً: الطوسي، الفهرست: 98 ـ 99، 133.

([7]) طبّ الأئمّة: 38، 103.

([8]) للوقوف على شهادة النجاشي بشأن ابن عيّاش الجوهري انظر: رجال النجاشي: 85 ـ 86، 207.

([9]) انظر: مكارم الأخلاق: 44، 50، 55، 59، 61، 65، 72، ومواضع أخرى.

([10]) انظر: بحار الأنوار 1: 11.

([11]) من أمثال: السيد هاشم البحراني في كتاب مدينة المعاجز 5: 126؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 30: 157.

([12]) انظر: بحار الأنوار 1: 30.

([13]) علل الشرائع 2: 519 ـ 520.

([14]) رجال الكشّي: 321.

([15]) انظر: رجال الكشّي: 363، والكثير من الموارد الأخرى.

([16]) انظر: طبّ الأئمّة: 16.

([17]) دلائل الأئمّة: 446 ـ 447.

([18]) انظر: مقالتنا بشأن عيون المعجزات.

([19]) الحسين بن حمدان الخصيبي، الهداية الكبرى: 226.

([20]) انظر: طبّ الأئمّة: 128.

([21]) انظر: المجلسي، بحار الأنوار 59: 259.

([22]) انظر: رجال النجاشي: 350، 942؛ رجال ابن الغضائري: 95 ـ 96، 139. وفي ما يتعلق برواياته عند تيار النصيرية انظر مثلاً: الهداية الكبرى: 76، 187، 286 ـ 287، 362.

([23]) انظر أيضاً: طبّ الأئمّة: 79، 94، 132، 135.

([24]) من باب المثال انظر: دلائل الإمامة: 447؛ الهداية الكبرى: 39، 86، 96، والكثير من الموارد الأخرى؛ عيون المعجزات: 120.

([25]) انظر بهذا الشأن: مقالتنا في هامش مدخل أبو الخطّاب في دائرة المعارف الإسلامية الكبرى.

([26]) للوقوف على موارد أخرى لهذا النوع من روايات أبي الخطّاب انظر: طبّ الأئمة: 95، 137، 138، وأيضاً: 79، واحتمالاً في 50، 94، 132.

([27]) انظر: طبّ الأئمّة: 16.

([28]) انظر: مكتب در فرايند تكامل (المذهب في مساره التكاملي)، طهران، 2008.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً