أحدث المقالات

الشيخ إبراهيم محمد حاتم بالدي([1])

الخلاصة

لقد تركت العقيدة الأشعرية مجموعة من المشكلات الفكرية والسلوكية في حياة المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا منها: التوهم بأن العبد مسلوب الإرادة والاختيار في أمر الهداية والضلال، التعامل مع الإخفاقات الحياتية على أنها من القضاء والقدر الإلهي، ظاهرة التواكل، والاستسلام أمام المشكلات الحياتية. بيد أننا إذا توجهنا إلى العديد من الآيات القرآنية نجد أن المنطق القرآني يقر بمبدأ أصالة الإرادة والاختيار في أصل الخلقة الإنسانية، كما نجد فيه آيات تفيد بأهمية التنمية البشرية وضرورتها في حركة الحياة البشرية. إن العلاقة بين أصالة الإرادة والاختيار في الحياة الإنسانية من جهة، والتنمية البشرية من جهة ثانية، علاقة منطقية موضوعية. وعلى ضوء هذا تكمن وظيفة المجتمعات الإسلامية بمنطقة غرب إفريقيا في الاستفادة من مبدأ أصالة الاختيار والإرادة في أصل الخلقة الإنسانية لكسر حالة الجمود والتبعية وتحريك عجلة الاعمار والتنمية البشرية في مختلف المجالات. وتتطلب هذه التنمية خطوات عملية أهمها انتقال المجتمعات الإسلامية في هذه المنطقة من مجتمعات مستهلكة مستوردة إلى مجتمعات منتجة؛ تستهلك ما تنتجه وتنتج ما تستهلكه.

المقدّمة

بالإضافة إلى المشكلات السياسية والاقتصادية، والازمات الاجتماعية والثقافية التي يعاني منها الكثير من المجتمعات والشعوب الإسلامية في إفريقيا الغربية، هناك مشكلة أخرى تعاني منها هذه المجتمعات على صعيد الفكر الديني الإسلامي، وهي حالة التصدع والقصور المعرفي في مجموعة من المسائل العقدية والقضايا الكلامية، من جملتها مسألة أصالة الاختيار والإرادة الإنسانية وعلاقتها بتنمية الحياة البشرية. ومن الآثار المترتبة على حياة المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا نتيجة محدودية دائرة المعرفة التصورية والتصديقية لهذه المسألة حالة الجمود الفكري تجاه الفكر الدين الإسلامي، وظاهرة الهوة والفجوة بين العقيدة الإسلامية والحياة الفكرية والسلوكية.

ترمي هذه الدراسة في سياق مواجهة هذه المشكلة إلى مجموعة من الأهداف أبرزها:

ـ إحياء الفكر الديني الإسلامي وتجديده على صعيد الحياة الفكرية والسلوكية عند المسلمين في منطقة غرب إفريقيا.

ـ كسر الهوة القائمة بين العقيدة الإسلامية من جهة، والحياة الفكرية والسلوكية عند المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا من جهة أخرى.

ـ تنمية الوعي الديني من خلال التنبيه إلى دور العقيدة الإسلامية في إشعاع الحياة واعمارها، ودورها في حل المعضلات الحياتية في المجالات المتعددة والمتنوعة.

أوّلاً: ثبوت أصالة الاختيار والإرادة للإنسان ومسؤوليته عن تقرير مصيره

ولإثبات حقيقة أصالة الإرادة والاختيار في حقيقة الخلقة الإنسانية وكونه قادرا على تقرير مصيره بنفسه نتوجه إلى القرآن الكريم، ونستنطق آياته الكريمة، لنجد أن الرؤية العقائدية القائمة على نفي تأثير قدرة العبد على أفعاله، والتي بطبيعتها تستلزم سلب الاختيار عنه تتنافى مع منطق القرآن الكريم. ونستفيد في هذا الصدد من الآيات القرآنية المتعلقة بكيفية صدور الأفعال من العباد.

وقبل ذلك لا بد من التنويه إلى ثبوت علاقة موضوعية منطقية بين التحفيز القرآني والروائي على أهمية وضرورة الحياة الفكرية للإنسان وثبوت مبدأ أصالة الإرادة والاختيار في حقيقة الخلقة الإنسانية

في القرآن الكريم مجموعة من الآيات المتضمنة لأفعال العباد الإرادية وكيفية صدورها منهم من جهة نسبة تلك الأفعال وإسنادها إليهم فقط.

الآيات الدالة على نسبة الأفعال إلى العباد دالة على أصالة اختيارهم

إذا توجهنا إلى القرآن الكرم ولاسيما الآيات التي نزلت في سياق بيان حقيقة الإنسان، وأعماله وكيفية صدورها منه نجد منها تلك الآيات القرآنية التي تسند الأفعال الإرادية إلى الإنسان نفسه، وتثبت مسؤوليته عن الآثار المترتبة على تلك الأفعال. ومن تلك الآيات قوله تعالى:

1ـ ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قالَ لأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ (المائدة: 27 ـ 30).

2ـ ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ ونادى‏ نُوحٌ ابْنَهُ وكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا ولا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ * قالَ سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (هود: 42 ـ 43).

3ـ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى‏ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾ (الصفّ: 14).

4ـ ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ (الفتح: 18).

5ـ ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ والْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (النحل: 112).

إن التأمل في الآيات القرآنية المتقدمة وغيرها من الآيات المشابهة لها يوصلنا إلى نقطتين:

النقطة الأولى: تشتمل الآيات المتقدمة على مجموعة من الأفعال ذات الآثار المرتبطة بمصير الإنسان ومستقبله؛ فالآيات النازلة في حق ابني آدم(ع) هابيل وقابيل دلت على صدور فعلين أسندا الأول إليهما معاً، وأسند الثاني إلى قابيل خاصة:

الأوّل: فعل القربان فقد أسندت الآية الأولى هذا لفعل إلى هابيل وقابيل ابني آدم(ع) بصورة مباشرة (إذ قرّبا قرباناً).

الثاني: فعل القتل الصادر من قابيل الذي لم يحظ بقبول الله تعالى قربانه في مقابل هابيل الذي حظي بقبول الباري تعالى قربانه. فقتل على يد أخيه قابيل الذي طوعت له نفسه الإقدام على جريمة القتل عمداً (فطوَّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) لقد أسندت الآية الأخيرة فعل القتل إليه بصورة مباشرة.

ودلت الآية الأولى من الآيتين النازلتين في حق ابن نبي الله نوح(ع) على نسبة واسناد فعل انعزاله عن أبيه وقومه، وقراره الاحتماء بالجبل كوسيلة للنجاة من الغرق، أسندت الآية الكريمة هذا الفعل إليه بصورة مباشرة، كما جاء في قوله تعالى: (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني)، فقد ترك فعل الركوب معهم واختار فعل الانعزال والانفراد، وكان من الممكن أن يصدر عنه فعل الركوب ويستند إليه كما صدر عنه فعل الانعزال والانفراد بالالتجاء إلى الجبل.

والآيات القرآنية التي تناولت قصة خروج طالوت مع جنوده واضحة في اسناد فعل شرب الماء إلى غالبية جنوده بقوله تعالى: (فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم). لقد كان النهر مورد اختبار وامتحان إلهي لجنود طالوت سقط أغلبهم في الامتحان بفعل الشرب منه.

لقد دلت الآية القرآنية التي تناولت حادثة بيعة الرسول الأكرم محمد(ص) تحت الشجرة الحاملة اسم(بيعة الرضون) على صدور هذا الفعل عن المؤمنين من الصحابة (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)، إنها واضحة الدلالة في صدور فعل البيعة عنهم واستناده إليهم بلا واسطة.

دلت الآية التي تناولت قضية أهل القرية في سورة النحل على صدور فعل الكفر والنكران بأنعم الله تعالى عن أهل القرية أنفسهم بدليل قوله تعالى(فكفرت بأنعم الله)؛ فإنّ عملية الكفر لأنعم الله استندت إليهم بصورة مباشرة، فترتب على هذا الفعل عذاب من قبل الله تعالى بالجوع والخوف.

إن قوله تعالى في سورة الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ (الإنسان: 3) يؤكد ما تضمنته الآيات السابقة من نسبة الأفعال الارادية إلى العباد وصدورها عنهم بصورة مباشرة.

لقد أسندت الآية الكريمة فعل الهداية إلى الباري تعالى، وأسندت فعل الاهتداء بهذه الهداية والشكر، وفعل الكفر والعصيان إلى العبد نفسه.

إن قوله: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29) تدل دلالة واضحة على استناد فعل الإيمان وفعل الكفر إلى العباد أنفسهم، وأنهم هم مصدر صدورهما ووقوعهما.

النقطة الثانية: بالإضافة إلى دلالة الآيات المتقدمة على صدور الأفعال المذكورة ممن نزلت في شأنهم فإنها تدل على نسبة تلك الأفعال واستنادها إليهم على هيئة الاختيار وصورة الإرادة ولم تصدر عنهم على نحو الجبر وسلب الإرادة والاختيار.

والدليل على ذلك أن الأفعال التي دلت الآيات صدورها عن هؤلاء توجد في مقابلها أفعال مضادة لها ممكنة الصدور عنهم بدلاً من تلك التي صدرت عنهم؛ فإن فعل القتل الذي صدر من قابيل كان يقابله الامتناع من قتل أخيه هابيل، إنّ صدور هذا الامتناع منه ممكن الوقوع والتحقق بدليل صدوره عن أخيه هابيل الذي قال الباري تعالى في حقه: (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) فكما أمكن لقابيل بسط يده إلى أخيه قابيل وقتله كان يمكنه ترك بسط يده إلى أخيه والامتناع والكف عن قتله وهما فعلان متقابلان متضادان، إلاّ أنه فضل فعل القتل على ترك القتل؛ وهذا دليل واضح على صدور فعل القتل عنه على الاختيار والإرادة.

كذلك الأمر بالنسبة لولد نبي الله نوح(ع) فإن فعل الانعزال ومحاولة الاحتماء بالجبل من الغرق وتركه ركوب السفينة الذي صدر عنه كان يقابله فعل الالتحاق بقوم نوح الذين آمنوا وركوب السفينة كما طلبه منه أبوه نوح(ع) ولاسيما أنّ فعل ركوب السفينة قد صدر من غيره من بعض قوم نوح(ع)، وهذا دليل على أن الفعل الذي صدر عنه كان بمحض اختياره وأرادته.

قال الشهيد مرتضى مطهري: “بالإضافة إلى كون الإنسان قد منح عقلا وشعورا وإرادة أخلاقية وقوة اختيار. فإن الإنسان قادر على ترك عمل ما على الرغم من أنه يوافق غريزته الطبيعية والحيوانية وعدم وجود أي رادع خارجي إلاّ أنه يتركه بعد تفكير وموازنة للمصلحة في الأمر. كما أنه قادر على القيام بعمل يعلم أنه مخالف لطبيعته تماما وعدم وجود أي عامل يجبره عليه وذلك لأنه فكر ورأى المصلحة في ذلك”([2]).

وعلى هذا المنوال فقس بقية الآيات القرآنية المتعلقة بصدور الأفعال الارادية والاختيارية من العباد.

ثانياً: طبيعة العلاقة بين أصالة الاختيار الإنساني والتنمية البشرية

أوّلاً: مفهوم التنمية البشرية

معنى التنمية لغةً

التنمية اسم مصدر لفعل (نما) ينمو نموّاً، ومصدره: النمو، وهي بمعنى الزيادة والصعود.

قال ابن فارس في بيان معنى النمو لغة: “النون والميم والحرف المعتل أصل واحد يدل على ارتفاع وزيادة، ونمى المال ينمي؛ زاد وتنمّى الشيء ارتفع من مكان إلى مكان… والنامية: الخلق لأنّهم ينمون، أي يزيدون”([3]).

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: “ينمو نموّ، ونمى ينمي نماء أيضاً، وإنماء الله، ورفعه، وزاد فيه. ونما الخضاب ينمو نموّ إذا زاد حمرة وسواداً. ونَمَيْتُ فلاناً في الحَسَبِ، أي: رفعته، فانتمى في حسبه”([4]).

معنى البشريّة لغةً

البشرية نسبة مأخوذة من كلمة (البشر) وهي بمعنى الإنسان الشامل للواحد والاثنين والجمع للمذكر والمؤنث. قال الفراهيدي: “البشر: الإنسان الواحد رجلاً كان أو امرأة، هو بشر وهي بشر، وهم بشر، لا يثنى ولا يجمع”([5]).

وقال ابن فارس في بيان معنى البشر لغة: “بشر، الباء والشين والراء أصل واحد ظهور الشيء مع حسن وجمال، فالبشرة ظاهر جلد الإنسان، وسمي البشر بشر للظهور هم. البشير الحسن الوجه والبشارة الجمال”([6]).

معنى التنمية البشرية اصطلاحاً

إن مصطلح التنمية البشرية، من المصطلحات الحديثة والعصرية، وعلم التنمية البشرية من العلوم الحديثة العصرية…وقد عرف هذا المصطلح بتعاريف عديدة منها ما يلي:

1ـ “عملية تهدف إلى زيادة القدرات المتاحة أمام الإنسان”([7]).

2ـ “إنها عملية ترمي إلى توسيع نطاق خيارات الأفراد وحرياتهم”([8]).

3ـ “إن التنمية هي عملية ترمي إلى توسيع الحريات الفعلية للأفراد”([9]).

4ـ “التحريك العلمي المخطط لمجموعة من العمليات الاجتماعية والاقتصادية من خلال أيديولوجية معينة لتحقيق التغيير المستهدف من أجل الانتقال من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب الوصول إليها”([10]).

5ـ “النمو المدروس على أسس علمية، والذي قيست أبعاده بمقاييس عملية، سواء كانت تنمية شاملة، أم تنمية في أحد الميادين الرئيسية، مثل الميدان الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الميادين الفرعية كالتنمية الصناعية أو الزراعية”([11]).

6ـ عملية مجتمعة تراكمية تتم في إطار نسيج من الروابط، بالغ التعقيد بسبب تفاعل متبادل بين العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإرادية الإنسان هدفها النهائي ووسيلتها الرئيسية”([12]).

ثانياً: موضوع التنمية البشرية الإنسان المريد المختار

إن العلاقة بين عملية التنمية البشرية وثبوت حرية الأفراد واختيارهم واستناد أفعالهم إليهم بالذات وبصورة مباشرة هي علاقة موضوعية تتمثل في التلازم العلي والمعلولي بين الطرفين. ونعني بذلك أن عملية التنمية البشرية موضوعها الإنسان المختار المريد الذي تصدر عنه أفعاله وتستند إليه بمحض إراداته واختياره. وأما شروط هذه العملية فهي عبارة عن الجهود الفكرية والعلمية والعملية التي يبذلها في وضع الخطط والمشاريع المطلوبة لتنفيذها.

قال الباحث طلال فائق الكمالي في بيان موضوع التنمية البشرية: “ومن خلال استقرائنا لدراسات هذا العلم ندرك أن موضوع التنمية البشرية هو الإنسان إنّه المحور الأساس الذي ترتكز عليه جميع البحوث والنشاطات وتدور حوله، بل يعدّ الجامع لمسائله والباحث عن شؤونه، كما يتجلى الموقف وضوحاً حين نجد أن غرض وغاية التنمية البشرية هي المحاولة الجادة لردم الهوة وتقليل الفارق بين ما هو كائن للإنسان وما ينبغي أن يكون له، أي الانعطاف به من مستوى إلى مستوى أفضل وأرفع على الصعيد النفسي والعقلي والبدني، وكذلك على الأصعدة التي تحيط به كافة.. وهذا يعني أن التنمية البشرية تسعى جادة إلى سعة خيارات الإنسان كي تستوعب جميع ظروفه الذاتية، والموضوعية التي تحيط به وتعني بها الحريات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تنضوي تحتها من مفردات تؤهله للارتقاء بنفسه، فإن الاهتمام بالإنسان بوصفه محورا ووسيلة وهدفاً يعني إنه موضوع التنمية البشرية”([13]).

ثالثاً: التنمية البشرية في منطق القرآن الكريم

إن التنمية البشرية على ضوء المنظور القرآني شاملة لجميع الميادين والأبعاد الحياتية للوجود الإنساني في هذا الكون؛ أي إذا توجهنا إلى القرآن الكريم وتأملنا آياته نجد منها ما يدل على التنمية البشرية في البعد الفكري والسلوكي وعلى المستوى الفردي والجماعي، ونجد منها آيات تدل على التنمية البشرية في البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والصناعي وغيرها من الأبعاد والآفاق الحياتية للإنسان.

هذه الآيات في الواقع تعتبر من الآيات التي تبين النظام الإلهي والبرنامج الرباني لطبيعة الحياة الإنسانية ونمط الوجود البشري في هذه الكرة الأرضية. وهي على طوائف:

الطائفة الأولى: آيات الاستخلاف

كقوله تعالى: ﴿وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30).

﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ ورَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام: 165).

﴿يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ﴾ (ص: 26).

﴿ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (يونس: 14).

إن عملية الاستخلاف التي دلت عليها الآيات المذكورة من هذه الطائفة متقومة بثلاثة أركان رئيسة:

الركن الأول: المستخلِف بكسر اللام (على صيغة اسم الفاعل) ويمثل هذا الركن الله الخالق للإنسان.

الركن الثاني: المستخلَف بفتح اللام (على صيغة اسم المفعول) وهو الإنسان والبشر وقد بدأت هذه الخلافة الإلهية بأبي البشر نبي الله آدم(ع).

الركن الثالث: المستخلف عليه بفتح اللام أيضاً؛ أي ما وقع عليه الاستخلاف.

ولا شك أن عملية الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض انطلقت على أساس وجود وظيفة إلهية ومهمة ربانية في هذا الكوكب أراد الله سبحانه وتعالى إيكالها إلى الإنسان وجعله مسؤولاً عن أدائها.

والسؤال المطروح هنا. ما تلك الوظيفة الإلهية التي وضع الله تعالى مهمة تنفيذها وعملية تسييرها على عاتق البشر بصفته ممثلاً للخالق تعالى وخليفة له في أرضه؟

وما علاقة تلك الوظيفة الإلهية والأمانة الربانية بالوجود البشري ونظام حياتهم في هذا الكوكب؟

للإجابة عن السؤالين المطروحين ينبغي لنا الاستفادة بأقوال بعض أعلام التفسير وآرائهم حول الأبعاد الوظيفية والغائية في جعل آدم وأبنائه خلفاء في الأرض.

 قال صاحب الميزان في سياق بيانه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 30): “والخلافة هي قيام شيء مقام آخر لا تتم إلا بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجودية وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف… إن الخلافة المذكورة إنما كانت خلافة الله تعالى، لا خلافة نوع من الموجود الأرضي كانوا في الأرض قبل الإنسان وانقرضوا ثم أراد الله تعالى أن يخلفهم بالإنسان كما احتمله بعض المفسرين، وذلك لأن الجواب الذي أجاب سبحانه به عنهم وهو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك… فالخلافة غير مقصورة على شخص آدم عليه السلام بل بنوه يشاركونه فيها من غير اختصاص، ويكون معنى تعليم الأسماء إيداع هذا العلم في الإنسان بحيث يظهر منه آثاره تدريجياً دائماً ولو اهتدى إلى السبيل أمكنه أن يخرجه من القوة إلى الفعل ويؤيد عموم الخلافة قوله تعالى: (إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) [سورة الأعراف: 69]. إنه سبحانه لم ينف عن خليفة الأرض الفساد وسفك الدماء، ولا كذب الملائكة في دعواهم التسبيح والتقديس، وقررهم على ما ادعوا، بل إنما أبدى شيئاً آخر وهو أن هناك أمراً لا يقدر الملائكة على حمله ولا تتحمله، ويتحمله هذا الخليفة الأرضي فإنه يحكي عن الله سبحانه أمراً ويتحمل منه سراً ليس في وسع الملائكة”([14]).

لقد أشار العلامة الطباطبائي في طيات عباراته إلى جملة من الأمور والحقائق المتعلقة بعملية استخلاف الله تعالى الإنسان في الأرض والمعالم الأساس لهذه الخلافة:

الأول: بيان مفهوم الخلافة وماهيتها.

الثاني: نظراً إلى كون الخليفة ممثلاً للمستخلف ومتحدثاً باسمه ينبغي أن يحاكي ويضاحي المستخلف في جميع شؤونه الوجودية وآثاره وأحكامه وتدابيره. وتفيد هذه المحاكاة قدرة الخليفة ونجاحه في أداء المهام والوظائف الموكلة إليه من قبل المستخلف.

الثالث: إن هذه الخلافة خلافة الله سبحانه وتعالى، فهو المستخلف والمستخلف عنه، فليست هذه الخلافة لموجود آخر من الموجودات الأرضية، بل هي خلافة إلهية.

الرابع: الخلافة غير مقصورة ومحددة بشخص نبي الله آدم(ع)، بل هي عامة وشاملة لأبنائه أيضاً، وهذا يعني أن أداء مهام الخلافة والقيام بوظائفها عمل مشترك بين أبناء البشر كافة، ومسؤولية ملقاة على عاتق الجميع.

الخامس: تفيد معالم هذا الاستخلاف الإلهي وجود وظيفة إلهية ومهمة ربانية ومشروع إلهي أراد الله تعالى أن يتولى آدم وأبنائه مهمة تحقيق هذا المشروع الإلهي بصفته خلفاء الله وممثلين له في أرضه، وأمنائه على سره.

 وفيما يتعلق بماهية وطبيعة هذه الوظيفة الإلهية وعلاقتها بنظام الحياة الإنسانية في هذه الكرة الأرضية وإن كانت غير مفصلة في عبارة صاحب الميزان إلا أننا نستفيد منها أن العلم الذي أودعه الله تعالى في شخص آدم والقابليات المودعة في أبنائه يلعبان دورا محوريا في أداء تلك الوظيفة الإلهية لتحقيق ذلك المشروع الإلهي.

هذا وقد ذكر صاحب تفسير في ظلال القرآن كلا ما مفصلاً ـ إلى حد ماـ حول الوظيفة الإلهية التي أوكلت مهمة تنفيذها على عاتق البشر بصفتهم خلفاء الله في الأرض: فقال في سياق بيان معنى الآية المتقدمة: “إن السياق يستعرض موكب الحياة، وبل موكب الوجود كله، ثم يتحدث عن الأرض في معرض آلاء الله على الناس فيقرر أن الله خلق كل ما فيها لهم… في هذا الجو تجيء قصة استخلاف آدم في الأرض، ومنحه مقاليدها، على عهد من الله وشرط، وإعطائه المعرفة التي يعالج بها هذه الخلافة…إذن المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود زمام هذه الأرض، وتعلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب… وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله ـ بإذن الله ـ في المهمة الضخمة التي وكلها الله.

إذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات ووهب من القوى الخفية ما يتحقق المشيئة الإلهية… لقد خفيت عليهم [على الملائكة] حكمة المشيئة العليا في بناء هذه الأرض وعمارتها، وفي تنمية الحياة وتنويعها، وفي تحقيق إرادة الخالق وناموس الوجود وفي تطويرها وترقيتها وتعديلها، على يد خليفة الله في أرضه هذا قد يفسد أحيانا وقد يسفك الدماء أحياناً ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل خير النمو الدائم، والرقي الدائم، خير الحركة الهادمة البائية، خير المحاولة التي لا تكف، والتطلع الذي لا يقف، والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير”([15]).

إذن تتمثل هذه الوظيفة الإلهية في عمارة الأرض وإحيائها وبناء وتنمية الحياة البشرية فيها وتطويرها وترقيتها بغية الوصول إلى إنشاء وبناء نظام حياتي للإنسان يتسم بسمة الحركة والنمو والارتقاء الدائم تتجلى من خلال هذه المسيرة البنائية والحركة التنموية القدرات الإنسانية والطاقات البشرية الهائلة، والخافية الكامنة في هذ الكائن البشري الذي يعد آية الله الكبرى والتجلي الإلهي الأعظم. وتعد هذه المهمة عين عملية التنمية البشرية التي بينا مفهومها وموضوعها وميادينها.

قال صاحب تفسير الأمثل في سياق بيانه معنى آية الاستخلاف: “شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفة، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها وما فيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإنسان. مثل هذا الموجود بحاجة إلى قسط وافر من العقل والشعور والادراك والكفاءة الخاصة، كي يستطيع أن يتولى قيادة الموجودات الأرضية”([16]).

وعليه فإن الآيات القرآنية التي تناولت مسألة الاستخلاف الإلهي للبشر في هذه الأرض تختزن في مضامينها وفي أهدافها الاستراتيجية عملية التنمية البشرية، بل تدل هذه الآيات على أصل نشأة عملية التنمية البشرية، وبداية مرحلة انطلاق هذه العملية.

الطائفة الثانية: آيات عمارة الأرض

كقوله تعالى: ﴿وَإِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ (هود: 61).

الطائفة الثالثة: آيات تسخير الكون والطبيعة للإنسان

منها: قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون‏﴾ (الجاثية: 12 ـ 13).

﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الْأَرْضِ وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً ومِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدىً ولا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ (لقمان: 20).

الطائفة الرابعة: آيات تمكين الإنسان في الأرض

 كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ﴾ (الأعراف: 10).

﴿وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ ولا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 56).

الطائفة الخامسة: آيات الدعوة إلى الإصلاح والتغيير

ومنها قوله تعالى: ﴿قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ورَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى‏ ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).

 ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 104).

نستنتج من الآيات المتقدمة أموراً عديدة:

ألأول: إن هذه الطوائف وأمثالها من آيات الذكر الحكيم تختزن في مضامينها عملية التنمية البشرية ومعالمها وآفاقها وكيفية إدارتها وترجمتها في واقع الحياة البشرية ومراحلها… وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآيات الاستخلاف الإلهي للبشر في أرضه.

إن دعوة البشر من الخالق سبحانه وتعالى إلى عملية الإصلاح من خلال تغيير ما بأنفسهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس وتسخير الله تعالى خيرات الأرض والسموات وتمكينه تعالى هؤلاء البشر في أرضه وتكليفه إياهم مهمة عمارة الأرض كل هذه الأمور تقع في طريق تحقيق معالم الخلافة الإلهية وأبعادها وأهدافها الاستراتيجية. وتقع كل هذه المهام والوظائف في طريق انجاز عملية التنمية البشرية، وهي تمثل الوسائل والأدوات لهذه العملية.

الثاني: إذا تأملنا آيات التنمية المتقدمة وأمثالها من آيات الذكر الحكيم، ونظرنا إلى مضامينها من جهة ارتباطها بحياة البشر وعلاقتها بمصيرهم ومستقبلهم نجد أنها تحدد ماهية النظام الإلهي للوجود البشري وطبيعة الحياة الإنسانية: فهي آيات تختزن في مضامينها كيفية القضاء والقدر الإلهي المتعلقان بنمط حياة العباد وطبيعة مصيرهم ومستقبلهم، فهي تساعدنا في فهم طبيعة العلاقة بين العباد وأفعالهم الصادرة.

 الثالث: إن عقيدة الجبر وفكرة نفي صدور الأفعال من العباد ونفي نسبتها واستنادها إليهم بصورة مباشرة على نحو الاختيار والإرادة، أو نفي تأثير قدرتهم عليها تتنافى مع منطق وفلسفة آيات التنمية البشرية.

الرابع: نستفيد من آيات التنمية البشرية أن موضوع هذه التنمية هو الإنسان المريد المختار القادر على تحمل المسؤولية والحفاظ على الأمانة الإلهية التي تتمثل بخلافة البشر وأبناء آدم(ع) في الأرض.

ويمتلكون جميع القابليات والاستعدادات الفكرية والسلوكية المعنوية والمادية لتحمل هذه المسؤولية وصون هذه الأمانة الإلهية. ويتمتعون بجميع الصفات النفسية والروحية والفكرية والعقلية والجسدية لأداء تلك الوظيفة الإلهية الملقاة على عاتقهم والمتمثلة بإدارة شؤون حياة الإنسان في هذه الأرض.

وقد أشار بعض أعلام التفسير إلى ضرورة اتصاف البشر كل الصفات اللازمة والمؤهلة لهم لأداء تلك الوظيفة الإلهية الملقاة على عاتقهم بصفتهم خلفاء الله في أرضه حيث جاء في تفسير الأمثل: “شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفة، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها وما فيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإنسان. مثل هذا الموجود بحاجة إلى قسط وافر من العقل والشعور والادراك والكفاءة الخاصة، كي يستطيع أن يتولى قيادة الموجودات الأرضية”([17]).

ثالثاً: كيف تستفيد المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا من مبد أصالة الاختيار الإنساني في مجال التنمية البشرية

تمهيد: الاتجاه العقائدي الرائج في منطقة غرب إفريقيا

 تقع منطقة غرب إفريقيا في الركن الغربي من القارة الإفريقية، وتضم ست عشرة دولة تصنف في مجموعتين: الدول الفرانكفونية والدول الأنجلوفونية. وقد دخلها الإسلام في القرن العاشر الميلادي عبر مسالك متعددة.

 إن أول اتجاه عقائدي وأقدم فكر كلامي في التراث العقائدي للمسلمين في منطقة غرب إفريقيا هو الاتجاه العقائدي لأتباع الطريقة الصوفية. وتعد العقيدة الأشعرية المرجعية الكلامية في الفكر الديني الإسلامي عند أصحاب هذا الاتجاه. وهي العقيدة الأكثر رواجا وانتشارا في منطقة غرب إفريقيا. قال الدكتور عبد الرحمن ميكا: “تعتبر منطقة السودان الغربي من أهم المناطق التي تأثرت بالمغرب الأقصى منذ قرون طويلة؛ ولهذا تبنت مجموعة من المبادئ الإسلامية التي جاءتها عن طريق المغرب. ومن هذه المبادئ الإسلامية التي كان للمغرب فضل السبق في إدخالها بمنطقة السودان الغربي، العقيدة الأشعرية التي تنسب إلى أبي الحسن الأشعري. فقد تسربت هذه العقيدة إلى منطقة السودان الغربي منذ أن تبناها المغاربة مذهبا رسميا للدولة المغربية في عهد الموحدين حتى أصبحت العقيدة المفضلة لدى المجتمع السوداني الغربي. إن كتب التاريخ والتراجم لعلماء السودان الغربي لم تبين تاريخ دخول العقيدة الأشعرية في المنطقة، لكن الشيء المؤكد أن المجتمع السوداني الغربي لم يعرف مذهبا ولا عقيدة من القرن الثامن الهجري إلى القرن الثالث عشر إلا الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني المعتدل أسوة بأساتذتهم المغاربة”([18]).

 أبرز أصول الرؤية العقائدية في القضاء والقدر الإلهي حول مصير العباد في نظر أصحاب هذا الاتجاه هي: وجوب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره، نفي العلاقة العلية بين قدرة العبد وأفعاله الصادرة منه، ويسمى بالكسب، وهي جبرية مبطنة، الإيمان بأن الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه([19]).

وقد تركت هذه العقيدة مجموعة من المشكلات الفكرية والسلوكية في حياة المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا منها: التوهم بأن العبد مسلوب الإرادة والاختيار في أمر الهداية والضلال، التعامل مع الإخفاقات الحياتية على أنها من القضاء والقدر الإلهي، ظاهرة التواكل والاستسلام أمام المشكلات الحياتية.

وقد آن الأوان للمسلمين في منطقة غرب إفريقيا إعادة النظر في هذا الفكر الكلامي والعودة إلى منطق القرآن الكريم الذي يقر بمبدأ الإرادة والحرية وأصالة الاختيار في الحياة الإنسانية، والاستفادة من دور هذه الأصالة وعلاقتها بالتنمية البشرية في مجال الإصلاح العقدي من جهة، وفي دفع عجلة الإعمار والتنمية من جهة أخرى.

ولكي تستفيد المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا بالعلاقة الموضوعية القائمة بين مبدأ أصالة الاختيار الإنساني والتنمية البشرية يجب عليها أن تتبع الخطوات التالية:

1ـ التخلي عن الذهنية الكلامية والموروث العقدي القائم على أن الإنسان مسلوب الإرادة والاختيار في أمر الهداية والضلال.

2ـ التخلي عن الموروث العقدي القائم على كون القضاء والقدر الإلهي هما مصدر ومنشأ الشرور والمشاكل الاجتماعية والفردية التي تصيب الإنسان في حياته.

3ـ تفادي الوقوع في ظاهرة تعطيل العلاقة العلية (السببية) بين أفعال الإنسان المختار ومقتضياتها.

4ـ تفادي الخضوع للظلم والظالمين. وهذه من اللوازم العملية والسلوكية لحرية الإنسان في الإرادة والاختيار وقدرته على تقرير مصيره بنفسه.

أن تؤمن المجتمعات الإسلامية في إفريقيا الغربية أنها بيدها القدرة والإرادة والاختيار في صناعة قضائها وقدرها؛ أي مصيرها بنفسها في كافة المجالات الحياتية.

5ـ ضرورة انتقال هذه المجتمعات من ظاهرة حياة المستهلكين إلى نمط حياة المنتجين

قال الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ (الرعد: 11).

إن عملية انتقال الشعوب والمجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا من مجتمعات مستهلكة مستوردة تابعة ومقلدة إلى مجتمعات منتجة مصدرة حرة مستقلة معتمدة على ذاتها في مختلف المجالات والاصعدة هي في حد ذاتها عملية ممكنة قابلة التحق والوقوع في الواقع الخارجي إذا تحققت علتها التامة.

الركائز العملية لتنفيذ هذه الخطوة

وفي نظرنا وتصورنا المتواضع فإن نجاح هذه الخطوة بالذات يتطلب العناصر أو الركائز العملية التالية:

1ـ الاستفادة العملية من مبدأ أصالة الاختيار وحرية الإرادة الثابتة للإنسان

قال تعالى في محمكم تنزيله: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30).

قال المفكر الإسلامي الشهيد مرتضى مطهري في سياق بيانه وتحليله آية الاستخلاف المتقدمة: “إن لهذه السمية [تسمية الإنسان خليفة الله] أسبابها الكثيرة، ومن هذه الأسباب أن الله تعالى أو دع في الإنسان قابلية الإبداع بحيث يمكنه أن يلعب دورا مؤثرا في الحياة، ويأتي بجديد ما عهدته، علما أن حياته تبدأ من الصفر، ثم يتدرج فيها حتى يبدع ما يبعث على الانبهار والعجب وبإذن الله ما يبدعه! وبحكم كونه خليفة الله، فلا بد أن يضع حضارته بتخطيطه وإبداعه. وما تفننه في في انتاج طراز متنوع من السيارات في كل عام إلا دليل على تلك القابلية المودعة فيه، وبها يتقدم الإنسان، ويصل أعلى درجات الرقى. وما كان هذا إلا لأنه خلق حرّا مختارا، ولا يخفى فإن هذا الإنسان نفسه يستطيع أن يتأخر ويتراجع إلى الوراء إذا لم يكن طريق الرجعة مقطوعا عليه”([20]).

ونظراً إلى اشتراك جميع العباد وأبناء البشر ومساواتهم في هذا المبدأ (مبدأ أصالة الحرية والاختيار وأصل قابلية الإبداع) فإن المجتمعات الإسلامية في إفريقيا الغربية بدورها تمتلك استعدادات وقابليات في الإبداع والإنتاج والصناعة والاجتهاد في شتى المجالات والاصعدة. وهي قادرة بذلك على التحول والانتقال من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة، من مجتمعات مستوردة إلى مجتمعات مصدرة.

إن قابلية الإبداع والإنتاج المودعة في الإنسان؛ ذلك المخلوق والكائن الذي اختاره الله تعالى خليفة له في أرضه تعد جزءاً من قضاء الله وقدره المتعلق بالنظام الإلهي في خلق العباد وجعلهم أصحاب الإرادة والاختيار؛ لهم أن يفعلوا ما يشاؤون وما يختارونه فعله، ولهم أن يتركوا ما يشاؤون وما يختارون تركه.

قال المفكر الإسلامي الشهيد محمد باقر الصدر في سياق بيانه حقائق المجتمع وسنن التاريخ: “من خلال استعراضنا للنصوص القرآنية الكريمة التي أوضحت فكرة السنن التاريخية وأكدت عليها يمكنا أن نستخلص ثلاث حقائق أكد عليها القرآن الكريم بالنسبة إلى سنن التاريخ. الحقيقة الأولى: الاطراد. بمعنى أن السنة التاريخية مطرة، ليست علاقة عشوائية… الحقيقة الثانية: ربانية السنة التاريخية، السنة التاريخية ربانية مرتبطة بالله تعالى… الحقيقة الثالثة: اختيار الإنسان وإرادته. والتأكيد علي هذه الحقيقة في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جداً، لأن البحث في سنن التاريخ خلق وهما عند كثير من المفكرين، وهو أن هناك تعارضا وتناقضا بين حرية الإنسان واختياره وبين سنن التاريخ، فإما أن نقول أن للتاريخ سننه وقوانينه، وبهذا نتنازل عن إرادة الإنسان واختياره وعن حريته، وإما أن نسلم أن الإنسان كائن حرّ مريد مختار، وبهذا يجب أن نلغي سنن التاريخ وقوانينه. هذا الوهم كان من الضروري للقرآن الكريم أن يزيحه وهو يعالج هذ النقطة بالذات، ومن هنا أكّد على أن المحور في تسلسل الأحداث والقضايا غنّما هو إرادة الإنسان. وينغي أن نستمع إلى قوله تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [سورة الرعد:11]. ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً﴾ [الكهف: 59]. أنظروا أن السنن التاريخية لا تجري من فوق رأس الإنسان، بل تجري من تحت يده… إذن هناك مواقف إيجابية للإنسان تمثل حريته واختياره وتصميمه، وهذه المواقف تستتبع ضمان علاقات السنن التاريخية، تستتبع جزاءاتها المناسبة، تستتبع معلولاتها المناسبة. إذن فاختيار الإسنان له موضعه الرئيسي في الساحة التاريخية والتي لها طابع إنساني؛ لأنها لا تفصل الإنسان عن دوره الإيجابي، ولا تعطل فيه إرادته وحريته واختياره، وإنما تؤكد أكثر فأكثر مسؤوليته على الساحة التاريخية”([21]).

تنطبق هذه الحقيقة بحد ذاتها على واقع وطبيعة الحياة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا؛ فإن أصالة الحرية والارادة والاختيار الثابتة لهذه المجتمعات لها دورها المحوري وعليتها واقتضاؤها في تسلسل الاحداث والقضايا التاريخية في بيئتها، فلا يمكن الفصل بين الأوضاع والقضايا الحياتية التاريخية والحالية والمستقبلية للشعوب والمجتمعات الإسلامية في إفريقيا الغربية وبين أصالة الحرية والارادة والاختيار الثابتة لها.

وتفرض هذه الأصالة أو الحقيقة على مسلمي غرب إفريقيا مسؤولية بناء حياتهم وتحسين أوضاعهم وظروفهم، والانتقال من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة.

2ـ الاستفادة من الموارد البشرية والثروات الطبيعية في غرب إفريقيا

تتميز منطقة إفريقيا الغربية بموارد وثروات طبيعية هائلة متنوعة تعد مصدراً رئيساً في تقوية البنية الاقتصادية للدول الواقعة فيها بشرط أن تتم الاستفادة بها كما ينبغي. وأبز الموارد والثروات الطبيعية لمنقطة إفريقيا الغربية:

الثروة النباتية: تتميز المناطق الجنوبية الغربية بكثرة الغابات؛ نتيجة كثرة الأمطار وشدة الرطوبة، وتتكاثف بشكل كبير في بعض المناطق.

وتشتهر في إفريقيا الغربية أشجار البن التي تتركز في ساحل العاج وأشجار الكاكو التي تنتشر في كل من ساحل العاج ايضا وغانا ونيجيريا.

الثروة المعدنية: تغطي أراضي إفريقيا الغربية تربة حمراء غنية بالمعادن ناتجة عن تفتت الصخور. وينتشر الحديد في موريتانيان والفوسفات([22]) في السنغال، والبوكسيت([23]) في غانا وغينيا كوناكري، والمنغنِز([24]) في غينيا كوناكري، وتحوي أراضي سيراليون وغانا على الماس، وأراضي مالي والنيجر على اليورانيوم، ويتواد الذهب في غانا ومالي وبوركينافاسو، كما يتواجد الملح في كل من السنغال ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وغانا، ومن الثروات المعدنية المهمة المتوفرة الآن في منطقة غرب إفريقيا النفط الذي يتواجد بكثرة في نيجريا.

الثروة الحيوانية: تشكل غابات إفريقيا الغربية مراتع طبيعية للحيوانات؛ كالفيل والثور الوحشي وحصان البحر والزرافات وبعض الأسود والنمور والغزلان.([25])

وقال أحد الباحثين في هذا الصدد: “تميز بلدان غرب إفريقيا بمميزات اقتصادية مهمة تمثلت في تنوع مناخها، وخصوبة تربتها، ووفرة الثروة الحيوانية بغاباتها والثروة السمكية بسواحلها الأطلسية وأنهارها الداخلية (السنغال – النيجر)، هذا فضلاً عن كونها خزاناً للمعادن النفيسة كالذهب والنحاس والحديد، التي شكَّلت رواجاً مهمّاً في تجارة القوافل الصحراوية التي ربطت بين غرب إفريقيا وشمالها في العصور الوسطى”([26])

الموارد البشرية: يقدر عدد سكان غرب إفريقيا بحوالي 381,981 نسمة في إحصائية جرت عام 2018م([27]).

وأكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان هي نيجيريا التي يقدر عدد سكانها حوالي 208,679,114. والدولة الأصغر من حثيث عدد السكان هي الرأس الأخضر التي يقدر عدد سكانها 600 ألف نسمة([28]).

وقد جاء في بعض الدراسات حول الثروة البشرية لدول غرب إفريقيا ما يلي: بمناسبة يوم الاحصاء الإفريقي والذي أقرته اللجنة الاقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء مجموعة من المؤشرات للزيادة السكانية في إفريقيا… وفقا لتوزيع سكان العالم المتوقع حدوثه عام 2050م سب القارات فمن المتوقع أن تمثل قارة إفريقيا 26.1% من سكان العالم مقابل 17.5% عام 2021. ومن المتوقع ارتفاع معدل النمو السكاني لقارة إفريقيا بخلاف قارات العالم الأخرى التي من المتوقع انخفاض معدل النمو السكاني فيها خلال الفترة نفسها. وتمثل نيجيريا المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في إقليم غرب إفريقيا عام 2021م 211 مليون نسمة. يمثل عدد سكان نيجيريا 51.1% من جملة عدد سكان الإقليم (إقليم غرب إفريقيا) و15.4% من جملة سكان القارة و2.7% من جملة سكان العالم، وترتيبها رقم7 عالميا والأولى إفريقيا من حيث عدد السكان([29]).

3ـ الاستفادة من موقع دول إفريقيا الغربية في كونها من الدول النامية

من الخصائص والميّزات التي تتميز بها إفريقيا الغربية كونها منطقة فتية بمواردها البشرية وثرواتها الطبيعية، ولم تدخل بعد في مرحلة الشيخوخة والعجزة من هذه الجهة كما هو الحال في بعض القارات؛ كالقارة الأوروبية والأمريكية.

بل هي تتصنف وتعتبر من المناطق والدول النامية. وما ذكرناه في المنطلق السابق يؤكد لنا واقعية هذه الميزة، وهناك جهود ـ وإن كانت محدودة متواضعة ـ بذلت سابقا وتبذل في الوقت الراهن من أجل دفع عجلة التنمية والاستفادة بالثورات الطبيعية والموارد البشرية المتوافرة في هذه المنطقة، من خلال إنشاء مشاريع وبرامج تنموية في شتى المجالات والأبعاد.

وقد أنتجت تلك الجهود بعض المبادرات والمشاريع من جملتها إنشاء مجموعة اقتصادية لدول غرب إفريقيا.  منظمة سياسية واتحاد اقتصادي إقليمي. وهي:

(Economic community of west African states)

بالإنكليزية: ECOWAS (إيكواس) أو بالفرنسية: (CEDEAO)، وتعرف اختصاراً بـ (سيدياو).

وقد تأسَّست المجموعة في 28 شهر مايو عام 1975م بموجب معاهدة لاغوس. وهي مجموعة تضم 15 عضواً وهي عدد دول منطقة غرب إفريقيا باستثناء دولة موريتانيا؛ فيهي ليست عضوا في هذه المنظمة مع أنها تقع في منطقة غرب إفريقيا. وتتمثل مهمتها في تعزيز النمو والتكامل الاقتصادي في البلدان المكونة… وتتمثل الرؤية الاقتصادية بالتحديد لدول غرب إفريقيا في إنشاء منطقة بلا حدود من إتاحة الفرصة لسكانها من الاستفادة الوفيرة بالموارد والثروات الطبيعية التي الوفيرة في هذه المنقطة. وتهدف المجوعة الاقتصادية لدول غرب إفريقي إلى تعزيز العلاقة والتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بينها وغيرها. وتسعى إلى أن تكون واحدة من ركائز المنظومة الاقتصادية في القارة الإفريقية، وهدفها النهائي هو الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في النظام الاقتصادي والسياسي لدول منطقة غرب إفريقيا([30]).

“وتتجه خطط التنمية الخاصة ببلدان غرب أفريقيا نحو ثلاثة محاور رئيسة: تكوين الثروة المساواة والعدالة الاجتماعية بصورة أكبر. بناء التنمية المستدامة. وفي سعيهم لتحقيق حالة الدخل المتوسط يمنحون الأولوية لتحسين الممارسات الإدارية، وخلق مناخ أكثر موائمة للأعمال التجارية، ووضع نظم صحية وزراعية أكثر قوة. وبنية تحتية حديثة. وقوى عاملة ماهرة. وتعكس تلك الخطط رغبة في استغلال الموارد التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد اتها بطريقة أكثر استدامة. كما تعكس التصميم على تنويع الاقتصاد وتحديثه. ولن يتأتى ذلك دون قوى عاملة تتسم بالمهارة واللجوء للعلم والتكنولوجيا والابتكار”([31]).

وقد أشار سياق عرضه عناصر المجتمع المفكر الإسلامي السيد محمد باقر الصدر إلى المحورية العلاقة بين الإنسان والطبيعة ودرهما في نشأة المجتمع وحركته التكاملية، مستفيدا في هذا التقريب بآية الاستخلاف المتقدمة، فقال: “حينما نستعرض هذه الآية الكريمة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30] نجد أن الله سبحانه وتعالى ينبئ الملائكة بأنه قرّر إنشاء مجتمع على الأرض. هناك ثلاثة عناصر يمكن استخلاصها من العبارة القرآنية:

أولاً: الإنسان.

ثانياً: الأرض أو الطبيعة على وجه عام.

ثالثاً: العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالأرض وبالطبيعة، وتربط من ناحية أخرى الإنسان بأخيه الإنسان.

هذه العلاقة المعنوية التي سماها القرآن الكريم بالاستخلاف… ونحن حينما نلاحظ المجتمعات البشرية، نجد أن المجتمعات البشرية جميعا تشترك بالعنصر الأول والثاني. لا يوجد مجتمع بدون إنسان يعيش مع أخيه الإنسان، ولا يوجد مجتمع بدون أرض أو طبيعة يمارس الإنسان عليها دوره الاجتماعي. وفي هذين العنصرين تتفق المجتمعات التاريخية والبشرية”([32]).

4ـ الاستفادة من التراث التاريخي والحضاري والثقافي لإفريقيا الغربية

تتمتع منطقة غرب إفريقيا بإرث تار يخي وحضاري وثقافي مهم تسطيع الشعوب والمجتمعات الإسلامي من خلال هذا الإرث أو التراث أن يتكسب العديد من الخبرات والتجارب والمهارات في الابداع والابتكار في وضع الخطط والمشاريع التنمية في مجالات متنوعة قادرة على نقلهم من مجتمعات مستهلكة مستوردة تابعة مقلدة للغير من جهة الحضارة والتاريخ والثقافة إلى مجتمعات وشعوب منتجة مصدرة ونموذجية في مجال الحضارة والثقافة والتاريخ. وقد أثر انتشار الدين الإسلامي في إفريقيا الغربية وقيام الممالك الإسلامية فيها على تبلور تاريخ وثقافة وحضارة هذه المنطقة([33]).

5ـ ضرورة إحياء روح الإبداع والابتكار

من العوامل الموضوعية والشروط الضرورية في تحقيق إجراء عملية التغيير وإصلاح الأوضاع الحياتية ومعالجة المشكلات والأزمات التي يعاني منها المسلمون في منطقة غرب إفريقيا وانتقالهم من مجتمعات مستهلكة مستوردة إلى مجتمعات منتجة معتمدة على ذاتها وقدراتها وطاقاتها الذاتية والمحلية إحياء روح الابتكار والابداع في المجالات المحورية والحيوية. وأهمها المجالات التالية:

الإبداع والابتكار في العلوم الطبيعية والإنسانية: وتقع هذه المهمة على عاتق طلاب الجامعات الأكاديمية وأساتذتها بالدرجة الأولى

الإبداع والابتكار في الفكر السياسي: ونظام إدارة مؤسسات الدولة وفي العلاقات الدولية الاقليمية والمحلية: وتقع هذه المهمة بالدرجة الأولى على عاتق ومسؤولية الطبقة السياسية والطبقة الحاكمة والذين تصدوا لإدارة الشؤون الحياتية للشعوب والمجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا.

الإبداع والابتكار في النظام الصحي وتطوير الطبابة: من المشكلات والأزمات التي تعاني الشعوب والمجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا ضعف وحشاشة النظام الصحي وضعفه.

كثير من الأمراض الفتاكة انتشر وتنتشر في إفريقيا بشكل عام وفي غربها بشكل خاص، ويموت إثرها عشرات الآلاف نتيجة حشاشة النظام الصحي وضعفه في هذه المنطقة ومن أمثلة تلك الأمراض الفتاكة وباء إيبولا الذي انتشر في غرب إفريقيا قبل سنوات، وخلف العديد من الضحايا. وتقع هذه المهمة على عاتق طلبة الجامعيين والاساتذة العاملين في هذا الاختصاص. وعلى الدول والمؤسسات الصحية في منطقة غرب إفريقيا تقديم الدعم وتوفير الامكانات اللازمة.

الإبداع والابتكار في النظام الاقتصادي والصناعي: وهذه الوظيفة مشتركة بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة. وعلى الطبقة الحاكمة تقديم الدعم للمجتمعات والشعوب وتشجيع الجهود الفردية والجماعية في هذا المجال.

وتنسجم هذه الخطوة مع مبدأ القضاء والقدر الالهي في خلق الإنسان حرا مريدا مختارا؛ يفعل أفعاله بإراداته واختياره، وله قابلية الابداع والابتكار؛ أي إن هذه الخطوة أو الركيزة تعتبر تجسيدا وتطبيقا للركيزة الأولى من ركائز هذه الطريق.

وقد ناضلت شخصيات ثورية وإصلاحية، دينية وسياسية من إفريقيا الغربية ضد القوى الاستعمارية الغربية وقاومتها من أجل استقلال نظامها السياسي والإداري والاقتصادي والتعليمي والتربوي والثقافي والحضاري، واجتهدت وسعت نحو الابداع والابتكار في هذه المجالات. ويدخل في عداد هذه الشخصيات الزعيم الثوري الإفريقي  توماس سانكارا من بوركينا فاسو. ومن عباراته: “علينا أن نستهلك ما ننتجه وننتج ما نستهلكه” “دعونا نبتكر مستقبلنا”([34])؛ “إننا نستهدف في نضالنا، حلفائنا الأفارقة المعادين للإمبريالية. ولعل ذلك يستلزم التقارب مع تلك البلدان لمواجهة المد الاستعماري الجديد الواقع في قارتنا”([35]).

الخاتمة

1ـ ركزت الدراسة على منطقة غرب إفريقيا التي تقع في الركن الغربي من القارة الإفريقية، وتضم ست عشرة دولة تتألف من مجموعتين: الدول الفرانكفونية (الناطقة باللغة الفرنسية)، والدول الأنجلوفونية (الناطقة بالإنكليجزية). لقد دخلها الإسلام في القرن العاشر الميلادي عبر طرق ووسائل عديدة.

2ـ توصلت الدراسة إلى أن العقيدة الأشعرية هي الأكثر رواجا وانتشارا في منطقة غرب إفريقيا، وهي المرجعية الفكرية والعقدية لأتباع الطرق الصوفية وشريحة المسلمين التقليديين في غرب إفريقيا. إن أبرز الأصول الفكرية والكلامية لهذه العقيدة حول مصير العباد تتمثل في الأصول التالية: وجوب الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره حلوه ومره، نفي العلاقة العلية بين قدرة العبد وأفعاله الصادرة منه، ويسمى بالكسب، وهي جبرية مبطنة، الإيمان بأن الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه.

3ـ لقد لاحظت الدراسة أن نمط التصور الكلامي لهذه المسألة عند الكثير من شرائح المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا قد أثر على حياتهم وترك مشكلات فكرية وسلوكية منها تجميد الحياة الفكرية، غياب رؤية دينية تنادي بالإصلاح والتغيير والدعوة نحو الإعمار والتنمية البشرية، اسناد الاخفاقات الحياتية إلى القضاء والقدر الإلهي بحجة كون الإنسان مسلوب الإرادة والاختيار في تقرير مصيره.

4ـ لقد اقترحت الدراسة طريقا لحل هذه المشكلة تمثلت في بيان ثبوت مبدأ أصالة الاختيار والإرادة والحرية في أصل الخلقة الإنسانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بينت الدراسة أهمية وضرورة التنمية البشرية على ضوء منطق القرآن الكريم، وطبيعة العلاقة الموضوعية بينهما. ودعت الدراسة في هذا السياق المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا إلى التخلي عن التبعية والتقليد في الفكر والسلوك، وضرورة الاستفادة من طبيعة العلاقة الموضوعية بين مبدأ أصالة الاختيار في الحياة الإنسانية وقضية التنمية البشرية؛ وذلك لدفع عجلة الإعمار والتنمية الفكرية والعملية. ولوحت الدراسة إلى أن من أهم الخطوات العلمية التي يجب اتخاذها لضمان نجاح هذه المهمة ضرورة مواجهة الاستعمار الفكري والسلوكي، والتخلي عن التبعية والتقليد، وانتقال المجتمعات الإسلامية في منطقة غرب إفريقيا من شعوب مستهلكة مستوردة إلى شعوب منتجة تعتمد على قدراتها الذاتية ومواردها المحلية؛ كي تنتج ما تستهلكه وتستهلك ما تنتجه.

الهوامش

([1]) طالب في مرحلة الدكتوراه في جامعة المصطفى(ص) ـ فرع سوريا، من غينيا كوناكري غرب إفريقيا.

([2]) مطهري، مرتضى: أنسنة الحياة في الإسلام، ط1، بيروت، دار الإرشاد، 1430 ـ 2029م، ص358.

([3]).ابن فارس القزويني، أحمد بن فارس: مقاييس اللغة، ط1، قم، مكتب الاعلام الإسلامي، 1404هـ، ج5، ص974.

([4]) الفراهيدي، الخليل ابن أحمد: كتاب العين، ط2، قم، نشر الهجرة، 1409هـ.ج5، ص483.

([5]) المصدر نفسه، ج8، ص483.

([6]) المصدر السابق: ج2، ص195.

([7]) الكمالي، طلال فائق: التنمية البشرية في القرآن الكريم(دراسة موضوعية)، ص43.

([8]) موقع إلكتروني https://sites>google>com/site

([9]) مسار التنمية البشرية، موقع الكتروني: www>reefnet>gov>sy/boosroject/fikr

([10]) الجوهري وأخرون، عبد الهادي: دراسات في التنمية الاجتماعية، مدخل إسلامي، ص111.

([11]) المصدر السابق.

([12]) التنمية في دول مجلس التعاون، مجلة المعرفة، العدد 301، ص75.

([13]) التنمية البشرية في القرآن الكريم، دراسة موضوعية، مصدر سابق، ص157ـ 158

([14]) الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ج1، ص116.

([15]) الشاذلي، السيد بن قطب بن إبراهيم: في ظلال القرآن، دار الشروق، 1412هـ، ج1، ص57.

([16]) مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنـزل، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1421هـ.، ج1، ص155.

([17]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج1، ص155.

([18]) ميكا، د. عبد الرحمن محمد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالنيجر المكلف بالشؤون الإدارية والمالية: العقيدة الأشعرية في السودان الغربي وأعلامها، المملكة المغربية، مؤسسة محمد السادس للعماء الأفارقة، مجلة العلماء الأفارقة، العدد الثاني، ص132.

([19]) راجع: الحسني الصقالي الغيني، محمد عبد الله الشريف: كتاب الجامع على التوحيد، مخطوط، ص17ـ18. ـ الوالي الفلاّني النيجيري، محمد بن سليمان:المنهل العذب لعلم أسرار صفات الرب، مخطوط، ص23 ـ العلوي الشنقيطي، الشيخ محمد الحافظ: قبس السنة بشرح إضاءة الدجنة، نواكشوط، المحظرة العالمية الإسلامية، 1442هـ ـ 2021م، ص172ـ 174.

([20]) مطهري، مرتضى: رؤى جديدة في الفكر الإسلامي، تحقيق: عبد الكريم الزهيري، ط1، قم، آينده درخشان، 2009م، ج7، ص275.

([21]) الصدر، محمد باقر: حقائق المجتمع، إعداد: مركز نون للتأليف والترجمة، ط1، بيروت، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، 2012م/ 1433هـ.، ص18 ـ 20.

([22]) خام الفوسفات من المعادن والثروات الطبيعية الباطنية. يستخدم بعد استخراجه في الزراعة (هو أحدثلاثة عناصر في تغذية النبات) وفي صناعة الأسمدة. راجع:https:// ar.m.wikipedia.org

([23]) البوكسيت من المواد الخامة الطبيعية، يصنع منه معظم معدن الألومنيوم، ويتكون من معدن الجبسيت وغيره من المعادن. راجع: المصدر السابق.

([24]) المنغنيز عنصر كيميائي رمزه m n وعدده الذري 25 وهو فلزٌّ صلد مساميّ ذو لون رمادي فضي، ويوجد في العديد من المعادن، وعلى الأغلب يكون مرافقا للحديد. وهو مفيد لتحسين أداء الجهاز الهضمي حيث يساعد في امتصاص الدهون أثناء عملية الهضم ويقلل من الاضطرابات. راجع: المصدر السابق.

([25]) راجع: باري، محمد فاضل علي، كريديه، سعيد إبراهيم: المسلمون في غرب إفريقيا ـ تاريخ وحضارة، ط1، ، بيروت، دار الكتب العلمية2007م – 1428هـ.، ص21 ـ 23.

([26]) حديدي، د.الحسين: الممالك الإسلامية بغرب إفريقيا وإشعاع الحياة الفكرية بها في العصر الوسيط وبداية الحديث، مجلة قراءات الإفريقية، 8 ـ 6 ـ 2018م، ص1.

([27]) موقع ويكيبيديا، بتاريخ 19/11/ 2022م.

([28]) جميع دول غرب إفريقيا https://anamusafer.com

([29]) مجلة اليوم السابع cop27 رئيس التحرير: أكرم القصاص. تاريخ النشر: 19/10/2021.

([30]) راجع: المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، مجلة قراءات الإفريقية، ص1.

([31]) جورج إيسجياي ونوهوديابي والمامي كونت، غرب إفريقيا، جامعة شيخ أنتا جوب، السنغال، 2013، ص453.

([32]) مركز نون للتأليف والترجمة، عناصر المجتمع، سلسلة دروس في فكر الشهيد السيد محمد باقر الصدر، ص14 ـ 15.

([33]) راجع المصادر السابقة: المسلمون في غرب إفريقيا تاريخ وحضارة، للكاتبين: محمد فاضل علي باري وسعيد إبراهيم كريديّة، ص5. ـ الممالك الإسلامية بغرب إفريقيا وإشعاع الحياة الفكرية بها في العصر الوسيط وبداية العصر الحديث، للدكتور:الحسين حديدي، ص2. ـ مظاهر الحضارة الإسلامية في الممالك الإفريقية للدكتور: الفاتح الشيخ يوسف، ص2.

([34]) حمدي، دكتور عبد الرحمن: جيفارا الأفريقي (دراسة في الفكر السياسي لتوماس سانكرا)، ط1، القاهرة، مكتبة جزيرة الورد، 2015م ص18.

([35]) المصدر السابق، ص9.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً