أحدث المقالات

د. ديفيد اسكلر (Dr. David Sklare)(*)

ترجمة وتعليق: د. عادل سالم عطية / أ. محمد مجدي السيد

بين يدَيْ الترجمة

يتبنّى الخطاب الاستشراقي في أطروحاته هاجس تَبَعية المنجز العربي ـ الإسلامي للمركزية الأوروبية؛ فالفلسفة الإسلامية، بمجالاتها المتعدِّدة: «علم الكلام، والتصوُّف، وأصول الفقه.. إلى غير ذلك»، آيلةٌ كلُّها إلى مصادر خارجةٍ عن نطاق الإسلام؛ كاليهودية، والمسيحية، والبوذية، والزرادشتية، وغيرها([2]).

ورغم ذلك، فإنّ ظهور الطائفة القرائية ـ اليهودية ـ في العصور الوسطى يعكس لنا بوجهٍ من الوجوه تهافت هذا التصوُّر الاستشراقي من ناحيةٍ؛ وصحّة التصوُّر المغاير له من ناحيةٍ أخرى؛ فما ثبت بالدليل أن طوائف من اليهود ـ وعلى رأسهم القرّائين، بزعيمهم الحاخام عنان بن داوود ـ ممَّنْ تأثَّروا بل وتربّوا على مائدة الكلام المعتزلي الإسلامي.

لذا فإننا نتّفق تمام الاتفاق مع المستشرق الفرنسي اليهودي (جورج فايدا George Vajda) في إشارته إلى أنّ مذهب القرّائين اليهود رحَّب بمذهب المتكلِّمين المعتزلة ترحيباً عظيماً([3])؛ ومع المؤرِّخ أبي الحسن المسعودي(346هـ ـ 957م) الذي عرَّف العنانية ـ القرّائين ـ بأنهم ممَّنْ يذهب إلى العدل والتوحيد([4]).

وتُعَدُّ تلك الطائفة القرَّائية بمثابة ثورة عقليَّة على غيرها من الفِرَق اليهودية، كالربّانيين، تلك الطائفة التى ركنَت إلى التقليد والمحاكاة الرتيبة. وقد ازداد هذا التأثُّر بالمعتزلة حتّى أسماهم بنو جلدتهم «اليهود المعتزلة»، وحتى أننا نجدهم اليوم أقلِّيةً مهمَّشة؛ لما يُدْلون به من مقالاتٍ مخالفة للجمهور اليهوديّ.

ويبدو أن بعض مفكِّري اليهودية قاموا بدَوْر المتلقّي؛ فأفكار المعتزلة الإسلامية ـ كالتبريرية وحرّية الإرادة، وكذلك التأكيد على توحيد الله ـ لها صداها لدى مفكِّريهم، حتّى انتهى الأمر بكثيرٍ منهم إلى انتحال مذهب المعتزلة كاملاً غير منقوصٍ. وأقدم مختَصَرٍ يهوديّ يشي بالفكر المعتزلي هو كتاب النعمة، لليفي بن يفيت([5]).

وليس الهدف الذي نتغيّاه من ترجمة هذه الدراسة ـ التي عقدها ديفيد اسكلر ـ إثبات ما هو مثبَتٌ من قَبْلُ؛ فقد أثبتَتْ عشرات الدراسات السابقة أصداء مدرسة المعتزلة ـ والفكر الكلامي الإسلامي بوجهٍ عام ـ في مقالات اليهود([6])؛ فقضية تلمذة مفكِّري اليهود على أيدي علماء الكلام الإسلامي أضحَتْ أمراً لا يمكن تجاهله بأيّ حالٍ من الأحوال.

ولكنْ تكمن أهمِّية هذه الدراسة في أنها اعتمدت في أغلب الأحيان على بعض من الوثائق التي لم تعُدْ بين أيدينا الآن؛ كوثائق الجنيزا التي سُلبَتْ من الأديرة اليهودية بالقاهرة في القرون الماضية (كوثائق كنيس بن عزرا)، تلك الوثائق التي تُعَدّ جزءاً لا يتجزّأ من التراث العربي الإسلامي.

وترجع أهمّيتها كذلك إلى هوامشها؛ فهوامش هذه الدراسة لا تقلّ أهمية عن متنها؛ إذ ضمَّنها المؤلِّف تفاصيل غاية في الأهمِّية، فمنها: وصفه لبعض المؤلَّفات والوثائق، وطبعاتها، وأحياناً الحالة التي هي عليها، إلى غير ذلك من الإشارات، التي قد تفيد الباحث النَّقَّاب للوقوف على ما يريده منها. وينضاف إلى ذلك أن تلك الدراسة الاستقصائية، بما تتضمَّنه من إشاراتٍ، رُبَما تقدح الذهن؛ ليكتشف مجالاتٍ بحثية أخرى.

وقد ارتضى ديفيد اسكلر الاستقصاء منهجاً له؛ وذلك في تتبُّعه الدقيق لبعض أعلام اليهود ممَّنْ تأثَّروا بالمعتزلة واحداً تلو الآخر ـ في تلك الفترة ـ، ثم أردف ذلك بذكر طرفٍ من أعلام المعتزلة، كابن خلاّد(350هــ)، والقاضي عبد الجبّار(415هــ)، وأبو الحسين البصري(436هــ)، الذين أثَّروا فيهم أبلغ تأثيرٍ.

هذا، وإنْ كان لنا كلمةٌ نختتم بها هذا المدخل فهي أننا لا يمكن أن نجاري د. ديفيد اسكلر في كلّ ما ذهب إليه؛ إذ سجَّل ـ على سبيل الذكر، لا الحَصْر ـ أنه لم يكن هناك يهودٌ أتباع للأشعريّة. وهذا كلامٌ فيه نظرٌ؛ إذ الأدلّة والشواهد لتؤكِّد على أن هناك مؤثِّرات أشعرية في المجال اليهوديّ، وبخاصة لدى جوزيف بن صديق؛ حيث تابع الأشاعرة في الصفات الإلهيّة، والمذهب الذرّي، وكذا الإرادة، وكانت مناقشاته لهذه المسائل على دأب الأشاعرة تماماً([7]).

[النصّ المترجم]

نبذةٌ مختصرة

يقدِّم هذا المقال مَسْحاً موجزاً ​​عن المعتزلة اليهودية منذ بداياتها في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع وحتّى القرن السابع عشر الميلادي. وسنقوم بتوفير الأوصاف القصيرة للمؤلِّفين اليهود المعتزلة وأطروحاتهم.

ويمكننا تقسيم تطوُّر المعتزلة اليهودية إلى ثلاث فترات:

1ـ الفترة المبكِّرة، التي تتميَّز بالانتقائية والتنوُّع العقائدي.

2ـ الفترة «الكلاسيكية»، التي تمّ فيها تبنّي مدرسة البصرة البهشمية من قِبَل كلٍّ من: الحاخامات؛ والرابيين.

3ـ الفترة المتأخِّرة، التي تمّ فيها إنتاج خلاصات الفكر المعتزلي.

ونختتم المقال بنظرةٍ موجزةٍ عن المعتزلة في الأندلس.

أثر المعتزلة في المذاهب اليهوديّة

كان لتعاليم المعتزلة حياةً مهنيّة طويلة ضمن قطاعاتٍ كبيرة من اليهود الناطقين بالعربية([8]). بدأ الاتصال بين اليهود والعقلانية المنهجية ـ المعتزلية ـ في أوائل القرن التاسع، إنْ لم يكن من قبل. ولا تزال بعض هذه البدايات المبكِّرة غامضة، ولا تُعْرَف إلاّ من خلال التلميحات والإشارات؛ في حين أن البعض الآخر جليٌّ وواضح تماماً، مثل: كتابات داوود المقمّص العراقي، الذي يُعَدُّ عمله المركزي (Ishrûn Maqâla) هو أقدم ملخَّص عربيّ على قيد الحياة من علم اللاهوت النظامي.

يمكننا تتبُّع تاريخ اليهود المعتزلة من خلال ازدهار النشاط الأدبيّ في القرنين العاشر والحادي عشر في الطرف الآخر من الطيف الزمني. وظلّ الكلام المعتزلي اللاهوت «الرسمي» للمجتمع المصري القرائي حتّى الساعة، وعلى الأقلّ إلى منتصف القرن السابع عشر.

إن التبنّي المبكِّر لتعاليم المعتزلة بين أجزاء من يهود الشرق الأوسط لا يجب أن يفاجئنا، فقد كان اليهود جزءاً قديماً ومتكاملاً من سكّان العراق وبلاد فارس والشام ومصر، وذلك سويّاً مع المسيحيين، والزرادشتيّين، والمانويّين، وغيرهم.

 اختبر اليهود الثقافة والتطوُّرات السياسية في الشرق الأوسط بعد اضطرابات الفتح العربيّ الإسلامي، وما ترتَّب على ذلك من خلق ثقافةٍ عربية عالميّة.

وعندما بدأ اليهود يتعرَّضون للأدب الفلسفي من مختلف المصادر (مسيحي، هندي، إسلامي) فُتِن بعضهم وجُذِب من قِبَل إمكانية التفكير العقلاني والتحليلي في العالم من حولهم: العالم المادي ـ الفيزيائي؛ العالم الداخلي للروح والفكر؛ وظواهر التجربة الدينية.

كانت لتعاليم المعتزلة الناشئة أصداء في المذاهب اليهودية التقليدية، التي أكَّدَتْ على الوحدة الإلهيّة والعدل، واحتضنَتْ مبدأ الإرادة الحُرّة للإنسان، ورفضَتْ تجسيم الإله.

في هذا الصدد ـ وهو كذلك ـ من الحكمة أن نضع في اعتبارنا ملاحظة هاري ولفسون بشأن هذا التأثير؛ إذ يقول: «إن المعتقدات والأفكار معديةٌ بالفعل، وتاريخ المعتقدات والأفكار غالباً ما يكون تاريخاً لتقليد العدوى. ولكنْ من أجل أن يصبح الاعتقاد السائد بالاعتقاد أو الفكرة سارية المفعول يجب أن يكون هناك استعدادٌ وقابليةٌ للتأثُّر من جانب أولئك الذين سيتأثَّرون به»([9]).

واجهت اليهود أوّل ما واجهت فلسفة عقلانية ـ في سياق الهيلينية ـ، التي كان لها تأثيرها الضئيل على اليهودية؛ ففيلون السكندري ـ من اليهودـ لم يترك للفكر اليوناني أي انطباعٍ دائم عن اليهودية([10]).

وفي وقتٍ لاحق ـ تسعة قرون أو نحو ذلك ـ أثبت المشروع المسيحي والإسلامي لدمج الكتاب المقدَّس والفكر التحليلي والعقلاني في علم اللاهوت النظامي أنه جذَّاب لليهود فعلاً، وأصبح اتجاهاً رئيساً في الثقافة اليهودية في العصور الوسطى في الأراضي العربيّة.

وسيتمّ تقسيم وصفنا «للمعتزلة اليهودية» إلى ثلاثة أقسام ـ تقريباً ـ:([11])

أوّلاً: الفترة المبكِّرة ـ القرن التاسع والنصف الأوّل من العاشر ـ. إنها فترة بدايات وانتقائية وتأثير واضح للاّهوت المسيحي.

ثانياً: الفترة «الكلاسيكية» ـ النصف الأخير من القرن العاشر والحادي عشر ـ. في هذه الفترة تأثَّر المؤلِّفون اليهود بدرجةٍ كبيرة بمدرسة المعتزلة في البصرة، إلى درجة أن بعضاً شارك في النزاعات الداخلية للمدرسة.

ثالثاً: الفترة المتأخِّرة ـ القرن الثاني عشر وما بعده ـ. وممّا هو جديرٌ بالذكر أن النشاط الأدبيّ في هذه الفترة اقتصر ـ إلى حدٍّ كبير ـ على إنتاج ملخَّصات المعتزلة على غرار التعليم المسيحي.

وفي النهاية سوف أتطرَّق أيضاً إلى الوجود المعتزلي في الفكر اليهودي الأندلسي.

في حين أن تأثير الفكر الإسلامي المعتزلي واضحٌ على الكتّاب اليهود، على حدٍّ سواء في مذاهبها ومصطلحاتها التقنيّة. ولدينا القليل جدّاً من المعلومات التي تمكِّننا من تحديد المسارات القريبة من هذا التفاعل. وقد تمّ الاحتفاظ ببعض الحقائق التاريخية الفعلية المتعلِّقة بالاتصال بين اليهود والمتكلِّمين المسلمين، أو الكتب الإسلامية التي رُبَما قرأها المؤلِّفون اليهود.

إن ذلك فقط للفترة «الكلاسيكية». ولدينا بعض المعلومات من هذا النوع. ولا يسَعُنا إلاّ أن نفترض ذلك تشجيعاً للمصالح الفكرية المتبادلة والمواجهات الجَدَلية، وبالتأكيد التبادل العلمي بين أعضاء الجماعات الدينية المختلفة([12]). إن المناقشات في المجالس الرسمية وغير الرسمية قد أتاحَتْ فرصاً حقيقية لليهود ليتمّ طرحهم سابقاً على المذاهب والآراء والحجج الإسلامية([13]).

وفي مذاهبها اتَّبعت المعتزلة اليهوديّة بشكلٍ عامّ حدود الفكر الإسلامي. ونلحظ ذلك ونجده ـ على سبيل المثال ـ عند مناقشة النظرية الإبستمولوجيّة، والصفات الإلهيّة، وخلق الكتاب المقدَّس([14]) والخير والشرّ، والعدل الإلهيّ أو الإرادة الحرّة.

في حين أنه يتمّ التعبير في الوقت نفسه عن مخاوف جَدَلية ـ يهودية ـ بشكلٍ خاصّ بشأن النبوّة، وفكرة النسخ.

ويمكن القول بأن هذه الفترة المبكِّرة للمعتزلة الإسلامية قد اتَّسمَتْ بدرجةٍ عالية من التنوُّع العقائدي. فقد عارض المتكلِّمون تعاليم العقيدة المهمّة، مثل: الذرّة، وأصل الأعمال التطوُّعية البشرية، والتولُّد، وفكرة الأصل الذي قدَّمه الله للبشريّة([15]).

إن الفكر اليهودي المعتزلي في هذه الفترة كان انتقائيّاً ومتنوّعاً بالمثل. وتماماً، كما في الفترة الكلاسيكية من المعتزلة الإسلامية (الجزء الأخير من القرن التاسع وحتّى القرن الحادي عشر)، المدارس الفكريّة المتماسكة والمنهجيّة هي كذلك، بل يتبنّى المعتزلة اليهود أيضاً عقيدةً نظامية محدَّدة بدقّةٍ.

وقبل متابعة وصفنا لتطوُّر اليهودية المعتزلة نحتاج أن نأخذ مسارَيْن قصيرَيْن. ولقد ذكرت من قبل فرقة القرّائين الذين سيتمّ تمييزهم عن اليهود الربّية.

المسار الأوّل

 كان الربّانيون هم التيّار الرئيس لليهوديّة، الذي تأسَّست عليه ممارستهم الدينية للتقاليد الحاخامية المسجَّلة في المشناة والتلمود. تمّ استدعاء قادة الرهبان الموثوق بهم، الجاؤونيم، الذين عملوا كرؤساء في الأكاديميات التلموديّة في بلدتي سورا وبومبيديتا في منخفضات بلاد ما بين النهرين في العراق، ابتداءً من نهاية القرن السادس واستمراراً حتّى منتصف الحادي عشر.

في تصوُّرهم الذاتي، ورُبَما في الغالب صحيحٌ تاريخياً، كانت الأكاديميّات الجاؤونيمية هي المسؤولة المباشرة عن استمرار الأكاديميات التلمودية القديمة التي تمّ إنشاؤها في العراق في القرن الثالث، رغم أنه بحلول القرن العاشر الميلادي لم تعُدْ هذه المؤسَّسات مكاناً أساسياً للتعليم التلمودي، بعد أن قامَتْ بدَوْرٍ مهمّ في إدارة شبكة واسعة النطاق من المحاكم، ورأى رؤساء الأكاديميّات أنها مسؤوليةٌ؛ للحفاظ على صحّة التقاليد التلمودية ودقّتها، ونشر المعرفة حول التلمود في ذلك العالم اليهودي، المنتشر من خراسان إلى إسبانيا.

تمّ نقل كلٍّ من المدرستين الدينيّتين: (اليشفا؛ والجاؤونيم) إلى بغداد في نهاية القرن التاسع أو بداية العاشر، وهو التغيير الذي أحدث آثاراً مهمّة لعالمهم الفكريّ ([16]).

كانت الطائفة القرّائية طائفةً يهودية رافضة لسلطة التقاليد الحاخامية ـ التلمودية، وطوّرت أيديولوجيا كتاباتها؛ لخلق نظامٍ ديني قائم على الكتاب المقدَّس والمنطق التناظري (القياس). إن أصول القرّائين غير واضحةٍ. وهذا موضوعٌ به من الجَدَل الأكاديمي ما لا بأس منه. يبدو أن اليهودية القرّائية أتَتْ كحركةٍ ذات كتابات نصوصية واضحة؛ قد تجمَّعت في نهاية القرن التاسع (مع دانيال القومسي الدامغاني، والذي سيتمّ مناقشته بمزيدٍ من التفصيل في ما يلي)، ويبدو أنه قد لعب دَوْراً مهمّاً في هذا التطوُّر.

شجع القومسي أتباعه على مغادرة المنفى، والذهاب إلى القُدْس؛ حداداً على تدميرها. وقد كانت حركة مشيعون صهيون (Mourners of Zion) ناجحةً للغاية. وبحلول منتصف القرن العاشر أصبحت القدس هي المركز الرئيس للعصر الذهبي ـ غير العادي وغير المسبوق ـ للنشاط الفكريّ والأدبيّ الخصيب للقرّائين، واستمرّ هذا المشروع إلى 1096م، عندما دمَّر الصليبيون الجالية اليهوديّة في القدس ([17]).

المسار الثاني

إن مسارنا القصير الثاني يتعلَّق بمصادرنا، أو الافتقار إليها؛ لإعادة بناء التاريخ الفكري اليهودي ـ العربي. فقد بقي لنا القليل جدّاً من الأدب اليهودي من القرن السادس حتّى القرن التاسع. ومضافاً إلى ذلك، وبخلاف «القِمَم» العالية ـ الصاعدة ـ للفكر اليهودي المكتوبة باللغة العربيّة، مثل أعمال: سَعْدِيا جاؤون الفيُّومي، وبهيا بن باقودة، ويهودا هاليفي ـ الحاخام يهوذا بن شموئيل اللاوي الأندلسي ـ، وموسى بن ميمون، فمعظم الأدب اليهودي ـ العربي المتاح لنا نجا في الجنيزا القاهرية. والجنيزا هي مخزن عادةً في كنيس (معبد)، حيث يتمّ وضع بقايا الكتب البالية فيه، بَدَلاً من أن تُلقى ـ الأوراق والوثائق ـ بشكلٍ غير شريف أو مناسبٍ بالخارج. وقد نجا اثنان من هذه الجنيزات التي كانت قيد الاستخدام على مدى ما يقرب من ألف عامٍ في القاهرة.

الأولى من هذه كانت: الجنيزا الشهيرة في كنيس ابن عزرا، في الفسطاط، التي تُحفظ شظايا مخطوطتها الآن في مكتبات حول العالم، مع الأغلبية التي تحتفظ بها مكتبة جامعة كامبريدج.

والثانية هي: جنيزا كنيس القرّائي في القاهرة، حيث كان بمثابة مخزن للكتب البالية من مكتبة الكنيس. وتمَّتْ إزالة ونقل جميع مخطوطات هذه الجنيزا تقريباً من قِبَل الباحث والمغامر القرّائي أبراهام فيركوفيتش، وتمّ بيعها في عام 1876م إلى المكتبة الإمبراطورية (الآن المكتبة الوطنية الروسيّة) في سانت بطرسبرغ.

لقد تزوَّدْنا من هذين المخزنين الهائلين بالمخطوطات بمعلوماتٍ لا تقارن حول الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية لليهود في الشرق الأوسط في العصور الوسطى([18]). واحتوَتْ جنيزا كنيس ابن عزرا على أجزاء مخطوطة صغيرة للغاية، بينما كان من الممكن، وبجهدٍ كبير، إعادة بناء عددٍ من الأعمال الأدبية من هذه القصاصات من الكتب القديمة، وغالباً ما يكون النصّ الذي أعيد بناؤه مجزّأً تماماً، ويفقد أقساماً مهمّة جدّاً.

من ناحيةٍ أخرى، تحتوي مجموعات فيركوفيتش على العديد من المخطوطات الكبيرة جدّاً، ممّا يمنح العلماء إمكانية إعادة تشكيل نصوص كاملة تقريباً.

لقد وفَّرت لنا جنيزا القاهرة ـ بالفعل ـ الكثير من المعلومات المتعلِّقة بالأدب اليهودي العربي، والمجتمعات التي تمّ إنشاؤها فيها. ومع ذلك، من المهمّ أن نضع في اعتبارنا أن جنيزا القاهرة احتفظَتْ فقط بالموادّ التي جاءت إلى الفسطاط والقاهرة؛ تلك الكتب التي تهمّ العلماء المحلِّيين، تلك الكتب التي قاموا بجمعها أو نسخها. مع الأخذ في الاعتبار ـ أيضاً ـ أنه على عكس بغداد أو قرطبة أو القيروان، فالقاهرة (حتّى وصول موسى بن ميمون) لم تكن مركزاً مهمّاً للإبداع الثقافي اليهودي، ويجب أن نفترض أنه ليس لدينا معلومات عن الكثير من الأدب اليهودي ـ العربي، الذي رُبَما تمّ إنتاجه في العراق وسوريا أو أيّ مكانٍ آخر. وهذا بالطبع له آثاره الخطيرة في ما يتعلَّق بالقيود على ما يمكن أن نقوله عن المعتزلة اليهودية، خاصّة في مراحلها المبكِّرة.

1ـ الفترة المبكِّرة (القرن التاسع والنصف الأوّل من القرن العاشر)

وعلى الرغم من ذلك، يمكننا تحديد عدّة عناصر مهمّة عن السكّان اليهود الذين استوعبوا اعتقاد المعتزلة في وقتٍ مبكِّر جدّاً، رُبَما تبدأ هذه الفترة مع بداية القرن التاسع، بل رُبَما مع نهاية القرن الثامن، وفي وقتٍ مبكِّر بما فيه الكفاية، بحيث إنه بحلول منتصف القرن العاشر كان قد تمّ دمج هذه الأفكار ـ المعتزليّة ـ في الفكر اليهودي، وتمّ فهمها على أنها وجهاتُ نَظَرٍ أصيلة وأصلية لليهود. يمكننا أن نرى هذا الاتجاه، على سبيل المثال، في التعليقات الكتابية للقرّائي يفيت بن علي (نشط في النصف الثاني من القرن العاشر).

ومن جهته وافق يفيت مدرسة المعتزلة تماماً في ما ذكرته عن: نظرية المعرفة، والمنطق، والدليل على حدوث العالم (الاستفادة من دليل المعتزلة «الكلاسيكي»: دليل الجواهر والأعراض)، وهلمّ جرا.

ومن ناحيةٍ أخرى، فقد حارب يفيت دراسة الكتب الأجنبية (kutub barrâniyy)، وانتقد أيضاً المعتزلة أنفسهم؛ لفخرهم الفكري، يقول: «هم في الواقع ليسوا الأكثر حكمةً»([19]). لذلك فمن غير المحتمل أن يكون قد استمدّ معرفته بالكلام من أعمال المسلمين المعتزلة، ورُبَما تكون معلوماته الفلسفية مستمدّةً فقط من مصادر يهوديّة حقيقية.

نجد هذه الميول ذاتها في جزءٍ من نصٍّ رباني، مكتوب ـ على ما يبدو ـ بشكلٍ شبه رسمي في منتصف القرن العاشر([20]). وهو عملٌ مجهول مكتوب باللغة العبرية. ومع ذلك كان المؤلِّف منغمساً بشدّةٍ في الثقافة الآرية، كما كشفَتْ عن ذلك التعريب في عبريّته، ومن خلال اقتباساته من القرآن الكريم، والتي اعتبرها مستمدّةً من مصادر يهودية، والتي خطَّط لترجمتها إلى العبرية. وتحتوي الأجزاء الباقية من هذا العمل على جزءٍ من المقدمة، وجزءٍ من الفصل الأوّل عن الوحدة الإلهيّة، وجزءٍ من الفصل الثاني عن الصلاة.

وذكر المؤلِّفون أن الجمهور يشمل الحاخامات من الراغبين في معرفة المزيد عن موضوع الوحدة الإلهيّة. كما سعى إلى طمأنة معلِّمي المدارس الربّانية، الذين يخشون فضح التوراة التي علموها عن ظهر قلبٍ، بصرامة وصعوبة الامتحانات العقلانية. والقسم الباقي من مقدّمته مكرَّسٌ لإثبات أن التوراة عالميّةً في التزامها، وتنطبق على جميع الأفراد العقلانيّين، وهو موقفٌ مستَمَدٌّ من الوحدة الإلهيّة وعالميّة العقل([21]).

وإذا أرَدْنا إيراد مثالٍ أكثر تحديداً على استيعابه لأفكار المعتزلة يمكنني أن أذكر تأكيده على أن الصلاة هي واجبٌ عالمي، وهو موقفٌ مبنيٌّ على الواجب العقلاني لشكر أحد المحسنين. فشكر المحسن هو أحد الأمثلة «الكلاسيكية» الموجودة في أدبيّات المعتزلة للقوانين العقلانية.

وفي مقدّمته ينتقد المؤلِّف السامريّين والمسيحيّين والمسلمين؛ لانحرافهم عن التوراة، ذلك الدين العالميّ. ومع ذلك، فإنه يصوِّر لنا عداوته الحقيقية مع مجموعة من العقلانيّين الذين يصفهم «بـالمعتزليّين اليهود» (باللغة العبرية: muvdalei b’nei yisra’el، ترجمة كالكي)، الذين يتّهمهم بالنسبية الدينية والتراخي في الطقوس الدينية، فيقول عنهم: حماقتهم الكبيرة تخلو من طرق الصالحين؛ من أجل الحفاظ على طرق العالم التي داسها الرجال الأشرار. وأغضبوا (مَنْ هو) ملجأٌ لقطيعه، ولجأوا إلى ظلّ جدارٍ مائل، وسورٍ متحجِّر([22])، […….]([23]) أبو هاشم والجبائي وزملائهم، الذين لا يعرفون السبب، والذين لا معنى لكلماتهم([24]).

أودّ أن أشكّ في أن هذا الشخص قد قرأ بالفعل كتب مؤسِّسي مدرسة البصرة المعتزلية. فعلى الرغم من الاعتدال المتوازن لمؤلِّفنا كان أبو هاشم بالنسبة إليه رمزاً للتأثير الأجنبيّ الخطير، الذي يمكن أن يؤدّي إلى التطرُّف العقلاني المضرّ([25]).

مرّةً أخرى، نرى مؤلِّفنا يعبِّر عن أفكار ومواقف المعتزلة على أنها يهوديّةٌ حقيقية، إلى درجة أنه يضعهم ـ المعتزلة ـ في معارضةٍ لأنفسهم! وهذا يشير إلى فترة الحضانة الطويلة لهذه الأفكار داخل الثقافة اليهودية.

وفي هذه الفترة المبكِّرة كان من الواضح أن اليهود المهتمّين بالفكر العقلانيّ كانوا قادرين على الأخذ من مصادر متنوّعة. لقد حافظَتْ لنا جنيزا ابن عزرا على جزءٍ صغير من مخطوطة (السيدة أنطونين B72). وهي عملٌ لاهوتيّ مبكِّرٌ جدّاً. ويمكن تأريخ المخطوطة نفسها بشكلٍ كتابي حتّى نهاية القرن التاسع أو أوائل القرن العاشر([26]). وبالتالي فإن التكوين نفسه ـ قد يعود ـ إلى بداية القرن التاسع أو حتّى الجزء الأخير من الثامن. كما تدعم التهجئة الصوتية ـ الإملاء الصوتي ـ غير القياسية للغة اليهودية العربية هذا التاريخ المبكِّر([27]).

يتكوَّن هذا الجزء من ورقتين تحتويان على بداية كتاب عن «طبيعة العقل ومبادئ الطبيعة ومسائل أخرى مستمدّة من كتب الهنود (الهند) والبيزنطيين (الروم)…». البقية الباقية من نصّ الكتاب لها بداية يبدو أنه مناقشةٌ بدائية ـ إلى حدٍّ ما ـ للعقل، وأولويّة المعرفة وأسبقيّتها.

في حين أن هذا ليس المكان المناسب لمناقشة أصول المعتزلة والتأثيرات المبكِّرة عليه، فإن المصادر التي ذكرها هذا المؤلِّف مثيرةٌ للاهتمام بالنسبة لنا، ويجب أن نعيرها اهتماماً ونلاحظها. ورُبَما تشير إلى الكتب الهنديّة، إلى الأدب البوذي([28]).

يشير مصطلح الروم (Rûm ـ al) بشكلٍ خاصّ إلى الأدب اليوناني من المسيحية البيزنطية، أو قد يشير إلى المصادر المسيحية بشكلٍ عامّ. في حين أن الاتصال اليهودي بالفكر البوذيّ لا يزال غامضاً إلى حدٍّ ما، وإنْ كان التأثير المسيحيّ في هذه الفترة المبكِّرة واضحاً([29]).

إنّ أقدم متكلِّمٍ يهودي معروف لنا باسمه هو داوود المقمص. ولد في الرقّة، ونشط في الجزء الأوّل من القرن التاسع الميلادي. وقد تحوَّل المقمص إلى المسيحيّة، ودرس مع رئيس الشمامسة نونوس Nonnus)) اليعقوبي في مدينة نصّيبين. وفي مرحلة ما؛ ولأسباب مجهولة، عاد المقمص إلى اليهودية. وبعد ذلك كتب كتابين جدليّين ضد النصرانية([30]).

كتابه العشرون مقالة «Ishrûn Maqâla» هو كتابٌ نظريّ منطقيّ منظّم، ويُعَدّ أوّل ملخّص لاهوتي موجود باللغة العربية([31]). وبالتالي فإنه يقدِّم لنا شهادةً مهمّة حول هذه الفترة المبكِّرة في تطوُّر الفكر اللاهوتي في العالم الناطق بالعربية، وقتما كانت التقاليد المدرسية وقتئذٍ في طور التكوين.

إن الهيكل العامّ لهذا العمل مشابهٌ للهيكل الموجود في ملخّصات كلامية لاحقة، مثل: التوحيد، للماتريدي؛ والإرشاد، للجويني، على الرغم من أنه رُبَما كان يتبع نموذج الأعمال المسيحيّة السابقة التي لم يعُدْ لها وجودٌ([32]). وقد تناول في هذه المقالات بعض الموضوعات الأساسية: نظرية المعرفة، وطبيعة العالم، واللاهوت، والإنسانية، والوَحْي، ووصف الأديان الأخرى، ودَحْضها.

كان المقمص راسخاً في التقاليد الأرسطية، وهو ما يتّضح لنا تماماً في المناقشة الافتتاحيّة للمنطق، الذي يشير فيها إلى تصانيف أرسطو وإيساغوجي لفَرفوريوس الصُّوري. وتظهر خلفيّته الأرسطية أيضاً في الطريقة التي أفاد بها من أسئلة أرسطو الأربعة العقلية كوسيلةٍ لتنظيم العديد من مناقشاته.

ومع ذلك، فإن طبيعة الكلام الإجماليّة للعمل واضحةٌ جدّاً في أسلوبه في الجَدَل، مستفيداً في ذلك من تقنيات الكلام الجَدَلية، في الإلزام والقسمة العقلية والمعارضة، وكذلك في محتوى العقائد التي طوّرها. فعلى سبيل المثال: في فهمه للعالم أنه يتكوَّن من موادّ، جواهر وأعراض، وليس المادّة ـ الهيولى ـ والشكل الأرسطي.

ورغم ذلك، فإن منهجه غير ذرّي (على عكس المعتزلة اللاحقة)، الذي يفضح تدريبه مرّةً أخرى في الكلام المسيحي الذي يرتكز على أرسطو، كما يفعل استخدامه الغريب لإثبات كلامٍ قياسيّ لخليقة العالم، الذي له جذوره أيضاً في الفكر المسيحيّ([33]).

إن عرض المقمص لمسألة العدالة الإلهية والحاجة إلى الوَحْي مشابهٌ لما قدَّمته المعتزلة. فالخير والشرّ قِيَمٌ مطلقة تلزم كلاًّ من الله والإنسان. والله يدرك ضعف الإنسان، وبالتالي تستوجب عدالته أن يزوِّد الإنسان بالإرشاد عن طريق الأوامر والمحرَّمات الموحاة منه ـ إلهيّاً ـ([34]). ومعاملته للأمر والنهي في الفصل الخامس عشر هو مناقشةٌ للموضوع الموجود في أدبيّات المعتزلة اللاحقة. وموقفه من الإرادة الحرّة هو أيضا معتزليّ([35]).

وتوضِّح السيرة الذاتية للمقمص أهمّية التقليد الفكري السرياني المسيحي في تطوير اللاهوتية العقلانية في المدار الإسلامي([36]). ويمكن أن نفترض أن يهوداً آخرين كان لديهم اتصالٌ مماثلٌ مع التقليد والأدب المسيحي، على الرغم من أنهم ليسوا بحاجةٍ إلى تحوُّلٍ فعليّ، والذين مثل المقمص استمدّوا أيضاً من سياقهم الثقافي الإسلامي.

إن هذه المقالة: «Ishrûn Maqâla» مكتوبةٌ في الأصل بالحروف العربية، ولا تَرِدُ اقتباسات الكتاب المقدّس إلاّ في الترجمة العربية([37]). وهذا يشير إلى أن المقمص كتب كتابه لجمهور من اليهود المتعلِّمين والمعربين للغاية، الذين يمتلكون الخلفية اللازمة لفهم مفرداتها الفنّية وحججها. مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس لدينا طريقةٌ ما لمعرفة حجم هذا الجمهور، ولكنْ من الواضح أنه كان مهمّاً.

لقد كان عمل المقمص رائداً، ويمثِّل بدايات التفكير اللاهوتي النظامي اليهودي، وكان له بعضٌ من التأثير الدائم على الفكر اليهودي([38]).

والجاؤون سَعْدِيا بن يوسف الفيومي (882 ـ 942م) من أكاديمية سورا، ومع ذلك جلب اللاهوت العقلاني والمنهجي في التيّار الرئيس للثقافة اليهودية. كان سَعْدِيا جاؤون من أبرز القادة الفكريّين والثقافيّين لليهود في البلدان الناطقة بالعربية.

وقد أثَّرَتْ أعماله اللاهوتية على الفكر اليهودي عبر العصور المختلفة. فبالإضافة إلى أعماله اللاهوتية، قام سَعْدِيا جاؤون بتأليف عددٍ كبير من الكتب الرائدة في مجالات التفسير الكتابي (بما في ذلك الترجمات إلى العربية)، القانون اليهودي، فقه اللغة العبرية، الجَدَل مع القرّائين والزنادقة، والشعر.

وقد كان أهمُّ إنجازاته في مجال العقيدة دمجَ وجهات نظر الكلام العقلانية مع المصادر والقِيَم اليهودية، ولم يفعل ذلك فقط في كتاباته اللاهوتية المنهجية، ولكنْ رُبَما ظهر ذلك بشكلٍ أكثر أهمّية في تفسيره الكتابي. وقد أخذ على عاتقه مهمّة إعادة صياغة التفسير الحاخامي للكتاب المقدَّس في ضوء الفكر والعقل. ولذلك، فإن تعليقاته الكتابية، وبشكلٍ خاصّ مقدّماتها، هي أيضاً مصادر ذات أهمِّية لتحديد فكره.

كان يخاطب ـ إلى حدٍّ كبير ـ جمهوراً مشابهاً لذلك الذي كاتبه المقمصُ سلفاً: لقد انغمس اليهود بعمقٍ في الثقافة العامة؛ سَعْياً منهم ـ بطريقةٍ ما ـ لفهم مصادرهم الثقافية الخاصّة، التي رُبَما ابتعدوا عنها.

سَعْدِيا من مواليد مصر في بلدة Dilatz [قرية أبو صوير حاليّاً]([39])، بمنطقة الفيُّوم. وغادر مصر في أواخر العشرينيات من عمره، فرحل إلى الشام والعراق. ولدينا أدلّة على أنه أمضى بعض الوقت في طبريّة وحلب. وتمّ تعيينه رئيساً لأكاديمية سورا في عام 928م، على الرغم من حقيقة أنه لم يأْتِ من الطبقة الأرستقراطية الجؤونية العالية.

وفي مرحلةٍ ما دخل سَعْدِيا جاؤون في صراعٍ مع رأس الجالية ـ اليهودية ـ، ديفيد بن زكاي، والذي سعى إلى خلعه([40]). وقد تمّ انقسام الجالية اليهودية بين مؤيِّديه ومعارضيه لمدّة ستّ أو سبع سنوات، حتّى تم الاعتراف بسعديا جاؤون مرّةً أخرى كرئيسٍ لأكاديمية سورا. ورغم أنه ليس من الواضح إلى أيّ درجةٍ كان قادراً على شغل وظيفةٍ مثل: الجاؤون خلال هذه الفترة، فإنه في هذا الوقت كتب أعماله اللاهوتية الرئيسة([41]).

فقد كتب سَعْدِيا عملين لاهوتيين منهجيين كبيرين: روايته عن كتاب سفر يتزيرا الغامض (كتاب الخليقة)([42])، بعنوان كتاب المبادئ (كُتب 931)؛ وملخَّصه اللاهوتي: كتاب الأمانات والاعتقادات (العقائد والمعتقدات، كُتب 933).

وما كتبه سَعْدِيا جاؤون من كتب تُعَدُّ ـ بوضوحٍ قاطع ومنطقيّ ـ تعليقاً علمياً على سفر يتزيرا، ووسيلة منه للتصدّي لبعض الاتجاهات الصوفية والأفلاطونية المُحْدَثة في كلٍّ من المجتمعين: اليهودي؛ والإسلامي، كما يتجلّى الأمر في إخوان الصفا؛ حيث لعب التصوُّف الحرفي دَوْراً مهمّاً([43]).

إن العمل اللاهوتي الرئيس لسعديا جاؤون هو كتابه «الأمانات والاعتقادات»([44]). وتتمحور خطاباته العشر في الترتيب المعتاد لعلاقة الكلام: (المقدّمة) عن ضرورة التحقيق العقلاني والمعرفية؛ (المقال 1) عن خلق العالم وإثبات الخالق؛ (المقال 2) عن وحدانية الله، وصفاته الإلهية؛ (المقال 3) عن القانون والوَحْي والنبوة؛ (المقالان 4 ـ 5، وكذلك المقال 9) عن الإرادة الحرّة والعدالة الإلهيّة، والخير والشرّ، والثواب والعقاب؛ (المقال 6) عن طبيعة الروح، وهو بمثابة مقدّمة لفحص القيامة والفداء ذات التوجُّه اليهودي، وبشكلٍ خاص في (المقالين 7 ـ 8). ثمّ يختتم الكتاب بمناقشة السلوك الأمثل للإنسان في هذا العالم.

وفي حين أن هذا ليس هو المكان المناسب لنقدِّم فيه تلخيصاً كاملاً عن فكر سعديا جاؤون، فمن الجدير بالذكر أن بواكير المعتزلة كانوا مصدراً رئيساً له، كما هو واضحٌ في حجاجه المنطقي، ومصطلحاته الفنّية والمفردات المفاهيمية.

وأحد الأمثلة الصغيرة ـ على ذلك ـ هي عبارة المعتزلة النموذجية التي يستخدمها، عندما يذكر أن الفئات المطلقة للخير والشرّ «قد غرسها الله في عقولنا». فكما هو معتادٌ في تلك الفترة الانتقائية الأولى استوعب سعديا ـ أيضاً ـ المعلومات والأفكار من مجموعة مصادر متنوّعة، بما في ذلك الفلاسفة، والأفلاطونية المُحْدَثة ([45]) واللاهوت المسيحي([46]).

ومثل سلفه المقمص، لم يقبل سعديا العقيدة الذرّية، ورُبَما يعود ذلك إلى تأثُّره بالمصادر المسيحية، وأكَّد أن العالم يتكوّن من الجواهر والأعراض، رافضاً المنطق الأرسطي، شكلاً ومضموناً([47]).

من ناحيةٍ أخرى، جادل سَعْدِيا المسيحيّين (مرّةً أخرى مثل المقمص والمعتزلة) على أن الصفات الإلهيّة ليس لها حالةٌ منطقية معينة، وأن التعدُّد الواضح للصفات الإلهيّة يرجع إلى قيود اللغة البشرية. ولذلك نجد في الكتاب المقدَّس أنها في الأساس مسألةٌ تفسيرية.

أدخل سَعْدِيا إلى الفكر اليهودي فكرة التمييز المعتزليّة بين القوانين المعروفة عقلاً (العقليات) وتلك المعروفة من خلال الوَحْي (السمعية، الشريعة)، وهو تمييزٌ اعتمده العديد من المفكِّرين اليهود.

وبعد سَعْدِيا جاؤون، كان الكلام المعتزلي هو كلام المدرسة الفلسفية ـ الشائعة ـ بين يهود الشرق([48]). ومن المؤكَّد أن المؤلِّفين الأوائل، مثل: المقمص والكُتّاب المجهولين، قد لعبوا دَوْراً مهمّاً في مثل هذا التطوُّر. ومع ذلك، فإن الموقف الرسمي لسعديا جاؤون، جَنْباً إلى جَنْب مع تأثيره الفكريّ ودَوْره الحيويّ في تشكيل ثقافة يهودية عربية، عزَّز بشكلٍ واضح من استيعابه الواسع لأفكار المعتزلة بين اليهود، وامتصاصهم لها.

كما عبَّر معاصرو سَعْديا جاؤون ـ القرّائيون ـ عن أفكار المعتزلة في كتاباتهم. ويجب أن نذكر أوّلاً دانيال بن موسى القومسي، فهو أوّل مفكِّر قرّائي لعب دَوْراً مهمّاً في دمج القرّائين في حركةٍ ذات عقيدة واضحة. وعلى حدّ علمنا لم يؤلِّف عملاً لاهوتياً على وجه التحديد([49]).

ومع ذلك، فإن تأثير المعتزلة عليه بشكلٍ عام ينعكس في تفسيره الكتابي (ولا سيَّما في تعليقه على أسفار الأنبياء الصغار / Minor Prophets)، وفي الخطبة ـ أو الرسالة ـ المعمَّمة المنسوبة إليه، والتي كانت موجَّهة إلى إخوانه القرّائين. وكلّها مكتوبةٌ بالعبرية([50]).

وفي هذا النصّ يضع القومسي مقالات إيمانية تدور حول رؤية المعتزلة للتوحيد والعدل الإلهي. ومن الواضح أن هذه هي المحاولة الأولى في الديانة اليهودية لصياغة العقائد اللاهوتية المعيارية([51]).

يشدِّد القومسي على أهمّية الاستدلال العقلي المستقلّ القائم على نصّ الكتاب المقدَّس، بَدَلاً من قبول المبادئ والقوانين الدينية ببساطةٍ على أساس التقاليد والمحاكاة (كما يتّهم الحاخامات). ويشير تعبير القومسي عن مفاهيم المعتزلة إلى جانب معارضته الشديدة للكتب والأفكار «الأجنبية»، ومرّةً أخرى إلى الاستيعاب اليهودي المبكِّر للأفكار الكلامية([52]). وكما هو الحال مع القومسي، تمّ العثور على التعاليم اللاهوتية للعديد من القرّائين في القرن العاشر في تفسيرهم الكتابي.

 

[نموذجان من القرائين المتأثِّرين بتعاليم المعتزلة] ([53])

وفي هذا السياق سنتعامل لفترةٍ وجيزة مع اثنين من الكتّاب القرّائين الذين تأثَّروا بشدّةٍ بتعاليم المعتزلة: يعقوب القرقساني؛ ويفيت بن علي([54]).

أـ يعقوب القرقساني

كان القرقساني أصغر سنّاً من سَعْديا. وقد نشط في عامي 920 و930م في العراق. وكان عالماً مثقّفاً جدّاً، وقد كان معروفاً بالتقاليد الحاخامية، والأعمال الفلسفية والخيالية العلمية في عصره، وكذلك مع الكتب والتقاليد المسيحية والإسلامية. وقد تمّ الحفاظ على ثلاثة مؤلَّفات رئيسة له، وهي مصادر تخدمنا لإعادة بناء فكره([55]).

وقد كتب عن القانون القرّائي كتاب الأنوار والمراقب. ويحتوي أيضاً على عدد من المناقشات غير القانونية، مثل: تاريخ الطوائف اليهودية، والجَدَل مع الإسلام والمسيحية، والموضوعات اللاهوتية، معالجة واسعة للأساس المعرفي للقانون (أصول الفقه) من بين أمورٍ أخرى([56]).

وقبل أن يكتب القرقساني كتابه الأنوار والمراقب كتب تفسير بيريشيت، وهو عبارةٌ عن تعليقٍ فلسفيّ وعلميّ واسع النطاق على قصّة خلق العالم في ستّة أيام، كما هو موجود في الفصل الأول من سِفْر التكوين.

وقد كان نموذجه في كتاباته هو الكتاب المقدسChristian Hexameron Literature [الأدب المسيحي على أساس روايات بدء الخلق]، ومصادره الرئيسة كانت كتابات المقمص وسعديا جاؤون.

يُعَدُّ هذا الكتاب مصدراً مهمّاً للغاية؛ لكونه عرض لنا صورةً أكثر اكتمالاً لفكر القرقساني، لكنّه لا يزال بحاجةٍ إلى إعادة بناء وتحرير من الأجزاء المخطوطة([57]). وكان عمله الرئيس والأخير كتاب «الرياض والحدائق، وهو عبارةٌ عن تعليقٍ على الأجزاء غير القانونية من أسفار موسى الخمسة([58]).

ب ـ يفيت بن علي

يفيت بن علي من مواليد البصرة. وقد نشط في القدس خلال النصف الثاني من القرن العاشر. ولم يكن معاصراً لسعديا جاؤون، ولكنْ كان على دراية كبيرة بكتاباته، وكثيراً ما انتقده. ومع ذلك، ووفقاً لطبيعة مفاهيمه اللاهوتية، فهو ينتمي إلى الفترة الأولى من الفكر اليهودي المعتزلي.

كان يفيت من أهمّ المعلِّقين ـ المفسِّرين ـ القرّائين على الكتاب المقدَّس في العصر الذهبي للقرّائين؛ حيث أنتج تعليقاتٍ على جميع الكتب الأربعة والعشرين من الكتاب المقدَّس العبري. وبالإضافة إلى انعكاس فكر يفيت نفسه، فإن تعليقاته مصدرٌ مهمّ للتقاليد والمذاهب التفسيرية، والعديد منها غير موجودٍ في مكانٍ آخر.

وفي مذاهبهم الفلسفية، عادةً ما يتّبع القرقساني ويفيت بشكلٍ عامّ المسار الذي حدَّده سعديا جاؤون. ونظريّتهما في المعرفة (Epistemology) مشابهةٌ للنظرية الخاصة بسعديا، على الرغم من اختلافه عنهما في مضمون «التقليد المنقول أصلاً» (الخبر المتواتر).

يتقيَّد سَعْدِيا (وجميع الحاخامات الربّانيين) بالتقاليد الحاخامية في هذا النوع، بينما يقيِّدها القرقساني ويفيت (وكلّ قرّائي) بنصّ الكتاب المقدَّس العبري. لقد كانوا على بيّنةٍ بالبراهين الأربعة لخلق العالم التي صاغها سَعْديا. ومع ذلك، ورغم أنهم يؤكِّدون على أن العالم المخلوق يتكوَّن من الجواهر والحوادث (رفض المسائل الأرسطية شكلاً ومضموناً)، يبدو أنهم كانوا يقبلون شكلاً من أشكال الذرّة([59]).

أتاح حدوث التجسيم الكتابي الفرصة لكلَيْهما لمناقشة التمييز بين صفات الله الأساسيّة ـ الذاتية ـ (موجود، عالمٌ بكلّ شيءٍ، وما إلى ذلك) وصفاته الفعلية. وكما هو شائعٌ في الفكر المعتزلي، فهموا أن مسألة الصفات الإلهية ليست قضيّةً وجودية، ولكنْ بسبب قيود اللغة البشرية فهي مسألةٌ تفسيريّة / لغويّة. وكلاهما استفاد من التمييز بين القوانين العقلانية والمُكْتَشَفة، التي أدخلت على الفكر اليهودي من قِبَل سعديا جاؤون.

 

2ـ الفترة الكلاسيكية (النصف الثاني من القرن العاشر والحادي عشر)

[مؤلِّفون في علم الكلام اليهوديّ تبنَّوْا عقيدة المعتزلة] ]([60])

في هذه الفترة تبنّى جميع مؤلِّفي الكلام اليهودي ـ تقريباً ـ العقيدة الخاصّة بالمعتزلة، وتتمثَّل في أعمال مدرسة البصرة. فالتأثير على المؤلِّفين اليهود من قِبَل الشخصيات المركزية في هذه المدرسة، مثل: أبي عليّ بن خلاد؛ وعبد الجبّار الهمداني، واضحٌ وصريح.

أـ صموئيل بن حُفني

الجاؤون صموئيل بن حُفني(1013م)، والذي شغل منصب رئيس أكاديمية سورا، كان سليل عائلةٍ أرستقراطية، قدَّمت قادةً كباراً للأكاديميات الجاؤونية، خلال القرنين العاشر والحادي عشر([61]).

على عكس سَعْديا جاؤون، تلقّى صموئيل بن حُفني تعليمه وتدريبه كعضو في مؤسّسة الجاؤونيم. ولذلك فإن تبنّيه الكامل ـ والحماسي ـ لفكر المعتزلة كان مهمّاً للغاية؛ لكونه يوضِّح كيف تغلغلت ـ تلك الأفكار ـ في عالم الأكاديميات المحافظة ثقافيّاً.

كان صموئيل بن حُفني مؤلِّفاً غزير الإنتاج، حيث أنتج لنا ما يقرب من خمسة وستّين عنواناً. وقد كتب تعليقات على أجزاء معيَّنة من أسفار موسى الخمسة، التي نجد فيها أفكار المعتزلة (وفي الأساس قد ملأ لنا الأجزاء التي لم يعلِّق عليها سعديا جاؤون). وله تعليقاتٌ على بعض المباحث التلمودية، وهو عملٌ ضخم على منهجية التلمود. وهناك حوالي خمسة وأربعون دراسة حول مواضيع قانونية مختلفة، وعددٌ من الكتب التي تتناول موضوعات مختلفة في الكلام والنظريات القانونية.

أما بالنسبة لتعلُّمه علم الكلام فيذكر معاصرُه الشاب القرّائي يوسف البصير أن صموئيل بن حُفني درس كتاب ابن خلاّد: كتاب الأصول، مع معلِّمٍ له، اسمه: ابن الطَّحَّان Ibn Tahan.

كما أنه كان على درايةٍ بعمل أبي عبد الله البصري الجَدَلي (كتاب الإيضاح)، وعلى الأرجح أنه كان ـ على درايةٍ أيضاً ـ بالعديد من الكتب الأخرى، التي كتبَتْها شخصياتٌ مركزية من معتزلة البصرة([62]).

وقد ألَّف الجاؤون صموئيل بن حُفني كتابين، عالجا ـ فيما يبدو ـ مواضيع الكلام بطريقةٍ أكثر شمولية إلى حدٍّ ما، وهما: كتاب الهداية ([63])؛ وكتاب أصول الدين وفروعه ([64]).

أما كتاب الهداية فهو يتألَّف من مائة فصل، وفصوله قصيرةٌ نسبياً. ونرى من فهرس المحتويات المجزّأة الباقية أن الكتاب يبدأ بمناقشة فرض الالتزام من قِبَل الله تعالى (أي التكليف)، ويستمرّ في معالجة جميع الموضوعات المعتادة الموجودة في أعمال المعتزلة الأساسية.

كما كتب كتباً حول مواضيع لاهوتية محدَّدة: كتاب الأسماء والصفات([65])؛ الرسالة الشكرية([66])؛ كتاب الثواب والعقاب([67])؛ وكتاب نسخ الشرع([68]).

وبالإضافة إلى ذلك، ألَّف صموئيل بن حُفني كتابين يعالجان موضوعات النظرية القانونية في وضع المعتزلة: (في الشريعة)؛ و(أشهر المسائل)([69]).

ففي كتابه (في الشريعة) سعى إلى تزويد المثقَّفين اليهود الذين اتَّصلوا بأنماط التفكير المختلفة، مثل: الكلام والفلسفة، بإطارٍ لفهم مراقبة الوصايا (وخاصّة الوصايا الموحاة) كجزءٍ من نظامٍ دينيّ هادفٍ ـ ذي مغزى.

في الجزء الأوّل من الكتاب يعرض الأساس النظري لمثل هذا الإطار، ويتناول التكليف، وطبيعته، وشكل الأمر والتحريم النصّي، ثم دَوْر النيّة والتحفيز في أداء الوصايا، واستخدام القياس المنطقي مع الوصايا.

وفي الجزء الثاني قدَّم عدداً من تصنيفات تلك الوصايا، استناداً ـ على ما يبدو ـ إلى فكرة المعتزلة بأن الوصايا هي لطفٌ تختلف حَسْب المجموعات أو الظروف([70]).

أما كتابه (أشهر المسائل) فيتألَّف من عشر مقالات حول مسائل مختلفة. المقال الأوّل يناقش فكرة الإجماع كأساس للقانون؛ والمقالان الثاني والثالث يتعاملان مع مسألة تأبيد التوراة([71])؛ والمقال الرابع عن التكليف؛ ويتعامل الخامس مع المعنى الواضح للكلمات (الحقيقة) واللغة التصويرية (المجاز)، وهي قضيّةٌ تفسيرية رئيسة؛ ويناقش المقال التاسع الأعمال الفوقية. وهناك مقالاتٌ أخرى تعالج القضايا المتنازع عليها بين الحاخامات والقرّائين، مثل: التقويم.

ب ـ شيرا بن حنانيا

لم يُعْرَف الرؤساء المعاصرون لأكاديمية بومبيديتا باللاهوتيين، لكننا وجَدْنا أنهم استوعبوا أيضاً بعض عناصر تعاليم المعتزلة. على سبيل المثال: كتب الجاؤون شيرا بن حنانيا، الذي عمل كرئيس بومبيديتا لمدّة ثلاثين عاماً، ردّاً على سؤال أرسل من القيروان في عام 992م، يتعلَّق بالآقداة التلمودية (قصّة غير قانونية).

وتتضمّن القصّة ظهور قسوةٍ غير مستحقة تجاه الحيوانات، ويستفيد شيرا من أفكار المعتزلة بالتعويض الإلهي المُعْطَى للحيوانات والأطفال عن المعاناة غير المستحقّة؛ من أجل تفسير الآقداة([72]).

ويبدو أن نجل شيرا، حييا (939 ـ 1038م)، كان أكثر تعرُّضاً للثقافة العربية من والده. فإن عدداً من ردوده تمتاز بأن لها محتوىً لاهوتيّاً. وأكثر هذه الردود شهرةً ما قدَّمه من إجابةٍ عن سؤالٍ وُجِّه له يتعلَّق بالآجال([73]).

كتب حييا عدداً من الدراسات القانونية التي تمتاز بمقدّمات لاهوتية. ففي مقدّمة عمله في (البيع والشراء) يطرح سؤالاً عن سبب الحاجة إلى النشاط التجاري والاستحواذ البشريّ إذا قدم الله للإنسان المنافع المختلفة التي يتطلَّبها. وردّه على الأسئلة يعكس لنا مناقشة المعتزلة للتفاعل بين الإرادة الحرّة للإنسان والمعرفة والقدرة الإلهيّة([74]).

وقبل أن أنتقل إلى المؤلِّفين القرّائين في هذه الفترة أودّ أن أتطرّق إلى شخصيةٍ ربّانية أخرى من الطرف الآخر من العالم الإسلامي، في القيروان، وكانت لديها ميولٌ معتزلية([75]).

ت ـ نسيم بن يعقوب

كان نسيم بن يعقوب (حوالي 990 ـ 1057م) رئيساً لأكاديمية التلمود في القيروان، وقد حافظ على اتّصاله بالقادة الدينيّين اليهود في العراق والأندلس([76]). وقام بتأليف عدّة أعمالٍ، معظمها حول موضوعات التلمود.

وقد كان أحد أعماله (Megillat Setarim)، وهو نوعٌ من دفتر الملاحظات الخاصّ المنشور، المكتوب باللغتين العربية والعبرية، والذي يحتوي على مجموعة متنوّعة من الموادّ([77]).

ففي أحد الأقسام ـ القسم الأوّل ـ ينتقد نسيم بن يعقوب موقف صموئيل بن حفني في كتاب الهداية، الذي لا يمكن أن يُعرِّفه الله إلاّ من خلال الاستدلال العقليّ، وليس من خلال التجربة المباشرة الحَدْسية (الضرورية). أعطى نسيم الوَحْي في جبل سيناء كمثالٍ ـ على ما يبدو ـ أن سفر الخروج يقدِّمه كإثبات غامر، حسّي، مباشر للألوهية. ومن الضروريّ القول بأن أجزاء يسيرةً فقط من أعمال نسيم بن يعقوب نجَتْ، لذلك لا يمكننا أن نفهم بشكلٍ كامل مواقفه اللاهوتية.

ث ـ ليفي بن يفيت

تمّ تأليف أوّل كتاب ـ أو خلاصة ـ قرّائية معروفة للفكر المعتزلي على يد ليفي بن يفيت (نشط خلال العقود الأخيرة من القرن العاشر والعقود الأولى من القرن الحادي عشر)، نجل يفيت بن علي.

وقد قام ليفي بن يفيت بتسمية كتابه «النعمة»؛ لأنه يكتب: «إنه أوّل نعمةٍ ـ بركة ـ من الله لي»، مشيراً إلى أنه كان أوّل مجهوده الأدبي([78]). ينقسم الكتاب إلى فصول قصيرة إلى حدٍّ ما (على غرار كتاب الهداية، لصموئيل بن حُفني)، كما أنه عرض المادّة العلمية مباشرةً، دون الحاجة إلى الجدال الكلامي المعتاد.

في الواقع يشدِّد ليفي على أنه كان ينوي كتابة ملخَّص قصيرٍ جدّاً عن مواضيع الكلام. وهذه الصفات من الكتاب تشير إلى أنه كان يستهدف جمهوراً عامّاً. والاستخدام المتكرِّر للاقتباسات الكتابية يعطي الكتاب شخصيّةً يهودية واضحة.

يمثِّل كتاب «النعمة»، لليفي، تحوُّلاً بارزاً لمواقف القرّائين في القدس تجاه التعاليم غير اليهوديّة. وفي وقتٍ سابق عارض القرّائيون، مثل: والد ليفي (يفيت)، دراسة الكتب «الخارجيّة» غير اليهوديّة. ومع ذلك فقد تشرَّب ليفي بشكلٍ واضح تماماً من أدب معتزلة البصرة.

كما يمكننا اعتبار كتابه ـ تقريباً ـ بمثابة ملخّص للأجزاء الضخمة من كتابات المعاصر له، القاضي عبد الجبّار الهمداني. ومع ذلك من غير المحتمل أن يكون ليفي الشابّ قد قرأ له بالفعل.

ج ـ يوسف البصير

كان الشاب يوسف بن إبراهيم كوهين البصير([79]) يقرأ جيّداً في كتب القاضي عبد الجبّار وكتب تلامذته. توفي يوسف البصير حوالي 1040م، وهو من مواليد البصرة، واستقرّ في المركز القرّائي في القدس، حيث درس مع يوسف بن نوح.

ففي مرحلةٍ ما (رُبَما في طريقه إلى القدس) التقى بصموئيل بن حُفني (على الأرجح في بغداد)، وناقش معه مباحث الكلام. وكان البصير أيضاً مؤلِّفاً غزير الإنتاج، وكتب أعمال اللاهوت والقانون والنظرية القانونية والجَدَل([80]).

حقَّق موقعاً مركزيّاً للقيادة الدينية والفكرية وقتئذٍ. ويتّضح حقيقةً أنه كان واحداً من عددٍ قليل من القرّائين الذين كتبوا ردوداً لاهوتية وقانونية. أصبح فكره اللاهوتي هو التدريس «الرسمي» للقرّائين لقرون عديدةٍ، وتمّ ترجمة عددٍ من أعماله إلى العبرية؛ لاستخدام القرّائين في بيزنطة وأماكن أخرى.

ألَّف البصير خلاصتين لاهوتيتين موجزتين نسبياً: (كتاب التمييز)([81])؛ والأخرى ـ والتي كانت أكبر بكثيرٍ ـ: (كتاب المحتوى)([82]). ويظهر ـ أي البصير ـ نفسه في هذه الكتب على أنه تلميذٌ مقرَّب لعبد الجبّار ومدرسته، مع إشاراتٍ صريحة إليه. كما أنه كان على اطّلاعٍ دائم بأحدث مطبوعات تلك المدرسة.

أمَّا في كتاب (المحتوى) فيذكر البصير التعليق الذي كتبه لعبد الله بن سعيد اللبَّاد (كتاب الأصول). وقد كان اللبَّاد تلميذ عبد الجبّار وخليفته في التدريس. وفي كلٍّ من خلاصتَيْه يتابع عن كَثَبٍ الهيكل والنموذج الإسلامي.

وذلك على عكس كتاب (النعمة)، لليفي بن يفيت؛ فإن الطابع اليهودي لأعمال البصير اللاهوتية ضئيلٌ للغاية، ويتضمَّن فصولاً تكون في الغالب ذات أهمّية لاهوتية إسلامية([83]).

إن مشاركة البصير المستمرّة في المدرسة البهشمية، بقيادة القاضي عبد الجبّار، دفعَتْه إلى تفنيد آراءٍ لأبي الحسين محمد بن عليّ البصري؛ فقد كان أبو الحسين البصريّ تلميذاً لعبد الجبّار في الريّ، وقد درس الطبّ من قَبْلُ في بغداد، والذي عرّضه للتقاليد الأرسطية. وفي الريّ انتقد بعض آراء عبد الجبّار، التي اعتبر بعضُ زملائه أنها تضعف دليل المعتزلة لوجود الله، على الرغم من أنه رأى أن انتقاداته تعزِّز طريقة الكلام.

وقد كتب كتابين: (تصفُّح الأدلّة)، الذي قدَّم نقده لمذاهب البهشمية؛ و(غرر الأدلّة)، ويحتوي على ما رآه أفضل البراهين([84]). وأصبح هذان الكتابان هما أساس المدرسة الأخيرة في المعتزلة.

وقد كتب يوسف البصير نقداً للمذاهب التي شرحها أبو الحسين البصري في كتبه؛ دفاعاً عن التقاليد اللاهوتية التي التزم بها([85]). وبالإضافة إلى خلاصته اللاهوتية، ألَّف البصير ـ أيضاً ـ عدداً من المقالات القصيرة.

وتمَّتْ كتابة بعض هذه ـ المقالات ـ في الأصل كردّ فعلٍ. ويذكر البصير في كتابه «المحتوى» ثلاث رسائل، ورُبَما تكون جزءاً من الجَدَل التعليمي حول تعاليم أبي الحسين البصري: أحوال الفاعل؛ أحكام المعذِّرات؛ وكتاب الاستدلال بالشاهد على الغائب. ولم يتمّ تحديد مخطوطات هذه الأعمال.

وهناك مقالاتٌ قصيرة أخرى معروفة، معظمها حول مواضيع الفقه([86]): مقالة القياس (حول استخدام المنطق التناظري في القانون)؛ كتاب الهداية (في التقاليد المنقولة، وخاصّة الحاخامات)؛ كتاب الشكوك (حول ما إذا كان القرار القانوني يجب أن يستند إلى معرفةٍ معيَّنة أو ما إذا كان الرأي المحتمل كافياً)؛ ومسائل في النبوّة.

وقد تمّ الحفاظ على عددٍ من ردوده أيضاً، بما في ذلك مجموعة تسمّى «مسائل عقليّة»؛ ومجموعة أخرى تسمّى «مسائل الاستقتال» (بشأن تبرير عقوبة الإعدام، وقيمة التوبة التي يقوم بها الشخص المحكوم عليه بالإعدام).

وكما رأينا أعلاه، في ما يتعلَّق بأبي الحسين البصري، كان البصير جَدَلياً للغاية، وقد أنتج عدداً من الأعمال الجَدَلية. وكثيرٌ منها يثبت ميوله للمعتزلة.

وتشمل هذه على: نقد صموئيل رأس المثيبة (مراجعة نقد الأقسام المناهضة للقرّائية في صموئيل بن حُفني في كتاب «أشهر المسائل»)؛ وكتاب الردّ القائل بالاعتدال (ردّ على أولئك الذين يستخدمون الاعتدال في حساب التقويم)؛ وكتاب الكلام على السامرة([87])؛ وكتاب الاستصناع، ويطلق عليه أيضاً اسم: النقد على أبي جعفر الطبري (ردّ على انتقاد التقاليد الكتابية المتعلِّقة بالمعجزات التي قام بها موسى، ومناقشة الجودة المعرفية المنطقية للتقاليد)؛ ونقد لفكرة إعجاز القرآن للمشاركين في المجالس الدينية([88])؛ ورسالة في معنى إجازة النَّسْخ([89]).

ومن الواضح أن كتاب الاستبصار، للبصير، في القانون الدينيّ، وهو مقسَّم إلى تسع أو عشر مقالات في أوقاتٍ مختلفة، وقد قام بتنظيمه وترتيبه كعملٍ واحد في نهاية حياته. ورأى أن كتبه المختلفة في علم اللاهوت والقانون الدينيّ أجزاءٌ من كلّ واحد، كما يشرح في كتاب المحتوى: على الرغم من أن هذا الكتاب بعنوان «المحتوى»؛ لأنه يشمل أصول الدين ـ وهذا سيشمل بالتأكيد: مصادر الشريعة الدينية، والشرح التفصيلي للوصايا ـ، فقد اقتصرت على التعليم المتعلِّق بأصول الدين؛ خوفاً من أن تكون مطوّلاً، والابتعاد بعيداً عن المراد.

ولقد سبق لي أن أملَيْتُ (بعض الكتب) بشأن الوصايا، التي آمل أن تكتمل ويكملها (ما كتبته هنا). (وتوفِّر هذه الأعمال) معالجةً تفصيلية لما أذكره هنا (فقط) بشكلٍ عامّ([90]).

وهكذا كُتب كتاب الاستبصار وكتاب المحتوى؛ ليكمل كلٌّ منهما الآخر. وبالفعل، فإن اهتمامات البصير اللاهوتية حاضرةٌ للغاية في مناقشاته لتفاصيل الشريعة الدينية. فعلى سبيل المثال: في المقال الأوّل، المكرَّس لقوانين الختان، يخلط بين المناقشات حول طبيعة الالتزام، والعلاقة بين القوانين المعلنة والمنطقية، والعوض الإلهيّ عن الألم. وينتهي هذا القسم بسلسلةٍ من عشر مقالات قصيرة، معظمها مَعْنيٌّ بالعلاقة بين المعرفة (الله، طبيعة الوصايا) والنيّة وأداء الوصايا([91]).

كان العديد من المعتزلة المسلمين فقهاء نشيطين، وأبرز مثالٍ على ذلك هو القاضي عبد الجبّار. وكان للكثير منهم مصلحةٌ ـ فائدة ـ في أصول الفقه. وقد أعطانا يوسف البصير في كتابه الاستبصار فرصةً غير اعتيادية لكَسْب بعض الأفكار عن كيفيّة ظهور مناقشةٍ معتزليّة مبكِّرة للفقه؛ وكيفيّة تفاعل التجريد النظريّ ونظرية المعرفة المتطوّرة مع التفاصيل الدقيقة للقانون الوضعيّ الفقهيّ.

ح ـ يشوع بن يهوذا

كان يشوع بن يهوذا ـ وهو أبو الفرج فرقان بن أسد، نشطٌ من النصف الثاني من القرن الحادي عشر ـ تلميذاً ليوسف البصير، ودرس أيضاً مع ليفي بن يفيت. وبعد وفاة البصير تولّى يشوع دَوْراً مركزيّاً في التدريس والقيادة في مجتمع القرّائين في القدس، وحافظ على علاقات وثيقة مع المجتمع القرّائي في مصر، ومع الحاخامات كذلك.

تكشف لنا كتاباته عن إحاطته الواسعة والعميقة بالمعارف عامّة، واليهودية خاصّةً، وقد كان ـ مثل معلِّميه ـ لاهوتياً معتزلياً. وعلى الرغم من أنه لم يؤلِّف أيّ أعمالٍ لاهوتية على وجه التحديد، فإن ميوله المعتزلية تجِدُ لها ـ بالتأكيد ـ صدى في مؤلَّفاته المختلفة([92]).

تتعلَّق معظم أعمال يشوع بالقانون الديني وتفسير الكتاب المقدَّس. وأهمّ أعماله في الشريعة هي التعليق «الطويل» على سفر اللاويين (التفسير المبسوط في سفر فايقره) والتعليق على الوصايا العشر (تفسير عسرت ديفاريم).

وهذه أعمالٌ كبيرة جدّاً، لا يزال نطاقها غير واضحٍ؛ بسبب أنها على حالتها المخطوطة، وفيها يعالج مجموعةً متنوِّعة من المباحث القانونية والتفسيرية بطريقةٍ مستفيضة وشاملة، ويقتبس من مؤلَّفات أسلافه القرّائين والأدب الحاخامي بشكلٍ كبير.

وفي الواقع تُعَدّ بعض مناقشاته أعمالاً صغيرةً مستقلّةً مدمجة في التعليق. وقد طلب أبو الحسن داوود بن عمران بن ليفي، وهو قرّائي مصريّ ثريّ، أن يكتب يشوع تعليقاً أقصر على أسفار موسى الخمسة؛ لتعليم ابنه.

وافق يشوع، وفي عام 1054م بدأ في تأليف تعليقه «القصير». وهو أيضاً عملٌ طويل جدّاً، يتضمَّن ترجمةً لأسفار موسى الخمسة، وتعليقاً على المسائل النحوية واللاهوتية والأخلاقية والقانونية.

كما كتب عدداً من الأعمال الصغيرة في القانون الدينيّ، بما في ذلك كتاب: النذور والأَيْمان؛ مقالة السبت؛ الكلام في البرّ؛ وجواب المسائل المشكلة. ويحتوي هذا العمل الأخير على درجات الزواج الممنوع، ويحتوي على مقدّمةٍ مطوَّلة، يعرض فيها يشوع القضايا الأساسيّة، ومسائل أصول الفقه المعتزلي([93]).

ويذكر في أعماله الكبيرة ـ بضع مرّات ـ مسألة الاجتهاد، التي لسوء الحظّ لم يتمّ تحديدها بَعْدُ. كما كتب جَدَلاً مطوَّلاً مناهضاً للربّانية بعنوان: (Tafsîr Torah Tzivvah Lanu).

إن عمل يشوع الوحيد الذي يتطرَّق بشكلٍ مباشر ـ أو أكثر قرباً ـ إلى مواضيع الكلام هو كتابه «التورية»، ففي هذا الكتاب الكبير عالج عدداً من القضايا المهمّة المتعلِّقة بنظرية المعرفة والوَحْي والتأويل. وبالإضافة إلى ذلك، قام بشرح معدّلات النظرية القانونية والمواضيع الجَدَلية، مثل: الطبيعة الأبدية للتوراة، واستحالة نسخها([94]).

ولقرونٍ عديدة نُسب عملٌ باللغة العبرية البيزنطية القرّائية، بعنوان: bah ـ Bereshit Rab، إلى يشوع بن يهوذا([95]). وهذا التعليق عبارةٌ عن تعليقٍ معتزليّ على سِفْر التكوين، في شكل أسئلةٍ وأجوبة. وقد تمّ تحديد الأصل اليهوديّ ـ العربي لهذا النصّ. وفيما يبدو أنه كان في الواقع جزءاً من تعليقٍ أكبر على أسفار موسى الخمسة، ورُبَما كُتب في الجزء الأخير من القرن الحادي عشر، من قِبَل تلميذٍ ليشوع بن يهوذا([96]).

إنه لمن الواضح لدينا أنه كان ليشوع عددٌ من الطلاّب الذين لم يأتوا من الشرق الأوسط؛ فكان توبياس بن موسى ويعقوب بن شمعون من بيزنطة (على الأرجح من القسطنطينية). وقد عادوا (ورُبَما آخرون غير معروفين إلينا) إلى بيزنطة، ونقلوا الإنجازات الفكرية لقرّائي القدس إلى المجتمع البيزنطي القرّائي، عن طريق الترجمات العبرية والأعمال المستقلّة باللغة العبرية.

قام توبياس بترجمة كتاب المحتوى، ليوسف البصير، وكذلك سفر  Ne‘imot ـ ha، وكتابه التميّز، وسفر Mahkimat Peti. كما أنتج العديد من الخلاصات في الفكر المعتزلي، مثل: مشيفات نفيش Meshivat Nefesh، وكذلك ‘Etzem ـ Marpe la، وتصديق الدينTzidduq ha – Din ([97]). وهكذا خلقوا الأساس لثقافة قرّائية مزدهرة في بيزنطة، حيث احتلَّتْ المعتزلة مكاناً مهمّاً خلال القرن الرابع عشر([98]).

ضمَّن جودا هاداسي ـ وهو نشط في منتصف القرن الثاني عشر في القسطنطينية ـ موسوعته الخاصّة بتعاليم القرائين Kofer ـ Eshkol ha مناقشاتٍ معتزليّةً واسعة النطاق عن اللاهوت.

كا يمكننا أن نرى ذلك في Kofer ـ Eshkol ha، ومع ذلك فإن بدايات تأثير الفكر الأرسطيّ عليه أنه أدخل بعض الكلمات الأرسطيّة بطريقةٍ بدائيّة إلى حدٍّ ما([99]).

وقد استمرّ الفكر القرّائي في استيعاب الميمونيدين الأرسطيّين حتى القرن الثالث عشر. وقد سعى آرون بن إيليا(1369م)، في تلخيصه اللاهوتي إيتز حاييم Etz Hayyim، لإنقاذ عناصر اللاهوت القرائي الكلاسيكي، من خلال دمجها مع الفكر الأرسطيّ([100]).

وآخر مؤلِّف رئيس للقرّائية المعتزلة عرفناه لهذه الفترة كان سهل بن الفضل بن سهل التستري ـ ياشار بن حصاد بن ياشار ـ، الذي كان نشطاً في القدس في الثلث الأخير من القرن الحادي عشر([101]). وكان التستري عضواً في عائلةٍ بارزة من زعماء الطائفة القراّئية والتجّار والمموّلين، الذين عمل بعضهم كمسؤولين رفيعي المستوى في المحكمة الفاطميّة([102]).

من الواضح أنه كان الشخصيّة الدينية والفكرية اليهودية الرائدة في بيت المقدس، في السنوات التي سبقَتْ الفتح مباشرةً، حيث كان اليهودي الممثّل في نزاع علنيّ عقد في القدس، كما أفاد أبو بكر محمد بن العربي([103]).

يُظْهِر إبداع سهل التستري في كتاباته استمرار الحيويّة الفكريّة لمجتمع القدس القرّائي. بينما رأى يوسف البصير أن أفكار أبو الحسين البصري البهشمية المعتزلية تشكِّل خطراً، انجذب سهل التستري إليها.

وتنعكس مذاهب البصري في ثلاثة ـ على الأقلّ ـ من كتابات التستري المقدسيّة: (ردود على الأسئلة اللاهوتية، لعليّ بن سليمان المقدسيّ)([104])؛ كتاب التلويح والتوحيد والعدل ‘adl ـ  tawhîd walـ talwîh ilâl ـ Kitâb al (ملخَّص لاهوتيّ)؛ وكتاب التحرير لكتاب أرسطو فيما بعد الطبيعة Kitâb al – tahrîr li – kitâb Aristû fîmâ ba‘d al – tabî‘a (تعليقٌ نقديّ على الميتافيزيقيا الأرسطيّة)([105]).

وبالإضافة إلى هذه الأعمال اللاهوتية، قام التستري بتأليف مقالٍ عن الأسفار المقدّسة، والاستجابة القانونية، والعمل على الزيجات المحظورة (Maqâla fî al-‘arayot)، ينتقد فيها الرأي القانوني ليشوع بن يهوذا.

ولعلّ عمله الرئيس كان كتابه «الأملاك الجوامع»([106]). كُتب الكتاب بناءً على طلب عليّ بن سليمان، الذي طلب منه تحضير كتابٍ مشابه لكتاب الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل). وقسَّم التستري كتابه إلى ثلاثة أجزاء رئيسة:

أوّلاً: خلاصة موجزة عن أصول الدين المعتزلية؛ ثانياً: عرض لأصول الفقه؛ ثالثاً: عرضٌ منهجيّ لأُسُس الفرائض المحدَّدة في التوراة، والأدلّة عليها. وقد أدرج التستري ملخَّصاً للقياس المنطقي الأرسطي في مناقشته لأصول الفقه. ومن الواضح أنه أوّل كاتبٍ يهوديّ يفعل ذلك بطريقةٍ منهجية ([107]).

أما العمل الأخير الذي سيتمّ ذكرُه هنا، على الرغم من أنه قد ينتمي إلى الفترة الأخيرة من المعتزلة اليهودية، فهو بعنوان «كتاب الأصول» (كما ورد في صفحة العنوان)، بقلم: يسار (سهل) بن حصاد التستري.

إن في تأريخ الكتاب إشكاليّةً، ولكنْ من المحتَمَل أن المؤلِّف كان حفيداً لسهل التستري، الذي نوقش أعلاه. وكما قال المؤلِّف: فقد تألَّف الكتاب بناءً على تعليماتٍ من أحد قادة الرأي (القاضي الرئيس المهذّب سنيّ الدولة)([108]).

وممّا يمكن أن نراه في الأوراق العشرة الباقية فالكتاب عبارةٌ عن موجزٍ للكلام المعتزليّ، الذي تمَّتْ صياغته بعباراتٍ عالميّة، لا تقتصر على الخصائص اليهوديّة، وهو ما سيكون مناسباً لظروف تكوينه.

3ـ الفترة المتأخِّرة (القرن الثاني عشر وما بعده)

ينتقل التركيز الجغرافي لهذه الفترة إلى مصر، وقد كانت هذه الفترة قليلة الإبداع من الناحية اللاهوتية. ومع ذلك، كان لا يزال هناك شعورٌ بالحاجة إلى إنشاء أساسٍ عقلانيّ للاعتقاد الدينيّ؛ من أجل تعميق معنى الممارسات الدينية اليومية.

ومن ثمّ فإن هذه الفترة هي في الغالب إحدى ملخَّصات التعليم المسيحي. وبالكاد تمّ التحقيق في الأدب القرّائي لهذه الفترة بشكلٍ عامّ، بما في ذلك علم الكلام. وعلى الرغم من ذلك تمّ تحديد بعض الأعمال.

[ديفيد بن هداي ونجله سليمان بن ديفيد]

ففي منتصف القرن الثاني عشر، قام كلٌّ من: الأب؛ والابن، بتأليف ملخَّصات شبه مماثلة لتعاليم المعتزلة الكلامية. يشير روش هجولة Rosh ha – Golah إلى أن ديفيد بن هدايDavid ben Hisdai  كان من نسل طائفيٍّ من القرن الثامن، عنان بن ديفيد).

كتب كتاب التوحيد، وكتب نجلُه سليمان بن ديفيد عملاً بعنوان: كتاب أصول الدين (Kitâb usûl al-dîn alladhîn mina lâ yasa‘u kull mukallaf tarkahû wa-ihmâlahû). وتمّ تنظيم كلا العملين في شكل سؤالٍ وجواب، وقد تمّ عرض المحتويات فيهما بطريقةٍ مباشرة، مجرّدة دون أيّ جدالٍ أو أدلّة جَدَلية.

يتطلّب القانون القرّائي من الجزّار أن يعرف ويفهم الأساس العقلاني لإثبات وجود الله ووحدانيته وعدله. والمشكلة هي معاناة الحيوان غير المستحقّة. لذلك يجب على الجزّار أن يفهم مفهوم التعويض، والأسس اللاهوتية للفكرة، وبأنّ الله سيعوِّض الحيوان المذبوح عن آلامه؛ وإلاّ فإنه سوف يرتكب عملا شنيعاً عندما يقتل الحيوان. ونتيجةً لذلك غالباً ما كانت أدلّة قوانين الذبح مقدّماتٍ لاهوتية.

كما قام سليمان بن دافيد بتأليف عملٍ ضخم حول الذبح، وبعض مخطوطاته تضع ملخّصاته لتعاليم الكلام أمام قوانين الذبح (هناك أيضاً مناقشةٌ لاهوتية كبيرة في نصّ الكتاب). وقد يكون هذا هو سبب شعوره بالحاجة إلى تأليف ملخَّصه هذا، على الرغم من أن كتاب والده كان متاحاً.

[صموئيل ها دايان وإيليا بن آرون]

وبالمثل، ففي القرن الرابع عشر كتب إسرائيل بن صموئيل ها دايان ها المعرافي تعاليم لاهوتية قصيرة: (ترتيب العقائد الستّة)، وضعها أمام (شروط الذبح). في هذه الحالة أيضاً أخذ العمل اللاهوتي أيضاً حياةً مستقلّة.

وكتب آخر مثالٍ لاهوتيّ من هذا القبيل، بعنوان: كتاب أصول الدين، في نهاية القرن الخامس عشر، من قِبَل إيليا بن آرون بن عبد الوالي.

كان هذا الكتاب جزءاً من مجلَّدٍ كبير، يحتوي أيضاً على ملخَّص للأعمال الليتورجيا القرّائية، للمؤلِّف ميلامد فضل Melamed Fadl. وينضاف إلى ذلك ملخّص لمجموعة صموئيل بن موسى ها معرافي القانونية: (كتاب المرشد). وقد شكّلت كلّ هذه الكتب معاً دليلاً مرجعيّاً، يحتوي على جميع المعلومات التي يحتاجها القرّائي العادي([109]).

آخر مرّةٍ سمعنا فيها عن تعاليم الكلام بين القرّائين المصريين كانت في منتصف القرن السابع عشر. وكان هناك ـ في هذا الوقت ـ جَدَلٌ يتمحور حول مجيء جزّارٍ من إسطنبول إلى القاهرة؛ للحصول على شهادةٍ مصدَّقة.

استلزم تعليمه في القاهرة أيضاً تعلُّم أساسيّات فكر المعتزلة، بما في ذلك فكرة العِوَض. ومع ذلك، أسَّس شركاؤه في الدين في إسطنبول اعتقادهم الدينيّ في الأرسطية الميمونية، واعتبروا فكرة «العِوَض رِجْساً». وعندما عاد الجزّار إلى وطنه رفض مجتمع القرّائين في إسطنبول الاعتراف بشهادته.

ولقد غضبَتْ المجتمعات الناطقة بالعربية في دمشق والقاهرة؛ بسبب رفض ما اعتبرَتْه مادّة إيمان أساسية. ولسنواتٍ عديدة رفض الجانبان تناول لحم الآخر. وحتّى هذا الوقت من الواضح أن الطائفتين لم تكونا على درايةٍ باختلافاتهما اللاهوتية([110]).

[مجموعة فيركوفيتش والتصوُّف]

كملاحظةٍ أخيرة على هذا القسم أودّ أن أشير إلى أن مجموعات فيركوفيتش تظهر أن المكتبات القرّائية في القاهرة تحتوي على كمّيةٍ كبيرة من الأدب الصوفي المتنوّع إلى حدٍّ ما، سواء كان إسلاميّاً أو يهوديّاً؛ وبعضها أعمالٌ صوفيّة نقيّة؛ وبعضها أعمال صوفية ذات توجُّه أخلاقي.

ولا توجد مؤشّرات على أنه في المجتمع القرّائي كان هناك أيّ توتُّرٍ محسوس بين عقلانيتة المعتزلية المعتادة والاتّجاه الصوفي. أودّ أن أقترح ـ كغذاءٍ للفكر والبحث المستقبليّ ـ أن أولئك الذين لديهم مَيْلٌ صوفي رُبَما وجدوا نظرية المعرفة واللاهوت أرضيّةً فكرية مريحة للتجربة الدينية الصوفية.

ويمكن العثور على دلالةٍ على ذلك في كتاب بهيا بن فاقودا الصوفي، كتاب «الهداية إلى فرائض القلوب»، الذي كُتب في إسبانيا، في الجزء الأخير من القرن الحادي عشر. ويوصي بهيا في مقدّمته بالأعمال اللاهوتية للمقمّص وسعديا جاؤون وصموئيل بن حُفني، على أنها الكتب التي تتعامل مع الجانب «الروحيّ» من دراسة الوصايا([111]).

وبالإضافة إلى ذلك، قد نلاحظ اقتراح نسيم بن يعقوب بأن الله قد يكون معروفاً من خلال التجربة المباشرة والبديهيّة، وليس فقط من خلال الاستدلال العقليّ، رغم أنه كان معتزليّاً بوضوحٍ ([112]).

الأنْدَلُسAl Andalus

كان للمعتزلة الإسلاميّة حضورها الصغير ـ جدّاً ـ في الأندلس. وإنْ كان هناك بعض الأفراد من المتّجهين إلى المعتزلة، الذين رُبَما تعرّضوا لعلم اللاهوت خلال الرحلات الدراسيّة إلى الشرق، ولكنْ كان هناك بالتأكيد([113]).

وبينما لم يكن هناك أيضاً مؤلِّفون يهودي من المعتزلة في الأندلس، كان اللاهوتيون والفلاسفة اليهود على علمٍ بالتأكيد بأدب وتعاليم المعتزلة اليهود. وانظر، على سبيل المثال: تعليق بهيا بن فاقودا، المشار إليه أعلاه.

وبالإضافة إلى أعمال بهيا المعتزلية الموصى بها، التي تمّ إعادة ترميمها، تمّ العثور على مؤلّفات قرّائي معتزلي طريقها يرجع إلى الأندلس؛ فقد كان ليشوع بن يهوذا ـ وهو طالبٌ من إسبانيا ـ، وهو ابن الطَّرَس (ibn al – Tarâs)، الذي عاد معه عند عودته إلى دياره، ومعه كتباً لمدرسه، ورُبَما أعمالاً أخرى من القرّائين([114]).

ورُبَما نتيجةً لهذه النشاطات يبدو أن الفيلسوف اليهوديّ جوزيف بن صديق(1149م) قد عرف معظم التعاليم الكلامية التي معظمها من مصادر قرّائية. ففي كتابه المصغَّر يذكر ثلاث مرّات كتاب يوسف البصير (كتاب التمييز): مرّتين عند مناقشتة للصفات الإلهيّة؛ ومرّةً ​​واحدة ـ مطوّلة ـ على فكرة العِوَض([115]).

ويصف يهوذا هاليفي(1141م) تعاليم الكلام بشيءٍ من التفصيل في كتابه الخزاري، ولا سيَّما في الفصل الخامس منه([116]). ومن الواضح أن المجتمع القرّائي في الأندلس لم يكن كبيراً، ولكنْ يجب أن يكون كبيراً بما يكفي لجَذْب انتباه المؤلِّفين الربّانيين([117]).

وتقترح سارة سترومسا أيضاً أنه، بالإضافة إلى الدراسات في الشرق، كان المفكِّرون المسلمون في الأندلس على درايةٍ بمذاهب المعتزلة، من خلال الاتصالات مع اليهود المحليّين، وخاصّة مع القرّائين([118]).

الهوامش

(*) أستاذٌ في الجامعة العِبْريّة في القدس، ومدير مركز دراسة الثقافة والأدب اليهوديّ العربيّ في معهد بِنْ تسفي.

([1]) بحثٌ منشور بالإنجليزية في مجلّة العلوم الإسلامية «عدد خاصّ بالمعتزلة»، العدد 2: 145 ـ 178، تركيا، السنة 12، المجلَّد 12، خريف سنة 2017م.

David SKLARE: Mutazili Trends In Jewish Theology ـ A Brief Survey İslâmî İlimler Dergisi Mu‘tezile Özel Sayısı, Yıl 12, Cilt 12, Sayı 2, Güz 2017 (145/178).

([2]) انظر على سبيل المثال: ت. ج. دي پور، تاريخ الفلسفة في الإسلام: 83، 103، 108، نقله إلى العربية وعلَّق عليه: د. محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط3، دار النهضة العربية، بيروت، 1954م. وأيضاً: آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري2: 12، 13، 19، 35، ترجمة: د. محمد عبد الهادي أبو ريدة، تقديم: د. مصطفى لبيب عبد الغني، طبعة المركز القومي للترجمة، 2008م.

([3]) انظر: جورج فايدا، مقدّمة للفكر اليهودي في العصر الوسيط، ضمن كتاب (د. علي سامي النشّار وعبّاس أحمد الشربيني، الفكر اليهودي وتأثُّره بالفلسفة الإسلامية: 85؛ وقارِنْ: 118)، ط1، مؤسّسة دار المعارف، الإسكندرية، 1972م.

([4]) انظر: أبو الحسن المسعودي، التنبيه والأشراف: 98، عُني بتصحيحه: عبد الله إسماعيل الصاوي، مكتبة الشرق الإسلامية، القاهرة، 1938م.

([5]) زابينيه شميتكه، حركة الاعتزال المرحلة المدرسية ـ ضمن كتاب المرجع في تاريخ علم الكلام 1: 318، ترجمة: د. أسامة شفيع السيد، ط1، مركز نماء للبحوث والدراسات، 2018م.

([6]) فعلى سبيل الذكر، لا الحصر: د. إبراهيم موسى الهنداوي، الأثر العربي في الفكر اليهودي (1963م)؛ وما ذكره الدكتور علي سامي النشّار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، وخاصّة في الجزء الأوّل منه (1966م)؛ د. عبد الرازق أحمد قنديل، الأثر الإسلامي في الفكر الديني اليهودي (1984م)؛ د. عبد الرازق أحمد قنديل، التأثيرات العربية والإسلامية في كتاب الهداية إلى فرائض القلوب، لابن فاقودة اليهودي (2004م)؛ د. يحيى ذكري، علم الكلام اليهودي، سعيد بن يوسف الفيومي نموذجاً، (2015م)؛ د. عادل سالم عطية، الثيولوجيا عند يعقوب القرقساني القرّائي اليهودي والامتداد الإسلامي فيها (2017م)؛ أحمد عزّ الدين، أثر الفكر الإسلامي على فرقة القرّائين (2017م)؛ ناهيك عن مشروع د. محمد جلاء إدريس ـ المتخصِّص فى الدراسات العبرية ـ الفكريّ، وغيرها.

([7]) الحسن مفتاح، علم الكلام الإسلامي وأثره في الفكر اليهودي، مجلّة العلوم الإسلامية: 42، 58، تركيا، 2019م.

([8]) كان الكلام اليهودي معتزلياً بطبيعته. وقد شكل الكلام المسيحي ـ أيضاً ـ أثراً مهمّاً على اللاهوت العقلاني اليهودي في مراحله المبكِّرة بحلول منتصف القرن العاشر، ومع ذلك فقد تبنّى لاهوتيّو اليهود المعتزلة إلى حدّ التقليد، ومضافاً إلى ذلك، يبدو أنه لم يكن هناك يهودٌ من أتباع (الأشعرية)، بل من المؤكَّد ذلك، وخاصّة بين مؤلِّفي المصنَّفات اللاهوتية. لذلك استخدمت مصطلح «المعتزلة اليهودية» في ذلك المقال إشارةً إلى الكلام العقلاني اليهودي.

([9]) هاري أوسترِن ولفسون، فلسفة المتكلِّمين: 70، كامبريدج، ماساتشوستس، 1976م.

([10]) إن كتابات فيلون ما زالت باقيةً على قيد الحياة داخل الكنيسة المسيحيّة.

([11]) الفترة المقترحة هنا متوازية ـ تقريباً ـ مع تلك التي استخدمها د. دانيال جيماريه في مقالته: «المعتزلة»، موسوعة الإسلام، (ط2)، ليدن، 2010م.

([12]) هناك قدرٌ لا بأس به من المعلومات المتعلِّقة بالتفاعلات الثقافية من هذا النوع في ترجمة ودراسة مجموعة أرسطو ابتداءً من القرن التاسع، ولا سيَّما في بغداد في القرن العاشر. انظر: ديميتري جوتاس، الفكر اليوناني، الثقافة العربية. حركة الترجمة اليونانية اليونانية في بغداد والمجتمع العباسي المبكر (2 ـ 4 /القرنان الثامن والعاشر)، لندن ونيويورك، 1998م. ولمنظورٍ أوسع عن هذه الثقافة التطوريّة انظر: جويل كريمر، الإنسانية في عصر النهضة للإسلام، ليدن، 1986م.

([13]) حول الظاهرة الثقافية للمجالس انظر المقالات في: مارك ر. كوهين وساسون سوميك، هافا لازاروس ـ يافه، منشورات معهد جرفيت، المجلس: لقاءات دينية في الإسلام في العصور الوسطى، فيسبادن، 2000.

([14]) انظر: هاري ولفسون، تداعيات الكلام في الفلسفة اليهودية، الفصل 4: «القرآن الموجود مسبقاً والقانون الموجود»، كامبريدج، ماساتشوستس، 1979م.

([15]) يمكن العثور على مسحٍ موجَزٍ لهذا التنوُّع لدى د. دانيال جيماريه، «المعتزلة»، موسوعة الإسلام (ط2)، ليدن، 2010م. ومع استكشاف متعمّق وواسع النطاق في وقتٍ مبكّر للعثور على مذاهب المعتزلة، في: هاري ولفسون، فلسفة الكلام، كامبريدج، ماساتشوستس، 1976م.

([16]) للحصول على وصفٍ تفصيلي للجاؤونيم ومؤلَّفاتهم ومؤسَّساتهم انظر: روبرت برودي، جاؤونيم بابل وتشكيل الثقافة اليهودية في العصور الوسطى، نيو هافن، 1998م.

([17]) يمكننا العثور على نظرةٍ جيّدة وشاملة لتاريخ المذهب القرّائي، على الرغم من قِدَمه بعض الشيء، في مدخل «القرّائين»، في الموسوعة اليهودية، القدس، 1972م، المجلَّد 10: 761 ـ 785، كولز (كتبه في الغالب لليون نيموي)، يمكن أن تكون أكثر اكتمالاً، ومعلومات أكثر حداثةً، وجدت في الفصول المختلفة من اليهودية دليلاً لتاريخها ومصادرها الأدبيّة. ميرا بولياك، محرّر، ليدن، 2003؛ وانظر أيضاً: دانيال لاسكير وآخرون، «القرّائين»، موسوعة daica ـ Ju، المجلد 11: 785 ـ 802، ط2، 2007م.

([18]) على سبيل المثال: الدراسة الكبيرة المكوّنة من خمسة مجلدات للمجتمعات اليهودية في العالم العربيّ، التي أجراها شلومو دوف جويتين، جمعية البحر الأبيض المتوسط ​​(بيركلي ولوس أنجليس، 1967 ـ 1988)، مستمدّة بالكامل من وثائق الجنيزا.

([19]) حول دراسة الكتب الأجنبية راجِعْ: جورج فاجدا، تعليقان قرائيان: 118 ـ 121، جامعة ليدن، 1971م؛ وأيضاً: حجاي بن شماي، مذاهب الفكر الديني لـ «أبي يوسف يعقوب القرقساني» و«يفيت بن علي»، أطروحة دكتوراه [عبري]، المجلد 1: 105 ـ 107، الجامعة العبرية في القدس، 1977م. ولنقد يفيت للمعتزلة في تعليقاته على المزامير 94: 8 انظر بن شمّاي، مرجع سابق: 106، ن. 29.

([20]) نشر النصّ جاكوب مان، «عمل لاهوتي ـ سياسي جدلي مبكّر»، كلّية الاتحاد العبرية السنوية 12 ـ 13 (1937 ـ 1938): 411 ـ 459. ويمكن الوقوف على مناقشة أكثر تفصيلاً لهذا النصّ في: ديفيد سكلر، الجاؤون صموئيل بن هوفني وعمله الثقافي، النصوص والدراسات: 130 ـ 138، ليدن، بريل، 1996م.

([21]) نوقشت عالميّة التوراة على نطاقٍ واسع من قِبَل المؤلِّفين اليهود في هذه الفترة. انظر: ديفيد سكلر، «هل الأمم ملزمةٌ بمراقبة التوراة؟ المناقشة المتعلِّقة بعالمية التوراة في الشرق في القرنين العاشر والحادي عشر»، في طبعة في جاي هاريس إد.، بئيروت يتسحاق: دراسات في ذاكرة إيزادور تويرسكي: 311 ـ 346، كامبريدج، ماساتشوستس، 2005م.

([22]) المزامير 62: 4.

([23]) تلف حوالي سطرٍ من النصّ هنا، ويصعب قراءته.

([24]) مان، مرجع سابق: 448.

([25]) كما يعكس موقف هذا المؤلّف من المعتزليّين نقد المعتزلة بين الإسلام «الأرثوذكسي».

([26]) أودّ أن أعرب عن امتناني لـ «تمار ليتر» Tamar Leiter عن مشروع «علم الآثار العبرية ـ Paleography»، ولمساعدتها في تأريخ المخطوطة.

([27]) ومن المقرّر أن تظهر نسخةٌ من هذا الجزء في المجلد الثاني في جوشوا بلاو وسيمون هوبكنز، أوائل اليهودية العربية في التهجئة الصوتية: نصوص من نهاية الألفية الأولى [عبري]، ظهر المجلد الأوّل في القدس، 2017. وعن ظاهرة الصوتيات والهجاء العربي ـ اليهودي انظر: مجلة دراسات اللغة العربية Zeitschrift für Arabische Linguistik المجلد 12: 9 ـ 27، 1984م؛ جوشوا بلاو وسيمون هوبكنز، «برديات الجودو ـ العربية، تم جمعها وتحريرها وترجمتها وتحليلها»، دراسات القدس باللغة العربية والإسلام، المجلَّد 9: 87 ـ 160، 1987.

([28]) إن أدب المعتزلة يشير من حينٍ لآخر إلى الجماعات الهنديّة، ولا سيَّما البراهمة. انظر: إس بينس، «دراسة عن تأثير الفكر الهندي، البوذي على بعض جوانب مذاهب الكلام»، دراسات القدس في اللغة العربية والإسلام 17: 182 ـ 203، 1994م؛ سارة سترومسا، «البراهمة في أوائل الكلام»، دراسات القدس باللغة العربية والإسلام 6: 229 ـ 241، 1985م.

ويناقش دونغ شيويوان Dong Xiuyuan المصادر النصّية للاتصال بين الفكر البوذي وبواكير المعتزلة في مقالٍ مقبل بعنوان «وجود الفكر البوذي في أدب الكلام» للظهور في فلسفة الشرق والغرب. يقترح بلخ كموقعٍ محتمل لهذا الاتصال. كتب داوود المقمص لدحض البوذيّين. انظر: سارة سترومسا، داود بن مروان المقمص: عشرون فصلاً (الفصلان السادس والسابع والعشرون)، بروفو، يوتا، 2016م.

([29]) الكثير من النقاش حول تأثير الكلام المسيحيّ على المعتزلة يركِّز على استخدام أسلوب الجَدَل والجَدَلية. انظر: الملخَّص الأخير الذي أعدَّه ألكسندر تريغر، «أصول الكلام»، تحرير: زابينه شمتكه، دليل أكسفورد للاهوت الإسلامي، نيويورك، 2016م. انظر أيضاً: المصادر المشار إليها في سارة سترومسا، مرجع سابق، الثالث والثلاثون، ن 95.

([30]) سارة سترومسا، داوود بن مروان المقمّص: 25، 26. كما قام بترجمة مقتبس من مصادر سريانية تعليق على الأيام الستّة للخلق (the hexaemeron)، بعنوان: كتاب الخليقة، تمّ التعرُّف على جزءٍ صغير واحدٍ منها. انظر: سارة سترومسا، «من أقدم تعليقٍ عربيّ يهودي على التكوين»، دراسات القدس بالعربية والإسلام 27: 375 ـ 395، 2002م. كما كتب تعليقاً على سفر الجامعة، بناءً على مصادر مماثلة، ولكنْ لم يتمّ العثور على مخطوطات لهذا العمل.

([31]) في الطبعة الأولى من كتاب: سارة ستروما، داوود بن مروان المقمص (عشرون فصلاًIshrûn Maqâla)، ليدن، 1989م، والنصّ العربي مقدَّم بالحروف العبرية؛ وفي الطبعة الثانية (سارة ستروما، داود بن مروان المقمص (عشرون فصلاً)، بروفو، يوتا، 2016م، والنصّ العربي مقدَّم بالحروف العبرية. وتحتوي الطبعة الثانية أيضاً على مقدّمة إضافية وترجمة إنجليزية حَسَنة.

([32]) سترومسا، داوود بن مروان المقمص (عشرون فصلاً): 31 ـ 32، ط2.

([33]) المرجع السابق: 36.

([34]) المرجع السابق: 326.

([35]) حجاي بن شماي، «كلام في الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى» في: دانييل هـ. فرانك وأوليفر ليمان (محرّران)، تاريخ الفلسفة اليهودية: 99 ـ 100، لندن ونيويورك، 1997م.

([36]) هذه المقالة ليست المكان المناسب لمناقشة أهمّية اللاهوت المسيحي لأصول الكلام الإسلامي. بالإضافة إلى المراجع في الهامش 19 أعلاه، انظر المراجع في: سارة سترومسا، داوود بن مروان المقمص، ص: ل، ن 164.

([37]) سترومسا، داوود بن مروان المقمص: 22. ومن المهمّ أيضاً أن نشير إلى أنه يبدو أنه لم يكن قد تلقّى تعليمه في التقاليد الحاخامية، والتي رُبَما كانت صحيحةً أيضاً لأجزاء من قيادته.

([38]) انظر: سترومسا، داوود بن مروان المقمص: xlvi ـ li. الكتاب في إسبانيا في الجزء الأخير من القرن الحادي عشر، وأوصى بحي بن يوسف بن باقودا بــــ «كتاب المقمص»؛ جنباً إلى جنب مع كتاب سَعْدِيا جاؤون «الأمانات والاعتقادات»؛ وكتب صموئيل بن حُفني: «كتاب أصول الدين»، والكتب التي تتناول الجانب «الروحي» من دراسة الوصايا. انظر: بهيا بن يوسف بن فاقودة، كتاب الهداية إلى فرائض القلوب: 7، محرِّر: أ. يهودا، ليدن، 1912م.

([39]) قرية أبو صير دفنو، إحدى القرى التابعة لمركز أطسا بمحافظة الفيُّوم ـ جمهورية مصر العربية. والاسم مشتقٌّ من اسم الإله أوزوريس. انظر: جلال أحمد أبو بكر، المتوارث فى مصر الفرعونية: 68، ط1، دار المعارف، 2015م (المترجِم).

([40]) وقد قابله المؤرِّخ أبو الحسن المسعودي، الذي كان معاصراً لسعديا، وأعجب به بشكلٍ واضح. في كتابه «التنبيه والإشراف»: 112 ـ 113 (محرّر ميخيل يوهنا دي خويه، ليدن، 1894م). ويصف المسعودي نزاع سعديا مع رأس الجالية اليهودية، وأشار إلى ما حدث من انقسامٍ في المجتمع. كما ذكر حضور سعديا في مجلس الوزير عليّ بن عيسى، ويذكر أن سعديا درس مع أبي كثر [يحيى بن زكريا الكاتب] في طبريّة، الذي ناقشه المسعودي بشأن إلغاء القانون (النسخ) والتمييز بين النسخ والبداء.

([41]) لقد كتب كثيراً عن سيرة سعديا جاؤون وإنتاجه الأدبي. انظر: الدراسة الكلاسيكية، مالتير جورج، سعديا جاؤون: حياته وأعماله، فيلادلفيا، 1921م. صدر حديثاً ويمكن الوصول إليه: روبرت برودي، سعديا جاؤون، أكسفورد، 2013م. وتمّ العثور على وصفٍ قصير لحياته ومهنته الفكرية في: لين إي غودمان، كتاب ثيوديسيا [العدالة الإلهيَّة]: 3 ـ 27، ترجمة وتعليق على كتاب العمل لسعديا بن يوسف الفيومي، جديد ـ هيفن، 1988م.

وللوقوف على إرشادات حول الأدبيات الثانوية المتعلّقة بمؤلَّفاته اللاهوتية انظر: كوليت سراط، تاريخ الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى: 417 ـ 418، كامبريدج، 1985م. والمناقشات الأخيرة المهمة حول نشاطه اللاهوتي موجودةٌ في: سارة سترومسا، «سَعْدِيا والكلام اليهودي»، في: ديفيد فرانك وأوليفر ليمان (محرّران)، الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى: 71 ـ 90، كامبريدج، 2003م؛ آدم، سعديا جاؤون: مفكِّر يهودي في مجتمع البحر الأبيض المتوسط [عبري]، تل أبيب، 2002م؛ حجاي بن شماي، مشروع القائد: دراسات في الأعمال الفلسفية والتفسيرية لسعديا جاؤون [عبري]، القدس، 2015م.

([42]) يصف سفر يتزيرا بلغةٍ غامضة إلى حدٍّ ما كيف تمّ نشوء العالم من خلال اثنين وعشرين حرفاً من الأبجدية العبرية والأرقام العشرة الأولى. ولا يوجد اتفاقٌ حول وقت تأليفه، مع وجود اقتراحات على أنه من القرن الثاني حتّى القرن التاسع.

([43]) وهناك طبعة يسهل الوصول إليها من التعليق، بقلم: جوزيف قافيه، سفر يتزيرا [كتاب المبادئ] سعديا جاؤون، القدس، 1972م. كما تمّ نشر طبعة له من قبل: ماير لامبرت، باريس، 1891م. في التعليق انظر: حجاي بن شماي، «هدف سعديا في تعليقه على سفير يتزيرا» في: ر. لينك سالينجر، مسار مستقيم: مقالات في تكريم آرثر هيومن: 1 ـ 9، واشنطن العاصمة، 1988م؛ سارة سترومسا، المسارات العجيبة: السياق الإسماعيليّ من «تعليق سعديا على سفر يتزيرا في: M بومباخ وآخرون (محرّران)، حولية الكتاب السنوي الفلسفي لبُوخُوم للعصور الوسطى والعصور الوسطى، المجلد 18: 74 ـ 90، 2015م.

([44]) هناك نسخةٌ سهلة المنال مع التعليق بقلم: جوزيف قافيه، القدس، 1970م. وترجم الكتاب إلى الإنجليزية صموئيل روزنبلات، سعديا جاؤون: كتاب المعتقدات والآراءthe book of beliefs and opinions، نيو هيفن، 1948م.

([45]) ففي شبابه في مصر كان ـ سَعْدِيا ـ يتواصل مع الطبيب اليهوديّ ومفكّر الأفلاطونية المحدثة إيزاك الإسرائيلي.

([46]) تقترح سارة سترومسا أن انتقائية سَعْدِيا ترجع فى حقيقتها بوصفه يهودياً، ولم يكن فى الوقت نفسه ملتزماً بأيّ مذهبٍ فلسفي معين، مسيحيّاً كان أو إسلاميّاً. انظر: سارة سترومسا، سعديا والكلام اليهودي: 80. ومع ذلك، ففي خلال حياته، أو قبل ذلك بقليلٍ، بدأت المدارس الإسلامية المعتزلية تتبلور حقّاً.

([47]) كان سَعْدِيا على علمٍ بالموقف المناهض للمذهب الذرّي للمعتزلي النظّام، ونظريّته عن «الطَفْرة»، على الرغم من أنه لم يذكره بالاسم. انظر: اهاري ولفسون، تداعيات الكلام في الفلسفة اليهودية: 165 ـ 166، كامبريدج، ماساتشوستس، 1979م.

([48]) تمّ العثور على مؤيِّدين يهود لمدارس فلسفية ودينية أخرى، مثل: الأفلاطونية المُحْدَثة والأرسطية والصوفية.

([49]) جزء من جنيزا تحتوي على بداية كتاب التوحيد، المنسوب إلى دانيال بن موسى القومسي، نشره: موشيه زوكر، ترجمة: Rav Saadia Gaon (سعديا جاؤون)، من التوراة: التفسير، هالاخا، والجَدَل السياسي في ترجمة سعديا لأسفار موسى الخمسة [عبري]: 481 ـ 485، نيويورك، 1959م.

([50]) نشرت الرسالة بترجمةٍ إنجليزية من قِبَل ليون نيموي، «عظة القومسي الزائفة إلى القرائين»: 49 ـ 105، PAAJR 43، 1976م. وقد أعرب نيموي عن شكوكه في أن القومسي هو المؤلِّف الفعلي لهذا النصّ، لكنه اعترف بأنه جاء من دائرته. والأجزاء اللاهوتية من هذه الرسالة في الصفحات 55 ـ 60، 88 ـ 90.

([51]) تمّ تحليل المحتوى اللاهوتي لكتابات القومسي من قبل حجاي بن شماي، «الاتجاهات الرئيسية في الفلسفة القرائية والجَدَل السياسي في القرنين العاشر والحادي عشر»، في ميرا بولياك (محرّر)، اليهودية القرائية: دليلٌ لتاريخها ومصادرها الأدبية: 341 ـ 344، ليدن، 2003م. وحول هذا الموضوع انظر أيضاً: موشيه زوكر، ترجمة سعديا جاؤون للتوراة: 172 ـ 175.

([52]) حول اعتراضه على الكتب الأجنبية انظر: ديفيد اسكلر، الجاؤون صموئيل بن حُفني وثقافته العالمية: النصوص والدراسات: 139، ن. 124، ليدن، 1996م.

([53]) هذا العنوان وضعته إدارة التحرير في المجلّة.

([54]) ناقش فكر هذين المؤلِّفين حجاي بن شماي في: مذاهب الفكر الديني لأبي يوسف يعقوب القرقساني ويفيت بن عليّ [عبري]، أطروحة دكتوراه، الجامعة العبرية في القدس، 1977م. وتمّ العثور على ملخَّص موجَز للغاية في: حجاي بن شماي، «الاتجاهات الرئيسية في الفلسفة القرائية»: 344 ـ 352. وانظر أيضاً: جورج فاجدا، «دراسات عن القرقساني (REJ 47 – 107, 1946): 52 ـ 98؛ 122 (1963)، الصفحات 7 ـ 74.

([55]) وبحَسَب ما ورد فقد قام القرقساني بتأليف كتابه التوحيد، ولكنْ لم يتمّ العثور على نسخةٍ مخطوطة له.

([56]) كتاب الأنوار، نشرة ليون نموي، محرر، كتاب الأنوار والمراقب (مدونّة القانون القرائي)، 5 مجلدات، نيويورك، 1939 ـ 1943م. وتُعَدّ نسخة نموي إنجازاً كبيراً، لكنّ نصّه هذا يحتوي على عددٍ من الثغرات التي يمكن ملؤها الآن؛ بسبب اكتشافات مخطوطة جديدة للكتاب. وتمّ العثور على بعض هذه الإضافات في برونو كييزا Bruno Chiesa، «بعض فصول مفقودة من كتاب القرقساني كتاب الأنوار الثاني»، التاريخ الفكري للعالم الإسلامي 2: 37 ـ 49 (2014م). و نُشرت ترجمة إنجليزية للكتاب الأول في برونو كييزا وويلفريد لوكوود، يعقوب القرقساني والطوائف اليهودية والمسيحية، فرانكفورت، 1984م. (وهناك ترجمة جزئية باللغة الإنجليزية للكتاب الأوّل تمّ نشره سابقاً من قِبَل ليون نموي، «محاسبة القرقساني للطوائف المسيحية اليهودية» (HUCA 7, 1930): 317 ـ 397، ومرة ​​أخرى في ليون نموي، مختارات قرائية: 45 ـ 53، نيو هافن، 1952م.

([57]) يوجد وصف للكتاب في: ديفيد سكلر، العلم وتفسير الكتاب المقدّس في القرن العاشر: تفسير يعقوب القرقساني تفسير بيريشت» [عبري]، جينزا قديم 14 (ظهور 2018م). والمقدّمة في تفسير بيريشيت تناقش سبعة وثلاثين من مبادئ تفسير الكتاب المقدّس. تمّ نشر أول أربعة وعشرين من هذه من قِبَل هرتفيك هرشفلد، دراسات القرقساني، لندن، 1918م. وقد تمَّتْ ترجمة جزء من هذا النصّ إلى الإنجليزية في ليون نموي، مختارات قرائية: 53 ـ 68. وفي أحد فصول الكتاب ينتقد موقف الفلسفة الأرسطية من أن الأجرام السماوية كائناتٌ حيّةٌ، بالاعتماد على الكندي كمصدرٍ رئيس له.

([58]) تمّ نشر جزء قليل جدّاً من الكتاب. وقد حرّر بعض المقاطع حجاي بن شماي في: المذاهب الدينية.

([59]) انظر: حجاي بن شماي، «دراسات في ذرّية القرّائين»، دراسات القدس في اللغة العربية والإسلام 6: 245 ـ 254 (1985م).

([60]) هذا العنوان وضعته إدارة التحرير في المجلّة.

([61]) يتمّ تقديم سيرة صموئيل بن حُفني، ونتاجه الأدبي، وعالمه الثقافي والعناصر الرئيسية لفكره، في: ديفيد اسكلر، صموئيل بن حُفني جاؤون وعالمه الثقافي: النصوص والدراسات، ليدن، 1996م. ويمكن العثور على تفاصيل الكتب المذكورة أدناه في الصفحات 26 ـ 30.

([62]) انظر: اسكلر، صموئيل بن حُفني: 53. لم يصِلْنا كتاب ابن خلاّد بشكلٍ مباشر وتامّ، ولكن وصلتنا أجزاء كبيرة منه، كانت متضمّنة في كتاب زيادات شرح الأصول، للإمام الناطق بالحقّ البطحاني(1033م)، نُشر في اللاهوت البصري المعتزلي: أبو علي محمّد بن خلاّد. كتاب الأصول، تحقيق: كاميلا أدانغ وويلفرد ماديلونغ وزابينه شميتكه، ليدن، 2010م. وتشبه المصطلحات والأسلوب الحجاجي والموضوعات في هذا النصّ إلى حدٍّ كبير تلك الموجودة في المناقشات الموازية في كتابات صموئيل بن حُفني، ممّا يؤكِّد معرفته الوثيقة بابن خلاّد.

([63]) تمّ نشر عددٍ من أجزاء هذه المخطوطات التي تمّ تحديدها مبدئياً على أنها تنتمي إلى هذا الكتاب في: ديفيد اسكلر، الفكر الديني والقانوني لصموئيل بن حُفني جاؤون: النصوص والدراسات في التاريخ الثقافي، أطروحة دكتوراه، المجلّد 2، التذييل 2، جامعة هارفارد، 1992م. وآمل أن أنشر جميع هذه الأجزاء المحدّدة في المستقبل. ومما سجّل فى قائمة الكتب الخاصة بالجنيزا (كتاب الإرشاد) لصموئيل بن حفني، وقد يكون هذا اسماً مختلفاً عن كتاب الهداية.

([64]) لم يتمّ تحديد مخطوطات هذا الكتاب.

([65]) نشر هذا العمل كله ـ تقريباً ـ بواسطة: جولدتسيهر، المسالك المجهولة في نظرية الصفات: 95 ـ 114؛ تكريماً لذكرى د. أ. هاركافي، سان بطرسبرغ، 1908م. «وهناك كتابٌ تمّ اكتشافه حديثاً، بقلم: راف صموئيل بن حُفني، عن أسماء الله وصفاته»، وتمّ التعرُّف على المؤلِّف من قِبَل شراغا أبرامسون [عبري]، كريات سيفر 52: 381 ـ 382 (1977).

([66]) تمّ تحديد بعض أجزاء هذا الكتاب، بما في ذلك جزء من جدول المحتويات. وهو في عشرة فصول.

([67]) تمّتْ مناقشة هذا الكتاب بإيجازٍ في: حجاي بن شماي، «نتائج جديدة في مخطوطة منسية: تعليق صموئيل بن حُفني على Ha’azinu [الجزء الأسبوعي الثالث والخمسون من التوراة في الدورة اليهودية السنوية لقراءة التوراة والعاشرة في سفر التثنية]، وتعليق سعديا على الوصايا العشر» [عبري]، كريات سيفر 61: 318، 12 (1986). ويقترح بن شماس أن بعض أجزاء هذا الكتاب نُشرَتْ بالخطأ على أنها تخصّ تعليق صموئيل بن حُفني على سفر التثنية.

([68]) يمكن إعادة بناء جزءٍ كبير من هذا الكتاب. وقد تمَّتْ مناقشته ذلك في: ديفيد اسكلر، «ردود على الجَدَل الإسلامي من قبل اليهود المتكلمين في القرن العاشر»؛ وفي: هافا لازاروس ـ يافه، مارك ر. كوهين، ساسون سوميك، المجلس: لقاءات دينية في الإسلام في العصور الوسطى: 137 ـ 161، فيسبادن، 2000م. وأخطِّط لنشره، مع أعمال يهودية جَدَلية أخرى، في المستقبل القريب.

([69]) قد نشرت الأجزاء الكبيرة الباقية من هذه المسائل، وترجمتها، وشرح لها، مع مقدّمة ضافيةٍ في: ديفيد اسكلر، صموئيل بن حُفني جاؤون وعالمه الثقافي.

([70]) انظر: اسكلر، صموئيل بن حُفني جاؤون وعالمه الثقافي: 150 ـ 152، 186 ـ 188؛ والمصادر المذكورة هناك.

([71]) وقد نوقش هذا الموضوع على نطاقٍ واسع بين المتكلمين اليهود في هذه الفترة. انظر: ديفيد اسكلر، «هل الأمم ملزمة بمراقبة التوراة؟ مناقشة عالمية التوراة في الشرق في القرنين العاشر والحادي عشر».

([72]) في هذا الردّ انظر: ديفيد اسكلر، «استقبال المعتزلة بين اليهود الذين لم يكونوا لاهوتيين محترفين»، التاريخ الفكري للعالم الإسلامي: 25 ـ 282 (2014).

([73]) Weill, G. رد راف هاي جاؤون بخصوص العمر المخصص [عبري] في: أومبرتو كاسوتو وجوزيف كلاوسنر ويوليوس غوتمان (محرران)، سفر آسف: كوفيتس معماري: 261 ـ 279، القدس، 1953م.

([74]) انظر: اسكلر، «استقبال المعتزلة»: 28 ـ 30.

([75]) حول الأجواء المعتزلية في مدرسة القيروان المدراش (الأكاديمية) انظر: اسكلر، «استقبال المعتزلة»: 30 ـ 31. ولاحِظْ أن ردّ شيرا جاؤون المذكور أعلاه تمّ إرساله من القيروان. وتمّ تخصيص كتاب صموئيل بن حُفني عن الصفات الإلهية لإبراهيم بن عطا، زعيم الجالية اليهودية في القيروان، مشيراً إلى أن تعاليم المعتزلة كانت محلّ تقديرٍ هناك.

([76]) وقد أشار الأستاذ جولدتسيهر إلى أنه تأثَّر بالمعتزلة بالفعل. انظر: «ر. نسيم بن يعقوب والمعتزلة» (REJ 47, 1903): 179 ـ 186.

([77]) تمّتْ معالجة هذا الكتاب من قِبَل: شراغا أبرامسون، راف نسيم جاؤون: خمسة كتب [عبري]: 181 ـ 360، القدس، 1965م، بما في ذلك نشر العديد من الأجزاء.

([78]) كتب ليفي بن يفيت أيضاً عدداً من الأعمال القانونية الواسعة والتعليقات على مقاطع كتابية محددة (نكت nukat)، كما اختصر أيضاً عملاً في المعاجم العبرية. وتمّ العثور على معلوماتٍ مفصَّلة عن ليفي وكتابه النعمة، بما في ذلك مختارات واسعة منه، في: ديفيد اسكلر، ليفي بن يفت وكتابه النعمة؛ زابينه شميتكه وديفيد اسكلر، عقلانية مشتركة: المعتزلة في الإسلام واليهودية: 157 ـ 216، فورتسبورغ، 2007م. وانظر أيضا: ويلفرد ماديلونغ، «اللاهوت المعتزلي في كتاب النعمة لليفي بن يفيت» التاريخ الفكري للعالم الإسلامي 2: 9 ـ 17 (2014).

([79]) ومن الواضح أنه أعطي لقب «البصير» لأنه كان أعمى. وقد يتمّ الإشارة إلى عماه عن طريق حقيقة أن جميع كتبه قد أملاها، وهي ممارسة غير عادية بين المؤلِّفين اليهود.

([80]) يمكن العثور على الأوصاف والمعلومات المتعلِّقة بالبصير في: ديفيد اسكلر، «يوسف البصر: Halakhic الجوانب اللاهوتية لأعماله»، في دانيال فرانك (محرّر)، يهود الإسلام في العصور الوسطى: المجتمع والمجتمع والهوية: 249 ـ 270، ليدن، 1995م. وفي بعض الحالات يجب تحديث المعلومات في ضوء البحث الأخير. وقد تمّ نشر عددٍ قليل جدّاً من كتب البصر. وقد تمّ العثور على معظم مخطوطات أعماله في قائمة فركوفيتش، على الرغم من وجود عددٍ قليل منها أيضاً في المكتبة البريطانية، ومكتبة المدرسة اللاهوتية اليهودية في نيويورك، ومجموعة كوفمان. انظر: ديفيد اسكلر (بالتعاون مع حجاي بن شماي)، مخطوطات يهودية ـ عربية في مجموعات فركوفيتش: أعمال يوسف البصير [عبري]، القدس، 1997م.

([81]) عُرِف هذا الكتاب أيضاً باسم المنصوري Mansûrî ـ al، وقد تمّتْ تسميته باسم الشخص الذي طلب تأليفه، ورُبَما يكون أبو منصور يهوذا بن دانيال الذي كتب البصير له ردّاً على أسئلته. وقد تمّ نشر جزء من هذا الكتاب من قبل فولفغانغ أبيل Wolfgang von Abel في كتاب التميُّز، فرايبورغ، 2005م. وقد تمّ العثور على الكتاب بأكمله في مخطوطة. وقارن فون هابيل نصّ كتاب التميُّز مع الترجمة العبرية، وحول العلاقة النصّية بين كتاب التميُّز من تأليف يوسف البصير والترجمة العبرية Sefer Mahki ـ mat Petiam مثال على الفصول الختامية للجزء الرئيسيّ الأوّل في: كاميلا أدانغ وزابينه شميتكه وديفيد اسكلر، عقلانية مشتركة: المعتزلة في الإسلام واليهودية: 217 ـ 227، فورتسبورغ، 2007م.

([82]) تمّ إعداد نسخةٍ أوّلية من النصّ اليهودي ـ العربي من قِبَل ديفيد بلومنتال، ووجدت في جورج فاجدا، الكتاب المحتوي، يوسف البصير: النصّ والترجمة والتعليقات: 634 ـ 780، ليدن، 1985م. وتمّ تخصيص معظم هذا المجلّد لترجمة مشروحة للغاية وتفسير النصّ من قِبَل فاجدا، بما في ذلك المراجع والاقتباسات الواسعة من أعمال عبد الجبّار. وراجع مقالات المراجعة لهذا المجلد بقلم: حجاي بن شماي في كريات سيفر Kiryat Sefer 62: 407 ـ 426 (1989 ـ 1988م) [عبري]؛ وبرونو شيزا في: (Henoch 10, 1988): 355 ـ 376. وهناك فصلٌ من الكتاب مفقودٌ في المخطوطة التي يستخدمها فاجدا وبلومنتال مقدَّم من حجي بن شماي، «الفصول الضائعة من كتاب يوسف البصير» المحتوي (طبعة المحاولة) في: ديفيد اسكلر (بالتعاون مع حجاي بن شماي)، «مخطوطات يهودية ـ عربية في مجموعات فايركوفيتش: أعمال يوسف البصير»: 113 ـ 226 [عبري]، القدس، 1997م.

([83]) انظر: حجاي بن شماي، «الاتجاهات الرئيسية»: 355 ـ 356.

([84]) تمّ تحديد بعض أجزاء من Tassafuh adillhave مؤخَّراً في أقسام فركوفيتش، ونشرها ويلفرد ماديلونغ وزابينه شميتكه، أبو الحسين البصري، تصفُّح الأدلة، فيسبادن، 2006م. وللحصول على وصف لمذاهب البصري وتشكيل مدرسته راجع مقدّمة هذا المجلّد والمنشورين المذكورين في الحاشية التالية.

قام القرّائيون في القدس والقاهرة بنسخ العديد من الأعمال الإسلامية المعتزلية، وأحياناً قاموا بكتابتها بأحرف عبرانية. وجدت بعض هذه المخطوطات طريقها إلى مكتبة كنيس ـ معبد ـ القرّائي في القاهرة، ومن هناك إلى مجموعات فركوفيتش في سانت بطرسبرغ والمكتبة البريطانية. وبهذه الطريقة، هناك عددٌ من الكتب المعتزلة، مثل: «تصفح الأدلة» (أو على الأقلّ أجزاء منها)، وغير معروف من مصادر أخرى، تمّ الحفاظ عليها. وللحصول على مثالٍ آخر انظر: جريجور شوارب، «اكتشاف جزء جديد من المغني في أبواب التوحيد والعدل، عبد الجابر الهمداني دون، المجموعة القرائية المكتبة البريطانية»، MIDEO 27: 119 ـ 129.

([85]) وقد نُشرت أجزاء من هاتين الدحضتين في: ويلفرد مادلينغ وزابينه شمدتكه، «دحض (نقد Naqd) يوسف البصير الأوّل لأفكار أبو الحسين البصري»؛ وفي: كاميلا آدلنغ وزابينه شميتكه وديفيد اسكلر (محرّران)، عقلانية مشتركة: المعتزلة في الإسلام واليهودية: 229 ـ 296، فورتسبورغ، 2007م؛ وفي: ويلفرد ماديلونغ وزابينه شميتكه، اللاهوت العقلاني في التواصل بين الأديان: لاهوت أبو الحسين البصري المعتزلي بين القرائين في العصر الفاطمي، الفصل الأوّل، ليدن، 2006م.

([86]) كانت أصول الفقه فى هذه الفترة جزءاً أساسياً من كلام المعتزلة، وذلك بناءً على نظرية المعرفة الخاصة بهم. في أصول الفقه اليهوديّ انظر: غريغور شوارب، «أصل الفقه في الكلام اليهودي» 10 و11. القرن: نظرة عامة في دراسات ـ أطروحات ـ علماء الشرق (LX 2007) [الشرق كمنطقة حدودية: الحاخامية واليهودية خارج الحاخامية]، أنيليس كويت وجيرولد نيكر: 77 ـ 104.

([87]) من الواضح أن البصير كتب هذا الكتاب بعد لقاء جَدَلي مع الباحث السامريّ أبي الحسن السوري. انظر: جريجور شوارب، «المعتزلة في عصر ابن رشد»؛ وفي: بيتر أدسون (محرّر)، في عصر ابن رشد: الفلسفة العربية في القرن السادس / الثاني عشر: 280، ن. 139، معهد واربورغ كولوكيا 16، لندن، 2011م. وقد كتب أحد أتباع البصير جَدَلاً ضدّ السامريين أيضاً.

([88]) تمّ وصف هذا العمل تفصيلاً في: ديفيد سكلر، «الردود على الجَدَل الإسلامي من قبل اليهود المتكلِّمين في القرن العاشر»؛ وفي: هافا لازاروس، مارك ر. كوهين، ساسون سوميك، المجلس: لقاءات دينية في الإسلام في العصور الوسطى: 137 ـ 161، فيسبادن، 2000م.

([89]) كان هذا الكتاب ـ أحد ـ آخر أعمال البصير، ورُبَما كان يهدف فيه إلى مساعدة أولئك الذين يتناقشون في المجالس. وقد تمّ وصفه في: جريجور شوارب، «دلالات اللاهوت في رواية يوسف البصير في رسالة معنى إجازة النسخ»، في اللغات السامية للإنتاج الفكري اليهودي. المجلّد التذكاري للدكتور فريدريش نيسن وماريا أنجليس جاليجو وخوان بيدرو مونفرير ـ سالا، محرّران، ليدن (قادم).

([90]) جورج فاجدا، كتاب المحتوى ليوسف البصير: 756.

([91]) تمت مناقشة التداخل بين القانون واللاهوت في كتاب الاستبصار في: ديفيد اسكلر، «يوسف البصير: الجوانب اللاهوتية لأعماله المذهبية Halakhic».

([92]) لم يكتب الكثير عن يشوع بن يهوذا. وأحد المصادر الثانوية هو: حجاي بن شمّاي، «رثاء فريد على القدس للمؤلف القرائي يشوع بن يهوذا» [عبري]؛ وإي فليشر وآخرون (محرّران)، ماسة موشيه: دراسات في الثقافة اليهودية والإسلامية مقدَّم إلى موشيه جيل: 93 ـ 102، القدس، 1998م.

([93]) وقد تمَّتْ ترجمة هذا الكتاب إلى العبرية بواسطة الطالب يشوع يعقوب بن سيميون. وتمّ نشر الترجمة من قبل: I. Markon, Sefer ha-Yashar، بطرسبورغ، 1908م.

([94]) أعدّ جريجور شوارب طبعةً وترجمةً مشروحة لكتب التورية. ومن المأمول نشره في المستقبل القريب.

([95]) تمّ العثور على الإسناد في بدايةٍ واحدة من المخطوطات الباقية. وقد تمّ وصف هذا النصّ وتحليله باستفاضةٍ، بما في ذلك الاقتباسات الواسعة مع الترجمة الألمانية، من قِبَل: كاربنتر، «الكلام في الأدب اليهودي»، تقرير عن معهد علم اليهودية 13: 1 ـ 67 (1895)؛ كاربنتر، «دراسات عن يشوع بن يهوذا»، تقرير عن معهد علم اليهودية 20: 26 ـ 68 (1902). وكانت هذه الدراسات الأولى عن المعتزلة اليهودية.

([96]) تمّت مناقشة النصّ وأصله العربي بإيجازٍ في: ديفيد اسكلر، «أسئلة كتابية: نصوص مبكرة باللغة العربية اليهودية» [عبري]؛ وفي: مئير بار أشير، سيمون هوبكنز، سارة سترومسا، وبرونو شيزا (محرّران)، كلمة منطوقة: دراسات في تفسير العصور الوسطى للكتاب المقدّس العبري والقرآن مقدمة إلى حجاي بن شماي: 216 ـ 217، القدس، 2007م.

([97]) انظر جورج فاجدا، «مثالان لعلم اللاهوت القرائي: Sefer Meshivat Nefeshand Pereq Zid-duqHaddin، Studia Orientalia Memoriae D.H. Baneth Dedicata»: 103 ـ 110، القدس، 1979م.

([98]) على فلسفة البيزنطيين القرائين من القرن الثاني عشر فصاعداً انظر: دانيال لاسكر، «الفكر البيزنطي القرائي»؛ ميرا بولياك، اليهودية القرائية: دليلٌ لتاريخها والمصادر الأدبية: 505 ـ 528، ليدن، 2003م. وهناك مناقشة أكثر اكتمالاً في: دانيال لاسكر، من جودا هاداسي إلى إيليا بشياتشي: دراسات في فلسفة القرون الوسطى المتأخّرة في القرون الوسطى، ليدن، 2008م.

([99]) وربما يكون هاداسي قد درس الفلسفة الأرسطية في الجامعة العلمانية التي كانت موجودة في القسطنطينية في وقته. فقد كان يستشهد باليونانية مما كان من الواضح أنه نصّ تمهيدي فلسفي. وستُنشر في المستقبل القريب الأقسام اللاهوتية في Eshkol ha – Kofer مع ترجمة باللغة الإنجليزية ومناقشة لاستخدامه للغة اليونانية، في: دانيال لاسكر Johannes Nie – hoff – Panagiotidis، وديفيد اسكلر (بالتعاون مع ساندرا جورجن وساسكيا دونيتز)، تحرير اللاهوت في مفترق طرق: نسخة أولية من كتاب يهوذا هداسي Eshkol ha – Kofer، الوصية الأولى، ودراسات السياقات اليهودية والبيزنطية للكتاب، ليدن.

([100]) عن آرون بن إيليا انظر: دانيال فرانك، الفلسفة الدينية للقرائيين آرون بن إيليا: مشكلة الصفات الإلهية، أطروحة دكتوراه، جامعة هارفارد، 1991م.

([101]) من المحتمل أنه قتل خلال الفتح الصليبيّ للقدس في عام 1096م، عندما دمرت الجالية اليهودية في القدس.

([102]) المقال الأكثر شمولاً حتّى الآن بخصوص التستري هو: جريجور شوارب، «سهل بن الفضل التستري، كتاب الأمّة». جينزا قديم 2: 61 ـ 105 (2006). ويشير شوارب إلى أبحاث حول عائلة Tustarî في الملاحظة 2.

([103]) انظر شوارب، المرجع السابق: 67 ـ 71.

([104]) علي بن سليمان المقدسي كان معاصراً وطالباً للتستري. كان في الأصل من القدس، لكنه انتقل إلى مصر، ومن هنا جاء اسمه. وبينما كتب القليل من أعماله (من بينها عمل قصير على التحريف) ـ ومن الواضح أن عليّ بن سليمان أخذ على عاتقه دور الحفاظ على التراث الفكري لقرائي القدس ـ فقد أنتج عدداً من التلخيصات لأعمالٍ مهمّة في القانون الديني وفلسفة اللغة العبرية، بالإضافة إلى مختارات من تعليقات الكتاب المقدّس. وكان ناسخاً نشطاً، وتمّ الاحتفاظ بالعديد من مخطوطات بتوقيعه في مجموعات فيركوفيتش Firkovitch والمكتبات الأخرى. كان طالباً متعطّشاً لكلام المعتزلة، ونسخه من كتاب تصفّح الأدلة، لأبي الحسين البصري، وكتاب Kitâb al – Dhakhîrat al – ‘âlim wa – basîrat al – muta‘allim، للشريف المرتضى (انظر: شوارب، المرجع السابق: 69)، ثمّ الحفاظ عليها. وهي رغبة أن نجد دراسةً كاملة له. وفي غضون ذلك من الممكن استشارة أ. بوريسوف، «زمان ومكان وحياة المؤلّف القرائي علي بن سليمان» [الروسية]، (Palestinskiy Sbornik 5 – 64 (2) 1956): 109 ـ 114.

([105]) تمّ العثور على مقتطفات من ترجمات هذه الكتب في: ماديلونغ وشميتكه، اللاهوت العقلاني في التواصل بين الأديان: فصول أبو الحسين البصري المعتزلي اللاهوتية بين القرّائين في العصر الفاطميّ، الفصول 2 ـ 4، ليدن، 2006م.

([106]) تمّ العثور على وصف مفصل للكتاب في: شوارب، المرجع السابق نفسه.

([107]) وإنْ كان القرقساني قد سبقه إلى استخدام المنطق الأرسطي في ما يتعلَّق بالتفسيرات القانونية. انظر: شوارب، المرجع السابق: 92 ـ 98.

([108]) في الكتاب انظر: حجاي بن شمعي، «الاتجاهات الرئيسية في الفلسفة الجدلية القرّائية»: 358 ـ 359. ويقترح ابن شمعي مبدئياً أنه قد يتمّ التعرُّف على هذا القائد المهذَّب بواسطة شخص بهذا الاسم نشط في المحكمة الفاطمية، توفي عام 1161م.

([109]) يذكر جريجور شوارب أيضاً كتاباً للفضل بن المفرج، كتاب Kitâb ladhdhat al – dhât fî ithbât al – wahda wal – sifât عن هذه الفترة. انظر: كتابه «المعتزلة في عصر ابن رشد»؛ وفي: بيتر آدمسون (محرّر)، عصر ابن رشد: الفلسفة العربية في القرن السادس / الثاني عشر: 279، ن. 136، معهد واربورغ كولوكيا 16، لندن، 2011م.

([110]) في هذا الجَدَل انظر: دانيال فرانك، «الجَدَل القرائي Shehitah في القرن السابع عشر»؛ جاي هاريس، بئر إسحاق: دراسات في ذاكرة إيزادور تويرسكي: 69 ـ 97، كامبريدج، ماساتشوستس، 2005م.

([111]) انظر: الملاحظة 28 المتقدِّمة.

([112]) في هذا الصدد من المناسب أن نشير إلى أن الأجيال الأولى من المعتزلة كانت مرتبطةً بالتقوى والزهد، وسُمِّي البعض بصوفية المعتزلة (suffiyyat al – mu‘tazila). انظر: سارة سترومسا، «إعادة النظر في بدايات المعتزلة»، دراسات القدس في الإسلام واللغة العربية 13: 265 ـ 293 (1990م).

([113]) وقد جمعت سارة سترومسا المعلومات المتعلِّقة بمؤشِّرات المعتزلة في الأندلس، «المعتزلة في الأندلس: آثار الأقدام الوَهْمية»، التاريخ الفكري للعالم الإسلامي 2: 80 ـ 100 (2014م).

([114]) كما ورد في القرن الثاني عشر الأندلسي إبراهيم بن داوود. انظر: له: جي. كوهين (محرّر)، سفر الكابالا: xlvi ـ xlix، فيلادلفيا، 1967م.

([115]) انظر: جوزيف بن صديق، سفر Sefer ha-Olam ha-Qatan (صورةٌ مصغرة عن جوزيف بن صديق)؛ إد شاول هوروفيتز، التقرير السنوي للحلقة اللاهوتية اليهودية في فروكلاف: 44، 47، 72 ـ 73، 1903م. ولقد فقد الأصل العربي للكتاب، وليس لدينا سوى ترجمة عبرية.

([116]) لاحظ أيضاً أن هاري ولفسون يناقش المصادر الإسبانية اليهودية بإسهابٍ في كتابه: تداعيات الكلام في الفلسفة اليهودية (كامبريدج، ماساتشوستس، 1979م). بالإضافة إلى المؤلّفين الجاهزين المذكورين هنا، فإنه يستخدم ميمونيدس، ويهودا بن برزيلاي، وإبراهيم بن داوود، وإبراهيم بن عزرا.

([117]) انظر: دانيال لاسكر، «القرائية في القرن الثاني عشر في إسبانيا»، مجلّة الفكر اليهودي والفلسفة 1 ـ 2: 95 ـ 179 (1992م)؛ وابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل 1: 7، 178، تحقيق: محمد إبراهيم نصر وعبد الرحمن عميرة، بيروت، 1416هــ ـ 1996م، حيث يذكر ابن حزم أن القرّائين عاشوا في تالافيرا وطليطلة. (ذكره جريجور شوارب، «المعتزلة في عصر Aver-roes»، في: بيتر آدمسون (محرّر)، في عصر ابن رشد: الفلسفة العربية في القرن السادس / الثاني عشر: 282، ن. 153، معهد واربورغ كولوكيا 16، لندن، 2011م.

([118]) سترومسا، المرجع السابق. ويشكِّك جريجور شوارب في هذا الاحتمال. انظر: شوارب، المرجع السابق: 282.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً