أحدث المقالات

د. الشيخ علي إلهي الخراساني(*)

ترجمة: سرمد علي

أوّلاً: الشخصية بمثابة الباراديم الأصولي

أـ معرفة الباراديم في فلسفة علم الأصول

يجدر بنا قبل كلّ شيء أن نتعرّض إلى بيان مفهوم الباراديم على نحو الإجمال، مع بيان خصائصه واختلافه عن النظرية. إن مفردة «الباراديم»([1]) مصطلحٌ أدخله توماس كوهين([2]) في مجال أدبيات الفلسفة، من خلال كتابه (بنية الثورات العلمية)، الذي صدر عام 1962م. ولكنْ ما معنى الباراديم؟ الجواب عن ذلك باختصارٍ هو أن الباراديم في نظرية كوهين عبارةٌ عن النموذج والأسلوب العلمي الرئيس في مجالٍ خاصّ. إن الباراديم مجموعةٌ من الادعاءات بشأن العالم، وطريقة جمع وتحليل المعطيات، وأساليب التفكير والعمل العلمي. في نظرية العلم لكوهين إنما يحدث التغيُّر العميق في أسلوب رؤية العلماء إلى العالم ـ «الثورات» التي يشهدها العلم من حينٍ لآخر ـ عندما يعمل باراديم على التخلي عن مكانه لباراديم آخر. إن الباراديم بهذا المعنى العامّ بمعنى الأساليب الرئيسة للعلم، ولكنه يحتوي في صلبه على معنىً دقيق أيضاً، وهو عبارة عن النماذج والأمثلة التي تعمل على نحو القدوة المُلْهِمة، والتي تعمل على هداية سائر الأمور الأخرى([3]).

وفي تعريفٍ آخر قيل: إن الباراديم أو «النموذج» عبارةٌ عن التصوُّر الذهني لموضوع يشتمل على سلسلةٍ من المفاهيم والفرضيات والأساليب والاتجاهات والنظريات. وطبقاً لهذا التعريف تكون النظرية جزءاً من الباراديم، ولهذا السبب يمكن تحليل الباراديم من خلال دراسة وبحث نظرياته. هناك عادةً في كلّ علمٍ هيمنةٌ لباراديم واحد أو مجموعة من الباراديمات، وعلى هذا الأساس ذهب بعض فلاسفة العلم إلى اعتبار القول بهيمنة مجموعة من النماذج في كلّ علم شرطاً في مقبولية ذلك العلم، من قبيل: الباراديم الأخباري والأصولي في علم الفقه، أو الأشعري والمعتزلي في علم الكلام، أو التراثية والعقلانية الانتقادية في المعرفة الدينية([4]).

والخلاصة هي أن الباراديم عبارةٌ عن مجموعة من الأصول والفرضيات الأساسية في مجال أنواع المسائل، وكيفية الإجابة عنها، والناظرة إلى أساليب التعرُّض لعلمٍ ما. وبعبارةٍ أخرى: إن الباراديم إطارٌ من المباني النظرية والعناصر العامة التي يتمّ توظيفها من أجل اكتشاف وبيان وتقييم وإصلاح النظريات العلمية([5]).

في ما يتعلَّق بخصائص الباراديم، واختلافه عن النظرية، يمكن القول: إن كل باراديم يقوم على أساس ثلاثة عناصر، وهي: الكلّية، والتأثير، وإضفاء الهويّة.

ونتيجة لذلك يجب أن نعتبر الباراديم شيئاً أوسع من النظرية البسيطة، مقولةً أشدّ هيمنة، وصانعةً للأفكار والتاريخ. إن النقطة الأساسية في تحديد الباراديم آليته بوصفه عنصراً يمنح الهويّة لمجموعةٍ من النظريات والقواعد والقضايا التي تترك أصداء وتأثيرات واسعة على أسلوب التفكير، ونوع الإجابة، وكيفية وطرق وعدد الأسئلة العلمية التي يصحبها في كلّ مرحلة([6]).

وعلى هذا الأساس يجب اعتبار الباراديم عنصراً حيوياً، يمنح النظريات روحاً ومفهوماً. إن النظريات المفتقرة إلى الباراديم سوف تكون مجرّد عبارات فاقدة للمعنى وغير منطقية. يمكن اعتبار الباراديم أرخبيلاً من النظريات المتنوّعة التي تنتمي إلى جَذْرٍ أصليّ واحد، ولكنْ كلّ واحد منها يتمتّع بهويّة وخصائص فريدة وخاصّة.

وأما فلسفة علم الأصول فهي من جملة الفلسفات المضافة إلى العلم([7])، والتي تطوَّرت في العقود الأخيرة بشكلٍ ملحوظ.

وقد ذهب بعض المحقِّقين في تعريف فلسفة علم الأصول إلى القول: «إن فلسفة علم الأصول عبارةٌ عن دراسةٍ شاملة وعقلانية لأصول الفقه؛ من أجل الوصول إلى الأحكام العامّة لهذا العلم، وأمّهات مسائله»([8]).

وهناك من الأساتذة مَنْ قال بأن أهمّ مسائل فلسفة علم الأصول عبارةٌ عن «بيان المساحة والهدف والأسلوب والمبادئ التصوُّرية والتصديقية لعلم الأصول، وكذلك تأثير علم الأصول على العلوم الأخرى، وتأثير النظرة الاجتماعية لعلم الأصول»([9]).

إنما ذكرنا هذين التعريفين عن هذين المدرِّسين في مجال فلسفة علم الأصول؛ كي نتمكَّن من وضع التعرُّف على الباراديم ضمن مجموع أبحاث فلسفة علم الأصول. وإن البحث عن الباراديمات الأصولية ينسجم مع هذين التعريفين.

يبدو من المناسب في ما يتعلَّق بعلم أصول الفقه العمل على استخراج واكتشاف باراديم أو باراديمات هذا العلم على مدى التاريخ، وإخضاعه للبحث والدراسات «التوصيفية» الدقيقة، مع النتائج «الأصولية» في هذا الشأن. وعلى هذا الأساس يمكن الحديث ـ في علم «فلسفة علم الأصول» المُستَحْدَث ـ عن باراديم أو باراديمات علم الأصول، والعمل على توسيع منهج هذا العلم المُستَحْدَث.

يجب القول: إن اختيار المنهج والأسلوب تابعٌ لعلم المنهج، وأما اختيار علم المنهج فهو تابعٌ للباراديم ورؤية الفرد([10]).

والخلاصة هي أن منهج علم الأصول يندرج ضمن فلسفة علم الأصول، وإن الحديث عن الباراديم العلمي اتجاهٌ منهجي هامّ وأساسي لهذا العلم. ونقترح أن يتمّ إدراج القبول أو عدم الخوض في الباراديم الأصولي ضمن فهرسة وعناوين علم فلسفة علم الأصول الوليد.

بعد بيان هذه المقدّمة يمكن القول: إن من بين أوثق الباراديمات في علم أصول الفقه المعاصر، والذي يمتدّ بجذوره في عمق التاريخ، «باراديم النزعة الشخصية». لقد قام علم أصول الفقه ـ حتّى الآن ـ على أساس بنية العبد والمولى، حيث يتمّ البحث في مسألة معرفة الحكم الجوهرية وغيرها من المسائل التابعة لها، ويمكن القول: إن الفضاء الكلّي للأصول (من خلال الرؤية الباراديمية) يدور حول محور العبد والمولى، وإن النزعة الشخصية ـ على أساس تقديس شخصية المولى ـ قد ألقَتْ بظلالها على علم أصول الفقه.

يبدو أن النزعة الشخصية ونموذج العبد والمولى في علم الأصول يشتمل على جميع خصائص الباراديم العلمي. وعلى مدى هذا التحقيق يمكن الوصول إلى كلّية وتأثُّر وإضفاء الهوية والحضور في فرضيات ونماذج النزعة الشخصية في الأصول على نسق الباراديم.

ب ـ المنشأ الاجتماعي واللغوي للنزعة الشخصية

يمكن القول باختصارٍ: إن كل ما كان يراه السلطان والملك في المجتمعات القديمة كان يمثِّل القانون، وكان يجب على الناس احترام جميع الأوامر والفَرَمانات التي تصدر عن السلطان، وكانت جميع شؤون الحكم وإدارة الدولة والشعب تقوم على إرادةٍ سلطانية. وقد كان السبب في وجوب اتّباع أوامر السلطان هو «شخصيّته»؛ ومن هنا كان التمرُّد على أوامر السلطان يعني في الحقيقة انتهاكاً وامتهاناً لشخصيّته، وعدم احترام لشخصه، بوصفه ممثِّلاً للمنصب الأعلى في السلطة ومؤسّسة الدولة. إن «السلطة المَلَكية» تنشأ في الحقيقة من «التوسعة الاعتبارية لشخصية» الملك والسلطان، وهي الشخصية التي كانت تتجلّى على شكل أوامر وفَرَمانات سلطانية. وبعبارةٍ أخرى: في ما يتعلَّق بالأوامر المولوية التي كانت تصدر عن الملوك المستبدّين ورؤساء القبائل والإقطاعيين لم تكن هذه الأوامر تشتمل على مولويةٍ إلاّ من جهة أن الآمر كان يربط شخصيّته بالفعل المأمور به، بحيث إن الذي يتمرّد على ذلك الأمر يكون منتهكاً لشخصيّة الآمر([11]).

إلاّ أنه إثر تكامل المجتمعات، وبلوغ التفكير العقلائي مرحلة الرشد، قامت «المؤسّسة السلطانية» بالتخلّي عن موقعها لصالح «حكم القانون»، وأخذ القانون هو الذي يعمل على تنظيم ثنائية الشعب ـ الدولة، وأصبح هذا النوع من السلطة متّجهاً نحو القانون.

وسوف نتعرَّض إلى الإجابة عن هذا السؤال الرئيس، وهو: كيف دخلت النزعة الشخصية في تحليل أحكام الشارع، واجتاحت علم الأصول في مقام الباراديم؟ كيف عمدت الحاضنة اللغوية للإسلام ـ أي الثقافة العربية والنظام الاجتماعي القائم على مفهوم العبد والمولى في هذه الثقافة ـ إلى إحلال النزعة الشخصية في معرفة أحكام الشارع الإسلامي؟ وباختصارٍ: إن النزعة الشخصية في النظام القَبَلي في شبه الجزيرة العربية تبرز على شكل «العبد ـ المولى»، حيث يتعيَّن على العبد أن يحترم شخصية المولى ومنزلته في جميع أفعاله، وأن يجتب كلّ فعلٍ حتّى ذلك الذي يحتمل أنه ينطوي على ما يمتهن شخصية المولى، أو لا يراعي منزلته وموقعه.

سيأتي في البحث الآتي أن الملاك في عقوبة المخالفين لأمر المولى في الكثير من الآراء الأصولية ـ تماماً مثل مجتمعات ما قبل القانون ـ قد ارتبط بشخصية الشارع، ومدّ هذا النوع من الشخصانية جذوره في علم أصول الفقه.

ومن ناحيةٍ أخرى لا يخفى أن لغة العلوم الإسلامية ـ بحكم البيئة الجغرافية لإنتاج المصادر المعرفية لهذا العلم ـ هي اللغة العربية. وعلى هذا الأساس من المناسب هنا أن نشير إلى المنشأ اللغوي لباراديم النزعة الشخصية في أصول الفقه، وسوف نرى في الختام أن مفهوم النزعة الشخصية في أصول الفقه يعتبر من تداعيات اللغة والثقافة العربية. وفي الحقيقة إن النزعة الشخصية قد تسلَّلت عبر هذه اللغة إلى دائرة أبحاث معرفة الحكم في علم أصول الفقه، وأسّس لبنية العبد والمولى.

إن اللغة العربية لا تعتبر لغةً للتعبير عن المفاهيم القانونية. وإن الذي يدقِّق في مساحة استعمالات اللغة العربي سوف يدرك الاستعمال الواسع لهذه اللغة بالقياس إلى المفاهيم التي يحتاجها المجتمع الابتدائي. ومن ذلك مثلاً أن هذه اللغة تشتمل على مفرداتٍ كثيرة لمعنى الأسد؛ وذلك لأن الإنسان العربي يحتاج إلى هذا المعين من المفردات في بيان الاستعارة والمجاز. وهكذا الأمر بالنسبة إلى مفهوم «الجمل»، حيث تشتمل اللغة العربية على الكثير من الألفاظ والكلمات الدالّة على معنى الجمل في مختلف حالاته ومراحل عمره. إن هذه المفردات وأمثالها في اللغة العربية لا تنطوي على قيمةٍ قانونية، ويعود السبب في ذلك إلى أن المجتمع البَدَوي في شبه الجزيرة العربية كان بعيداً عن أجواء الحضارة والثقافة والتقدُّم.

إن الشريعة الإسلامية، طبقاً للرؤية الكلامية والتشريعية الحضارية، شريعةٌ عالمية وذات تعاليم سامية، إلاّ أنها واجهَتْ واقعيةً لا متناغمة على مستوى الواقع الجغرافي والزمني واللغوي لصدورها. ولا شَكَّ في أن اللغة العربية تنطوي في تضاعيفها العميقة على مفاهيم قانونية. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن ماهية الاختصاص في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى: المِلْكية؛ والحقّ. وتنقسم المِلْكية باعتبار المالك إلى: شخصية؛ وكلّية، وباعتبار المملوك الكلّي إلى: الكلّي في المعيّن؛ والكسر المشاع؛ والاشتراك في المالية. كما أن نفس الملكية تنقسم إلى: الملكية المطلقة؛ والملكية غير المطلقة. وينقسم الحقّ بدَوْره إلى: قابل للنقل؛ وغير قابل للنقل، وقابل للإسقاط؛ وغير قابل للإسقاط. وعلى هذا الأساس كيف يمكن للغة العربية ـ التي لا تحتوي على شبكةٍ من المفاهيم القانونية ـ أن تشتمل على إمكانيةٍ لوضع القانون لمثل هذه الأحكام؟ هل سيغدو التشريع ممكناً من خلال وضع المصطلحات الجديدة التي تُسمّى بالحقيقة الشرعية؟ وبطبيعة الحال إن هذا الافتراض؛ بالالتفات إلى الفترة المحدودة لوضع القوانين والتشريعات من قِبَل الشريعة، لم يكن يبدو ممكناً؛ لأن ذلك كان يصطدم بالعقلية البَدَوية للعرب في العصر الجاهلي. ولهذا السبب فقد صدرت القوانين الإسلامية بشكلٍ متدرِّج، وبما يتناسب مع الذهنية والتجارب التي يعيشها العرب في شبه الجزيرة العربية.

لقد سار التشريع في مجتمع شبه الجزيرة العربية بلغةٍ ابتدائية مولوية (لغة التخاطب بين العبد والمولى)، وفي هذه الحالة يحدث عند استنباط القوانين تشابهٌ بين المعاني، واختلافٌ في الأفهام. وإن هذه الثنائية بين اللغة الحضارية والقانونية لا تزال قائمةً في المجتمع العربي إلى هذه اللحظة، ولم يحدث تغيُّر حتّى بعد طلوع فجر الإسلام؛ بسبب ابتعاد اللغة العربية عن الثقافة القانونية. ومن هنا قال ابن خلدون([12]) في مقدّمته، وأحمد أمين([13]) في «ضحى الإسلام»: إن الإقبال على طلب العلم والتفقُّه في الدين كان أكثر بروزاً بين الموالي والأعاجم من العرب. إن العرب كانوا حتّى بعد ظهور الإسلام يرَوْن شخصياتهم في الغلبة العسكرية والقتالية، دون الغلبة العلمية والتنمية الثقافية([14]).

والنتيجة هي أنه على الرغم من افتقار اللغة العربية إلى المفردات والمصطلحات القانونية، اضطرّت الشريعة الإسلامية ـ في التفهيم والتفاهم ـ إلى الاستفادة من اللغة المولوية؛ لبيان أحكامها، وأن تتبع صيغة الأمر والنهي الموجودة في ما يتعلّق بالعبد والمولى والنظام القَبَلي والطبقي.

إن فهم «الوجوب» ـ في العُرْف العربي ـ من أمر المولى إلى العبد (في الأفعال) ـ سواء أكانت العلاقة بين العبد والمولى صحيحةً أم لا ـ يمثِّل نوعاً من الفهم اللغوي، وقائمٌ على أساسٍ من الأدبيات. في هذا النوع من المجتمعات هناك في الأمر الصادر من الأب إلى ابنه، في قوله: «اذهَبْ إلى السوق» ـ على سبيل المثال ـ، نوعٌ من السيطرة الأَبَوية على الولد، وهي تمثِّل مظهراً من مظاهر سيطرة المولى على العبد. ومن هنا فإن اللفظ الذي وضعه العُرْف في هذه المجتمعات للأمر إنما هو في الحقيقة للتعبير عن هذه العلاقة([15]).

إلاّ أن هذا النوع من التَّبَعية للغة المولوية قد أدّى إلى تشابه المضامين، واختلاف الأحكام في الشريعة الإسلامية. ومن ذلك أن الشارع المقدَّس عندما يريد أن يجعل حكماً تكليفياً يستفيد من صيغة الأمر، من قبيل: ﴿أَقِيمُوا الصَّلاَةَ﴾ (البقرة: 43)، وعندما يريد جعل حكمٍ وضعي، من قبيل: «النجاسة»، فإنه يستخدم ذات صيغة الأمر؛ فيقول مثلاً: «اغسِلْ ثوبك من أبوال ما لا يُؤْكَل لحمه»([16]). إن هذا النوع من الموارد يؤدّي إلى الخلط بين الأحكام الإرشادية والأحكام المولوية.

النموذج الآخر هو الاختلاف في فهم كلام الله إذ يقول: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ (الطلاق: 1)، بحيث إن بعض فقهاء أهل السنّة قد استفادوا من صيغة الأمر في هذه الآية حكماً تكليفياً، بمعنى أن الطلاق أثناء الحَيْض يشتمل على حرمةٍ تكليفية، لا أنه ينطوي على مجرّد حرمةٍ وضعية؛ لأن ظهور صيغة الأمر في الحكم التكليفي. إلا أن فقهاء الشيعة؛ حيث يدقِّقون في جعل المصطلحات القانونية، يذهبون إلى القول بأن صيغة الأمر عندما تتعلَّق بالمعاملات فإنها تتوجَّه إلى حصّةٍ خاصّة منه، وإن النهي في المعاملات بدَوْره ينتج الفساد وغياب الأثر، دون الحرمة التكليفية([17]).

كما يحصل الاشتباه بالنسبة إلى الأحكام الوضعية في تعيين المراد. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: عندما يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (التوبة: 28) فهل يكون المراد من النَّجَس هو المعنى القانوني، وجعلُ مصطلحٍ ومادّة قانونية، أم أن المراد من النجس هنا مجرّد تعبيرٍ أدبي، بمعنى الخبيث والدَّنَس، وهذا المعنى هو الذي يتبادر إلى الأذهان في الاستعمالات العربية، ويُراد من استعماله التأثير على مشاعر المخاطب؟ إن هذا الغموض ينشأ من طبيعة اللغة العربية([18]).

خلاصة الكلام: إن اللغة ليست مجرّد مجموعةٍ من المفردات، بل هي منظومةٌ اجتماعية، وتحمل في صُلْبها ثقافةً. ومن هنا يمكن القول في الحقيقة: إن اللغة العربية منفذٌ للنزعة الشخصية، حيث تعمد ـ على أساس نظام العبد والمولى ـ إلى بيان المناسبات بين الآمر ـ المولى والمأمور ـ العبد في علم أصول الفقه.

ثانياً: أصول الفقه والنزعة الشخصية

أـ النزعة الشخصية واعتبار المولوية

على الرغم من التعبير في أصول الفقه عن حكم الشارع بـ «الأمر والنهي المولوي»، إلاّ أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر كان أوّل مَنْ ربط حقيقة «الاعتبار» بمولوية المولى وحقّ الطاعة. إن سماحته يرى أن الاعتبار صيغةٌ عُرْفية يتمّ اكتشافها من خلال مولوية المولى([19])، وبذلك تتبلور «التوسعة الاعتبارية لشخصية المولى». قال& في هذا الشأن: «إن مرحلة الثبوت للحكم ـ الحكم الواقعي ـ تشتمل على ثلاثة عناصر، وهي: الملاك؛ والإرادة؛ والاعتبار. وقلنا: إن الاعتبار ليس عنصراً ضرورياً، بل يستخدم غالباً كعملٍ تنظيمي وصياغي. ونريد أن نشير الآن إلى حقيقة العنصر الثالث الذي يقوم الاعتبار بدَوْر التعبير عنه غالباً. وتوضيحه أن المولى كما أن له حقّ الطاعة على المكلَّف في ما يريده منه، كذلك له حقّ تحديد مركز حقّ الطاعة في حالات إرادته شيئاً من المكلَّف، فليس ضرورياً إذا تمّ الملاك في شيءٍ وأراده المولى أن يجعل نفس ذلك الشيء في عهدة المكلَّف مصبّاً لحقّ الطاعة، بل يمكنه أن يجعل مقدّمة ذلك الشيء التي يعلم المولى بأنها مؤدّية إليه في عهدة المكلَّف، دون نفس الشيء، فيكون حقّ الطاعة منصبّاً على المقدّمة ابتداءً… وهذا يعني أن حقّ الطاعة ينصبّ على ما يحدِّده المولى عند إرادته لشيءٍ مصبّاً له، ويدخله في عهدة المكلَّف. والاعتبار هو الذي يستخدم عادةً للكشف عن المصبّ الذي عيَّنه المولى لحقّ الطاعة؛ فقد يتَّحد مع مصبّ إرادته؛ وقد يتغاير»([20]).

إن المهمّ والشيء الرئيس في الرؤية الأصولية لدى السيد الصدر بالنسبة إلى معرفة الحكم هو حقّ الطاعة وارتباط الحجّية بمولوية المولى. ويبدو أنه لا يرى أيّ أهمّية وخصوصية لعنصر الاعتبار، سوى بيان مصبّ حقّ الطاعة وشخصية المولى. ومن هنا فقد قال سماحته في بحث التجرّي: «الصحيح أن حقّ المولى على العباد هو إطاعته في الحكم الواصل إليه من المولى، حتّى إذا وصل من طريق الخطأ، أو لم يكن ملزماً في الواقع. إن قياس مقام المولى إلى الحقوق العقلائية غيرُ صحيحٍ؛ لأن حقّ الطاعة للمولى ليس بملاك غرض المولى وحاجته، كما هو الحال بالنسبة إلى حقوق الناس، التي يمكن كشف خلافها، بل هو بملاك احترام المولى وتوقيره وعدم انتهاك حرمته ومنزلته. وعلى هذا الأساس فإن مركز ومصبّ حقّ الطاعة هو الحكم الواصل والمنجّز، سواء أكان معبِّراً عن الواقع أم لا، ومن هنا يكون التجرّي قبيحاً مثل المعصية»([21]).

وعلى هذا الأساس فإن المهمّ والجوهري في البين هو مراعاة شخصية المولى من قِبَل العبد، وليس للاعتبار أيّ أصالةٍ أو موضوعية في البين. إن العبد في مواجهة الأحكام الصادرة عن الشارع يجب عليه أن لا يعير أدنى اهتمام للتعامل العقلائي في المجتمع، بل عليه أن يأخذ بنظر اعتباره مكانة وشخصية المولى فقط، وأن يبذل له كامل الاحترام والوقار. إن الصورة التي يرسمها الشهيد الصدر للعلاقة بين العبد والمولى هي أن وجود وأعضاء جسم العبد امتدادٌ للمولى، وبالتالي يجب على العبد أن لا يتخلَّف عن المولى، كما أن عضلات وأعضاء المولى لا تتخلَّف عن المولى نفسه. وقد تحدّث عن ضيق دائرة اللغة البشرية، وهي لغةٌ لا تنطبق على المولى الحقيقي([22]).

ب ـ النزعة الشخصية وتحليل مخالفة المولى

طبقاً لباراديم النزعة الشخصية حينما يأمر شخص الآمر بفعلٍ معيَّن ترتبط شخصية الآمر بذلك الفعل الذي يأمر به. وبعبارةٍ أدقّ: بواسطة الأمر يتمّ جعل نوعٍ من «الارتباط الاعتباري» بين الفعل المأمور به وشخصية الآمر([23]). وفي هذه الرؤية إذا عمد المكلَّف إلى عدم امتثال الفعل الذي أُمر به يكون في الحقيقة منتهكاً لشخصية الآمر ومنزلته ومكانته، كما هو الحال بالنسبة إلى القَسَم، حيث يفيد الربط بين ما يتمّ القَسَم من أجله وبين الشخص الذي يُقْسَم باسمه، كأنْ يُثبت الشخص صحّة كلامه من طريق القَسَم بروح والدته، وبذلك يربط صحّة ما يقوله في الحقيقة بمَنْ يُقْسِم به، حتّى إذا ظهر خلاف كلامه يكون منتهكاً لعرض وكرامة مَنْ يُقْسِم باسمه([24]).

وعلى هذا الأساس فإن الشارع المقدَّس الذي يتّصف بالمولوية الحقيقية، بالإضافة إلى كونه هو الخالق والمالك والمنعم على العباد، عندما يصدر عنه أمرٌ يجب امتثال ذلك الأمر؛ رعايةً لحرمة شخصيته. وإذا تمّ التمرّد على أمر الشارع كان ذلك في الحقيقة عدواناً وظلماً، وعدم احترام لشخصيته، وهَتْكاً لحرمته.

وعلى هذا الأساس فإن أوّل مسألةٍ يتمّ بيانها في علم أصول الفقه على أساس النزعة الشخصية هي أمر وحكم الشارع؛ إذ من الواضح أن معرفة الحكم من أهمّ المسائل في أصول الفقه. وفي هذا القسم سوف نبحث بالتفصيل عن ملاك استحقاق العقاب من وجهة نظر المختصّين في علم أصول الفقه، ومسار تطوُّر هذا البحث، ونتعرَّض في البين إلى الآراء التي ربطت ملاك استحقاق العقاب ـ صراحةً ـ بشخصية المولى.

1ـ موقع ملاك استحقاق العقاب في أصول الفقه

يمكن لنا ملاحظة بحث استحقاق العقاب وأسبابه في الكتب الفقهية والأصولية، مع فارق أنه قد تمّ استعراض وبحث هذه المسألة من زوايا مختلفة. من ذلك ـ مثلاً ـ أن الجميع قد أشار إلى هذه المسألة في الكتب الفقهية والأصولية، وقالوا بأن تارك الواجب أو مرتكب الحرام إنما يستحق العقاب، ويكون فعلياً في حقّه، إذا استوفى الشرائط العامّة للتكليف، وهي: (العقل، والبلوغ، والقدرة، والالتفات). وهناك مَنْ بحث استحقاق العقاب وعدم استحقاق العقاب بالنسبة إلى مرتكب الحرام من جهة كونه عامداً أو جاهلاً، وفصّلوا في مسألة الجهل أيضاً([25]). ونظر آخرون إلى هذه المسألة من جهة اختيار المكلَّف، وصرَّحوا بذلك قائلين: «إن مجرّد منح الاختيار للإنسان بين الإرادة والفعل يصحِّح المؤاخذة، وهذا هو ملاك العقاب والثواب»([26]).

ولكنْ لا بُدَّ من الالتفات إلى أن المكلَّف وإنْ كان لا يُعاقَب بعد نفي الاختيار والعلم أو البلوغ وما إلى ذلك، إلاّ أنه لا يمكن لأيّ واحدٍ من هذه الأمور أو كلها مجتمعة أن تكون هي الملاك لاستحقاق العقاب؛ لأن الذي يتبادر إلى الذهن من عنوان «ملاك استحقاق العقاب» هو أن الشخص إذا كان عاقلاً وبالغاً وملتفتاً وقادراً، وبعبارةٍ أخرى: إذا كان هذا الشخص مكلَّفاً، ومع ذلك خالف المولى، فما هو ملاك استحقاقه للعقاب؟ ومن هنا نرى أن الشيخ الأنصاري وجميع الفقهاء الذين جاؤوا بعده إلى هذه اللحظة قاموا ـ على فرضية تكليف الشخص ـ بدراسة حالاته، وتحدَّثوا عن حالاتٍ من قبيل: المنجِّزية؛ والمعذِّرية؛ وما إلى ذلك([27]). وبذلك يمكن القول: إن العلاقة بين استحقاق العقاب وعدم استحقاق العقاب من قبيل: تقابل المَلَكة والعَدَم، بمعنى أن فرض استحقاق العقاب إنما يكون حيث يمكن اعتبار الشخص (المكلَّف) مستحقّاً للعقاب، وهذا ما يجب علينا بحثُه، ومن هنا يجب بحث ملاك استحقاق العقاب في موارد غير الشرائط العامّة للتكليف؛ إذ إن الشرائط العامّة للتكليف إنما هي من شرائط التكليف، وليست من شرائط استحقاق العقاب، فرُبَما يكون الشخص مكلَّفاً، ومع ذلك لا يكون مستحقّاً للعقاب. وبالتالي يمكن القول: إننا في هذه الأبحاث الأصولية نبحث عن ملاك عقاب المكلَّف.

2ـ ملاك استحقاق العقاب في نفس الحكم

طبقاً لهذه الفرضية إذا كنا بصدد البحث عن ملاك استحقاق العقاب في كلمات الفقهاء يمكن لنا أن نلاحظ تطوّراً ذا معنىً في هذا الشأن، بحيث إن فقهاء ما قبل القرن الثالث عشر الهجري، والعلماء السابقين على عصر المولى أحمد النراقي([28])، كانوا يرَوْن ملاك استحقاق العقاب في «ارتكاب الحرام وترك الواجب»، بمعنى أنهم ـ بعبارةٍ أخرى ـ كانوا يرَوْن ملاك استحقاق العقاب في نفس الأحكام، ولا يبحثون عن هذا الملاك خارج القانون، وعلى أساس حكم العقل.

وتوضيحُ مستند هذا الكلام أن السيد المرتضى عَلَم الهدى عندما كان بصدد تقسيم أفعال العباد عمد في بداية الأمر إلى تقسيم هذه الأفعال إلى: الحَسَن؛ والقبيح، ثم قسَّم الأفعال الحَسَنة إلى: واجبات؛ ومباحات؛ وما إلى ذلك، وقال في تعريف الواجب: «القسم الرابع من الأفعال الحَسَنة هي الأفعال التي يكون تاركها مستحقّاً للذمّ»([29]).

لقد خصَّص الشيخ الطوسي، في كتاب «الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد»، فصلاً لـ «الوعد الوعيد»، وذكر فيه أن الإنسان يستحقّ المدح والذمّ والثواب والعقاب والشكر والمكافأة؛ بسبب الأفعال التي يقوم بها، ثمّ تعرَّض بعد ذلك إلى تعريف هذه المفاهيم، ويبحث عن اختلاف كلّ واحدٍ منها عن الأمور الأخرى.

وقال في بيان مفهوم العقاب بأن استحقاق العقاب رهنٌ بالإخلال بالواجب أو فعل القبيح([30]).

وقد تحدّث ابن أبي المجد الحلبي، في «إشارة السبق إلى معرفة الحقّ»، بنفس أسلوب الشيخ الطوسي عن المدح والذمّ والثواب والعقاب والشكر والمكافأة، بوصفها من «مستحقّات الأفعال»([31]).

وقال الشهيد الأوّل، في القاعدة الثالثة والأربعين من «القواعد والفوائد»، بأن استحقاق العقاب منوطٌ بترك الفعل الذي يستوجب القيام به ثواباً([32]).

وقد صرّح الشيخ حسن بن زين الدين، في معالم الدين، قائلاً: «تارك الواجب ومرتكب الحرام يستحقّ العقاب»([33]).

وقد ذهب الشيخ محمد باقر السبزواري، في «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد»، إلى اعتبار عدم الإتيان بالفعل المأمور به ملاكاً لاستحقاق العقاب. وعلى هذا الأساس قال بأن الجاهل الذي يصلّي داخل الوقت يستحقّ العقاب، مثل الجاهل الذي يصلّي خارج الوقت([34]).

وللفاضل التوني مثل هذه الرؤية لملاك استحقاق العقاب: «القسم الأوّل: من جملة الأفعال التي يدرك العقل حكمها بالاستقلال: ردّ الوديعة وقضاء الدَّيْن وما إلى ذلك. إن حجّية حكم العقل بحُسْن هذه الأفعال يقوم على ثبوت الحُسْن والقُبْح العقلي»([35]).

وبعد الاعتراف بثبوت الحُسْن والقُبْح العقلي، وإنكار إثبات الحكم الشرعي بواسطة الحُسْن والقُبْح العقلي، ينتقل إلى تعريف الواجب العقلي والشرعي، فيقول: «إن الواجب العقلي هو ما يكون فاعله مستحقّاً للمدح، وتاركه مستحقّاً للذمّ؛ والواجب الشرعي ما يكون فاعله مستحقّاً للثواب، وتاركه مستحقّاً للعقاب».

3ـ ملاك استحقاق العقاب في ضوء شخصية المولى

إن هذه الرؤية القائلة بأن ملاك استحقاق العقاب هو ترك الواجب وارتكاب الحرام أكثر ظهوراً في الكتب الفقهية، ولكنْ لم يكُنْ يُلتَفَت إلى النسبة التي يقيمها المكلَّف مع الأحكام، حتّى تعرَّض المولى أحمد النراقي في «عوائد الأيام» إلى حالات المكلَّف، وانتفض على الأدبيات الشائعة في استحقاق العقاب، والتي كانت تأخذ استحقاق العقاب في تعريف الحرام، واستحقاق الثواب في تعريف الواجب. وقال في جواب مَنْ يرى حجِّية مطلق الظنون: «بالجملة من المعلومات أن معنى الإيجاب هو طلب الفعل الحتمي، والإلزام والوجوب مطلوبية فعل الشيء (حَتْماً).

نعم، لمّا رأى بعضهم أن استحقاقَ العقاب على الترك، أو خوف العقاب عليه، لازمُ وجوب الشيء عرَّفه بلازمه. فاستحقاق العقاب أو ترتُّبه من لوازم الوجوب أو الإيجاب، لا عين معناه.

وإذ عرفت أنهما من لوازمه فتأمَّلْ حينئذٍ مع نفسك وانظُرْ في هل أنهما من لوازم نفس الوجوب أو لوازم العلم أو الظنّ به؟

فإنْ قلتَ: من لوازم نفس الوجوب، نقول: بأيّ لزومٍ؟ فهل اللزوم عقلي أو شرعي أو عادي؟ وأيّ منها يحكم بأنه لو أوجب الشارع أو المولى أمراً على رعيّته أو عبده، ولم يصِلْ إليه الأمر بعد، يستحقّ العقاب على تركه؟ مع أنه لا يقول أحدٌ بذلك، ولا دليل على تلك الملازمة أصلاً، بل تراهم صرَّحوا بأن العذاب على ما لم يُعْلَم قبيحٌ غايته.

وإنْ قلتَ: إنه من لوازم فهم الوجوب علماً أو ظنّاً، نمنعه أيضاً، وما لم يثبت حجِّية الظنّ لا يحكم عقلٌ ولا شرعٌ ولا عُرْفٌ ولا عادةٌ بترتُّب استحقاق العقاب على ترك واجبٍ، بل الأمر على العكس. والعقلُ والعادة يحكمان بلزوم عدم الاستحقاق»([36]).

ومن هنا فقد اتّخذت الكتب الأصولية منذ عصر الشيخ الأنصاري منحىً آخر، وتغيّرت أدبيات البحث عن استحقاق العقاب، وصار يُنْظَر إلى هذه المسألة من زاويةٍ أخرى؛ بحيث قام منهج جميع الأصوليين منذ ذلك الحين وإلى الآن على ترقيم الدرجات المعرفية للمكلَّف بالأحكام، ثمّ يبحثون بعد ذلك في أيّ حالةٍ يكون المكلَّف مستحقّاً للعقاب. (ويمكن معرفة نَمَط هذه المسائل على هامش عنوان «المعرفة في أصول الفقه» في فلسفة علم الأصول، حيث قلّما تمّ التعرُّض إلى ذلك من هذه الجهة، ويجب البحث عنه في فرصةٍ أخرى).

كما يمكن اعتبار أن المنشأ في هذا التحوُّل ـ بالإضافة إلى تذكير المولى أحمد النراقي ـ هو تقسيم الشيخ الأنصاري في بداية الرسائل، حيث قال: «فاعلَمْ أن المكلَّف إذا التفت إلى حكمٍ شرعي فإما أن يحصل له الشكّ فيه أو القطع أو الظن»([37]).

وكان بعده أن اتّسعت رقعة الأبحاث، وتشعّبت حول القطع، وتبلورت الاحتمالات الممكنة حوله، وانتقل الكلام إلى حكم العقل في كشف ملاك استحقاق العقاب. وأفضى البحث عن استحقاق العقاب إلى البحث عن التجرّي، واتّسعت دائرة الكلام هناك. وعلى الرغم من وجود إشاراتٍ إلى البحث عن ملاك الثواب والعقاب في المواضع الأخرى أيضاً، ولكنهم في الوقت نفسه أحالوا البحث في تلك الموارد إلى باب التجرّي، وفي الحقيقة تمّ طرح سؤالٍ أوضح أمام الأصوليين، وهو: متى يكون ترك الواجب أو ارتكاب الحرام موجباً للعقاب؟

لقد كان الإجماع على أن المكلَّف إذا كان قاطعاً بحرمة أو وجوب فعل، وكان مصيباً في قطعه، وترك هذا الواجب أو قام بارتكاب ذلك الحرام، يكون مستحقّاً للعقاب، وهذه الحالة هي التي كانت متصوَّرة لاستحقاق العقاب قبل الشيخ الأنصاري. وأما إذا لم يكن مصيباً في قطعه، ومع ذلك خالف قطعه، يمكن القول باعتباره مستحقّاً للعقاب. ومن هنا تمّ طرح هذا السؤال القائل: ما هو الملاك في عقاب العاصي (الذي يخالف قطعه، ويكون مصيباً في قطعه)؟ وفي الجواب عن هذا السؤال وقع البحث عن ملاك استحقاق العقاب في الواقع، وبغضّ النظر عن حالات المكلَّف.

طبقاً لتقسيم الآراء العلمية، وليس المسار التاريخي، يمكن التعرُّف على اتجاهاتٍ مختلفة في ما يتعلَّق بهذه المسألة، وبطبيعة الحال فإن جميع هذه الاتجاهات قد أخذت طبيعة العلاقة بين العبد وشخصية المولى بنظر الاعتبار؛ وهناك مَنْ نظر إلى هذه المسألة من جهة القول بأن الملاك في استحقاق العقاب هو ارتكاب الحرام أو ترك الواجب، وبعبارةٍ أخرى: إنهم قد قبلوا أوّلاً بأن الملاك في استحقاق عقاب العاصي هو ارتكاب الحرام أو ترك الواجب. ثمّ تساءلوا: هل يعتبر المتجرّي مرتكباً للحرام؟ هناك إجابتان عن هذا السؤال؛ فقد ذهب بعضٌ إلى الاعتقاد بأن المتجرّي لم يرتكب حراماً، ولذلك لا يكون مستحقّاً للعقاب. ولهذا السبب تمّ البحث عن أدلةٍ لإثبات حرمة فعل المتجرّي، من قبيل: التمسُّك بإطلاقات أدلّة الأحكام، والإجماع، والعقل، وسيرة العقلاء، أو الروايات، وبطبيعة الحال قد تمّ ردّ جميع هذه الأدلة من قِبَل الفقهاء قاطبةً.

قال الشيخ الأنصاري: «من هنا يظهر الجواب على قبح التجرّي؛ فإنه لكشف ما تجرّى به عن خبث الفاعل؛ لكونه جريئاً عازماً على العصيان والتمرُّد، لا عن كون الفعل مبغوضاً للمولى… ومن المعلوم أن الحكم العقلي باستحقاق الذمّ إنما يلازم استحقاق العقاب شرعاً، إذا تعلَّق بالفعل، لا بالفاعل»([38]).

يذهب الآخوند الخراساني إلى الاعتقاد بأن المتجرّي؛ حيث لم يُراعِ واجب العبودية، يكون مستحقّاً للعقاب، ولكنْ لا من جهة ارتكابه لفعلٍ قبيح؛ لأن الفعل المتجرّى به لم يكن قبيحاً ولا حراماً، وإنما هو باقٍ على حاله؛ بل لأنه يظهر قبح سريرة الفاعل يكون مستحقّاً للعقاب. لقد صرَّح الآخوند بأن المتجرّئ يجب أن يكون في مقام إظهار هذا الهَتْك، وإلاّ ففي غير هذه الحالة ما دام سوء السريرة كامناً وغير ظاهر لا يكون مستحقّاً للذمّ([39]).

ويبدو أن السيد الحكيم يوافق الآخوند الخراساني في هذا الشأن؛ إذ يقول: «مع الالتزام بأن العقاب يترتَّب على نفس التجرّي، ولو لم تحصل المخالفة للتكليف؛ لأن ملاك العقاب هو طغيان العبد على المولى، الموجب لبُعْده عنه، والحاصل بالتجرّي… والتأمُّل في طريقة العقلاء وملاحظة سيرتهم مع عبيدهم وتوجيه لومهم لهم والوقيعة بهم يثبت هذا الأمر»([40]).

وقد ذهب المحقِّق الأصفهاني إلى القول بأن مقتضى العبودية وتعظيم المولى هو الملاك في استحقاق العقاب، والخروج من زيّ الرقِّية، وهَتْك حرمة المولى وظلمه([41]).

وقد ذهب السيد البروجردي بدَوْره إلى أن الملاك في استحقاق العقاب هو هَتْك حرمة المولى والخروج من زيّ العبودية([42]). إن تقرير سماحته عن ملاك استحقاق العقاب والثواب هو أن اتّصاف الأفعال بالحُسْن والقُبْح يقوم على أسلوبين؛ فتارةً يتّصف الفعل بالحُسْن أو القُبْح بسبب المفاسد أو المصالح الكامنة فيه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون للمولى تكليفٌ تجاه ذلك الفعل أم لا، وعلى فرض أن يكون للمولى تكليفٌ فيه قد يكون المكلَّف عالماً بتكليف المولى بهذا الفعل؛ أو لا؛ وتارةً بسبب انتسابه إلى المولى يتّصف بالحُسْن والقُبْح، وإن الذي يكون ملاكاً لاستحقاق الثواب والعقاب هو ترك الفعل الحَسَن وارتكاب الفعل القبيح، فإذا كان منشأ هذا الحُسْن والقُبْح هو انتساب ذلك الفعل إلى المولى، وليس ذلك الحُسْن والقُبْح الذي هو وليد المصالح والمفاسد الكامنة في الأفعال([43]). إن هذا النوع من الحُسْن والقُبْح يكون ناظراً إلى النزعة الشخصية.

وقد ذهب المحقِّق العراقي إلى القول بأن الملاك كلّ الملاك في استحقاق العقاب هو الطغيان على المولى، ومن هنا يرى أن المتجرّي يستحقّ العقاب([44]).

وهذا هو الرأي الذي يذهب إليه السيد الخوئي بنحوٍ من الأنحاء، بمعنى أنه يرى أن هَتْك حرمة المولى هو الملاك في استحقاق العقاب. وإن هذا الهَتْك بطبيعة الحال إنما يتمّ اكتشافه من القبح العقلي للتجرّي (وليس من القبح الشرعي؛ إذ لا دليل عليه)، وهذا القبح العقلي ـ بطبيعة الحال ـ لا يمكن أن يكون منشأً للجعل الشرعي بحرمة التجرّي([45]).

وقد ذهب الشهيد محمد باقر الصدر إلى الاعتقاد بأن مخالفة التكليف المحرز بواسطة المنجِّز الشرعي يكون ملاكاً لاستحقاق العقاب. وبعبارةٍ أخرى: إن دائرة حقّ الطاعة للمولى تشمل جميع التكاليف الواصلة، دون التكاليف الواقعية، ودون التكاليف الواقعية الواصلة([46]). ولذلك فإن الفعل المتجرّى به حيث تجلّى للمتجرّي على شكل تكليفٍ إلزامي (وبذلك يتمّ موضوع حقّ الطاعة) يجب امتثاله، وإنْ لم يكن هناك تكليفٌ في الواقع (وقوام التجرّي بهذا الأمر). ومن هنا فإنه يقول بقبح فعل المتجرّي من وجهة نظر العقل، ويعتبر مخالفته هَتْكاً لحرمة المولى، ويرى أن المتجرّي مستحقٌّ للعقاب. ويصرِّح السيد الشهيد الصدر بأن ملاك استحقاق العقاب يكمن في عدم رعاية حرمة المولى، حيث إن المتجرّي من خلال مخالفة التكليف الواصل لم يُراعِ حرمة المولى، وأصبح مستحقّاً للعقاب([47]).

ثالثاً: نظرية الخطابات القانونية في العبور من النزعة الشخصية

إن نظرية الخطابات القانونية عبارةٌ عن رؤيةٍ بشأن كيفية تشريع الأحكام في شريعة الإسلام. إن هذه النظرية تأتي في إطار الإجابة عن هذا السؤال الجوهري، وهو: هل الخطابات الشرعية التي نحصل من خلالها على الأحكام الشرعية تتّجه في الأصل إلى الأفراد أم أن المخاطب بها هو المجتمع؟ يذهب الإمام الخميني ـ وهو صاحب هذه النظرية ـ إلى القول بأن الخطابات الشرعية تتّجه في الأصل إلى المجتمع، وإذا كان الأفراد يرَوْن أنفسهم مخاطبين من قِبَل الشارع فهو لأن أفراد المجتمع مخاطبون من قِبَل الشارع.

إن الخطاب الذي يتوجّه إلى المجتمع يُسمّى بـ «الخطاب القانوني». طبقاً لهذه النظرية لا تكون الإرادة التشريعية للشارع المقدَّس عبارةٌ عن إرادة الإتيان بالتكليف من قِبَل المكلَّف، ودفعه إلى العمل بالتكليف، وإنما هي عبارةٌ عن إرادة التشريع وجعل الأحكام على نحوٍ عامّ. وقد عبّر الإمام الخميني عمّا تقدَّم بـ «الجعل القانوني العامّ»([48]).

إن تأكيد نظرية الخطابات القانوني على «عدم التعدُّد في ناحية الخطاب» إنما يأتي من حيث إن الخطاب متّجهٌ إلى نقطةٍ محدَّدة، وهي عنوان «المجتمع» أو «عامّة المكلَّفين».

ومن الواضح ـ بطبيعة الحال ـ أن كلّ عامّ قد يكون معنوناً بعنوانٍ يشير إلى سَعَة وضيق ذلك العامّ، من قبيل: عموم المؤمنين في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾، أو عموم الناس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، أو عموم العلماء في قولهم: «يا أيُّها العلماء»، حيث يُراد من هذه العمومات على التوالي: مجتمع المؤمنين، والمجتمع الإنساني، ومجموع العلماء.

وقد ذكروا أن من بين الأدلة على نظرية الخطابات القانونية «المنهج العقلائي في التشريعات العُرْفية»([49]). إن القوانين العُرْفية التي يتمّ وضعها في مختلف الأنظمة الحقوقية تأتي على شكلٍ عامّ، ويكون المخاطب بها عامّة المجتمع، وليس أشخاص المكلَّفين وحالاتهم المختلفة. والشارع بدَوْره لم يبتكر طريقةً جديدة في أساليب التشريع ووضع القوانين.

إن هذه المسألة ـ بطبيعة الحال ـ لم تَرِدْ في كلمات الإمام الخميني بشكلٍ صريحٍ وعلى نحو ظاهرٍ بوصفها دليلاً، ولكنّ عبارته بحيث يمكن لنا في الحدّ الأدنى أن نستأنس بها لإثبات المدَّعى؛ إذ يقول: «…كما يظهر بالتأمُّل في القوانين العُرْفية»([50]).

إن نظرية الخطابات القانونية، التي تعكس التفكير القانوني والعقلائي للسيد الخميني، إنما تمثِّل في الحقيقة سَعْياً للخروج من باراديم النزعة الشخصية، والتحرُّر من منظومة العبد والمولى، والتأسيس لرؤيةٍ قانونية في أصول الفقه.

وذلك بتوضيح أن رؤية القائلين بانحلال الحكم يمكن تفسيرها من الناحية الحقوقية على أساس النزعة الشخصية. تقدَّم أن قلنا: إن الصيغة الأصولية للعبد والمولى تقوم على النزعة الشخصية، وإن العبد تابعٌ وخاضع لشخصية المولى، وإن جميع أفعال العبد يتمّ تنظيمها على أساس احترام شخصية المولى ورعاية الاحترام والأدب بحضرته، وإن العبد بمخالفته لأمر المولى إنما يستهين ويستخفّ ـ في الحقيقة ـ بأوامر المولى. كما أن الفضاء الفكري والاجتماعي لعصر نزول القرآن الكريم والأحكام الصادرة عن النبيّ الأكرم| كانت تقوم بدَوْرها على أساس صيغة العبد والمولى أيضاً. لقد كان نظام الاسترقاق هو النظام السائد في عصر نزول القرآن. وبعبارةٍ أخرى: إن الرؤية التي تخطر على ذهنية المجتمع بشكلٍ دقيق هي أن العبد يجب عليه ـ من الناحية الحقوقية ـ أن يطيع المولى؛ لأنه جزءٌ وشعاع من شخصية المولى، وتابعٌ له. وبكلمةٍ أوضح: حيث لم يكن للقانون من وجودٍ خارجي في هذا المجتمع فإن الخطابات كانت تقوم على أساس العلاقات والعبارات التي كان المولى يستعملها في مخاطبة عبده. وكان يتمّ توظيف صيغة الأمر والنهي حتّى في موارد الإباحة؛ فيُقال: «افعَلْ» و«لا تفعَلْ». وعليه في مثل هذا المجتمع لو نزلَتْ آيةٌ قرآنية تشتمل على بيان حكمٍ يخاطب به المؤمنين، من قبيل: «يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة»([51])، يفترض عندها أن الشارع ـ المولى في الحقيقة قد كلَّف العباد، والتكليف ينحلّ بإزاء كلّ عبدٍ. فحينما يقول المولى لمئة عبدٍ: احرثوا هذه الأرض فكأنّه يقول لكلّ واحدٍ واحد منهم: «يجب عليك أن تحرث هذه الأرض». وهذا هو الانحلال الذي سار عليه القائلون به، من أمثال: المحقِّق النائيني.

وأما لو نظرنا إلى الأنظمة الراهنة، والتي تحكم المجتمعات البشرية حالياً، فلا يمكن اعتبار عدم الطاعة إهانةً لشخصٍ أو عدم احترام لأحدٍ، بل لا يمكن الحديث عن الإهانة أصلاً. ففي الأنظمة القانونية الحديثة يكون الناس هم أصحاب الحكم، وليس هناك مولىً فوقهم، ولا سيَّما في الأنظمة البرلمانية، حيث تعمل السلطة التشريعية ـ والذين يمثِّلون أفراد المجتمع من النوّاب ـ على دراسة حاجات المجتمع، وبعد ذلك يسنّون القوانين بشكلٍ تخصُّصي. وعليه لا يعود لبحث النزعة الشخصية في الأنظمة القانونية ـ من الناحية الحقوقية ـ والتَّبَعية لشخصية المولى موضعٌ من الإعراب. بل الأمر على العكس من ذلك؛ بمعنى أن الذي يحظى بالأهمِّية في هذه الأنظمة ـ ولا سيَّما البرلمانية منها ـ هو الشعب والمجتمع.

ويمكن تحليل هذه المسألة على النحو التالي: إن الإمام الخميني، حيث يقول: إننا لا نقول بالانحلال، إنما يعني أن هذا النظام التشريعي ليس هو نظام العبيد والموالي؛ لأن الذي يؤمن بالانحلال إنما يتحدَّث ـ في حقيقة الأمر ـ على أساس نظام العبيد والموالي.

إن نظرية الخطابات القانونية ليست نزاعاً لفظياً، وإنما لها أرضية حقوقية، ويتمّ تفسيرها على النحو التالي: إن كلّ خطاب وجعل وتكليف إذا عاد إلى شخصية المولى فإنه يقوم على أساس النزعة الشخصية ونظام العبيد والموالي، ويجب تفسير الآيات الشريفة والأدلّة الشرعية على هذا الأساس، ومن هنا يأتي الانحلال؛ ولكن هذا على خلاف الأنظمة القانونية؛ حيث يكون الخطاب القانوني هو المعيار في هذه الأنظمة، بمعنى أن مرادنا من الخطاب القانوني ليس مجرّد عدم تحقُّق الانحلال فحَسْب، بل المراد هو أن النزعة الشخصية بالنسبة إلى المولى ليست منظورةً في هذه الخطابات، بل لو أردنا عرض الأمر كما لو كنّا بصَدَد البحث عن معيار فإن الإنصاف يقتضي القول بأن الخطابات القانونية أكثر انسجاماً وتصالحاً مع ظواهر الآيات الكريمة. ومن ذلك: لو أننا أخذنا ـ على سبيل المثال ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (البقرة: 57؛ الأعراف: 160) نجد أنها تقول: لا تتصوَّروا أنكم بمخالفة الجَعْل والقانون الذي وضعناه لكم إنما توجِّهون إهانةً وانتهاكاً لنا؛ فمَنْ أنتم حتّى يمكن لكم أن تنتهكوا حرمة المولى؟!

من الناحية الحقوقية يجب القول: إن الخطابات التي تَرِدُ في الشريعة المقدَّسة، أو الموجودة في القوانين الوضعية الراهنة، تشتمل على روحٍ قانونية. وفي الروح القانونية هناك نظرٌ إلى عامّة الناس، ولا يكون النظر منصبّاً على الأفراد أو حالات الأفراد فرداً فرداً، بل يكون الكلّ هو المأخوذ بنظر الاعتبار. والاعتبار ليس انتزاعاً، بل هو قانونٌ يدعو المجتمع إلى الصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل إن الاعتبار وحقيقة الطلب هو ـ في الأساس ـ نوعٌ من هداية المجتمع.

وعلى هذا الأساس لو قلنا: إن مراد الإمام الخميني من الخطابات القانونية هو التفسير الحقوقي فإن هذه المسألة سوف تكون مختلفةً بالنظر إلى النزعة الشخصية ونظام العبيد والموالي ـ الذي كان هو الحاكم في عصر نزول القرآن الكريم ـ والأنظمة الراهنة([52]).

رابعاً: بحث باراديم النزعة الشخصية

إن الباراديم والمنهج الحاكم على أصول الفقه يقوم على أساس نظام العبد والمولى، ويرى في الخطابات الشرعية ربطاً بين العمل وشخصية الآمر ـ الشارع. إن الشارع هو المولى الحقيقي الذي تجب مراعاة حقوقه. وفي هذه الرؤية تُعَدّ مخالفة الحكم الشرعي هَتْكاً لحرمة المولى وتعدّياً على شخصيته. إن نظرية حق الطاعة تندرج بدَوْرها ضمن هذه الرؤية العامّة، وإن امتيازها من سائر النظريات الأخرى يكمن في اعتبارها حقّ الطاعة للمولى من ذاتيّات الشرع، وتربط شمولية الطاعة المطلقة للمولى بحيث تتَّسع للحجِّية والمنجِّزية، وبذلك فإن دائرة المولوية للمولى تشمل حتّى الوصول المُحتَمَل أيضاً. وعلى هذا الأساس فإن الانتقادات التي يتمّ توجيهها إلى النزعة الشخصية تُعَدّ في الحقيقة إشكالاتٌ على نظرية حقّ الطاعة أيضاً. ويمكن بيان هذه الانتقادات على النحو التالي:

1ـ إن هذا المنهج والأسلوب إنما يناسب المجتمع الطبقي وتقسيم المجتمع إلى: عبدٍ؛ ومولى، وتحكيم النزعات الشخصية. عندما تكون لدى الفرد رغبةٌ شخصية إنما يأخذ نفسه وذاته وشخصه بنظر الاعتبار، ويكون المعيار في القيام بأمره هو شخصه واحترام شخصيته. وأما إذا كان القانون هو الذي يحكم المجتمع فعندها سيكون لأمر الشارع مكانةٌ قانونية، ويكون ناظراً إلى المصلحة العامّة، ولا يعود ناظراً إلى الشخصية، ولا يبقى هناك معنىً لمقولة هَتْك الحرمة. إن الروح الحاكمة على المستبدّين، الذي يتجلببون برداء الشخصية، كانت تبسط شخصيّتها على جميع البلاد، وكانت تفترض جميع شؤون الحكم منزلاً لها، ونتيجةً لذلك كانت أمور المجتمع تتحوَّل إلى أمور شخصية. وإن الأصوليين الذين كانوا يعيشون في فضاء الحكومات التي يديرها المستبدّون لم تذهب أذهانهم في تحليل الأمور إلى غير الصلة بالنزعة الشخصية وهَتْك حرمة المولى([53]).

وبعبارةٍ أخرى: إن العلاقة القائمة بين الله سبحانه وتعالى والإنسان ليست من قبيل: علاقة الملوك بأبناء رعيّتهم، وليست من قبيل: العلاقة القائمة بين المولى وغلمانه وعبيده، على ما هو سائدٌ في العلاقات البشرية، وإن هذه المقارنة التي نجدها في أصول الفقه إنما هي بتأثيرٍ من النظم الاجتماعي الذي كان سائداً في الأزمنة القديمة([54]).

2ـ إن علّة عقاب المكلَّف الذي يخالف أمر الشارع ـ من جهة الرأي القائل بالنزعة الشخصية ـ تكمن في «هَتْك حرمة المولى» من قِبَل هذا المكلَّف (العبد). إن أصحاب هذا الرأي يذهبون إلى القول بأن العقل العملي يستقبح هَتْك حرمة المولى. وعلى هذا الأساس فإن العقاب يقوم دائماً على أساس ارتكاب فعلٍ قبيح بعَيْنه. ولا معنى للشدّة والضعف في حكم العقل؛ فإن الفعل من وجهة نظر العقل إمّا قبيحٌ أو غير قبيح، ولا معنى للقُبْح الشديد أو الضعيف.

والآن بالالتفات إلى ما تقدَّم يتبلور هذا الإشكال القائل بأن المحرَّمات سيكون لها شدّةٌ وضعفٌ. إن المفسدة الفعلية يمكن أن تكون قليلةً أو كثيرةً، أو إن استياء الشارع من فعلٍ يمكن أن يكون شديداً أو ضعيفاً. لا شَكَّ في أن الواجبات والمحرَّمات ذات مراتب. ونتيجةً لذلك فإن المخالفة إنما تتحقَّق بالنظر إلى مرتبة الحرام، وعلى هذا الأساس يجب أن تكون العقوبة والجزاء على مراتب مختلفة.

3ـ إن من لوازم النزعة الشخصية أن المكلَّف في حالة مخالفته لأحكام الشارع يكون قد قام بهَتْك حرمة المولى، وارتكب ظلماً في حقِّه. بَيْدَ أن الله لا يتعرَّض للظلم؛ وذلك لأن القرآن الكريم يقول: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (البقرة: 57؛ الأعراف: 160)([55]).

كما يجب القول: إن الله ليس لديه حقوقٌ شخصية؛ وإنما له الحقّ في أن يهدينا ويرشدنا إلى جهة الوعد والوعيد، أي المكافأة والعقاب. إن الله سبحانه وتعالى لا يتعرّض للهَتْك، وإن معصية العباد له لا تنقص منه شيئاً. إن عودة امتلاك الحقّ إنما تكون إلى النفع والضَّرَر؛ فإذا لم يكن هناك نفعٌ أو ضَرَر في البين، ولم تكن الطاعة والعصيان من قِبَل العباد سبباً في زيادة ونقصان الله، لا يمكن القول: إن استحقاق العقاب يكون بسبب إلحاق النقص بالله سبحانه وتعالى، أو هَتْكاً لحرمته. فبالالتفات إلى الاستغناء التامّ لذات الله المقدّسة، وعدم حاجة الله إلى جميع مخلوقاته، مع ملاحظة سعة عالم الخلق المذهل والعجيب، فإن تمرُّد العبد وسوء أدبه تجاه خالقه لا ينقص مقدار ذرّة من مقام الله ممّا يُعَدّ ظلماً في حقّه، كما أن احترام حقّ الله وعدم الظلم في حقّه لا يخرج عن كونه مجرّد ألفاظ أدبية وذوق عرفاني.

إن النزعة الشخصية تقوم على أن المولوية الذاتية لله تمثِّل العنصر المحرِّك للمكلَّف في اتجاه القيام بأمر الشارع، ومع مخالفة أمر الشارع يتحقّق الهَتْك لشخصية المولى، وبذلك يكون العبد مستحقّاً للعقاب. ولكنْ يجب القول: من غير المعقول أن تكون المولوية الذاتية نَهْباً للتأثير والتأثُّر بمعصية العبد. إن ما يُعَدّ ذاتياً لله سبحانه وتعالى كيف يتأثَّر بفعل العبد والمخلوق؟!

والحقيقة هي أن الله سبحانه وتعالى قد نظم مصلحة العباد، وحيث إنه خالقٌ ومُنْعِم فإن له مقام النصيحة والتشريع (التقنين)، وإنه ينذر العباد ويرشدهم إلى عدم القيام ببعض الأمور. ونتيجةً لذلك يكون لحقّ الله علينا صبغةٌ أدبية، من قبيل: التعبير المقنّن.

ليس من المعلوم أن يكون مفهوم (إن لله حقّاً) أكثر من أن يكون له الحقّ في هدايتنا إلى طريق الرشد والتكامل، وأننا إذا نكصنا عن المضيّ في هذا الطريق سنقع في الضَّرَر، وسوف تفوت علينا المنافع التي وضعها الله لنا في هذا الطريق. وأما القول بأن معصيتنا سوف تنقص من الله شيئاً، وسيكون هذا النقصان في ذات الله مصحِّحاً لتعرُّضنا إلى العقوبة من قِبَل الله، فهو أمرٌ غير واضح تماماً.

في ما يتعلَّق بالمولى العُرْفي يمكن القول: إنه في أوامره لا يكون بصدد تحقيق مصلحةٍ أو مفسدة، وإنما هو بصدد إثبات شخصيته، وإنه يربط بين فعل العبد وطاعته لأمره وبين شخصيته رَبْطاً اعتبارياً، إلاّ أن هناك مولىً حقيقي لا يجري عليه ما يجري على المولى العُرْفي، وإنما ينصبّ الملاك في أوامره ونواهيه على المصالح والمفاسد، وإن المهمّ أن يكون القانون والتشريع الذي يسنّه ضامناً لهذه المصالح والمفاسد، لا أن تكون شخصيّته ملاكاً للأمر([56]).

 في المجتمع العقلائي لا يتمّ العمل بالقانون على مبدأ احترام شخصية المقنِّن، ولا ينبغي أن يتوقّع من جميع الأفراد في المجتمع الإسلامي ـ بالالتفات إلى تفاوت الأشخاص واختلافهم في درجات الكمال واتّصافهم بالرشد ـ رعاية القوانين على أساس المولوية الذاتية والحقيقية للمقنِّن، ورعاية حقّ الطاعة وكمال العبودية له. وبطبيعة الحال يجب أن يكون للمقنِّن والمشرِّع حقّ وضع العقوبة، وإن لله سبحانه وتعالى مثل هذا الحقّ؛ على أساس من خالقيته ومالكيّته الذاتية.

في المجتمع العقلائي يُعَدّ ملاك إلزام المجتمع برعاية القانون هو «الحكم الجزائي» والضمانة التنفيذية والإجرائية. والنقطة الهامّة هي أنه لا ينبغي الخلط بين المضامين الأخلاقية والعرفانية التي تدعو إلى التكامل، والتي وردت في الأدعية أيضاً، وتبيِّن العلاقة بين العبد والمولى على أساس كمال العبودية، وبين هذه الرؤية القائلة بأن الشريعة عبارةٌ عن مجموعة من القوانين التي يتمّ تشريعها لجميع أفراد المجتمع، مع الالتفات إلى وجود مختلف المراتب والدرجات الروحية، ويمكن تفسير أوامر الشارع المقدّس تفسيراً قانونياً، وتحليلها على أساس التشريعات والاعتبارات العقلائية.

ويبدو أن تسلُّل الأدبيات العرفانية ـ القائمة على مفهوم العبد والمولى، ورعاية حقّ الطاعة لله ـ إلى أبحاث معرفة الأحكام وعلم أصول الفقه، وتحليل التشريع الإسلامي على أساس الأساليب والمناهج العرفانية، يُعَدّ نوعاً من «الإحالة»، وهذه آفةٌ أبستيمولوجية ومعرفية هامّة للغاية.

خامساً: النتيجة

إن الباراديم يضفي هويّةً على النظرية. وكلّ نظرية مفهومية يتمّ تعريفها وإعطاء الهويّة لها على أساس الباراديم. وفي فلسفة علم أصول الفقه يمكن الحديث عن الباراديمات الحاكمة على علم الأصول. وفي أصول الفقه المعاصر يمكن رفع الستار عن باراديم النزعة الشخصية. كما أن هويّة نظرية حقّ الطاعة مدينةٌ وتابعة لهذا الباراديم. في النزعة الشخصية يتمّ التأسيس لبنية العبد والمولى، وفي جميع مواضع الأصول ـ ولا سيَّما تحليل الحكم واعتبار الشارع المقدَّس ـ يمكن الوقوف على التَّبَعية لشخصية المولى، وإن جميع أركان معرفة الحكم تختزل في العلاقة القائمة بين العبد والمولى. والنقد الجوهري والأساسي الذي يَرِد على هذا الباراديم هو أن هذا الاتجاه إنما يتناسب مع المجتمعات الطَّبَقية والقَبَلية، ولا يتناسب أبداً مع سيادة القانون.

الهوامش

(*) حائزٌ على شهادة الدكتوراه في الفقه ومباني الحقوق الإسلامية من جامعة عدالت، ومحقِّقٌ في قسم الفقه العمليّ في مؤسّسة إسلام تمدُّني.

([1]) إن المقابل العربي لكلمة الباراديم (paradigm)، ذات الأصل اللاتيني، هو: النموذج والمثال. ولكنْ لا يبدو لأيّ واحدٍ من هذه المصطلحات أن يفي بالمعنى الدقيق الذي يُراد من الباراديم، الناظر إلى الأساليب والفرضيات الأوّلية للعلوم.

([2]) توماس صاموئيل كوهين (1922 ـ 1996م): مفكِّرٌ أمريكيّ من أصول يهودية. له إنتاجٌ غزير في مجال تاريخ العلوم وفلسفة العلوم، كما أدخل إضافات وأفكار هامّة وجديدة في فلسفة العلم. تعود شهرته إلى كتابه (بنية الثورات العلمية)، الذي قدَّم فيه رأيه القائل بأن تطوُّر العلم ليس دائماً متدرِّجاً أو تراكمياً نحو الحقيقة، بل قد يمرّ بثوراتٍ بنيوية دَوْرية، يسمّيها كوهين (تحوُّل البراديغم). وقد كان لذلك بالغ الأثر إلى الحدّ الذي غيَّر المفردات المستخدمة في تاريخ العلم. المعرِّب.

([3]) انظر: غادفيري سميث: 120؛ ألان فرانسيس تشالمرز، چيستي علم (ماهية العلم): 109، ترجمه إلى الفارسية: سعيد زيبا كلام، نشر سمت، طهران، 1384هـ؛ الشيخ حسين رضائي، آشنائي با فلسفه علم (مدخل إلى فلسفة العلم): 120، نشر هرمس، طهران، 1392هـ.ش. (مصدر فارسي)؛ سمير أكاشا، فلسفه علم (فلسفة العلم): 109، ترجمه إلى الفارسية: هومن پناهنده، نشر فرهنگ معاصر، طهران، 1387هـ.ش.

([4]) انظر: عبد الحسين خسروپناه، فصلنامه أنديشه نوين ديني، العدد 10: 15 (نظريه ديدباني)، السنة الثالثة، نهاد نمايندگي مقام معظم رهبري در دانشگاه ها، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).

([5]) انظر: مهدي علي پور وسيد حميد رضا حسني، پارادايم اجتهاد دانش ديني «پاد» (باراديم الاجتهاد في العلم الديني): 25، پژوهشگاه حوزه ودانشگاه، قم، 1389هـ.ش. (مصدران فارسيان).

([6]) انظر: أحمد مبلغي، پارادايم فقهي (الباراديمات الفقهية)، مجلة فقه، كاوشي نو در فقه إسلامي، العدد 37 ـ 38: 7، دفتر تبليغات إسلامي حوزه علميه قم، 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).

([7]) انظر: علي أكبر رشاد، فلسفه مضاف، فلسفه هاي مضاف (الفلسفة المضافة، الفلسفات المضافة) 1: 33، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

([8]) انظر: علي أكبر رشاد، وبسايد، دروس فلسفه أصول (دروس فلسفة الأصول)، الدرس الثاني والعشرين، بتاريخ: 5 / 8 / 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

http://rashad.iict.ac.ir/index.aspx?siteid=17&fkeyid=&siteid=17&pageid=2776

([9]) صادق آملي لاريجاني، فلسفه علم أصول (فلسفة علم الأصول) 1: 37، مدرسة علمية ولي عصر#، قم، 1393هـ.ش؛ حسن معلمي، درآمدي بر فلسفه أصول (مدخل إلى فلسفة الأصول): 23، نشر بوستان كتاب، قم، 1389هـ.ش. (مصدران فارسيان).

([10]) انظر: أحمد حسين شريفي، مباني علوم إنساني إسلامي (أسس العلوم الإنسانية الإسلامية): 406، مركز پژوهش هاي علوم إنساني إسلامي صدرا، طهران، 1393هـ.ش. (مصدر فارسي).

([11]) انظر: السيد مرتضى المهري، الاستصحاب، القسم الثاني (تقريرات خارج الأصول للسيد علي السيستاني): 37.

([12]) عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون، أبو زيد، وليّ الدين، الحضرمي الإشبيلي (1332 ـ 1406م): وُلد في تونس، وشبّ فيها، وتخرَّج من جامعة الزيتونة. ولي الكتابة والوساطة بين الملوك في بلاد المغرب والأندلس. ثمّ انتقل إلى مصر، حيث قلَّده السلطان برقوق قضاء المالكية، ثمّ استقال من منصبه، وانقطع إلى التدريس والتأليف؛ فكانت مصنَّفاته من أهمّ المصادر للفكر العالمي، ومن أشهرها: (كتاب التاريخ ومقدّمته). توفي في القاهرة، ودُفن قرب باب النصر بشمال القاهرة، تاركاً وراءه تراثاً ما زال تأثيره ممتدّاً حتى اليوم. يعتبر ابن خلدون مؤسِّس علم الاجتماع الحديث، ومن علماء التاريخ والاقتصاد. المعرِّب.

([13]) أحمد أمين إبراهيم الطبّاخ (1886 ـ 1954م): أديبٌ ومفكِّر ومؤرّخ وكاتب مصري. وهو والد المفكّر المصري المعاصر (جلال أمين). تولّى أحمد أمين منصب القضاء. ورَأَس لجنة التأليف والترجمة والنشر، وكان عضواً في مجمع اللغة العربية، وعميداً لكلّية الآداب بجامعة القاهرة، ومديراً للإدارة الثقافية بوزارة المعارف، ومديراً للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية. ومن مؤلَّفاته: (ضحى الإسلام)، و(الصعلكة والفتوة في الإسلام)، و(فيض الخاطر)، و(المهدي والمهدوية)، وغيرها من الكتب الأخرى. المعرِّب.

([14]) انظر: مقدّمة ابن خلدون 1: 284، ترجمه إلى الفارسية: محمد بروين كنابادي، شركت انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1369هـ.ش؛ أحمد أمين، ضحى الإسلام 1: 17.

([15]) انظر: السيد أحمد المددي الموسوي، خطابات قانونيه (الخطابات القانونية)، (مجموعة من الحوارات) 1: 576، مؤسّسة عروج للطباعة والنشر، طهران، 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).

([16]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 8، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، 1409هـ.

([17]) انظر: محمد جواد مغنيّة، الفقه على المذاهب الخمسة: 412، مؤسّسة الصادق، طهران، 1377هـ.ش.

([18]) انظر: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، بحوث في علم الأصول (تقريرات خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر): 75، مؤسّسة معارف الفقه الإسلامي على مذهب أهل البيت^، قم، 1417هـ. وانظر أيضاً: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ‏أضواء وآراء (تعليقات علی كتابنا بحوث في علم الأصول): 46، مؤسّسة معارف الفقه الإسلامي، قم‏، 1431هـ؛ السيد هاشم الهاشمي، اختلاف الحديث (تقريرات درس السيد علي السيستاني): 47، 1396هـ.

([19]) انظر: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، بحوث في علم الأصول (تقريرات خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر) 2: 223. وانظر أيضاً: أضواء وآراء (تعليقات علی كتابنا بحوث في علم الأصول).

([20]) انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول 2: 17.

([21]) انظر: السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر) 1: 303، مطبعة مركز النشر ـ مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1408هـ.

([22]) انظر: حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر) 5: 200، الدار الإسلامية، بيروت، 1417هـ‏.

([23]) انظر: السيد مرتضى المهري، الاستصحاب، القسم الثاني (تقريرات خارج الأصول للسيد علي السيستاني) 2: 37.

([24]) انظر: محمد تقي الشهيدي، أبحاث أصولية (مباحث الحجج) 2: 19.

([25]) محمد باقر السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 1: 167، مؤسّسة آل البيت^، قم، 1427هـ.

([26]) انظر: كريمي جهرمي: 217؛ السيد محسن الحكيم، حقائق الأصول 2: 185، كتاب فروشي بصيرتي، قم، 1408هـ؛ عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد محمد الروحاني)، نشر مكتب السيد محمد الحسيني الروحاني، قم، 1413هـ.

([27]) يمكن الوقوف على هذه الحقيقة من خلال الرجوع إلى الكتب الأصولية بعد الشيخ الأنصاري، وملاحظة أبحاثه في بداية بحث الأمارات.

([28]) أحمد النراقي الصفائي (1185 ـ 1245هـ): عالمٌ وفقيه وشاعر من أهل نراق، إحدى قرى مدينة كاشان الإيرانية. والده محمد مهدي النراقي المعروف بـ (المحقِّق النراقي). ألَّف الشيخ أحمد النراقي الكثير من الكتب، ومنها: معراج السعادة، وهداية الشيعة، وسيف الأمّة وبرهان الملة، وديوان مثنويات (الطاقديس)، وغير ذلك من الكتب الأخرى. المعرِّب.

([29]) المرتضى علم الهدى، الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 87، جامعة طهران، مؤسّسة انتشارات للطباعة، طهران، 1376هـ.ش.

([30]) انظر: الطوسي، الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد: 111، انتشارات كتابخانه جامع چهل ستون، طهران، 1375هـ.

([31]) ابن أبي المجد الحلبي، إشارة السبق إلى معرفة الحقّ: 29، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1414هـ.

([32]) الشهيد الأوّل، القواعد والفوائد 1: 64، كتاب فروشي مفيد.

([33]) حسن بن زين الدين، معالم الدين وملاذ المجتهدين: 89، مؤسسة النشر الإسلامي.

([34]) انظر: السبزواري، ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد 2: 210.

([35]) عبد الله بن محمد التوني، الوافية في الأصول: 171، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1415هـ.

([36]) المولى أحمد النراقي، عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام ومهمّات مسائل الحلال والحرام: 414، نشر دفتر تبليغات إسلامي حوزه علمية ـ قم، قم، 1417هـ

([37]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول: 2.

([38]) الأنصاري، فرائد الأصول 1: 9، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1416هـ.

([39]) انظر: الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 259، مؤسّسة آل البيت^، قم، 1409هـ؛ الآخوند الخراساني، فوائد الأصول، وزارة الإرشاد، طهران، 1407هـ.

([40]) عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد محمد الروحاني) 2: 10، نشر مكتب السيد محمد الحسيني الروحاني؛ السيد محسن الحكيم، حقائق الأصول 2: 9.

([41]) انظر: الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 29، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، بيروت.

([42]) انظر: حسين علي المنتظري، نهاية الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد حسين البروجردي): 413، نشر فكر، طهران، 1415هـ.

([43]) انظر: المصدر السابق: 414.

([44]) انظر: العراقي، نهاية الأفكار 3: 31.

([45]) انظر: البهسودي، مصباح الأصول 1: 27.

([46]) انظر: السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، بحوث في علم الأصول (تقريرات خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر) ج 4: 36.

([47]) انظر: السيد كاظم الحائري، مباحث الأصول (تقريرات درس خارج الأصول للسيد محمد باقر الصدر) 4: 483.

([48]) انظر: جعفر السبحاني، ؟؟؟ 1: 244.

([49]) انظر: السيد أحمد المددي الموسوي، نگاهي به دريا (نظرة إلى البحر): 10، مؤسّسة كتاب شناسي شيعة، قم، 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).

([50]) انظر: جعفر السبحاني، ؟؟؟ 1: 439.

([51]) لا وجود لمثل هذه العبارة في القرآن الكريم، كما لا يخفى، ولكنْ ورد ذكرها هنا على سبيل الافتراض. المعرِّب.

([52]) انظر: السيد أحمد المددي الموسوي، نگاهي به دريا (نظرة إلى البحر): 123.

([53]) انظر: محمد تقي الشهيدي، أبحاث أصولية (مباحث الحجج) 2: 20.

([54]) انظر: السيد مرتضى المهري، الاستصحاب، القسم الثاني (تقريرات خارج الأصول للسيد علي السيستاني) 2: 38.

([55]) انظر: محمد تقي الشهيدي، أبحاث أصولية (مباحث الحجج) 2: 20.

([56]) مهدي مرواريد، تقريرات خارج أصول الفقه، تاريخ المحاضرة: 16 / 6 / 1383هـ.ش، الموافق لـ (6 / 9 / 2004م).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً