أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني(*)

لقد سطّر الإمام الحسين× وأهل بيته وأصحابه في عاشوراء أروع أمثلة البطولة والشجاعة والتضحية في سبيل المبادئ والقِيَم السامية التي جاء بها الإسلام. ومما يؤسَف له أن يتمّ تشويه هذه الذكرى العطرة؛ إما بدافع التعاطف الزائد من قِبَل بعضٍ؛ وإما بدافع التحجّر الفكري من قِبَل بعضٍ آخر. فهناك بعض المؤسسات وخطباء المنبر الحسيني يسيئون إلى الحسين× ومَنْ استشهد معه من أهل بيته وأصحابه^ ـ من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ، من خلال اختلاق أساطير وتخيُّل حوادث لم تحصل في عاشوراء، ولا قبلها، ولا بعدها.

وهناك عدّة أسباب تؤدّي إلى ذلك:

1ـ الجهل بالتاريخ والحديث.

2ـ دافع الحبّ والإعجاب ببطولة الإمام الحسين× ومَنْ استشهد معه.

3ـ السعي لإثارة الناس وتهييجهم؛ لكي لا تبور تجارتهم القائمة على عاشوراء ومآسيها.

وهؤلاء جميعاً يسيئون إلى عاشوراء ورموزها عندما ينسبون إليهم أموراً لم تحصل أصلاً، أو يخترعون شخصيّاتٍ غير موجودة، أو مواقف لا يقبلها العقل، ولا هي موجودة في المنقولات، وعاشوراء وشخصيّاتها في غنىً عنها، فما سطّر من بطولات وتضحيات يكفي ويزيد، ولا يحتاج معه إلى اختلاق حوادث لم تقع أو شخصيات ليس لها وجود، فيكفي أن يستشهد الإمام الحسين× وجميع مَنْ معه من أهل بيته وأصحابه من الرجال والنساء والأطفال والصبيان؛ من أجل الإسلام ومبادئه السامية. ونحن عندما نتكلَّم عن هفوات بعض المواقع الإلكترونية والخطباء لا يمكن أن نغفل الدَّوْر الإيجابي الذي يقوم به الكثير من خطباء المنبر الحسيني والمواقع الإلكترونية وسائر وسائل الإعلام في إبراز عظمة وتأثير عاشوراء وشخصيّاتها.

ومن هنا كان من الضروري الكتابة حول هذا الموضوع؛ لإزالة الشبهات، وتوضيح الحقائق، وتنزيه الإرث العاشورائي من هذه الأمور التي لحقت به، وتسعى لتشويهه. ومن الله أستمدّ العون والتوفيق.

1ـ العبّاس بن عليّ (عليهما السلام)

افتُري على العباس× عدّة أمور، نشير إلى بعضها بما يسنح له المجال:

أـ دَوْر العبّاس(عليه السلام) في صفّين

جاء في موقع العتبة العباسية ما يلي: «إنّ أبا الفضل العبّاس× قد اشترك مع أبيه أمير المؤمنين× في حرب صفّين، وأبدى من نفسه مواقف بطوليّة مشرّفة، أثبتت جدارته لمنازلة الأبطال ومقارعة الأقران، ولعلّه منها ومن أمثالها عُرِف عند الناس بالضَّيْغَم، واشتهر لديهم به. ومن تلك المواقف الشجاعة موقف احتلال الفرات وإزاحة جيش معاوية عن الماء؛ فإنّ معاوية كان قد سيطر على الفرات ووكَّل به آلاف المقاتلين؛ ليمنعوه عن معسكر الإمام أمير المؤمنين×، حتّى أضرّ العطش بجيش الإمام×، وعند ذلك ألقى الإمام× خطبةً حماسيّة على أصحابه، حرَّضهم فيها على احتلال الفرات، ثمّ انتدب لهذا الأمر سبط رسول الله| الإمام الحسين×، فحمل الإمام الحسين× مع جماعةٍ من الفرسان، وكان يعضده أخوه أبو الفضل العبّاس×، حتّى احتلّوا الفرات، وأزاحوا جيش معاوية عنه، وارتووا من الماء. ثمّ إنهم لم يقابلوا معاوية بالمثل، وإنما أباحوا الماء لهم، ولم يمنعوهم عنه… ومن تلك المواقف الشجاعة لأبي الفضل العبّاس× في صفِّين خروجه مبارزاً بين الصفَّين، وعلى وجهه نقابٌ، فهابه الناس وخافوا منه، فانتدب له معاوية أبا الشعثاء، فكَبُر على أبي الشعثاء ذلك، وأنف من الخروج إليه، وقال: إنّ أهل الشام يعدّونني بألف فارسٍ، فلا يليق بي أن أخرج إليه، ولكنْ سوف أبعث له أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكلّما خرج إليه واحدٌ منهم قتله، حتّى أتى عليهم جميعاً، فغضب أبو الشعثاء غضباً شديداً، وامتلأ على هذا الشابّ غيظاً وحنقاً، وقال: لأخرجنَّ إليه ولأثكلنَّ بقتله والدَيْه، ثمّ خرج يشتدّ نحوه، حتّى إذا اقترب منه حمل عليه، فبادره أبو الفضل العبّاس× بضربةٍ قاضيةٍ أتَتْ عليه وألحقَتْه بأولاده السبعة، عندها خافه جيشُ معاوية وهابوه، ولم يجرؤ أحدٌ منهم بعد ذلك على مقارعته وقتاله، ولا على مبارزته ومنازلته؛ ممّا اضطرّه للرجوع إلى وحدته ومقرّه. هذا من جهة جيش معاوية؛ أمّا من جهة جيش الإمام أمير المؤمنين× فقد تعجَّبوا من شجاعة هذا الشابّ وشهامته، وتلهَّفوا إلى معرفته والتطلُّع عليه، ولذلك عندما رجع هذا الشاب إلى مقرّه أقبل إليه الإمام أمير المؤمنين×، وهو يحبّذه ويستحسنه، ثمّ أزال النقاب عن وجهه، فإذا هو ولدُه قمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس×»([1]). ويضيفون أموراً وتفاصيل كثيرةً لا مجال لذكرها([2]).

وهذا الكلام بأجمعه غيرُ صحيحٍ؛ وذلك لعدّة أسباب:

1ـ إن هذه الواقعة لم تُذْكَر من قِبَل المؤرِّخين الذين أرَّخوا لواقعة صفِّين، ولم تُذْكَر في أيٍّ من كتب الحديث والسِّيَر والتراجم والرجال، والوحيد الذي ذكر حضور العباس× في صفِّين هو الخوارزمي، قال: «فدعا عليٌّ× ابنه العباس ـ وكان تامّاً كاملاً من الرجال، فأمره بأن ينزل عن فرسه، وينزع ثيابه، ففعل، فلبس عليٌّ× ثيابه، وركب فرسه، وألبس ابنه العبّاس ثيابه، وأركبه فرسه؛ لئلاّ يجبن كريب عن مبارزته…»([3]). فالرواية ـ إنْ صحَّتْ ـ لا تذكر أن العباس× قاتل، ولا بقية التفاصيل، بل إن ما حدث هو إبدال ملابسه مع أبيه أمير المؤمنين×، وأين هذا ممّا يذكره الموقع والخطباء؟!

2ـ وُلد العبّاس في الرابع من شعبان سنة ستّ وعشرين من الهجرة([4]). وحدثَتْ واقعة صفِّين في صفر سنة 37هـ، فيكون عمره حينها 11 سنة، فهل يمكن لصبيٍّ أن يفعل ما ذكروه؟!

3ـ إن أمير المؤمنين× كان يمنع الحسنين’ من القتال، فقد قال× في بعض أيام صفِّين، وقد رأى الحسن× يتشرَّع إلى الحرب: املكوا عنِّي هذا الغلام لا يهدّني، فإنني أنفس بهذين (يعني الحسن والحسين’) على الموت؛ لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله|([5]). وهذا يخالف ما جاء في هذه الرواية الموضوعة.

4ـ كلّ مَنْ ذكر واقعة منع الماء من قِبَل معاوية لم يذكروا استدعاء الإمام الحسين×، قال المنقري: «أتى الأشعث عليّاً من ليلته، فقال: يا أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم ماء الفرات، وأنت فينا، ومعنا السيوف؟ خلِّ عنا وعن القوم، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت، ومُرْ الأشتر فليَعْلُ بخيله، فيقف حيث تأمره، فقال: ذاك إليكم، فرجع الأشعث، فنادى في الناس: مَنْ كان يريد الماء أو الموت فميعاده الصبح، فإني ناهضٌ إلى الماء، فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجلٍ، وشدَّ عليه سلاحه، فلما أصبح دبّ في الناس، وسيوفهم على عواتقهم، وجعل يلقي رمحه، ويقول: بأبي أنتم وأمّي، تقدَّموا قاب رمحي هذا . فلم يزَلْ ذلك دأبه حتّى خالط القوم، وحسر عن رأسه، ونادى: أنا الأشعث بن قيس، خلّوا عن الماء، فنادى أبو الأعور السلمي: أما والله لا، حتّى تأخذنا وإياكم السيوف، فقال: قد والله أظنُّها دنَتْ منا. وكان الأشتر قد تعالى بخَيْله حيث أمره عليّ، فبعث إليه الأشعث أن أقحم الخيل، فأقحمها حتّى وضع سنابكها في الفرات، وأخذَتْ القوم السيوف فولُّوا مدبرين»([6]).

5ـ المعروف عن صفات امير المؤمنين الجسدية انه كان بطيناً وقصيراً، فعن جعفر بن محمد× قال: «سأل رجلٌ أمير المؤمنين× فقال: أسألك عن ثلاث هُنَّ فيك، أسألك عن قصر خلقك، وكبر بطنك، وعن صلع رأسك؟ فقال أمير المؤمنين×: إن الله تبارك وتعالى لم يخلقني طويلاً، ولم يخلقني قصيراً، ولكنْ خلقني معتدلاً، أضرب القصير فأقدّه، وأضرب الطويل فأقطّه…، الخبر»([7]). وأما العباس× فقد كان: «رجلاً وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهَّم ورجلاه تخطّان في الأرض، وكان يقال له: قمر بني هاشم»([8])، فكيف لبس أحدهما لباس الآخر، كما يدعي الخوارزمي؟!

وبعد كلّ هذا، من حقِّنا أن نتساءل: هل أن هذه الواقعة إنْ صحَّتْ ستضيف إلى موقف العباس× في عاشوراء شيئاً؟! فإذا لم تكن كذلك فلماذا الإصرار على ذكرها والتركيز عليها في محرَّم وغيره؟!

ب ـ دَوْر العبّاس(عليه السلام) في وقعة النهروان

جاء في موقع العتبة العباسية: «اشتهر× بكنىً وألقابٍ وُصِفَ ببعضها في يوم الطفّ، وبعضها الآخر كان ثابتاً له من قَبْل، ومنها: «سبع القنطرة». ويظنّ بعضٌ أنّ المقصود بـ (سبع القنطرة) هو (سبع كربلاء أو المعركة أو ساحة الميدان أو.. أو…). لمّا رجع أميرُ المؤمنين× من القتال في معركة صفِّين اعتزلَتْ طائفةٌ من أصحابه، يُقال لهم: الخوارج، فأخذوا يحرِّضون الناس على قتاله في كلّ بلدٍ يدخلونه، حتّى وصلوا النهروان، وكان عبد الله بن الخبّاب بن الأرت والياً عليها من قِبَل أمير المؤمنين× آنذاك، فقالوا له: ما تقول في الخلفاء بعد رسول الله|؟ فأثنى عليهم جميعاً، قالوا له: فما تقول في عليّ بن أبي طالب×؟ قال: ما أقول في رجلٍ قال فيه رسول الله: (عليٌّ منّي بمنزلة هارون من موسى…) إلاّ خَيْراً. فقالوا: الله أكبر، لقد كفر الرجل، ثمّ شدّوا عليه فقتلوه، وكانت زوجتُه حاملاً، وقد دافعَتْ عنه، فقتلوها، وشقّوا بطنها، واستخرجوا جنينها، وذبحوه على صدرها، وكان ذلك على نهر دجلة، فسالت دماؤهم جميعاً في الماء، فلمّا سمع× بذلك خطب أصحابه، ونعى إليهم عبد الله بن الخبّاب، وبكاه، وقال: لا قعود بعد قتل العبد الصالح عبد الله بن الخبّاب، ثمّ تجهَّز للمسير، وسار بعسكره حتّى وصل إلى مدينة النهروان، فلمّا سمع به القوم أغلقوا باب السُّور عليهم، وتحصّنوا، فنهض إليهم الإمام×، ورفع صوته يخاطبهم، محذِّراً من الفتنة، وحاججهم فألجمهم، وذكّرهم ووعظهم، فرجع منهم جماعةٌ عن حربه، وأصرّ الباقون، وأعلنوا العناد، فعند ذلك عزم الإمام× على حربهم، واستعدّ معه أصحابه للحرب، فقال×: لا ينهض لحربهم غيري وغيرُ ولدي، وكان لمدينة النهروان أربعةُ أبواب، فقال لولده الحسن×: بنيّ، دونك ذلك الباب، وأشار للباب الشرقيّ، فمضى الحسن× حيث أمره أبوه، وقال للحسين×: وأنتَ عليك بالباب الغربي، وقال لمحمّدٍ: وأنت عليك بالباب الجنوبيّ، فمضيا حيث أمرهما أبوهما، وانغمس× في وَسَط المدينة، فلمّا أرادوا أن يذهبوا أحسّ الإمام بشخصٍ خلفه، فلمّا نظر إليه إذا به ولده العبّاس، وكان له أربعة عشر عاماً، فقال له: ولدي عبّاس، ما تصنع هنا؟ فقال العبّاس: مَنْ هؤلاء الذين معك؟ فقال الإمام: هم إخوتك، فقال العبّاس: كيف يا أمير المؤمنين تخصّ كلّ واحدٍ منهم ببابٍ وأنا ليس لي بابٌ؟ فقال الإمام: أنت صغيرٌ، يا ولدي، فقال العبّاس: ألَمْ تجاهدْ بين يدَيْ رسول الله وأنت صغيرٌ، يا أمير المؤمنين؟ قال الإمام: نعم، ولكنْ لم يتبقَّ إلاّ بابُ القَنْطَرة (الجسر المقوَّس على النهر)، فقال العبّاس: أنا لها، وهي لي، يا أمير المؤمنين، فذهبوا^ للأبواب، قال الراوي: ففرح وذهب مسرعاً نحو الباب المذكور، ومضى عليٌّ× يحمل عليهم كلَّما تجمَّع منهم جَمْعٌ، ثمّ صرخ فيهم صرخته المعروفة عند الغضب فلم يجدوا بُدّاً من الفرار، قال عبدالله بن حازم الخارجي: لمّا صرخ عليٌّ صرخته المعروفة خِلْنا الحيطان تتجاوب معه، فلُذْنا بالفرار، فلمّا صرنا إلى الباب الشرقيّ إذا بالحسن هناك، فلمّا رآنا حمل علينا، وصاح فينا قائلاً: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابنُ أمير المؤمنين؟. فمِلْنا إلى الباب الغربيّ فحمل علينا الحسين× وهو ينادي: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابن سيِّد الوصيِّين؟ فصِرْنا إلى الشماليّ وإذا بفتىً أسمر اللون حَمَلَ علينا وهو ينادي: أنا ابنُ قائد الغُرّ المحجَّلين، فسألتُ عنه فقيل: هذا محمّد بن الحنفيّة، فعند ذلك صاح بعضُنا ببعضٍ وَيْلَكم عليكم بباب القنطرة، الهَرَبَ الهَرَبَ من سيف عليٍّ وسيوف أولاده، فلمّا صرنا إلى القنطرة إذا نحنُ بغلامٍ صغير قد جثا على ركبتَيْه، وعيناه تقدحان، وبيده سيفٌ، وبالأخرى فرسٌ، فحمل علينا وهو ينادي: أمِنْ قِبَلي تفرّون وأنا ابنُ الموت الأحمر، أنا ابنُ عليٍّ، فما ترى إلاّ رؤوساً متطايرةً وأجساداً متناثرةً، وما زال يُقاتل حتى انكسر سيفُه، فكان يأخذ بالفارس وهو على القنطرة ويرمي به في النهر، حتّى أدركه أبوه عليٌّ×، وقد انهزم القوم، فرآه جالساً على الأرض ورؤوسهم بجانبه، فقبَّله بين عينَيْه، وحمله ووضعه على صدره، وهو مبتسمٌ، وقال له: بارك الله فيك يا بنيّ، إنّي مُدَّخرُك ليومٍ أعظم من هذا اليوم، فأجابه× قائلاً: لأنعمنَّك عَيْناً وأنا ولدك، فقال له: كفؤٌ كريم»([9]).

وروى بعضهم أن الإمام علي× ما أراد للخوارج أن يعبروا النهر فنصب العبّاس لهذه المهمة، فمنعهم من العبور!([10]).

وهذا الكلامُ غير صحيحٍ؛ من عدّة وجوه:

1ـ لم تَرِدْ هذه الواقعة في كتابٍ حديثيّ، ولا تاريخيّ، ولا رجاليّ؛ والدليل على ذلك أن الموقع لم يُشِرْ إلى مصدرٍ لهذه الواقعة.

2ـ إن الخوارج لم يريدوا عبور النهر لقتال الإمام×، وحاول الإمام منعهم ـ كما ادّعى الموقع ـ، بل إن خوف أصحاب الإمام علي× كان من عبورهم للنهر إلى الجهة المقابلة، وعند ذلك تصعب ملاحقتهم، وهو ما رُوي من أنه «نادى عليٌّ في أصحابه وأمرهم بالمسير إلى النهروان، فرحل ورحل الناس معه في السلاح والآلة الكاملة والعدّة القوية، حتى إذا صار قريباً من النهروان نظر فإذا برجلٍ من أصحابه قد عدل عن الطريق، وجلس على ترسه، فعلم عليٌّ رضي الله عنه أنه قد شكَّ في قتال أهل النهروان، فعدل إليه عليّ بن أبي طالب، وقام الرجل، فجلس عليٌّ في موضعه، فإذا برجلٍ قد أقبل من ناحية نهروان، يركض على فرسٍ له، فصاح به عليٌّ كرَّم الله وجهه: إليَّ، فجاء إليه، فقال له عليٌّ: ما وراءك؟ فقال: إن القوم لمّا علموا أنك تقارَبْتَ منهم عبروا النهروان هاربين، فقال له عليٌّ رضي الله عنه: أنت رأيتَهم حين عبروا؟ قال: نعم، قال عليٌّ: كلاّ، والذي بعث بالحقّ نبيّاً، لا يعبرون ولا يبلغون إلى قصر بوران بنت كسرى حتّى يقتل الله مقاتلهم على يديّ، فلا يبقى منهم إلاّ أقلّ من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلاّ أقلّ من عشرة، ذلك عهدٌ معهود وقضاء مقضيّ، قال: ثم نهض عليٌّ فركب حتّى وافى القوم، وإذا هم قد مدّوا الرماح في وجه عليٍّ وأصحابه، وهم يقولون: لا حكم إلاّ لله»([11]).

3ـ إن عبد الله بن خبّاب ما روى لهم رواية المنزلة، كما ادّعى الموقع، بل روى لهم حديثاً آخر، فقد رُوي أنه «بينا هم يسيرون إذ مرّوا بقريةٍ من قرى السواد، فإذا هم برجلٍ محصنٍ خوفاً من الخيل لما نظر إليها، قال: فأحاطوا به، فأخذوه، وقالوا: لا بأس عليك، مَنْ أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خبّاب بن الأرت، صاحب رسول الله|، فقالوا: حدِّثْنا حديثاً سمعْتَه من رسول الله|، فقال: نعم، سمعْتُ رسول الله| يقول: «ستكون من بعدي فتنةٌ، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي، فمَنْ استطاع أن يكون فيها مقتولاً فلا يكونَنَّ قاتلاً»، قال: فشدّ عليه رجلٌ من الخوارج يُقال له: مسعر بن فدكي، فضربه بسيفه ضربةً على أمّ رأسه فقتله، ثم إنهم دخلوا إلى منزله»([12]).

4ـ إن امير المؤمنين× لم يبْكِ على عبد الله بن خبّاب، ولم يتكلَّم بهذا الكلام المدَّعى، بل كان بكاؤه لتخاذل أصحابه عن نصرته. وإليك الخبر بتمامه: «وبلغ ذلك عليّاً، فنادى في الناس فجمعهم في المسجد، فخطبهم، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيها الناس، إن الله عزَّ وجلَّ بعث محمداً| نذيراً للعالمين، وأميناً على التنزيل، وشهيداً على هذه الأمّة بالتحريم والتحليل، وأنتم يا معشر العرب إذ ذاك في شرّ دار، وعلى شرّ دين، يبيتون على حجارة خشن، وحيات صمم، وشوك مهوب في البلاد، تشربون الأجاج، وتأكلون الخبيث من الطعام، سبلكم خائفة والأنصاب فيكم منصوبة، ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾، فمَنَّ الله عليكم بمحمد|، فبعثه إليكم رسولاً من أنفسكم، وقال تبارك وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾، وقال عز وجل: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾، فكنتم أنتم وهو رسوله إليكم تعرفون حَسَبه ونسبه وشرفه وفضله، وكان يتلو عليكم الآيات، ويأمركم بصلة الأرحام، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، ونهاكم عن التظالم والتغاشم والتقاذف والتباهت، وأمركم بالمعروف ونهاكم عن المنكر، وكلّ خيرٍ يدني من الجنّة ويبعد من النار فقد أمركم به، وكلّ شرٍّ يدني من النار فقد نهاكم عنه، فلما استكمل| مدّته توفّاه الله إليه، مشكوراً سعيه، مرضياً عمله، مغفوراً له ذنبه، كريماً عند الله نزله، فيا لها من مصيبةٍ خصّت وعمّت المؤمنين، لم يصابوا بمثلها قبلها، ولا يعاينون بعدها مثلها. وبعد، فقد علمتم ما كان من هؤلاء القوم من الإقدام والجرأة على سفك الدماء، وهم قومٌ فسّاق مرّاق، عماةٌ حفاة، يريدون فراقي وشقاقي، وفيهم مَنْ قد عضَّه بالأمس السلاح، ووجد ألم الجراح، فجدّوا رحمكم الله وخذوا آلة الحرب، فإني سائر إليهم، إنْ شاء الله، ولا قوة إلا بالله»، قال: ثمّ نزل عن المنبر، ولم يجِبْه إلاّ اليسير من أهل الكوفة، ودخل إلى منزله وغضب لذلك، ثمّ خرج إلى الناس، وخطبهم ثانياً، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيَّتُها الفئة المجتمعة أبدانهم، المتفرِّقة أديانهم، إنه والله ما عزَّتْ دعوة مَنْ دعاكم، ولا استراح مَنْ قاساكم، كلامكم يوهن الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيه عدوكم، أنا أدعوكم إلى أمرٍ فيه صلاحكم والذبّ عن حريمكم، اعتراكم الفشل وجبنتم بالعلل، ثمّ قلتم: كيت وكيت وذيت وذيت، أعاليل وأضاليل وأقوال أباطيل، ثمّ سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول. هيهات، إنه لا ينفع الصمّ الدليل، ولا يدرك الحقّ إلا بالجدّ، فخبِّروني يا أهل العراق مع أيّ إمامٍ بعدي تقاتلون؟ أم أيّ دارٍ تمنعون؟ والذليل والله مَنْ نصرتموه، والمغرور من غررتموه، لقد أصبحتُ لا أطمع في نصركم، ولا أصدِّق قولكم، فرَّق الله بيني وبينكم، وأبدلكم بي غيري وأبدلني بكم مَنْ هو خيرٌ لي منكم، أما إنكم ستلقون بعدي ذلاًّ شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة قبيحة، يتَّخذها الظالمون عليكم سنّةً، فتبكي عيونكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وتتمنّون في بعض حالاتكم أنكم رأيتموني فنصرتموني، وأرقتم دماءكم دوني، فلا يبعد الله إلاّ مَنْ قد ظلم. يا أهل الكوفة، أعظكم فلا تتَّعظون، وأوقظكم من سِنَتكم فلا تنتبهون، إن مَنْ فاز بكم فقد فاز بالخيبة، ومَنْ رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل. أفٍّ لكم! لقد لقينا منكم تَرَحاً، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا أحرار عند النداء، ولا إخوان صدق عند المصائب، فيا لله ماذا مُنيت به منكم؟! لقد مُنيت بصمٍّ لا يسمعون، وكمهٍ لا يبصرون، وبكمٍ لا يعقلون. أما والله لولا أني حين أمرتُكم بأمري حملتُكم على المكروه منه، فإنْ استقمتُم هُديتم، وإنْ أبيتم عليَّ بدأتُ بكم، وكانت الزلفى، ولكنّي تراخَيْتُ لكم وتوانَيْتُ عنكم وتمادَيْتُ في غفلتكم، فكنتُ أنا وأنتم كما قال الأوّل:

أمرتُكم أمري بمنقطع اللوى *** فلم تستبينوا الرشدَ إلاّ ضحى الغَدِ

اللهمّ، إن دجلة والفرات نهران أصمّان أبكمان. اللهمّ، فأرسل عليهما ماء يحرك، وانزع منهم ماء نصرك. حبَّذا إخواني الصالحون، إنْ دعوا إلى الإسلام قبلوه، أو قرأوا القرآن أحكموه، أو ندبوا إلى الجهاد طلبوه، فحقِّقْ اللهم لهم الثناء الحسن. واشوقاه إلى تلك الوجوه، قال: ثمّ ذرفَتْ عيناه، ونزل عن المنبر، وقام إليه نافع بن طريف فقال: إنا لله إلى ما صرْتَ إليه يا أمير المؤمنين، فقال عليٌّ: نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون إلى ما صرْتُ إليه، صرتُ إلى قومٍ إنْ أمرتهم خالفوني، وإنْ اتبعتهم تفرَّقوا عنّي، جعل الله لي منهم فرجاً عاجلاً، قال: ثمّ وثب فدخل إلى منزله مغموماً…، الخبر»([13]).

5ـ لم يذكر أحدٌ من المحدِّثين والمؤرِّخين ذبح طفل عبد الله بن خبّاب على صدر أمّه بعد بقر بطنها، إلا هذا الموقع؛ إذ كيف يتمّ ذبح الجنين السقط؟! ولماذا يذبح وهو ميت أصلاً؟! بل إن ما رُوي: «فقدّموه على ضفة النهر فضربوا عنقه فسال دمه كأنه شراك نعلٍ، وبقروا بطن أمّ ولده عمّا في بطنها»([14]).

6ـ لم يأتِ في واقعة الجسر أيّ ذكرٍ للإمام الحسن، ولا للإمام الحسين، ولا للعّباس^، فقد رُوي: «إن الخوارج قصدوا جسر النهر، وكانوا غربه، فقال لعليٍّ أصحابه: إنهم قد عبروا النهر، فقال: لن يعبروا، فأرسلوا طليعةً، فعاد وأخبرهم أنهم عبروا النهر، وكان بينهم وبينه نطفة من النهر، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم، فعاد فقال: إنهم قد عبروا النهر، فقال عليٌّ: والله ما عبروه، وإن مصارعهم لدون الجسر، ووالله لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة. وتقدَّم عليٌّ إليهم، فرآهم عند الجسر لم يعبروه، وكان الناس قد شكّوا في قوله، وارتاب به بعضهم، فلما رأوا الخوارج لم يعبروا كبَّروا، وأخبروا عليّاً بحالهم، فقال: واللهِ ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبت، ثمّ إنه عبّأ أصحابه، فجعل على ميمنته حجر بن عديّ، وعلى ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجّالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة أو ثمانمائة قيس بن سعد بن عبادة»([15]).

ج ـ العباّس(عليه السلام) وكفالة زينب(سلام الله عليها)

ممّا يركَّز عليه المواقع والخطباء والشعراء، وتَبَعاً لذلك الرواديد، عند الحديث عن العباس×، موضوع كفالته لزينب÷. وكمثالٍ على هذه الادّعاءات نذكر ما جاء في موقع العتبة العبّاسية: «وهذا ممّا زاد في مقام أبي الفضل العبّاس× عند أخته السيّدة زينب÷، وأضاف من منزلته لديها، حتّى أنّها÷ طلبَتْ من أبيها عند ارتحاله ـ كما ورد في بعض الكتب ـ بأن يتكفَّلها أخوها أبو الفضل العبّاس×، ويلتزم بحمايتها وحراستها، وخاصّةً في كربلاء، وعند السفر. فدعا× ولده أبا الفضل العبّاس×، وأخذ بيد ابنته الكبرى السيّدة زينب÷ ووضعها في يده×، وقال له: «بنيّ عبّاس، هذه وديعةٌ منّي إليك، فلا تقصِّرْ في حفظها وصيانتها»، فقال العبّاس لأبيه×، ودموعه تجري على خدَيْه: لأنعمنَّك يا أبتاه عَيْناً. وكان أبو الفضل العبّاس× بعد ذلك يهتمّ بأخته الكبرى السيّدة زينب÷ أكثر من ذي قَبْل، ويرعاها أشدّ رعاية من الماضي، وخاصّة في أسفارها التي اتَّفقت لها÷ بعد ذلك. فإنّ أوّل سفرها÷ كان في أيّام خلافة والدها الإمام أمير المؤمنين× الظاهريّة، حيث هاجر× من المدينة إلى الكوفة، وجعلها مقرّاً لخلافته، فهاجرَتْ هي÷ إليها أيضاً. وأمّا أسفارها الباقية، وهي عبارةٌ عن سفرها مع أخيها الإمام المجتبى الحسن الزكيّ× إلى المدينة المنوَّرة، والرجوع إلى مدينة جدّها|، وكذلك سفرها مع أخيها الإمام الحسين× حين خروجه على يزيد بن معاوية ـ عدوّ الله وعدوّ رسوله ـ، من المدينة إلى مكّة ومنها إلى كربلاء، فكان أبو الفضل العبّاس× هو الذي تكفَّل بركوبها ونزولها، وتعهَّد حراستها ورعايتها طوال الطريق، وخاصّةً عند نزولها في كربلاء، وعلى الأخصّ في الأيّام الصعبة والظروف العصيبة التي أحاطَتْ بهم في كربلاء من كلّ جانبٍ وإلى يوم عاشوراء. ولذلك لمّا أراد الأعداء السفر بها وببقية السبايا إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، وأحضروا النياق الهُزَّل الخالية عن الوطاء، والعارية عن المحامل؛ ليركبوهم عليها ويعرجوا بهم من ربوع كربلاء، التفتَتْ السيّدة زينب÷ نحو جهة العلقميّ، وصاحَتْ برفيع صوتها، والأسى يقطِّع نبراتها: أخي عبّاس، أنت الذي من المدينة أركبتني، وها هنا أنزلتني، قم الآن فركِّبْني، فها هي نياق الرحيل تجاذبنا بالمسير»([16]).

وهذا غيرُ صحيحٍ؛ من حيث:

1ـ عدم وجود هذه الوقائع في أيٍّ من الكتب التاريخية أو الحديثية المعروفة، والتي تحدَّثت عن سيرة أهل البيت^ وعن واقعة الطفّ. كما أنه لا وجود لها في الموسوعات التي تحدَّثت عن واقعة الطفّ وما يتعلَّق بها، ككتاب «موسوعة الإمام الحسين×»، للريشهري. كما أنه لا وجود لها في الكتب التي تحدَّثت عن سيرة زينب÷، ككتاب «زينب الكبرى من المهد إلى اللحد»، لمحمد كاظم القزويني، وغيره. كما أنه لا وجود لها في الكتب التحقيقية المعروفة المصنّفة بخصوص سيرة العبّاس×، وأشهرها كتاب «العباس×»، لعبد الرزّاق المقرّم، وكتاب «العباس بن عليّ’ رائد الكرامة والفداء»، لباقر شريف القرشي، وكتاب «العبّاس أبو الفضل ابن أمير المؤمنين×، سماته وسيرته»، لمحمد رضا الحسيني الجلالي، وغيرها.

ومع ذلك نجد أن العتبة العباسية ـ وهي الجهة المختصّة بهذا الأمر أكثر من غيرها، والمؤتمنة على الجانب التاريخي والديني في المسألة ـ تعتمد لقب الكفيل كلقبٍ أهمّ للعباس× وهذا واضحٌ في مشاريعها ومنتجاتها، فموقعها الإلكتروني المخصَّص للعباس× اسمه «شبكة الكفيل العالمية»، ولديها أيضاً «منتدى الكفيل»، ولديها أيضاً إذاعة الكفيل، ومشتل الكفيل، ومتحف الكفيل، ومستشفى الكفيل التخصُّصي، ومعهد الكفيل، وشركة الكفيل، ودار نشر الكفيل!

2ـ أمُّ القاسم بن الحسن(عليهما السلام)

أـ اسمها وهويّتها

من الأمور التي نسمعها اسم (رملة). وعرَّفها موقع العتبة العبّاسية بأنها أم القاسم بن الحسن×([17]). وأُنشدت فيها القصائد والأشعار واللطميات، ونُذرت لها النذور.

وعند التتبُّع الدقيق وجَدْنا أنه لا يوجد لاسم هذه المرأة أثرٌ ولا عينٌ في المقاتل، ولا في كتب الحديث أو السيرة أو الرجال.

وسأذكر نماذج لذكر أمّ القاسم بن الحسن في هذه المصدر بحَسَب التسلسل الزمني:

1ـ قال ابو مخنف: «وقتل القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، وأمّه أمّ ولد، قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي»([18]). ولم يذكر اسمها.

2ـ قال أبو الفرج الإصفهاني: «وأبو بكر بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب×، وأمّه أمّ ولد، ولا نعرف أمّه… والقاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب×، وهو أخو أبي بكر بن الحسن المقتول قبله لأبيه وأمّه»([19]). ولم يذكر اسمها.

3ـ قال القاضي المغربي: «قال حميد بن مسلم: وقتل معه يومئذٍ القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، قتله عمرو بن سعيد بن عمرو بن نفيل الأزدي ، وهو لأمّ ولد»([20]). ولم يذكر اسمها.

4ـ روى السيد هاشم البحراني في قصّة عرس القاسم، نقلاً عن الطريحي، الذي لم يذكر لها سنداً ولا مصدراً: «فمسك الحسين× على يد القاسم، وأدخله الخيمة، وطلب عوناً وعبّاساً، وقال لأم القاسم×: ليس للقاسم ثياب جُدُد؟ قالت: لا»([21]). ولم يذكر اسمها.

5ـ قال السيد محسن الأمين: «وخرج القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب^، وأمّه أمّ ولد…»([22]). ولم يذكر اسمها.

6ـ قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين: «9ـ القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الإصفهاني، المسعودي، الخوارزمي)، وهو أخو أبو بكر بن الحسن المقتول قبله لأمّه وأبيه، قتله عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي»([23]). ولم يذكر اسمها.

نعم، انفرد السيّد حسن الموسوي الدُّرَازي، الذي حقَّق كتاب (شرح زيارة عاشوراء) للفاضل المازندراني، بذكر اسمها، فقال: «هو القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب^، أمّه أمّ ولدٍ يُقال لها: رملة، لم يبلغ الحلم، استشهد مع عمِّه الحسين في واقعة الطفّ، قتله عمرو بن سعيد الأزدي([24])»([25]).

أقول: وهذا تدليسٌ وكذبٌ؛ فإن الإصفهاني لم يذكر اسم أمِّه، كما نقلناه آنفاً.

ب ـ دَوْرها في عاشوراء

أُلِّفَتْ حول أمّ القاسم بن الحسن القصص، وأنها قالت وقيل لها في يوم العاشر، وكذلك عند رجوع السبايا، وفي المدينة…، ممّا يطول ذكره وشرحه، وهو معلومٌ مشهورٌ للجميع. ومن ذلك: ما جاء في موقع العتبة العباسية: «وكانت طول الطريق إلى كربلاء تشجِّع ابنها القاسم× على القتال مع الإمام الحسين×، وترفع معنوياته للدفاع عن الإسلام وأهل بيت النبوة^، مما زاد في شَوْق ابنها للتضحية فوق تشوُّقه الشديد. فيكفي لهذه المرأة المكرمة فَخْراً وعزّاً أنها الزوجة المخلصة للإمام الحسن بن عليّ’، والأم الحنون التي ربَّتْ أبناءها، ومنهم: ذلك الشابّ الغيور، القاسم، حتّى شجعته لنصرة إمام زمانه الحسين سلام الله عليه، ولم يكن القاسم قد بلغ الحلم، وكان وجهه كفلقة قمرٍ، فلما نظر إليه عمُّه الحسين× اعتنقه، وبكى حتّى غشي عليه، فاستأذنه في القتال، فأذن له بعد إلحاحٍ منه، وبعد أن أراه وصيّة أبيه الإمام الحسن× في نصرته، فبرز القاسم بن الحسن على صغر سنِّه يقاتل قتال الأبطال، هذا ورملة (رضوان الله عليها) خلف الخيمة تنظر تلك المشاهد المُفْجِعة قلبها، ليؤتى لها بفلذة كبدها القاسم وقد مزّقت بدنه الزاكي السيوف والرماح، وكانت تأمل أن تشهد زفاف عرسه، فرأَتْ زفاف شهادته، وهو محنّى بالدماء الزاكية التي بذلها في سبيل الله، فراحَتْ بعده لتنضمّ إلى ركب السِّبا والأسر، راحلةً عن كربلاء، تاركةً فيها حبيبها القاسم، طريحاً على رمال الطفّ الى جانب تلك الأجساد الطاهرة لعمِّه الحسين وأبناء عمِّه وأهل بيته وخيرة الأصحاب الأبرار»([26]).

وهذا الكلام غير صحيحٍ؛ لأمرين:

1ـ إنها لم تكن زوجةً للإمام الحسن×، بل كانت أمَّ ولدٍ، كما مرّ.

2ـ إن ما ذُكر لم يذكره أيّ مصدرٍ تاريخيّ أو روائي، لا بسندٍ ولا بغير سندٍ، ولذلك فهو كلامٌ مفترى.

وهنا أيضاً نتساءل: هل أن هذه الوقائع إنْ صحَّتْ ستضيف إلى موقف القاسم بن الحسن× في عاشوراء شيئاً؟! فإذا لم تكن كذلك فلماذا الإصرار على ذكرها والتركيز عليها في محرَّم وغيره؟!

3ـ الرباب أمُّ الرضيع، ودَوْرها في واقعة عاشوراء

تعرَّضَتْ سيرة السيّدة الرباب بنت امرئ القيس الكَلْبية، زوجة الإمام الحسين×، إلى التحريف. ومن ذلك: ما جاء في موقع العتبة الحسينية: «والسيدة الرباب من المصطفيات المختارات لصحبة الإمام الحسين×؛ لتحمل وسام أُمّ الشهيد، وزوجة الشهيد، وليقترن اسمها بثورة الطفّ العظيمة… ونياحها عليه في مجلس يزيد، وإنشادها للشعر الرثائي، وهي تحتضن رأسه الشريف»([27]).

وقال السيد محمد كاظم القزويني: «وحُكي أن السيدة زينب÷ تفقَّدت العائلة في ساعةٍ من ساعات تلك الليلة، وإذا بالسيدة الرباب لا توجد مع النساء، فخرجت السيدة زينب ومعها أمّ كلثوم، وهما تناديان: يا رباب…، يا رباب…، فسمعها رجلٌ كان موكلاً بحراسة العائلة، فسألها: ماذا تريدين؟! فقالت السيّدة زينب: إن امرأةً منا مفقودةٌ، ولا توجد مع النساء، فقال الرجل: نعم، قبل ساعةٍ رأيْتُ امرأةً منكم انحدرَتْ نحو المعركة، فأقبلَتْ السيدة زينب حتّى وصلَتْ إلى المعركة، وإذا بها ترى الرباب جالسةً عند جسد زوجها الإمام الحسين×، وهي تبكي عليه بكاءً شديداً، وتنوح، وتقول في نياحتها:

واحسيناه وأين منّي حسين *** أقصـدته أسنة الأدعيـاء

غادروه فـي كربلاء قتيلاً *** لا سقى الله جانبي كربلاء

فأخذت السيدة زينب÷ بيدها، وأرجعتها معها إلى حيث النساء والأطفال»([28]).

ونُسبت إلى هذه المرأة قصصٌ وأقوال ومواقف عجيبة، لا يَسَع المجال لذكرها، وهي معلومةٌ عند الجميع.

وللإجابة عمّا جاء في هذين المصدرَيْن وغيرهما نذكر ترجمة الرباب في أهمّ المصادر التي ترجمَتْ لها:

1ـ قال أبو مخنف الأزدي: «وقتل عبد الله بن الحسين بن عليّ، وأمّه الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم، من كلب، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي»([29]).

2ـ قال إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي: «الرباب بنت امرئ القيس، قال: وهي أمّ سكينة، وفيها يقول الحسين:

لعمرك إنني لأحبّ داراً *** تحلّ بها سكينةُ والربابُ

وهي التي أقامت على قبر الحسين حَوْلاً، ثم أنشدت:

إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما *** ومَنْ يبكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر»([30]).

3ـ قال أبو الفرج الأصفهاني: «وعبد الله بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب×، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس…، وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب×:

لعمرك إنني لأحبّ داراً *** تكون بها سكينةُ والربابُ

أحبّهما وأبذل جُلَّ مالي *** وليس لعاتبٍ عندي عتابُ

وسكينة التي ذكرها ابنتُه من الرباب…، وكان عبد الله بن الحسين يوم قتل صغيراً، جاءته نشابة وهو في حجر أبيه فذبحَتْه…»([31]).

4ـ قال القاضي النعمان المغربي: «وعبد الله بن الحسين، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس بن جابر بن كعب بن عليم، من كلب، وكانت أمّ سكينة بنت الحسين أيضاً، وكان يحبّها، وهو يقول فيها هذا البيت:

لعمرك إنني لأحبّ داراً *** تحلّ بها سكينةُ والربابُ

وكان عبد الله يومئذٍ صغيراً، وكان في حجر أبيه الحسين×، فجاءه سهمٌ فذبحه، رماه به هاني بن ثبيت الحضرمي»([32]).

5ـ قال الشيخ المفيد: «وعبد الله بن الحسين، قتل مع أبيه صغيراً، جاءه سهمٌ وهو في حجر أبيه فذبحه، وقد تقدَّم ذكره فيما مضى. وسكينة بنت الحسين، وأمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، كَلْبية، وهي أمّ عبد الله بن الحسين»([33]).

6ـ قال ابن شهرآشوب: «عبد الله الشهيد من أمٍّ الرباب بنت امرئ القيس»([34]).

7ـ قال العلاّمة الحلّي: «وعبد الله، قتل مع أبيه صغيراً بالطفّ، جاءه سهمٌ وهو في حجر أبيه فذبحه، وسكينة بنت الحسين× أمّها الرباب بنت امرئ القيس»([35]).

8ـ قال الحُرّ العاملي: «وكان من جملة مَنْ كان معهم أُمّ سكينة بنت الحسين×، وهي الرباب بنت امرئ القيس، فلمّا وصلَتْ إلى المدينة أقامَتْ قليلاً وخطبها الأشراف من قريش، فقالت: ما كنتُ لآخذ حَمْواً بعد رسول الله| ولا زوجاً بعد الحسين×، وبقيت بعده سنةً لم يظلِّلها سقفٌ إلى أن ماتَتْ»([36]).

9ـ قال أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي: «وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس ـ وهي أمّ سكينة ـ، فحُملت إلى الشام ثمّ عادَتْ إلى المدينة، فخطبها الأشراف، فقالت: ما كنت لأتخذ حَمْواً بعد رسول اللهﷺ، وبقيت مدّة سنة لم يظلّها سقفٌ، وماتَتْ كمداً. وقيل: إنها أقامَتْ على قبره سنةً»([37]).

10ـ قال القندوزي: «وهي أمّ سكينة، وفيها يقول الحسين شعراً:

لعمرك إنني لأحبّ داراً *** تحلّ بها سكينةُ والربابُ

وهي التي أقامت على الروضة المكرّمة للحسين في كربلا حَوْلاً، ثم أنشدت هذا البيت:

إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما *** ومَنْ يبكِ حَوْلاً كاملاً فقد عذر»([38]).

11ـ قال السيد محسن الأمين: «فتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتّى أودِّعه، فأُتي بابنه عبد الله، وأمّه الرباب بنت امرئ القيس، فأخذه وأجلسه في حجره ،وأومأ إليه ليقبِّله فرماه حرملة بن كاهل الأسديّ بسهمٍ فوقع في نحره، فذبحه، فقال لزينب: خُذيه، ثمّ تلقّى الدم بكفَّيْه، فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثمّ قال: هوَّنَ عليَّ ما نزل به أنه بعين الله. وفي روايةٍ: إنه قال: «اللهمّ لا يكُنْ أهونَ عليك من فصيل»، قال الباقر×: فلم يسقط من ذلك الدم قطرةٌ إلى الأرض، وفي روايةٍ: إنه صبَّه في الأرض ثمّ قال: يا ربّ إنْ كنتَ حبسْتَ عنا النصر من السماء فاجعَلْ ذلك لما هو خيرٌ منه، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين، ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته، وفي روايةٍ: إنه حفر له بجفن سيفه، ورمَّله بدمه، فدفنه»([39]).

وقال:  وكان في السبايا الرباب بنت امرئ القيس، زوجة الحسين×…، فقيل: إن الرباب أخذت الرأس ووضعَتْه في حجرها وقبَّلته، وقالت:

واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً *** أقصـدَتْه أسنّة الأدعيـاء

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى الله جانبي كربلاء

والرباب هذه بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الأشراف من قريش، فقالت: والله لا كان لي حَمْو بعد رسول الله|، وعاشَتْ بعد الحسين× سنةً، ثم ماتَتْ كَمَداً على الحسين×، ولم تستظلّ بعده بسقفٍ»([40]).

وقال أيضا: «ورَثَتْه زوجته الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، فقالت:

إن الذي كان نوراً يُستضاء به *** بكربلاء قتيلٌ غيرُ مدفونِ

قد كنتَ لي جبلاً صَلْداً ألوذ به *** وكنتَ تصحبنا بالرحم والدِّينِ

فمَنْ يجيب نداء المستغيث ومَنْ *** يغني ويؤوي إليه كلَّ مسكينِ

تالله لا أبتغي صهراً بصهركم *** حتّى أوسَّد بين اللحد والطينِ

وقالت الرباب أيضاً، وهي بالشام، بعدما أخذت الرأس الشريف وقبَّلته ووضعته في حجرها:

واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً *** أقصـدَتْه أسنّة الأدعيـاء

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى الله جانبي كربلاء»([41]).

12ـ قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين: «عبد الله بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب: ورد ذكره في (الزيارة، الإرشاد، الطبري، الإصفهاني، الخوارزمي). أمّه: الرباب بنت امرئ القيس الكَلْبي. كان طفلاً رضيعاً حين قتل في حجر أبيه الحسين. رماه عقبة بن بشر بسهمٍ فذبحه، (في الطبري: إن الذي رماه: هاني بن ثبيت الحضرمي، وفي الزيارة: إن الذي رماه حرملة بن كاهل الأسدي)»([42]).

وللتعليق على ما تقدَّم نشير إلى عدّة أمور:

1ـ إن الرباب كانت في عاشوراء، وكانت ضمن السبايا.

2ـ تشير المصادر القديمة إلى أن التي وضعَتْ رأس الحسين× في حجرها ورَثَتْه هي زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، فكانت أوّل مَنْ رفع خدّه من التراب ـ صلَّى الله عليه وآله ولعن قاتله والراضي به يوم قتل ـ، وقالت ترثيه:

واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً *** أقصـدَتْه أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى الغيث بعده كربلاء([43]).

ومَنْ نقل ذلك عن الرباب فقد نقله مرسلاً.

3ـ إن زعم أبي الفرج الأصبهاني، ونقله عنه الآخرون، من أن الإمام الحسين× قال هذين البيتين في بنته سكينة وأمّها الرباب:

لعمرك إنني لأحبّ داراً *** تكون بها سكينةُ والربابُ

أحبّهما وأبذل جُلَّ مالي *** وليس لعاتبٍ عندي عتابُ

وزاد غيره هذا البيت:

فلستُ لهم وإنْ غابوا مضيعاً *** حياتي أو يغيِّبني الترابُ

فإن هذه الأبيات من المنتحلات والموضوعات؛ فإن الإمام الحسين× أجلّ شأناً وأرفع قدراً من أن يذيع حبَّه لزوجته وابنته بين الناس، فليس هذا من خُلُقه، ولا يليق به. إن ذلك ـ من دون شكٍّ ـ من المفتريات التي وُضعَتْ عمداً للحطّ من شأن أهل البيت^([44]).

4ـ إن البيت الذي نسب إليها:

إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما *** ومَنْ يبكِ حَوْلاً كاملاً فقد عذر

ليس لها، بل هو للبيد العامري([45])، قال الحموي: «قال لبيد بن ربيعة:

تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما *** وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضرْ؟

ونائحتان تندبان بعاقلٍ *** أخا ثقةٍ لا عين منه ولا أثرْ

وفي ابنَيْ نزارٍ أسوةٌ إنْ جزعتما *** وإنْ تسألاهم تُخْبَرا منهم الخبرْ

فقوما وقولا بالذي قد علمتما *** ولا تخمشا وجهاً ولا تحلقا شعرْ

وقولا: هو المرء الذي لا حليفه *** أضاع ولا خان الصديقَ ولا غدرْ

إلى الحَوْل ثمّ اسمُ السلام عليكما *** ومَنْ يبكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر»([46]).

ونسبه إلى لبيد أيضاً ابن شهرآشوب([47])، والشهيد الثاني([48])، وغيرهم كثير. فهي إما استشهدَتْ به أو نُسب إليها بلا دليلٍ، والله العالم.

5ـ إن التي ضربت القبّة على القبر ليست الرباب، بل هي فاطمة بنت الحسين، على قبر ابن عمِّها الحسن بن الحسن بن عليّ×، وهي امرأته، ثمّ رفعت فسمعوا صايحاً يقول: هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا، وفي روايةٍ غيرها: إنها أنشدت بيت لبيد:

إلى الحَوْل ثمّ اسمُ السلام عليكما *** ومَنْ يبكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر([49]).

واما السيدة الرباب فيُستبعد منها فعل ذلك؛ إذ كيف يمكنها البقاء وحدها في تلك الصحراء المقفرة هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى لم تكن السلطة اليزيدية لتسمح بذلك.

6ـ إن رواية لبثها بحيث لا يظلّها سقفٌ، وموتها كَمَداً من الحزن على الحسين×، غير صحيحةٍ؛ لأنه من أفعال نساء الجاهلية، فكُنَّ يأتينَ به كنوعٍ من الانتحار؛ حزناً على مَنْ يفارقنه، فقد رُوي أنه لما هاجر سعد بن أبي وقّاص حلفَتْ أمُّه أنها لا يظلّها سقفُ بيتٍ حتّى يعود([50]). وكذلك عيّاش بن أبي ربيعة، أخو أبي جهل من الأمّ، وذلك أنّه أسلم وهاجر؛ خوفاً من قومه، إلى المدينة، قبل هجرة الرسول|، فأقسمَتْ أمُّه لا تأكل ولا تشرب ولا يظلُّها سقف حتّى يرجع ([51]).

7ـ لم تذكر أيٌّ من المصادر ما تتناقله المنابر من أنها قالت لزينب: جفَّتْ ثَدْيَاي، هاكم ابنكم…، بل إن الحسين× هو الذي طلبه وعرضه على القوم.

كما لم تذكر المصادر قصّةَ افتقاد زينب÷ لها في الليل، التي تقدَّم ذكرها، وأنها كانت تبحث عنها فوجدَتْها عند القتلى، ورضيعها في حجرها…

وكذلك باقي المختَلَقات الأخرى التي تُذْكَر على المنابر والقصائد…

وهذا لا ينقص من شأنها، ولا من مواقفها، سلامٌ على بعلها وعليها وعلى وليدها الشهيد، ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

(*) أستاذُ التاريخ في مجمع الإمام الخمينيّ للدراسات العليا في قم. من العراق.

([1]) https://alkafeel.net/news/?id=7711.

([2]) https://www.youtube.com/watch?v=Tp8PygI0Htk

وانظر أيضاً:

 https://www.youtube.com/watch?v=keGWlCWzGL0

([3]) الموفق الخوارزمي، المناقب: 227، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، ط2، 1414هـ.

([4]) علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 4: 350، نشر: ابن المؤلِّف، ط1، 1412هـ.

([5]) نهج البلاغة 2: 186، الخطبة 207، شرح: الشيخ محمد عبده، دار الذخائر، قم ـ ايران، ط1، 1412هـ ـ 1370هـ.ش.

([6]) ابن مزاحم المنقري، وقعة صفين: 167، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، ط2، 1382هـ.

([7]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع 1: 159، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، 1385هـ ـ 1966م.

([8]) مقاتل الطالبيين: 56.

([9]) https://alkafeel.net/ar ـ news/index.php?id=2409

([10]) https://www.youtube.com/watch?v=M3mWUcnJD5U

([11]) أحمد بن أعثم الكوفي، الفتوح 4: 255، تحقيق: علي شيري (ماجستير في التاريخ الإسلامي)، دار الأضواء، ط1، 1411هـ؛ محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري 4: 60، تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاّء، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([12]) أحمد بن أعثم الكوفي، الفتوح 4: 255.

([13]) المصدر السابق 4: 256 ـ 258.

([14]) أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)، أنساب الأشراف 2: 368، تحقيق: الشيخ محمد باقر محمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1394هـ ـ 1974م؛ تاريخ الطبري، 4: 60؛ ابن الأثير، أسد الغابة 3: 150، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

([15]) ابن الأثير، الكامل في التاريخ 3: 345، دار صادر ـ دار بيروت، 1386هـ ـ 1966م.

([16]) https://alkafeel.net/news/index?id=6949

([17]) https://alkafeel.net/news/?id=5930

([18]) أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين×: 338، تعليق: حسين الغفاري، المطبعة العلمية، قم.

([19]) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: 58، تقديم وإشراف: كاظم المظفَّر، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، ط2، 1385هـ ـ 1965م.

([20]) القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار 3: 179، تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم.

([21]) السيد محسن الأمين، مدينة المعاجز 3: 398.

([22]) السيد محسن الأمين، لواعج الأشجان: 174، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، 1331هـ.

([23]) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أنصار الحسين×: 132، الدار الإسلامية، ط2، 1401هـ ـ 1981م.

([24]) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: 88.

([25]) الفاضل المازندراني، شرح زيارة عاشوراء: 101، تحقيق: السيّد حسن الموسوي الدُّرَازي، دار الصدِّيقة الشهيدة÷، ط1، 1430هـ ـ 2009م.

([26]) https://alkafeel.net/news/?id=5930

([27]) https://imamhussain.org/encyclopedia/27558

([28]) محمد كاظم القزويني، زينب الكبرى÷ من المهد إلى اللحد،: 255، تقديم: مصطفى القزويني، دار المرتضى، بيروت.

([29]) أبو مخنف الأزدي، مقتل الحسين×: 237.

([30]) إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، الغارات، 2: 816، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث، طبع على طريقة أوفست في مطابع بهمن.

([31]) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: 60.

([32]) القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار 3: 178.

([33]) الشيخ المفيد، الإرشاد 2: 135، تحقيق: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان، ط2، 1414هـ ـ 1993م.

([34]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 231، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ ـ 1956م.

([35]) العلاّمة الحلّي، المستجاد من الإرشاد: 161، مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم، 1406هـ.

([36]) الحرّ العاملي، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة 2: 840، تحقيق وإشراف: محمد بن محمد الحسين القائيني، مؤسسة الإمام الرضا× للمعارف الإسلامية، ط1، 1418هـ ـ 1376هـ.ش.

([37]) محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ× 2: 295، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم ـ إيران، ط1، 1415هـ.

([38]) القندوزي، ينابيع المودّة لذوي القربى 3: 9، تحقيق: السيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة للطباعة والنشر، ط1، 1416هـ.

([39]) السيد محسن الأمين، لواعج الأشجان: 182.

([40]) المصدر السابق:223.

([41]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة 1: 622، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([42]) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أنصار الحسين×: 131.

([43]) أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني 18: 302، دار إحياء التراث العربي؛ الحموي، معجم البلدان 4: 445.

([44]) الشيخ باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين× 1: 189، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط1، 1394هـ ـ 1974م.

([45]) لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل العامري: أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية. من أهل عالية نجد. أدرك الإسلام، ووفد على النبيّ| ويُعَدّ من الصحابة، ومن المؤلَّفة قلوبهم. وترك الشعر. توفي سنة 41هـ. خير الدين الزركلي، الأعلام 5: 240، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان، ط5، أيار ـ مايو 1980م.

([46]) الحموي، معجم البلدان 4: 69، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1399هـ ـ 1979م.

([47]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 193.

([48]) الشهيد الثاني، رسائل الشهيد الثاني 2: 701 (طبعة جديدة)، تحقيق: رضا المختاري، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم ـ إيران ، ط1، 1422هـ ـ 1380هـ.ش.

([49]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 193.

([50]) الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 8: 189، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1409هـ.

([51]) الملاّ فتح الله الكاشاني، زبدة التفاسير 2: 126، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، قم ـ إيران، ط1، 1423هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً