أحدث المقالات

أ. بدر بن سالم بن حمدان العبريّ(*)

الرحمة لغة من رحم، وهي «الرقّة والتعطّف»([2])، «والرحمن الرحيم اسمان مشتقّان من الرحمة، ونظيرهما: نديم وندمان»([3])؛ وفي الاصطلاح عرّفها الجرجاني(471هـ ـ 1078م) فقال: «هي إرادة إيصال الخير»([4])، وقال الكَفَوي (1093هـ ـ 1683م): «الرحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمَنْ به رقّة القلب، وتكون مبدأ للانعطاف النفسانيّ الذي هو مبدأ الإحسان»([5]).

«والرحمة صفةٌ مطلقة؛ لأنّها من الرحمن المطلق»([6])، وتعتبر اليوم قيمةً مضافة مرتبطة بالقيمة الإنسانيّة من حيث المساواة والعدل، وإنْ كان «مفهوم القيمة يستخدم في العادة في ميدان الاقتصاد، ويقصد به قيمة التبادل، بمعنى السعر المقدر للسلعة، ولكنّ استعمال هذا المفهوم لا يقتصر على المجال الاقتصاديّ الذي تعدّ القيمة فيه شيئاً مادّياً، بل يستخدم كثيراً في المجالات غير المادية للتعبير عن قِيَم أخرى معنويّة»([7])، وعليه، قيمة الرحمة قيمةٌ معنويّة، لها ارتباطٌ بالإنسان الماهيّ في جانبه الوجوديّ الفردانيّ الذاتيّ، فهي وإنْ كانت مضافةً بالمعنى الماهيّ الوجوديّ، إلاّ أنّها مرتبطةٌ بقِيَم ماهيّة وجوديّة، كالكرامة الإنسانيّة والمساواة، كما أنّها مطلقةٌ أيضاً، تعمّ جميع الأفراد بمعنى الماهيّة، ولا تنحصر في هوّيّاتٍ ضيقة.

فالأديان مثلاً تشكّل هوّيّات جَمْعيّة مكتسبة، يجعل الخطّ الناسوتي فيها واسعاً، والتدافع البشريّ حاضراً. هذا التدافع يولّد بذاته أحداثاً لا تخرج عن الأُطُر البشريّة في السلب والإيجاب، والخير والشرّ، كأيّ حَدَثٍ كان، يحمل ثلاثة جوانب رئيسة: الطبيعة البشريّة في الاجتماع البشريّ؛ والأنسنة في الاجتهاد الإنسانيّ؛ والظرفيّة في الحدث الماضويّ. ولهذا يتحتّم في قراءة الهوّيّات الإنسانيّة، والتي تشكِّل اليوم جميع هوّيّات الاجتماع البشريّ، تحت مظلّة حقوق الإنسان، سواء كانت هذه الهوّيّات عرقيّة أو لغويّة أو دينيّة أو عادات وتقاليد، أن لا تخرج عن الماضويّة البشريّة المطلقة، والظرفيّة التأريخيّة، والسننيّة الكونيّة المجتمعيّة.

بَيْدَ أنّ المدار الذي يدور عليه العالم، قديماً وحديثاً، ارتباطه بفردانيّة الفرد ووجوده؛ لأنّ الفردانيّة باعتبار الماهيّة أصلٌ سابق، والهوّيّة فرعٌ لاحق. هذه المنظومة مهمّة جدّاً في التعامل مع القِيَم، مطلقةً كانت أو مضافة، حيث التشكّل الهوّيّاتي يتشكّل لاحقاً في مفرزات جمعيّة، وعليه تكون مصاديق القِيَم طبيعيّة، إلاّ أنّ تحوّل المصاديق إلى جانبٍ لاهوتيّ كنصٍّ تأريخي مغلق يدخلنا في دوّامة من الصراع الوَهْميّ باسم المقدّس.

وهذا ذاته يتشكّل من خلال قيمة الرحمة، وهي قيمةٌ مضافة مرتبطة بالكرامة الإنسانيّة ومطلق المساواة والعدل، إلاّ أنّ مصاديقها قد تتّجه سلباً لتؤثّر في الحاضر، فننطلق من قيمة الرحمة إلى الاستبداد والكبرياء والبَغْي والعجب وإقصاء الآخر وتهميشه، كما أنّ تشكّل مصاديقها السلبيّة في الهوّيّة الجمعيّة، وغلبتها على الفردانيّة باعتبار الماهيّة، يدخل المجتمعات في صراعاتٍ عرقيّة ودينيّة ومذهبيّة، كما ترتبط بالسياسة على أساس النفعيّة البراجماتيّة، وليس على أساس الذات الإنسانيّة الواحدة المكرّمة.

لهذا سنجد الأديان جميعاً بما فيها الأديان الإبراهيميّة الكبرى والتأريخيّة: السامريّة واليهوديّة والمندائيّة والمسيحيّة والإسلام، جاءت لترجع الناس إلى هذه القِيَم المرتبطة بالماهيّة الفردانيّة الإنسانيّة المطلقة، بعيداً عن جدليّة المصدريّة. لكن هذه القِيَم [مطلقة أو مضافة] مرتبطةٌ ماهيّاً بالإنسان، لتتشكّل من خلقيّات كسبيّة تنتج منها هوّيّات دينيّة وعرفيّة محكومة بهذه القِيَم، وليست حاكمةً عليها، لتتشكّل نصوصٌ مقدّسة، في [التوراة ـ كنزا ربّا ـ الإنجيل ـ القرآن]، مؤكِّدةٌ عليها، مع مصاديق تحمل روح القِيَم وتندرج حولها.

وباعتبار الإسلام سنجد قيمة الرحمة حاضرةً كقيمة ومصاديق معاً في القرآن الكريم. مثالُ ذلك كقيمة: قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، وكمصاديق قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً﴾ (الإسراء: 28).

وخلاصةُ ما سبق: قيمة الرحمة قيمةٌ ماهيّة، ارتباطها لاهوتيّاً تجسّد للمثل الأعلى في ماهيّة الوجود ذاته على أُسُس الرحمة، والإنسان جزءٌ من هذا الوجود لا ينفصل عن التماهي مع قِيَمه وسُنَنه، فارتباط الرحمة معه تماهٍ مع وجوديّته، مع هذا الكون والوجود ذاته. وهذه الرؤية الوجوديّة نفهم بها كيف نقرأ التأريخ من جهةٍ، والأحكام الإجرائيّة بما فيها أحكام الشرائع في الأديان من جهةٍ ثانية، فلا يمكن قراءة الاثنين بعيداً عن القِيَم الماهيّة، وإنْ ارتبطت بالهوّيّات فهو ارتباطٌ إجرائيّ ظرفي لتنظيم الحياة في ظرفيّةٍ ما، إلاّ أنّ هذا التنظيم يتغيَّر إجرائيّاً في صور مختلفة، وتبقى الروح واحدةً بين البشر جميعاً.

الرحمة، من اللاهوت إلى الأنسنة

اللاهوت شاع بكثرةٍ في الثقافة المسيحيّة، وارتبط بالطبيعة المقابلة لناسوت المسيح، فهو عندهم العلم الذي «يبحث عن الله وصفاته وشرائعه وأعمال عنايته، والعقائد التي يجب أن نعتقدها، والأعمال التي يجب أن نقوم بها»([8]). «وبعلم اللاهوت نعرف العقائد الدينيّة وما بينها من العلاقات»([9])، ويقابله في الثقافة الإسلاميّة علم الكلام، وهو أخصّ من علم اللاهوت، إلاّ أنّ كلَيْهما غارقان في الاغتراب الماورائيّ أو الميتافيزيقيّ. «لقد صنع علم الكلام رؤية معظم المسلمين للعالَم… وانتهَتْ إلى ضرب من الاغتراب الوجوديّ للمتديِّن عن عالمه الذي يعيش فيه»([10]).

ولمّا نتحدّث عن اللاهوت فنحن نتحدّث عن الجدل المترتّب دراسةً وتأريخاً، المترتّب بعد الإقرار بوجود قوّةٍ فاعلة في الكون، أي بمعنى ما بعد الله، من حيث الإغراق ابتداءً في الأسماء، ثمّ الإغراق في الصفات. فمن حيث الوجود هناك ماهيّة مسبوقة بقوّةٍ فاعلة، ولتقريب هذه الصورة يحدث الجدل في تقريب صورة هذه القوّة الفاعلة من خلال أسماء وصفات مشخّصة، أي لها ما يماثلها من حيث الاسم في الإنسان، وإنْ اختلفت ماهيّة الصفة، سواء كانت إيجابيّةً في صفات الذات، أم إيجابيّة وسلبيّة في صفات الفعل والإضافة أو الصفات الخبريّة، والأصل «إذا أضفْتَ صفة إلى الإله كأنّك أحدثْتَ تخيُّلاً لهذا الإله»([11]).

فلمّا نأتي إلى الرحمة مثلاً، ونستخدم الاغتراب الميتافيزيقيّ، سنعيش ابتداءً في جدليّة الرحمة ذاتها؛ فالجمهور من المتكلِّمين لا يرونها صفة ذاتٍ؛ لأنّ صفة الذات «لا تجامع ضدّها في الوجود ولو اختلف المحلّ»([12])، أي لا تحتمل الضدّ، والمتَّفق بين الجمهور «الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام، فزادَتْ الماتريديّة صفة ثامنة، وهي التكوين»([13])، «وذهب المعتزلة إلى عدم الضرورة لإثبات صفةٍ أزليّة لله تسمّى كلاماً، اكتفاءً منهم في نفي الخرس عنه سبحانه بصفة القدرة»([14]).

بينما الصفاتيون أو أهل الحديث توسَّعوا في صفات الذات والفعل والخبر، ويرَوْن أنّ حصر الصفات الذاتيّة في سبع صفات «مخالفٌ لما كان عليه سلف الأمّة من الصحابة والتابعين وأئمّة الأمّة من بعدهم، فليس فيهم مَنْ رجع إلى العقل في ذلك، فيثبتون لله من الأسماء والصفات ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسله، إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل»([15]).

هذا الاغتراب الميتافيزيقيّ سيتوسّع أيضاً حتّى مع الفريق الأول، من حيث هل صفات الذات هي الذات أم خارجة عن الذات؟ وفي الإرادة مثلاً هل مريد بإرادة حادثة ثابتة لا في محلّ، كما يرى المعتزلة([16])، أم مريد بإرادة قديمة أزليّة، كما يرى الأشاعرة([17])؟ وهكذا في باقي الصفات، كالكلام والقدرة مثلاً. وهو ذاته الخلاف بين أهل الحديث أو الصفاتيين في ما يتعلّق بالاسم والصفة، أو ما بين المشبِّهة والمجسِّمة كما يسمِّيهم خصومهم.

وإذا أتينا إلى الرحمة بما أنّ صفة الذات لا تحمل السلب، عكس صفة الفعل، وعليه عند الجمهور أنّ الرحمة صفة فعل، لا صفة ذات، «فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعنى أنّ الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعليّة الزائدة على الذات؛ بحكم انتزاعها من مقام الفعل، ومعنى انتزاعها أنّا إذ نلاحظ النعم التي يتنعم بها الناس، وننسبها إلى الله سبحانه، نسمّيها رزقاً رزقة الله سبحانه، فهو رزّاقٌ، ومثل ذلك الرحمة والمغفرة فهما يطلقان عليه على الوجه الذي بيَّناه»([18])، وعند أهل الحديث أو الصفاتيين «الرحمة من صفات الذات لله تعالى، والرحمن وصفٌ، وصف الله تعالى به نفسه، وهو متضمِّنٌ لمعنى الرحمة»([19]).

وما حدث من اغترابٍ لاهوتيّ هو ذاته ما حدث عند اليهود مثلاً، كقضيّة كلام الربّ لموسى في الجبل وقضيّة التجسيم؛ فيرى فريقٌ من اليهود أنّ هذا «كالنفس الناطقة التي هي الإنسان على الحقيقة، فإنّ الذي يخاطبنا من موسى ويعقل ويدبّر ليس ذلك لسانه ولا قلبه ولا دماغه، بل هذه آلات موسى، وموسى نفسٌ ناطقة مميزة، ليست جسماً ولا تتحيَّز في مكان، ولا يضيق عنها مكان، ولا تضيق هي عن أن تُحصّل فيها صور جميع المخلوقات، فنصفها بأوصاف ملكوتيّة روحانيّة، فضلاً عن خالق الكون، وإنّما علينا أن لا ندفع ما تواتر من ذلك المشهد، ثمّ نقول: لا ندري كيف تجسّم المعنى حتّى صار كلاماً، وقرع آذاننا، ولا ما اخترع له تعالى ممّا لم يكن موجوداً»([20]).

وهذا ذاته في المسيحيّة أيضاً، فعندهم مثلاً، ردّاً على الفلاسفة، «ماذا كان يقول أو يفعل الله الأزليّ قبل خلق الكون والملائكة والبشر إذ لم يكن سواه؟ هل كان يتكلّم ويسمع ويحبّ أم كان في حالة صمتٍ مطبق…. دون إظهار أيّ من صفاته وطبيعته قبل خلق الملائكة والبشر، فمع مَنْ كان يتكلّم أو يسمع أو يحبّ أو يمارس صفاته أو طبيعته؟ أعلن الكتاب المقدّس الحلّ الأوحد لهذه المعضلة، وهي أنّ وحدانيّة الله ليست مجرّدة مطلقة، بل هي وحدانيّة جامعة مانعة، جامعة لكلّ ما يلزم لها، ومانعة لكلّ ما عداها، وبناءً على هذه الوحدة الجامعة المانعة فالله منذ الأزل وإلى الأبد هو كليمٌ وسميعٌ ومحبٌّ ومحبوبٌ، دون حاجةٍ إلى شيءٍ أو شخصٍ لإظهار طبيعته وصفاته»([21]).

ومنها: قولهم: «الناطق بكلمته»، أي متكلّم، فقد تكلّم إلى الأنبياء والرسل، فصفاته ذاتيّة، وليست مضافة، ولا تنزع، ومنها كلمته، وعليه صفاته أيضاً أزليّة وأبدية، وبما أنّ صفة الكلام سابقةٌ للخلق، فمع مَنْ كان يتكلّم؟ كان يتكلّم مع نفسه، وعبَّر عن هذه الكلمة في الكتاب المقدّس بأنّها السيد المسيح… وفي إنجيل يوحنا: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله» [إنجيل يوحنّا، الإصحاح 1، الآية 1]،، فكلمة الله أي الرب يسوع المسيح»([22])، فضلاً عن الاغتراب اللاهوتي بين الكنائس المسيحيّة في قضيّة المسيح وطبيعته ومشيئته وأقانيمه، وقضيّة العذراء وروح القدس وغيرها.

والمتأمّل في النصّ الأوّل: التوراة ـ كنزا ربّا ـ الإنجيل ـ القرآن، يجد محدوديّة الاغتراب اللاهوتي / الماورائيّ / الميتافيزيقيّ، وحضور الجانب الناسوتيّ، كما سنرى في مبحث الرحمة في الأديان الإبراهيميّة، لهذا حدث تضخُّمٌ لدى جميع الأديان في النصّ التأريخي، وأحدث انقساماً وصراعاً مذهبيّاً داخل الدين ذاته، كما ولّد هوّيّات تنظر إلى الآخر بعينٍ ضيِّقة، وتتوسَّع في تهميش الآخر، وتزكية الذات، وامتلاك الحقيقة المطلقة.

لهذا بعد عصر الأنوار، وفي القرون الأخيرة خصوصاً، بدأَتْ قضيّة الأنسنة تتوسَّع أكثر، مربوطة بالفردانيّة والذاتيّة وماهيّة الوجود الإنسانيّ، وارتبطَتْ الأنسنة بحكمة بورتاغوراس(411 ق.م): «الإنسان هو المقياس لكلّ الأشياء، وتعني كما جاءت في موسوعة لالاند الفلسفيّة: مركزيّة إنسانيّة مترويّة، تنطلق من معرفة الإنسان، وموضوعها تقويم الإنسان وتقييمه، واستبعاد كلّ ما يمكن تغريبه عن ذاته، سواء بإخضاعه لحقائق ولقوى خارقة للطبيعة البشريّة أم بتشويهه من خلال استعماله استعمالاً دونيّاً دون الطبيعة البشريّة»([23]).

لهذا انتقلت مناقشة العديد من القِيَم والصفات الكبرى، كالعدل والحرّية والرحمة مثلاً، من بُعْدها اللاهوتي إلى البُعْد الإنسانيّ، ومن الصراع حول الغيبيات والماورائيات إلى البحث في الموجودات والطبيعيات، على مستوى الكون، وعلى مستوى الإنسان نفسه.

وليس المراد بالأنسنة هنا أنسنة الإله بمعنى شخصنته كلِّياً، وإخضاعه للعالم الشهوديّ، ولكنْ بمعنى تعميق روح الصفات الكاملة (الصفات الإلهيّة) في البناء الإنساني، وبثّ هذه الروح في هذا الإنسان، كما في الرحمة من حبٍّ وإحسان وعطف وبناء وتسامح وتعايش وتعارف.

ومع أنّ الغنوصيين والفلاسفة حاولوا تعميق الالتفاتة الإنسانيّة إلى الماورائيات من خلال نظريتين: أولاهما: غنوصيّة عرفانيّة؛ والثانية: طبيعيّة سننية. أمّا الأولى فقولهم: «إنّ لحقيقة الذات المقدّسة تجليات وظهوراً في عالم الكائنات الجسمانيّة»([24])، وهذا من خلال نظريّة الإنسان الكامل عند الغنوصيين، وهذا لا يكون إلاّ بالارتقاء من عالم الجسمانيّة والشهوانيّة إلى عالم الإنسان الكامل، فيكون إسقاط الصفات الإلهيّة من باب التجلّي في هذا الإنسان ورقيّه إنسانيّاً([25])، «ولمّا سُئِلَ الفلكيّ الشهير لابلاس(1827م): لماذا لم يذكر الله في أبحاثه العظيمة في الفلك؟ قال: لستُ في حاجة لأن أذكر هذا، فالله خلف كلّ ظاهرة في الكون والطبيعة والحياة»([26]).

وأمّا ما يتعلَّق بالفلاسفة فهو العلم الإلهيّ المتعلّق بالكلّيات والجزئيات، أي توسعة جانب الحرّيات والتفاعل البشريّ المتعلّق بالإنسان في جانب الكسب.

وخلاصة ما سبق: إنّ لقيمة الرحمة أبعاداً إنسانيّة مهمّة، تتعلّق بفرادنيّة هذا الإنسان بشكلٍ كبير جدّاً، بَيْدَ أنّ صرف هذه القيمة المضافة عن مصاديقها الإنسانيّة، والانغماس بها في صراعات لاهوتيّة ماورائيّة، يبعدنا كثيراً عنها، وقد تتحوّل ذاتها من قيمةٍ إيجابيّة إلى مصاديق وَهْميّة تخلق صراعاً وتطرُّفاً في المجتمع الإنسانيّ، بمختلف أطيافه وأجناسه وأديانه.

الرحمة، بين قِيَم الماهيّة ومصاديق الهوّيّة

القِيَم من حيث الابتداء قِيَم فردانيّة، تعمّ جميع أفراد الجنس البشريّ، إلا أنّها قد تنحرف في مصاديقها لغلبة الهوّيّة على قِيَم الماهيّة.

وقِيَم الماهيّة قِيَم مطلقة دونها قِيَم مضافة. فالقِيَم المطلقة أو المبادئ المستغرقة للماهيّة «يصلح بها حال أيّ مجتمعٍ، وفي غيابها يتدنّى ويفسد، وهذه المبادئ لا تلزم أحداً بأيّ عقائد غيبيّة، ولا شعائر وطقوس عمليّة»([27])، وهذه «ليست مكتسبةً، فهي بداية وعاها الإنسان، ووعاها منذ بداية وَعْيه، ليست حصراً على أيّ دينٍ، ولا يمكن لأيّ دينٍ أن يدّعي أنّه مصدرُ هذه المبادئ»([28]).

وعلى رأس هذه المبادئ والقِيَم المطلقة قيمة الكرامة الإنسانيّة والعدالة والحرِّية، وتندرج تحتها القِيَم المضافة، وعلى رأسها الرحمة، التي في أصلها تلازم قيمة المساواة، فترتبط بالماهيّة الإنسانيّة. ونحو هذا في القرآن الكريم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، أي كأنّه لم يُرسل إلاّ رحمةً للعالم أجمع، أيّاً كان جنسه ودينه ولونه وتوجّهه.

بَيْدَ أنّ هذه القيمة المرتبطة بالماهيّة الإنسانيّة تأتي الأديان لتوكيدها، إلا أنّه «كلّما يظهر تعليمٌ دينيّ جديد يحوي في تعاليمه المساواة بين البشر يحدث مثلما يحدث مع الناس في الواقع، يحاول المنتفعون من عدم مساواة البشر أن يخفوا هذه [القِيَم] الرئيسة للتعليم الديني بتشويه أصل هذا التعليم…. ينتج فقط بسبب أنّ المستفيدين من اللامساواة بين البشر، الموجودين في السلطة والأغنياء…، وحتّى يبرّروا موقفهم أمام أنفسهم دون أن يغيِّروا من أوضاعهم، يحاولون بكلّ ما لديهم من قوّةٍ أن يلصقوا بالدين تعليماً يمكن أن يكون فيه عدم المساواة ممكناً، وينتج عن ذلك حتماً أنّ ديناً يتمّ تحريفه يمكن لمَنْ يتسلّط فيه على الآخرين أن يجد لنفسه مبرّراً، ينتقل إلى العامّة أيضاً، ويوحي إليهم بأنّ خضوعهم لمَنْ يتسلّطون عليهم أمرٌ من متطلّبات الدين الأساسيّة»([29]).

ولأجل أن نضع قيمة الرحمة في موضعها المستغرق للكلّ لا بُدَّ أن نفرِّق بين الماهيّة والهوّيّة:

فالماهيّة «تعرف الإنسان من حيث كينونته الوجوديّة، أي تلك التي نشأ من رحمها أصلاً، وبقي عليها فطرةً مدى ما عاش، أيّاً كانت معرفات هوّيّته»([30])، وأصل الماهيّة «عند المناطقة القدامى بمعنى الحيوان الناطق، أي تشكّل هوّيّة جديدة في التطوّر الحيوانيّ من الجنس الأكبر (الحيوان) إلى هوّيّة الحيوان الناطق (الإنسان العاقل)، وعند الطبيعيين جوابٌ لسؤال: ما هو؟ فماهيّة الإنسان من خلال تطوّره البيولوجيّ، ووصوله إلى هذه الصورة في الوجود، ومدى علاقة هذه الماهيّة بالطبيعة والكون»([31]).

وارتباط الماهيّة بالفردانيّة ارتباطٌ وجوديّ قديم، إلاّ أنّه حدث حوله انحرافٌ؛ بسبب غلبة مصاديق الهوّيّة. لهذا في عصر الأنوار في أوروبا كان «لمارتن لوثر والبروتستانتيّة بشكلٍ عام الأثر الواضح فيه، انتقل فيما بعد إلى عالم السياسة والمجتمع الأوروبي عبر فلسفة العَقْد الاجتماعي، التي أكَّدت أولويّة الفرد في المجتمع، وحماية حقوقه السياسيّة والاجتماعيّة ضدّ أيّ هيمنةٍ خارجيّة»([32])، إلاّ أنّه «ظهرت النزعة الفرديّة بوضوحٍ، وعلى شكل مذهب متكامل، في القرن الثامن عشر الميلاديّ، من خلال ترسيخ قِيَم الحداثة في الفكر الأوروبي، وخصوصاً في الميدان السياسيّ والاجتماعيّ»([33]).

أمّا الهوّيّة فهي «تعرِّف المرء من حيث انتماءاته الخارجيّة، أي تلك التي بعضها أضفى عليه مجتمعه، وبعضها الآخر اتّخذها لنفسه، وأبرزها: الثقافة، العرق، الوطن، الدين، المذهب، المنظور الفكريّ أو السياسيّ»([34])، وأصلها من «هو هو»، أي من حيث تشخّصه وتحقّقه في ذاته، وتمييزه عن غيره؛ فهو وعاء الضمير الجمعيّ لأيّ تكتّلٍ بشريّ، ومحتوى لهذا الضمير في الوقت نفسه، بما يشمله من قِيَم وعادات ومقوّمات تكيّف وَعْي الجماعة وإرادتها في الوجود والحياة داخل نطاق الحفاظ على كيانها»([35]).

والأصل عدم الإشكالية بين الماهيّة والهوّيّة، عندما لا تطغى الهوّيّات على الماهيّة، وتقصى الحقوق الفرديّة لمصلحةٍ جمعيّةٍ، أو تكون هوّيّة معيّنة مستأثرةً على الآخر باسم القِيَم، وقد لا يكون ذلك فقط تحت مظلّة المذهب أو القبيلة، وإنما قد يكون تحت مظلّة العرق أو الدين أو الدولة، فقد «يكتبون مئات الكتب عن المبادئ المختلفة: المدنيّة، والجنائيّة، الشرطيّة، والكنسيّة، والمالية…، إلخ، ويتحدَّثون ويتجادلون وهم على ثقةٍ كاملة أنّ ما يفعلونه مفيدٌ… ولكنّ التساؤل عن سبب إمكانيّة إدانة وإجبار بشر متساوين بالطبيعة، وسلبهم وإعدامهم، لا يجيبون عنه أبداً… هذا العنف لا يقوم به الناس، بل كائن مجرّد يدعى الدولة»([36]).

فضرورة ربط القِيَم بالماهيّة، ثمّ إسقاطها على الهوّيّة، أصبحت ضرورةً، وخصوصاً في عالم اليوم الذي صار كالقرية الواحدة، «فكلّ كائنٍ بشريّ دونما تمييز على أساس السنّ والجنس والعرق والبشرة واللون والقدرة البدنيّة أو الذهنيّة واللغة والدين ووجهة النظر السياسيّة أو الجذور الاجتماعيّة يتمتّع بكرامةٍ ثابتة لا يمكن المساس بها»([37])، لهذا «اهتمّت الفلسفة الذاتيّة في الإنسان كذاتٍ وكمبدأٍ أوّل للوصول إلى فهم الإنسان والعالم من حوله، ومن هنا كان الأساس الفلسفي للفردانيّة هو الذاتيّة»([38]).

فلمّا نأتي إلى قيمة الرحمة نجدها مرتبطة ابتداءً بالماهيّة، منطلقةً من الكرامة الإنسانيّة، ثمّ قيمة المساواة بين البشر. هذه القيمة متمثّلة في أمرين أساسيين: حقّ الإنسان في الوجود؛ وكرامته في التمتُّع بالوجود ذاته. وأمّا الحق الأول فهو نسمة في الكون له حقّ الحياة، ولا يجوز أن ينزع هذا الحقّ بحالٍ، لاختلاف عرقٍ أو دينٍ، ولا يجوز أن تستغلّ السياسات الاختلاف التكوينيّ أو الكسبيّ لتحقيق مآربها، فتفنى شعوبٌ لأجل شعوبٍ، ومن حقّ الحياة حرِّية الإنسان في فكره ومعتقده، وهذا لا يسلب حرِّيته في ذلك.

وفي القرآن الكريم مثلاً مصاديق لهذا، نشير إلى نموذجين مثلاً:

النموذج الأوّل: قوله تعالى: ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 8 ـ 9).

فالآية فَصَلت بين الإنسان الطبيعيّ المسالم، وهذا الأصل بين البشر؛ إذ الأصل فيهم المسالمة وليس الاعتداء، فهؤلاء لا تكون العلاقة معهم بالبراءة أو الإقصاء، فضلاً عن القتل، فلا معنى أن تتبرّأ من إنسانٍ يختلف عنك ديناً وتوجهاً وهو مسالم لم يعتدِ عليك، ولم يظلمك، فهذا تجب ولايته والتعاون معه في بناء الحياة الإنسانيّة، وخدمة الجنس البشريّ؛ ولكنْ هناك فئةٌ معتديّة، تظلم الناس، وتأكل حقوقهم، وتعتدي عليهم في أنفسهم وأموالهم، ولو اشتركوا معك جنساً أو لغةً أو ديناً أو مذهباً فهذا من حيث الأصالة لا يشفع لهم في اعتدائهم وظلمهم، ولهذا جاء النهي عن ولايتهم ونصرتهم في ظلمهم، وهذا مصداقٌ لقيمة والرحمة، فهي مرتبطةٌ بالإنسان وكرامته ابتداءً.

والنموذج الثاني: قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ (الشورى: 14 ـ 15).

وهذه أخصُّ من الآية الأولى؛ لأنّ الأولى تتحدَّث عن الجنس البشريّ، وهذه تتحدّث عن خطّ الأديان المؤمنة بالله، وخصوصاً تحت الخطّ الإبراهيمي أو الكتابيّ، كما يسمِّيه القرآن الكريم، إلا أنّها مع إقرارها بهذا الاختلاف والخلاف تقرِّر الإيمان بكتب الآخر: ﴿وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ﴾، فمقدَّسات الآخر، وعلى رأسها كتبهم، محترمةٌ، أيّا كانت، وينطبق هذا على معتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم.

كما تقرِّر العدل الدنيويّ: ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾، فالاختلاف في الدين لا يرفع العدل في التعامل الحياتيّ؛ لأنّه مرتبطٌ بالماهيّة، وليس بالهوّيّة، فهنا العدل قائمٌ إنسانيّاً، ولا يرتفع لاختلافٍ دينيّ أو مذهبيّ.

وتقرِّر أيضاً وحدة الإله بين الجميع، وإنْ اختلفت مسمياته وصفاته وتصوّراته، إلا أنّ الجميع مؤمنٌ بوجود قوّةٍ فاعلة في الكون: ﴿اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾، لهذا من مصاديقه النهي عن سبّ الآخر ومعتقداته حول الإله: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: 108).

فإذا كانت وحدة الإله قائمةً مع الاختلاف في تصوّره وشخصنته، إلاّ أنّ الاختلاف في التوسُّل إليه ومصاديق عبادته من خلال الطقوس واردةٌ بشكلٍ أكبر، ومع هذا تقرِّر الآية حرِّية ذلك: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾، بمعنى لا يكره أحدٌ على ممارسة طقس غيره، كما لا يمنع ويحجر من ممارسة طقسه.

لهذا جاء النهي عن الإكراه: ﴿لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ أي لا إكراه لأحدٍ. ولهذا مصاديق عديدة في القرآن، منها: قوله تعالى مثلاً: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99).

وبعد هذا التفصيل، والذي يدخل في العدل الدنيويّ، يقابله العدل الأخرويّ: ﴿اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾، فيجعل الجزاء والمصير خاصّاً بيد الله تعالى وحده، حتّى لا يتألَّه أحدٌ، ويجعل من نفسه إلهاً يحكم على العباد، ويوزِّع صكوك الغفران، ليدخل مَنْ يشاء هو في رحمته حَسْب أفقه الضيق وتصوُّره المحدود، بَيْدَ أنّ القرآن يجعل ذلك بيد الله تعالى المطلق العدل.

وكما أنّ الرحمة تتمثَّل في حقّ الإنسان في الوجود؛ تتمثَّل أيضاً في حقّ التمتُّع بهذا الوجود، مثلاً: «من غير الأخلاقيّ حقّاً إقصاء تطلّعات وطموحات العالم الثالث لمجرّد المحافظة على ما يوفّره نمطٌ خاصّ من العمل الغربيّ من راحة»([39])، «وأطير فرحاً حين أقف على طموحات فقراء العالم الثالث وأحلامهم، على رغبتهم في تحقيق الثروة والازدهار والحرِّية»([40])، ويرى جون لوك(1704م) أنّ «الحقوق الأساسيّة للفرد: حقّ الحياة؛ وحقّ الامتلاك؛ وحقّ الحرِّية»([41]).

في هذا تتمثَّل قيمة الرحمة، وتتجلّى مرتبطةً بالقِيَم المطلقة عندما ترتبط بالماهيّة، ولا تخفى أو يتلاعب بها لمصالح الهوّيّات، أيّا كانت مسمّياتها وطرقها.

الرحمة في الأديان الإبراهيميّة

«يقرِّر القرآن الكريم أنّه ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران: 67)، في حين درج العديد من علماء الأديان في جعل اليهوديّة والنصّرانيّة أدياناً إبراهيميّة. وفي نظري لا تعارض بينهما، فالآية تشير إلى صفتين لإبراهيم: الحنيفيّة؛ والاستسلام لله، وبينهما ترابطٌ، فالتوحيد يؤدّي إلى الاستسلام. وعلماء الأديان يقصدون ذلك من خلال نسب التقابس أكثر منه نسب الجنس، بمعنى أن الكلّ ينتسب إلى إبراهيم ويعظِّمه، وفي الوقت نفسه نجد هذه الأديان متقابسةً من بعضها، إمّا بمعنى التأثُّر الطبيعيّ في الأفكار، أو بمعنى تطوُّر النبوات حسب الزمكانيّة.

ويسمّيها بعضهم بالأديان التوحيديّة بمعنى انتقال الجنس البشريّ من تعدّد الآلهة إلى الإله الواحد. وهذا محلّ نظر؛ لأنّ نبواتٍ وأدياناً سبقت إبراهيم كانت تعتقد بالواحديّة، ولكنْ عاش إبراهيم في بيئةٍ ترى تعدُّد الآلهة من الشمس والنجوم والكواكب، ومن تجسيد الإله إلى أصنام وثنيّة، ولهذا بقيت دعوته مجسَّدة في التوراة من خلال الوصايا العشر التي أنزلت على موسى، وأقرّت بنودها الكبرى جميع الأديان الإبراهيميّة: «لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورةً ما ممّا في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهنّ، ولا تعبدهنّ؛ لأنّي أنا الربّ إلهك إلهٌ غيور» (سفر الخروج، الإصحاح 20، الآية 4).

وتسمّى أيضاً بالأديان السماويّة نسبة إلى السموّ والارتفاع؛ أو لأنّ تعاليمها علويّة ليست أرضيّةً؛ أو لأنّ الله مصدر هذه الأديان وهو الربّ السماوي أي المتعالي، بغضّ النظر عن جدليّة المكان.

ومن حيث العدد يرى علماء الأديان في الجملة أنّ الأديان الإبراهيميّة ثلاثة: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام. وذكر هذا من حيث التأثير والانتشار. واليهوديّة وإنْ لم تكن منتشرةً كالمسيحيّة والإسلام؛ باعتبارها ديانةً غير تبشيريّة، إلاّ أنّ تأثيرها قويّ في الديانتين وجميع الديانات اللاحقة، تقابست منها في اللاهوت والتفاسير وسير الأنبياء والشرائع.

ولكنّ المتأمِّل في الأديان الإبراهيميّة يجد أنّها أربعة أديان رئيسة، وثلاثة أديان تفرّعت منها أو تأثّرت بها. أمّا الأديان الأربعة: السامرية واليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، وأمّا الثلاثة: الصابئة المندائيّون والسيخيّة والبهائيّة. هذا إذا اعتبرنا المومرمون مذهباً مسيحيّاً، وليس ديانةً منبثقة من المسيحيّة؛ لأنّ لهم كتاباً مقدّساً، وهو كتاب مورمون الشهادة الثانية ليسوع المسيح، وكنيستهم تسمّى بكنيسة يسوع المسيح لقدّيسي الأيام الأخيرة، وأسَّسها جوزيف سميث(1844م)، فقد أتى إليه الوحي، ودلَّه على ألواح كتاب المورمون، وهي ألواحٌ قديمة قام بترجمتها إلى الإنجليزيّة([42]).

ويرى بعضٌ أن السامريّة واليهوديّة ديانةٌ واحدة. وجعل العقّاد(1964م) السامريّة مذهباً يهوديّاً([43]). وهذا خطأٌ معرفي ـ في نظري ـ، ينكره السامريون واليهود معاً. والمشترك بين السامريين واليهود أربعة: جنس بني إسرائيل، وخاتميّة نبوة موسى، والإيمان بالأسفار الخمسة من التوراة، والاهتمام بشريعة موسى الأولى. والسامريون يرون أنّهم الوريث الحقيقي لبني إسرائيل، وأن اليهود خليطٌ من أجناس مختلفة بعد السبي البابلي، وأن مصطلحي السامريّة نسبة إلى السامرة، وهو متأخّر، وكذلك اليهوديّة نسبة إلى مملكة يهوذا على الأشهر، وهو متأخِّر، أي بعد انقسام مملكة إسرائيل الشمالية والجنوبيّة، ثمّ السبي البابليّ للجنوبيّة، وبعد مائتين سنة كان السبي الأشوري للشمالية، فأدخل اليهود نصوصاً وشرائع جديدة (التلمود)، ممّا جعلهم ديانة مستقلّة.

وأمّا المسيحيّة فيسمّيها اليهود والمسلمون بالنصرانيّة، نسبةً على الأشهر إلى مدينة الناصرة، وفيها بشَّر الملاك مريم بالحمل وولادة المسيح عيسى×، إلاّ أنّ المسيحيين في الجملة يرفضون هذا المصطلح، ويرون أنّ فرقة النصرانيّة كانت موجودةً بعد المسيح، وتشترط للدخول في المسيحيّة أنه لا بُدَّ من الدخول في اليهوديّة أوّلاً قبل التعميد، ثمّ الدخول في المسيحيّة، وناظرهم بولس وبرنابا في مجمع أورشليم سنتي 50 و51م.

وأمّا الصابئة المندائيون فيقتربون من المسيحيّة من جهة التعميد، كما يقتربون من الشريعة اليهوديّة، وينتسبون إلى يحيى بن زكريا النبيّ، إلا أنّهم يرون أنّ صحفهم قديمةٌ ترجع إلى آدم وشيث ونحوهم، وهم موحِّدون، وحدث خلطٌ بينهم وبين صابئة حرّان الذين يعبدون الكواكب. وفي نظري لعلّ صابئة حرّان سامريون، والسامريون لا يعبدون الكواكب، ولكنْ يهتمون بعلم النجوم والتنجيم والأفلاك منذ فترةٍ قديمة جدّاً.

وأمّا السيخيّة فليست ديانةً إبراهيميّة، وأصلها ديانة هندوسيّة، وولدت من رحمها، إلاّ أنّ الغورو ناناك(1539م)، وهو الغورو الأوّل، تأثَّر بالصوفيّة المسلمين الهنود، وعلى رأسهم تراث بابا فريد الدين مسعود(1265م)، وهو من كبار المتصوّفة المسلمين الهنود في الطريقة الحبشيّة، لهذا كانت السيخيّة خليطاً من الإسلام والمسيحيّة.

وأمّا البهائيّة فـ «ترجع في أصلها إلى الشيخيّة عند الشيعة الإماميّة، وتأسيسها يعود إلى حسين علي النوريّ، الملقب ببهاء الله(1892م)، في إيران، وهو الذي آمن بدعوة الباب عليّ محمّد الشيرازيّ(1850م)، وإنّ حسين النوري هو مَنْ بشّره الباب بأنّه مَنْ يظهره الله، وموعود الظهورات السابقة، وأتى بكتاب الأقدس، وفيه نسخ للعديد من الأحكام القرآنيّة، كالصلاة والصيام والميراث، وهذا الكتاب هو المقدَّس عند البهائيّة، ولهم كتابٌ آخر له قيمته الدينيّة، وهو الإيقان والوديان السبعة، وجاء من بعده وواصل مسيرته عبد البهاء عبّاس أفندي(1921م)»([44]). ويعتبر بعضٌ البهائيّة مذهباً إسلاميّاً عرفانيّاً، كالدروز المنبثقة من الشيعة الإسماعيليّة، إلاّ أنّ البهائيين يعتبرون أنفسهم ديانةً مستقلّة»([45]).

نجد جميع هذه الأديان في نصّها الأوّل تقرِّر قيمة الرحمة في بُعْدها الناسوتيّ والكونيّ الواسع، فجميع الأديان تقرّر ابتداءً أنّ جوهر العلاقة مع الله قائمة على المساواة، ومنها كانت علاقة الرحمة ابتداءً. ففي التوراة السامريّة يقرِّر الربّ لموسى×: «ونادى الله: الله قادر رحمان ورؤوف، طويل المهلة، وكثير الإحسان والجميل، حافظ الإحسان لآلاف، غافر الذنب والجرم والخطية» [سفر الخروج، الإصحاح 34، الآيتان 6 ـ 7]، وبنحو هذا في توراة اليهود والعهد القديم: «أنا الربّ، الربّ إلهٌ رؤوف رحيم، بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء، أدّخر الإحسان، وأغفر الإثم والمعصيّة والخطيّة» [سفر الخروج، الإصحاح 34، الآيتان 6 ـ 7]، مع إقرار التوراتين أو العهد القديم في الآية نفسها الغضب الإلهيّ، لمَنْ لم يتُبْ واستمرّ في المعصية، أي الإجرام.

وفي مزامير داوود عند اليهود والمسيحيين في العهد القديم: «الربّ حنّان ورحيم، بطيء الغضب، ووافر الرأفة، الربّ يغمر الجميع بصلاحه، ومراحمه تعمّ كلّ أعماله» [المزامير، المزمور 145، الآيتان 8 ـ 9]. وجاء في العهد الجديد من الكتاب المقدَّس عند المسيحيين في الرسالة إلى مؤمني أَفسُس: «أمّا الله وهو غنيٌّ في الرحمة» [الإصحاح 2، الآية 4].

وفي كنزا ربّا عند الصابئة المندائيين في التسبيح الأول: «هو الحيّ العظيم، مسرة القلب، وغفران الخطايا…. الحنّان التواب الرؤوف الرحيم»([46]).

وفي القرآن الكريم: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (فاطر: 2)، ﴿قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ (الحجر: 55 ـ 56).

وفي الكتاب المقدَّس عند السيخيّة السيليّ جرو ساحب، السلم الثالث: «إنّ الله مولانا دائم الوجود، وكذلك نظامه وعدله ذو الدوام والاستقرار، أمّا نطقه فهو نطق المحبّة غير المتناهي»([47])، أي رحمته وإحسانه ومحبّته لا تنقطع عن عباده.

وفي نسائم الرحمن من ألواح بهاء الله: «يا بن الإنسان، عظمتي عظمتي إليك، وكبريائي رحمتي عليك، وما ينبغي لنفسي لا يدركه أحدٌ، ولن تحصيه نفسٌ، قد أخزنته في خزائن سرّي، وكنائز أمري، تلطفاً لعبادي، وترحماً لخلقي»([48]).

وإذا جئنا إلى القيمة ذاتها ومصاديقها في الواقع الاجتماعيّ والإجرائيّ الظرفي فسنجد كثيراً من الشواهد على ذلك، منها مثلاً: في إنجيل متّى: «طوبى للرحماء فإنّهم سيرحمون» [الإصحاح 5، الآية 7]، «طوبى لصانعي السلام فإنّهم يدعون أبناء الله» [الإصحاح 5، الآية 9]، «فإنْ غفرتم للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ زلاّتكم، وإنْ لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم السماويّ زلاّتكم» [الإصحاح 6، الآيتان 14 ـ 15].

وفي القرآن أيضاً مثلاً: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: 159)، ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النور: 22).

والمتأمِّل في النصوص المقدَّسة المتعلِّقة بالرحمة والمساواة مثلاً ـ كما أسلَفْنا ـ سيجدها تقترب من الإنسان، وتسقط واقعها على الإنسان وعلاقته بالكون، وتبتعد عن الاغتراب الميتافيزيقي والماورائيّ، لتشكّل خلقيات وأدبيات سامية، وروحاً نستطيع بها التعامل مع الأحكام الإجرائيّة الظرفيّة، التي في ظاهرها تتعارض مع هذه القِيَم، كآية العهد الجديد: «لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً» [إنجيل متّى، الإصحاح 10، الآية 34]، وآية القرآن الكريم: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصلاَةَ وَآَتَوُا الزكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 5)، فهذه آياتٌ إجرائيّة، والآيات الإجرائيّة ظرفيّة متعلقة بالزمكانيّة، وليست آياتٍ مطلقةً، فهي محكومة بالقِيَم التي دلَّتْ عليها النصوص ذاتها؛ لأنّ القِيَم مطلقةٌ، ومرتبطةٌ بالماهيّة الإنسانيّة، وسابقةٌ عن التشريعات الإجرائيّة، فهذه مثلاً تقرأ في سياقات الاعتداء، فهي حالةٌ طبيعيّة في التعامل البشريّ، وإلاّ فالأصل كما جاء في إنجيل متّى نفسه: «وسمعتم أنّه قيل: تحبّ قريبك، وتبغض عدّوك؛ أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعدائكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، وصلّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم» [الإصحاح 5، الآيتان 43 ـ 44]، وفي القرآن نفسه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة: 190)، ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال: 61).

فيجب على أصحاب الديانات أن يعمِّقوا هذه القِيَم، ولا يقفوا عند حرفيّة النصوص الإجرائيّة، وأن ينطلقوا من القِيَم، ومنها: الرحمة، منفتحين على الواقع الإنسانيّ ككلّ.

وكما أنّ هذه القِيَم مرتبطةٌ بالواقع الإنساني، لها ارتباطٌ بالجانب الفرداني، فيشعر المرء بالسكينة والطمأنينة من حيث علاقته بربّه، وعدله معه، ليشعر الأصل بذلك في مجتمعه، وما يتعلّق بالمواطنة وحقوق الإنسان، لتتحقّق كرامته واقعاً، لا أن يستغلّ لمصالح فئويّة، وهوّيّات مصالحيّة.

الرحمة وواقع المجتمع الإنسانيّ ومستقبله

يعيش العالم الإنسانيّ اليوم في عالم حضاريّ واحد، يتضمّن ثقافات لا تعدّ ولا تحصى، مختلفة في العرق والدِّين واللغات والعادات والفنون والأعراف وغيرها، هذه الحضارة تقوم على قِيَم مرتبطة بالإنسان، ومنها: قيمة الرحمة، وأراها تتجسّد بنائيّاً حول ستّة أسسٍ مهمّة في نظري.

الأساس الأوّل: الإقرار بالجانبّ التكوينيّ والكسبيّ في الاختلاف. ومصداق هذا في القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود: 118 ـ 119). فالاختلافُ شيءٌ طبيعيّ، وعلى هذا تتمثَّل الرحمة في أرقى صورها في حبّ الآخر ورحمته، ابتداءً من ماهيّته وكرامته الإنسانيّة، متجاوزةً الاختلاف معه لكونه حالةً إنسانيّة طبيعيّة، فتتمثَّل قيمة الرحمة في: «أحبّ لأخيك ما تحبّه لنفسك»، والأخ كما يقول عليّ بن أبي طالب(40هـ): «إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق».

وعلى هذا الهوّيّات ليست حقيقةً مطلقةً تلغي الآخر، فاختلاف الدين قائمٌ في جملته على الكسب، وقلّما يكون عن طريق البحث والاقتناع، فتتشكّل الرحمة لكونك ولدْتَ في بيئة جعلتك تكسب ديناً ومذهباً تنمو معه، وتتمسّك به، فكذلك الآخر، ولهذا يقرِّر القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (البقرة: 62).

فلمّا تنظر إلى المتّفق والمختلف معك من حيث الماهيّة تنظر إليهم بعينٍ واحدة، هي عين الرحمة القائمة على المساواة والكرامة الإنسانيّة، فتخدم الآخر وتعدل معه وتساعده وتكون عَوْناً له، مجسِّداً هذه الرحمة عمليّاً باعتباره إنساناً له كرامته مثلك تماماً.

وما ينطبق في الدنيا ينطبق في الآخرة: ﴿وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾ (مريم: 95)، فالقرآن يقرِّر فردانيّة الجزاء، وهو بيد الله وحده، والله مطلق العدل والرحمة، عالمٌ بعباده، رحيمٌ بهم، وجميع البشر أبناؤه، وإنْ اختلفوا في طريقة الوصول إليه، إلاّ أنّهم يقرّون به وبوجوده.

الأساس الثاني: أساس التعارف؛ لأنّ الاختلاف ثمرة ينتج عنها متعة ولذّة التعارف، وكما أنّ الاختلاف التكوينيّ والكسبيّ يثمر عنه التعايش من جهةٍ، أي العيش المشترك في بناء الأرض وعمارتها، فكذلك يثمر عنه التعارف من جهةٍ أخرى، كما يقرِّر القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).

والتعارف في جملته تعرّف على الآخر واعتراف به، فكما تسعى في التعرّف عليه فأنت تعترف به وباختلافه معك، وهذا يقودنا إلى التعرّف على المختلف، ويكون عن طريق اللقاء والحوار والاجتماع والخلطة، مشروطاً باحترام الآخر ومقدّساته ورموزه وطقوسه. ومن مصاديق ذلك في القرآن الكريم: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (العنكبوت: 64)، ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ (البقرة: 83).

وهذا تجسيد للرحمة ليس على مستوى الأفراد فحَسْب؛ بل على مستوى دُور العبادة، من كنس وكنائس وأديرة ومساجد ومعابد، بجانب المؤسَّسات العلميّة والثقافيّة، حيث تجسّد رحمة الآخر ليس كنظرةٍ عاطفيّة عابرة معه، بقدر ما هو مشروع قائم على استيعاب الآخر والاقتراب منه، والاندماج ليس بمعنى إلغاء هوّيّته، وإنّما الاندماج القِيَميّ المرتبط بالماهيّة؛ لأنّها قِيَم واحدة، فيتركون في تجسيد هذه القِيَم الإنسانيّة في خدمة الجنس البشريّ، وتكون هوّيّاتهم المختلفة دينيّاً ومذهبيّاً وثقافيّاً منسجمة في هذه الوحدة البنائيّة للعالم الإنسانيّ، وبه تتجسّد الحضارة الإنسانيّة العالميّة الواحدة.

الأساس الثالث: هو الناتج من سنّة الاختلاف، وسنّة التعارف، أي يقود إلى أساس البناء الإنسانيّ المشترك، الذي يحدّ من الصراع والتطرّف الدينيّ والسياسيّ والاثنيّ العرقيّ، انطلاقاً من الفردانيّة الوجوديّة، فالمواطنة، فحقوق الإنسان، حيث النظرة ـ كما أسلَفْنا ـ إلى الإنسان لكونه ماهيّاً مكرّماً في ذاتيّته، وملازم له وجوديّاً لا ينفصل عنه بأيّ حالٍ، وعلى هذا تبنى المواطنة على أساس الشراكة الإنسانيّة في بلد قطريّ ما، والدساتير منطلقها القِيَم الكبرى الحافظة لهذا الإنسان، بعيداً عن أيّ انتماءٍ له، فالدولة القطريّة وإنْ كانت بذاتها هوّيّة، إلاّ أنّ هذه الهوّيّة مبنيّة إنسانيّاً من جهةٍ، وحافظة لجميع الأفراد باعتبار المواطنة القائمة على قيمة المساواة والكرامة الإنسانيّة.

وكما أنّ لكلّ دولة قطريّة هوّيّات انتمائيّة، إلاّ أنّها ليست حاكمةً على المواطنة، وإنّما المواطنة حاكمةٌ عليها، ليس بمعنى الإلغاء، وإنّما الحفاظ عليها بما يخدم الجميع على حدّ سواء، وهنا تتجسَّد الرحمة في المواطنة المرتبطة بقِيَم المساواة والعدل على اعتبار القيمة الإنسانيّة الواحدة للفرد، فلا يشعر المختلف لوناً أو قبيلة أو مناطقيّة أو ولادة أو ديناً أو مذهباً أو لغةً بالغربة في هذا الوطن، بل يشعر بالانتماء الحقيقي لكونه إنساناً يشمله قانونٌ واحد لا يفرِّق بينه وبين غيره.

وعلى هذا، هذه المواطنة لا يوجد فيها أقلِّيات في الجانب العمليّ والانتمائيّ، ولكنْ يوجد أقلِّيات بالاعتبار المعرفي والدراسي الإحصائيّ فقط، أما إذا خرجنا إلى جانب الدولة والمواطنة خرجنا إلى المواطن الفرد المنتمي إلى هوّيّةٍ قطريّة واحدة، لا إلى المواطن المنتمي إلى هوّيّاتٍ أخرى وإنْ كثرَتْ عدداً. فالمسيحيّ في الدول القطريّة ذات أكثريّة إسلاميّة كالمسلم في دولةٍ قطريّة ذات أغلبيّة مسيحيّة، في مقام الدولة يشعران معاً بالانتماء الوطنيّ الإنسانيّ الواحد، وبهذا ينكمش ويذوب الصراع الانتمائيّ تحت أيّ مظلّةٍ دينيّة أو مذهبيّة أو عرقيّة.

وهذا الحال ذاته لمّا نتجاوز الدولة القطريّة إلى عالم وحضارة الإنسان، والمتمثّلة اليوم في وثيقة حقوق الإنسان، وهي أرقى ما توصَّل إليه العالم الإنسانيّ في تأريخه. فحقوق الإنسان واحدة في العالم أجمع، إلاّ أنّ التصرفات والأطماع السياسيّة السلبيّة من جهةٍ، والمصالح الدينيّة والثقافيّة البرجماتيّة من جهةٍ أخرى، تحول دون تحقُّق ذلك، وعليه لا بُدَّ أن يستقلّ العقل الدينيّ والثقافي بعيداً عن تصرُّفات الساسة السلبيّة، والمصالحيّة النفعيّة الضيّقة، بحيث يكون هذا العقل خادماً للإنسان كإنسان في أيّ بقعةٍ يعيش فيها.

كما أنّ جميع الدول في العالم هي دول إجرائيّة تنظيميّة لتحقيق إنسانيّة الفرد، وهذا لا يتحقّق إلاّ بوجود منظومةٍ عالميّة إنسانيّة متَّحدة تقوم على استقرار الدول وإحيائها وتنميتها؛ لأنّ نماء أيّ دولةٍ في العالم وإحيائها، أكانت في الشرق أم في الغرب، هو نماء وإحياء للعالم أجمع، ودمارها وخرابها هو دمار وخراب للعالم أجمع أيضا: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ (المائدة: 32).

الأساس الرابع: يتمثَّل في الجانب القِيَميّ والأخلاقيّ؛ لأنّ جوهر القِيَم والأخلاق في العالم واحدةٌ، وعلى هذا تبنى الأمور الإجرائيّة؛ لأنّها لا تخرج عن الظرفيّة الزمكانيّة. وكما أنّ العالم عليه أن يتجاوز الجوانب الإجرائيّة الماضويّة؛ لكونها جاءت وفق ظرفيّتها، إلاّ أنّ روح هذه الأحكام الإجرائّية واحدةٌ، والأديان حفظَتْ العديد منها، فنحن ندور مع هذه الروح وفق عالمنا اليوم، وروح وجوهر وقيمة الرحمة لا بُدَّ أن تكون حاضرةً في هذا الجانب.

وعلى هذا يترتب الأساس الخامس، وهو الجانب التشريعيّ المتمثِّل في التشريعات الدستوريّة والشرطيّة والجنائيّة والتعامليّة والأسريّة وغيرها من الجوانب القانونيّة. فهذه في غالبها أمورٌ إجرائيّة، والأمور الإجرائيّة ظرفيّة؛ بَيْدَ أنّ القِيَم مطلقةٌ. وعليه الظرفي يدور وفق القِيَم المطلقة، لا العكس، حتّى لا يحكم ويقيَّد المطلق بالظرفي، ومدار هذا الإنسان ذاته. وعليه لا يجوز فصل الجوانب الإجرائيّة عن الأنسنة، وإلاّ سندخل عالماً آخر يعوق حركة تطوّر الإنسان، وتحقيق كرامته ومكانته.

وعلى هذا يكون الأساس السادس، وهو الأساس الاستثماريّ، أي إنّ التعدُّديّة، أيّا كانت في ذاتها، حالةٌ نافعة للجنس البشريّ ككلّ، لا يقتصر عند الجانب الجمالي فحَسْب، بل يمتدّ إلى الجانب النفعيّ للعالم أجمع. كما أنّ تدافع هذه الهوّيّات المختلفة تدافعاً طبيعيّاً استثماريّاً يؤدّي إلى تهذيبها وتطوُّرها بمقدار ما تقدِّمه من خدمةٍ للجنس البشريّ عموماً.

فعالم اليوم لم يعُدْ يتحمّل تلك الزاوية الضيقة، بل أصبح عالماً منفتحاً على الآخر، وطبيعة الإنسان قائمةٌ على ذلك، فعلينا أن نحقِّق الرحمة الواسعة للكلّ، فكما أنّ رحمة الخالق وسعَتْ العالم أجمع، لنعيش فوق أرضه، ونستظلّ بسمائه، ونستنشق هواءه، ونتمتّع بخيراته، فلا أقلّ أن نجسِّد هذه الرحمة واقعاً، بتحقيقها بين الجميع؛ لأنّ ماهيّتنا واحدة، وهوّيّاتنا؛ نتيجة لاختلاف هذه الحياة وتنوّعها، كالبستان المحتوي على شجرٍ وثمرٍ مختلف، ويُسقى بماءٍ واحد، وينبت في تربةٍ واحدة، فكذلك نحن معاشر البشر: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ (نوح: 17).

وعلى هذا نمايز بين الحضارة والثقافة؛ فالحضارة أقرب إلى الماهيّة؛ لأنّها قائمةٌ على الإنسان والعقل والبحث، منطلقةٌ من القِيَم المنبثقة من الجانب الوجوديّ؛ والثقافة مبنيّةٌ على الهوّيّات الكسبيّة، فتتحاور الثقافة منطلقةً من قِيَم الحضارة، لا متصارعة معها، وبهذا نهيّئ جوّاً حضاريّاً إنسانيّاً يبنى على قِيَم الرحمة والمساواة والعدل. هذا الجوّ في ذاته بئية خصبة للجيل القادم ومستقبله؛ ليتجاوز الماضي إلى الحاضر، والصراع إلى البناء، والبغض إلى الحبّ، والهوّيّة إلى الإنسان.

الهوامش

(*) باحثٌ وكاتبٌ. من عُمَان.

([1]) أصل البحث مقدَّمٌ للمعهد العالي للدّراسات الإسلاميّة ـ جامعة مونستر في ألمانيا، حول استكتاب للمدرسة الشتويّة: الرحمة، مقاربات لاهوتيّة وفلسفيّة، 27 ديسمبر 2021م ـ 2 يناير 2022م.

([2]) محمّد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح: 100، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1995م.

([3]) المصدر نفسه: 100.

([4]) مجموعة من المختصّين، موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 6: 2061، إشراف: صالح بن عبد الله بن حميد وعبد الرحمن بن محمّد بن ملّوح، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدّة، 2000م.

([5]) المصدر نفسه 6: 2062.

([6]) عقيل حسين عقيل، موسوعة أسماء الله الحسنى وأثرها في استخلاف الإنسان في الأرض 1: 125، دار ابن كثير، دمشق ـ بيروت، 2009م.

([7]) محمّد حمدي زقزوق، مقدّمة في علم الأخلاق: 136، دار الفكر العربيّ، القاهرة، 1993م.

([8]) جيمس أَنِس، علم اللاهوت النظاميّ: 16، مراجعة: منيس عبد النور، الكنيسة الإنجيليّة بقصر للدّوبارة، القاهرة.

([9]) المصدر نفسه: 16.

([10]) عبد الجبار الرفاعيّ، الدين والاغتراب الميتافيزيقي: 217، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2018م.

([11]) صادق جواد سليمان، الإنسان والماهيّة: محاورات في الدين والفلسفة والشأن الإنسانيّ: 147، المحرِّر: بدر العبريّ، دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2021م.

([12]) ناصر بن سالم بن عديّم البهلانيّ، العقيدة الوهبيّة: 132، تحقيق: صالح بن سعود القنوبيّ وعليّ بن سعيد القنوبيّ، مكتبة مسقط، مسقط، 2004م.

([13]) المصدر نفسه: 133.

([14]) أحمد بن حمد الخليليّ، الحقّ الدامغ: 100، مكتبة الضامريّ للنشر والتوزيع، مسقط، 2001م.

([15]) محمّد بن صالح العثيمين، تقريب التدمريّة: 25، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، الدمام، 1419هـ.

([16]) عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة: 440، مكتبة وهبة، القاهرة، 1965م.

([17]) للمزيد يُنظر: محمّد بن عبد الله الجوينيّ، لمع الأدلّة في قواعد أهل السنّة والجماعة، تحقيق: عبد العزيز السيروان، دار اللسان، بيروت.

([18]) جعفر السبحانيّ، الإلهيات: 84، 1989م (نسخة إلكترونيّة).

([19]) مجموعة من المختصّين، موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 6: 2061.

([20]) يهودا بن صموئيل اللاويّ، الكتاب الخَزريّ: كتاب الردّ والدليل في الدين الذليل: 202 ـ 203، ترجمة: نبيه بشير، دار الجمل، بيروت ـ بغداد، 2012م.

([21]) زكريا استاورو، أساسيات مسيحيّة: 57 ـ 58، مكتبة الأخوّة، شبرا، 2001م.

([22]) بدر بن سالم العبريّ، «زيارة عالم دين ومجمع الأديان ومقابلة مع الكنيسة المشيخيّة»، صحيفة شؤون عُمانيّة، صحيفة إلكترونيّة، 4 يوليو 2021م، تأريخ الزيارة: 16 أكتوبر 2021م، الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً بتوقيت مسقط.

([23]) محمّد سالم النعيميّ، القراءة الحداثيّة للنّص القرآنيّ وأثرها في قضايا العقيدة: 134، مصر العربيّة للنشر والتوزيع، القاهرة، 2015م.

([24]) أحمد حمدي آل محمّد، الدليل والإرشاد في لقاء ربّ العباد: 11، مطابع البيان، بيروت، 1966م.

([25]) للمزيد ينظر مثلاً: كتاب الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، لعبد الكريم الجيليّ(1424م)، من المتصوِّفة والغنوصيين المسلمين؛ وكتاب حبّة الحنطة، لمتّى المسكين(2004م)، من الغنوصيين المسيحيين.

([26]) زكريا استاورو، أساسيات مسيحيّة: 53.

([27]) صادق جواد سليمان، الإنسان والماهيّة: 63.

([28]) المصدر نفسه: 65.

([29]) ليف تولستوي، في الدين والعقل والفلسفة: 127 ـ 128، ترجمة: يوسف نبيل، دار الجمل، بغداد ـ بيروت.

([30]) صادق جواد سليمان، سلامة الفكر بسلامة منهج التفكير: 206، روافد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2021م.

([31]) بدر بن سالم العبريّ، «الهوّيّة من حيث الماهيّة والأنسنة»، جريدة عُمان، 28 يونيو 2021م، تأريخ الزيارة: 17 أكتوبر 2021م، الخامسة عصراً بتوقيت مسقط.

([32]) عامر ناصر شطارة، «الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجاً»، مجلّة دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلد 41: 518، الملحق 1، 2014م.

([33]) المصدر نفسه: 519.

([34]) صادق جواد سليمان، سلامة الفكر بسلامة منهج التفكير: 206.

([35]) «تعريف ومعنى الهُويّة»، موقع موسوعة كلّه لك، تأريخ الزيارة: الأحد 3 نوفمبر 2009م، الساعة الخامسة والنصف عصراً.

([36]) ليف تولستوي، في الدين والعقل والفلسفة: 152 ـ 153.

([37]) هانس كونغ، «أخلاق عالميّة أساس لمجتمع عالميّ»، منشور ضمن كتاب: العولمة الطوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة: 86 ـ 87، تحرير: فرانك جي وجون بولي، ترجمة: فاضل جكتر، المنظمة العربيّة للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 2004م.

([38]) عامر ناصر شطارة، «الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجاً»، مجلّة دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلد 41: 519، الملحق 1، 2014م.

([39]) بيتر مارتن، ما يسوِّغ العولمة أخلاقيّاً، منشور ضمن كتاب: العولمة الطوفان أم الانقاذ؟ الجوانب الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة: 32، تحرير: فرانك جي وجون بولي، ترجمة: فاضل جكتر، المنظمة العربيّة للترجمة ومركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 2004م.

([40]) المصدر نفسه: 32.

([41]) عامر ناصر شطارة، «الفردانيّة في الفلسفة الحديثة كيركيجارد أنموذجاً»، مجلّة دراسات، العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلد 41: 520، الملحق 1، 2014م.

([42]) ينظر: جوزيف سميث، كتاب مورمون: شهادة ثانية ليسوع المسيح، كنيسة يسوع المسيح لقدّيسي الأيام الأخيرة، يوتا، 1985م.

([43]) عبّاس محمود العقّاد، حياة المسيح: 44، دار الهلال، القاهرة، 2014م.

([44]) بدر العبريّ، إضاءة قلم: التعايش، تأمُّلاتٌ ومذكرات: 128، الجمعيّة العُمانيّة للكتّاب والأدباء، مسقط ؛ مسعى للنشر والتوزيع، كندا، 2019م.

([45]) هذه المقدّمة من مقالي: «عيد القربان في الأديان الإبراهيميّة»، ارتأَيْتُ إضافتها كمقدّمة للموضوع، مع تصرُّفٍ بسيط جدّاً.

ينظر: بدر العبريّ، «عيد القربان في الأديان الإبراهيميّة»، جريدة عُمان، 18 يوليو 2021م، تأريخ الزيارة: 18 أكتوبر 2021م، السادسة والنصف صباحاً بتوقيت مسقط.

([46]) منذر الحايك، كنـزا ربّا: الكتاب المقدَّس للمندائيين، دراسةٌ مقارنة: 47، صفحات للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق ـ دبيّ، 2016م.

([47]) محمّد سعيد الطريحي، السيخ عقائدهم وتاريخهم: 56، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 2009م.

([48]) حسين عليّ نوريّ، نسائم الرحمن: 76، المحفل الروحانيّ المركزيّ البهائيّ، شمال غرب أفريقيا، 1993م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً