السيد فرقان العوادي(*)
الخلاصة
تمثِّل نظريّة أصالة الوجود العمود الفقري لمدرسة الحكمة المتعالية، الذي أسَّسه صدر المتألِّهين الشيرازي&، وفرَّع عليه فروعاً كثيرة، أهمّها: إن الوجود يساوق التشخص، وإن هذا الوجود الواحد الشخصي الذي يملأ الواقع، بل هو عين الواقع، يستحيل أن يحلّ في الذهن، فلا يمكن تعريفه بحدٍّ، ولا رسمٍ، وإن انتقاله إلى الذهن يلزم منه الانقلاب المحال.
وفرَّع عليه أيضاً التشكيك في الوجود. وإن هذا التشكيك يختلف عن التشكيك الذي تقول به المدرسة المشّائية، حيث أرجع الكثرة إلى الوحدة، والوحدة إلى الكثرة، وجعل كلاًّ منهما عين الآخر، وكلّهما في الوجود. وإن صفات الوجود هي عين الوجود، فالوجود كلّه علم، وكلّه قدرة، وكلّه حياة. وإن كل المحمولات التي تحمل على الماهية هي بالوجود، وإن الوجود يمثِّل لها الحيثية التقييدية في كلّ حملٍ ماهوي. وإن أحكام الماهية، من الجنسية والفصلية والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والكلّية والجزئية، كلّها لا تثبت للوجود. وأيضاً إن الوجود ليس بجَوْهرٍ ولا عَرَضٍ. وإن كلية الوجود ليس الكلية المفهومية الماهوية، بل كلّيته من نوعٍ آخر، من خلال انبساطه وسعته الوجودية، والوجود لا ضدّ له ولا مثل، والوجود لا جزء له ولا هو جزءٌ من شيءٍ، وليس له أفراد بالمعنى المصطلح. والجواب عن إشكال قاعدة الفرعية. وإن الإمكان على مبنى أصالة الوجود إمكان وجودي فقري هو عين الربط والحاجة. وإن الجاعل جعل الوجود، ويستحيل أن يكون الجعل للماهية والصيرورة، وإبطال التسلسل، وإن العلاقة بين العلة والمعلول على نحو الإضافة الإشراقية. وأيضاً من فروع هذا الأصل الأصيل: الحركة الجوهرية، وإن النفس جسمانية الحدوث، روحانية البقاء، واتحاد العقل والعاقل والمعقول، وتقريرٌ لبرهان الصدِّيقين مختلفٌ عن التقارير السابقة، ونفي الثابتات للمعتزلة، والجواب عن شبهة افتخار الشياطين المنسوبة الى ابن كمّونة.
مقدّمةٌ
مدرسة الحكمة المتعالية من أهمّ المدارس الفلسفية في العالم الإسلامي، حيث تكمن أهمِّيتها بالتوفيق بين المدارس الأخرى، حيث اعتمدت العقل المشّائي والكشف العرفاني والنصّ الكلامي، وأحدها يعتضد بالآخر، فتجد العقل فيها منوّر بالكشف، وميزان الكشف النصّ والكشف المحمّدي، فصار منهجها جامعاً مانعاً. وأيضاً كوّن الملاّ صدرا من خلال مدرسته عقائد حقّة ورؤية كونية تامّة وكاملة، بدأت من الخلق إلى الحقّ ثمّ بالحقّ في الحقّ ثمّ من الحقّ إلى الخلق بالحقّ، وأخيراً بالحقّ في الخلق. وهذه الميزة جعلتها من أفضل المدارس الفلسفية، وذات شهرة كبيرة، وما زالت متصدّرةً الأوساط العلميّة، ولها مرتبة الزعامة، وكان لها دَوْرٌ في التأثير في كثير من العلوم والعلماء، ولقيَتْ رواجاً واسعاً، حتّى قيل في حقّها وحقّ مؤلِّفها، والقائل المحقق الاصفهاني&، الذي هو من أعلام الفقه والأصول والفلسفة وصاحب تحفة الحكيم ونهاية الدراية في شرح الكفاية: «لو أعلم أحداً يفهم أسرار كتاب الأسفار لشدَدْتُ إليه الرحال؛ للتلمذة عليه، وإنْ كان في أقصى الديار»([1]). وحاولت هذه المدرسة الإجابة عن كثيرٍ من المسائل التي عجزَتْ عنها الفلسفات الأخرى، ومن أهمّها:
بحث المعاد الجسماني، حيث كان هذا البحث يشكِّل معضلة لدى المفكِّرين وفلاسفة العالم. فحتّى شيخ فلاسفة الإسلام أبو علي بن سينا اعترف بأن العقل لا يمكن له إثبات المعاد الجسماني؛ أما الملاّ صدرا، ومن خلال مباني الحكمة المتعالية، قدَّم له إثباتات عقلية تؤيِّدها النصوص الدينية.
والحركة في مقولة الجوهر، التي مثَّلَتْ ركناً من أركان المدرسة المتعالية، حيث استفاد من خلالها الملاّ صدرا مسائل ومطالب كثيرة.
وأيضاً مبحث النفس في أنها جوهر واحد شخصي ذو مراتب وشؤون، وهي في وحدتها كلّ القوى، وأن النفس جسمانية الحدوث، روحانية البقاء.
ومسألة اتحاد العقل والعاقل والمعقول.
وحمل الحقيقة والرقيقة.
وقاعدة بسيط الحقيقة، التي استفاد منها كثيراً في الإلهيات بالمعنى الأخصّ.
وغيرها من المسائل.
ولذلك دعَتْ الضرورة والحاجة للبحث في هذه المدرسة، والبحث في أهمّ شيء فيها، ألا وهو أصالة الوجود، حيث إن هذا الأصل الأصيل هو الأساس والمحور في الفلسفة المتعالية، فعند قيامه تقوم مدرسة الحكمة المتعالية، وعند هدمه تنهدم جميع مباني الحكمة المتعالية، كلّ هذا من خلال المنهج التحليلي النقدي.
بحوثٌ تمهيديّة
1ـ تعريف الأصالة
الأصالة لغةً: مشتقّةٌ من الأصل، بمعنى ثبت وقوي وثابت([2]).
الأصالة اصطلاحاً: عُرِّفت مفردة الأصيل في كتب الاصطلاح بأنها: الذي يمثِّل الحقيقة الثابتة في الواقع، والذي يكون منشأً لترتُّب الآثار، والاعتباري الذي لا يكون منشأً لترتُّب الآثار([3]).
وسبب طرح هذه المسألة هو أنه بعد فحص وتحليل الواقع نجد أن أيّ واقعةٍ واحدة ينتزع منها مفهومان: أحدهما: ما به الاختصاص الذي يمثِّل الماهية؛ والآخر: ما به الاشتراك الذي يمثِّل الوجود، ثمّ يأتي هذا السؤال المهمّ: مَنْ هو الذي يملأ الواقع ويكون له آثار حقيقية؟ وبالاصطلاح الفلسفي: مَنْ هو الأصيل، ويكون الآخر اعتباريّاً؟ ذهب بعضٌ الى القول بأصالة الماهية واعتبارية الوجود، وذهب صدر المتألِّهين& إلى أصالة الوجود، وأن الماهية أمرٌ اعتباري([4]).
2ـ أهمِّية نظريّة «أصالة الوجود»
تكمن أهمِّية هذه المسألة في أنها تمثِّل العمود الفقري لمدرسة الحكمة المتعالية، حيث رتَّب عليها مصنِّفها فروعاً ومسائلَ كثيرةً، جعلَتْ من هذه المدرسة متميّزة، وذات أهمية عن باقي المدارس الأخرى. وأجابت المدرسة المتعالية من خلال هذا الأصل الأصيل عن كثيرٍ من المسائل، سواء كانت متعلقةً بمبحث الإلهيات بالمعنى الأعم أو الإلهيات بالمعنى الأخصّ، وقلبت الفلسفة رأساً على عقب. فعندما تقرأ الكتب المتقدّمة على صدر المتألِّهين تجد الفكر الماهوي حاكماً عليها؛ أما في فلسفة صدر المتألهين فقد تغيَّرَتْ المركزية من مركزيّة الماهية إلى مركزية الوجود.
إذن لمسألة أصالة الوجود هذه الأهمية العظيمة، حيث يقول أحد أساتذة هذا الفنّ: «هذه المسألة من أُمّهات المسائل الفلسفيّة، بل أُمُّها؛ فإنّها التي تبتني عليها جميع مسائلها. وبعبارة أخرى: لولاها لم تقم الفلسفة على ساقٍ، ولم تجد المسائل الفلسفية حلولها الصحيحة. فلا يمكن تفسير العلِّية والمعلوليّة وارتباط الممكن بالواجب إلاّ على أساسها. وكذا لا يمكن تصوير الحركة، ولا سيَّما الحركة الجوهريّة، إلاّ بمعونتها، وهكذا، بل لا توجيه لوجود شيءٍ مطلقاً إلاّ بالبناء عليها، فلا يقوم صرح الفلسفة إلاّ بها»([5]).
وقال الملاّ صدرا&، في الإشراق التاسع من الشاهد الأوّل من المشهد الأول من الشواهد الربوبية: «الحقّ أنّ الجهل بمسألة الوجود للإنسان يوجب له الجهل بجميع أصول المعارف والأركان؛ لأنّه بالوجود يعرف كلّ شيء، وهو أوّل كلّ تصوّر، وأعرف من كلّ متصوّر؛ فإذا جُهل جُهل كلّ ما عداه»([6]).
ويقول أيضاً في كتاب المشاعر: «لمّا كانت مسألة الوجود أُسّ القواعد الحكميّة، ومبنى المسائل الإلهيّة، والقطب الذي يدور عليه رحى علم التوحيد وعلم المعاد وحشر الأرواح والأجساد، وكثيرٌ ممّا تفرَّدنا باستنباطه… فمَنْ جهل بمعرفة الوجود يسري جهله إلى أُمّهات المطالب ومعظماتها بالذهول عنها، وفاتت عنه خفيّات المعارف وخبيئاتها، وعلم الربوبيّات ونبوّاتها ومعرفة النفس واتّصالها ورجوعها إلى مبدأ مبادئها وغاياتها»([7]).
3ـ تعريف النتيجة
النتيجة لغةً: عُرِّفت مفردة النتيجة في كتب اللغة بأنها: ثمرة الشيء، أو ما يخرج من المقدّمات وينشأ عنه، ونَتِيجَةُ الامْتِحَانِ: حَصِيلَتُهُ، أَكَانَتْ إِيجَابِيَّةً أَوْ سَلْبِيَّةً؛ أو أَسْفَرَتِ الْحَادِثَةُ عَنْ نَتَائِجَ خَطِيرَةٍ: مَا يُسْفِرُ عَنِ الْمُقَدِّمَاتِ([8]).
النتيجة اصطلاحاً: وأيضاً عُرِّفت مفردة النتيجة في كتب الاصطلاح بـ «أن المركّب التامّ المحتمل للصدق والكذب يُسمّى، من حيث اشتماله على الحكم: قضية، ومن حيث احتماله الصدق والكذب: خبراً، ومن حيث إفادته الحكم: إخباراً، ومن حيث كونه جزءاً من الدليل: مقدّمة، ومن حيث يطلب بالدليل: مطلوباً، ومن حيث يحصل من الدليل: نتيجة، ومن حيث يقع في العلم ويُسأل عنه: مسألة. فالذاتُ واحدة، واختلافات العبارات باختلافات الاعتبارات»([9]). وأيضاً ذكرت في تعريف القياس بأنها القول الثالث الذي يحصل بعد المقدّمات: «قولٌ مؤلَّف من قضايا إذا سلمَتْ لزم عنها لذاتها قولٌ آخر»([10]). وأيضاً: «النتيجة هي المطلوب عينه، ولكن يسمّى بها بعد تحصيله من القياس»([11]).
النتائج المترتِّبة على «أصالة الوجود»
أـ في الإلهيّات بالمعنى الأعمّ
1ـ الوجود لا يُعَرَّف بحَدٍّ، ولا رَسْمٍ
النتيجة المترتِّبة على مبحث الأصالة أن الوجود هو عين الواقع الخارجي، ولا يمكن تعريفه؛ بسبب بساطته. وأيضاً لأنه هو الواقع، ويستحيل أن يحلّ الواقع في الذهن؛ لأن تصوّر الشيء عبارةٌ عن حصول معناه، وانتقاله من حدّ العين إلى حدّ الذهن. وأيضاً حلول الواقع بالذهن يستلزم منه الانقلاب المحال، والوجود الذهني من حيث يطرد العدم عن نفسه وجودٌ خارجي مترتِّب عليه الآثار، ومن حيث إنه ذهني لا تترتَّب عليه الآثار، فهو بالقياس إلى الخارج مصداقه العيني، وبهذا المعنى يكون وجوداً اعتباريّاً وحقيقته المقايسة إلى الخارج. والملاّ صدرا& يصرِّح في كثيرٍ من المواضع أنه لا يمكن إدراك الوجود بالعلم الحصولي، سواء كان بالحدّ أو الرسم، بل إدراكه منحصرٌ بالمشاهدة والعيان([12]).
2ـ الوجود يساوق التشخُّص
المراد من التشخُّص عند أهل الاصطلاح: «الحقيقة المعيّنة في نفسها تعيّناً يميِّزها عن غيرها»([13])، وأيضاً: «الماهية المعروضة للتشخُّصات»([14]). وهذا الأمر يتمّ على مبنى أصالة الوجود؛ لأن الوجود عين الواقع، بل هو الواقع، فهو التشخّص، وبه كلّ شيء متشخّص. وأما على المبنى المشهور فالتشخُّص عندهم بالعوارض المشخّصة من الأين والمتى والجدة وغيرها([15]). لكنّ الملا صدرا& يعترض على ذلك، ويقول: إن العوارض المشخّصة تفيد التميّز، ولا تفيد التشخُّص، لأنه يُقال: «ميّز الشيء: عزله وفرزه»([16])، ومن هذا التعريف نستكشف أن التميّز من الأمور الإضافية، ويمكن أن يتحقّق بالكلِّيات، وبإضافة أمرٍ كلّي إلى آخر، لذلك يصحّ من خلال العوارض المشخّصة، أما التشخّص فهو أمرٌ نفسيّ، ولا يمكن أن يتحقَّق إلاّ بالوجود([17]).
3ـ التشكيك الخاصّي في الوجود
والنتيجة الأخرى المفصلية، التي تُعتبر معلماً من معالم الحكمة المتعالية، وأصلاً تفترق به عن باقي الفلسفات، هو التشكيك الخاصّي، الذي هو عبارةٌ عن الوحدة في عين الكثرة، والكثرة في عين الوحدة، وكلّهما في الوجود؛ حيث على القول بأصالة الوجود، وإن الوجودات متباينة، لا يمكن القول به، بل يمكن القول على تباين الوجودات بالتشكيك العامّي فقط، الذي هو عبارةٌ عن كثرة، ولها وحدة مفهومية([18]). ثم هل بقي الملا صدرا& في كلّ كتبه على هذا الاعتقاد بأن الوجود واحدٌ بالوحدة النوعية التشكيكية أم ذهب إلى الوحدة الشخصية التي يقول بها العارف؟ الظاهر من تتبُّع كلمات صدر المتألِّهين& أنه في بداية الأمر كان يقول بالوحدة النوعية للوجود، وهو ذات مراتب تشكيكيّة، وكان غرضه التدرُّج في التعليم؛ ليهيّئ ذهنية الطالب للمطالب الصعبة وعسيرة الفهم، ثمّ في نهاية الأمر قال بالوحدة الشخصية، التي يتبنّاها العرفاء الإلهيّون.
فقال& في بداية الأمر: «وممّا يجب أن يعلم أنّ إثباتنا لمراتب الوجود المتكثِّرة، ومواضعتنا في مراتب البحث والتعليم على تعدُّدها وتكثُّرها، لا ينافي ما نحن بصدده من ذي قبل، إنْ شاء الله، من إثبات وحدة الوجود والموجود ذاتاً وحقيقةً، كما هو مذهب الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين. وسنقيم البرهان القطعي على أنّ الوجودات وإنْ تكثَّرَتْ وتمايَزَتْ، إلاّ أنّها من مراتب تعيُّنات الحقّ الأوّل، وظهورات نوره وشؤونات ذاته، لا أنّها أمور مستقلّة وذوات منفصلة، وليكن عندك حكاية هذا المطلب إلى أن يرد عليك برهانه، وانتظره مفتّشاً»([19]).
وبعد التمهيد وتهيئة ذهن الطالب، يصل إلى الوحدة الشخصية للعرفاء الإلهيين، حيث يقول &، في كتابه الحكمة المتعالية: «إنّ العاقل اللبيب بقوّة الحدس يفهم من كلامه ـ الضمير يعود إلى الشيخ الرئيس ابن سينا& ـ ما نحن بصدد إقامة البرهان عليه حيث يحين حينه، من أنّ جميع الوجودات الإمكانيّة والإنّيات الارتباطيّة التعلُّقيّة اعتباراتٌ وشؤونٌ للوجود الواجبي، وأشعّةٌ وظلالٌ للنور القيّومي، لا استقلال لها بحَسَب الهويّة، ولا يمكن ملاحظتها ذواتاً منفصلةً وإنّياتٍ مستقلّةً؛ لأنّ التابعيّة والتعلُّق بالغير والفقر والحاجة عين حقائقها…
كلّ ما في الكون وَهْمٌ أو خيال *** أو عكوسٌ في المرايا أو ظلال»([20]).
4ـ الحمل على الماهية لا يكون إلاّ بالوجود
يعتقد القائلون بأصالة الوجود بأن الوجود يملأ الواقع الخارجي، ويكون عين الواقع الخارجي، وأن منشأ الآثار هو الوجود، دون الماهية، وأن الماهية أمر اعتباريّ يعرض الوجود، فكلّ ما يحمل على حيثية الماهية من أحكام ثبوتية فهو بالوجود، والوجود يكون حيثيّةً تقييدية في كلّ حملٍ ماهوي؛ لأن الحمل يقتضي موضوعاً ثابتاً، ولا ثبوت إلا بالوجود([21]).
5ـ الجواب عن قاعدة الفرعيّة
قاعدة الفرعية من القواعد المشهورة التي يُستفاد كثيراً منها في كافّة العلوم، حيث عُرِّفت بأنها: «ثبوت شيءٍ لشيءٍ فرع ثبوت المثبت له»([22])، وهي تعني أنه لا يمكن أن يثبت شيءٌ (محمول) لموضوعٍ غير ثابت، وبعبارةٍ أخرى: العرش ثم النقش.
بعد هذه المقدّمة نقول: بعد إثبات الأصالة للوجود والاعتبارية للماهية يأتي هنا هذا السؤال المهمّ: هل عروض الماهية للوجود داخلٌ ضمن قاعدة الفرعية، التي مفادها أن ثبوت شيءٍ لشيء فرعٌ لثبوت المثبت له؛ لأن الوجود عرض والماهية معروضه، فإذا عرض الوجود على الماهية لا بُدَّ من ثبوتها في رتبةٍ سابقة؛ لأن الموضوع والموصوف لا بُدَّ أن يكون ثابتاً قبل عروض المحمول عليه، وهذا يعني أن تكون الماهية موجودةً قبل وجودها، وهذا يستلزم منه الدَّوْر والتسلسل؟
واحتار بعضٌ في ردّ هذا الإشكال، والجواب عنه، فخصَّص القاعدة، وقال بأن القاعدة عامّة وكلِّية في جميع الموارد إلاّ في حمل الوجود على الماهية([23]).
وهذا واضح البطلان بأن القواعد العقلية لا تخصَّص.
وبدَّلها بعضٌ آخر إلى الاستلزام([24])؛ لان الاستلزام لا يحتاج فيه كما في الثبوت من التقدّم، بل يكفي فيه المقارنة.
واختار بعضٌ ثالث أن اتصاف الماهية بالوجود بالذهن، وليس في الخارج([25]).
واختار المشّاؤون أن عروض الماهية على الوجود خارج تخصُّصاً وموضوعاً؛ لأنها من الهلِّيات البسيطة، وقاعدة الفرعية تجري في الهلّيات المركّبة([26]).
واختار فيلسوفُ الحكمة المتعالية الملاّ صدرا الشيرازي&، وبناءً على ما اختاره من أصالة الوجود، وأن الوجود هو الذي يملأ الواقع، أنه لا اتّصاف لها به، ولا عروض لها به، وأما الماهية فهي متَّحدة معه على نحو المجاز، لا الحقيقة، وحقيقتها أنها ظهورات الوجود لدى الذهن([27]).
6ـ الأحكام المنفيّة عن الوجود
أـ أحكام الماهيّة لا تثبت للوجود
تعرف الماهية في كتب الاصطلاح بأنها: «مقولٌ في جواب ما هو؟»([28]). ولها أحكام كثيرة، كالكلية والجزئية والجنسية والنوعية والفصلية. وهذه الأحكام جاءت بسبب الانطباق والاندراج، والوجود لا يقبل الاندراج؛ لأنه ليس ماهيّةً حتّى يحلّ في الوجود الذهني والخارجي، بل هو عين الواقع والخارجية، لذلك لا يكون عامّاً ولا خاصاً، ولا مطلقاً ولا مقيداً([29]).
ب ـ الوجود ليس بجوهرٍ ولا عَرَضٍ
تقسَّم الماهية إلى قسمين مشهورين: الأوّل: الجوهر؛ والثاني: العَرَض. ويُعرَّف الجوهر بأنه «الماهية إذا وجدَتْ في الخارج وُجدَتْ من دون موضوعٍ»([30])، ويُعرَّف العَرَض بأنه «الماهية إذا وُجدَتْ في الخارج وُجدَتْ في موضوعٍ»([31]). وعلى هذا، فالوجود ليس بجوهرٍ ولا بعَرَضٍ؛ لأن الجَوْهر والعَرَض من الماهيات، والماهيات اعتبارية لا توجد إلا بالوجود، ولكنْ لاتحاد الماهية والوجود تسري أحكام الماهية إلى الوجود. فوجود الجوهر بعين جوهريته، ووجود العَرَض بعين عرضيته([32]). يقول الملاّ هادي السبزواري&، في حاشيته على الأسفار: «إن الوجود إذا سقطَتْ عنه الإضافة إلى الماهيات ليس جوهراً، ولا عَرَضاً، كيفاً أو كمّاً، وإذ لا كمّ له فلا زمان، ولا دثور، ولا حدوث، ولا أجزاء مقدارية، فلا تغيُّر ولا تبدُّل، والكلّ باعتبار القوابل من الموادّ والماهيّات»([33]).
ج ـ الوجود لا ضدَّ له، ولا مِثْل
يُعرَّف الضدّان في الفلسفة بأنهما «أمران وجوديان متعاقبان على موضوعٍ واحد، داخلان تحت جنسٍ قريب، بينهما غاية الخلاف» ([34]). والوجود ليس بعرضٍ حتى يكون له موضوع، ولا هو ماهية حتّى يحتاج إلى جنسٍ، ولا شيء يخالف الوجود إلاّ العدم. وأما المثلان فهما «الأمران المندرجان تحت ماهيّةٍ كلِّيةٍ واحدة»([35]). والوجود ليس بماهيّةٍ حتّى يندرج تحتها([36]).
د ـ الوجود لا سبب له
حقيقة الوجود بما هي هي، أي حقيقته وهويّتة الطاردة للعدم، لا يوجد لها علّةٌ؛ لأن العلة تكون غير المعلول، وغير الوجود العدم. أما في مراتب الوجود توجد علّية. مثلاً: العقل الأوّل علّة للعقل الثاني، والعقل العاشر علّة للعالم، لكنّ هذا يقع في ضمن الوجود ومراتبه. ومن هنا قال بعض المحقِّقين، ومن أبرزهم: العلاّمة الطباطبائي&، بعدم جريان البرهان اللمّي والإنّي في الفلسفة، سواء كانت الإلهيات بالمعنى الأعمّ أم الإلهيات بالمعنى الأخصّ. والبرهان الوحيد الذي يجري في الفلسفة هو برهان الملازمات العامّة؛ لأن البرهان الإني لا يفيد اليقين بالمعنى الأخصّ، والمطلوب في الفلسفة هو اليقين بالمعنى الأخصّ، فالبرهان الإني خارجٌ تخصُّصاً وموضوعاً، وأما البرهان اللمّي فيعتقد العلاّمة الطباطبائي& بأن العلّة فيه خارجيّةٌ للنتيجة، لذلك لا علّة للوجود، وكذلك يعتقد بأن العرض الذاتي لا بُدَّ أن يكون مساوياً لموضوع الفلسفة، وأن جميع المحمولات التي تكون أخصّ من الوجود إنما تكون محمولات بضميمة مقابلاتها، بحيث ترجع إلى قضايا مردّدة المحمول تساوي أطراف الترديد فيها الموجودية العامة، وكذلك بأن موضوع الفلسفة هو الوجود المطلق، وهو أعمّ الأشياء، ومحمولاته مساوية له؛ لما تقدم من تفسيره للعرض الذاتي، فلا شيء خارجٌ عن الموضوع والمحمول، فلا توجد علّة للفلسفة.
وفي الجانب المقابل يوجد مَنْ خالف ذلك، كالعلاّمة غلام رضا الفيّاضي، حيث يقول، في تعليقته على نهاية الحكمة: «كلام العلاّمة، من عدم جريان البرهان اللمّي في الفلسفة مبتنٍ على مبنى العلاّمة في العَرَض الذاتي، الذي لا بُدَّ أن يكون مساوياً لموضوع العلم. لكن نحن قلنا في بحث موضوع الفلسفة: إن هذا المبنى غير صحيح»([37]). وأيضاً إن كثيراً من المسائل الفلسفية موضوعاتها قسمٌ من الوجود، وليس الوجود المطلق، ومحمولاتها أمورٌ تخصّها، فيمكن أن يجري البرهان اللمّي، مثل: الاستدلال على أن العالم مخلوقٌ على النظام الأحسن من خلال علمه الذاتي بالنظام الأحسن، الذي هو علّةٌ للعالم بنظامه الأحسن. وكذلك في الإلهيات بالمعنى الأخصّ فإن مسائلها أخصّ من موضوع الفلسفة، فمثلاً: الأفعال يمكن إثباتها عن طريق صفاته الإلهية، فيكون السلوك من العلّة إلى المعلول. وأيضاً بناءً على الوحدة التشكيكية لا توجد مشكلةٌ بأن تكون بعض المراتب علّةً للمرتبة الأخرى، ككون عالم العقول علّةً لعالم المادّة. وأيضاً يمكن أن تكون العلّة في البرهان اللمّي أعمّ من العلة التحليلية والعلة الخارجية، وليست منحصرةً في العلة الخارجية، كما تصوَّرها العلاّمة الطباطبائي&. وهذا ما نجده واضحاً في كلام الشيخ الرئيس&، في الفصل السابع من المقالة الأولى من كتاب البرهان من الشفاء، حيث مثَّل للبرهان اللمّي بالحيوان المحمول على زيدٍ بتوسُّط الإنسان، والجسم المحمول على الإنسان بتوسُّط الحيوان. فالحاصل أنه يمكن أن تكون العلّة في البرهان اللمّي أعمّ من العلة الخارجية والعلة التحليلية([38]).
هـ ـ الوجود لا جزء له، ولا هو جزءٌ من شيء
لأن الجزء والمركَّب إذا كانا هما الوجود فلا معنى لأن يكون الشيء جزءاً لنفسه، وأما اذا كانا غيره فلا غير للوجود إلاّ العدم([39]).
و ـ ليس للوجود أفراد
يُعرَّف الفرد بالاصطلاح الفلسفي بأنه «الماهيّة المشروطة بخصوصيّات مصداقٍ واحد من مصاديق تلك الماهيّة»([40]). فزيدٌ هو الإنسان مع خصوصياته، وبعبارةٍ أخرى: هو المجموع من المقيّد والتقيّد والقيد. وهذا باطلٌ لما تقدَّم؛ لأنه ليس له ماهيّة، ولا يقع جزءاً من مركّبٍ. وعلى هذا الوجود لا صورة عقلية له كالصورة للماهية؛ لأن الماهية لها فردٌ تقوّمه وتترتَّب عليه الآثار الخارجية، أما الوجود فله منشأ انتزاعٍ خارجي([41]).
7ـ الكلِّية الوجودية (السَّعية) المستفادة من أصالة الوجود
شمول الوجود للأشياء ليس كشمول الكلّي للجزيئات؛ لأن الكلِّية بمعنى قابلية الانطباق على كثيرين هي من المفاهيم الكلِّية الذهنية؛ أما الوجود فمتشخِّصٌ بذاته، ويشمل جميع الوجودات، ويعرض عليها من باب الانبساط والسريان، والسعة الوجودية، الذي يعبَّر عنه بالاصطلاح الكلِّي العرفاني، أو الكلِّي السعي الإحاطي([42]).
8ـ الإمكان الفَقْري
من النتائج المهمّة الأخرى هي الإمكان الفَقْري الوجودي، ويُعرَّف بأنه «ما للوجود المعلولي من التعلُّق والتقوّم بالوجود العلّي، وخاصّة الفقر الذاتي للوجود الإمكاني بالنسبة إلى الوجود الواجبي (جلَّ وعلا)، ويُسمّى: (الإمكان الفقري) و(الوجودي)، مقابل الإمكان الماهوي»([43]). ويُعرَّف الإمكان الماهوي (الإمكان الخاصّ) «ويُراد منه سلب الضرورتين، او استواء النسبة إلى الوجود والعدم»([44]). واختار صدر المتألِّهين& أن الإمكان هو الفَقْري، بالاعتماد على أصالة الوجود؛ لأن مناط الحاجة إلى العلة لا بُدَّ أن يكون أمراً واقعيّاً، والإمكان الماهوي أمرٌ اعتباري؛ لأنه وصفٌ للماهية، وهو من المعقولات الثانية الفلسفية، الذي يكون عروضه في الذهن، وظرف اتصافه في الخارج، والماهية متأخِّرةٌ عن الوجود، والشيء المتأخِّر بمراتب بعد الوجود لا يمكن أن يكون مناطاً للعلِّية، ولا يمكن أن يكون قبل الوجود. لذلك عند الملاّ صدر&، وفي المدرسة المتعالية، الإمكان الماهوي مثل الحدوث عند المتكلِّمين، لا يعتبر علّةً للحاجة إلى العلّة. وهذا المعنى من الإمكان غير المعنى المصطلح في الحكمة المشّائية، حيث تقدَّم تعريفه، وأنه كان يُطلَق ويُراد منه سلب الضرورتين، او استواء النسبة إلى الوجود والعدم. وهذا المعنى لا يمكن أن يتصوَّر في الإمكان الوجودي، حيث لا يعقل فيه استواء النسبة وتساوي الوجود والعدم([45]).
9ـ تعلُّق الجَعْل بالوجود
مسألة الجعل من المسائل المهمة في الفلسفة، حيث تعدَّدَتْ الأقوال فيها؛ فبعضهم اختار أن المجعول هو الماهية؛ وبعضٌ آخر جعل المجعول هو الصيرورة([46])؛ واختار الملاّ صدرا&، بناءً على مبنى أصالة الوجود، أن المجعول هو الوجود، وليس الماهية، ولا صيرورة الماهية موجودةً؛ لأن الماهية أمرٌ اعتباري عارض على الوجود. وكذلك جاعل الأثر، فالماهية لا هي جاعلةٌ، ولا مجعولةٌ([47]). وأيضاً يستحيل أن يكون الجعل للصيرورة؛ لأن الصيرورة أمرٌ نسبيّ قائمٌ بالوجود والماهية، والطرفان اعتباريان، فيستحيل أن يكون الأمر القائم بين طرفين اعتبارين أمراً واقعيّاً وأصيلاً. قال صدر المتألهين&، في مجموعة الرسائل: «إن أثر الجاعل هو نحو الوجود الخاصّ الصادر عن الواهب جعلاً بسيطاً، وليس المجعول نفس الماهية مع قطع النظر عن الوجود، كما زعمه الإشراقيون، ولا صيرورة الماهية موجودة، كما ذهب إليه المشّاؤون. فالوجود هو الصادر من الفاعل؛ لأنه الموجود بالذات، دون المسمّى بالماهية؛ لأنها الواقع بالعَرَض، بمنزلة الظلّ من ذي الظلّ، فهي المجعولة بالعَرَض، كما حقَّقناه في موضعه. وقد أتقنّا على هذا المطلب براهين قطعية ذكرناها في أسفارنا وفي الحكمة القُدْسيّة»([48]).
10ـ صفات الوجود الحقيقية عينُ الوجود
للوجود صفاتٌ كثيرة، كالعلم والقدرة والحياة وغيرها، وهذه صفاتٌ لا بُدَّ أن تكون عين ذاته، وإلاّ يلزم أن تكون خارجةً عن ذاته، وخارج الذات هو إما اعتباري يثبت بواسطة الوجود، أو عدمٌ باطل بالذات([49]). وعلى هذا، فالوجود كلّه علمٌ، وكلّه قدرة، وكلّه حياة، ولكنْ كلٌّ بحَسَبه، فالعلم في الباري تعالى على أتمّ وجهٍ وصورة، ثمّ العلم عند العقل الأوّل فهو أتمّ وأقوى من العلم في الكائنات.
11ـ حمل الوجود على الماهيّة من عكس الحمل
الوجود في كلّ حملٍ عارضٌ على ماهية، فمثلاً: عند قولنا: زيد موجودٌ في هذه القضية عَرَض الوجود على ماهية زيد، ولكنّ هذا من إيهامات الذهن؛ لأن الوجود هو الأصيل الذي يمثِّل الواقع، والماهية أمرٌ اعتباريّ منتزع من الوجود، فهي ظهورات الوجودات لدى الأذهان، فلا بُدَّ أن يكون هو الموضوع، والماهية هي المحمول، لكن الذهن يعكس ذلك، ويجعل الماهية هي الموضوع، والموصوف والوجود هو العارض والمحمول؛ لأن الذهن البشري أول ما يأنس ويدرك الماهيات؛ لأنّها تمثِّل ما به الامتياز، وثمّ يدرك ما به الاشتراك، وهو الوجود([50]).
12ـ استحالة التسلسل
عُرِّف التسلسل بأنه «عبارةٌ عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة، مترتّبة غير متناهية، ويكون الكلّ متَّسماً بوصف الاِمكان، بأن يتوقَّف (أ) على (ب)، و(ب) على (ج)، و(ج) على (د)، وهكذا، من دون أن تنتهي إلى علّةٍ ليست بممكنةٍ، ولا معلولة»([51]). ومن الأدلة على استحالة التسلسل، وأسدّها، ما ذكره الشيخ الرئيس في إلهيات الشفاء، حيث بين ذلك على الشكل التالي: لو فرضنا سلسلةً مكوّنةً من معلولٍ وعلته وعلّة علّته فهذه السلسلة تتّصف بأحكامٍ ضرورية، فالمعلول معلولٌ فقط، وعلّته علّةٌ له ومعلولةٌ لما قبلها، وعلّتها علّةٌ فقط، غير معلولة. فالمعلول يكون طرفاً في هذه السلسلة، وعلّة العلّة تكون طرفاً أيضاً، والثالث الذي هو معلولٌ وعلّةٌ معاً يكون وَسَطاً بين الطرفين. ثمّ إذا فرضنا هذه السلسلة مكوَّنةً من أربعة متسلسلة ومترتبة فتجري فيها الأحكام السابقة من حكم الطرفين، والاثنان الواقعان بين الطرفين يكون حكمهما الوَسَطية، وهكذا الحال كلَّما زِدْنا في آحاد السلسلة إلى ما لا نهاية. ولو فرضنا السلسلة غير منتهيةٍ إلى نهايةٍ فيكون ما وراء المعلول الأخير من السلسلة غير المتناهية وَسَطاً لا طرف له، وهو محالٌ([52]).
ما تقدَّم كان جواب المشهور على استحالة التسلسل. أما على مبنى الحكمة المتعالية فلصدر المتألِّهين& جوابٌ آخر، وهو بعدما أثبت الأصالة للوجود، وحوّل علم الفلسفة من مركزيّة الماهية إلى مركزية الوجود، رتَّب على هذا الأصل أن الإمكان يكون وجوديّاً فقريًاً عين الربط بعلّته، وليس ماهويّاً، فوجود المعلول وجودٌ رابط بالنسبة إلى علته لا يكون له تحقُّق إلاّ بوجودٍ مستقلّ، والمستقلّ هو علّته، ولو تسلسل وكانت علّته معلولةً فلم يتحقَّق شيءٌ من أجزاء العلّة؛ لاستحالة تحقُّق الرابط من دون مستقلّ([53]).
13ـ علاقة العلّة بالمعلول
وأيضاً من النتائج والفروع المتفرِّعة على مبحث الأصالة هو علاقة العلّة بالمعلول، حيث إن الملا صدرا& بعدما أثبت الأصالة للوجود، وأن الوجود واحدٌ شخصيّ ذو مراتب متكثّرة، وأن الوجود عين الربط بعلّته، وهو عين الفقر والحاجة، ذهب إلى أن العلاقة بين العلة والمعلول على نحو الإضافة الإشراقية. وأما على مبنى المدرسة المشّائية فالإضافة تكون مقوليّةً. والفرق بينهما أن الإضافة المقولية نسبةٌ حاصلة وقائمةٌ بين طرفين مستقلّين، فالمعلول وجودٌ مستقلّ قائمٌ بنفسه، والعلّة كذلك وجودٌ مستقلّ قائمٌ بنفسة، والإضافة الأمر والنسبة التي تكون بين العلّة والمعلول. أما الإضافة الإشراقية فالعلّة فيها طرفٌ مستقلّ قائمٌ بنفسه، وهو علّةٌ للمعلول الذي يوجد بالإضافة، بل يكون عين الإضافة. فالإضافة الإشراقية قائمةٌ بطرفٍ واحد، وهو العلّة المستقلة، والمعلول عين الربط والحاجة والفقر الذاتي، الذي يكون عين الإضافة([54]). يقول العلاّمة الطباطبائي&، في نهاية الحكمة: «إن نشأة الوجود لا تتضمَّن إلاّ وجوداً واحداً مستقلاًّ، هو الواجب عزَّ اسمه، والباقي روابط ونسب وإضافات»([55]).
14ـ الحركة الجَوْهريّة
من المعالم المفصلية والجوهرية التي ميَّزَتْ وفصلَتْ المدرسة المتعالية عن باقي المدارس الفلسفية مبنى الحركة الجوهرية؛ حيث كانت المدرسة المشّائية تعتقد بالحركة العَرَضية، وخصَّصتها بأربع مقولات، وهي: الكمّ، والكيف، والوضع، والأين، ونفَتْ المقولات الخمسة الباقية، وهي: الفعل، والانفعال، ومتى، والإضافة، والجدة. أما مقولة الجوهر فوقع فيها الخلاف، فاختار المشّاؤون استحالة الحركة فيها، ودليلهم على ذلك أن الحركة لا بُدَّ لها من موضوعٍ ثابت، وموضوع الحركة في جميع المقولات الجوهر، ولو تحرّك وتغيّر الجوهر لأدّى إلى انتفاء موضوع الحركة، وهذا مستحيلٌ. أما الملاّ صدرا& فقال بالحركة الجوهرية، وشيَّدها من خلال ركنين أساسيين: الأوّل: أصالة الوجود؛ والثاني: التشكيك في الوجود. وأجاب المشهور بأن الضابطة في الحركة الجوهرية موجودةٌ؛ لأن الغاية من وجود موضوعٍ ثابت إما أن تحفظ فيه وحدة الحركة، ولا تنثلم بالانقسام العارض عليها، فهذا متحقِّقٌ بالحركة الجوهرية من خلال اتصال الحركة وكون الانقسام وَهْميّاً غير فكّي؛ وإما إنْ كانت الحاجة إلى الموضوع هي أن الحركة معنىً ناعتيٌّ ووصفي يحتاج إلى موضوعٍ، لكي تنعته وتصفه، فالضابطة أيضاً متحقِّقةٌ في الحركة الجوهرية؛ حيث إن الحركات العرضية موضوعها الجوهر، أما الحركة الجوهرية فموضوعها الحركة نفسها، فهي حركةٌ ومتحرّكةٌ في نفس الوقت([56]). وعلى هذا، يعتقد بأن الموجودات المادّية، وبالخصوص الإنسان، هو وجودٌ واحد شخصي، ولكنْ فيه مراتب وأطوار وجودية، يبدأ من النطفة إلى أن يكون عاقلاً، حيث أسماها العرفاء باللطائف السبع، وهي: الطبع والنفس والروح والسرّ والخفيّ والأخفى([57])، والإنسان لا بُدَّ أن يطوي هذه الأطوار والمراتب في ذاته ليصل إلى أعلى المراتب، ويكون خليفةَ الله في أرضه. فإذن الحركة الجوهرية هي حركة الوجودات الخاصّة، وليست حركة الماهيات التي هي عنوانٌ لما يتحرَّك([58])، أما إذا قلنا بأصالة الوجود، وإن الوجودات في الخارج حقائق متباينة، فلا يمكن أن يوجد هذا التكامل. يقول الملاّ صدرا&، في كتابه الحكمة المتعالية: «لما علمت أن الوجود الواحد قد يكون له شؤون وأطوار ذاتية، وله كمالية وتنقص، والقائلون بالاشتداد الكيفي والازدياد الكمّي ومقابلَيْهما قائلون بأن الحركة الواحدة أمرٌ شخصي لموضوعٍ شخصي…، فنقول: إذا جاز في الكمّ والكَيْف وأنواعهما كون أنواع بلا نهاية بين طرفيها بالقوّة، مع كون الوجود المتجدّد أمراً شخصياً من باب الكمّ والكَيْف، فليجُزْ مثل ذلك في الجوهر الصُّوري، فيمكن اشتداده واستكماله في ذاته، حيث يكون وجوداً واحداً شخصيّاً مستمرّاً متفاوتَ الحصول في شخصيّته ووحدته الجوهريّة، حيث ينتزع منه معنى نوع آخر بالقوّة في كلّ آنٍ فرض»([59]).
15ـ النفس: جسمانيّة الحدوث، روحانيّة البقاء
إن نظرية جسمانية الحدوث وروحانية البقاء من ابتكارات وإبداعات الملاّ صدرا الشيرازي&، حيث كانت توجد نظريات متعدِّدة في مسألة النفس، بلغت عند بعضهم ستّة وثلاثين قولاً، وعند بعضهم أربعين قولاً، وعند آخرين مئة قولٍ([60]). والمعتمدُ، والذي يذكر دائماً في كتب الفلسفة، ككتاب المنظومة للعلاّمة الملاّ هادي السبزواري&، أربعة أقوال:
أـ النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء.
ب ـ النفس جسمانية الحدوث والبقاء.
ج ـ النفس روحانية الحدوث والبقاء.
د ـ النفس روحانية الحدوث جسمانية البقاء.
واختار المرحوم الملاّ صدرا الشيرازي& القول الأوّل، وشيَّد هذا المبنى من خلال عدّة أصول:
أـ أصالة الوجود.
ب ـ الوجود حقيقة واحدة مشكّكة.
ج ـ القول بالحركة الجوهرية.
د ـ اتّحاد العقل والعاقل والمعقول([61]).
وبعد تمهيد هذه الأصول نوضِّحها بشكلٍ مختصر ومجمل على النحو التالي: إن النفس تمثِّل هذا الوجود البسيط ذي المراتب المتعدّدة والمشكّكة، وكثرتها ترجع إلى وحدتها، والتي تبدأ جسمانيّةً، ومن خلال حركتها الجوهرية التي تخرجها من القوّة إلى الفعل، فتنتقل من طورٍ إلى طورٍ آخر، إلى أن تصير عقلاً وعاقلاً ومعقولاً.
16ـ اتِّحاد العقل والعاقل والمعقول
أيضاً من نتائج وآثار مبحث أصالة الوجود واعتبارية الماهية مسألة اتحاد العقل والعاقل والمعقول، التي كان أول مَنْ شيَّدها فرفوريوس الصوري، والتي واجهَتْ ردّاً عنيفاً وشديد اللهجة من الشيخ الرئيس ابن سينا، حيث يقول في كتابه الإشارات والتنبيهات: «كان لهم رجلٌ يعرف بفرفوريوس، عمل في العقل والمعقولات كتاباً يُثني عليه المشّاؤون، وهو حشفٌ كلُّه، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم لا يفهمونه، ولا فرفوريوس نفسه…»([62]). لكن هذه النظرية حظيَتْ بالقبول والترحيب من الفيلسوف الملاّ صدرا الشيرازي&، ودافع عنها، وأقام عليها عدّة أدلّةٍ، وأسَّسها على عدّة أصول، من أهمها: الأوّل: أصالة الوجود واعتبارية الماهية؛ حيث إن هذا الأصل الأصيل سارٍ في جميع مسائل الحكمة المتعالية، وإن الوجود هو مبدأُ شخصية الموجود، ومنشأ ماهيته. والثاني: التشكيك في الوجود. وإن هذا الركن هو المقوّم الثاني لمدرسة الحكمة المتعالية، وإن الوجود مهما كان مشكّكاً، ومهما اشتدّ وضعف أو كمل أو نقص، يبقى الشخص هو هو، ويمثِّل الملاّ صدرا لذلك بمثالٍ كثيراً ما يستخدمه في أكثر كتبه، حيث يقول: انظر إلى الإنسان من مبدأ كونه نطفةً وجنيناً ثم إلى أن يصير عاقلاً ومعقولاً جَرَتْ علـيه أطوار ونشآت كثيرة ومتغيّرة، ومع ذلك تجد بقاء نحو وجوده وشخصيّته([63]). والأصل الثالث هو الحركة الجوهرية، وإن الحركة كما يمكن ويجوز أن تكون في الأعراض كذلك يجوز أن تكون في الجوهر، وهذا التبدُّل الوجودي يكون على نحو الاتصال التدريجي في نفس الصورة ووجودها.
ثمّ بعد أن مهّد هذه الأصول والمقدّمات، التي يعتمد عليها لإثبات مسألة اتحاد العقل والعاقل والمعقول، يفرض ثلاث فرضيات؛ اثنتان منها مستحيلة، وواحدة منها مقبولة، وهي كما يلي:
أـ أن يصير الوجودان للشيئين وجودٌ واحد، أو أن يتعدّد ثمّ يتّحد بموجودٍ. وهذا مستحيلٌ. وقد أثبت استحالته الشيخ الرئيس أيضاً.
ب ـ أن تصير ماهيّة من الماهيات أو معنى من المعاني ماهية أو معنى آخر بالحمل الأوّلي. وهذا أيضاً من الممتنعات؛ لان المفاهيم المتغايرة لا يمكن أن تصير مفهوماً واحداً، إلاّ أن يبطل وجود أحدها ويأتي وجود غيره.
ج ـ موجود تكون له ماهية ومعنى كلّي يصدق عليه بعدما لم يكن صادقاً عليه؛ لأنه وقع اشتدادٌ وتغيُّرٌ في وجوده، واستكمال حصل في هويّته، ولكنْ على نحو الاتصال المستمرّ الذي حصل في شخصيّته الواحدة. وهذا المعنى غير مستحيلٍ. وهذا واضح في المثال المتقدِّم؛ حيث إن الإنسان صورةٌ واحدة، اجتمعت فيه النطفة والجنين و…، إلى أن صار عاقلاً في هذا الوجود البسيط الذي هو الإنسان([64]).
17ـ حمل الحقيقة والرقيقة
حيث من خلال مسألة أصالة الوجود، ومبحث تشكيك الوجود، استفاد صدر المتألِّهين& نوعاً جديداً من الحمل، الذي يعتبر من إبداعاته وابتكاراته. ويفترق هذا الحمل عن الحمل الشائع بأن الثاني هو الذي يتَّحد به الموضوع والمحمول في الوجود الخارجي، ويختلفان في المفهوم. ومن خصائص هذا الحمل أيضاً أن المحمول والموضوع يتّحدان بكلا حيثيّتَيْهما: الإيجابية؛ والسلبية، فعندما نحمل الصاهلية على الفرس فالحيثية الإيجابية فيه بأنه حيوان صاهل، والحيثية السلبية فيه أنه ليس بإنسانٍ، ولا حجر، ولا شجر، ففي هذا الحمل تحمل كلا هاتين الحيثيتين على الموضوع. أما في حمل الحقيقة والرقيقة فالاتحاد بين الموضوع والمحمول في الوجود والاختلاف بالكمال والنقص، الذي هو في الوجود أيضاً بناءً على أصالته، والكمال والنقص بناءً على التشكيك. والخاصّية التي فيه أن الحمل فيه بالحيثية الإيجابية، دون الحيثية السلبية، فعندما تحمل الصاهلية على الفرس يكون الحمل مختصّاً بالحيثية الإيجابية فقط، دون الحيثية السلبية. واستفاد صدر المتألِّهين& من هذا الحمل كثيراً في فلسفته، حيث على الحمل الشائع لا يمكن حمل المعلول على العلّة، ولا يمكن العكس أيضاً. أما على حمل الحقيقة والرقيقة فيمكن؛ حيث تتّحد العلّة والمعلول في الوجود، وتختلف بأن المعلول يمثِّل رقيقة العلّة وأن العلّة تمثِّل حقيقة المعلول، وبأن المعلول له كمالٌ محدود وأن العلة لها الكمال التامّ، من دون أخذ الحيثية السلبية. ومن أهمّ تطبيقات هذا الحمل هو قاعدة بسيط الحقيقة كلّ الأشياء، وليس بشيء منها، وذلك عندما تحمل جميع الممكنات على الباري تعالى، فهو واجدٌ لكلّ الكمالات التي فيها بنحوٍ أعلى وأتمّ، ولكنْ ليس بكلا حيثيّاتها، كما هو بالحمل الشائع، بل فقط الحيثية الإيجابية، حتّى لا يلزم أخذ السلب والنقص في ذاته تعالى، لأن ذاته تعالى منزَّهة عن كلّ نقصٍ وعيبٍ، وهذا معنى انه ليس بشيءٍ منها. قال صدر المتألِّهين&، في كتابه الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة: «فكلّ بسيط حقيقة يجب أن يكون تمام كلّ شيءٍ، فواجب الوجود؛ لكونه بسيط الحقيقة، فهذا تمام كلّ الأشياء على وجهٍ أشرف وألطف، ولا يسلب عنه شيءٌ إلاّ النقائص والإمكانات والأعدام والمَلَكات. وإذ هو تمام كلّ شيء، وتمام الشيء أحقّ بذلك الشيء من نفسه، فهو أحقُّ من كلّ حقيقةٍ بأن يكون هو هو بعينها من نفس تلك الحقيقة، بأن يصدق على نفسها، فأتقِنْ ذلك وكُنْ من الشاكرين»([65]).
18ـ علم العلّة بنفسها وبمعلولها، وعلم المعلول بها
ومن إبداعات الحكمة المتعالية التي لا يمكن أن تكون على مبنى أصالة الماهية؛ لأن الماهيات هي المتحقِّقة في الخارج، وأيضاً لا يصحّ على مباني الحكمة المشّائية، حيث ذهبت المدرسة المشّائية إلى علم الشيء بنفسه بالعلم الحضوري. أما الحكمة المتعالية فعمَّمت ذلك، وقالت بعلم العلّة بنفسها وبمعلولها، وعلم المعلول بالعلّة لكنْ بحدّه، كلّ ذلك من خلال العلم الحضوري. والذي جعل المدرسة المشّائية تقول بذلك أن مبناهم هو تباين الوجودات الخارجية، فالمعلول وجود مستقلّ مباينٌ لعلته، فلا يعقل أن يعلم بالعلم الحضوري. أما المدرسة المتعالية فذهبت إلى ذلك لأنها تقول بأصالة الوجود، وأن الوجود وجودٌ رابط عين الفقر بعلّته، فوجوده مندكّ ومتعلّق بعلّته، وبما أن العلة عالمة بنفسها فهي عالمة بمعلولها؛ لأنه غير مستقلّ عنها، وأيضاً المعلول يعلم بعلّته لأنه عين الربط بها، لكن علمه محدودٌ بقدره وحده([66]).
ب ـ في الإلهيّات بالمعنى الأخصّ
1ـ تقريرٌ جديد لبرهان الصِّدِّيقين
من النتائج المهمّة لأصالة الوجود، التي استفاد منها الملاّ صدرا& في مبحث الإلهيّات بالمعنى الأخصّ، وبالخصوص في إثبات الواجب تعالى برهان الصدِّيقين، حيث إن هذا البرهان قرّر بتقريراتٍ عديدة، أحصاها الميرزا مهدي الآشتياني& في تعليقة على كتاب المنظومة بتسعة عشر تقريراً([67])، ومن أهمّها: ما قرَّره الشيخ الرئيس أبو عليّ ابن سينا& في كتبه، كالمبدأ والمعاد([68]) والنجاة([69]) والإشارات والتنبيهات، حيث يقول: «تأمَّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأوّل ووحدانيّته، وبراءته عن الصمات، إلى تأمُّلٍ لغير الوجود نفسه، ولم يحتَجْ إلى اعتبارٍ من خلقه وفعله، وإنْ كان ذلك دليلاً عليه. لكنّ هذا الباب أوثق وأشرف؛ أي إذا اعتبرنا حال الوجود يشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود»([70]).
وتفصيل هذا البرهان يكون على شكل المقدّمات التالية:
أـ الإذعان بأن هناك واقعيّة ووجود. وهذا في مقابل السفسطائي.
ب ـ الموجود بالنظرة إلى ذاته إما واجب؛ وإما ممكن؛ لانحصار الموادّ في ثلاث، وأما العدم فهو خارج تخصُّصاً؛ لأن فرض المسألة الشيء الموجود، والوجود نقيض العدم وطاردٌ له.
ج ـ الممكن في ذاته يستحيل أن يوجد نفسه، ولا بُدَّ من وجوده من غيره.
د ـ العلة لا تخلو؛ إما واجبة الوجود بالذات (ثبت المطلوب)؛ أو ممكنة الوجود بالذات، فتكون معلولةً لغيرها، وننقل الكلام لهذا الغير، فيلزم إما الدَّوْر أو التسلسل.
هـ ـ إبطال الدَّوْر والتسلسل([71]).
وقد لخّص هذا البرهان الخواجة الطوسي&، شارح كتاب الإشارات والتنبيهات، في كتابة تجريد الاعتقاد، بعبارةٍ موجزة ومختصرة، حيث قال: «الموجود إنْ كان واجباً (فهو المطلوب)؛ وإلا استلزمه؛ لاستحالة الدَّوْر والتسلسل»([72]).
والملاّ صدرا& يستفيد من الأصول التي حقَّقها وشيَّد بها مدرسة الحكمة المتعالية؛ لتقرير هذا البرهان بتقريرٍ آخر، يخالف به الشيخ الرئيس ابن سينا&؛ لأن برهان الشيخ كما تقدَّم يعتمد على إبطال الدَّوْر والتسلسل، أما الملاّ صدرا فيعتقد بأن الصدِّيقين يستدلّون من ذاته على ذاته، لا يحتاجون إلى شيءٍ غيره من إبطال الدَّوْر والتسلسل، بل ذاته كافيةٌ في إثبات ذاته، حيث يقول في كتابه الحكمة المتعالية: «فهذا المنهج الذي سلكناه أسدّ المناهج وأشرفها وأبسطها؛ حيث لا يحتاج السالك إياه في معرفة ذاته تعالى وصفاته وأفعاله إلى توسّط شيءٍ من غيره، ولا إلى الاستعانة بإبطال الدَّوْر والتسلسل، فبذاته تعالى يُعْرَف ذاته ووحدانيّته: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ…﴾ (آل عمران: 18)، ويُعْرَف غيره: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصِّلت: 53)»([73]).
وتقرير البرهان على طريقة الملاّ صدرا& من خلال الأصول التالية:
أـ اصالة الوجود.
ب ـ التشكيك في الوجود.
ج ـ بساطة الوجود.
د ـ إن المعلول عين الربط والحاجة إلى العلة.
من خلال هذه المقدّمات يمكن تقرير برهان الملاّ صدر&، من دون الحاجة إلى إبطال الدَّوْر والتسلسل على النحو التالي: إن الوجود هو الأصيل، وهو الذي يملأ الواقع، وإنه مشكّك، وله حاشيتان: الأولى: تتمثَّل في الموجود التامّ الكامل الذي لا يتصوَّر أكمل منه؛ والثانية: تتصوّر بالموجود الناقص المعلول، وإن المعلول عين الربط والتعلّق بالعلة. فالوجود إما مستغنٍ عن غيره وإما محتاجٌ إلى غيره، فالأول هو الواجب تعالى، والثاني هي ما سواه من المعلولات والممكنات. وبعبارةٍ أخرى: لو نظرنا الى أيّ موجودٍ في الخارج فهو إما غنيٌّ عن العلة فيثبت المطلوب، وإما أن يكون ممكن الوجود فقيراً فيحتاج إلى غنيٍّ يوجده، وهو المطلوب([74]).
2ـ نفي التناسخ
من المسائل المهمّة التي بحثها صدر المتألِّهين& في المعاد هي ردّ شبهة التناسخ، حيث يعتقد التناسخية بعود النفس إلى البدن مرّةً أخرى، وأجاب عنها الملاّ صدرا& من خلال عدّة مقدمات، وهي: إن الوجود أصيلٌ، وهو واحدٌ مشكِّك، له مراتب طولية، وتختلف بالشدّة والضعف، وهذه المراتب يطويها الإنسان من خلال الحركة الجوهرية، حيث يخرج من الضعف إلى الشدّة، ومن القوة إلى الفعل، فلو وصلت النفس إلى مرتبةٍ معينة من الكمال، وكان هذا الكمال فيها بالفعل، وأرادت أن تتعلّق ببدنٍ آخر هو بالقوّة، يلزم أن يكون أحدهما بالفعل والآخر بالقوة، وهو ممتنعٌ([75]).
3ـ الإجابة عن شبهة ابن كَمُّونة
ومن النتائج أيضاً لأصالة الوجود، التي استفاد منها المرحوم الملاّ صدرا& في إثبات توحيده تعالى، دفع الشبهة التي سُمِّيت بافتخار الشياطين، المنسوبة لابن كمّونة. وسمِّيَتْ باسمه لأنه أفضل مَنْ قام بتقريرها وتحريرها، وإلاّ فهو من تلاميذ الشيخ السهروردي شيخ الإشراق&، وشارح بعض كتبه، وقد ذكرها الشيخ السهروردي في كتبه([76])، وكذلك ذكر المحقِّق الميرداماد& في كتابه القدّيسات أنها كانت موجودةً قديماً، حيث يقول: «وهذا الإعضال ـ يعني الشبهة المذكورة ـ معزى على ألسن هؤلاء المحدثة إلى رجلٍ من المتفلسفين المحدثين يُعْرَف بابن كمّونة، لكنّه ليس أوّل مَنْ اعتراه هذا التشكيك، كيف والأقدمون، كالعاقبين، قد وكَّدوا القضيّة عنه، وبذلوا مجهودهم في سبيل ذلك، قروناً ودهوراً»([77]).
وحاصل هذه الشبهة التي أشكلت على برهان الفلاسفة لإثبات التوحيد الذاتي هو: لِمَ لا يجوز أن تكون ماهيتان بسيطتان، مجهولتا الكُنْه، متباينتان بتمام الذات، ويكون كلٌّ منهما واجب الوجود بذاته، ويحمل عليهما مفهوم واجب الوجود، الذي هو منتزع منهما، حملاً عرضياً؟!([78]).
وأجاب الملاّ صدرا&بأن هذه الشبهة تأتي بشكلٍ جادّ وقويّ على مبنى أصالة الماهية، حيث يقول&، في كتابه الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة: «هذه الشبهة شديدة الورود على أسلوب المتأخِّرين القائلين باعتبارية الوجود، حيث إنّ الأمر المشترك بين الموجودات عندهم ليس إلاّ هذا الأمر العامّ الانتزاعي، وليس للوجود المشترك فردٌ حقيقيّ عندهم، لا في الواجب، ولا في الممكن. وإطلاق الوجود الخاصّ على الواجب عندهم ليس إلاّ بضربٍ من الاصطلاح، حيث أطلقوا هذا اللفظ على أمرٍ مجهول الكُنْه»([79]). وكذلك تأتي على مبنى الحكمة المشّائية القائلين بأصالة الوجود، وإن الوجودات حقائق متباينة بتمام الذات؛ لأنه على هذا المبنى يمكن فرض واجبين متباينين بتمام الذات، وينتزع منهما مفهوم واجب الوجود، ويحمل عليهما([80]). وأجاب الملاّ صدرا بأن مبنى أصالة الماهية باطلٌ، وإن الأصالة للوجود؛ وكذلك أبطل مبنى الحكمة المشّائية القائلين بالوجودات المتباينة، من خلال برهانه المعروف الذي ذكره في كتبه المتعدّدة، حيث إن الوجودات متباينة بتمام الذات، وإن مفهوم الوجود الواحد منتزعٌ منها، فيلزم انتزاع المفهوم الواحد من المصاديق المتباينة بما هي متباينة، وهو محالٌ([81]). أما على مبنى الحكمة المتعالية فالشبهة خارجةٌ تخصُّصاً وموضوعاً، لأنه على مبنى أصالة الوجود الوجودات ليس متباينة، بل الوجود واحدٌ مشكّك، فلو فرضنا واجبين بالذات فلا بُدَّ من جهة اشتراكٍ وجهة اختلافٍ وتمايزٍ، وجهة الاشتراك هي وجوب الوجود، وحيث إن جهة الاشتراك ـ وجوب الوجود ـ ذاتيّة فلا بُدَّ أن تكون جهة الامتياز ذاتية، وإذا كانت جهة الامتياز ذاتيّة يستلزم تركُّب الواجب، والتركيب ينافي بساطة الواجب، وينافي وجوب الوجود([82]).
4ـ نفي الثابتات الأزليّة للمعتزلة
نسب إلى المعتزلة أن للماهيات الممكنة المعدومة شيئية في العدم، وهذا ما يصطلح علية بالثابتات الأزلية([83]). والغاية من قولهم أنهم أرادوا تفسير وتصحيح علم الله تعالى قبل الإيجاد؛ لأن العلم عندهم تابعٌ للمعلوم، فإذا قالوا: إن الله تعالى يعلم بالأشياء قبل الإيجاد يلزم من ذلك أن الأشياء قديمة بقِدَم الواجب تعالى، وليست حادثة؛ وإذا قالوا: إن الأشياء غير معلومة للواجب تعالى قبل الإيجاد يلزم أن الله تعالى غير عالمٍ بها، وهذا جهلٌ، والجهل محالٌ في ساحته تعالى، فقالوا: إن للماهيات ثبوتاً عينيّاً في العدم، فجعلوا الثبوت أعمّ من الوجود، فيكون للماهيات ثبوتٌ خارجي قبل وجودها. وجواب الملاّ صدرا الشيرازي& متفرِّعٌ على أصالة الوجود، وبأن الثبوت والشيئية مساوقٌ للوجود، فما لا وجود له لا ثبوت ولا شيئية له([84])، قال صدر المتألِّهين الشيرازي&: «وأمّا مذهب المعتزلة القائلين بأنّ المعدوم شيءٌ، وأنّ المعدومات في حال عدمها منفكّةٌ عن الوجود، متميِّزةٌ بعضها عن بعضٍ، وأنّه مناطُ علم الله تعالى بالحوادث في الأزل، فهو عند العقلاء من سخيف القول وباطل الرأي، والكتب الكلاميّة والحكميّة متكفِّلةٌ بإبطال شيئيّة المعدوم وما يجري مجراه من هوساتهم»([85]).
5ـ الأعيان الثابتة
استفاد بعض المحقِّقين من مسألة أصالة الوجود واعتبارية الماهية إبطال الأعيان الثابتة؛ لأن الأعيان الثابتة هي الماهيات الثابتة في الوجود العلمي للباري تعالى، والتي تكون فيها الممكنات المعدومة ثابتةً. وإن هذا الثبوت للماهيات هو ثبوتٌ علمي، وليس ثبوتاً خارجيّاً كما هو في الثابتات الأزلية للمعتزلة. وهذا القول كسابقه يريد أن يصحِّح علمه تعالى بالأشياء قبل الإيجاد. وهؤلاء الأعلام لا يقبلون هذا الرأي؛ إذ إن أصالة الوجود واعتبارية الماهية تنفي أيّ ثبوتٍ للماهيات ـ عينيّ أو علميّ ـ قبل وجودها وثبوتها([86]).
ولكنّ الصحيح، كما هو مستفادٌ من كلمات صدر المتألِّهين الشيرازي& وكلمات العرفاء، أن الأعيان الثابتة، التي تُعرَّف بأنها «لوازم الأسماء ومظاهرها وصورها التي تظهر في التعيُّن الثاني، فإنّ الحقّ تعالى عندما يظهر في الأسماء تسطع تلك الأسماء فتظهر الأعيان الثابتة، فلكلّ اسمٍ من الأسماء مظهره الخاصّ به، وهذا المظهر هو العين الثابتة لذلك الاسم»([87])، موجودةٌ منذ الأزل بوجوده تعالى؛ لأنها لوازم الأسماء الإلهية؛ لأن وجود الحقّ وصفاته وأسمائه ولوازم أسمائه ـ الأعيان الثابتة ـ موجودةٌ بوجودٍ واحد بسيط. وعندما يقول العرفاء: إنها معدومةٌ لا يقصدون العدم المطلق، بل يقصدون أنه ليس لها وجودٌ خاص منحازٌ خارجي، وبعبارةٍ أخرى: عندما يقولون: إنها ما شمّت رائحة الوجود الخارجي يقصدون به أنه ليس لها منذ الأزل هذا الوجود الحادث، وبعبارةٍ ثالثةٍ واضحة وجليّة: إن للأعيان الثابتة اعتبارين: الاعتبار الأوّل: مباينتها للوجود الحقّ، وبهذا الاعتبار لا تكون مجعولةً، ولا معقولةً؛ لأن المباين للوجود عدمٌ صرف؛ والاعتبار الثاني: عدم مباينتها للوجود الحقّ، فهي موجودةٌ بوجود العالم بها، وأيضاً هي لا مجعولة، ولا معلولة؛ لأن الجعل والمعلولية مبنيان على المباينة، وهي غير مباينة للوجود الحقّ، ولكنها معقولةٌ؛ لان المعقولية متَّحدة مع العالم بها، بناءً على اتحاد العقل والعاقل والمعقول. وأيضاً إن الجعل والمعلولية عند العرفاء متعلّقٌ بالأمور الخارجة عن الذات والصقع الربوبي، والأسماء الإلهية ولوازمها، التي هي الأعيان الثابتة، واقعة في ضمن ومحيط الصقع الربوبي، فلا جعل، ولا معلولية، بل معقوليّة فقط. وهذا لا تنفيه أدلة أصالة الوجود واعتبارية الماهية، حيث يقول صدر المتألِّهين الشيرازي: «إنّ الذي أُقيم البرهان على استحالته هو ثبوت الماهيّة مجرّدةً عن الوجود أصلاً، سواء كان وجوداً تفصيليّاً أو إجماليّاً، وأمّا ثبوتها قبل هذا الموجود الخاصّ ـ الذي به تصير أمراً متحصِّلاً بالفعل متميِّزاً عمّا سواها ـ فلا استحالة فيه»([88]).
نتائج مستفادة
1ـ إن مسألة أصالة الوجود هي الركن الركين في الحكمة المتعالية، حيث شيَّد صدر المتألِّهين& من خلالها أكثر مباحث الحكمة المتعالية.
2ـ من النتائج المهمّة لأصالة الوجود أن الوجود لا يُعرَّف بحدٍّ، ولا رسم.
3ـ من نتائج مبحث أصالة الوجود أن الوجود عين التشخُّص.
4ـ من مسألة أصالة الوجود نستفيد التشكيك الخاصّي.
5ـ الحمل على الماهية لا يكون إلا بالوجود.
6ـ نستفيد من مبحث أصالة الوجود الجواب عن قاعدة الفرعية.
7ـ من خلال مبحث أصالة الوجود ننفي كثيراً من الأحكام عن الوجود، كأحكام الماهية، والجوهرية والعرضية، والضدّ والمثل، والسبب للوجود، والجزئية للوجود، والأفراد للوجود.
8ـ نستفيد من مبحث أصالة الوجود أن الكلِّية للوجود هي الكلِّية السعية الوجودية، وليست الكلِّية المفهومية.
9ـ من خلال مبحث أصالة الوجود نصل إلى أن الإمكان الذي هو مناط الحاجة ليس هو الإمكان الماهوي، بل هو الإمكان الوجودي الفقري.
10ـ الجعل على مبنى أصالة الوجود يكون للوجود، لا للماهية، ولا للصيرورة.
11ـ من خلال أصالة الوجود نستفيد أن جميع صفات الوجود، كالعلم والقدرة والحياة وغيرها، هي عين الوجود.
12ـ من نتائج أصالة الوجود أن حمل الوجود على الماهية من باب عكس الحمل.
13ـ من خلال مبحث أصالة الوجود نستفيد جواباً جديد لاستحالة التسلسل، يختلف عن أجوبة المشهور.
14ـ علاقة المعلول بالعلة على مبنى أصالة الوجود يختلف عن مبنى المشهور.
15ـ من أهمّ النتائج المترتِّبة على أصالة الوجود هي الحركة الجوهرية.
16ـ من خلال مبحث أصالة الوجود نستفيد نتيجةً مهمّة في علم النفس، وهي أن النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء.
17ـ من خلال مبحث أصالة الوجود يمكننا القول باتحاد العقل والعاقل والمعقول.
18ـ من خلال مبحث أصالة الوجود ابتكر صدر المتألِّهين الشيرازي& حمل الحقيقة والرقيقة.
19ـ استفاد صدر المتألِّهين& من مبحث أصالة الوجود بأن العلّة تعلم بنفسها وبمعلولها، وأيضاً معلولها يعلم بها.
20ـ استفاد صدرا المتألهين& من مبحث أصالة الوجود نتائج مهمّة في الإلهيات بالمعنى الأخصّ، كتقريرٍ جديد لبرهان الصدِّيقين، ونفي التناسخ، والجواب عن شبهة ابن كمّونة، ونفي الثابتات الأزلية للمعتزلة، والأعيان الثابتة.
الهوامش
(*) طالبٌ وباحثٌ في الحوزة العلميّة، متخصِّصٌ في الفلسفة الإسلاميّة. من العراق.
([1]) محسن الأمين، أعيان الشيعة 9: 321.
([2]) مجموعة مؤلِّفين، المعجم الوسيط 1: 20.
([3]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 41؛ عبد الله الأسعد، بحوث في علم النفس الفلسفي: 77.
([4]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 41؛ عبد الله الأسعد، بحوث في علم النفس الفلسفي: 77.
([5]) غلام رضا الفيّاضي، تصحيح وتعليق على بداية الحكمة 1: 33، محمد مهدي نبويان، جستارهاي در فلسفه إسلامي 1: 175.
([6]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية: 19.
([7]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، كتاب المشاعر: 4.
([8]) أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة 3: 2164؛ جبران مسعود، معجم الرائد، باب النون: 785.
([9]) علي بن محمد الجرجاني، التعريفات: 176، 210،
([10]) علي بن محمد الجرجاني، التعريفات 1: 181، محمد رضا المظفَّر، منطق المظفَّر: 235.
([11]) محمد رضا المظفَّر، المنطق: 237.
([12]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية 1: 10؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 82؛ علي أسعد الحلباوي، أصالة الوجود: 14.
([13]) جميل صليبا، المعجم الفلسفي 1: 689.
([15]) حسين بن عبد الله ابن سينا، النجاة: 11، 12.
([16]) جميل صليبا، المعجم الفلسفي 1: 345.
([17]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية 1: 10.
([18]) انظر: جعفر الحكيم، جدلية الوجود والماهية: 183؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 85، الحاشية رقم 1؛ عبد الله الأسعد، بحوث في علم النفس الفلسفي: 80.
([19]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 71.
([20]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 47؛ وانظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، أسرار الآيات: 26، 32، 43، 38.
([21]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 53.
([22]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة 1: 43.
([23]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة 1: 43، الحاشية رقم 4.
([27]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية 1: 11؛ الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة 1، 56؛ 3: 248؛ 6: 48.
([28]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الاسفار الأربعة 1: 332.
([29]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية 1: 6؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 59؛ جعفر الحكيم، جدلية الوجود والماهية: 159.
([30]) حسين بن عبد الله ابن سينا، شرح الإشارات والتنبيهات 3: 64؛ محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 106.
([31]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 106.
([32]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 59.
([33]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 353، الحاشية رقم 1.
([34]) حسين بن عبد الله ابن سينا، شرح الإشارات والتنبيهات 3: 65؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 63.
([35]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 343، حسين بن عبد الله ابن سينا، شرح الإشارات والتنبيهات 3: 65.
([36]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 343؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 63؛ كمال الحيدري، دروس في الحكمة المتعالية 1: 268.
([37]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 31، التعليقة رقم 2؛ محمد مهدي نبويان، جستارهايي در فلسفه إسلامي (مشتمل بر آراء اختصاصي آيت الله فيّاضي) 1: 132.
([38]) انظر: عبد الله جوادي الآملي، رحيق مختوم (شرح الحكمة المتعالية) 1: 229؛ شرح الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة 6 (القسم الأول): 192؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 15، 16، تعليقة رقم 4.
([39]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 63؛ جعفر الحكيم، جدلية الوجود والماهية: 172.
([40]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 63؛ جعفر الحكيم، جدلية الوجود والماهية: 172.
([41]) انظر: كمال الحيدري، دروس في الحكمة المتعالية 1: 268؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 83، 84.
([42]) علي بن محمد بن تركة، التمهيد في شرح قواعد التوحيد: 262، 272.
([43]) محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 192.
([45]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 86، 192، 194، 412؛ 2: 383؛ 3: 249؛ الشواهد الربوبية: 48، 96؛ عبد الله جوادي الآملي، شرح الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة 6 (القسم الأوّل): 115، 116؛ محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 177.
([46]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 412.
([47]) انظر: عبد الرسول عبوديت، النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية 1: 158؛ نزيه عبد الله الحسن، فلسفة صدر الدين الشيرازي: 149.
([48]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الرسائل الفلسفية 1: 286؛ الحكمة المتعالية في شرح الأسفار الأربعة 1: 414؛ سه رسائل فلسفي (ثلاث رسائل فلسفية): 197.
([49]) انظر: جعفر الحكيم، جدلية الوجود والماهية: 174.
([50]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، بداية الحكمة: 17.
([51]) علي الرباني الگلپايگاني، محاضرات في الإلهيات: 26.
([52]) انظر: حسين بن عبد الله ابن سينا، الشفاء (الإلهيات): 343 ـ 344.
([53]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 3: 648، 649.
([54]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 133، 223؛ 4: 1126.
([56]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 3: 803.
([57]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الشواهد الربوبية في المناهج السلوكية 2: 395.
([58]) انظر: نزيه عبد الله الحسن، فلسفة صدر الدين الشيرازي: 188؛ كمال عبد الكريم الشبلي، أصالة الوجود عند الشيرازي (من مركزية الفكر الماهوي إلى مركزية الفكر الوجودي): 159؛ خليل رزق، فلسفة صدر المتألهين: 158.
([59]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 3: 69.
([60]) انظر: عبد الله الأسعد، بحوث في علم النفس الفلسفي: 75.
([61]) انظر: المصدر السابق: 76.
([62]) حسين بن عبد الله ابن سينا، شرح الإشارات والتنبيهات 3: 295.
([63]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 280؛ مجموعة الرسائل الفلسفية: 144.
([64]) انظر: حسن زادة الآملي، اتحاد العقل والعاقل والمعقول: 151؛ محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 280؛ مجموعة الرسائل الفلسفية: 144؛ عبد الله الأسعد، بحوث في علم النفس الفلسفي: 81.
([65]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6، 114. وانظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 2: 93؛ 3: 303؛ 7: 2.
([66]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 4: 1013؛ كمال الحيدري، شرح نهاية الحكمة 10: 405.
([67]) انظر: مهدي الآشتياني، تعليقة على المنظومة: 488 ـ 497.
([68]) حسين بن عبد الله ابن سينا، المبدأ والمعاد: 22 ـ 34.
([69]) حسين بن عبد الله ابن سينا، النجاة، المقالة الثانية.
([70]) حسين بن عبد الله ابن سينا، الإشارات والتنبيهات 3: 54.
([71]) انظر: علي رباني الگلپايگاني، إيضاح المراد في شرح كشف المراد: 28.
([72]) حسن بن يوسف الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، 391.
([73]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 24.
([74]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 24، محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 17: 33، علي حمود العبادي، أصول الدين في تفسير الميزان 1: 27.
([75]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 4: 2، 3، شاكر عطية الساعدي، المعاد الجسماني: 135.
([76]) غياث الدين منصور الدشتكي، إشراق هياكل النور لكشف ظلمات شواكل الغرور: 176.
([77]) محمد باقر الميرداماد، مجموعة مصنَّفات الميرداماد: 115؛ هادي السبزواري، شرح المنظومة 3: 514.
([78]) انظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 132؛ 6: 58؛ محمد حسين الطباطبائي، بداية الحكمة: 196؛ نهاية الحكمة 4: 1086؛ كمال الحيدري، شرح نهاية الحكمة 11: 253.
([79]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 58.
([80]) المصدر السابق 6: 58، الحاشية رقم 3.
([81]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، بداية الحكمة: 16.
([82]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 1: 133؛ 6: 60.
([83]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 78؛ 4: 1135
([84]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 1: 78؛ 4: 1135؛ كمال الحيدري، شرح نهاية الحكمة 12: 32.
([85]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 182.
([86]) انظر: محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة 4، 1136؛ هادي السبزواري، شرح المنظومة 3: 573.
([87]) محمد بن داوود القيصري، شرح فصوص الحكم (بتعليقة الآشتياني): 47.
([88]) محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 187؛ وانظر: محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة 6: 181، 182؛ محمد بن إسحاق القونوي، إعجاز البيان في تأويل أمّ القرآن: 47؛ محمد بن داوود القيصري، شرح فصوص الحكم 1: 81؛ كمال الحيدري، دروس عرفانية في تحرير تمهيد القواعد: 122؛ شرح نهاية الحكمة 12: 28.