الشيخ عيسى محسني(*)
د. الشيخ محمد هادي المنصوري(**)
مقدمةٌ
إنّ من الواقع الذي لا غبار عليه اهتمامَ المسلمين بالقرآن الكريم، تدويناً وقراءةً وحفظاً في الصدور، وبحثاً وتحليلاً، وتعلُّماً وتعليماً، فهو كتاب الله سبحانه وتعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد تكفّل الله سبحانه وتعالى بذلك، حيث قال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُون﴾ (الحجر: 9)، وهو ذكر وهدى ونور، فمَنْ تمسك به وبعِدْله آل محمد| لن يضلّ أبداً.
ومن هذا المنطلق يأتي بحثنا في هذه المسألة القرآنية، وهي توقيفية ترتيب الآيات الكريمة أو عدم توقيفيّتها.
والمعروف بين المحدِّثين والمفسِّرين الإماميّة، كالشيخ الصدوق والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والسيد ابن طاووس والسيد الخوئي، أنّ ترتيب الآيات توقيفيٌّ، قام به النبيّ|، بأمرٍ وتوجيهٍ من الله تعالى، فبقي ذلك الترتيب، وتداولته الأجيال المتعاقبة، إلى أن وصل إلينا. وكانت الآيات ولا زالت تطبع وتستنسخ بالترتيب الذي رتّبه النبيّ|، ولم يتدخّل أحدٌ من الأصحاب في ذلك.
قال السيد المرتضى في الذخيرة: «إنّ القرآن كان على عهد النبيّ| مجموعاً مؤلَّفاً على ما هو عليه… وإنّ مَنْ يخالف هذا الباب من الإمامية والحَشْوية لا يُعتَدّ بخلافهم»([1]).
وصرَّح الزركشي والسيوطي، من العامّة، بعدم وجود الخلاف في ذلك. قال السيوطي في الإتقان: «الإجماع والنصوص المترادفة على أنّ ترتيب الآيات توقيفيٌّ، لا شبهة في ذلك»([2]).
وخالف في ذلك العلاّمة الطباطبائي ـ وبعض مَنْ سبقه، كعليّ بن إبراهيم القمّي والفيض الكاشاني والمحدِّث البحراني ـ فذهب إلى عدم توقيفيّة ترتيب الآيات، وقال&: «إنّ وقوع بعض الآيات القرآنية التي نزلت متفرّقة موقعها الذي هي فيه الآن لم يَخْلُ عن مداخلةٍ من الصحابة بالاجتهاد، كما هو ظاهر روايات الجمع الأوّل، وقد تقدَّمَتْ»([3]). وقد أصرّ في تفسيره على هذا القول، واستدلّ على تضعيف القول الآخر بالأدلة والشواهد الروائية والتاريخية.
وما نريده في هذا المقال هو استعراض ومناقشة ما استدلّ به العلاّمة على عدم توقيفية ترتيب الآيات القرآنية أوّلاً؛ وذكر الأدلّة التي يمكن أن يستدلّ بها على توقيفية ترتيب الآيات القرآنية ثانياً.
وعلى هذا تكون دراستنا لهذا الموضوع في محورَيْن:
المحور الأوّل: عدم التوقيفيّة، الأدلّة والمناقشات
الدليل الأوّل: الروايات
استدلّ العلاّمة الطباطبائي([4]) بثلاث طوائف من الروايات؛ لإثبات عدم توقيفية الآيات القرآنية، وهي:
1ـ روايات جمع القرآن
قال: جاء في تاريخ اليعقوبي: قال عمر بن الخطّاب لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، إن حَمَلة القرآن قد قُتل أكثرهم يوم اليمامة، فلو جمعْتَ القرآن؛ فإني أخاف عليه أن يذهب حَمَلته، فقال له أبو بكر: أفعل ما لم يفعله رسول الله؟! فلم يَزَلْ به عمر حتّى جمعه وكتبه في صحفٍ، وكان مفرَّقاً في الجريد وغيرها([5]).
وفي تاريخ أبي الفداء: وقتل في قتال مسيلمة جماعةٌ من القرّاء، من المهاجرين والأنصار. ولما رأى أبو بكر كثرة مَنْ قُتِل أمر بجمع القرآن من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود، وترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر، زوج النبيّﷺ. انتهى([6]).
وعن ابن أبي داوود، من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: «قدم عمر فقال: مَنْ كان تلقّى من رسول اللهﷺ شيئاً من القرآن فليأْتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب. وكان لا يقبل من أحدٍ شيئاً حتّى يشهد شهيدان»([7]).
وعنه أيضاً، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه ـ وفي الطريق انقطاعٌ ـ، أن أبا بكرٍ قال لعمر ولزيد: «اقعدوا على باب المسجد فمَنْ جاءكما بشاهدَيْن على شيءٍ من كتاب الله فاكتباه»([8]).
وفي الإتقان عن ابن أشتة، في المصاحف، عن الليث بن سعد قال: «أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد. وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آيةً إلاّ بشاهدَيْ عدلٍ. وإن آخر سورة براءة لم يوجد إلاّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت فقال: اكتبوها؛ فإن رسول اللهﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب. وإنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها؛ لأنه كان وحده»([9]).
وعن ابن أبي داوود، في المصاحف، من طريق محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: «أتاني الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة، فقال: أشهد أنّي سمعتُهما من رسول اللهﷺ، ووعَيْتهما، فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتُهما، ثمّ قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتُها سورةً على حِدَةٍ، فانظروا آخر سورةٍ من القرآن فألحقوها في آخرها»([10]).
وغيرها من الروايات، التي سمّاها العلامة بروايات الجمع الأوّل.
وهي صريحةٌ في أنّ جمع القرآن كان في زمن الصحابة، ولذلك استدلّ بها على عدم توقيفيّة ترتيب آيات القرآن([11]).
وسنذكر الملاحظات التي تَرِدُ على هذه الروايات والاستدلال بها فيما بعد.
مناقشةٌ وردّ
أـ الضعف السنديّ
إنّ هذه الطائفة من الروايات غير تامّةٍ سنداً؛ ولا تفيد علماً؛ إذ إنها ليست متواترةً، لا لفظاً ولا معنى، بل هي أخبار آحادٍ([12]).
ب ـ التناقض الداخلي
فإنّها من حيث المتن أخبارٌ متناقضة، لا يمكن الاعتماد عليها:
فبعضها ظاهرة في أنّ الجمع كان في زمن عثمان، كرواية ابن شهاب أنّ أنس بن مالك حدَّثه فقال: إنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك، فأرسلَتْ بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كلّ أفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحرق([13]).
وبعضها الآخر صريحةٌ في أنّه حصل في عهد أبي بكر، بعدما أشار إليه عمر بن الخطّاب من قتل كثيرٍ من القرّاء وحَمَلة القرآن يوم اليمامة. وقد مرّ ذكر بعض تلك الأخبار.
وبعضها ذكرَتْ أنّه حصل ذلك في زمن عمر بن الخطّاب، فقد كتب مصاحف أربعة، فأرسل واحداً إلى البصرة والثاني إلى الشام والثالث إلى الكوفة والرابع إلى الحجاز. وقد جاء عن أبي إسحاق، عن بعض الصحابة قال: لما جمع عمر بن الخطّاب المصحف سأل: مَنْ أعرب الناس؟ قيل: سعيد بن العاص، فقال: مَنْ أكتب الناس؟ فقيل: زيد بن ثابت، قال: فليُمْلِ سعيد، وليكتب زيدٌ، فكتبوا مصاحف أربعة، فأنفذ مصحفاً منها إلى الكوفة، ومصحفاً إلى البصرة، ومصحفاً إلى الشام، ومصحفاً إلى الحجاز([14]).
وعلى هذا الأساس لا يمكن الاعتماد والأخذ بهذه الروايات؛ فإنّ التعارض القائم بينها يسقطها عن الاعتبار والاحتجاج بها([15]).
ج ـ وجود المعارِض
وهو ما جاء عن أهل بيت العصمة^، بل الروايات المستفيضة الأخرى، التي وردت عن طريق العامّة، تؤكِّد أنّ القرآن كُتب في عهد النبيّ|، ومنها:
1ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم، بسنده إلى أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله× قال: إنّ رسول الله| قال لعليٍّ×: القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه، ولا تضيِّعوه كما ضيَّع اليهود التوراة»([16]).
2ـ ما رواه أبو رافع، من أنّ النبيّ| ـ في مرضه الذي توفي فيه ـ قال لعليٍّ: يا عليّ، هذا كتاب الله خُذْه إليك، فجمعه عليٌّ في ثوبٍ، ومضى إلى منزله. فلمّا قبض النبيّ| جلس عليٌّ، فألَّفَه كما أنزل الله، وكان به عالماً([17]).
3ـ ما رواه زيد بن ثابت قال: «كنّا عند رسول الله| نؤلِّف القرآن من الرقاع»([18]).
قال الحاكم: «هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه». والرقاع جمع رقعة، فقد تكون من جلدٍ أو ورقٍ أو كاغذٍ، وهي تشعرنا بوجود نوعٍ من أدوات الكتابة المتيسِّرة لكتّاب الوَحْي عند رسول الله|، ومعنى ذلك أنّ ترتيب الآيات كان وفق إشارة النبيّ|، وبإرشادٍ من أمين الوَحْي جبريل×([19]).
4ـ ما رُوي عن ابن عبّاس، من أن الرجل المسلم كان يأتي بالورق إلى النبيّ|، فيأمر النبيّ الصحابة فينسخوا له القرآن. فعن جعفر بن محمد بن عليّ، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن ابن عبّاس قال: كانت المصاحف لا تُباع، كان الرجل يأتي بورقه عند النبيّﷺ، فيقوم الرجل، فيحتسب، فيكتب، ثمّ يقوم آخر فيكتب، حتّى يفرغ من المصحف([20]).
5ـ ما رُوي عن زيد بن ثابت أنه قال: كنتُ أكتب الوَحْي عند رسول اللهﷺ، وهو يملي عليَّ… فإذا فرغْتُ قال: اقرأ، فأقرأه، فإذا كان فيه سقط أقامه، ثمّ أخرج به إلى الناس([21]).
وفي هذه الروايات ونحوها دلالةٌ واضحة على أنّ كتابة القرآن كانت قد تمَّت في عهد النبيّ الأكرم، وأنّه| قد أمر عليّاً× بجمع السور والآيات التي كتبت على الحرير والخشب والقراطيس في مصحفٍ واحد.
نعم، رُبَما يقال: إنّه وإنْ كان جمع القرآن الذي قام به عليٌّ× كان حَسْب ترتيب نزول الآيات، ممّا يعني أنّ القرآن الذي كُتب في زمن النبيّ أيضاً كان حَسْب ترتيب النزول؛ لأنّ عليّاً لا يخالف ما كتبه النبيّ|.
إلاَّ أنّ هذا مجرّد احتمالٍ لا دليل عليه. وسيأتي أنّ ترتيب القرآن الذي كتبه عليٌّ× لا يختلف عن القرآن الموجود فيما بيننا.
د ـ (جمع القرآن) في معانيه المختلفة
إنّ مصطلح جمع القرآن يطلق على معانٍ أربعة:
1ـ يُراد به جمعه في صدور المسلمين، بمعنى حفظهم له.
2ـ يُراد به مطلق كتابتهم له، سواء كان المكتوب عليه مصحفاً محاطاً بدفّتين أو جلداً أو خشباً أو غير ذلك.
3ـ يُراد به جمعه ضمن مصحفٍ واحد.
4ـ المقصود بجمع القرآن توحيد المصاحف، وجعل تلك المصاحف المتعدِّدة في مصحفٍ واحد([22]).
وعلى هذا الأساس، لو قبلنا صدور تلك الروايات التي استند إليها العلاّمة للقول بعدم توقيفية ترتيب الآيات فهي لا تنافي القول بتدوين القرآن في عهد النبيّ|؛ لأننا لا نريد بجمع القرآن في زمن النبيّ إلاّ كتابته وتدوينه على الأخشاب والقراطيس والجلود وغيرها، ونريد بجمعه في زمن الخلفاء جعل تلك الآيات والسور المكتوبة على الأخشاب والقراطيس والجلود في مصحفٍ محفوفٍ بدفّتين، كما حصل في زمن أبي بكر؛ أو توحيد المصاحف المتعدِّدة، كما حصل في زمن عثمان، فقد قام بتوحيد المصاحف، وجَمَع الناس على قراءةٍ واحدةٍ، وهي القراءة المشهورة التي تلقّوها عن النبيّ|، ومنع القراءات الأخرى؛ كي لا تؤدّي إلى الاختلاف بين المسلمين، وتمزيق صفوفهم، وتفريق وحدتهم. وهذا غير ما يدَّعيه القائلون بجمع القرآن في عهد الخلفاء، فإنّهم يعتقدون أنّ القرآن كُتِبَ في عهد الصحابة، ولم يكن مكتوباً من قَبْلُ؛ استناداً إلى هذه الروايات. وقد ظهر ممّا بيَّنّا أنّ ما قام به عثمان هو توحيد القراءة والمصاحف التي كانت مكتوبةً آنذاك، فلا يصحّ الاستدلال بهذه الروايات لرأي العلاّمة.
هـ ـ شوائب جمع القرآن
ورد في بعض تلك الأخبار أنّ كثيراً من الآيات القرآنية قد تمّ جمعها وكتابتها بشهادة شاهدَيْن، بل بشاهدٍ واحدٍ، ولم يحصل اتّفاقٌ على أنّ تلك الآيات من القرآن، وقد مرَّ ذِكْرُها، ومنها: إنّ أبا بكر قال لعمر ولزيد: «اقعدوا على باب المسجد فمَنْ جاءكما بشاهدَيْن على شيءٍ من كتاب الله فاكتباه»؛ وأيضاً حديث ليث بن سعد، حيث قال: «أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر، وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آيةً إلاّ بشاهدَيْ عَدْلٍ، وإنّ آخر سورة براءة لم يوجد إلاّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت، فقال: اكتبوها؛ فإن رسول اللهﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب، وإن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها؛ لأنه كان وحده»([23]).
فنري في هاتين الروايتين أنّ أكثر الآيات الكريمة، بل جميعها، على حدّ تعبير الرواية الثانية، ثبتت في القرآن بشاهدَيْن، بل بشاهدٍ واحد. ولازم ذلك أنّ القرآن لم يصل إلينا بالتواتر، وإنّما وصل إلينا بخبر الواحد؛ أو البيِّنة، التي لا تفضل كثيراً عن خبر الواحد. وفي هذا مخالفةٌ لإجماع المسلمين على أنّ القرآن الكريم لا طريق لإثباته إلاّ بالتواتر. ولستُ أدري كيف يعتمد على هذه الروايات مَنْ يعتقد بأنّ القرآن وصل إلينا بالتواتر؟! ألا يلزمنا القول بتواتر القرآن أن نلقي بهذه الروايات، ونقطع بكذبها؟([24]).
أضِفْ إلى ذلك أنّ الإتيان بشاهدَيْن لا يُعَدّ أمراً صعباً للدسّاسين والمنافقين الذين يتربَّصون بالإسلام كلّ حينٍ، ويريدون هدمه والقضاء عليه، بل هو في غاية السهولة لهم؛ وقد كذبوا على رسول الله| في حياته، حتّى قام وقال: كثرَتْ عليَّ الكذّابة، وستكثر، فمَنْ كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار.
فإذا كان في حياته هكذا يُكْذَب عليه| فما بالك بالكذب عليه بعد وفاته، خصوصاً في ما يتعلَّق بالقرآن، الذي يعتبر المصدر الأوّل والثقل الأكبر في الإسلام!
وهل يعقل أن يكون كلام الله، ذلك الوَحْي الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن يكون قد جُمع بشهادة شاهدَيْن من الأعراب، وتقبل شهادتهم فيه، حتّى لو كانوا على ظاهر الإسلام؟!
ولنفترض أنّ هناك آيات نزلَتْ على النبيّ|، وقد قرأها على عددٍ ممَّنْ كان حوله، ولكنْ عندما قام الخلفاء بجمع القرآن لم يأتِ أحدٌ من أولئك بتلك الآيات، أو جاء بها ولم يأتِ بشاهدَين، فهل من الممكن أن نقول: إنّ تلك الآيات تلفَتْ، ولا نعلم منها شيء؟! ألا يعتبر ذلك مخالفةً صريحة لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).
وبالتالي لا نبالغ إنْ قلنا: إنّ فكرة جمع القرآن في عهد الخلفاء تؤدّي بنا إلى القول بتحريف القرآن، كما ظهر ممّا تقدَّم.
و ـ التوقيفية مقتضى الإعجاز
قد ثبت في محلِّه أنّ القران معجزةٌ إلهية، وقد تبلور ذلك الإعجاز في ترتيب ونسج آياته بعضها مع بعضٍ، وعليه لا بُدَّ أن يكون ترتيب ونظم آياته توقيفيّاً صادراً من الله تعالى، حتّى يثبت أنّه معجزةٌ. أمّا إذا قلنا: إنّ ترتيب الآيات كان باجتهادٍ من الصحابة، كما قال العلاّمة الطباطبائي، فلا يبقى للقرآن شيءٌ من الإعجاز؛ لأنّ المعجزة أمرٌ خارجٌ عن طاقة وقدرة البشر العادي.
ز ـ كتابة الصحابة للقرآن، وعرضه عى النبيّ (صلى الله عليه وآله)
من الأمور الثابتة تاريخياً أنّ هناك عدداً من الصحابة كانوا يمارسون الكتابة، حتّى عُرفوا بـ (كُتّاب الوَحْي). وممّا يؤيِّد ذلك روايات جمع القرآن، ومنها:
1ـ ما رُوي من أنّه جمع القرآن على عهد رسول اللهﷺ خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبيّ بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيّوب الأنصاريّ([25]).
2ـ رواية عبد الله بن عمر قال: وجمعتُ القرآن، فقرأتُ به كلَّ ليلةٍ، فبلغ النبيّﷺ، فقال: «اقرأه في شهرٍ»([26]).
وغيرها من الروايات.
وتفسير جمع القرآن في هذه الروايات بحفظه بعيدٌ جدّاً؛ إذ كيف يمكن أن يكون عدد الحفّاظ بهذا المقدار المحدود، وقد كان المسلمون يهتمّون بشأن القرآن وحفظه حتّى عدّوا بأكثر من أربعمائة رجلٍ، كما في رواية ابن سيرين، عن الزهري قال: «لمّا أسرع القتل في قرّاء القرآن يوم اليمامة، قتل منهم يومئذٍ أربعمائة رجلٍ…»([27]).
وقد قُتل منهم في عهد رسول الله| في بئر معونة سبعون رجلاً([28]).
وعليه فلا يعقل أن يكون عدد الحفّاظ بهذا العدد المحدود، الذي لا يتجاوز عدد الأصابع.
أضِف إلى ذلك أنّ عدداً من الصحابة كانوا يعرضون ما كتبوه من الآيات القرآنية على النبيّ|؛ حتّى يتأكَّدوا من صحّة ما كتبوه، وتزول عندهم الأخطاء التي قد نشأت من الاستنساخ. وقد وردَتْ أخبارٌ في ذلك، منها:
ما نقله الراغب الإصفهاني عن أُبيّ بن كعب قال: إنّه أخذ الناس بقراءته؛ لكونه كان آخر مَنْ يقرأ على رسول الله([29]).
قال الذهبي: إنّ الذين عرضوا القرآن على النبيّ| سبعةٌ: عثمان بن عفّان، وعليّ×، وأبيّ، وابن مسعود، وزيد، وأبو موسى، وأبو الدرداء([30]).
2ـ روايات انقضاء السُّوَر بالبسملة
عن ابن عبّاس قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتّى تنزل «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإذا نزلت «بسم الله الرحمن الرحيم» علموا أنّ السورة قد انقضت. قال الحاكم: هذا الحديث صحيحٌ على شرط الشيخين([31]).
رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال: «كان النبيّﷺ لا يعرف خاتمة السورة حتّى تنزل «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإذا نزلت «بسم الله الرحمن الرحيم» عرف أنّ السورة قد خُتِمَتْ([32]).
قال سعيد بن جبير: في عهد النبيّ| كانوا لا يعرفون انقضاء السورة حتّى تنزل: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فإذا نزلت علموا أنْ قد انقضت السورة، ونزلت أخرى([33]).
وغيرها من الروايات، التي تدلّ على ترتيب الآيات حَسْب النزول في زمن النبيّ. وهو يقتضي أن تكون الآيات المكّية دُوِّنَتْ في السور المكّية، والآيات المدنية في السور المدنية. ولكنّ ما نراه في المصحف الذي بين أيدينا خلافُ ذلك؛ حيث توجد آياتٌ مكّية في سور مَدَنية، أو آيات مدنية في سور مكّية. وهكذا نلاحظ آياتٍ نازلةً في أواخر عهد النبيّ| وهي واقعةٌ في سورٍ نازلةٍ في أوائل الهجرة، ممّا يدلّ على أنّ القران الموجود عندنا غير ما كان في عهد النبيّ|.
اعتراضٌ وإشكال
أوّلاً: إنّ هذه الروايات قد ذكرت الابتداء والانتهاء البدويّ للسور، وأنّ السورة يجب أن تختتم بالبسملة، كما يجب أن تبدأ بالبسملة. ولم تمنع من ضمّ آيةٍ أو آيات يقوم بها رسول الله| إلى آيات سورةٍ مكتملة. وقد جاء في عددٍ من الروايات أنّ النبيّ| كان يأمر بعض الصحابة أن يضع الآيات التي كانت تنزل عليه متأخِّراً في سور قد انتهت واختتمت كتابتها:
فقد رُوي عن ابن عبّاس، عن عثمان أنّه قال: إنّ رسول الله| كان ممّا يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العَدَد، فكان إذا أنزل عليه الشيء دعا بعض مَنْ يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلت عليه الآية فيقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا([34]).
وفي لفظٍ آخر قال: كان النبيّ| ممّا تنزل عليه الآيات، فيدعو بعض مَنْ كان يكتب له، ويقول له: «ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»، وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك.
والرواية صحيحةٌ، كما صرَّح الحاكم النيسابوري([35]).
وهذه الروايات وغيرها تدلّ على أنّ النبيّ| دائماً كان يأمر بإضافة آياتٍ في سورٍ قد انقضي تدوينها حَسْب الظاهر. ومن ذلك يتّضح لنا عدم صحّة قول العلاّمة الطباطبائي، حيث ذهب إلى أنّ روايات البسملة تدلّ على ترتيب الآيات حَسْب النزول في زمن النبيّ|، خلافاً لما نراه في المصحف الذي بين أيدينا، من وجود آيات مكّية في سور مدنية، أو آيات مدنية في سور مكّية، أو وجود آيات نازلة في أواخر عهد النبيّ| وهي واقعةٌ في سور نازلة في أوائل الهجرة، ممّا يدلّ على أنّ القرآن الموجود عندنا غير الذي كان في عهد النبيّ|؛ فإنّ جميع ذلك لا يعارض قولنا بأنّ الآيات المكّية والمدنية المتداخلة إنّما حصلَتْ بأمرٍ من رسول الله|.
كما أنّها تنقض قول العلاّمة؛ فإنّه بعدما نقل رواية عثمان بن أبي العاص، الدالّة على وضع الرسول قوله تعالى: ﴿إِنَ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ في موضعٍ مغاير لترتيب نزولها، قال: لا تدلّ هذه الرواية على أزيد من فعله| في بعض الآيات في الجملة، لا بالجملة([36]). فإنّ الروايات التي مرَّ ذِكْرُها صريحةٌ في أنّ النبيّ| كثيراً ما كان يأمر بوضع آيةٍ، بل آياتٍ، بل سورٍ بكاملها، في موضعٍ يغاير الموضع الذي نزلت فيه تلك الآية أو الآيات.
يقول القرطبي: ذكر أبو بكر الأنباري، في كتاب الردّ، أنّ الله تعالى أنزل القرآن جملةً إلى سماء الدنيا، ثمّ فرّق على النبيّﷺ في عشرين سنة. وكانت السورة تنزل في أمرٍ يحدث، والآية جواباً لمستخبرٍ يسأل، يوقف جبريل رسول اللهﷺ على موضع السورة والآية. فاتّساق السور كاتّساق الآيات والحروف، فكلّه عن محمد خاتم النبيّين×، عن ربّ العالمين. فمَنْ أخَّر سورةً مقدَّمة أو قدَّم أخرى مؤخَّرة فهو كمَنْ أفسد نظم الآيات، وغيَّر الحروف والكلمات([37]).
كما أنّ إصرار أئمّة أهل البيت^ على صحّة جميع ما في هذا القرآن، وأنّه من الله، نزل به على رسوله|، يوحي بأنّ الترتيب الموجود في هذا القرآن من النبيّ الأكرم|، ولم يتدخل فيه أحدٌ وإلاّ لاختلَّ نظم الآيات، وبه يختلّ السياق القرآني، الذي دلّت عليه الآيات. وسنأتي بمزيد توضيحٍ لذلك في ذكر أدلّة توقيفية ترتيب الآيات.
ثانياً: ورد عن ابن عبّاس أنّه قال: كان القرآن ينزل مفرَّقاً، لا ينزل سورة سورة. فما نزل أوّلها بمكّة أثبتناها بمكّة، وإنْ كان تمامها بالمدينة؛ وكذلك ما نزل بالمدينة؛ وأنّه كان يعرف فصل ما بين السورة والسورة إذا نزل بسم الله الرحمان الرحيم، فيعلمون أنّ الأولى قد انقضت، وابتدأت سورةٌ أخرى([38]).
يظهر من هذه الرواية أنّه لا يشترط في تسمية السور بالمكّية أن تكون جميع آيات السورة أو أكثرها مكّية، كما لا يشترط أن تكون جميع أو أغلب آيات السورة مدنية حتّى يقال لها: سورة مدنية، بل ينظر إلى الآيات الأولى من تلك السورة، فإذا كانت تلك الآيات نازلة في مكّة تسمّى السورة مكّية، وإن نزلت سائر آياتها في المدينة؛ وهكذا بالنسبة إلى السور المدنية، فإنّه يكفي في تسميتها بالمدنية أن تكون آياتها الأولى نازلةً في المدينة.
وعلى هذا الأساس، لا يصحّ ما استدلّ به العلاّمة الطباطبائي لعدم توقيفية ترتيب الآيات من وجود آياتٍ كثيرة في سور مدنية قد نزلت بمكّة، أو وجود آيات في سور مكّية قد نزلت في المدينة؛ إذ من المحتمل (كما جاء في الرواية) أن تسمّى السورة مكّية وقد اجتمعت فيها آياتٌ مدنية أيضاً، أو مدنية وقد اجتمعت فيها آيات نزلت في مكّة.
3ـ روايات مصحف الإمام عليّ×
روى سُلَيْم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي رضوان الله عليه قال: لمّا رأى أمير المؤمنين صلوات الله عليه غدر الناس به لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلِّفه ويجمعه([39]).
وروى عنه×، قال: آلى على نفسه أن لا يضع رداءه على عاتقه، إلاّ للصلاة؛ حتّى يؤلِّف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدّةً إلى أن جمعه([40]).
وقال ابن النديم ـ بسندٍ يذكره ـ : إنّ عليّاً× رأى من الناس طِيَرةً عند وفاة النبيّ|، فأقسم أن لا يضع رداءه حتّى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيّام حتّى جمع القرآن([41]).
وعن الإمام الباقر× قال: ما من أحدٍ من الناس يقول: إنّه جمع القرآن كلّه كما أنزل الله إلاّ كذّابٌ. وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلاّ عليّ بن أبي طالب([42]).
وعنه× قال: ما نزلت آيةٌ على رسول الله| إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ، فأكتبها بخطّي. وعلَّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله لي أن يعلِّمني فهمها وحفظها. فما نسيتُ آيةً من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليَّ فكتبته، منذ دعا لي ما دعا([43]).
وتقريب الاستدلال: إنّ جمع القرآن عقب موت النبيّ| على ترتيب النزول يدّل على أنّ الإمام× لم يرضَ بالجمع والترتيب الموجود في هذا القرآن، فلو كان ترتيب آيات القرآن بأمرٍ من النبيّ لما خالف الإمام هذا الترتيب.
وضمُّ هذه الطوائف الثلاثة من الروايات إلى بعضها يدلّ على أنّ الآيات القرآنية في عهد النبيّ كانت مرتبةً بحَسَب ترتيب النزول، فكانت المكّيات في السور المكّية، والمدنيات في السور المدنية. خلافاً لما نراه في القرآن الذي بين أيدينا، من وجود آيات مدنية وضعت في سور مكّية، ووجود آيات مكّية وضعت في سور مدنية؛ أو كون آيات نازلة في أواخر عهد النبي| واقعةً في سور نازلة في أوائل الهجرة، كآيات الرِّبا، التي تُعَدّ من آخر ما نزل على النبي|، وهي واقعةٌ في سورة البقرة، وغيرها من الآيات. فكلّ ذلك يورث الجَزْم لنا أنّ ترتيب بعض الآيات القرآنية على ما هو عليه الآن ليس إلاّ باجتهادٍ من الصحابة([44]).
تساؤلاتٌ مشروعة
وممّا استدلّ به العلاّمة الطباطبائي على وجود التعارض بين المصحف العثماني الموجود بين أيدينا والمصحف الذي قام النبيّ| بجمعه وترتيبه، ومنه إلى القول بعدم توقيفية ترتيب آيات القرآن الكريم، هو المصحف المعروف بـ (مصحف عليٍّ×). فقد ورد عن طريق الخاصّة والعامّة أنّ عليّاً× جمع القرآن على ترتيب النزول عقب النبيّ|، وهو يختلف عن ترتيب الآيات الموجودة في المصحف العثماني. ممّا يؤيِّد أنّ الترتيب الموجود في هذا المصحف لم يكن بأمرٍ من النبيّ|، وإنّما كان برأيٍ واجتهاد من الصحابة.
نعم، ممّا لا شَكَّ فيه أنّ الإمام أمير المؤمنين× كان من أوّل الأصحاب الذين جمعوا القرآن. وقد ثبت متواتراً أنّه كان له مصحفٌ يسمّى بـ (مصحف عليّ×). ولكنْ هل هذا المصحف كُتب بعد وفاة النبيّ|؟ وهل ترتيب آياته يختلف عن ترتيب آيات المصحف العثماني؟ وبعبارةٍ أخرى: هل جمع الإمام آيات هذا المصحف حَسْب ترتيب نزول الآيات؟ وما الذي يميِّز هذا المصحف عن المصحف العثماني المتداول بيننا؟
المشهور بين المؤرِّخين أنّ الإمام عليّاً×، بعدما توفي النبيّ|، وبعدما أبعدوه عن الخلافة، جلس في داره، ولم يخرج منها حتّى جمع القرآن.
يقول ابن شهرآشوب: إنّه× آلى على نفسه أن لا يضع رداءه على عاتقه، إلاّ للصلاة، حتّى يؤلِّف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدّةً إلى أن جمعه([45]).
وقال ابن النديم ـ بسندٍ يذكره ـ : إنّ عليّاً× رأى من الناس طيرة عند وفاة النبيّ|، فأقسم أن لا يضع رداءه حتّى يجمع القرآن، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتّى جمع القرآن([46]).
هذا هو المعروف بين العلماء. إلاّ أنّ البحث والتحقيق يورث عندنا الشكّ في كثيرٍ من هذه الروايات؛ إذ كيف يقوم الإمام× بجمع القرآن بعد وفاة النبيّ|، وهو الذي كان ملازماً للنبيّ|، ويكتب جميع الآيات النازلة عليه|، مع تأويلها وتفسيرها، وبيان ناسخها ومنسوخها، وغير ذلك؟!
وكيف جمع القرآن بعد النبيّ| وقد ورد عنه× أنّه قال: فما نزلَتْ على رسول الله آيةٌ من القرآن إلاّ أقرأنيها، وأملاها عليَّ، فكتبتُها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليَّ وكتبتُه، منذ دعا الله لي بما دعا([47])؟!
وفي احتجاجه على جماعةٍ من الأنصار والمهاجرين قال: يا طلحة، إنّ كل آية أنزلها الله تعالى على محمدٍ| عندي، بإملاء رسول الله وخطّ يدي، وتأويل كلّ آية أنزلها الله تعالى على محمدٍ|، وكلّ حلالٍ أو حرامٍ، أو حدٍّ أو حكمٍ، أو شيءٍ تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة، فهو عندي مكتوبٌ، بإملاء رسول الله وخطّ يدي، حتّى أرش الخدش([48]).
إنّ هذه الروايات تبين بشكلٍ واضح أنّ جمع الإمام× للآيات كان بإملاءٍ من رسول الله|، ومعنى ذلك أنّ الإمام× كان قد جمع القرآن في حياة النبيّ|، خصوصاً إذا تأمَّلنا في هذه الفقرة من قوله×: «إنّ كلّ آيةٍ أنزلها الله تعالى على محمدٍ| عندي، بإملاء رسول الله وخطّ يدي».
ومع هذا، كيف يُقال: كتب القرآن بعد وفاة النبيّ|؟!
وهَبْ أنّ الإمام× كتب القرآن للمرّة الأخيرة بعد وفاة النبيّ|، فما هي الفائدة من هذه الكتابة، بعدما كان قد كَتَبَه من قَبْلُ؟!
وأساساً هل يمكن للإمام×، بحَسَب الظرف الطبيعي، أن يكتب القرآن، مع تفسيره وتأويله، وبيان ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، في أيامٍ قليلة لا تتجاوز الثلاثة؟!
ومن هنا يتّضح لنا أنّ المصحف الذي كتبه كان قد كتبه في حياة النبيّ|، كغيره من المصاحف التي كُتبَتْ في زمن النبيّ| على يد بعض الصحابة، مثل: ابن مسعود؛ وأُبيّ بن كعب؛ وغيرهم، مع هذا الفارق، وهو أنّ مصحف الإمام× تضمَّن شرح الآيات وتأويلها، وبيان ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، أمّا غيره من المصاحف فلا تحتوي إلاّ الآيات الإلهية.
أمّا الروايات التي ذكرت أنّ الإمام× تصدّى لجمع القرآن بعد وفاة النبيّ| فهي روايات لا يمكن قبولها، بل القرائن والشواهد دالّةٌ على أنّها رواياتٌ موضوعة، قام الوضّاعون بوضعها؛ ليشوِّهوا موقف الإمام المعارِض للسلطة، وليظهروا للناس أنّ سبب غياب الإمام عن الساحة، وعدم تواجده ومساندته للسلطة الحاكمة، كان لانشغاله بجمع وتأليف القرآن، لا كما يزعم الشيعة، أنّ ذلك كان لرفض الإمام وعدم قبوله لخلافة الخلفاء. وقد تنبَّه إلى ذلك السيد البروجردي في تقرير أبحاثه الأصولية([49]).
ثمّ كيف اختصّت كتابة الآيات حَسْب نزولها بالإمام عليّ×، مع أنّ عدداً كبيراً من كُتّاب الوَحْي كتبوا الآيات القرآنية حَسْب ما سمعوه من الرسول، وطبقاً لما أملاه عليهم؟! فكلَّما كانت تنزل آية على النبيّ| كان يدعو أحد أصحابه الذين يمارسون الكتابة، ثمّ يأمره بكتابة ما نزل عليه من الآيات، وقد تقدَّم ذكر بعض تلك الأخبار.
ومن هنا يتّضح لنا معنى الحديث المرويّ عن الإمام الباقر×: ما ادَّعى أحدٌ من النّاس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّابٌ، وما جمعه وحفظه كما نزَّله الله تعالى إلاّ عليّ بن أبي طالب والأئمّة^ من بعده([50]).
فإنّ ما أراده الإمام في هذا الرواية لم يكن جمع القرآن حَسْب نزول الآيات؛ إذ ما من صحابيٍّ جمع القرآن إلاّ وكان جمعه حَسْب نزول الآيات؛ فإنّ الصحابة لم يكتبوا شيئاً من الآيات إلاّ بعد سماعها من النبيّ|، فقد كان يملي عليهم ما ينزل عليه من الآيات. وإنّما أراد× كتابة الآيات مع ما لها من تفسيرٍ وتأويل، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وما يهدف إليه من تعاليم وأغراض، وغير ذلك. ولذلك ورد في الروايات أنّ طول مصحف الإمام عليّ× سبعون ذراعاً. قال الإمام الصادق×: «إنَّ عِنْدَنَا صَحِيفَةً طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً، إِمْلاءُ رَسُولِ اللهِ|، وخَطَّهُ عَلِيٌّ بِيَدِهِ. وإِنَّ فِيهَا لَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ، حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ»([51]). وإنّما صار المصحف سبعون ذراعاً لما يحتوي من تفسيرٍ وتاويلٍ وتعاليم لم تُذْكَر في ظاهر الآيات.
وعليه، فما ذهب إليه أكثر الكتّاب والمحقِّقين، من أنّ الإمام× جمع ودوَّن الآيات القرآنية حَسْب ترتيب نزولها، غيرُ صحيحٍ؛ لأنّ ذلك لا يُعَدّ من مختصّات مصحف الإمام عليّ×، بل ما اختصّ به الإمام، كما قلنا، هو معرفة تفسير وتأويل الآيات، وتمييز محكماتها عن متشابهاتها، وناسخها عن منسوخها، العلم الذي خصَّ به النبيّ| عليّاً، ولم يعلِّمْه لأحدٍ من أصحابه.
وأمّا قولهم: إنّ ترتيب آيات مصحف الإمام× يختلف عن ترتيب آيات المصحف العثماني فهو كلامٌ غير دقيق؛ إذ من الواضح أنه لم يعتمد على دراسة مصحف الإمام× مباشرةً؛ لأنّه لم يصِلْ إلينا؛ فإنّ الإمام بعدما خرج بالمصحف إلى القوم أنكروا عليه، وقالوا له: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله، فلا حاجة لنا فيه، فقال لهم: إذن لن يراه أحدٌ بعد هذا، حتى يظهر ولدي القائم، فيحمل الناس على تلاوته، والعمل بأحكامه، ويرفع الله هذا المصحف إلى السماء، ثمّ عاد به، ولم يظهره لأحدٍ حتّى توارثه أئمّة أهل البيت واحداً تلو الآخر، إلى أن وصل إلى الإمام الحجّة بن الحسن#.
وإنّما ذهبوا إلى ذلك؛ لما فهموه من الأخبار والروايات التي وصفَتْ هذا المصحف الشريف بأنّه مكتوبٌ حَسْب ما أنزله الله، أو كما أُنزل على النبيّ، كرواية الإمام الصادق× قال: أما واللهِ لو قُرئ القرآن كما أُنزل لألفيتمونا فيه مسمَّين، كما سُمِّي مَنْ كان قبلنا([52]).
إلاّ أنّ هذا الفهم والتفسير غير تامٍّ، بل المراد أنّ ذكر أسماء الأئمّة لم يكن في ألفاظ الآيات، وإنّما هي مذكورةٌ ما وراء السطور، وفي باطن الآيات. وهذا ما أراده الإمام.
وقد ورد أنّ ثلث القرآن نزل فيهم؛ حيث رُوي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: سمعتُ أمير المؤمنين× يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلثٌ فينا وفي عدوّنا، وثلثٌ سنن وأمثال، وثلثٌ فرائض وأحكام([53])، فلا معنى لأن يكون هذا العدد الكبير من الآيات قد صرّح بأسماء الأئمّة^!
وعليه، يتبين أنّ مقصود الإمام أنّه نزل في شأنهم ومقاماتهم، لا في ذكر أسمائهم.
وهكذا في الحديث المذكور آنفاً: «لو قرئ القرآن كما أُنزل»، يعني لو قرئ بتفسيره وبما تحتويه الآيات من معنىً في داخلها لوجدتمونا مذكورين في القرآن؛ لأنّ ثلث القرآن نزل فينا.
كانت هذه أهمّ الأدلّة التي استند إليها العلاّمة الطباطبائي على عدم توقيفية ترتيب الآيات، وقد رأيْتَ أنّها غير صامدةٍ أمام النقد.
المحور الثاني: التوقيفية بالدليل والبرهان
استدلّ المشهور على توقيفية ترتيب الآيات القرآنية بعدّة أدلّةٍ، نشير إلى بعضها:
الأوّل: تأكيد القرآن على توقيفية ترتيب الآيات
لقد صرَّح القرآن الكريم في عشرات الآيات أنّ جميع كلماته وآياته، مع ما تحتوي من نظمٍ وترتيب فيما بينها، هي من الله سبحانه. ومن تلك الآيات: قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ (المائدة: 15)؛ وقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً﴾ (الإنسان: 23)؛ وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ (النمل: 6)، وقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
وهذه الآيات صريحةٌ في أنّ هذا الكتاب منسوبٌ إلى الله تعالى، وأنّه نزل من عنده سبحانه، ونحن نعلم أنّه لا تصحّ نسبة كتابٍ إلى أحدٍ إلاّ إذا ثبت أنّ ألفاظ الكتاب وعباراته المنسجمة فيما بينها منه. وهكذا بالنسبة إلى هذا الكتاب السماويّ، لا تصحّ نسبته إلى الله تعالى إلاّ إذا كانت جميع ألفاظه وآياته والترتيب القائم بينها من الله تعالى. وقد أثبت القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ (الفرقان: 32). والترتيل بمعنى التنسيق والتنضيد. يقول العلاّمة المصطفوي: رتَّل الكلام أي إذا أحسن تأليفه وتنسيقه وأبانه ونظَّمه([54]). ويقول الزمخشري: رتَّل القرآن ترتيلاً: إذا ترسَّل في تلاوته وأحسن تآليف حروفه([55]). وبذلك يتَّضح أنّ ترتيب آيات القرآن الكريم وتأليفها من الله تعالى.
وفي هذه الآيات أيضاً ردٌّ على بعض الروايات التي استند إليها العلاّمة الطباطبائي، كرواية زيد بن ثابت قال: قبض النبيّ| ولم يكن القرآن جُمع في شيءٍ؛ فإنّ عدم جمع القرآن لا ينسجم مع تعابير الآيات التي عبَّرَتْ عن القرآن بالكتاب؛ فإنّ التعبير بالكتاب لا يطلق على آياتٍ وجملٍ متناثرة على خشبٍ وعسبٍ وقراطيس وغيرها.
أضِفْ إلى ذلك أنّنا نجد التناقض الواضح في كلام العلاّمة؛ فهو من جهةٍ يذكر أنّ الآيات كانت مرتّبةً عند النبيّ| بحَسَب نزولها، فكانت المكّيات في السور المكّية والمدنيات في السور المدنيّة؛ ومن جهةٍ أخرى نرى أنّه يستند إلى رواياتٍ وأخبار صريحة في أنّ القرآن لم يجمع في عهد النبيّ|، فكيف يكون ترتيب الآيات حَسْب النزول وهي لم تُجْمَع بعد؟!
الثاني: إطلاق لفظ السورة في الآيات
لقد جاء في عدّةٍ من الآيات القرآنية التعبير بالسورة والسور، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينََ﴾ (يونس: 38)، وقال سبحانه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (هود: 13).
فقد تحدّى الله سبحانه الكفّار والمشركين أن يأتوا بعشر سورٍ أو بسورةٍ مثل سور القرآن، وليدعوا ويستعينوا بمَنْ يريدون، ولكنْ فليعلموا أنّهم لا يستطيعون أن يأتوا بسورةٍ مثل سور القرآن، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً. وليس معنى السورة في هذه الآيات مجرّد الحروف والكلمات والآيات المتناثرة في القرآن، وإنّما المراد من السورة هو ما يفهمه الجميع عند سماعهم (سورة قرآنية)، وهي الطائفة من الآيات الكريمة المحاطة ببسملتين، سُمِّيَتْ بذلك تشبيهاً لها بسُور المدينة، وهو البناء المحيط بها([56])؛ فإنّ الترتيب والتنسيق الرائع بين آيات سور القرآن هو الذي جعل الله تعالى يتحدّى المشركين بأن يأتوا بسورةٍ.
إذن المقصود بالسورة والسور في هذه الآيات هي السور التي في القرآن، سواء كانت تلك السورة من السور الطوال أو من السور القصيرة، وليس المراد بها هو مجرد آيات أو كلمات القرآن، وإلاّ لعبَّر عنها بالآية أو الآيات، كما عبَّر في قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ (الطور: 34). إذن المقصود من سورةٍ واحدة أو عشر سورٍ هي السور القرآنية التي لا يستطيع أن يأتي بمثلها أحدٌ إلاّ الله تعالى. وعليه، فكيف يُقال: إنّ ترتيب آيات السور القرآنية كان باجتهادٍ من الصحابة، وهم الذين جمعوا الآيات المتناثرة في موضعٍ واحد، وصنعوا منها سورةً؟! أليس هذا يخالف قوله تعالى ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (يونس: 38).
النتيجة
وبهذه الدراسة المختصرة يتَّضح لنا أنّ ما استدلّ به العلاّمة من الروايات غيرُ تامٍّ:
فأمّا روايات الجمع الأوّل فهي، مع إرسالها وتناقضها، تعارض مسألة إعجاز القرآن، كما أنّها تعارض أيضاً الروايات المتواترة المرويّة عن أهل البيت^ في أنّ القرآن جمع في زمن النبيّ|.
وأمّا روايات البسملة فهي، بالإضافة إلى تعارضها مع روايات أخرى، فإنّها ذكرت الابتداء والانتهاء البَدْويّ للسور، وأنّ السورة يجب أن تبدأ وتنتهي بالبسملة، ولم تمنع من ضمّ آياتٍ أخرى إلى السور المكتملة بالبسملتين، وقد نصّ في بعض الأخبار على ذلك.
وأمّا روايات مصحف عليّ× فهي، وإنْ دلَّتْ على أنّ الإمام كان له مصحفٌ، إلاّ أنّ ذلك المصحف لا يختلف عن المصحف الذي كتبه في زمن النبيّ|، والذي تتوارثه الأجيال إلى يومنا هذا.
كما اتّضح لنا في المحور الثاني، من خلال بعض الآيات الكريمة، أنّ الترتيب القائم بين الآيات القرآنية من الله تعالى.
وبذلك تتّضح لنا نتيجة البحث، وهي أنّ الصحيح هو توقيفية ترتيب الآيات القرآنية.
الهوامش
(*) باحثٌ في الحوزة العلميّة، وحائزٌ على الماجستير في علوم القرآن والحديث في جامعة المعارف الإسلامية، في قم. من إيران.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم علوم القرآن والحديث، وعضو الهيئة العلميّة، في جامعة المعارف الإسلامية في قم. من إيران.
([1]) السيد المرتضى، الذخيرة: 364.
([2]) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1: 214، دار الكتب العربي، بيروت، 1421هـ.
([3]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 12: 125، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ.
([5]) تاريخ اليعقوبي، 2: 135، المكتبة الحيدرية، قم، 1425هـ؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 118.
([6]) تاريخ أبي الفداء 1: 157؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 118.
([7]) الميزان في تفسير القرآن 12: 119.
([9]) الإتقان في علوم القرآن 1: 210؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 119.
([10]) المسند 3: 240؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 120.
([11]) الميزان في تفسير القرآن 12: 118.
([12]) الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 245، مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، بيروت، 1422هـ.
([13]) النووي، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8: 226. فتح الباري في شرح صحيح البخاري، دار الريان، بيروت، 1407هـ.
([14]) المتقي الهندي، كنـز العمال 2: 364، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1401هـ.
([15]) البيان في تفسير القرآن: 245.
([16]) تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي 2: 451، دار الكتاب، قم، 1404هـ.
([17]) مناقب آل أبي طالب 2: 41.
([18]) سنن الترمذي 5: 735؛ المسند 8: 144.
([19]) أديب العلاّف، البرهان في علوم القرآن 1: 119، مكتبة الفارابي، دمشق، 1422هـ.
([20]) علي الكوراني، تدوين القرآن: 238، دار القرآن، قم، 1418هـ.
([23]) الإتقان في علوم القرآن 1: 210.
([24]) البيان في تفسير القرآن: 254.
([25]) الإتقان في علوم القرآن 1: 72.
([26]) النسائي، السنن الكبرى 4: 214.
([28]) الإتقان في علوم القرآن 2: 122.
([29]) محاضرات الأدباء 4: 438.
([30]) جعفر مرتضى العاملي، حقائق هامّة حول القرآن الكريم: 42 ، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1407هـ.
([31]) الواحدي، أسباب نزول القرآن: 17، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 1: 231؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 127.
([32]) المستدرك على الصحيحين 1: 231؛ النسائي، السنن الكبرى 2: 42، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1421هـ؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 127.
([33]) تفسير القرآن العظيم 1: 16؛ أسباب نزول القرآن: 17؛ المستدرك على الصحيحين 1: 231؛ الميزان في تفسير القرآن 12: 128.
([34]) مرتضى العسكري، القرآن وروايات المدرستين 1: 211، المجمع العلمي الإسلامي، طهران، 1416هـ.
([35]) سنن أبي داوود 1: 354؛ المستدرك على الصحيحين 2: 221.
([36]) الميزان في تفسير القرآن 12: 127.
([37]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 1: 60، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1364هـ.
([39]) كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي: 72، منشورات الهادي، قم، 1405هـ.
([40]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 50، انتشارات ذوي القربى، قم ، 1427هـ.
([41]) ابن النديم، الفهرست: 48.
([42]) المجلسي، بحار الأنوار 92: 88، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1404هـ.
([43]) الكليني، الكافي 1: 64، دار الكتب العلمية، طهران، 1407هـ.
([44]) الميزان في تفسير القرآن 12: 128.
([45]) مناقب آل أبي طالب 2: 51.
([48]) هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 38، مؤسّسة البعثة، طهران، 1416هـ؛ الطبرسي، الاحتجاج 1: 153، نشر المرتضى، مشهد، 1403هـ.
([49]) محمد علي مهدوي راد، آفاق تفسير: 102، هستي نما، طهران، 1382هـ.ش.
([51]) الصفّار، مختصر بصائر الدرجات 1: 143، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.
([52]) المفيد،المسائل السروية 7: 79 ، المؤتمر العالمي لألفيّة الشيخ المفيد، قم، 1413هـ.
([53]) تفسير العيّاشي 1: 24، المطبعة العلمية، طهران، 1380هـ.ش.
([54]) حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 4: 46 وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، تهران، 1368هـ.ش.
([55]) الزمخشري، الكشّاف: 220 ، دار صادر، بيروت، 1979م.
([56]) الفيومي، المصباح المنير 2: 295، مؤسّسة دار الهجرة، قم، 1414هـ؛ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 5: 358.