أحدث المقالات

ترجمة: علي الوردي

تمهيد

يأتي هذا المقال بغية تسليط الضوء على (الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصّة بالمرجعية والمؤسّسة الدينية)([1])، والتي اختصّ القسم الأكبر منها بشؤون المرجعية الدينية، إلى جانب رصد تأريخي للحركة الثقافية المتمثلة بالدراسات المختصّة بالمرجعية، وبهذا الصدد، حاولت دراسة الظروف التاريخية التي رافقت ظهور الموسوعة، ومن ثمّ، مقارنتها بسواها من الأعمال والدراسات المختصّة بالمرجعية، مستعيناً بالمنهج المقارن.

تعتبر المرجعية امتداداً تأريخياً يستقي أصوله من المؤسّسة الدينية، وتتميّز بعراقة تأريخها وبخوضها أحداث تأريخية كثيرة، ربما يصحّ أن نصف بعضها بالهائلة، واليوم تطوي هذه المؤسسة التاريخية ألفيّتها الأولى حافلةً بالتجارب والأحداث، وبموازاة رحلة المرجعية عبر الزمن، هناك رحلة أخرى خاضتها الدراسات المختصّة بالمرجعية، فلكلّ من هذين المفهومين ــ الدراسات المختصّة بالمرجعية ومؤسّسة المرجعية نفسها ــ معنىً مستقلاً عن الآخر؛ فالمراد من الدراسات المختصّة بالمرجعية، كلّ إصدار يدور حول المرجعية من كتاب، أو دراسة أو بحث أو رسالة جامعية..

ويمكن اعتبار التأليف حول المرجعية ــ المتمثل بالدراسات المختصّة بالمرجعية ــ علماً من الدرجة الثانية، يُعنى بدراسة مؤسّسة المرجعية، له نقطة بداية وحركة وتطوّر ومراحل مختلفة ونتائج علمية، وأخيراً وثيقة علمية تتمثل فيما وصَلَنا من بحوث ودراسات وآراء حول المرجعية.

إن دراسة شؤون المرجعية قد تواجه بعض المشاكل والعقبات، لكنّها قد تبدو ضئيلة إذا ما قيست بالمشاكل والعقبات التي تواجهنا لدى دراسة واقع «الدراسات المختصّة بالمرجعية»؛ ذلك أنّ دراسة مثل هذه الأمور، التي لا تشكّل كياناً مادياً محدّداً، سوف يكون أكثر تعقيداً وصعوبةً. كما أنّ دراسة كافّة أبعاد الدراسات المختصّة بالمرجعية تحتاج إلى مدة مديدة، وهي لوحدها كافية لكي تكوّن كتاباً ضخماً مستقلاً، فلا يمكن حصرها بمثل هذا المقال الموجز، لكنّ ذلك لا يمنع من القيام بمحاولة إجمالية للتعريف بأهمّ الموسوعات والمراجع المدوّنة في هذا الصدد، وهذا ما نرومه هنا.

وكما تبلورت رحلة المرجعية الدينية التي بدأت بعصر الأئمة في مراحل مختلفة، كذلك الحال مع الدراسات المختصّة بالمرجعية؛ فقد امتازت هي الأخرى بمراحلها الخاصّة، التي لا تشترك مع المراحل التي طوتها رحلة المرجعيّة نفسها، فلكلّ من الرحلتين خصائصها وميزاتها، وليس هناك وجه اشتراكٍ بينهما؛ فعلى سبيل المثال، لو كتب للمرجعية أن تتسع رقعتها في مرحلة من المراحل أو في عصر من العصور، فليس من الضروري أن يشهد ذلك العصر اتساعاً في رقعة الدراسات المختصّة بالمرجعية، ولو فرضنا أنّ المرحلة شهدت اضمحلالاً في الدراسات المختصّة بالمرجعية فلا يكشف ذلك عن تراجع المؤسّسة المرجعية في تلك المرحلة.

ويمكن تقسيم المسيرة التاريخية للدراسات المختصة بالمرجعية إلى عهود أربعة، وهي: عهد الترادف المفهومي بين المرجعية والاجتهاد، وعهد تقدّم الدراسات المختصّة بالمرجعية، وعهد الدراسات السياسية، وأخيراً عهد اتساع الدراسات الأكاديمية. ولكلّ من هذه العهود خصائص يمتاز بها عن الآخر، فلكلّ عهد تراثه وكتاباته وتصانيفه.

السيرورة التاريخية لدراسة ظاهرة المرجعية والمؤسّسة الدينية

1 ـ عهد الترادف المفهومي بين المرجعية والاجتهاد (ق1 ـ 14هـ)

في مرحلةٍ من مراحل التاريخ الشيعي، كانت الدراسات المختصّة بالمرجعية منحصرةً ضمن دائرة الاجتهاد والتقليد، ففي عقيدة الشيعة الإمامية أنّ قيادة الأمّة وتوجيهها بعد وفاة النبي 2 أنيطت بالأئمة الإثني عشر، وبذلك تحقّقت المرجعية في أشخاصهم؛ فكان علماء الدين ــ على عهد الأئمة ــ يمارسون إرشاد الناس وتوعيتهم وبيان الأحكام الشرعية والعقائدية بعد الحصول على الإجازة أو الوكالة الرسمية من الأئمّة، وكانت مهامّ العلماء بعد الأئمة ( تتمثل في التبليغ والقضاء وبيان الأحكام الشرعية، بل زعامة الأمّة بصور عامّة؛ فبعد الغيبة الكبرى للإمام صاحب الزمان (عج) مارس كبار العلماء والفقهاء، أمثال الشيخين الصدوق والمفيد، مهام الإرشاد والتوجيه بما لهم من النيابة العامة التي انتقلت إليهم من الإمام.

وفي هذه الحقبة ــ أي الفترة التي أعقبت غيبة الإمام ــ لم تشهد التصانيف أو المؤلّفات بحثاً أو دراسةً تتعلّق بالمرجعية، فلم يوجد عالم أو مؤلّف قدّم مجهوداً يُذكر في هذا المضمار، فيما نجد تصانيف عديدة وأعمال كثيرة تمّ تدوينها ــ في تلك الحقبة ــ حول المجتهد والاجتهاد، وليس حول المرجع؛ ففي كتاب الفهرست([2]) للشيخ الطوسي (385 ــ 460هـ)، والذي ضمّ مصنّفات الشيعة ومؤلفاتهم كافة إضافةً إلى رسائل العلماء، لم نجد ــ ولو أثراً مدوّناً واحداً ــ يتطرّق إلى المرجعية. وكذلك هي الحال في الفهارس التكميلية لهذا الكتاب، أي معالم العلماء لابن شهر آشوب([3])، وفهرست منتجب الدين([4]).

إنّ أقرب مفهوم للمرجعية تمّ تداوله آنذاك وتسنّى لنا العثور عليه هو الاجتهاد والتقليد. ولا يخفى أن أكثر الكتّاب تطرقوا إلى الاجتهاد والتقليد من زاوية فقهية أو أصولية، وقد يندر وجود دراسات حول الاجتهاد والتقليد باعتباره مؤسّسةً للإستفتاء.

لقد كان الفقهاء في عهد البويهيين والصفويين ضمن حاشية السلطة، وقد أسندت إليهم إدارة شؤون البلاد، فكانوا يمارسون المهام الشرعية باعتبارهم فقهاء مجتهدين، وكانت مهامّ المرجعية التي يمارسونها مندرجةً ضمن الأحكام الشرعية، لكنّها غير معنونة بعنوان المرجعية. لقد كانت هذه الفترة هي الأخرى خاليةً من أي أثر لمفهوم المرجعية، فلم نعثر في تصانيفها المتمثلة في كتب أبو الفتوح الرازي والمحقق الكركي والعلامة المجلسي والشيخ البهائي عن بحث أو رسالة حول المرجعية، بل إننّا لم نعثر على تصنيف يؤرّخ للحوزة العلمية آنذاك فكيف بما يؤرّخ للمرجعية، فيما نجد أنّ كتب أصول الفقه تفرد أبحاثاً مستقلّة للأحكام الاجتماعية ــ في باب الاجتهاد والتقليد ــ وتعتبرها من المهام التي تقع على عاتق المجتهد.

ولنمضي قدماً عبر التاريخ في بحثنا عن التراث حول المرجعية؛ لنصل إلى العهد القاجاري الذي برز فيه دور فقهاء الشيعة وتبلور بصورةٍ أكبر في الحركة الدستورية، وتحديداً فيما يتعلّق بإقرار مسألة إشراف الفقهاء على الدستور، فإنّ معظم تلك الحركات السياسية والاجتماعية تعدّ من إفرازات المرجعية، لكننا أيضاً لم نجد دراسةً أو بحثاً أو تأليفاً صدر في تلك الحقبة، يشير إلى موضوع المرجعية، وإنّما سائر ما نشر في حينه كان يتمحور حول الاجتهاد والمجتهد([5]).

لكن هناك من حاول أن يؤرّخ للمرجعية الدينية، مستعيناً بالمصادر التي اختصّت بالوقائع والأحداث التاريخية، كالتي ذكرت رحلة الشيخ الطوسي من بغداد باتجاه النجف، إثر تعرّض داره للنهب عام 448هـ، والتي كانت من نتائجها تأسيس الحوزة العلمية في النجف الأشرف([6])، فمثل هذه الحادثة اهتمّ بها الباحثون بغية وضع بداية لتاريخ تأسيس الحوزة العلمية في النجف التي احتضنت المرجعية الشيعية آنذاك، لكنّ مثل هذه الاهتمامات والدراسات لم تتمحور حول المرجعية، وإنما اكتفت بالإشارة إليها بشكل هامشي وغير مباشر.

وعلى كلّ حال، ففي هذا العهد لم يتخذ مفهوم المرجعية مكانته في الثقافة الشيعية، فلقد كان يعرّف من خلال مفهومي الاجتهاد والمجتهد، ولا يمكن تعليل ذلك بفقدان المرجعية طابعها المؤسّساتي والتنظيمي؛ لأنّها كانت تمارس ذات المهام التي تمارسها اليوم لكن بما يتلائم وتلك الحقبة، وتتضمّن ممارساتها الإجابة على المسائل الشرعية، والقيام بمهام التبليغ الديني، وإرشاد الناس وتوجيههم. وبالطبع لم تكن المرجعية آنذاك بالمستوى التي هي عليه اليوم من التنظيم المؤسّساتي الواسع، لكنها مع ذلك كانت بمستوى زمانها.

بناءً على ذلك، لابدّ من البحث عن أسباب أخرى وراء غياب مفهوم المرجعية عن تصانيف ومؤلّفات ذلك العهد، وأغلب الظن أنّ من أهم الأسباب سيطرة الفكر الفقهي على العقلية الثقافية التي كانت سائدةً، ولا يخفى أنّ مفهوم المرجع في الثقافة الفقهية يقع مرادفاً لمفهوم المجتهد([7]).

2 ـ عهد ظهور الدراسات المختصّة بالمرجعية والمؤسّسة الدينية (1960 ـ ….)

ذكرنا أنّ العهد الأول لم يشهد تداولاً علمياً وثقافياً للمرجعية بصورة مستقلّة، واستمرّ الوضع على هذه الحال حتى القرن الرابع عشر للهجرة، الذي شهد بداية العهد الثاني الذي ابتدأ بأول تأليف حول المرجعية. وشهد هذا العهد ظهور أبرز نماذج للمرجعيات الشيعية، التي تمثلت بآية الله السيد البروجردي الذي تميّز عهده باتساع رقعة المرجعية وتألّق أدوارها وممارساتها الاجتماعية والعلمية والاقتصادية. لكنّ هذا الأمر لم يستمرّ بعد رحيل المرجع المذكور، فلم يكن من خلفه من المراجع بالمستوى الذي كان عليه البروجردي؛ الأمر الذي أدّى إلى فراغ في (المرجعية المطلقة) دام سنوات، وعلى إثره غاب العنصر الإداري الذي كان يدير دفّة شؤون المكلّفين والمقلّدين في سائر أنحاء العالم، وكانت هذه المعضلة قد دعت ثلّةً من أبرز طلبة الحوزة العلمية والجامعة الأكاديمية إلى الالتفات لظاهرة جديدة يمكن تسميتها بأزمة المرجعية أو الأزمة الناشئة عن فراغ المرجعية، والإسراع لإيجاد حلّ لها، وهكذا أوعزت المجموعة إلى أفرادها ليقوم كلّ منهم بتبنّي جهة من جهات الظاهرة والقيام بدراستها وتحليلها.

أوّل نتاج حول المرجعية، تداعيات أزمة الفراغ بعد البروجردي

وقد تمخّض عن هذه الجهود الفكرية مجموعة من الدراسات نشرت عبر كتاب حمل عنوان: (بحوث حول المرجعية والمؤسسة الدينية)([8])، وقد شكّل هذا الكتاب نقطة تحوّل وبدايةً لعهد جديد في الدراسات المختصّة بالمرجعية، وهو ما أسميناه بالعهد الثاني.

جاء في مقدّمة هذا الكتاب ما يلي: «لقد كانت تبعات رحيل آية الله البروجردي في مطلع عام 1340ش/1380هـ ثقيلةً للغاية؛ ذلك أنّ غالبية الشعب الإيراني تمثله الطائفة الشيعية التي تتمسّك بتقليد الفقيه «الأعلم»، وهكذا الحال في باقي البلدان ذات التواجد الشيعي؛ فالحزن المشوب بالقلق بدأ يتسرّب إليها شيئاً فشيئاً جرّاء غياب المرجعية، والذي بدأ يهدّد الكيان الاجتماعي والديني. وأصبح المجتمع الشيعي يبحث ويسأل بقلق عن المرجع الجديد الذي سيتولّى زعامة الطائفة الشيعية، ومن سيكون الأعلم والأصلح لتولّي هذا المنصب؟.. ولا زال هذا التساؤل مطروحاً منذ 20 شهراً، ولم تظهر بوادر الانفراج بعد، وفي خضمّ هذه الأحداث تطوّعت مجموعة من الشباب المؤمن الواعي، تدفعهم نواياهم الصادقة وعقيدتهم الراسخة وبصيرتهم النافذة، للتصدّي للأزمة من خلال دعوة الناس لاختيار المرجع الجديد، وكانت هذه البادرة مهمّةً للغاية؛ إذ لولاها لأصبح المجتمع الشيعي مهدّداً بالعزلة والانفصال عن المرجعية».

وهكذا بدأت الندوات والحلقات تُعقد بغية الخروج من الأزمة، وكانت أغلبها تتمّ بدعوة من التجمّعات الإسلامية التي تنتشر في طهران وباقي المحافظات، والتابعة جميعها للأمانة العامة للتجمّعات الإسلامية، وكانت الصفة التي يتصف بها الجميع، أي من يعقد الندوات ومن يحضرها، أنّهم من المقلِّدين، فبات من الضروري توجيه دعوة لمجموعة من الفقهاء ورجال الدين المواكبين للأحداث والمهتمّين بشؤون الشباب والطبقة الطلابية لحضور الندوات والمشاركة فيها؛ للاستفادة من طروحاتهم وأفكارهم([9]).

هذا مقتطف لما تضمّنته مقدّمة الكتاب الذي أقدم على تأليفه أبرز رجالات الفكر الشيعي آنذاك، وهم: العلامة الطباطبائي، ومرتضى مطهري، والسيد أبو الفضل الموسوي المجتهد الزنجاني، والسيد محمود الطالقاني، والسيد محمد بهشتي، والسيد مرتضى الجزائري، والمهندس مهدي بازركان، وقد ذكر المؤلّفون في مقدّمة الكتاب رؤيتهم للمرجعية وفهمهم لها، فجاءت المقدّمة ثريّة المحتوى بما اشتملت عليه من أبحاث حول مكانة المرجعية وأهميّتها في الثقافة الشيعية. وقد كانت هذه أوّل دراسة تتمحور أبحاثها حول المرجعية بصورة حصرية، كما أنّها كانت أوّل بادرة لدراسات أخرى قيّمة أعقبتها.

ولأهمية هذا المصدر ننقل بعض ما جاء في مقدّمته، من دون تصرّف: «إنّ القرآن لا يندّد بالتقليد والاتّباع، وإنّما يقف بوجه التقليد إذا كان تقليداً أعمى لا يحتكم إلى معايير، وقد جعل الله سبحانه الفرد مسؤولاً تجاه ما أولاه من نعمة السمع والبصر والعقل والفكر، ومكلّفاً بالحمد والشكر عليها، وإنّ عنصري التقليد والاتّباع لم يندثرا إثر تقدّم الزمن، بل على العكس؛ فالحاجة إليهما أصبحت أشدّ باتساع دائرة العلوم، واتجاه الحركة العلمية نحو التخصّص؛ وهي بذلك تقتضي متابعة ومواكبةً وانضباطاً فائقاً، وإذا ما استقرأنا حركة الجماهير المعاصرة فسنجدها تسير وفق خطط ومناهج طويلة الأمد أعدّت لها مسبقاً، محققةً بذلك استجابةً ومتابعة لأطروحات المتخصّصين والعلماء، أي إنّ الحركة الجماهيرية المتحضرة تمثل استجابةً وتقليداً واتباعاً لأولي العلم وأولي الأمر، على أن لا يكون هذا التقليد والاتّباع مغفلاً للعقل أو طامساً للوعي، أو ناشئاً عن استجابة لحاكمٍ استبدادي، وإنّما نتيجة ظهور وصعود نخبة صالحة تمتلك صلاحيات وكفاءات تؤهلها لقيادة المجتمع، ولا فرق في أن يكون صعودها نتيجة انتخابات مباشرة أو غير مباشرة، وإنما المهمّ أن يكون الناخبون ــ أي أفراد المجتمع ــ على علم ووعي وحرية في ممارسة انتخاب سائر الكفاءات، سواء على المستوى السياسي أو التجاري أو الطبي أو العلمي أو الفنّي، وبسائر حقائبهم سواء الوزارية أو وكالة الوزارات أو المدراء أو الدكاترة أو باقي المختصّين»([10]).

وبعد أن تحدّثت المقدّمة عن التقليد وأهميّته ووسعة انتشاره في المجتمعات المعاصرة، تحوّلت للحديث عن الطائفة الشيعية، وعن عنصري الاجتهاد والتقليد لديها، تقول: «إن القرآن الكريم والمذهب الشيعي، الذي ترك باب الاجتهاد مشرّعاً وأسّس للمرجعية وشرّع التقليد، يصرّان على ذلك أيضاً، فالمرجعيّة تولد عبر الممارسة الانتخابية التي تفرض على الناخب (المقلِّد) البحث والفحص عن الأعلم، وهي بذلك تتصدّر الممارسات الانتخابية كافة (كالحركة الدستورية وما أعقبها من انتخابات في إيران، بل والحكومات البرلمانية في العالم الغربي كافة)، وبذلك لا يكون ما نسعى له بمنأى عن البحث والفحص أو مصادراً لعنصر الكفاءة»([11]).

وبعد هذه الخطوط العامة، تتحوّل المقدّمة إلى بيان الغاية من تأليف الكتاب، وهي تحديد الأعلم والأصلح لتولّي منصب المرجعية، كي يتمكّن الشيعة من تقليده بعد رحيل آية الله البروجردي.

هموم قضايا المرجعية في العهد الثاني، ظهور تساؤلات جديدة

وقد اكتشف الباحثون أثناء العمل على الكتاب أهمية منح الأولوية لدراسة الأسس والركائز التي يُشاد عليها بنيان المرجعية، وتقديمه على سائر البحوث الأخرى، «لقد كان المبتغى من الدراسة تحديد مجموعة من المرشحين للمرجعية واختيار الأعلم أو الأصلح من بينهم، لكنّ الوضع تغيّر وبدأ يأخذ مَدَيات أوسع؛ فخرج عن طابعه الشخصي المحدود إلى دائرةٍ أوسع بكثير؛ وذلك لأنّ البحث عندما وصل إلى هذه المرحلة ــ أي مرحلة الترشيح واختيار الأعلم ــ تطلّب بحثاً آخر هو معرفة سمات المرجع وخصائصه، وهذا البحث بدوره جرّنا إلى بحوث أعمق حول ماهية التقليد وأهميّته، وبدأت تظهر تساؤلات تستدعي الإجابة عنها، فعلى سبيل المثال: هل الأعلمية سمة نسبية شأنها شأن باقي الشؤون الدنيوية؟ هل هناك تعريف محدّد لها، أم أنّ تعريفها يختلف باختلاف الظروف الزمكانية والسمات الشخصية، أي تتفاوت من شخص إلى آخر؟ هل من ضرورة أو مصلحة ــ دينية أو أرضية ــ تستدعي انحصار المرجعية في فرد، وبعبارة أخرى: هل من مصلحة في تمركز المرجعية؟

إنّ هذه التساؤلات التي أثيرت من قبل الأخوة الباحثين تجعلنا نصبّ اهتمامنا على دراسات من قبيل: كيفية ظهور التقليد والمرجعية في الإسلام، وما هي حدودها وآلياتها ومجال عملها؟ والاهتمام بهذه البحوث وإعطائها الأولوية يوفّر لدينا معايير وموازين، وهو أفضل ــ بالطبع ــ مما لو تركناها والتجأنا إلى التخمين في ترشيح العلماء لمنصب الزعامة والمرجعية، الأمر الذي ربما يتعرّض لكثير من التحيّزات أو الميول أو العواطف.

إن التوفر على المعايير وامتلاك الصورة الكاملة بكافة أبعادها، يسهّل عملية الاختيار والانتخاب، ويمكّن الناخب من التعرّف على مرشحه من خلال ما يمتلك من معايير وموازين وخلفيات، فتكفيه استشارةٌ بسيطة حينئذٍ ليقوم بانتخاب مرشحه للمرجعية؛ وهذا هو بالتحديد ما دفعنا لهذه المحاولة التي نأمل بعون الله أن تساهم في تسهيل عملية انتخاب الأصلح؛ فتكون بذلك قد حقّقت مصلحةً من مصالح الأمّة الإسلامية»([12]).

يكشف لنا النص المتقدّم عن الأجواء التي كانت سائدةً آنذاك والعقلية التي كان يفكّر بها المؤلفون؛ لكنّ المهم في ذلك كلّه دخول عناصر ومفاهيم جديدة إلى الساحة الفكرية والثقافية كـ: «المرشح للمرجعية» و «الانتخاب الواعي للمرجع» و «المهام الاجتماعية للمرجع»، رافق ذلك التأكيد على أنّ المرجعية لا تنحصر في الإجابة على فتاوى الطهارات والنجاسات والمسائل الكلّية، بل تتجاوز ذلك، وهذا ما شاهدناه في عصر آية الله البروجردي؛ إذ اتسعت مرجعيّته وامتدّت آفاقها عالمياً.

«قد يجد بعضٌ أنّ هذه الدراسات والبحوث والتفاصيل ــ حول المرجعية ــ زائدة عن الحاجة، وينظر إلى الموضوع نظرةً ضيقة، بحيث لا يجدها تستدعي كلّ ذلك الاهتمام، وهذا صحيح فيما لو حصرنا التقليد في مسائل الطهارات والنجاسات ومسائل الشك والسهو فقط، لكنّ الواقع الذي نجده في مطاوي الكتاب (بحوث حول المرجعية والمؤسّسة الدينية) يكشف لنا شيئاً آخر؛ فإذا ما تمعنّا في محتواه بسائر أبعاده سنكتشف آفاقاً واسعةً جداً، بل إنّ هذه النظرة الضيقة إذا ما تحوّلت إلى ثقافة بين المقلّدين وبقي المقلدون غافلين عن صلاحيات المرجعية وأبعادها الواسعة جداً؛ فسيؤول الأمر إلى تحجيم دور المرجعية وتهميشه، ومن ثمّ إلى أزمات شديدة ومنحنيات خطرة»([13]).

ونستمرّ مع مقدّمة الكتاب؛ حتى نصل إلى عصارة ما ورد فيها: «إضافةً لاستجابتها للمتطلّبات الشرعية للفرد؛ تمارس المرجعية مهاماً اجتماعية وسياسية ودينية على مستوى البلد، ولها امتداد في أعماق الأمّة؛ فهي الثقل الدنيوي والأخروي لنا، والشاهد على ذلك، العدد الهائل للمآتم والتعازي التي أقيمت بُعيد وفاة آية الله البروجردي في أنحاء إيران كافة، والتي تكرّرت بعد وفاة سماحة السيد أبو الحسن الإصفهاني، وجاءت هذه المرّة على شكل مسيرات وتظاهرات حاشدة ملأت البلاد، فكانت حشود الناس تكتظّ في شوارع العاصمة طهران، وتبدأ مسيرتها من السوق الرئيسي للعاصمة، وهي تجهش بالبكاء كأنّها افتقدت للتوّ أباً لها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، شكّل ثقل المرجعية أزمةً حقيقية للمسؤولين في البلاد، وقد تبلور ذلك عبر الاتصالات المكثفة التي أجريت بعد الحادثة، والمناقشات والتنويهات في البرلمان، فقد كانت تصرّ على نقل المرجعية من إيران إلى العراق، فكرّست أموالاً طائلة، وبدأت الحكومة بتحرّكات غير معلنة لتحقيق ذلك.

ومما يسلّط الضوء أكثر على ما ذكرنا، ما حدث لمجموعة من أساتذة الجامعة، فقد عزمت هذه المجموعة في تلك الأيام ــ أيام رحيل آية الله البروجردي ــ على إقامة سفرة علمية وسياحية خارج العاصمة طهران، وكان أغلب أفراد المجموعة من غير الملتزمين بالصلاة أو التقليد، لكن في الوقت نفسه كان محور الحديث في السفرة يدور حول الشخص الذي سيخلف المرجع الراحل، ومن الطريف أنّ الشخص الذي كان مصرّاً ومتلهفاً أكثر من الآخرين، لمعرفة المرجع الجديد لم يكن مسلماً»([14]).

تحوّل المرجعية في العهد الثاني إلى ظاهرة وطنية وسياسية

وهكذا تحوّلت المرجعية ــ ولأول مرّة ــ إلى قضية وطنية وأمنية؛ مما دفع بالساسة لمحاولة التدخل في شؤونها والسيطرة على مفاصلها: «فالمقصود أن المرجعية ــ سواء كنّا من المقلدين لها أم لم نكن ــ إلى جانب كونها حقيقة دينية، تعد اليوم قضية وطنية وإسلامية ــ إلى حدّ ما ــ وعالمية أيضاً، ببعديها الإيجابي، المتمثل بالزعامة والقيادة الدينية ودعم المسلمين تربوياً ونفسياً، والسلبي المتمثل باستغلالها من قبل الساسة من أجل توظيفها لمصالحهم والإيقاع بالإسلام والأمة الإسلامية في إيران! فإنّ الغفلة عن هذا الأمر تستتبع أزمات وخسائر فردية واجتماعية والتباطؤ فيه يؤدّي إلى خسران دنيوي وأخروي»([15]).

ولا تغفل المقدّمة حاجة المراجع إلى آراء الخبراء والمستشارين؛ لأنّ المرجع ليس بمعصوم وعلمه محدود؛ فهو بحاجة مستمرّة إلى مختصّين وكفاءات ذوي خبرة عالية، يشيرون عليه بالرأي السديد: «لابدّ من التنويه إلى أن الخطأ لا ينحصر بالمقلّد والشخص العادي، وإنما يشمل المراجع أيضاً؛ لأنّهم بشرٌ غير معصومين، وعلمهم محدود، وهم بحاجة مستمرّة إلى ذوي الخبرة ممّن يشير عليهم»([16]).

ولابد هنا من التأكيد ثانيةً على أنّ المرجعية لا تنحصر في الأمور العبادية، وإنما دائرتها أوسع من ذلك بكثير؛ فهي لا تجمد على نصّ محدد وإنما تفسّر النصوص بحسب الظروف الزمانية والمكانية: «إنّ مسألة المرجعية والتقليد ليست مسألة بديهية كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة التي صحّت فيها النصوص وأجمع على قبولها المسلمون، وإنما هي من المسائل المختلف فيها، والتي تستلزم بحثاً ودراسة واستقصاءً، وكلّما كان البحث حول المرجعية أتمّ وأشمل ويتسم بتلبيته للظروف الزمانية والمكانية، كان أقرب للصواب والصلاح، إضافة لما يترتب عليه من الثواب الجزيل»([17]).

ومما ورد في المقدمة أيضاً، تقريرٌ مفصّل يسرد مراحل تأليف الكتاب وإعداده ويحتوي على لفتات جديرة بالتوقف عندها: «بعد الاجتماعات والندوات المتكرّرة التي تمّ عقدها في خريف وشتاء السنة الماضية بحضور السادة كافة، وخصوصاً من كان منهم خارج العاصمة طهران، وتحمّل مشاق السفر من أجل الحضور والإسهام في الاجتماعات، التفت الإخوة إلى سعة الموضوع وترامي أطرافه؛ فقرّروا تصنيفه إلى عناوين رئيسة، تكون جامعةً لجوانب الموضوع كافة قدر الإمكان، ثم يقوم كلّ شخص بتبنّي عنوان معين ودراسته دراسةً مفصّلة، ثم تقديمه ضمن ندوة سوف يتمّ عقدها، كي يتسنّى بعد ذلك طباعته ووضعه بين يدي القرّاء. لكن الندوة استلزمت وقتاً طويلاً وإمكانيات لم تكن متاحةً في ذلك الوقت، فقرّرنا أن يدوّن الإخوة دراساتهم بشكل مقالات، ثم تقرأ على مسامع باقي الأخوة ليبدوا آرائهم حولها، وبعد تجاوز هذه المرحلة يتمّ جمع المقالات ضمن كتاب واحد، ثم تسويقه عبر دور النشر»([18]).

وفي نهاية المطاف، تمّ جمع عشر مقالات تحت هذه العناوين: «الاجتهاد والتقليد في الإسلام ولدى الشيعة» للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، و«شروط المرجع ومهامّه» للحاج السيد أبو الفضل الموسوي مجتهد زنجاني، و«الاجتهاد في الإسلام» لمرتضى مطهري، و«الولاية والزعامة» لسماحة العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، و«المراجع ومتطلّبات المجتمع» للمهندس مهدي بازركان، و«رجال الدين في الإسلام والمجتمع الإسلامي» للسيد محمد البهشتي، و«المشكل الرئيس في المؤسّسة الدينية» لمرتضى مطهري، و«المركزية واللامركزية للمرجعية»، للسيد محمود الطالقاني، و«تقليد الأعلم أم شورى الفتوى» لمرتضى الجزائري، و«سمات المغفور له السيد البروجردي وإنجازاته» لمرتضى مطهري.

وكان مدير المشروع يرى أنّ «هذا المجهود ــ الذي صدر عبر كتاب (بحوث حول المرجعية والمؤسّسة الدينية) لا يدّعي لنفسه الكمال والتمام، ونحن نقرّ بأنّ الكثير من المسائل غفل عنها الباحثون، وهناك مسائل أخرى تكرّرت تكراراً سلبياً؛ فهي زائدة لابدّ من إزاحتها، لكن نقول: إنّ مجرّد طرح مثل هذا الموضوع من شأنه تمهيد الطريق لدراسات وبحوث أخرى قد تأتي لاحقاً، ومع ذلك كلّه، فإنّ الكتاب ــ ونرجو من الله قبوله ــ لا يخلو من فائدة للقارئ الكريم، ولا يخفى أنّ هذا البحث حول المرجعية يعدّ الأول من نوعه، ولم يسبق له مثيل في التاريخ الشيعي بأسره، والسرّ في ذلك أنّه تصدّى لدراسة أسس المرجعية ومكوّناتها، فتجد فيه مجهوداً استقصائياً فريداً، يسير عبر التاريخ مفتّشاً عن دقائق الأمور التي حصلت في الماضي، ويجد حلولاً لأزمات الحاضر والمستقبل»([19]).

وكما أسلفنا، فمثل هذا البحث حول المرجعية لم يسبق له مثيل؛ لأنّه تعرّض لمسائل لم يتعرّض لها أحد على مدى التاريخ الشيعي؛ فالمقالات العشر التي يتألّف منها الكتاب قد استعرضت آراء الباحثين حول آليّة عمل المرجعية؛ وبذلك تمكّنت ــ هذه المقالات ــ من إدخال الدراسات المختصّة بالمرجعية عصراً قد احتاجت فيه الأمّة إلى إعادة بناء صلتها بالمرجعية، واحتاجت المرجعية نفسها إلى عناصر جديدة تمكّنها من الاستجابة لمستحدثات المقلّدين ومتطلّبات العصر الجديد.

وبذلك يكون هذا الكتاب قد ابتدأ عهداً جديداً في دراسات المرجعية؛ فكلّ من المقدّمة والمحتوى تشيران إلى أنّ المؤلّفين كانوا بصدد إرساء مشروع كبير، والبدء بحركة واسعة وشاملة بهذا الصدد، لكن يا ترى هل حالفهم التوفيق؟ وهل استمرّت حركة التأليف حول المرجعية كما كانوا يأملون ويطمحون؟

تتالي الدراسات حول المرجعية في المجتمع الشيعي إبّان العهد الثاني

على أثر كتاب «بحوث حول المرجعية والمؤسّسة الدينية»، ظهرت عدّة دراسات من ضمنها:

أ ــ مكوّنات الطائفة الشيعية([20]): تعدّ هذه أول دراسة تقليدية حول المرجعية ظهرت ضمن كتاب أعدّه القسم الاجتماعي في جامعة طهران، تحت إشراف أبو محمد وكيلي، وقد جاء المجهود متأخراً عن «بحوث حول المرجعية والمؤسّسة الدينية».

يشير الكاتب ــ ممهّداً ــ إلى أن الكتاب يتضمّن مجموعة من الدراسات حول عنصر الاجتهاد لدى الشيعة، وقد قسّمت إلى دراسات حول الاجتهاد ودراسات حول التقليد، وتصدّى القسم الأول من الكتاب لعدّة بحوث هي: تعريف الاجتهاد، والاجتهاد لدى أهل السنّة، والعوامل التي أدّت إلى سدّ باب الاجتهاد لديهم، وتأريخ الفقه والاجتهاد لدى أهل السنّة أيضاً، والاجتهاد لدى الشيعة، ومقارنة بين الاجتهاد الشيعي والسنّي، والاجتهاد عند الإخباريين، وأخيراً، بحوث حول المجتهد.

أمّا بالنسبة إلى الفصل الثاني، والمتعلق بالمرجعية، فقد تضمّن خمسة فصول، وهي: 1 ــ مرجعية التقليد كيف ظهرت؟ 2 ــ وجوب التقليد. 3 ــ شروط مرجع التقليد. 4 ــ كيف تتم مرجعية التقليد في العصر الحاضر؟ 5 ــ مراجع التقليد وزعماء المذهب الشيعي منذ الغيبة وحتى الآن.

أمّا بالنسبة إلى المنهج، فقد استخدمت الدراسةُ المنهجَ التاريخي ــ الاجتماعي؛ مما جعلها الأولى من نوعها على هذا الصعيد.

ولنقف قليلاً عند الفصلين الرابع والخامس؛ فقد تناول الفصل الرابع طبيعة المرجعية في السابق، وما هي عليه الآن، ومسيرة المرجعية عبر الزمن، وشورى الإفتاء، وأخيراً آلية انتخاب مرجع التقليد، فيما تناول الفصل الخامس مراجع التقليد وزعماء الطائفة الشيعية منذ غيبة الإمام صاحب الزمان وحتى عصرنا الحاضر، وحول تبعية المراجع، والبيئة الدراسية للمرجع الديني، ومراحل تكوّن المرجع وتطوره، الثنائية والثلاثية والرباعية، سكن المراجع وإقامتهم، الذاتية والموضوعية لدى المرجعية.

وقد تطرّق هذا الفصل (ص120 ــ 123) إلى 85 مرجعاً من مراجع الشيعة على مدى الفترة الممتدة من عصر الشيخ الصدوق وحتى آية الله البروجردي.

ويمكن اعتبار هذه الدراسة ــ مكوّنات الطائفة الشيعية ــ متأثرةً إلى حدّ كبير بما تضمّنه كتاب بحوث حول المرجعية والمؤسّسة الدينية، وما يميّزها عنه أنّها وسّعت بعض بحوثه.

ب ــ المؤسّسة الدينية عند الشيعة: كتابٌ آخر لنصير الدين أمير صادقي، يمكن تصنيفه ضمن العهد الثاني من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية ([21]). يحاول المؤلّف من خلاله تسليط الضوء على نقاط الضعف والإخفاق التي منيت بها المؤسّسة الدينية، والتي شملت كلاً من المجال التبليغي ومجال العلاقات الاجتماعية والمجال التعليمي، وأخيراً منظومة القيم بشكل عام. والشواهد التي اتكأ عليها المؤلف لم تأت من خارج دائرته وإنّما بحكم توجهاته، فهو أحد طلبة العلوم الدينيّة، ويعتبر من صميم المؤسّسة الدينية.

ومن السمات البارزة في هذا الكتاب طابعه النقدي، لكنّ المؤلف لم يفلح في إيجاد الحلول للنقود التي وجهها، وقد حمل الكتاب بعض العناوين التي تطرّقت إلى المرجعية وهي: التجاذبات والنزاعات حول المرجعية، تعدّد المراجع، المرجعية والأطماع، المرجعية في الإسلام، وفيه يقدّم تعريفاً للمرجعية وبياناً لمهامّها، صلاحيات المراجع، الاجتهاد بين الضياع والتحريف، الاجتهاد للجميع، المرجعية والرسالة العملية، حصر المرجعية بالإفتاء، تاريخ الرسائل العملية، المراجع ومحاولة التقليد في تدوين الرسائل العملية، مصادر الرسائل العملية، الاجتهاد المتحرّك، الاستبداد بالرأي أو سبب الفرقة.

ج ــ المعالم الجديدة للمرجعية الشيعيّة، دراسة وحوار مع آية الله السيد محمد حسين فضل الله: وهو كتاب باللغة العربية([22])، وقد ظهر هذا الكتاب في العهد الثالث من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية، لكنه مع ذلك يعتبر من كتب العهد الثاني من حيث المحتوى، إذ إنّ محتواه ينصبّ على المرجعية الشيعية في العراق ولبنان، ومن المعلوم أنّ المرجعية في هذين البلدين لم يحالفها التوفيق في التصدّي للزعامة الدينية والاجتماعية كما هي الحال في إيران، ولهذا يمكن تشبيه المرجعية في هذين البلدين بالمرجعية إبّان العهد البهلوي في إيران.

أمّا عن فهرست الكتاب، فهو يتألف من أربعة فصول وملحقين: الفصل الأول تحت عنوان المرجعية والمجتمع. ويدور حول مكانة المرجعيّة وموقعها لدى الأمّة. وتأثير الأمّة عليها باعتبارها الرصيد الكبير للمرجعية، والفصل الثاني تحت عنوان إشكاليات الواقع الشيعي، ويستعرض هذا الفصل نظرةً استشرافية للسيد فضل الله نحو إشكاليات المرجعية الشيعية التي تعدّ في واقعها أزمةً حقيقية تواجهها المرجعية الشيعية، أمّا الفصل الثالث فحمل عنوان المرجعية الشاملة، ويدور حول ظروف المرجعية الحاضرة والمستقبلية، ويتطرّق إلى المؤهلات الشخصية والذاتية للمرجع من علمٍ وأخلاق، والمرجعية باعتبارها مؤسّسة فيما تمثل الجماهير القاعدة التي تستند إليها، ويكرّس شمولية المؤسّسة المرجعية وانفتاحها على الإسلام والعالم والمتغيرات، وأمّا الفصل الرابع، ففيه حوار مع السيد فضل الله، يتبلور ضمن أربعة أحاديث وهي:

الحديث الأول: تجربة المرجعية في القرن الماضي، أزمة البدائل المرجعية، التعدّدية المرجعية، الدور المطلوب من المرجع، نماذج رائدة للمرجعية، تنظيم الحوزة.

الحديث الثاني: نحو مشروع شامل للمرجعية، الولاية والمرجعية، حاجة المرجع إلى الثقافة العامة، نظرتان لتجديد الحوزة العلمية، عوامل الارتباك في حركة المرجعيات، الأعلمية ليست شرطاً للمرجعية، مشكلة العمر عند المراجع، الصراع بين القديم والجديد في مسألة المرجعية، المطلوب.. وحدة المرجعية، عناصر القوّة والضعف في المرجعيّة الشيعية.

الحديث الثالث: الكوابح التقليدية، عهد مرجعي جديد، حاجات المرجعية المتزايدة، العلماء والأمة.. مسؤولية مشتركة، المرجع.. أعلم أم أفضل؟، الإحساس العام بضرورة تطوّر المرجعيات، مسؤولية صنع التحوّل في واقع المرجعية، عناصر القوة في المرجعية الشاملة، محتملات الأزمة بين المرجعيّات، محتملات التصدّع في جمهور المقلّدين.

الحديث الرابع: مناقشة المقترحات المطروحة حول المرجعية، المجلس الفقهي، وحدة المرجعية والولاية، الخمس والزكاة.. للولي أم للمرجع؟، تجزءة التقليد، البحث أم التأجيل؟، مؤتمر لفقهاء الشيعة، بين الولاية والمرجعية الشاملة، طموحات مستقبلية.

أمّا الملحقان فهما:

ملحق رقم (1): في هذا الملحق، أطروحة المرجعية الصالحة عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر )، ويشتمل على العناوين التالية: أهداف المرجعية الصالحة، تطوير أسلوب المرجعية، مراحل المرجعية الصالحة.

ملحق رقم (2): وفيه رسالة الإمام الخميني , إلى العلماء والحوزات العلمية في تاريخ 15 / رجب/ 1409هـ.

إنّ أهم ما يميّز هذه الدراسة ــ المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية ــ هو تصدّيها للمؤسّسة المرجعية ومهامها التي اعتبرتها شاملة ومتحرّكة، تتجاوز بيان الأحكام الفردية وتدوين الرسائل العملية، والميزة الأخرى تكمن في الأطروحة التي وضعها الشهيد السيد محمد باقر الصدر (1353 ــ 1400هـ) للمرجعية. فقد كتب , عبر مرحلتين، رافقت أولاهما أحداث الثورة الإسلامية الإيرانية، وتأثرت بالنهضة الشيعية والمرجعية في إيران. ويمكن تصنيفها زمنياً ضمن العهد الثالث من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية، طبعاً لا تخلو هذه الكتابات التي كتبها الشهيد الصدر من تكرار لما جاء في كتاب بحوث حول المرجعية والمؤسسة الدينية، والتي أسندناها إلى العهد الثاني، لكن مع ذلك فهي بمجملها تنضوي زمنياً تحت العهد الثالث.

ومن جملة مقالاته ) والتي يمكن تصنيفها ضمن مقالات العهد الثاني: رسالة قصيرة تحمل عنوان: لمحة فقهية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران([23])، ومقالة أخرى تحت عنوان: «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»([24])، وقد اتسمت المقالتان بسمعة مشتركة، وهي إسناد النظام السياسي الشيعي على أسس المرجعية وتدويره حول محورها.

د ــ المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية: وهي دراسة للباحث اللبناني حسين معتوق([25])، وقد ابتدأها بالمقدّمة منوّهاً إلى أن غالبية الشيعة يفتقدون الثقافة المرجعية، بل لا يكادون يعلمون شيئاً عن المرجعية، وبهذا التنويه بدأ المؤلّف مشروعه، وقد صدر في الفترة التي أعقبت رحيل آية الله السيد محسن الحكيم، وهي الفترة التي شحنت بالأحداث والتحوّلات، ويمكن اعتبار هذا الكتاب رائداً بين المصنّفات التي استقلّت بالحديث عن المرجعية.

أمّا عن العناوين التي ألّف مجملُها هذا الكتاب فهي: حقيقة المرجعية الشيعية، الشروط والآليات التي تؤهّل للمرجعية، الاجتهاد والتقليد لدى الشيعة، سمات المرجع والأصول المتبعة في انتخابه، دور الأمّة في انتخاب المرجع، طبيعة العلاقة بين الأمّة والمرجع، آية الله الحكيم والمرجعية.

ميزات العهد الثاني

ثمّة سمات مشتركة بين المؤلّفات والمصنفات والدراسات التي صدرت في العهد الثاني من عهود التأليف حول المرجعية، أي بين الأعوام 1961 ــ 1979م، يمكن حصرها من خلال عملية استقصاء، وهذه السمات والخصائص عبارة عن:

أ ــ ظهور مؤلّفات ودراسات اختصّت بالحديث عن المرجعية.

ب ــ دخول مفاهيم جديدة إلى حقل الدراسات المختصّة بالمرجعية كترشيح المرجع، وانتخابه، والمهام والوظائف الاجتماعية له.

ج ــ لم يشهد هذا العهد ترادفاً بين الاجتهاد والمرجعية، كما كان متداولاً في العهد السابق، والذي كان الحديث عن المرجعية فيه يعني الحديث عن الاجتهاد والتقليد، وإنّما أصبح مفهوم المرجعية في هذا العهد مفهوماً واسعاً مستقلاً له أبعاده وآفاقه.

د ــ تحوّلت الرؤية التي كانت تنظر إلى المرجعية بمنظار فقهي إلى رؤية جديدة تنظر إليها بوصفها كياناً دينيّاً واجتماعيّاً.

هـ ــ اعتبر الاجتهاد في هذا العهد مكوناً هاماً؛ لكنّه لا يمثل هيكل المرجعية بأكمله، على خلاف ما كان معهوداً في السابق من انطباق المرجع على المجتهد والمجتهد على المرجع، وإنّما أصبح المرجع في العصر الحالي مفتقراً ليس إلى الاجتهاد فحسب بل إلى شروط ومؤهلات أخرى، وبذلك يصح القول: كلّ مرجع مجتهد؛ لكن ليس كلّ مجتهد مرجع.

و ــ اعتبار عنصري: التفاعل الاجتماعي والولاية على الأمّة أهم مهمّة ملقاة على عاتق المرجع، وإلى جانبهما يأتي عنصر تحديد الوظيفة العملية للفرد والمتمثل بالإجابة عن الأحكام والمسائل الشرعية.

ز ــ شهد هذا العهد أيضاً، ولادة دراسات جديدة طرحت على طاولة البحث من بينها: حاجة المرجع إلى ذوي النهى من المختصّين والخبراء؛ إذ ليس بإمكانه الإحاطة بكلّ شيء.

ح ــ تناولت هذه الفترة أطروحات عديدة، من بينها أطروحة شورى المراجع التي تنعكس إيجابياً على إدارة المؤسّسة الدينية.

3 ـ عهد الدراسات السياسية حول المرجعية الدينية (1980 ـ ….)

تميّزت فترة خمسينيات القرن المنصرم ــ وهي الفترة التي بدأ فيها السيد روح الله الموسوي الخميني، المرجع الذي أفرزته الحوزة الدينية في قم، حملته المناهضة لنظام الشاه التي وصلت إلى ذروتها في عام 1979م، وأثمرت انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة المرجع الشيعي ــ تميّزت بتحوّل الباحثين لدراسة المواقف السياسية والمهام الاجتماعية للمرجعية الشيعية، والتركيز عليها بشكل كبير بحيث أصبحت المرجعية مرادفةً للزعامة السياسية.

وعلى صعيد العالم الغربي، اعتبرت المؤسّسات الأكاديمية والبحثية ظاهرة المرجعية ظاهرةً مهمّة، تتطلّب دراسات شاملة واهتماماً مركّزاً، على إثر ذلك؛ ظهرت دراسات وبحوث عديدة تمحورت حول المرجعية، وقد حملت هذه الدراسات طابعاً سياسياً، فكان معظمها يدور حول المواقف السياسية للمرجعية الشيعية، بحيث يمكننا عدّ هذه الفترة ــ وهي الممتدّة من 1978م وحتى الوقت الحاضر، فترة ولادة الدراسات المختصّة بالمواقف السياسية للمرجعية.

ويمكننا ــ عبر استعراض عدّة نماذج صدرت في تلك الفترة ــ تسليط الضوء على واقع الدراسات المختصّة بالمرجعية آنذاك.

أ ــ ولاية الفقيه للإمام الخميني: يتألّف من مجموعة دروس ألقاها الإمام الخميني في النجف الأشرف عام 1968م، صدرت أوّل نسخة منه في إيران عام 1977م، وتكرّر طبعه عدّة مرّات في الفترة اللاحقة، ويعتبر هذا الكتاب الحدّ الفاصل بين العهد الثاني من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية والعهد الثالث، لكن مع ذلك لا يمكن تصنيفه ضمن الدراسات المختصّة بالمرجعية؛ لأنّ معظم الدراسات التي صدرت في العهد الثالث كانت من النوع الأكاديمي الذي ترك أثراً بالغاً على الفكر والثقافة الشيعيين، بل كان أثر الدراسات الأكاديمية أثراً تأسيسياً وبنيويّاً.

ب ــ ج ــ التشيّع والحركة الدستورية([26])، والتحدّيات الأولى للمفكّرين الإيرانيين([27]): للدكتور عبد الهادي الحائري،وما يميّز الكتابين رصدهما للمواقف السياسية للمرجعية الشيعية، المعاصرة والماضية.

يوضح الحائري هدفه من الكتاب ــ التشيّع والحركة الدستورية ــ في المقدمة (ص1): «إنّ هذا الكتاب محاولة جادّة لدراسة المواقف التي تبنّتها زعامة الطائفة الشيعية من الحركة الدستورية، سواء على صعيد المواجهة المسلّحة أو من خلال الدعم الفكري والرؤيوي للثورة الدستورية المتمثل بالبحوث السياسية للعلامة النائيني».

والكتاب بمجمله رصدٌ للحركة الدستورية ببُعديها: الفكري والنهضوي، والتي يشكّل زعماء الطائفة والمراجع جزءاً منها، كما يحاول دراسة الاتجاه الداعم والمؤيد لها، فهو إذاً مصدرٌ مهم لمعرفة سلوك المراجع وردود أفعالهم تجاه الأزمات المختلفة.

ويمتاز الفصل الثاني من الكتاب، أي (موقف زعماء الطائفة من الجهاز الحكومي) عن سائر الفصول الأخرى باختصاصه بالمرجعية، ففي بعض فقراته وتحت عنوان (مؤسّسة اسمها مرجع التقليد)، يحاول القيام بدراسة تاريخية ــ اجتماعية لواقع المرجعية ضمن هذه العناوين: الأدلة العقلية والنقلية على ضرورة وجود المرجعية والتقليد، التدرّج في المرجعية، إحصاء كافّة مراجع التقليد من بدء المرجعية وحتى الآن، وتقييم هذا الإحصاء، المرجع المطلق ودواعي وجوده، الرسالة العملية وسيلة مهمّة لسائر المراجع، تصنيف لكافّة المراجع بدءاً بالنصف الأوّل من القرن التاسع عشر.

وهذا الجزء من الكتاب يميّزه طابع العهد الثاني من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية، لكن باقي أجزائه، والمتمثلة بدراسة آراء النائيني والطباطبائي والسيد جمال الدين الأسدآبادي، تعمل على رصد عنصرَي: الفكر والعمل السياسي لدى المراجع.

الكتاب الآخر ــ التحدّيات الأولى للمفكّرين الإيرانيين ــ يتمحور حول العمل السياسي لدى مراجع التقليد، متكئاً في ذلك على عدد من النماذج الرائدة في جهادها ضدّ الاستعمار، من بينها الميرزا القمي وكاشف الغطاء.

د ــ دور رجال الدين في الحركة الدستورية: للباحث الأمريكي حامد الكار، كتبه باللغة الإنجليزية وترجم إلى الفارسية، وهو محاولة تسلّط الضوء على الدور السياسي لعلماء الدين الشيعة([28]).

هـ ــ عدد خاص لمجلة حوزة: الإصدار الآخر ظهر هذه المرّة من مدينة قم، ويتمثل في دراسة سياسية لواقع المرجعية الشيعية([29])؛ فقد خصّصت مجلّة الحوزة الصادرة عن مركز التبليغ الإسلامي في الحوزة العلمية، عدديها: الثاني والثالث من السنة العاشرة (57 ــ 65) لشؤون المرجعية، وقد ضمّت اثني عشر مقالة ضمن 385 صفحة، تتعلّق بالمرجعية حصراً.

وقد أوضح المشرفون على المجلّة غايتهم من هذه المحاولة في المقالة الأولى ضمن مقدّمة موجزة؛ فجعلوا تطوّر الشيعة أو تقهقرهم يتناسب طردياً مع تطوّر المؤسسة المرجعية المقدّسة أو تقهقرها، وركّزوا ــ في المقدمة أيضاً ــ على حمل فكرة انتخاب المرجع على محمل الجدّية، كما حذّروا من إيكاله إلى الوعّاظ السطحيين من الذين لا يهمّهم من المرجعية سوى الحصول على الإجازة والوكالة في جمع الأموال والحقوق الشرعية، وبما أنّها المبادرة الأولى التي قامت بها المجلّة، فهي مبادرة قيمة ومباركة على الرغم من عدم شمولها وإلمامها بكافّة جوانب وفقرات الموضوع.

أمّا عن العناوين التي تصدّرت المقالات، فهي كالآتي: آلية انتخاب المرجع، الإمام والمرجعية، التقليد في الأحكام الشرعية، المرجعية، المرجعية والتحدّيات، المرجعية والأعلمية، المرجعية والحكم والفتوى، المرجعية والولاية، المرجعية أسوة في القيم، آليات صرف الأموال والحقوق الشرعية، المرجعية والفهارس العلمية، المرجعية والسياسة، المراجع والرسالة العملية.

وحول نمط هذه العناوين، فإنّ معظمها على ما يبدو قد اكتسب طابع العهد الثاني من عهود الدراسات المختصّة بالمرجعية، وقليل منها تميّز بالطابع السياسي، أي بحث المرجعية ببُعدها السياسي.

هذا، وهناك إصدارات أخرى ظهرت في هذه الفترة وتبنّت دراسة المرجعية في بُعدها السياسي من بينها: المرجع شخصيّته وصلاحياته، لأحمد آذري القمي. والفقه والدولة، الفكر السياسي الشيعي، لفؤاد إبراهيم([30]). ونظرية السلطة في فقه الشيعة، لتوفيق السيف([31]). وضدّ الاستبداد لتوفيق السيف([32]). والحكم في الإسلام للسيد محمد مهدي الخلخالي([33]).

وبهذه المجموعة من الإصدارات، بدأت الدراسات المختصّة بالمرجعية عهداً جديداً، وهو ما أطلق عليه: عهد الدراسات السياسيّة.

4 ـ عهد الدراسات الأكاديمية (1990 ـ ….)

بعد رحيل الإمام الخميني، بدأ المجتمع الإيراني يفقد لمسته الثورية والحماسية شيئاً فشيئاً، وأصبح النظام السياسي القائم في إيران، بعد أن حقّق استقراراً نسبياً، في مواجهةٍ مع الواقع الجديد بكل إفرازاته ومستجدّاته وعلى الأصعدة كافة، المحلّية والإقليمية والدولية.

هذه التحوّلات الفكرية ألقت بظلالها على المنهج الثوري الذي كان سائداً في التعاطي مع ظاهرة المرجعية؛ فاستبدل بمنهج أكاديمي يستند في نتائجه إلى معطيات الواقع. وهذا التحول كان نتيجة لطموح المفكّرين والباحثين المتمثل في التوفر على أعلى مستوى من المعرفة بظاهرة المرجعية، وذلك على إثر تراجع فكرة تولّي المرجعية زمام القيادة ومهام الولاية السياسيّة، وحصرها بالزعامة الروحية والدينية للمجتمع.

وقد عزّز هذا النمط من التفكير ما واجهته موضوعة الولاية السياسية من إشكاليات وثغرات؛ فالثورة الإيرانية ــ التي تشكّل المرجعيةُ محوراً لها ــ لم تنجح على الأصعدة كافة، فلم تختتم الحرب العراقية الإيرانية بالانتصار، وإنمّا انتهت بالصلح، فلم تحتسب نقطةً رابحة للولاية؛ وإنّما عرّضها ــ وعلى مستوى المنطقة ــ إلى منحنى خطير، تجلّى بصورة أوضح في حادثة مكّة الشهيرة، التي شهدت مقتل الحُجّاج الإيرانيين في بيت الله الحرام.

الأمر الآخر الذي دفع المفكّرين والباحثين للاهتمام بأمر المرجعية وتعزيز الدراسات حولها كان مجموعة من التحولات؛ فالانتصار الذي حققه الشيعة في العراق بعد سقوط النظام البعثي، رافقه ظهور توجّهات ديموقراطية لديهم، وهو ما يعني ــ بالضرورة ــ تجاوزاً للولاية السياسية، أضف إلى ذلك عودة الحياة إلى حوزة النجف الأشرف التي تعتبر مركزاً لنظرية ولاية الفقيه القائمة على الحسبة، لا الولاية المطلقة، وأخيراً، الأزمة التي تعصف بالحوزة العلمية في قم، والمتمثلة بإخفاقها في تدعيم ظاهرة المرجعية بالنظريات والرؤى المحكمة.

هذه المجموعة من الأسباب لم تدفع الباحثين لتعميق الدراسات حول المرجعية فحسب، وإنما أدّت إلى إدخال الدراسات المختصّة بها عهداً جديداً، بدأ بعد رحيل الإمام الخميني، ولا يزال قائماً بموازاة العهد الثاني.

وبذلك يكون العهد الثالث قد انبثق من صميم العهد الثاني، وفي الوقت نفسه لا يعني ذلك بالضرورة أنّ العهدان لم يكون معاً أو يشتركا في بعض فتراتهما.

سمات العهد الرابع

1ـ التوفر على نظريات بديلة: فعلى الرغم من فرض سيطرتها وهيمنتها إلاّ أن نظرية ولاية الفقيه لم تخل من إخفاقات على مستوى التطبيق، مما حدى بالباحثين للجوء إلى نظريات فقهاء آخرين، بغية التمكّن من معالجة نقاط الضعف التي تعاني منها نظرية ولاية الفقيه.

ولا يخفى أنّ نظرية ولاية الفقيه تتمحور حول مرجع التقليد؛ وعليه فأيّ دراسة حولها أو حول البدائل لابد وأن ترتبط بالمرجعية على كلّ حال، خذ على سبيل المثال آية الله محمد حسين النائيني، الذي أصبح في متناول كلّ من كتب حول الولاية في هذا العهد، فالعديد من الدراسات تعرّضت لكتاب «تنبيه الأمة» والعديد من الناشرين أعاد طباعته ونشره، والسبب في ذلك أنّ هذا الكتاب جاء بنظريّات جديدة حول موضوعات شملت الهيكل العام للنظام السياسي والحرية والمساواة والقانون العرفي، بالإضافة إلى أنّ هناك عدّة مؤتمرات تمّ عقدها في طهران وإصفهان احتفاءً بالنائيني صاحب هذا الكتاب.

2 ــ التركيز على سُبل تعاطي المرجعية مع الظواهر المستحدثة ومقتضيات العصر الجديد: فاهتمام الباحثين بالمرجعية انصبّ على البُعد العملي لها، أي المواقف التي تجسّدها المرجعية من خلال تعاطيها مع الأحداث، وعلى سبيل المثال، الدراسة التي تبنّت شخصية آية الله الحائري اليزدي، فقد كانت في معظمها قائمةً على البعد العملي لهذه الشخصية والمواقف التي جسّدتها.

3 ــ الاهتمام بالمرجعية بوصفها ــ جغرافيّاً ــ كياناً عالمياً، أو إسلاميّاً، أو شيعيّاً: وبهذا الخصوص صدر عام 1999م كتاب يحمل عنوان «الحوزات العلمية الشيعية والآفاق العالمية»، اختصّ جزء منه بدراسة المرجعية ببُعدها العالمي([34])، ويرى صاحب هذا المجهود أنّ الصفة العالمية رافقت المرجعية عبر مسيرتها التاريخية «فبتولّيه نقابة العلويين وإمارة الحجاج في القرن الرابع، استطاع السيد الرضي، أو أخوه المرتضى، زعامة الطائفة الشيعية وقيادتها في أنحاء العالم كافة».

وعلى كل حال، تبلورت هذه الرؤية للمرجعية في هذا العصر لا سابقه، يؤكّد ذلك عدم العثور على أيّ مصنف قديم تحدّث عن المرجعية ببُعدها العالمي.

4 ــ المرجعية والصحافة: ففي هذا العهد ــ أيضاً ــ تمّ تسليط الضوء على نشاط المرجعية الديني، الذي يتمّ عبر الصحافة وتحديداً عبر الصحف والمجلات، وفي هذا الإطار يأتي مؤتمر الإصدارات الإسلامية الذي تمّ عقده في مدينة قم.

5 ــ اللجوء إلى المصادر والمراجع الأساسيّة: فكلّ دراسة أو بحث حول المرجعية ــ أو أي موضوع آخر ــ لا يتمّ إلا من خلال العودة إلى المصادر المعتمدة المتمثلة في الموسوعات والمعاجم والفهارس وما إلى ذلك؛ وانطلاقاً من هذا الواقع ظهرت محاولات ومشاريع عديدة بغية توثيق كلّ ما يتصل بالمرجعية.

الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصّة بالمرجعيّة والمؤسّسة الدينية

أبرز هذه المشاريع وأكثرها شموليةً وخاتمها أيضاً، ظهر عام 2006م، مع الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصّة بالمرجعية والمؤسّسة الدينية، وذلك في 93 مجلداً، قامت بإعداده مؤسسة الأبحاث والدراسات الدينية والإنسانية، في إيران.

تتميز هذه الموسوعة بسعتها وشموليّتها وتوفرها على كلّ ذي صلة بالمرجعية، وبذلك تكون ذات فائدة جمّة لمن يبتغي القيام بدراسة أو بحث أو تحقيق حول المرجعية، وفيما يتصل بالإدارة العلمية للمشروع فقد اضطلع بهذه المهمة محمد نوري الذي أرفد الموسوعة بدراسات عديدة بلغت العشرة.

ويمكن اعتبار هذه الموسوعة وليدة العهد الرابع من عصور الدراسات المختصّة بالمرجعية؛ لأنّ طابع هذا العهد وسماته بادية عليها بشكل ملحوظ، وقد جاء في مقدمتها: إنّ المؤسسة الدينية ــ وعلى رأسها المرجعية ــ تمثل كياناً ثقافياً واجتماعياً عريقاً، له جذور ممتدّة عبر تاريخ العالم الإسلامي أجمع، وقد قامت هذه المؤسّسة بمهام جسيمة تمثلت في البحث والتحقيق والتعليم والتبليغ وتطبيق الشريعة الإسلامية، لقد كان علماء الدين سابقاً ورجال الدين لاحقاً المحور الذي تستند إليه معظم حركات الإصلاح الاجتماعي والثقافي التي شهدها العالم الإسلامي، وهو الواقع الذي دفع الباحثين للاهتمام بهذه الطبقة ــ طبقة علماء ورجال الدين ــ ودراستها من زوايا متعدّدة بغية الكشف عن أسرار العلاقة التي تربطهم بالمجتمع من ناحية وتشدّ المجتمع إليهم من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تأثيرهم البالغ على المجتمع الإسلامي بل غير الإسلامي أيضاً.

ولابدّ من التنويه إلى أنّ كتّاب هذه الموسوعة لم يكونوا ــ بالضرورة ــ من خارج دائرة المؤسّسة الدينية، فقد كان بعضهم من صميمها كالشهيد مرتضى مطهري.

وتكمل المقدّمة القول: لقد عاش الإسلام عهداً اقترن فيه الدين بالعلم، فصار العالم الديني يمارس الطبّ والنجوم، وانطلقت مئات المراكز البحثية والمعاهد التعليمية يديرها العلماء المسلمون ويشتغل فيها آلاف الطلاب بدراسة علوم القرآن والحديث وعلم الفيزياء والنور.. هذا الأنموذج من التقدّم الذي حقّقته الحضارة الإسلامية وامتدّ بين القرنين: الثالث والسادس، لم يأتِ من فراغ، وإنّما كان نتيجةً لجهود ومساعي أمثال ابن سينا، وأبي علي بن مسكويه، والغزالي، والطوسي، والمفيد.

ويمكننا عبر دراسة تأريخ هذه النخبة العلمية، الوقوف على ما حقّقته المؤسّسة الدينية من تقدّم على الصعيد العلمي أو البحثي أو التبليغي الدعوي.

وإذا ما تقدّمنا إلى الأمام فسنجد الإسلام في العصر الحاضر آخذاً بالاتّساع والانتشار والنموّ، ولابدّ لهذا النمو والازدهار أن يكسب المؤسّسة الدينية أتباعاً ومريدين، وقد دعا هذا إلى ولادة اتجاه اجتماعي جديد يميل إلى المؤسّسة الدينية بشدّة، ومن ناحيتها فإنّ عليها أن تتحمل أعباءً ومهام جديدة وصعبة؛ فالمرجعية تمثلها طبقةٌ من رجال الدين تتميّز بشدة ولائها، وسعة علمها، وسموّ أخلاقها، وتحمّلها للمسؤولية الاجتماعية والإرشادية للأمّة، المرجعية كيانٌ مهمّ وخطير، ينبثق عن المؤسّسة الدينية، وتتجلّى خطورته في المستوى العلمي الذي أهّله لقيادة الأمّة واستقطابها بشكل مستمر.

إنّ تبلور هذا الكيان على النحو الذي هو عليه الآن يعود إلى قرنين من الزمن، وأوّل شخصية جسّدت المرجعية بشكلها الحالي هي الشيخ مرتضى الأنصاري (1281هـ)، لقد شهد الكثير من الباحثين والمفكّرين للسمة التي تمتاز بها المؤسّسة الدينية، فعلى الرغم من الاتجاهات المتعددة والرؤى المختلفة لديها إلاّ أنّها ظلّت متمسّكة ومتماسكة في أدائها لمسؤولياتها المتمثلة في إرساء أسس العقيدة الصالحة لدى المجتمع وسوقه باتجاه القيم والمثل الأخلاقية، ومحاولة الاستجابة لمتطلّبات العصر ومستحدثاته.

غير أنّ هذه الشهادة لم تلقَ ترحيباً من الاتجاه الآخر والذي تمثله فئةٌ قليلة، ترى أنّ المؤسسة الدينية كانت ــ ولا تزال ــ تشكّل عقبةً كأداء أمام التقدّم الاجتماعي والازدهار الثقافي في البلدان الإسلامية. ويعتقد هؤلاء أن البلدان الإسلامية بحاجة إلى نهضة ثانية كالتي ظهرت في أوروبا؛ لتقيل المؤسّسة الدينية عن كثير من المجالات، خصوصاً التخصّصية والعلمية؛ ليتسنى لها مواكبة التطوّر وتحقيق الازدهار، وفي اعتقاد هؤلاء: إنّ ذلك لا يحصل إلاّ بعزل الدين عن كلٍّ من العلم والسياسة، ولكلّ من النظرتين ــ الموافقة والمناهضة ــ مؤيدون وأتباع، والجيل الإسلامي الجديد في البلدان الإسلامية ينتظر النتائج التي ستفرزها أيّ واحدة منهما.

وفي الوقت الذي تزدهر أو تتراجع فيه هاتان النظريتان، هناك دراسات عديدة تجري، بغية تقييم أداء المؤسّسة الدينية وفقاً لمعطيات وخطوط بيانية محدّدة، وتعتبر هذه الدراسات خطوة علمية هامّة جدّاً على صعيد الدراسات المختصّة بالمرجعية، وتتجلّى أهميّتها بشكل أوضح في تحديد المسارات، وصياغة المناهج والخطط التي تؤثر بدورها ــ إيجابياً أو سلبياً ــ على الرأي العام وتحدّد اتجاهاته، ومثل هذه الدراسات يحتاج ــ بالطبع ــ إلى فئات تقوم بها، هي أقرب إلى واقع المؤسّسة الدينية وأعلم بما يدور في كواليسها.

ومن أجل الصعود بمستوى هذه الدراسات، لابدّ من العودة إلى الوراء والتوفر على ما تمّ تدوينه حولها وقراءته بإمعان؛ ذلك أنّ هذه المؤسّسة على الرغم من أدائها المرموق، إلا أنّها لم تحظ بدراسات كافية ووافية، فإذا ما سلّطنا شيئاً من الضوء على تاريخها سنكتشف أسبقيّتها على أصعدة متعدّدة، من ضمنها التدوين، وإحياء التراث، والطباعة، والنشر، والصحافة، والكفاح المسلّح ضدّ المستعمر، وما إلى ذلك من الخدمات الصحّية والاجتماعية المتمثلة في بناء المستشفيات والمراكز الصحّية و مراكز الحماية والتأمين الاجتماعي وغيرها من المراكز ذات المنفعة العامّة.

والمؤسف أنّ معظم البحوث والدراسات التي تمّ تدوينها حول المؤسّسة الدينية لم تتم على يد رجال دين ينتمون إلى هذه المؤسسة، وإنما على يد غيرهم، عدا شيء يسير صدر عن بعض طلبة العلم التابعين للمؤسّسة الدينية من ذوي الاهتمامات الشخصية.

ويبدو أن الخطوة الأولى في هذا المجال، ولو جاءت متأخرةً إلى حدّ كبير، خطّتها مؤسسة الأبحاث والدراسات الدينية والإنسانية، والتي تعنى بالبحث والتقصّي عن كلّ ما له صلة بالمؤسّسة الدينية، ومن ثمّ جمعه وتصنيفه.

المرحلة الأولى لهذا المشروع الإنساني شملت جمع المقالات المتعلّقة ذات الصلة بالمؤسّسة الدينية، والمرحلة الثانية تمثلت في إنشاء موقع على الشبكة العالمية يتوفر على كلّ ما يتصل بهذا الموضوع، أمّا المرحلة الثالثة فتبلورت في جمع ما يدور حول الموضوع من معلومات، وتوثيقه عبر دراسات أو كتب تمّ طبعها ونشرها لاحقاً.

وحول طبيعة المشروع وآلية العمل به، فبمجرّد تقديم الطلب من قبل المؤسّسة، وضعت خطّة إجمالية للمرحلة الأولى، ومع إقرارها بدأ العمل في الشهر الرابع عام 1383ش/ 2004م. وكانت الخطّة الإجمالية تتضمّن استقصاء أبعاد المشروع الأخرى، ونسوقها هنا كما جاءت في الخطة.

اشتملت المقدمة على أهمية إعداد وتدوين مثل هذا المشروع فذكرت: «من المؤسف حقاً، أنّ المعلومات حول المؤسّسة الدينية ضئيلة جداً وتكاد تكون معدومة، وهذا الواقع المتمثل بانعدام المعلومات والوثائق لدى المكتبات والمراكز الوثائقية شكّل عائقاً أمام ظهور مشاريع بحثية أو دراسات حول المؤسّسة الدينية، كما خيّب آمال المراجعين إليها من الطلاب والباحثين في العثور على المصادر والمراجع المعتبرة، والأكثر من ذلك أنّ الكوادر العاملة ضمن نطاق المؤسسة الدينية هي نفسها، سواءً السنّية أو الشيعية، لم تتوفر على خطط إعلامية تكشف عن مستوى أدائها ومشاريعها، الأمر الذي كان سبباً في غياب المعلومات الكافية حول المؤسّسة الدينية لدى الإسلاميين، وخطأ هذه المعلومات في القراءات الاستشراقية.

وعلى أية حال، فالأحكام التي تطلق بحقّ المؤسّسة الدينية والتقييم المجحف بحقّها يقع جزء كبير منه على عاتق المؤسّسة نفسها وتعود أسبابه إليها، وبإمكانها تدارك ذلك عبر الإعلام؛ فللإعلام في العصر الحاضر دورٌ لا تخفى أهميّته فقد أصبح دخيلاً ومؤثراً في تحديد المكانة الاجتماعية لفئة أو حزب أو طائفة، وله دور أساس في الارتقاء بها أو الحطّ من قدرها اجتماعياً، وعليه فعلى المؤسّسة الدينية أن تتدارك موقفها الإعلامي بسرعة وبقوّة، فالتأخير في هذا الأمر يعرّضها إلى أزمات حقيقية في المستقبل، وهذه الأزمات قد تؤدّي إلى تداعي شرعيتها وتزلزل الثقة الاجتماعية بها.

ولا يخفى ما تتمتّع به المؤسّسة الدينية في الحال الحاضر من مكانةٍ اجتماعية وثقة لدى الجماهير، وهذا المستوى من القبول والثقة بإمكانه خدمة المؤسّسة إعلامياً إذا ما شاءت الأخيرة العمل على ذلك.

وفي العودة إلى مصادر المشروع ــ الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصّة بالمرجعيّة والمؤسّسة الدينية ــ فإن المكتبات والمراكز الوثائقية تكاد تخلو من المصادر المتمثلة بالكتب والفهارس والبحوث وحتى الرسائل والأطروحات الجامعية؛ فلم يتم العثور إلا على ما ندر منها، نستثني من ذلك دراسات قام بها باحثون غربيون، فقد تمكّن هؤلاء من التفوّق ــ حتى على الإسلاميين ــ في تقديم دراسات عن المؤسسة الدينية، وقد بلغت هذه الدراسات من الوفرة بحيث صدر مؤخراً مجموعة غنيّة لكتّاب معظمهم من القارتين: الأوروبية والأمريكية.

ولذلك فإنّ المدير القائم على مشروع الموسوعة، لم يتقيّد في تدوينها بالبحوث التي كتبها الإيرانيون، وإنّما حاول البحث والتقصّي في المكتبات المنتشرة في كافة أنحاء العالم؛ بغية الحصول على بحوث لها صلة بالموضوع، حتى لو كانت لغير الإيرانيين أو الإسلاميين؛ لأنّه قد توصّل إلى أنّ الدراسات والبحوث التي تعود للإيرانيين لا تفي بالغرض إطلاقاً، حيث وجد في مراكز دراسات الشرق الأوسط تقدّماً ملحوظاً على هذا الصعيد، ففي الفترة الأخيرة ركّزت هذه المراكز على هذا الموضوع بشكل منقطع النظير.

ويتحدث المدير القائم على المشروع عن آلية اختيار النصوص والموضوعات المدرجة في الموسوعة قائلاً: إن النصوص التي حاولنا جمعها في الموسوعة عبارة عن بعض الدراسات وأجزاء من بعض الكتب والرسائل الجامعية التي تختصّ بالمؤسسة الدينية، بل ذهبنا أبعد من ذلك؛ حيث قمنا باستقصاء وجمع حتى ما لم يتطرّق إلى المؤسّسة الدينية بالنصّ، وإنما بالإشارة، أو تطرّق إليها لا باسمها وإنما بمرادفها.

إنّ النصوص التي أحصيناها وأدرجناها ضمن الموسوعة اقتصرت على النصوص العلمية فقط، وأهملنا النصوص الهامشية والشعاراتية.

وحول المنهج المتبع في إعداد الموسوعة وتأليفها يقول المدير المشرف عليها: تمثلت الخطوة الأولى في استقصاء المصادر وحصرها من أنحاء العالم كافة، وقد تطلّب ذلك إعداد فريق علمي يتمتّع أفراده بلغات متعددة ويتسمون بكفاءة عالية في البحث والكشف عن المصادر. وقد تمّ جزء من البحث عن طريق المصادر المذكورة في المجلات ــ عبر المقالات المدرجة فيها ــ والكتب والفهارس، ثم تمّ جمعها وتصنيفها.

وتبلورت المراحل الست الأولى للمشروع على النحو التالي: الكشف والتعرّف على المصادر، وجمعها، ثمّ ترتيبها وتصنيفها، ثم تهذيبها وتنظيمها، ثم طباعتها وتجليدها، وقد حرص العاملون على مراعاة مستوى الجودة العالمية في العمل على كلّ مرحلة من المراحل.

وفيما يتعلّق بالنسق الذي على أساسه تمّ جمع مقالات الموسوعة، فلم يكن المعيار زمنياً بأيّ حال من الأحوال، وإنما اعتُمدَ المعيار العلمي البحت، أي إن كلّ دراسة أو بحث يختصّ بالمرجعية أو يتعلّق بها جديرٌ بالإدراج ضمن الموسوعة، ولا تهمّ الفترة التي دوّن فيها؛ فظاهرة المرجعية والمؤسّسة الدينية من الزاوية التاريخية تغور في أعماق التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ففي العصر النبوي يمثل النبي 2 المرجع الأعلى والمطلق ويليه في تولّي هذا المنصب ــ بحسب الرؤية الشيعية ــ الأئمة المعصومون (، ومع غياب خاتمهم تنتقل المرجعية إلى العلماء النواب عن الإمام الغائب. وبهذه النقلة الأخيرة بدأت المؤسّسة الدينية تتبلور شيئاً فشيئاً لتظهر في النهاية بشكل مؤسّسة دينية، يقف على قمّة الهرم فيها المرجع الديني الأعلى، ومع مرور الأيام تطوّرت هذه المؤسّسة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، ونظراً لهذا التاريخ الطويل الذي طوته المؤسّسة الدينية والمرجعية، حاولنا ترتيب المقالات ترتيباً زمنياً وفقاً للتأريخ الذي تمّ تدوينها فيه.

وقد اقتصرت الموسوعة على الأعمال العلمية المختصّة بالمؤسّسة الدينية والمرجعية فحسب، ولم تشمل تراث المرجعية، أي الأعمال التي صدّرتها المرجعية أو طلبة العلوم الدينية، وإنما شملت التراث الذي يدور حولهم وكتب فيهم.

وفيما يتصل بهيكلية الموسوعة، فهي تتبع ترتيباً منطقياً منتظماً ومبوّباً. ووضع هذا الترتيب وفقاً لأصول محددة بموجبها تكون العناوين الفرعية مترتبةً على العنوان العلمي الذي هو العنوان الرئيس في ذات الوقت، ولم تكن الأسس المستند إليها تاريخيةً أو جغرافية وإنما علمية بحتة، وقد أدرجت المصادر في الفصول بوفرةٍ وكثرة، وقد حرصنا على أن تكون كثيرةً؛ تدعيماً للفصول وإسناداً لها.

وفيما يتصل بالمقالات الأخرى ــ غير الإيرانية ــ التي تمّ إدراجها ضمن الموسوعة، فقد جاء في المقدمة: صدرت ــ حتى الآن ــ مئات الدراسات المختصّة بالمؤسّسة الدينية والمرجعية وبلغات شتى، صيغت على شكل كتب ورسائل جامعية ومقالات، نشرت عبر صحف أو مجلات، وبحوث أكاديمية أو حوزوية، وهذه المجموعة ــ على اختلاف لغاتها ــ تمّ ضخّها في الموسوعة، بالإضافة إلى أيّ كتاب يتطرّق إلى المؤسّسة الدينية والمرجعية، ولو في بعض فصوله، فقد حرصنا على ضمّ تلك الفصول إلى الموسوعة.

وبما أن الموسوعة تضمّنت مقالات متعددة؛ فلابد من إيضاح معنى المقالة، ومرادنا منها مجموعة مدوّنة لا تبلغ مستوى الكتاب أو الرسالة الجامعية، وإنّما تمّ إعدادها على نحو يتسنّى معه درجها ضمن الموسوعة، والمقالات التي تضمّنتها الموسوعة حازت على المعايير التالية: أن تكون مختصّةً بالمؤسسة الدينية والمرجعية، ومعنونة بعنوان عام خالٍ من أيّ قيد، أو أن يدور ثلثا المقالة حول المؤسّسة الدينية.

واشترطنا أن تتمحور المقالة حول المؤسسة الدينية بشكل عام، وعنينا بها طبقة علماء ورجال الدين، وأقصينا المقالات التي تدور حول مصاديق هذا المفهوم والمتمثلة في سلوك رجال الدين وأخلاقهم، إلاّ في حالة أن يكون ثلثي المقالة يدور حول المفهوم والثلث الأخير منها حول المصداق، فعندئذٍ سوف يكون هذا النوع من المقالات داخلاً ضمن المستوى المعياري.

ومن المقالات التي وافقنا على ضمّها إلى الموسوعة أيضاً تلك المختصّة بالمؤسسة الدينية، لكن بقيد جغرافي أو مذهبي، مثل العناوين التالية: المؤسسة الدينية في إيران، والمؤسسة الدينية الشيعية.

هيكل الموسوعة وأقسامها

وفيما يتعلّق بالهيكل العام وترتيب عناوين المجلدات، كان الأمر كما يلي:

السجل الأول: تأريخ المؤسسة الدينية، وفيه: (ج1) التاريخ العام. 2 ــ تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية، دراسة إجمالية. 3 ــ تاريخ المؤسّسة الدينية الشيعية، بدءاً بالقرن الأول وانتهاءً بالقرن العاشر. 4 ــ تاريخ المؤسّسة الدينية الشيعية، بدءاً بالقرن العاشر وانتهاءً بالقرن الثالث عشر. 5 ــ تاريخ المؤسّسة الدينية الشيعية، بدءاً بالقرن الثالث عشر وانتهاءً بالقرن الخامس عشر.

السجلّ الثاني: أمور عامة، وفيه: (ج6) المعاجم والفهارس الصادرة عن المؤسّسة الدينية. 7 ــ مصادر استحصال الرسائل الجامعية والمواضيع ذات الصلة. 8 ــ المعلومات المستقاة من موقع (بارسا) على الانترنت، والمتمحورة حول التراث العلمي. 9 ــ الإرهاصات الثقافية.

السجل الثالث: دراسات إجمالية، وفيه: 10 ــ بحوث عامة. 11 ــ مذكّرات. 12 ــ لقاءات. 13 ــ آراء الإمام الخميني. 14 ــ آراء الآخرين.

السجل الرابع: النظام التعليمي، وفيه: 15 ــ أمور عامة. 16 ــ بحوث إجمالية وتاريخية. 17 ــ المناهج التعليمية. 18 ــ العلوم الحوزوية. 19 ــ الفروع الدراسية. 20 ــ التدريس والتحصيل العلمي.

السجل الخامس: النظام الإداري للمؤسّسة الدينية، وفيه: 21 ــ الهيئة الإدارية. 22 ــ ميزانية المؤسّسة الدينية.

السجل السادس: (ج23) المراكز والمؤسّسات.

السجل السابع: (ج24) شبهات وردود.

السجل الثامن: (ج25) المؤسّسة الدينية والعلاقات الدولية.

السجل التاسع: (ج26) المؤسّسة الدينية ونقاط الضعف.

السجل العاشر: (ج27) الفنّ.

السجل الحادي عشر: (ج28) دراسات مقارنة.

السجل الثاني عشر: طبقة رجال الدين ومسألة الهوية، وفيه: ج29: دراسات إجمالية. 30 ــ الأخلاق. 31 ــ السلوك العام. 32 ــ المنزلة الاجتماعية (الشأنية). 33 ــ الإصلاح والتقويم. 34 ــ التيارات والتكتلات. 35 ــ طبيعة العلاقات والممارسات داخل المؤسّسة. 36 ــ المؤسسة الدينية والتيارات الطائفية. 37 ــ المؤسسة الدينية والتيارات السياسية. 38 ــ المؤسسة الدينية والتيارات الثقافية والفكرية.

السجل الثالث عشر: طبيعة انتشار المدارس العلمية التابعة للمؤسّسة الدينية على المنطقة الجغرافية، وفيه: 39 ــ  قم وطهران. 40 ــ إيران: إصفهان وقزوين. 41 ــ إيران: المدارس العلمية الأخرى. 42 ــ العراق. 43 ــ بلدان الشرق الأوسط وجنوب آسيا. 44 ــ أفريقيا وأمريكا والاتحاد السوفياتي السابق.

السجل الرابع عشر: النضال السياسي، وفيه: 45 ــ الحروب الداخلية. 46 ــ المقاومة ضدّ المحتل.

السجل الخامس عشر: السياسة، وفيه: 47 ــ الفكر السياسي. 48 ــ المؤسسة الدينية والموقف السياسي. 49 ــ المناصب والزعامات. 50 ــ المشاركة السياسية. 51 ــ الأحزاب والتكتلات السياسية.

السجل السادس عشر: الدور الاجتماعي، وفيه: 52 ــ الأداء الاجتماعي. 53 ــ البناء الاجتماعي. 54 ــ التبليغ والدعوة. 55 ــ الموقع الاجتماعي. 56 ــ أعباء الرسالة والمهام والمسؤوليات. 57 ــ الشعائر والمناسبات الدينية. 58 ــ التربية الأخلاقية.

السجل السابع عشر: النشاطات الثقافية، وفيه: 59 ــ مشاريع الإصلاح الثقافي. 60 ــ المكتبات. 61 ــ البحث والتأليف. 62 ــ الصحافة والنشاطات الصحفية. 63 ــ الطباعة والنشر. 64 ــ العلاقات الثقافية.

السجل الثامن عشر: الإسلام ومتطلّبات العصر، وفيه: 65 ــ الاجتهاد والتحولات التاريخية. 66 ــ عنصرا الزمان والمكان وأثرهما على الحركة الفقهية. 67 ــ الاجتهاد ومتطلّبات الواقع. 68 ــ الاجتهاد ومستوى العطاء. 69 ــ الحداثة والتجديد.

السجل التاسع عشر: المرجعية، وفيه: 70 ــ التاريخ. 71 ــ الهيكلية العامة. 72 ــ الظروف. 73 ــ الأداء. 74 ــ شخصيات. 75 ــ العطاء.

السجل العشرون: (ج76) نماذج رائدة لرجال الدين.

السجل الحادي والعشرون: طبيعة العلاقات، وفيه: 77 ــ العلاقات مع التيارات الاجتماعية. 78 ــ العلاقات الاجتماعية العامة. 79 ــ العلاقات مع سائر الطبقات الاجتماعية.

السجل الثاني والعشرون: الزعامة والولاية، وفيه: 80 ــ دراسة إجمالية لثورة التنباك (التبغ). 81 ــ الحركة الدستورية، الأسس الفكرية والحركية. 82 ــ الحركة الدستورية، مستوى الأداء ونقاط الضعف. 83 ــ تأميم النفط. 84 ــ الثورة الإسلامية في إيران، تقييم لمستوى الأداء. 85 ــ الثورة الإسلامية في إيران، دور المؤسسة الدينية، والمحافظة على الثورة. 86 ــ طبيعة الحركات والثورات في الشرق الأوسط. 87 ــ في شبه القارة الهندية. 88 ــ في باكستان وأفغانستان.

السجل الثالث والعشرون: المؤسّسة الدينية وطبيعة العلاقات، وفيه: 89 ــ دراسة إجمالية. 90 ــ إيران، العهدان: الصفوي والقاجاري. 91 ــ إيران، العهد البهلوي. 92 ــ إيران، عهد الجمهورية الإسلامية.

وكما هو واضح من الفهرست المتقدم، فإن السجل التاسع عشر يختصّ بالمرجعية، ويتضمّن لوحده ست مجلدات ضمّت بحوثاً ودراسات بعدّة لغات، وتكمن أهميّة هذه البحوث والدراسات في كونها تشكّل مصدراً ومرجعاً هاماً لكلّ باحث في شؤون المرجعية.

ويمكن اعتبار الموسوعة خاتمة الإصدارات التي ظهرت لحدّ الآن، والتي اختصّت بالمؤسّسة الدينية والمرجعية، وقد حرص القائمون على المشروع توثيقه وإسناده علمياً من خلال الدراسات والبحوث الأكاديمية المتقنة؛ فلكلّ بحث علمي مراحل ثلاث لابد له من اجتيازها: الأولى دراسة إجمالية لموضوع البحث وجمع المعلومات ذات الصلة، والثانية التوفّر على النصوص والمصادر، والثالثة عملية التدوين، وقد تمكّنت الموسوعة من طي المرحلة الثانية من مصادر الموسوعة خلال الارتكاز على المصادر الأساسية المختصّة بالمؤسسة الدينية والمرجعية.

مصادر الموسوعة

وفيما يرتبط باستقاء المعلومات، فقد توفرنا عليها من خلال عدّة مشاريع علمية جاءت على شكل معاجم، من ضمنها:

أ ــ معجم ما كتب حول المؤسّسة الدينية: وهو مشروع محمد اسفندياري، يستعرض فيه 118 كتاباً بعضها باللغة العربية والقسم الآخر منها باللغة الفارسية. وقد حاول اسفندياري في معجمه الاقتصار على المصادر والكتب المختصّة بالمؤسّسة الدينية، متجاوزاً بذلك الرسائل والبحوث الجامعية، وأيضاً ما كتب باللغات الأخرى غير العربية والفارسية.

ب ــ معجم ما كُتب حول الفقه والمرجعية: والذي أعدّ له كل من محمد نوري ونعمة الله صفري، وصدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية عام 1994م، ولم يتمّ تعميمه، وإنما اقتصر على دور نشر محدودة.

ج ــ مصادر التربية والتعليم عند المؤسّسة الدينية: لمحمد نوري، نشره عام 1998م.

والمشروعان الأخيران من المشاريع الثلاثة المتقدمة لم يتمكّنا من الإحاطة بكافة أبعاد وجوانب المؤسّسة الدينية؛ فالمشروع الأول كُرّس لدراسة طبقة محدّدة من رجال الدين وهم المراجع، بينما الثاني اقتصر على مصادر النظام التعليمي والتربوي لدى المؤسّسة الدينية، مضيفاً إليها بعض المصادر المتعلّقة بالمرجعية.

وقد صدر مؤخراً معجم مختصّ بالمؤسسة الدينية والمرجعية بمجهود كلّ من السيد حميد رحماني ومحمد كاظم رحمتي([35]).

وهذه المعاجم جميعها إنما تعبّر عن المرحلة الأولى من مراحل البحث العلمي التي تقدّم الحديث عنها قبل لحظات، بينما لم نشهد مجهوداً أو مشروعاً يعبّر عن المرحلة الثانية، أقصد أطروحة أو بحث علمي يكون في متناول الجميع.

وفيما يتعلّق بالمرحلة الثالثة، هناك بعض التأليفات التي عبّرت عنها، وهي مشاريع علمية بحدّ ذاتها لكنّها لم تتعدّ كونها مشاريع ذات طابع شخصي ومحدود؛ وعليه، يمكننا القول: إنّ الدراسات المختصّة بالمرجعية كانت تعاني في المرحلة الثانية أزمة فقدان المصادر والوثائق العلمية وغيابها عن متناول الباحثين، وهذا بالتحديد ما هدفت إليه (الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصّة بالمرجعية والمؤسّسة الدينية) من خلال 93 مجلداً، تعمل على ملئ الفراغ العلمي والوثائقي الذي عانت منه المرحلة الثانية، وبتبعها الباحثون والمحقّقون.

خلاصة واستنتاج

إنّ العهد الرابع الذي وصفناه بعهد الدراسات الأكاديمية وعهد التوثيق لا يزال في بداية الطريق يتطلّب جهداً حثيثاً بغية إيلاد موسوعات ومعاجم وفهارس جديدة، تشكّل إرثاً يغني الباحث التائق للتوفر على المعلومات المتعلّقة بالمؤسسة الدينية.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الدراسات المختصّة بالمؤسسة الدينية والمرجعية بحاجة إلى أساليب جديدة كأسلوب الدراسة الميدانية، والكف عن الحديث الإجمالي أو العام، وإنما التغلغل إلى الأعماق للكشف عن الجزئيات وإشباعها بالبحث والدراسة بأساليب مختلفة؛ فالمرجعية الشيعية اليوم محطّ أنظار العالم؛ وذلك يفرض علينا توخي واستقصاء نقاط الضعف ودراستها وتحليلها، ومن ثم إجهاضها والتخلّص منها عبر إيجاد الحلول المناسبة لها، على غرار ما يحدث في الفاتيكان، فقد أقيم مركز دراسات يضمّ خبرات وكفاءات، همّها الأساس دراسة الأبعاد والجوانب والأحداث وكلّ ما يتصل بالبابا والأساقفة المنتشرين في أرجاء المعمورة، وقد ساهم ذلك في تطوير مؤسّسة الفاتيكان وتحويلها إلى مؤسّسة دولية وعالمية.

فللعمل على تطوير مؤسّسة المرجعية الشيعية وإنجاحها لابدّ من توسيع دائرة الأبحاث والدراسات التخصّصية.

*     *     *

الهوامش


(*) باحث في الحوزة والجامعة، ومشرف وكاتب في العديد من الموسوعات الإسلامية، من إيران.



([1]) تمّ إعداد هذا المشروع في مؤسّسة الأبحاث والدراسات الدينية والإنسانية، وإخراجه ضمن موسوعة أطلق عليها: الموسوعة الوثائقية الكبرى المختصة بالمرجعية والمؤسّسة الدينية.

([2]) طبع هذا الكتاب أكثر من مرّة، إحدى هذه الطبعات قام بتصحيحها السيد عبد العزيز الطباطبائي، ونشرت في قم، عام 1420هـ؛ ولمزيد من المعلومات حول الطوسي، راجع: مذكرات شيخ الطائفة العلامة الطوسي لعلي دواني.

([3]) هو أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن شهر آشوب (588هـ)، كان محدثاً ومؤرخاً ومتكلّماً شيعياً بارزاً، وقد ابتغى تتميم فهرست الشيخ الطوسي من خلال قيامه بتأليف كتاب أطلق عليه: معالم العلماء، وقد نشر هذا الكتاب بواسطة عباس إقبال تحت عنوان: معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنّفين منهم قديماً وحديثاً، وذلك في طهران عام 1353هـ.

([4]) هو أبو الحسن منتجب الدين علي بن عبيد الله المولود عام (504هـ)، كتب هو أيضاً: فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم، تتمةً لفهرست الشيخ الطوسي، وبغية التعريف بالشخصيات الشيعية ومصنّفاتهم. نشر هذا الكتاب بواسطة السيد عبد العزيز الطباطبائي، في بيروت، دار الأضواء، 1986م.

([5]) بحوث إجمالية وتفصيلية قام بتدوينها رواد الحركة الدستورية والتي تركز دعائم الحركة، وتعرف بـ (رسائل المشروطة) أو (رسائل الحركة الدستورية). وقد جمعت أهمّ هذه الرسائل في كتاب قام بإعداده ونشره الدكتور غلام حسين زركري نژاد، تحت عنوان رسائل الحركة الدستورية (رسائل مشروطيّت).

([6]) آغا بزرك الطهراني، حياة الشيخ الطوسي وآثاره: 13، ترجم إلى الفارسية بواسطة علي رضا ميرزا محمد وسيد حميد طبيبيان، طهران، 1981م.

([7]) وللتأكّد، قمت بمراجعة رسائل الحركة الدستورية؛ بغية التوفر على نمط التفكير والعقلية السائدة آنذاك؛ فوجدت أن الحديث في هذه الرسائل على الرغم من طابعه السياسي إلا أنه عندما يصل إلى مهام المرجع ومسؤولياته يتحدّث عنه باعتباره مجتهداً تنحصر مهامه في الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية، فقد جاء في رسالة تذكرة الغافل للشيخ فضل الله النوري ما يلي: إنّ الدستور مخالف لمفهوم الخاتمية، ولا يحقّ حتى للمراجع التدخل في وضع الدستور، وتنحصر مهامّ الفقهاء في استنباط الأحكام الكلية من أدلتها التفصيلية الأربع، وإيصالها إلى المكلّفين ولا غير. انظر: غلام حسين زركري نجاد، رسائل الحركة الدستورية: 48، طهران، كوير، 1995م.

([8]) حملت الطبعة الأولى لهذا الكتاب العنوان التالي: بحث حول المرجعية والمؤسسة الدينية، مجموعة مؤلّفين، طهران، الشركة المساهمة للمنشورات، 10/ 1341.

([9]) بحث حول المرجعية والمؤسسة الدينية: أ ـ ب.

([10]) المصدر نفسه: ب.

([11]) المصدر نفسه.

([12]) المصدر نفسه: د.

([13]) المصدر نفسه.

([14]) المصدر نفسه: ب ـ د.

([15]) المصدر نفسه: هـ.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) المصدر نفسه.

([18]) المصدر نفسه: هـ ـ و.

([19]) المصدر نفسه: ز.

([20]) أبو محمّد وكيلي القمي، مكوّنات الطائفة الشيعية: 172، طهران، جامعة طهران، 1345ش/ 1966م.

([21]) نصير الدين أمير صادقي، المؤسسة الدينية عند الشيعة 1: 144، بدون مكان، 1349ش/ 1970م.

([22]) سليم الحسني، المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية، دراسة وحوار مع آية الله السيد محمد حسين فضل الله: 208، بدون مكان، دار التوحيد للنشر، 1993م.

([23]) طبعت هذه الرسالة عدة مرات، وتم إدراجها ـ أيضاً ـ في موسوعة الإسلام يقود الحياة للعلامة باقر الصدر.

([24]) طبعت هذه الرسالة بعدة لغات، ونشرت الطبعة العربية أكثر من دار نشر. راجع: محمد نوري، معجم مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر: 32.

([25]) حسين معتوق، المرجعية الدينية العليا عند الشيعة الإمامية: 59، دار الهدى، 1970م.

([26]) عبد الهادي الحائري، التشيع والحركة الدستورية في إيران: 16، 398، الطبعة الثالثة، طهران، دار أمير كبير للنشر، 1364ش/ 1985م.

([27]) عبد الهادي الحائري، التحدّيات الأولى للمفكّرين الإيرانيين، بروتوكولات الحضارة البرجوازية الغربية، طهران، دار امير كبير للنشر، 1367ش/ 1988م.

([28]) حامد الكار، دور علماء الشيعة في الحركة الدستورية، الدين والدولة في إيران، دور العلماء في العهد القاجاري، ترجمة: أبو القاسم سري، طهران، دار طوس للنشر، 1356ش/ 1977م.

النسخة الإنجليزية:i.Religion and State in Iran 1785 – 1906 : The Role of Ulama, Kalifornia, 1975.

([29]) خاص بشؤون المرجعية، مجلة الحوزة، العدد: 56 ـ 57، الشهر: 3 ـ 6 السنة: 1372ش/ 1993م.

([30]) بيروت، دار الكنوز الأدبية، 1998م.

([31]) بيروت، المركز الثقافي العربي، 2002م.

([32]) بيروت، المركز الثقافي العربي، 1996م، وتمّ نقله إلى اللغة الفارسية بواسطة محمد نوري، تحت عنوانه الفارسي: (استبداد ستيزي).

([33]) طهران، دار آفاق للنشر، 1361ش/ 1982م.

([34]) السيد علي رضا سيد كباري، الحوزات العلمية الشيعية والآفاق العالمية، طهران، دار امير كبير للنشر،  1378ش/1999م.

([35]) مجلة ثقافة الفكر، السنة الثالثة، العدد السابع (شتاء 1382ش/ 2003م): 267 ـ 316.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً