أحدث المقالات
مقدمة:
يمثل وجود الطاقة الانسانية المنتجة والممتازة واحدا من اكثر اصول الاقتصاد اهمية، فهو الذي يدفع بعجلة الاقتصاد في مسير ازدهار النظام المعيشي، ويصنف كواحد من الاركان المهمة لاستقلال اية امة. الا ان كل ذلك ليس سوى بعد ثانوي وبسيط لوجود هذه الطاقة العاملة.
ان العامل من وجهة نظر الدين هو ذاك الانسان الشريف الذي – بسعيه وجهده في اطار تشييد البنية الاقتصادية وتأمين العيش البشري – يمثل الارضية الصلبة والمتجددة للارتقاء نحو المراحل الاسمى وتحصيل الكرامة الانسانية. وهذه هي الحصة الاصيلة والاساسية لوجود العامل.
هذه المجموعة المختصرة والقصيرة ليست سوى مجرد نظرةٍ الى المكانة والموقعية العالية التي يتمتع بها العامل في الفكر الديني، وهي تطل اطلالة عابرة على البعد الاصيل لشخصية هذا العامل ضمن الاشارة الى المباحث الحقوقية والفقهية المتعلقة به، كما تحكي عن كرامة هذا الكيان البشري.
ومن الواضح انه ولاجل ايجاد انتاج قادر على تبيين الابعاد المختلفة والمتنوعة لهذه الحقيقة المؤثرة والمفيدة في المجتمع البشري هناك حاجة لطرح جديد ومتكامل.
 
 
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية
معاونية الثقافة والشؤون الدولية
مكتب الشؤون الثقافيةا
 
منزلة العامل في الاسلام
 
مظاهر الخلق الالهي
ان العالم والظواهر الموجودة فيه انما هي مظهر من مظاهر فعل الله سبحانه. انه تعالى مبدء كل عمل في هذا العالم، ولا تحقق لاي حركة من دون ارادته، انه يعمل ايضا ويكسي بلباس الوجود جسد الظاهرة تلو الظاهرة، مغدقاً فيضه الدائم على كل ما سواه، وتدبيره له مستمر دون انقطاع.
والعمال هم ايضا من مظاهر هذا الابداع والخلاقية الالهية، وهم يعدون كطاقات مفيدة في حياة وسعادة المجتمع. ان تدوير عجلة الاقتصاد العظيمة في المجتمعات انما هو نتيجة اليد الفاعلة والمحركة للعامل، وحياة الامم والشعوب مرهونة هي الاخرى بالعمل والعامل.
 
اصل الاستخدام المتقابل
ان وجود القابليات المتفاوتة والهمم المختلفة والسلائق المتعددة الموجبة لظهور انواع العمل المتنوعة انما هو على اساس الحكمة الالهية ولوازم الخلقة وضرورات ديمومة الحياة البشرية. ومن هنا يتحدث القران الكريم فيقول: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)(1). ووفقا لذلك فقد أودعت يد الخلقة في وجود كل فرد طاقة مخصوصة واستعدادا معينا لاجل تحريك هذا النظام؛ بحيث ان الشخص الواحد لا يمكنه ان يسد بنفسه تمام احتياجاته، بل هو مجبور على ان يستخدم الافراد المختلفين والقابليات المتعددة لاجل تامين هذا الغرض. ومن هنا فان اصل الاستخدام والتسخير هو امر طبيعي، الا ان نمطه وكيفيته لابد ان تكونا في اطار الضوابط الشرعية والاخلاقية.
ان الاسلام ولاجل رعاية حقوق العامل وحفظ كرامته وكرامة رب العمل ايضا لديه تعاليم حقوقية ظريفة وقوانين اخلاقية، سوف نتطرق اليها عقب الحديث عن قيمة ومقام العامل.
 
منزلة العامل في الاسلام
لا يمكن مقايسة المنزلة المتميزة التي منحها الاسلام للعامل باية قيمة مادية، وذلك لان نبي الاسلام (ص) وهو الانسان الكامل وسيد كل الانبياء ومعلم الملائكة كان – وبكل تواضع – يقبل اليد العاملة!
لما رجع رسول الله (ص) من تبوك استقبله سعد بن معاذ الانصاري فقال: ما هذا الذي ارى بيدك؟ قال: من اثر المر والمسحاة اضرب وانفق على عيالي، فقبل رسول الله (ص) يده وقال: "هذه يد لا تمسها النار"(2).
هذه العبارات وهذا السلوك الرائع هما اقصى واعلى درجات الاحترام والادب الذي اظهره الاسلام للعامل.
"مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال امير المؤمنين (ع) ما هذا؟ قالوا يا أمير المؤمنين نصراني، قال: استعملتموه حتى اذا كبر وعجز منعتموه، انفقوا عليه من بيت المال"(3).
 
العامل في عداد المجاهدين
يوفر المجاهدون في سبيل الله – وبتضحياتهم – الامن السياسي / الاجتماعي للمجتمع الاسلامي، فيما يقدم العمال – بجهودهم – الامن والاستقلال الاقتصاديين وكذلك الرفاهية المعيشية، ولعله لاجل ذلك صنف الاسلام العامل في عداد المجاهدين في سبيل الله وقال: "الكاد لعياله كالمجاهد في سبيل الله"(4).
يقول الامام الصادق (ع): "اذا كان الرجل معسرا فيعمل بقدر ما يقوت به نفسه واهله ولا يطلب حراما فهو كالمجاهد في سبيل الله"(5).
ويعتبر الامام الرضا (ع) ان "الذي يطلب من فضل الله عز وجل ما يكف به عياله اعظم اجرا من المجاهد في سبيل الله عز وجل"(6).
وفي بعض الروايات جرى اعتبار قوام الطبقات المختلفة للمجتمع
– اعم من الطاقات العسكرية والامنية والسلطة القضائية و… – منوطا بالحرفيين وارباب العمل، كما اوصي حاكم المسلمين بمتابعة شؤونهم(7).
هذه العبارات الجميلة توضح مكانة وقيمة العامل في الاسلام، وتمنحه بالتالي روحيةً مليئةً بالنشاط والملكوتية، حتى لا يتأسف على أي سعي يبذله في طريق الانتاج وكسب الاستقلال الاقتصادي وتامين موارد احتياجاته وابناء جنسه.
ومع اتضاح مدى القيمة التي يراها الاسلام للعامل، نبين الان وباختصار بعضا من حقوق هذا العامل على رب العمل.
الف: التوافق المسبق
لابد ان يتم استخدام القوة العاملة في جو سليم مترافق مع توافق مسبق، ومن هنا فان الاستخفاف باليد العاملة وتحقير العمل وعدم المساواة بين العمل والاجرة هي امورٌ تتنافى والقيم الانسانية والاخلاقية، كما انها تترك آثارا سلبية على المردود الكمي والكيفي للعمل نفسه. وعلى هذا الاساس ذكر فقهاء الاسلام الرضا والرغبة لدى العامل كواحد من شرائط الصحة والمشروعية في عملية الاستخدام والتوظيف لليد العاملة(8).
 
ب: تعيين الأجرة
حينما يحصل توافق بين العامل ورب العمل من النواحي المختلفة، فعلى الطرفين الالتزام بما قيل او كتب. ويؤكد الاسلام هنا على ان أي شخص يريد ان يستخدم عاملا فلا بد ان يحدد من البداية ما سيدفعه له، حتى يقدم هذا العامل على العمل حينما يرغب فيه.
لقد "نهى رسول الله (ص) ان يستعمل اجيرا حتى يعلم ما اجرته"(9).
ويقول سليمان الجعفري: "كنت مع الرضا (ع) في بعض الحاجة فاردت ان انصرف الى منزلي فقال لي: انصرف معي فبت عندي الليلة فانطلقت معه فدخل داره مع المغيب، فنظر الى غلمانه يعملون في الطين اواري الدواب وغير ذلك، واذا معهم اسود ليس منهم، فقال ما هذا الرجل معكم؟ قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئا، قال: قاطعتموه على اجرته، قالوا: لا، هو يرضى منا بما نعطيه… وغضب لذلك غضبا شديدا، فقلت: جعلت فداك لم تدخل على نفسك؟ فقال: اني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة ان يعمل معهم احد حتى يقاطعوه على اجرته…." (10).
ج: العجلة في تادية الاجرة
من القوانين الاخلاقية الاسلامية الموجهة الى رب العمل المبادرة الى تادية الاجرة للعامل قبل مطالبته بها. فالاسلام يقول: اعطوا العامل حقه قبل ان يجف عرقه. وطبعا فان تاخير حق العامل في صورة مطالبته به هو امر غير جائز، اذ هو فضلا عما فيه من النقص الأخلاقي يشتمل على نقض حقوقي ايضا.
يقول الامام الصادق (ع) فيما يتعلق بالجمّال والعامل: "لا يجف عرقه حتى تعطيه اجرته"(11).
ان السرعة في تادية الاجرة تزيل التعب الروحي والجسمي عن العامل، كما تمنحه الحيوية والنشاط الزائدين، وفي المقابل فان الابطاء في الدفع له آثار سلبية، ومن هنا ذم الاسلام وبلهجة قاسية عدم اعطاء العامل اجرته، واعتبر ذلك ذنبا غير مغتفر وموجبا للحرمان من الرحمة الالهية واستشمام ريح الجنة(12).
قال رسول الله (ص): "من منع اجيرا فعليه لعنة الله"(13).
وقال ايضا: "ان الله غافر كل ذنب الا من احدث دينا، او اغتصب اجيرا اجره، او رجل باع حراً"(14).
لقد بيّن الاسلام مجموعة من القوانين للعامل هدف من خلالها الى رفع قيمة العمل وتعلية شان العامل أيضا، وهو بذلك يطرق العناصر المحورية لمهنة العمل الشريفة، والتي نتناول بعضاً منها كالآتي:
 
1– امتلاك الدافع الالهي
على العامل ان يسعى ليكون عمله مطابقا للشريعة وطريق الانبياء، لان العمل نفسه عبارة عن طاعة وعبودية لله تعالى، وطاعته لابد ان تكون بهدف القرب منه تعالى، واذا كانت نتيجة عمله انسانيا وهو يعمل لاجل رفع احتياجات المجتمع فان عليه ان يقرن هدفه هذا بالقرب من الله تعالى، كما قال علي (ع): "واخلص لله عملك"(15).
 
2- النشاط في الانتاج والقناعة في الاستهلاك
ان عزة وكرامة اية امة انما هما مرتهنان بالهمم العالية لديها. يقول علي (ع): "الشرف بالهمم العالية"(16)، ويقول ايضا: "الفعل الجميل ينبىء عن علو الهمّة"(17)، و "قدر الرجل على قدر همّته"(18).
اذن على العامل ان يصرف همته في الانتاج بحيث لا تنجر به الى الطمع في المصرف.
يقول النبي (ص): "من قنع بما رزقه الله فهو من اغنى الناس"(19).
ان القناعة في الاستهلاك هي ايضا – كالهمة في الانتاج – موجبة للعزة والافتخار كما يقول علي (ع): "بالقناعة يكون العز"(20)، فلا يجوز الاتكاء على القناعة في المصرف غصبا مكان السعي الى الانتاج، او جعل السعي الى الانتاج جهلا مكان القناعة؛ اذ ينتج عن هذا التبديل غير المناسب كل من الكسل والاسراف، ولا ينجم عن ترافقهما سوى الانهيار والتفكّك والتلاشي.
 
3- عدم التنصل من العمل
لا ينبغي للعامل الامتناع عن مزاولة اي عمل مفيد واعتبار نفسه ارفع من ذلك كما هي سمات الانبياء والاولياء (ع)، فالنبي ادريس (ع) كان يخيط الثياب، ونوح (ع) كان نجاراً، وابراهيم الخليل وموسى الكليم (ع) كانا راعيين، ورسول الله (ص) كان راعيا فترة من الزمن كما قضى فترة اخرى في التجارة، واما علي (ع) فكان يشق القنوات ويزرع بساتين النخيل.
يقول علي (ع) في حديثه عن النبي (ص): انه كان "يخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه"(21)، ويقول ايضا عن داوود (ع): "اوحى الله عز وجل الى داوود انك نِعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داوود (ع) اربعين صباحاً، فاوحى الله عز وجل الى الحديد ان لن لعبدي داوود؛ فألان الله عز وجل له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعاً فيبيعها بالف درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألفاً واستغنى عن بيت المال"(22).
 
4- العمل من أول النهار
من جملة آداب العمل ووظائف العامل السعي للعمل من الصباح الباكر، اذ في هذا الوقت يكون اكثر نشاطا واكثر تفرغا للعمل، وكنتيجة طبيعية لذلك ان يحظى العامل بالنجاح الملفت.
يقول رسول الله (ص): " اللهم بارك لامتي في بكورها"(23).
ويقول الامام الصادق (ع): ان الله ليحب ان يبكر العبد في طلب رزقه(24).
 
5- الوسطية والاعتدال في العمل
ان الافراط والتفريط في أي امر هو شيء مرفوض، فقد اوصى الاسلام بالاعتدال والوسطية على كل الصعد، كما ان الامة الاسلامية هي الاخرى امة معتدلة، حيث جاء في القران الكريم: "وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"(25)، فالمسلمون هم الامة الوسطى بين الفئات التي تقوي الجانب الروحي فقط وتدعو الى الرهبانية وترك الكمالات الجسمانية والفئات التي تاخذ جانب الجسد ولا تطلب شيئا غير الحياة الدنيا وزخارفها، حتى يكونوا بذلك شاهدا على الناس. (من الجدير بالذكر ان للاية المتقدمة معاني اخرى مطروحة ايضا).
ان على العامل ان يعمل هو الاخر ضمن حد الاعتدال ايضا، فيبتعد عن الكسل والبطالة، وكذلك عن السعي المفرط وغير المجدي، فان الحرص والعمل المتواصل اللذين يمنعان الانسان عن الراحة والعبادة هما امران غير مقبولان بل ومضران ايضا.
ولابد هنا من الانتباه الى ان الكسب اليومي ليس مرهونا للعمل والسعي الزائد، بل للارادة الالهية والحكم الحكيم والعادل لله تعالى دور ايضا؛ حيث يؤمنان – وبالمقدار المحدد – كسب الافراد.
يقول رسول الله (ص): "ايها الناس ان الرزق مقسوم، لن يعدو امرء ما قسم له فأجملوا الطلب"(26).
 
6- تجنب الكسب الحرام
تقدم ان نفس العمل طاعة وعبودية لله سبحانه، ومعه فلا يجوز ان تصبح العبادة – القادرة على تقريب الانسان لربه والموجبة لنمو الكمالات الروحية – مشوبة بالحرام. ومن جهة اخرى وحينما يكون الرزق مقدرا اذن فلماذا يطلبه الانسان من الطريق الحرام؟!
يقول القران الكريم: "لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل"(27) أي لا تتصرفوا بها.
ويقول رسول الله (ص): "من طلب الدنيا حلالا في عفاف كان في درجة الشهداء"(28).
ويقول الامام الصادق (ع) (بما مضمونه) ان الله خلق الناس وجعل رزقهم من الحلال، فالذي يصرف من الطريق الحرام ينقص من رزقه الحلال بنفس ذاك المقدار الذي اخذه.
ان هذا العامل الذي يبذل جهده وينجز عمله – متحملا المتاعب والمشقات تحت خطر الحوادث – ويفتخر بان افضل نبي الهي واعلى انسان كامل قد قبل يده، هذا العامل ما هو الافضل لمثله من عدم التخطي عن النطاق الشرعي – الثابت عقلا ونقلا – وتحصيل كافة القيم المادية والمعنوية لنفسه بالاستفادة من التعاليم الالهية، والضمير المهني، والتجنب عن الحرام، ورعاية الأمانة؟.
 
7- التاثير السلبي للكسب الحرام على الذرية
بالرغم من تجرد الروح الانسانية الا انه وعلى اثر الارتباط المتين مع البدن والاثار المادية، فان تاثير الاشياء او الاعمال المحرمة في الروح هو امر غير قابل للانكار، وذلك لان الغذاء الحلال او الحرام مثلا يتحولان في المستقبل القريب الى رؤية علمية او ميل عملي، ويصيران سببا للجزم او العزم الصحيحين او السقيمين، كما ويظهران عن هذا الطريق في الولد الحامل للموروثات البدنية والروحية التي للاب والام. ولعل هذا جانب من معنى الاية الكريمة "وشاركهم في الاموال والاولاد"(29)، ولهذا يقول الامام الصادق (ع): "كسب الحرام يبين في الذرية"(30).
ان آثار مفاسد المال الحرام هي من الحجم بحيث انها تلوث الجيل الآتي، واصلاح هذا الجيل وان كان ممكنا الا انه ليس امراً سهلاً.
 
8- تجنب العمالة
يتمظهر العامل بالعمل ويتبلور به، فاذا كان العمل للاخر فهو يجسد روح العامل المرتهنة لرئيس العمل، ويكون مصير هذا العامل وفق ارادة صاحب العمل هذا. هذا النمط – أي العمالة – هو العامل الاساس في الحد من حرية العامل وتهديد استقلاله، فلهذا لا يجوز الاشتباه والخلط بين العمل في الاسلام – الذي يمثل تلك الفضيلة السامية – وبين العمالة المذمومة، كما انه لابد من التمييز بين العامل الشريف والمحبوب لله تعالى وبين العميل الذي يفوض قسماً من حرّيته واستقلاله لرب العمل.
بالرغم من ان الاجارة من العقود المشروعة واللازمة، والاجير منتفع من هذا العمل المقدس الا ان الاسلام – الذي يحث دائما على روح التسامي ويحذر من النفسية الساقطة والذليلة – لم يكن مروجا للعمالة كما لم يعتبرها مرحلةً كماليةً للعمل.
يقول الامام الصادق (ع): "من اجر نفسه فقد حظر على نفسه الرزق، كيف لا يحظره وما اصاب فيه فهو لربه الذي اجره"(31). (اذ هو فقط ياخذ منه الاجرة).
فكما يجب ان يكون لدى العمال الموقرين الهمة العالية كذلك يجب ان تؤمن الوسائل المهمة لاستقلالهم الاقتصادي من طرف المسؤولين المحترمين للنظام الاسلامي، حتى تتفلت الحركة التكاملية للعمل من مرحلة العمالة وتصل بالتالي الى مرحلة اعلى واسمى، وهي مرحلة ملكية العامل للعمل واتحاد المباشر والآمر، وبالتالي وحدة العامل والرئيس.
ان تربية المدراء الفاعلين، ودعم الانتاج المطلوب في المهن والحرف، هما من الشروط المهمة التي لا يجوز الغفلة عنها.
9- تجلي الكرامة الانسانية في العمل
ان الله سبحانه الذي ملىء الانسان في خلقه بالكرامة، وبنى له هويته على اساسها، قد نظم كافة الشؤون العلمية والعملية له بسخاء حتى لا تطال يد الضرر تاج كرامته الذي هو اوج انسانيته في أي عمل من الاعمال، ومن هنا يقول الائمة الالهيون – الذين هم مبلغو ومبينو الرسالة الالهية – ان من الجدير عدم كون عبادة الله والعبودية له نفعية او نابعة من خوف؛ فلا يكون منشؤها الخوف من النار او الطمع في الجنة، وانما المطلوب هو ان يكون مبدؤها المحبة والمعرفة، أي ان يرجع السبب في العبادة الى شوق لقاء الله والارتباط به.
وهذا الاساس المعرفي والركن الاعتقادي انما نظم لصيانة كرامة الانسان نفسه، حتى يواجه البشر وظيفتهم الاصلية والتي هي العبادة امام المحضر الالهي بشكل كريم لا خوفا ولا ذلة ولا طمعا و…
ان الشيء الذي يهدي المجتمع العمالي، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وكل من له علاقة بنظام الابداع والعمل نحو العنصر الفني والاصول الفنية والجمالية هو ان لايكون العمل لاجل الحاجة او الاكتناز والجمع وانما لاجل ترويج الفن والخلاّقية الالهية حتى لا تكون ثقافة العمل –على ارض المدينة الفاضلة – شيئا غير ثقافة نفس الفن المبدع والنامي حتى ينشد نشيد الايدي الفنانة لطبقة العمال الموقرين "شممت يدك ولثمتها وعيني في انسان عينك".
10- التوجه للصبغة العبادية للعمل
ان التوجه لعبادية العمل باعث من بواعث التحريك والشوق بالنسبة للعامل، فهو حين قيامه بوظيفته مشغول بالعبادة، لان العمل في الاسلام له جنبة عبادية وقدسية، بل انه يصنف كأرفع انواع العبادات.
يقول رسول الله (ص): "العبادة سبعون جزءاً افضلها طلب
الحلال"(32).
ومن هنا اوصي العامل – لاجل المزيد من النجاح والتوفيق – بالشروع بهذا العمل العبادي على وضوء وطهارة باطنية.
يقول الامام الصادق (ع): "من ذهب في حاجة على غير وضوء فلم تقض حاجته، فلا يلومن الا نفسه"(33).
لقد كان الائمة المعصومون يبرزون رغبتهم بالعمل ويبغضون البطالة على غرار ما كانوا فيه من شوق للعبادة والمناجاة(34).
جاء عن بعضهم انه دخلنا على ابي عبد الله (ع) في حائط له فقلنا: جعلنا فداك، دعنا نعمله او تعمله الغلمان قال: لا، دعوني فاني اشتهي ان يراني الله عز وجل اعمل بيدي واطلب الحلال في اذى نفسي"(35).

 

الهوامش
ـــــــــــــــــــــ
1 ـ سورة الزخرف، الآية 32.
2 ـ أسد الغابة،ج 2، 420، تاريخ بغداد، ج 7، ص 343.
3 ـ التهذيب، ج 6، ص 297، وسال الشيعة، ج 15، ص 66.
4 ـ الكافي، ج 5، ص 88.
5 ـ م، ن.
6 ـ م، ن.
7 ـ نهج البلاغة، الرسائل 53.
8 ـ تحرير الوسيلة، ج 1، ص 571.
9 ـ وسائل الشيعة، ج 19، ص 105.
10 ـ م، ن، ص 104.
11 ـ م، ن، ص 106.
12 ـ م، ن، ص 107.
13 ـ م، ن، ص 108.
14 ـ م، ن.
15 ـ شرح غرر الحكم، ج 2، ص 209.
16 ـ م، ن، ص 106.
17 ـ م، ن، ج 1، ص 365.
18 ـ م، ن، ج 4، ص 500.
19 ـ من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 358.
20 ـ شرح غرر الحكم، ج 3، ص 324.
21 ـ نهج البلاغة، الخطبة 160.
22 ـ الكافي، ج 5، ص 74.
23 ـ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 425.
24 ـ وسائل الشيعة، ج 7، ص 52.
25 ـ سورة البقرة، الآية 143.
26 ـ بحار الأنوار، ج 74، ص 181.
27 ـ سورة البقرة، الآية 188.
28 ـ المحجّة البيضاء، ج 3، ص 203.
29 ـ سورة الإسراء، الآية 64.
30 ـ وسائل الشيعة، ج 17، ص 82.
31 ـ م، ن، ص 238.
32 ـ م، ن، ص 21.
33 ـ م، ن، ص 79.
34 ـ م، ن، ص 58.
35 ـ م، ن، ص 40.
 
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً