أحدث المقالات

أ. إيمان شمس الدين(*)

في الحديث عن الدولة والحكم من منطلقٍ ديني نحتاج في مرحلةٍ قبلية أن نتحدَّث عن المشروعية، كمقدّمةٍ سابقة على مفهوم الدولة وحاكمية الحاكم فيها؛ لأن الجدل في الجسد الإسلامي بشكل عام، والفقه الشيعي بشكل خاصّ، يدور حول المشروعية ومصادرها. فالشيعة الإمامية يؤمنون باثني عشر إماماً يعتبرونهم جميعاً معصومين، ويؤمنون بغيبة الإمام الثاني عشر، وكونه المخلِّص لهم في آخر الزمان، كفكرة المخلِّص في كلٍّ من الديانتين المسيحية واليهودية، مع اختلافٍ في التفصيل. إلا أنهم بعد الغيبة الكبرى، وبروايةٍ معتبرة السند من الإمام الثاني عشر، يعودون في أمورهم إلى الفقيه الجامع للشرائط، وفق تصنيف الكتب الفقهية لهذه الشرائط. وللفقيه وفق هذه الأُسُس الفقهية ولايةٌ، وفق إجماع الفقهاء، لكنّها ليست ولايةً كولاية المعصوم؛ لأن الفقيه ليس معصوماً. وقد وقع جدل فقهي بين الفقهاء حول حدود هذه الولاية المتحقّقة نصّاً للفقيه، فيتفق جميع الفقهاء تقريباً على أن للفقيه ولايةً في الأمور الحسبية، وأن القيام بها هي إحدى الوظائف الموكلة إليه، من خلال العودة إلى نصوص الأحاديث صحيحة السند المروية عن أئمّة أهل البيت؛ إذ إن مصادر المعرفة التي يعتمدها الفقهاء هي النصّ (القرآن الكريم؛ والحديث)، العقل، الحسّ، التجربة، الوجدان.

ووقع الاختلاف بين الفقهاء الشيعة الإمامية على حدود الولاية في الأمور الحِسْبية، فهل تشمل الحكم؟ وهل هي منصبٌ بشريّ؟ وما الفرق بين جواز تصرّف الفقيه في الأمور الحِسْبية وبين ولاية الفقيه في الأمور الحِسْبية؟ وما علاقتهما بحكم البلاد والشأن السياسي؟([1]).

وقفةٌ تعريفيّة

الأمور الحِسْبية هي الأعمال التي يتمّ إنجازها بنيّة تحصيل الأجر والثواب لا غير. ولكنْ يظهر أن مصطلح «الأمور الحسبية» لا يعود إلى «الحسبة» في جَذْره اللفظي واللغوي فقط، بل حتى من ناحيةٍ اصطلاحية وتاريخية، فإن مصطلح الحسبة يعود لما يعرف في أدبيات الفقه عند أهل السنّة بنظام وإدارة الحسبة، وهي عبارةٌ عن مؤسسة عُرفَتْ في نظام الخلافة بديوان الحسبة أو ولاية الحسبة، ويوكل إليها مهمّة إجرائية، تتمثَّل بتطبيق ومتابعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([2]).

يقول ابن خلدون (١٣٣٢م ـ ١٤٠٦م): الحِسْبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرضٌ على القائم بأمور المسلمين، يعيّن لذلك من يراه أهلاً له، فيتعيّن فرضه عليه، ويتّخذ الأعوان على ذلك، ويبحث عن المنكرات، ويعزِّر ويؤدِّب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة، مثل: المنع من المضايقة في الطرقات، ومنع الحمّالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقّع من ضررها على السابلة، والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلِّمين. ولا يتوقَّف حكمه على تنازع أو استعداء، بل له النظر والحكم في ما يصل إلى علمه من ذلك، ويرفع إليه، وليس له إمضاء الحكم في الدعاوى مطلقاً، بل في ما يتعلَّق بالغشّ والتدليس في المعايش وغيرها من المكاييل والموازين، وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف، وأمثال ذلك. كما ليس فيه سماع بيّنة، ولا إنفاذ حكم، وكأنها أحكام ينزّه القاضي عنها؛ لعمومها وسهولة أغراضها، فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة؛ ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمةً لمنصب القضاء. وقد كانت في كثيرٍ من الدول الإسلامية، مثل: العبيديين بمصر والمغرب، والأموييّن بالأندلس، داخلة في عموم ولاية القضاء، يولّي فيها باختياره، ثم لمّا انفردت وطيفة السّلطان عن الخلافة، وصار نظره عامّاً في أمور السياسة، اندرجت في وظائف الملك، وأفردت بالولاية([3]).

ومصطلح الأمور الحسبية في الفقه الشيعي قريبُ المضمون من نظام الحسبة المتقدِّم، ولا أقلّ في اشتراك المصطلحين في جوهر المعنى وروح المدلول، وهو ضرورة حفظ النظام ووجوب رعاية مصالح العباد والبلاد. ولا سيَّما إذا قارنّا بين ما يرد مكرّراً على لسان الفقهاء الشيعة: «ما لايرضى الشارع بتركه»، الذي يشير إلى الواجبات التنظيمية، ولو لم ينصّ الشارع عليها من جهةٍ، ووسَّعنا من مفهوم المعروف والمنكر المأخوذ من ولاية الحسبة من جهةٍ أخرى، وقلنا: إن المراد بالمعروف في هذا الباب مطلق ما يستحسنه العقل أو الشرع من الواجب والمندوب، بل بعض المباحات الراجحة لجهةٍ من الجهات الأربعة، إلى مصالح المجتمع. والمراد بالمنكر مطلق ما يستنكره العقل أو الشرع، محرّماً كان أو مكروهاً أو مباحاً له حزازة عُرْفية لجهةٍ من الجهات؛ إذ رُبّ أمرٍ لا يكون بالذات محرّماً، ولكن مصالح المجتمع والبلاد تقتضي تحديد حرِّيات الأفراد بالنسبة إليه([4]).

شروط المشروعيّة، وتفسيرات مفهوم الشرعيّة

يقول الراغب في مفرداته: «وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة». ويقول ابن حزم: «لا يحلّ الحكم إلاّ بما أنزل الله تعالى على لسان رسول الله|، وهو الحقّ، وكلّ ما عدا ذلك فهو جَوْرٌ وظلمٌ لا يحلّ الحكم به».

فالمشروعية كانت تقترن بشروط:

1ـ الالتزام بالكتاب والسنّة كمصادر تشريعية ومرجعية معرفية تقاس عليها التقنينات، ولكنّ هذا لا يلغي دَوْر العقل في التقنين؛

2ـ تحقيق العدل، ومنع الظلم، وهذا يتطلَّب أن تكون التقنينات والمناهج وآليات الحكم خاضعةً لهذا المبدأ؛

3ـ تكريس مبدأ الحرِّيات الشخصية، شريطة عدم مخالفتها لصريح القرآن وقوانين الدولة الإسلامية، وعدم ضررها بالمجتمع وحرّيات الآخرين.

ولمفهوم الشرعيّة تفسيرات، أهمّها:

1ـ تفسير ديني ثيولوجي: وهو يعتبر الشرعية مستمدّةً من حاكمية الله وحده، بالتالي يصبح وصفُه للسلطة بالشرعية خاضعاً لهذا التفسير، فتكون السلطة شرعية بذاتها دون النظر إلى ممارساتها وقراراتها، فترتبط السلطة بالله، وتصبح خارج التقييم والنقد والعزل، بل خارج مقبولية الناس وانتخابهم، فلا حقَّ لهم في ذلك، ولا حقَّ لهم في سلب الشرعية؛ لأنها إلهية.

2ـ تفسير علماني: وهو تفسير دنيوي لا مدخلية للدين فيه. يرى الشرعية كمفهومٍ معياري مرتبطٍ بتبرير السلطة وحقّها في الحكم. وهو يستمدّ فهمه للشرعية من الإنسان، فتمارس السلطة دَوْرها، ويتمّ خلال ذلك تقييم هذا الدَّوْر من حيث الأداء والعدالة والقرارات، وعلى أساس ذلك يتمّ وصفها بكونها سلطةً شرعية أو لا. ويؤمن هذا التفسير بضرورة مقبولية الناس لهذه السلطة، أي إنها سلطةٌ منتخبة وفق معايير محدّدة، ويمكن للناس سحب الشرعية من هذه السلطة في حال مخالفتها لشروط انتخابها، وهي شروطٌ وضعيةٌ خاضعةٌ لمرجعية الإنسان المعرفية فيها، وهي التجربة والحسّ.

3ـ تفسير جامع: وهو يعتبر الشرعية مستمدّةً من الله، وفق شروط ومعايير، ما إنْ تتوفَّر في أشخاصٍ تصبح لهم الشرعيّة والحقّ في الحكم، لكنْ بشرط مقبولية الناس وتوافقهم على هذا الشخص، فالشروط والضوابط في الشرعية هنا مصدرهما النصّ والعقل والتجربة، فلا يقبل للانتخاب مَنْ لا تنطبق عليه هذه الشروط، وحتّى لو انطبقَتْ، وترشَّح للانتخابات، فإن انتخاب الناس له وقبولهم به شرطٌ لاستلام السلطة. ومن ثم يتمّ تجريب هذه السلطة، ومراقبة أدائها، وتقييمها، وفي حال خالفت شروط الشرعية، وخاصة في العدالة، فإن من حقّ الناس سحب الشرعية منها.

إن موضوع قيام الدولة أو الحكومة ومشروعيتها، وخاصّة إذا كانت دولة مدنية، وليست دينية، كان محلّ جَدَلٍ كبير في الوسط الإسلامي، وخاصة الشيعي. وكان الاعتقاد السائد غالباً هو أن قيام الحكومة العادلة لن تكون إلاّ في عهد ظهور الإمام المهدي المنتظر#. هذا، فضلاً عن «ترسّخ مفهوم في الذهنية الفقهية منذ بداية عصر الغيبة يبتني على انعدام الدليل على تكليف الفقهاء بالولاية والإمارة. يكتب الشريف المرتضى وهو من أعلام القرن الخامس الهجري»([5]): «ليس علينا إقامة الأمراء إذا كان الإمام مغلوباً، كما لا يجب علينا إقامة الإمام في الأصل… ليس إقامة الإمام واختياره من فروضنا، فيلزمنا إقامته، ولا نحن مخاطَبون بإقامة الحدود، فيلزمنا الذمّ بتضييعه»([6]).

«إن عدم فصل فقهاء المذهب الإمامي بين مفهوم الدولة بمعناه السياسي كتنظيمٍ بشريّ ومفهومه الكلامي العقائدي كنظام خلافةٍ دفعهم نحو سلب الشرعية عن كلّ أشكال الدولة، ووصفهم جميع الحكّام بكونهم أئمّة جَوْرٍ، وهو ما صرف جهودهم للتفكير بالدولة كتنظيمٍ للجماعة المؤمنة، وليس كنظامٍ يسوس الأتباع»([7]).

لم يكن النقاش المحوري في أصل ولاية الفقيه؛ كون هذا الأصل مثبتاً، فقد أجمع الفقهاء الشيعة على أصل ولاية الفقيه، ولكنْ كان الاختلاف بينهم في حدود هذه الولاية سعةً وضيقاً، وهل هي ولاية خاصة أو ولاية عامة؟

وكان الملا أحمد النراقي أوّل مَنْ طرح هذه المسألة بعنوان: «بيان ولاية الحاكم وحاله في الولاية»، وكان تساؤله حول حدود هذه الولاية، هل هي خاصة أو عامة؟

وبعده طرح عبد الفتّاح المراغي وأفرد بحثاً في ولاية الحاكم الشرعي في كتابه «العناوين»، ثم صاحب الجواهر، حيث دافع بشدّةٍ عن ولاية الفقيه، وجعله حكم أساطين المذهب.

وبعده أفرد السيد محمد بحر العلوم بحثاً خاصّاً تحت عنوان: «رسالة في الولايات»، في كتابه «بلغة العلوم».

وبعد ذلك حدثت نهضات علمية هامة جدّاً، بل هي قفزات في موضوع الحكومة وولاية الفقيه، وحدودها وكيفيتها، كانت وليدة الأحداث السياسية المتوالية في العراق وإيران. وكان لهذه الأحداث انعكاساتٌ واضحة على مجتمع الفقهاء، دفعَتْ باتجاه فتح آفاق جديدة في حركة الاستنباط الفقهي في مفهوم الحكومة وولاية الفقيه. وكانت أهمّ محطات مفصلية من وجهة نظري هي حركة المشروطة([8])، وما نتج عنها، وهي: رسالة الشيخ النائيني في تنبيه الأمّة وتنزيه الملة؛ والنتاجات الفكرية للشهيد محمد باقر الصدر حول الدولة ودَوْر الفقيه فيها، وما أنتجه من فهمٍ حول ذلك، خلص في نهاية حياته، وفي خضمّ أحداث الثورة الإيرانية، إلى كتابة دستورٍ للدولة، في كتابه «الإسلام يقود الحياة».

حَسْب ما ورد في دراسةٍ، للشيخ حيدر السهلاني، بعنوان: «مشروعية البرلمانات في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة»: «وكان اتجاهان كموقفٍ فقهيّ للعلماء تجاه شكل الدولة وسلطتها على الفرد والمجتمع في عصر الغَيْبة:

 

الاتجاه الأوّل: عدم مشروعيّة إقامة الحكومة في عصر الغَيْبة([9])

بمعنى أن أيّ دولة لا يمكن إعطاؤها صفة الشرعية من الفقيه، وأن الشارع المقدّس أبقى الدولة منوطةً بالإمام الغائب صاحب الزمان#. ولهذا قال بعض علماء الإمامية بتحريم إقامة السلطة من قِبَل السلطان، وبعدم مشروعيّتها تحت عنوان أنها غصبيّة([10]).

الاتجاه الثاني: مشروعيّة السلطة وإقامة الدولة في عصر الغَيْبة

وهذا الاتجاه يؤمن بالنظريات التي تؤسِّس لشرعية الدولة في عصر الاجتهاد، ويجعل عدّة نظريات أو أنظمة تجمع بين الاجتهاد والنظام النيابي، ويؤسِّس لعلاقةٍ بين المجتهد ومجلس النوّاب، والفقهاء ينظِّرون لقيام تلك الدولة وفق نظرتين:

النظرة الأولى: الدولة الدينيّة

وليس المراد منها الدولة الدينية التي تكون حكومتها الثيوقراطية ونظامها السياسي المستند إلى التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر، حيث يختار الله الرؤساء مباشرةً لحكم الشعب، وإنما المراد هو النظام السياسي الذي يكون على رأس السلطة فيه الفقيهُ الجامع للشرائط، وأشهرها: نظرية ولاية الفقيه، وهي النظرية التي منحَتْ الفقيه الجامع لشرائط الفتوى أن يكون نائباً من قِبَل الأئمّة^ في حال الغيبة، لا في الأمور الحسبية([11]) المقيّدة، بل في جميع ما للنيابة من أمور، فوسَّعَتْ بذلك في فهمها للأمور الحسبية، ووسَّعَتْ دائرة ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

النظرة الثانية: الدولة المدنيّة

وللمرجعية الدينية أيضاً عدّة نظريّات عالجَتْ فيها قضية السلطة في عصر الغيبة عندما لا يكون على رأسها الوليّ الفقيه، ولكنهم في نفس الوقت أمضوا عمل السلطات، بما فيها السلطة التشريعية (البرلمان)، فقد اعتبرَتْ، على ضوء قراءتها التاريخية لمدرسة أهل البيت^ وما صدر عنهم من رواياتٍ، أن قيام حكومةٍ ودولةٍ من مختصّات الإمام الثاني عشر، وهو المعنيّ فقط بقيامها وتحقيق العدالة والحكومة الإلهية في الأرض، وهي ليست من شأن الفقيه في عصر الغيبة، ومنها: نظرية الحكومة المشروطة بإذن الفقهاء، والتي يعتبر العلاّمة محمد حسين النائيني مفكِّرها والمنظِّر لها في كتابه تنبيه الأمّة وتنزيه الملة، والذي جمع فيه عشرات الأدلة على مشروعية الحكومة المشروطة، وردّ إشكالات المعارضين لها». انتهى إلى هنا كلام الشيخ حيدر السهلاني، بتصرُّفٍ.

النظريّات السياسيّة ومفهوم الدولة

«ينظر إلى الدولة في منطق العرب كمدير شأن الناس في اجتماعهم واختلافهم، ولفظة التدبير عند ابن منظور تُقال على معانٍ كثيرة، وأشهر دلالتها بالجملة تجري على ترتيب أفعال معينة نحو غايةٍ مقصودة، ولذلك لا يطلقونها على مَنْ فعل فعلاً واحداً يقصد به غايةً ما، فإن مَنْ اعتقد في ذلك الفعل أنه واحدٌ لم يطلق عليه التدبير، وأما مَنْ اعتقد فيه أنه كثيرٌ وأخذه من حيث هو ذو ترتيبٍ سمّى ذلك الترتيب تدبيراً، لذلك يطلقون على الإله أنه مدبِّرُ العالم([12]).

وتعتبر الدولة من مفاهيم علم السياسة، وتشكَّلت حولها نظريات كثيرة، والنظرية السياسية هي فلسفةٌ سياسية تنطبق على ظروف اجتماعية واقعية([13]).

وينقسم المنظِّرون في هذا المضمار الفلسفي إلى ثلاث مدارس رئيسة للفكر الفلسفي: المدرسة العقلية؛ والمدرسة التجريبية؛ والمدرسة الدينية([14]).

والمدرسة الدينية مرتكزها الفكري الأساس هو أن الله يقرِّر حقيقة الوجود كاملة، وأن هذه الحقيقة الأزلية يمكن استنتاجها كلِّياً مما أنزله الله تعالى. فكل ما هو موجود في هذا الكون هو من فيض ذات الله سبحانه، وإن الإيمان هو الآلية الوحيدة للمعرفة، سواء في فهمنا لطبيعة الوجود أو اكتشاف الهدف من الخليفة([15]).

ويعدّ الفقه الشيعي من أغنى المجموعات الحقوقية في مجال الحقوق الفردية، وقد كانت تطرح مباحث الحكومة والدولة غالباً في قالب الأحكام ووظائف الحاكم، والسؤال عمَّنْ يكون الحاكم؟ لا أنه كيف تجب ممارسة الحكم؟ وما هي وظائف وأحكام الدولة، بعنوان كونها مؤسّسة وشخصية حقوقية؟ وكان هذا الأمر طبيعياً بالنظر إلى الوضع الذي كان يعيشه الشيعة، وإبعادهم الإجباري عن ميدان الحكومة والإدارة الاجتماعية لقرون متمادية، فبعد استشهاد الإمام الحسين× على يد يزيد بالذات تمّ التضييق الشديد على أهل البيت^ وأتباعهم.

ولكنْ بعد الدولة الصفوية، والتي بلورت مفهوم السلطة عند الشيعة، توالت النظريات حول مفهوم الدولة، وهي وفق التسلسل الزمني لظهورها تعكس حجم التطوُّر والتنوُّع في الفقه الجعفري:

النظريّة الأولى: نظريّة السلطنة المشروعة

وهي تمثِّل أول ظهور للآراء السياسية وتبلور نظريّات الحكم، وهي نظريّة الدولة عند الشيخ المحقِّق الكركي (868هـ ـ 940هـ).

ومختصرُ النظرية القولُ بالولاية العامّة للفقهاء، إلاّ أنها تفكِّك بصورتها النمطية بين الأمور الشرعية والأمور العُرْفية، بحيث توكل الأمور الشرعية للفقهاء، ولكنْ الأمور السياسية والعلاقات الدولية وحفظ النظام من وظائف المسلمين ذوي الشوكة، أي السلطان.

النظريّة الثانية: الولاية العامّة للفقهاء

 وهي نظرية الملاّ أحمد النراقي(1248هـ)، فهو أوّل فقيهٍ بحث في ولاية الفقيه تفصيلاً، وتعامل معها كمسألةٍ فقهية مستقلّة، بعد أن كانت تبحث في ضمن مسائل أخرى، كصلاة الجمعة أو مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهو يعتبر أن تنظيم شؤون الدنيا وأمورها من وظائف الفقهاء، وتُعَدّ كلماته أولى طلائع الفكر السياسي عند الشيعة([16]).

النظريّة الثالثة: نظريّة الدولة المشروطة بإذن ونظارة الفقهاء

وهي ما سنتطرَّق إليه بالتفصيل؛ لأهمّيتها في الفكر السياسي؛ ولقربها من هويتنا وظروفنا الراهنة، لكنْ بعد عرض باقي النظريّات.

 

النظريّة الرابعة: الولاية المطلقة للفقهاء

أُيِّدَتْ نظرية ولاية الفقيه العامّة([17]) على يد السيد محمد حسين البروجردي(1340هـ)، لكنْ بقيَتْ النظرية طيّ الكتب وأروقة البحث العلمي إلى أن استطاع الإمام الخميني أن يحقِّقها في ثورته في إيران، وينشئ نظاماً قائماً على الولاية المطلقة للفقيه.

النظريّة الخامسة: شورى مراجع التقليد

ولاية الشورى في مقابل الولاية الفردية، أي إن شرط الفقاهة ملحوظٌ في هذه النظريّة، لكنّ رأس الهرم السياسي مكوَّنٌ من مجموعةٍ من الفقهاء. وقد أشار إلى هذا الرأي السيد محمد الشيرازي في موسوعته الفقه، ككتاب الاجتهاد وكتاب الدولة الإسلامية.

النظريّة السادسة: نظريّة خلافة الأمّة وإشراف المرجعيّة

هذه النظرية أعطَتْ صلاحية الاختيار، مع حفظ دَوْر التشريع والإشراف للفقهاء. وطُرحَتْ من قِبَل الشهيد محمد باقر الصدر في المجموعة المختصرة الإسلام يقود الحياة.

النظريّة السابعة: الولاية الانتخابيّة المقيّدة للفقيه

هي أوّل مسعىً لفقهاء حوزة قم على أساس المبنى في موضوع الدولة، وقدّم فيها الفقهاء تركيباً من نظرية ولاية الفقيه التقليدية ـ في مجال الشروط التي يحدِّدها الشارع في رئيس الدولة ـ من جهةٍ، وحقّ الحاكمية الشعبية والمشاركة الجماهيرية من جهةٍ أخرى. ويمكن ملاحظة بداية هذه النظرية في كتابات الشهيد مرتضى مطهَّري، وقد شرح الشيخ جعفر السبحاني (معاصر) هذه النظرية في كتاب معالم الحكومة الإسلامية.

النظريّة الثامنة: الدولة الانتخابيّة الإسلاميّة

وبحَسَب هذه النظرية تكون مهمة تدبير الأمور السياسية للأمّة في عهدة الشعب، فيستطيع الشعب أن ينظِّم أموره الاجتماعية على أساس المصالح التي يشخِّصها وفق الشروط الزمانية والمكانية. وتذكر شروطاً ولوازم على الناس ليس هنا محلّ ذكرها، فليراجع.

وبحَسَب هذه النظرية لا يشترط أن يكون رأس السلطة فقيهاً أو مجموعة فقهاء، وإنما المهم أن تكون قوانين الدولة إسلاميةً. وقد تطرّق لها الشيخ محمد جواد مغنيّة (1904م ـ 1979م)([18]).

النظريّة التاسعة: وكالة مالكي المشاع الشخصيّين

وهي آخر نظريّةٍ طُرحَتْ في الفقه الشيعي على مبنى المشروعية الإلهيّة الشعبية، وقد طُرحَتْ من قِبَل الدكتور مهدي الحائري اليزدي في كتابه الحكمة والحكومة. وهي تبتني على قاعدة الملكية الفقهية، وبناء الانتخاب على قاعدة الوكالة الفقهية، والأهمّ من ذلك تشخيص موقع الدين في السياسة وتدبير المجتمع. فملكية المواطنين الشخصية للمشاع هي نوعُ وكالةٍ من قِبَل المواطنين، ويقوم الوكيل مكان الموكِّل، وبناءً على العقد السابق بين الوكيل والموكِّل فإن الموكِّل يجعل جميع صلاحياته ورغباته وإرادته في جميع مسائل الدولة للوكيل في تشخيصه وإدراكه المناسب. وبقبول الوكيل العقد يكون لزاماً عليه تنفيذ رغبات الموكِّل. فماهية الحكومة ما هي إلاّ بالوكالة، والوكالة عقدٌ لا يلزم الموكِّل، أي إنه في أيّ زمانٍ أو مكانٍ أو وضعٍ يستطيع الموكِّل (الشعب) أن يعزل وكيله، وأن يعلنوا سحب الوكالة منه([19]).

النظريّة العاشرة: نظريّة ولاية الأمّة على نفسها

 وهي نظريّة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وتعتبر الأكثر انفتاحاً على مفهوم الديموقراطية، حيث يقول الشيخ شمس الدين: « إن الدولة الإسلامية يجب أن تكون دولةً ديموقراطية تقوم على المشاركة، التي قوامها الشورى والتمثيل الشعبي، واللا مركزية في الإدارة، ووجوب حفظ النظام، ومقدّمة الواجب، والأمور الحسبية، وتخضع في الوقت عينه لمقتضيات الأصول الأولية، والأدلّة المقيدة، منعاً لأيّ تجاوزات أو بروز نزعات تسلُّطية إطلاقية للحاكم؛ إذ كلّما كانت السلطة الحكومية السياسية والتنظيمية والإدارية وغيرها أقرب إلى ممارسة الإنسان لسلطته الذاتية على نفسه كانت أقرب إلى الأصل الأوّلي، وكانت متيقّنة المشروعية من حيث دخولها في دليل تقييد الأصل الأوّلي([20])، وهي نتيجةٌ لعقْدٍ تبرمه الأكثرية من المواطنين بإرادتهم الحرّة، فينتج عن إبرامه كيان الدولة([21]).

وكان الاعتقاد السائد غالباً هو أن قيام الحكومة العادلة لن تكون إلاّ في عهد ظهور الإمام المهديّ المنتظر#. هذا، فضلاً عن «ترسُّخ مفهومٍ في الذهنية الفقهية منذ بداية عصر الغيبة يبتني على انعدام الدليل على تكليف الفقهاء بالولاية والإمارة([22]). يكتب الشريف المرتضى، وهو من أعلام القرن الخامس الهجري: «ليس علينا إقامة الأمراء إذا كان الإمام مغلوباً، كما لا يجب علينا إقامة الإمام في الأصل… ليس إقامة الإمام واختياره من فروضنا فيلزمنا إقامته، ولا نحن مخاطبون بإقامة الحدود فيلزمنا الذمّ بتضييعه»([23]).

نظريّة ولاية الفقيه

البحث في ولاية الفقيه يعني البحث عن الحاكمية في ما يسمِّيه الشيعة الإمامية بزمن الغَيْبة الكبرى للإمام الحجّة المنتظر، بما أن حاكمية الله تعالى لا تقتصر على زمنٍ دون آخر.

ويقول الإمام الخميني ـ وهو أول مَنْ طبَّق هذه النظرية، ووسَّع في حدود ولاية الفقيه ـ في هذا الصدد: «حكومة الإسلام هي حكومة القانون. وفي هذا النمط من الحكومة تنحصر الحاكمية بالله والقانون ـ الذي هو أمر الله وحكمه ـ؛ فقانون الإسلام أو أمر الله له تسلُّط كامل على جميع الأفراد وعلى الدولة الإسلامية. فالجميع، بدءاً من الرسول الأكرم ومروراً بخلفائه وسائر الناس، تابعون للقانون ـ إلى الأبد ـ؛ بسبب ذلك القانون النازل من عند الله، والمبلّغ بلسان القرآن والنبيّ. إذا كان النبيّ قد تولى الخلافة فقد كان ذلك بأمرٍ من الله؛ إذ إن الله تعالى هو الذي جعله| خليفةً، خليفة الله على الأرض، لا أنه شكّل الحكومة من نفسه، وأراد أن يكون رئيساً للمسلمين… ويكمل: فحيثما أُعطيت صلاحيّات للرسول الأكرم| فإنما كان ذلك من الله. وفي كلّ وقت كان النبي| يقوم ببيان أمرٍ أو إبلاغ حكم فإنما يكون ذلك منه اتباعاً لحكم الله وقانونه. واتباع الرسول| إنما هو أيضاً بحكم الله، واتباع أولي الأمر أيضاً بحكم الله، فرأي الأشخاص ـ بما في ذلك رأي الرسول الأكرم| ـ في الحكومة والقانون الإلهي تابعٌ لإرادة الله تعالى»([24]).

وفي موضعٍ آخر يقول، حول استدلاله على بداهة ولاية الفقيه: «ولاية الفقيه من المواضيع التي توجب تصوّرها التصديق بها، فهي لا تحتاج لأيّ برهنةٍ؛ وذلك أن كل مَنْ أدرك العقائد والأحكام الإسلامية ـ ولو إجمالاً ـ، وبمجرّد أن يصل إلى ولاية الفقيه ويتصوّرها، فسيصدِّق بها فوراً، وسيجدها ضرورةً وبديهية. والسبب في عدم وجود أدنى التفاتٍ لولاية الفقيه، وفي أنها صارَتْ بحاجةٍ إلى الاستدلال، هو الأوضاع الاجتماعية للمسلمين بشكلٍ عام، والحوزات العلمية بشكلٍ خاصّ. وهناك أسبابٌ تاريخية لأوضاعنا الاجتماعية نحن المسلمين، ولأوضاع الحوزات العلمية…»([25]).

الإمام الخميني وابتكار ولاية الفقيه

هل كان الإمام الخميني مبتكر موضوع ومفهوم ولاية الفقيه؟ يقول الإمام الخميني نفسه بهذا الصدد، موضحاً أن موضوع ولاية الفقيه ليس موضوعاً جديداً جئنا به نحن، بل إن هذه المسألة وقعَتْ محلاًّ للبحث منذ البداية… وبحَسَب ما ينقل فإن المرحوم كاشف الغطاء([26]) قد تعرّض أيضاً للكثير من هذه الأمور. وقد ذكرْتُ لكم أنه من بين المتأخِّرين فإن المرحوم النراقي([27]) يرى ثبوت جميع شؤون رسول الله| للفقهاء، والمرحوم النائيني([28]) أيضاً يقول: إن هذا المطلب يستفاد من مقبولة([29]) «عمر بن حنظلة»([30]). ويكمل الإمام: على أيّ حالٍ، هذا البحث ليس جديداً، وإنما أردنا نحن البحث حوله فحَسْب، ووضعنا تشعّبات المطلب المذكور في متناول السادة؛ لتتَّضح المسألة أكثر. كما بيَّنّا، تبعاً لأمر الله تعالى في كتابه، وبلسان نبيه|، بعض الأمور المبتلى بها هذه الأيام، وإلاّ فإن المطلب هو نفسه ما فهمه الكثيرون وذكروه»([31]).

وموضوعُ ولاية الفقيه محلُّ إجماع فقهاء الشيعة الإمامية، إلاّ أن الاختلاف        ـ كما أسلَفْنا ـ في سعة هذه الولاية وضيقها، وفي إمكانية فهم النظرية في البُعْد السياسي وإقامة الدولة ضمن الأمور الحسبية التي يجب أن تكون للفقيه ولاية عليها.

وللمراجعة والتوسُّع أكثر في هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب الحكومة الإسلامية، للإمام الخميني.

فهناك خمسة وظائف حَصْرية للفقيه، وكلّ واحدةٍ منها تمثِّل ولايةً فرعية من ولاية الفقيه:

1ـ وظيفة فقهية، تتمثَّل في الإفتاء.

2ـ وظيفة تحكيمية، تتمثَّل في القضاء.

3ـ وظيفة مالية، تتعلَّق بشؤون الحقوق الشرعية.

4ـ وظيفة حسبية، تتعلَّق بإدارة المجتمع الشيعي.

5ـ وظيفة سياسية، تتعلَّق بإقامة الدولة الإسلامية وقيادتها([32]).

ويجمع الفقهاء الشيعة الإمامية على الوظائف الأربعة الأولى، ولكنّهم يختلفون على الوظيفة الخامسة، المتمثِّلة في صلاحية إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها.

هذا الاختلاف الفقهي يعني أن هناك مرجعياتٍ دينية لا ترى صلاحية إقامة الدولة الإسلامية وقيادتها. وبما أن الشيعة يرجعون في أحكامهم الفقهية إلى تقليد المرجع الديني ـ ففي الفقه الشيعي الإمامي الإنسان المسلم الشيعي عليه أن يمتثل وظيفته أمام الله، فهو إما أن يكون مجتهداً متمكّناً من استنباط الحكم الشرعي بنفسه، وهو ما يتطلَّب منه الدراسة المنهجية في الحوزات العلمية، أو إنْ لم يتمكّن فعليه أن يكون مقلّداً للفقيه الجامع للشرائط ـ، وبما أن موضوع ولاية الفقيه موضوعٌ فقهي، فبالتالي يجب على المسلم المكلّف ـ الذي بلغ سنّ التكليف الشرعي ـ الرجوع إلى الفقيه والمرجع الذي يقلِّده. وبما أن الفقهاء غير مجمعين على صلاحية إقامة الدولة الإسلامية فبالتالي ليس كلّ المسلمين الشيعة؛ نتيجة تقليدهم لعدّة مراجع، مجمعين على ولاية الفقيه بسعتها التي يراها الإمام الخميني، والتي أهمّها: صلاحية إقامة دولة إسلامية.

صلاحيّات الوليّ الفقيه وراء الحدود (جغرافيّة جمهوريّة إيران الإسلاميّة)

يطرح هنا سؤالٌ منهجيّ، وهو: هل للولي الفقيه سلطة وصلاحية على المسلمين خارج حدود إيران، بحيث يجب عليهم اتِّباع أوامره، أو أن المسألة لها متعلّقات أخرى تختلف باختلاف منشئها؟

أجاب الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي([33]) (1935 ـ 2021م) بنوعٍ من التفصيل، حيث ميَّز في الإجابة بين المسلمين الذين يعيشون في البلدان الأخرى غير الإسلامية وبين أولئك الذين يعيشون في دولٍ إسلامية.

1ـ ففي حال كان المسلمون يعيشون في بلدان أخرى غير إسلامية هل عليهم طاعة أوامر الوليّ الفقيه؟

جوابه: اعتماداً على مبنى ثبوت الولاية بتنصيبٍ من الإمام المعصوم أو بالأذن منه، وكون الأفضلية محرزة، وقيام الأدلة العقلية على أن لهذا الشخص حقّ الولاية بالفعل على الناس، فإن أوامره ستكون نافذةً على كلّ مسلمٍ، بمعنى أن إطاعته واجبة حتّى على المسلمين المقيمين في الدول غير الإسلامية. أما حَسْب مبنى توقُّف ولاية الفقيه بالفعل على انتخاب الناس وبيعتهم فيعتبر الشيخ مصباح أن انتخاب أكثرية الأمة أو أكثرية أعضاء المجلس المتشكِّل من أهل الحلّ والعقد هو حجّة على الآخرين أيضاً. لذا وفقاً لهذا المبنى كذلك فإن طاعة الوليّ الفقيه واجبة حتّى على المسلمين الذين يعيشون في البلدان غير الإسلامية، بصرف النظر عما إذا كانوا قد بايعوه على الولاية أو لم يفعلوا.

2ـ .في حال وجد بلدان إسلاميّان، وكان أحدهما فقط تحت حكم نظام ولاية الفقيه، فهل تجب إطاعة ذلك الفقيه على المسلمين الذين يعيشون في البلد الآخر أم لا؟

يمكن للمسلمين المقيمين في البلد الآخر ـ من باب الاجتهاد والتقليد ـ أن يعتبروا حكومتهم مشروعةً وواجبة الطاعة، حتّى وإنْ كانت تُدار بنظامٍ حكومي آخر غير ولاية الفقيه. ففي هذه الحالة سيكون تكليفهم الظاهري هو إطاعة حكومتهم، وليس الوليّ الفقيه الذي يحكم البلد الآخر… وأضاف في موردٍ آخر، حول سؤال: لو أن كلّ بلدٍ من مجموع بلدين أو عدّة بلدان إسلامية قبل بولاية فقيهٍ خاصّ به ألا يسري حكم كل واحدٍ من هؤلاء الفقهاء على مواطني البلد أو البلدان الأخرى؟ يجيب اليزدي قائلاً: أوّلاً: لا بُدَّ من الافتراض بأن ولاية كلا الفقيهين (أو كلّ الفقهاء) مشروعة، وأن أوامره نافذةٌ وسارية في بلده، بالقدر المتيقَّن.

ثانياً: لا بُدَّ من الافتراض أن أمر أحد الفقهاء على الأقلّ يخصّ المسلمين المتوطِّنين في البلد الآخر، وإلاّ فلن يكون معنىً لنفوذ حكمه عليهم. وبناءً على الشرطين السابقين، إذا أصدر أحد الفقهاء حكماً عامّاً، بحيث يشمل حتّى المسلمين الساكنين في البلد الآخر التابع للوليّ الآخر، فسوف تتفرَّع لهذه المسألة ثلاث صور على الأقلّ، مفادها: إن الحاكم الآخر إما أن يبادر إلى تأييد هذا الحكم؛ أو أن يعمد إلى نقضه؛ أو يختار السكوت مقابله.

فإنْ أيَّد الحاكم الآخر هذا الحكم فلا مجال للبحث فيه؛ لأنه سيكون بمثابة إصدار حكمٍ مشابه من جهته، مما سيكون واجب التنفيذ.

أما في حالة نقضه للحكم المذكور ـ وبطبيعة الحال فإن النقض المعتبر هنا هو ذاك المستند إلى علمه ببطلان ملاك الحاكم بشكلٍ كلِّي أو بطلانه بالنسبة إلى مواطني بلده ـ، ففي هذه الحالة لن يكون للحكم المنقوض اعتبارٌ بالنسبة لسكان بلده، إلاّ أن يتوفَّر اليقين بأن النقض المذكور لم يكن في محلّه.

وفي حالة سكوته مقابل الحكم فبحَسَب مبنى اعتبار ولاية الفقيه تنصيباً من قِبَل المعصوم فإن إطاعته واجبةٌ حتّى على باقي الفقهاء، كما هو الحال باعتبار حكم أحد القضاة الشرعيّين حتّى بالنسبة إلى القاضي الآخر أو دائرة قضائه.

 إن حكم أيّ فقيهٍ نافذٌ وساري المفعول فقط على أهل بلده (بل على الأشخاص الذين بايعوه)، ولا اعتبار له بالنسبة إلى الآخرين، وهذا طبقاً للمبنى الذي يرى توقف ولاية الفقيه على انتخاب الناس، وفي ما يخصّ الافتراض القائم على أن المسلمين المقيمين في بلدٍ ما قد بايعوا الفقيه الحاكم في بلدٍ آخر فهو ـ في الواقع ـ بمنزلة الخروج عن مواطنة البلد الذي يعيشون فيه، والقبول بمواطنة البلد الذي بايعوا وليّ أمره([34]).

إذن هناك اختلافٌ في المباني، وعلى ضوئه اختلافٌ في النتائج. وخلاصة الأمر: إن نفوذ حكم الوليّ الفقيه ليس مطلقاً، بل مقيّدٌ بالمباني التي يرجع إليها المكلَّف أوّلاً (المبنى الأول والثاني)، ومقيّدة بالجغرافيا ثانياً.

وحينما سُئل السيد محمد حسين فضل الله([35]) (1935م ـ 2010م) حول مسائل في ولاية الفقيه اعتبر أن ولاية الفقيه هي من المسائل الفقهية التي لا بُدَّ فيها من التقليد، أي يعود كلّ مكلَّفٍ في هذه المسألة الفقهية «ولاية الفقيه» إلى المرجع الذي يقلِّده. واعتبر في موضوع ارتباط ولاية الفقيه بالحدود الجغرافية أنه إذا كان هناك موانع تمنع من امتداد سلطته إلى خارج الحدود الجغرافية التي يعيش المكلَّف فيها فهذا يعني عدم فعلية سلطته خارج تلك الحدود. وحول جواز مخالفة الوليّ الفقيه من قِبَل مَنْ لا يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه قال: إنه لا يجوز مخالفة مصلحة الإسلام العليا، أما ما لا يتّصل بذلك فالمكلَّف ملزمٌ برأي مرجعه، والمجتهد له أن يعمل برأيه، أما في الأحكام القضائية فحكم الحاكم الجامع للشرائط نافذٌ على غيره.

وأما رأي السيد محمد حسين فضل الله في موضوع ولاية الفقيه فيقول: إن للفقيه المجتهد الولاية والسلطة على إدارة شؤون الناس العامّة ممّا يحتاج إلى ولايته، والشؤون العامة هي ما يرجع إلى النظام العامّ، الذي يتوقَّف عليه توازن حياة المسلمين وغيرهم، بما يحفظ مصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والزمنية ونحوها، ويقوم به حفظ نظام حياتهم كمجتمع. كذلك فإن له الولاية على ما يدخل تحت عنوان (الأمور الحسبية)، كولايته على الأفراد الذين فقدوا وليّهم، كالقاصرين والمجانين، وكذا على الغائب والممتنع ونحو ذلك. وحيث إن ولاية الفقيه لم تثبت عندنا بالنصوص الشرعية في الكتاب والسنّة، فإنها مقتصرةٌ على خصوص ما يتوقّف عليه حفظ النظام، فتدور مداره وجوداً وعدماً. وحول إمكانية تعدُّد الولي الفقيه قال: إنه لا دليل يمنع تعدُّد الفقهاء المتصدّين لتولي شؤون المسلمين العامة في الأقطار الإسلامية، إلاّ إذا عارض ذلك مصلحة المسلمين العليا وانتظام أمورهم، وجب العمل حينئذٍ بما يحقِّق تلك المصلحة. كما أنه لا يرى مانعاً من وجود وليٍّ فقيه في جميع المناطق أي تعدّد الوليّ الفقيه، وهو خاضعٌ إلى تعدُّد الظروف، وإنْ أمكن أن يكون واحداً للجميع فهو خيرٌ([36]).

وأما الشيخ محمد مهدي شمس الدين([37]) (1936م ـ 2001م) فسنورد رأيه فيما بعد.

تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة، للشيخ النائيني

كانت رسالة الشيخ النائيني إبّان الحركة الدستورية (المشروطة) قفزةً نوعية في الفقه الشيعي، وتحريك مياهه الراكدة في ما يخصّ مفهوم الدولة وبنيتها، عكسَتْ وَعْياً عميقاً، وفَهْماً واسعاً واستراتيجياً، وإدراكاً خارج المألوف، للشيخ محمد حسين النائيني&. ولا ننكر أن الأحداث السياسية المحيطة لعبَتْ دَوْراً هامّاً في فتح باب التساؤلات على مصراعيه حول موقف الفقهاء من هذه الأحداث، وكلّه يمكن اختصاره بجملةٍ، وهي: موقف الفقهاء من العدالة ورفع الظلم، وخاصّة مع وجود فقهاء متصدّين للتنظير والعمل في هذا الصدد؛ فكان من الفقهاء السنّة: عبد الرحمن الكواكبي، الذي كتب طبائع الاستبداد، وينقل أن الشيخ النائيني تأثَّر بهذا الكتاب جدّاً؛ وكان أيضاً محمد عبده، وأستاذه جمال الدين الأفغاني؛ وسبق ذلك حركة المجدِّد الشيرازي، وفتواه الشهيرة في تحريم شراء التنباك؛ لإفشال المخطط البريطاني في استعباد الناس والهيمنة على ثرواتهم، وغيرها من الأحداث السياسية التي أثارَتْ رياحاً من التساؤلات حول الموقف الشرعي ممّا يجري من أحداث.

وقد تصدّى الشيخ النائيني، تحت رعاية المرجعية في النجف الأشرف وتسديدها له، لطرح هذه الرسالة التأسيسية الهامّة، التي أرسَتْ باكورة الرأي الفقهي في ما يخصّ مفهوم الدولة، وخاصة أن السائد في تلك الفترة هو قناعة الفكر الشيعي تاريخيّاً بعدم تكليف الفقيه بذلك في زمن الغيبة، بل عدم وجوب ذلك.

أبواب الرسالة

الأبواب التي صنَّفها مؤلِّف الرسالة كانت كما يلي([38]):

مدخلٌ

عكس المدخل وَعْياً عميق ومتابعةً واسعةً للشيخ النائيني بالتحوُّلات السياسية في الغرب، وتشخيص المرض الذي عانى منه، وآلية علاجه في الغرب، ومصادر العلاج ونتائجه الأولى في ذلك الزمن؛ وشخَّص سبب بلاء المسلمين بالطواغيت وسبب تخلُّفهم؛ وأكَّد على تضافر الجهود السنية الشيعية بين النجف الأشرف والآستانة في إسطنبول ـ التي كانت تمثِّل الفقه السني ـ حول رفض الاستبداد والاستعمار والاستعباد؛ ووضَّح الفرق بين حقيقة الإسلام وما يدَّعيه الطغاة في تلك المرحلة باسم الدين.

واعتبر أن هدف الرسالة هو تنبيه الأمّة على ضروريات الشريعة، وتنزيه الملّة عن زندقة الإلحاد والبِدَع، وأن أَوْلى مَنْ يقوم بذلك هم العلماء، مستنداً على حديثٍ وصف سنده بالصحيح يقول: «إذا ظهرت البِدَع فعلى العالم أن يظهر علمه، وإلاّ فعليه لعنة الله»([39]).

 

المقدّمة

«اعتبر أن وجود سلطةٍ سياسية، أيّاً كان شكلها، قائمةٍ بشخصٍ واحد أو جماعةٍ، وسواء كان تولّيها مشروعاً أو كانت مغتصبةً، حصلَتْ بالقهر أو الاستيلاء أو بالوراثة أو الانتخاب، اعتبر ذلك محلّ إجماع الأمم وكلّ العقلاء، وأن بقاء النظام واستمرار معيشة الناس وحفظ شرف أيّ جماعةٍ واستقلالها وقوامها، سواء في المجالات الدينية أو الوطنية، متوقِّفٌ على وجود هذه السلطة السياسية، وتكون منهم ولهم. ويعود السبب في ذلك إلى: حفظ النظام الداخلي للبلد، وتربية الناس، وإحقاق الحقوق، ومنع الاعتداء، وسائر الواجبات العامّة التي تعود إلى مصالح الشعب والبلد والداخلية، وحفظ البلد من التدخُّل الأجنبي، والحَذَر من أساليب الاحتيال في هذا المجال، وإعداد قوى دفاعية، واستعدادات قتالية، وأمثالها. وهذا ما يسمّى في الشريعة بحفظ بيضة الإسلام، وتسمِّيها سائر الملل: حفظ الوطن»([40]).

وأهمّ ما ورد في المقدّمة هو:

ـ توصيف صور تسلُّط الحاكم على البلاد، من خلال صورتين:

1ـ المَلَكية، وهي حالةٌ استبدادية، تستعبد الناس، وتهيمن على ثرواتهم، كما كان في عهد يزيد، وأبيه معاوية من قبل.

2ـ السلطة المقيّدة الاستئمان. وهنا لا يوجد استعبادٌ ولا استملاكٌ ولا تصرّفٌ مطلق، كما هو حال المَلَكية، بل هو أداءٌ للواجب ورعايةٌ للمصالح العامة، وتكون صلاحيات الحاكم مقيّدة، ولا يحقّ له تجاوز الأُطُر المحدّدة له.

ـ تمييزه لحكم المعصوم وميزات هذا الوجود المبارك، والتأكيد على أن تمام الكمال المطلوب لا يتمّ إلاّ بهذا الوجود المبارك، لكنْ مع غيابه لا يعني القبول بالظلم، بل هناك بديلٌ شرعي يجب العمل عليه.

ـ تحرير إرادة الشعوب وتطوير قابليات الرقابة ومحاسبة الحاكم، واعتبار ذلك دَوْرهم الحقيقي، لا منّةً من الحاكم.

ـ تقييد الحاكم بدستورٍ تُميَّز فيه المصالح العامة التي يجب أن تُراعى عن الأمور التي لا يجوز التصرُّف فيها، وتُحدَّد فيه صلاحيات الحاكم، وحرّية الشعب، وتعيين حقوق كافّة أصناف المجتمع، وضمانها وفق تعاليم المذهب، ويوجب العزل الدائم للحاكم في حال إفراطه أو تفريطه في حفظ حقوق الشعب وممتلكاته.

ـ يشرف على تطبيقه هيئةٌ مدعومة من عقلاء القوم وحكمائهم، لديهم اطِّلاع واسع على أهمّ قواعد قيام الدستور، من حقوق وواجبات ونحوها، يكون قوامها من وكلاء الشعب وكوادره العلمية، يجتمعون في مجلس الشورى الوطني.

ـ تكون الرقابة فيها للهيئة على الحاكم والسلطات كافّة، دون أن تتحوَّل إلى سلطةٍ مستبدّة.

ـ تتحقّق مشروعية هذا المجلس في الإشراف وجواز تدخّله في الأمور من نظريّة أهل الحلّ والعقد على أساس المذهب السنّي، وإن اختيار الشعب لهم بحدّ ذاته يحقِّق الغرض برقابة الشعب لأداء السلطات وأداء الهيئة؛ وعلى المذهب الإمامي يكون بحضور عددٍ من المجتهدين العدول أو مَنْ يُؤْذَن له من قِبَلهم، وتأييد مواقفهم يكفي لمشروعية عملهم.

وتكون الرقابة قائمةً على الالتزام بما ورد في الدستور الذي قيّده بقيد عدم مخالفة بنوده للشريعة، وتحقيقاً للعدالة([41]).

الفصل الأوّل: حقيقة الحكم المطلوب في الأديان

أسّس الميرزا النائيني مشروعَه على قواعد عامّة تشمل جميع الأديان وكلّ الإنسانية؛ كونها مقيدة بمقيدات تقبلها الفطرة الإنسانية. فكان يكرّر الحكم المطلوب من قِبَل جميع الشرائع، بل وجميع العقلاء، سواء كان التصدّي له عن استحقاق أو اغتصاب، حيث جعل تأسيس الحكومة لأهداف:

ـ حفظ النظام؛

ـ رعاية شؤون الرعيّة؛

ـ تربية الناس؛

ـ حمل الأمانة العامة؛

ـ الإشراف على حفظ النظام؛

ـ القيام بسائر الواجبات المستلزمة لوظيفة حفظ النظام؛

ـ العدل؛

ـ المساواة في الحقوق والواجبات وتطبيق القانون.

واعتبر أن حقيقة الحكم قائمةٌ على أساس ولايةٍ على أمر نظم البلاد وحفظه، وبمثابة رعاية الرعيّة وما تستلزمه هذه الرعاية من لوازم([42]).

الفصل الثاني: المسؤوليّة في عصر الغَيْبة

في هذا الفصل وضَّح الميرزا النائيني بشكلٍ جليّ قاعدة ترجيح الأولى بأدنى مستلزماته لتحقيق العدل، فهو اعتبر أن وجود حاكمٍ مقيَّدٍ بدستورٍ ومجلس شورى رقابي، والذي أسماه النوع الثاني من الحكم، حتّى مع تصدّي غير المعصوم، الذي يعتبر في المذهب الإمامي غاصباً لهذا الموقع، مع وجود تقييدٍ له والتزامه بتحقيق العدالة وحفظ مصالح الناس، بحيث يكون هنا ظلمه فقط بحقّ وموقع الإمام المقدَّس فقط، هو أَوْلى من وجود نظامٍ مستبدّ يطال ظلمُه الجميع.

وبيَّن آليّةً مهمّةً جدّاً في تحويل هذا الحكم من غاصبٍ إلى شرعيّ، من خلال مجموعة شروط، أهمّها:

ـ التزامه بالدستور، وعدم مخالفة أحكام الشريعة.

ـ العدالة؛

ـ حفظ مصالح الناس.

فإن التزامه بذلك يدفع الحاكم الشرعي لإعطائه الإذن بالولاية أو الحكم؛ ليصبح حكمه شرعيّاً. وشبَّه ذلك بالمتنجِّس بالعَرَض الذي يطهر بهذا الإذن، بينما الشكل الأوّل، وهو حكم المستبدّ هو ظلمٌ ذاتيّ، لا يجوز صدور الإذن فيه على الإطلاق، فهو كالأعيان النجسة، لا تطهر إلاّ بزوالها تماماً([43]).

الفصل الثالث: إشكالاتٌ على الحكم الدستوريّ (المشروطة) وبدائله

في هذا الفصل اعتمد الميرزا النائيني على النصّ في التأسيس للحكم الدستوري، سواء كان نصّاً قرآنيّاً أو حديثيّاً؛ هذا فضلاً عن سيرة النبيّ| والأوائل في صدر الدولة الإسلامية([44]).

واستطاع التمييز بين الشورى في الأمور السياسية والعامة، وهو متعلق المشورة في الشرعية، وأما خروج الأحكام الشرعية عن هذا العموم فاعتبره خروجاً تخصُّصياً، وليس تخصيصاً، بحيث ميَّز بذلك بين شأن الفقيه وشأن الحاكم.

وجعل من مقوّمات الشورى ولوازمها:

ـ كسر هيبة مقام الخلافة أو الحاكم في أعين الناس، ومنحهم أعلى درجات الحرّية، وتشجيعهم على طرح آرائهم وانتقاداتهم، مستدلاًّ بخطبة أمير المؤمنين× في حقّ الوالي على الرعية وحقوق الرعية على الوالي. فإذا كان المعصوم يدفع لتحقيق هذا الحقّ للرعية فما دون المعصوم أَوْلى بتطبيقه كجزءٍ من منهج الإمام مُلْزِمٍ للجميع. واعتبر الشورى ركيزةً من ركائز الدين والمذهب. ورفع منسوب الحرّية يتطلَّب رفع منسوب الوَعْي حتّى لا تكون فوضى، فممارسة حقّ الانتقاد والرقابة يتطلّب معرفة المراقب لحقوقه وواجباته، ووظيفة الحكم وحقوقه، وفهم الأحكام الشرعية الخاصة بذلك، وهو ما يأتي ويُكتَسَب بالتطبيق والتجربة والممارسة، وليس فقط بالمعرفة النظرية.

ـ ردع الحاكم لا يكون إلاّ من خلال هيئةٍ رقابيّةٍ تمنع أيّ تجاوزٍ من الحاكم أو تسلُّطٍ واستبدادٍ، وتراقب أيّ تجاوزٍ على الدستور والقانون، أو أيّ تقنين لما يخالف الشرع. واعتبر أن تنصيب هذه الجماعة المقوّمة للحكم إنما هو في مذهب الإمامية لسدّ الخلل الناتج عن فقدان العصمة قَدْر الإمكان، وهو في مذهب أهل السنّة لسدّ فراغ القوّة العلمية ومَلَكة التقوى والعدالة، والحفاظ على استقامة الحكم الإسلامي، وعدم تجاوز الحدود المعيّنة له([45]).

ـ وجود دستور وقانون ينظّم عملية انتخاب الهيئة والحاكم، وتشريع القوانين وآليات الرقابة.

ـ وصفه لشكل ضبط الحكومة الجائرة، وأخذه بالحسبان الاختلافات الفقهية التي تعكس خروجه للبيئة الأكبر من بيئة المذهب، وإدراكه للواقع الجغرافي المحيط وملابساته.

وبهذه الشروط يصبح الحكم ولائياً([46]).

الفصل الرابع: بعض الإشكالات الواردة على المشروطة، والإجابة عنها

وكأيّ طرحٍ خارجٍ عن المألوف، وجديدٍ، ومواكبٍ فقهيّاً، وأصيلٍ في ذات الوقت، سيواجه كثيراً من الإشكالات الفقهية الناتجة عن حداثة الموضوع، وعن اختلاف المباني الفقهية والمدارس الفقهية حول فهم النصّ، واختلاف الرؤى حول مشروعية الدولة في الغيبة الكبرى، وحدود ولاية الفقيه.

أوّلاً: المغالطات التي ترتبط بأصل الحرّية المبارك؛

ثانياً: المغالطة حول المساواة؛

ثالثاً: مغالطات حول تعيين هيئة المراقبين، وعقد مجلس الشورى الوطني.

 

الفصل الخامس: مشروعيّة عمل النوّاب وتكاليفهم

تدخل النوّاب في الوظائف الحسبية يكون إمّا من خلال:

ـ إذن المجتهد المبسوط اليد؛

ـ تضمُّن المجلس الوطني عدداً من المجتهدين العدول، العالمين بأمور السياسة؛ لتصحيح آراء الأعضاء، وإعطائها صلاحية النفوذ.

الصفات اللازم تحقُّقها في المتصدّين:

ـ الإحاطة الكاملة في مجال السياسة، أي الاجتهاد في فنّ السياسة، والحقوق الدولية المشتركة، والمعرفة بخفايا الحِيَل المتداولة بين الدول، والخبرة في الوظائف المحولة إليهم، والعلم بمقتضيات العصر؛

ـ الابتعاد عن الأغراض الخاصّة والأطماع، والنزاهة من البخل، والجبن، والحرص؛

ـ يمتلكون غيرةً كافية على: دينهم، ودولتهم، ووطنهم الإسلامي، وعامّة المسلمين، يحفظون بذلك ثغور البلد وحدوده، ويحترمون روح كلّ فردٍ من أفراد الشعب وعرضه وماله، كما يحترمون أرواحهم وأعراضهم وأموالهم([47]).

أما تكاليف النواب فهي:

1ـ ضبط الخراج وتعديله، وتنظيم موارد الدولة ومصاريفها؛

2ـ الإشراف على عملية وضع القوانين، وتدوينها، وإحراز تطابقها مع الشريعة، وتشخيص المواد القابلة للإبطال أو التغيير عن غيرها؛

ميَّز هنا الميرزا النائيني بين قسمين من الأحكام:

أحكام أوّلية: تتكفّل بأصل القوانين التي تخصّ الوظائف العامة، لا يطرأ عليه تغيير، والتعبُّد فيها بالنصّ إلى يوم القيامة؛

أحكام ثانوية: تتضمّن العقوبات على مخالفة تلك الأحكام الأوّلية، وتتبع مصالح كلّ عصر ومصر ومقتضياته، وتختلف باختلافه وتحوّلاته.

والتكاليف إما تكون أحكاماً نصّ عليها الشرع، وحدّد الموقف منها، أو لم ينصّ عليها، وترك تحديد الموقف منها إلى رأي الوليّ، كما يقول الميرزا النائيني في رسالته([48]).

بالتالي يشخِّص الميرزا النائيني أين يكون التعبّد؟ وأين يكون الرجوع فيه لتشخيص الوليّ، وفق المتغيرات؟ فقال:

ـ القوانين التي يجب تطابقها مع الشريعة هي من الأحكام الأوّلية التي يجب التعبّد بالنصّ فيها، ولا يطرأ عليها تغيير؛

ـ أصل الشورى يختصّ بالأحكام الثانوية، ولا علاقة للأحكام الأوّلية الشورى والمشورة بتاتاً.

ـ ترجيحات النواب الخاصّين والمعيّنين من قِبَل الوليّ، والتي تكون في الأحكام الثانوية، تجعل هذا القسم من الأحكام ملزماً وواجب الطاعة؛ كون النائب أخذ إذن تفويضه من الناس، الذين لهم الحقّ في المشورة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة الانتخاب، وهي الطريقة المتاحة لتحقيق ذلك، بالتالي تمّ اختياره وفق معايير محدّدة، وعندما يجمع الأكثرية على ترجيحٍ في الأحكام الثانوية فهذا الإجماع يعتبر إلزاميّاً أيضاً.

ـ معظم السياسات العامة هي من الأحكام الثانوية، وتندرج تحت عنوان ولاية وليّ الأمر ونوّابه الخاصّين أو العامّين، وترجيحاتهم.

ـ القسم الثاني من السياسات النوعية لا يندرج تحت ضابطٍ محدود من قِبَل الشريعة، ويختلف حَسْب اختلاف الظروف واقتضاء المصلحة، لذلك أوكلَتْه الشريعة إلى المشورة، وقرار مَنْ له الولاية([49]).

الخاتمة: عناصر الاستبداد، وسُبُل مكافحتها

عناصر الاستبداد:

1ـ الجهل؛

2ـ الاستبداد الديني؛

3ـ الترويج لعبودية الملك، من خلال التزلُّف والتملُّق كبديلٍ لتقريب الكفاءات العلميّة، وكمعيارٍ لتولّي المناصب في الدولة([50])؛

4ـ إلقاء الخلاف بين الشعب وتفريق كلمته؛

5ـ الإرهاب والتخويف والتعذيب؛

6ـ اغتصاب الأموال العامّة وتسخير الجيش([51]).

سبل مكافحة الاستبداد:

ـ مكافحة الجهل؛

ـ مكافحة الاستبداد الديني؛

ـ اجتناب عبودية السلطان، وإشاعة المعرفة، وتصدّي أصحاب الكفاءة؛

ـ تحقيق الوحدة([52]).

خاتمةٌ واستنتاج

بعد ثورات الربيع العربيّ نحن أمام إشكاليّاتٍ متداخلة:

1ـ رؤية الفقيه حول علاقة الدين في السياسة، وبالتالي وظيفة الفرد الشيعي فيها، وعلاقته بها.

2ـ الفرد الشيعي كمواطنٍ وعلاقته بمجتمعه ووطنه.

3ـ الدولة وعلاقتها بالشعب.

فما يلاحق الشيعة في أوطانهم هما مسألتان مهمتان: الأولى: الانتماء؛ والثانية: الولاء، وخاصّة بعد ثورة الإمام الخميني، قد باتت نظرية الفقيه محلّ اشتباكٍ فقهي وسياسي، إذ إنها فقهيّاً من المسائل الخلافية، لا كأصلٍ ثابتٍ، وإنما كسَعَةٍ وحدود تصف هذه الولاية وفاعليتها الجغرافية وحدود هذه الفاعلية.

فالمسلمون الشيعة في أوطانهم مواطنون، لهم حقّ المشاركة السياسية، وحقّ الإصلاح السياسي، وبالتالي حقّ تقديم نظريات ورؤى حول الدولة من منظورٍ قد يسهم في تطوير العمل السياسي، ويعزِّز من حقّ الشعب في الشراكة السياسية.

والاطّلاع على آراء كثيرٍ من علماء الدين من المسلمين الشيعة الكبار يكشف عن حجم الجهل لدى الكثيرين بالفكر السياسي الذي بناه فقهاء الشيعة، وكيف عزّزوا انتماء كلّ شيعي إلى وطنه، ووضعوا فوارق واضحة بين تقليد المرجع الفقيه أو الإيمان بولاية الفقيه. هناك خللٌ في التفريق بين هذا الاتباع الذي ينبع من اعتقادهم ومنظومتهم العقدية وبين ولائهم لأوطانهم والتزامهم بالقوانين ونظمها السياسية؛ لأن الأصل عدم جواز الفوضى التي تؤدّي إلى هدر دماء الأبرياء. فالفقه الشيعي دقيقٌ جدّاً في موضوع النظم وحفظ الدماء.

وقد كان للشيخ محمد مهدي شمس الدين مجموعة وصايا لعموم المسلمين الشيعة في مختلف الأوطان قائلاً: «أوصي أبنائي إخواني الشيعة الإمامية، في كلّ وطنٍ من أوطانهم، وفي كلّ مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم، وفي مجتمعاتهم، وفي أوطانهم، وأن لا يميِّزوا أنفسهم بأيّ تمييزٍ خاصّ، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصّاً يميِّزهم عن غيرهم؛ لأن المبدأ الأساس في الإسلام هو وحدة الأمّة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمّة تقتضي الاندماج وعدم التمايز.

وأوصيهم بأن لا ينجرّوا وأن لا يندفعوا وراء كلّ دعوةٍ تريد أن تميِّزهم، تحت أيّ ستارٍ من العناوين، من قبيل: إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل: كونهم أقلِّية من الأقلِّيات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتَّع بها سائر الأقلِّيات. إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شرّاً مطلقاً، عادَتْ على الشيعة بأسوأ الظروف. الشيعة يحسِّنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام، والاجتماع الإسلامي العام، والاجتماع القومي العام، ولا يجوز ولا يصحّ أن يحاولوا ـ حتّى أمام ظلم الظلمة ـ أن يقوموا بأنفسهم وحدهم بمعزلٍ عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصّة؛ للتصحيح والتقويم؛ لأن هذا يعود عليهم بالضَّرَر، ولا يعود على المجتمع بأيّ نفعٍ. وقد جرَتْ سيرة وسنّة أهل البيت^ على هذا النهج، ووصايا الإمامين الباقر والصادق وغيرهما من الأئمّة^ على هذا النهج([53]).

يقول الشيخ شمس الدين حول الاضطهاد: «إن القوى العظمى، سواء في العالم الغربي أو في أماكن أخرى من آسيا، تركِّز على التنوُّعات الموجودة داخل المجموعات الوطنية والقومية الأخرى، وتركّز على حقوق الأقلِّيات. وهذه القوى حينما تنشئ الهيئات، وتعقد المؤتمرات والندوات، فإن حافزها الحقيقي ليس إطلاقاً تحرّي العدالة في إنصاف هذه الأقلِّيات ممّا يصيبها من الأكثرية التي تعيش بينها، وإنما هدفها هو إعادة تقسيم المجتمعات الوطنية في العالم الثالث؛ تمهيداً لبثّ الفتن بينها، والسيطرة عليها، واقتطاع أجزاء منها، تتعامل معها ضدّ أوطانها وضدّ مصالحها العامة.

ويضيف الشيخ شمس الدين حول مفهوم الأمّة ووحدتها: «ومن هنا نحن وضعنا قاعدةً نتمسَّك بها، وهي أن الشيعة ليسوا أقلِّيةً في العالم الإسلامي، وليسوا أقلِّيةً في الوطن العربي، لذلك فإن أيّ دعوةٍ لحماية الأقلِّيات، وإنصاف الأقلِّيات، هي مخاطرة كبرى لا يجوز السَّيْر فيها، وينبغي التوقُّف عندها».

وأما ما يثار حول قضايا الاضطهاد والحرمان التي يتعرَّض لها الشيعة في كثيرٍ من أوطانهم في العالم العربي وغيره فيردّه الشيخ شمس الدين بالقول: «إن هذه المظالم موجودة، ولكنّ التغلب عليها لا يكون بالاستجابة لدعوات حقوق الأقلِّيات، وإنما بالعمل السياسي الإنساني الدائم لتوثيق عرى الاندماج، بجميع سبل الاندماج، في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في أوطانهم، وفي توثيق نظام المصالح العام، وفي زيجاتٍ مختلطة، وفي كلّ شيءٍ يمكن أن ينشئ شبكة مصالح عامّة للمجتمع، يكون الشيعة جزءاً من نسيجها لا ينفصم»([54]).

وقد كان للشيخ محمد مهدي شمس الدين مقولةٌ شهيرة، ختم بها وصاياه قائلاً: «على المستوى العربي، وعلى المستوى الإسلامي، في منطقتنا العربية الإسلامية لا توجد أقلِّياتٌ مسلمة، ولا توجد أقلِّياتٌ مسيحية، توجد أكثريتان: إحداهما: أكثرية كبيرة، هي الأكثرية العربية التي تضمّ مسلمين وغير مسلمين؛ والأخرى: هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضمّ عرباً وغير عرب. والشيعة مندمجون في هاتين الأكثريتين؛ وهم تارةً من الأكثرية العربية؛ وهم تارةً جزء من الأكثرية الإسلامية، وكلّ شيءٍ دون هذا فهو مشروعُ فتنةٍ، وفخٌّ لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم كشيعة، ومخالفة لمصالحهم كعرب ومسلمين»([55]).

لذلك كان يؤكِّد على التالي:

«على الشيعة في كلّ وطن من أوطانهم تجنُّب رفع شعار حقوق الطائفة والمطالبة بحصصٍ في النظام. وبأن لا يسعى أيٌّ منهم إلى أن ينشئ مشروعاً خاصّاً للشيعة في أوطانهم ضمن المشروع العامّ، لا في المجال السياسي أو الاقتصادي أو التنموي. وأوصيهم بأن يندمجوا في نظام المصالح العام، وفي النظام الوطني العام، وأن يكونوا متساوين في ولائهم للنظام والقانون وللاستقرار، وللسلطات العامّة المحترمة»([56]).

فتنامي التأمُّل حول الدولة في الفقه الشيعي يكشف عن تعدُّدية المشروعات السياسية التي تنجم عن تعدُّد القراءات للتراث الشيعي، ويدعو التنامي إلى تعميق مفهومَيْ التراث والحداثة([57]).

الهوامش

(*) كاتبةٌ وباحثةٌ في الفكر الدينيّ والسياسيّ. من الكويت.

([1]) علي الحسيني (أستاذ الفقه والأصول في الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة)، الأمور الحسبية في الفقه الشيعي ودور الفقيه فيها :

موقع الاجتهاد

([2]) المصدر نفسه.

([3]) تاريخ ابن خلدون ١: ٢٨٠.

([4]) حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه  ٢: ٢٧٠.

([5]) الشيخ محمد حسين النائيني، تنبيه الأمة وتنـزيه الملة: 17، مراجعة وتقديم: د. عبد الجبار الرفاعي.

([6]) الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة 1: 112، تحقيق: السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، طهران، ١٤١٠هـ.

([7]) دراسة للدكتور عبد الجبار الرفاعي، مفهوم الدولة في مدرسة النجف، سياقات المفهوم وتحولاته في التاريخ القريب من الشيخ النائيني إلى السيد السيستاني.

([8]) المشروطة والمستبدة ثورة حدثت في (١٩٠٥ ـ ١٩١١م)، أدَّت الثورة إلى إقامة مجلس نواب في عهد السلالة القاجارية التي كانت تحكم إيران.

([9]) مفهوم الغيبة عند الشيعة الإمامية يعني غيبة الإمام الثاني عشر المهدي، حيث يعتقد الشيعة أن إمامهم الثاني عشر غاب؛ لظروف موضوعية، وأنه سيظهر في آخر الزمان، وهي فكرةٌ شبيهة بفكرة المخلِّص عند المسيحية واليهودية، بعنوانها العام، وليس بتفاصيلها.

([10]) ينظر: السيد المرتضى، الشافي في الإمامة: ١: ١٠ ـ ١٢؛ الشيخ المفيد، أجوبة المسائل الحاجبية: ٨٩.

([11]) الحسبية مصدرها الحِسْبة، وهي كما يجمع أئمة اللغة تعني الأجر والثواب، ومصدر الحِسْبة الصناعي هو الحِسْبية، أي الأعمال التي يتمّ إنجازها بنية تحصيل الأجر والثواب لا غير.

([12]) محمود حيدر (سلسلة مصطلحات معاصرة ـ الدولة فلسفتها وتاريخها من الإغريق إلى ما بعد الحداثة)، الفصل الأول: ٢٣، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسية المقدسة.

([13]) د. طالب الحمداني، النظرية السياسية عند محمد باقر الصدر: 123، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد.

([14]) المصدر السابق: ١٢٤.

([15]) المصدر السابق: ١٢٥.

([16]) الشيخ مقداد الربيعي، الدولة في الفقه الشيعي، تسع نظريات للحكم (تمّ الاطلاع في ٢١ / أغسطس / ٢٠٢٠):

موقع الاجتهاد

([17]) يعني تعبير «الولي الفقيه» ـ سواء بالعربية أم بالفارسية ـ مفهوماً في الشريعة الإسلامية، وهو نظام تقوم عليه المؤسّسة الكبرى لمنظومة السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كونستاس أرمينجوم هاشم.

([18]) في كتابه تجارب محمد جواد مغنيّة: ١٦٥.

([19]) الشيخ مقداد الربيعي، الدولة في الفقه الشيعي، تسع نظريات للحكم (تمّ الاطلاع في ٢١ / أغسطس / ٢٠٢٠):

موقع الاجتهاد

([20]) هيثم مزاحم، الإمام محمد مهدي شمس الدين ولاية الأمة على نفسها، (تاريخ النشر: ٣٠ / ٣ / ٢٠١٢م) انظر الرابط:

http://www.shafaqna.com/arabic/marjeiats/item/5599

([21]) عبد المنعم شفيق، حزب الله رؤية مغايرة أصول وجذور (تـاريخ: 11 / 3 / 2011)، الرابط:

http://www.dawatalhak.com/newsdetails.asp?id=1379

([22]) الشيخ محمد حسين النائيني، تنبيه الأمة وتنـزيه الملة: ١٧.

([23]) الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة ١: ١١٢.

([24]) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية: 80، ترجمة وإعداد: مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، بيروت، نشر مركز بقية الله الأعظم، ١٩٩٨، ط١.

([25]) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية: ٤٣.

([26]) جعفر بن خضر بن يحيى النجفي(١٢٢٨هـ)، المعروف بالشيخ جعفر كاشف الغطاء: تولى الرئاسة العامة للشيعة بعد وفاة أستاذه العلاّمة بحر العلوم.

([27]) أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذرّ النراقيّ(١٢٤٥هـ): فقيهٌ ومحدّث ورجالي ورياضي وأستاذ الفنون والعلوم العقلية.

([28]) الميرزا حسين (أو محمد حسين) بن عبد الرحيم النائيني النجفي (١٢٧٣ ـ ١٣٥٥هـ): فقيه وأصولي، ومن كبار مراجع الشيعة. ومن أبرز أعماله في الفقه السياسي: تنـزيه الملة وتنبيه الأمة، بعد إعلان الحركة الدستورية في إيران، وكان من المراجع التي انحصرت فيه مرجعية الشيعة بعد وفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي.

([29]) «المقبولة» هي الحديث الذي يقبل العلماء مضمونه، ويعملون وفقه، دون التفات إلى صحة سنده أو عدمها، مثل: مقبولة عمر بن حنظلة، ولكنْ في العصر الحالي هناك من العلماء مَنْ صحَّح حديث عمر بن حنظلة بعد توثيقه.

([30]) عوائد الأيام: ١٨٧ ـ ١٨٨؛ ومنية الطالب في حشية المكاسب ٢: ٣٢٥ ـ ٣٢٧.

([31]) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية: ١٥٨.

([32]) مقال للدكتور علي المؤمن في موقعه: مبدأ ولاية الفقيه، الثابت التأسيسي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

([33]) فيلسوف وعالم دين إسلامي، مؤسّس مؤسّسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، عضو مجلس خبراء القيادة في إيران، وأحد أبرز علماء الدين في إيران.

([34]) محمد تقي مصباح اليزدي، مجلة حكومت إسلامي، العدد 1: 81 ـ 86، السنة الأولى، خريف عام ١٩٩٦م.

([35]) مرجع دين لبناني، ومن أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي، ومن أكثر علماء الشيعة انفتاحاً على التيارات الأخرى.

([36])at.orhttp://arabic.bayy g

([37]) أحد أعلام الفكر الإسلامي الشيعي، وكان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.

([38]) تنبيه الأمة وتنـزيه الملة، ترجمة: مشتاق الحلو، مراجعة وتقديم: د. عبد الجبار الرفاعي، مركز دراسات فلسفة الدين ـ دار التنوير للطباعة والنشر، بغداد ، ط1، ٢٠١٤م.

([39]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار ١٠٦: ١١٨، ط٢، بيروت، مؤسسة الوفاء ١٤٠٣هـ.

([40]) المصدر السابق: ٨٣ (بتصرّف).

([41]) المصدر السابق: ٨٦ ـ ٨٧ ـ ٨٨ (بتصرّف).

([42]) المصدر السابق: ١٠٣.

([43]) المصدر السابق: ١١٠ (بتصرّف).

([44]) للمزيد من المراجعة: المصدر السابق: ١١٥ ـ ١١6.

([45]) المصدر السابق: ١١٨.

([46]) المصدر السابق: ١٢٠.

([47]) للمزيد راجع: المصدر السابق: ١٤٣ ـ ١٤٤ ـ ١٤٥.

([48]) المصدر السابق: ١٤٨ ـ ١٤٩.

([49]) للمزيد راجع: المصدر السابق: ١٤٩ ـ ١٥٠ ـ ١٥١ ـ ١٥٢.

([50]) للمزيد راجع: المصدر السابق ١٥٧ ـ ١٥٨.

([51]) للمزيد من الشرح: المصدر السابق: ١٥٩ ـ ١٦٠ ـ ١٦١ ـ ١٦٢ ـ ١٦٣.

([52]) للمزيد من الشرح: المصدر السابق: ١٦٤ ـ ١٧٤.

([53]) وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين: 17، 18، دار المدى للثقافة والنشر، ط٢.

([54]) وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين: 51، 52، 53.

([55]) المصدر السابق: ٥٦.

([56]) المصدر السابق: 35، 36.

([57]) كنستاس آرمينجون هاشم، المذهب الشيعي والدولة: رجال الدين واختبار الحداثة: ١١، دار نينوى، ط١، ٢٠١٥م ـ ١٤٣٦هـ.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً